7- خيط الأمل الرفيع
كان منزل سوزان الفسيح مفمورا بشمس الصباح عندما ترجلت مارشا من سيارة الاجرة واخذت تتأمل المبنى .
كان المنزل محاطا بالمروج المشذبة والاشجار والازهار الملونة .
كانت مارشا قد اتصلت بسوزان هذا الصباح وبدا واضحا ان المرأة تنتظرها اذ انفتح الباب الامامي فجأة وخرجت سوزان باسمه :
- مارشا ! ما اجمل ان اراك , تفضلي .
عندما وصلت مارشا الى سوزان اخذتها هذه في عناق قصير هادئ ثم دخلت الى الردهة الانيقة .
سارت سوزان اماما الى غرفة الجلوس الفسيحة ذات الاثاث الثمين . تذكرتها مارشا منذ كانت تعيش مع تايلور وكان الاخ واخته قد حصلت بيتها عدة مشاحنات كلامية بسبب اسعار بعض قطع الاثاث التي وصل ثمنها الى مئات الالوف من الجنيهات .
وعندما جاءت سوزان باكية الى اخيها تشكو من عدم قدرتها على سداد ثمن ما اشترته , سدد و دينها , ولكن ليس قبل ان يوضح لها استياءه من هدرها للمال الذي هو في الاصل , ماله هو .
جادته سوزان وبكت واستاءت للغاية فذهبت الى عطلة اسبوعية في احد المنتجات وهي في ذروة الاستياء من تايلور ومن زوجها .
خلال تلك المشاجرة رأت مارشا ان علاقته بأخته هي علاقه أب بابنته اكثر منها علاقه اخ بأخته .
وذات ليله بعد ان استقرت الامور حدثها بأن اباهما عابر سبيل في حياتهما , حتى قبل ان تموت امهما فاستلم مسؤولية سوزان منذ الطفولة .
وقد فسر هذا كثيرا من الامور مثل شغف سوزان بأخيها , وتساهله هو نحو نزواتها احيانا في متطلباتها الفاحشة .
- لقد افتقدتك .
قالت سوزان هذا لمارشا وهي تضع يدا باردة على ذراعها بعد ان استقرتا في قاعة الجلوس .
وبعد لحظة دخلت مديرة المنزل بصينية القهوة .
وعندما خرجت المرأة انحنت سوزان الى الامام وقد بدت عيناها اللتان كانتا نسخة باهته عن عيني تايلور العميقتين دافئتين على غير العادة :
- كيف تسير الامور يا مارشا ؟
شرحت مارشا لها باختصار عن وظيفتها وبيتها وكانت سوزان تستمع بامعان .
- وهل انت مستمتعه بعملك ؟ هل انت سعيده ؟
كان في لهجة سوزان نوع من الالحاح ادهش مارشا التي ابتسمت برقة لاهتمام المرأة بها قالت :
- نعم احب عملي لأن فيه تحديا ومكسبا وكل يوم فيه مختلف .
- ولكن هل انت سعيدة ؟
رشفت قهوتها وهي تفكر ... ليس من عادتها ان تكشف عن مكنونات قلبها , وهي غير مستعده لذلك الآن وتقول انها سعيده .
صحيح انها راضية بالحياة التي صنعتها لنفسها . ومع ذلك الرضا , ازداد احترامها لنفسها عن ذي قبل ولكن بالنسبة الى السعاده .. تايلور هو السعاده , والمتعه هي تايلور .
وضعت الكوب مكانه وهي تتمالك نفسها :
- السعاده امر نسبي ولكن هل استطيع ان اخبرك لماذا جئت اليوم ؟
- شيء يتعلق بتايلور كما اظن .
- هل اخبرك انه جاء ليراني ؟
وتملك مارشا شيء من الدهشة ذلك ان سوزان وتايلور متقاربان للغاية لكنها لأمر ما , ظنت انه سيكتم امر الايام الماضية الى ان يصلا الى حل .
أومأت سوزان وعيناها مسمرتان على وجه مارشا :
- قال ... قال انك مازلت مصرة على عدم العودة اليه . هل هذا صحيح ؟
فعادت مارشا تقول مراوغة :
- سوزان , اريد فقط ان اراجع معك بعض الاشياء ...
وسكتت فجأة . لم تعرف كيف تقول ما تريد :
- انه بالغ العناد في انكاره علاقته مع تانيا او أي امرأة اخرى , لاقبل ولا بعد انفصالنا . هل يمكن انك كنت مخطئة ؟
استمرت سوزان تحدق فيها لحظة قبل ان تسبل جفنيها لتتناول فنجانها , ثم قالت بفتور :
- لقد اتصلت بنفسك بالفندق .
تشنجت معدة مارشا . كانت متلهفة الى شعاع من الامل وقد ادركت هذا الآن :
- اعلم هذا . يقول تايلور ان الحجز كان خطأ اعني بالنسبة الى الغرفة المزدوجة له ولتانيا . يقول انه اخذ السرير الوحيد الذي كان خاليا في غرفة رجل آخر معه في المؤتمر . واكد لي انه كتب لي رسالة يخبرني فيها بكل شيء ... .
رفعت سوزان رأسها وبدا وجهها متوترا :
- ماذا تريدينني ان اقول يا مارشا ؟ انت قررت ان تتركيه حينذاك وانا لا ارى ما الذي تغير .
بادلتها مارشا النظر لحظة طويلة , ثم عادت تغوص في الاريكة واضعه يدها على جبينها . كانت تتعلق بقشة ولكن من الواضح ان ليس لدى سوزان شك في خيانة تايلور .
- انا ... انا اريد ان اصدقه .
قالت مارشا هذا بصوت مخنوق ودموعها تنهمر بالرغم منها .
- آه , انا اسفة حقا يا مارشا .
وفجأة اصبحت سوزان بجانبها تحتضنها :
- لكنك اخبرتني لتوك عن حياتك الرائعه التي صنعتها لنفسك بدون . ستكونين على مايرام . انت بالغة الذكاء والجمال .. واللطف .
وعندما تهدج صوت سوزان واخذت تبكي معها ادركت مارشا ان عليها ان تستعيد اتزانها . ما كان لها ان تأتي الى هنا اليوم فهذا لا ينفعها بشيء .. سوى ان يفتح الجرح القديم لينزف من جديد .
ابتعدت عن سوزان بقدر امكانها من رباطة الجأش وهي تقول بصوت ما زال باكيا :
- انا هي الآسفة يا سو . جئت الى نا وكدرتك بعد كل ما فعلته لأجلي . لابد انه كان صعبا عليك ان تخبريني عن تانيا وكل شيء , رغم حبك الشديد لتايلور . علي ان اذهب الآن .
فقالت سوزان بلهفة :
-لا ,لا , لاتذهبي . ابقي قليلا , ارجوك ! خذي مزيدا من القهوة وستتحسنين .
لايمكن ان يكون شعورها اسوأ مما هو . وحاولت مارشا ان تيتسم وهي تومئ برأسها .
- لقد افتقدتك كثيرا يا مارشا , صدقيني ! وكثرة الاصدقاء لا تعني بالضرورة انهما الافضل .
قالت هذا بمرارة جعلت الدهشة تنسي مارشا تعاستها , فوضعت يدها على ذراع سوزان :
- هل من خطب ؟
- اجل ! ولكن هل هناك حياة كاملة ؟
وتشاغلت بإعادة سكب القهوة .
اصبح الحديث الآن متكلفا , فقد اخذت مارشا بخير سوزان بالمزيد عن شركة التلفزيون , وكيف يسير العمل . كما حدثتها سوزان عن آخر مسرحية أو فيلم رأته .
وعندما وقفت مارشا لتخرج امسكت سوزان يدها قائلة :
- لا اظنك اخبرت تايلور عني ... .
فهمت ما تحاول ان تقوله سوزان فالتوت ابتسامتها وهي تهز يدي سوزان بلطف :
- طبعا لم اخبره . فقد وعدتك ونحن صديقتان , اليس كذلك ؟بل اكثر من صديقتين نحن اسرة واحده .
لمعت عينا سوزان ثم اغرورقتا بالدموع . ولا اكثر من مرة منذ زيارة مارشا لها , ادهشت مارشا بضمها اليها بعنف . لم يكن من عادة سوزان اظهار مشاعرها بهذا الشكل حتى مع ديل .
والشحص الوحيد الذي كانت سوزان تحتضنه من كل قلبها هو تايلور وحتى هذا كان بشكل مختصر .
ناك خطب ما حتما , وخطب هام جدا ! انها تشعر بذلك فحاولت لأخر مرة :
- هل تشعرين بأنك بخير يا سو ؟ تبدين على غير عادتك.
تراجعت سوزان على الفور ومسحت دموعها بيدها :
- شكرا لكنني بخير , يسرني فقط ان أراك وهذا كل شيء .
وابتسمت !
انها لا تستطيع ان تفرض على سوزان الافضاء اذا لم تشأ الحديث وابتسمت لها وقالت مداعبة :
- انت افتقدت فقط جولات التسوق تلك التي اعتدت ان تجريني معك اليها , هذا كل شيء .
فقالت سوزان بكآبة :
- كنا نمرح معا اليس كذلك ؟
- كثيرا .
وللمرة الاولى لاحظت مارشا ان نحافة سوزان تجاوزت الحد . صحيح ان سوزان شديدة الحرص على رشاقتها ولكنها الآن هزيلة بشكل واضح .
كانت مارشا قد اتصلت قبل دقائق لتطلب سيارة اجرة وعندما فتحت المرأتان الباب وجدتاها امامه .
ابتسمت مارشا لسوزان مصممه على ان تفترقا بشكل مشرق :
- اتمنى لك وقتا طيبا . سرني ان اراك مرة اخرى , انتبهي لنفسك .
- وانت ايضا اتمنى لو تركتني اوصلك بنفسي .
لكن مارشا كانت بحاجه الى الانفراد بنفسها :
لا ضرورة لذلك اذا انا تحدثت الى تايلور لن اقول له عن زيارتي لك . اتفقنا ؟
فأومأت سوزان :
- الى اللقاء ما رشا .
ما ان جلست في التاكسي ومالت لتغلق الباب حتى رات سوزان بجانبها :
- هل يمكننا ان نتقابل احيانا ؟ نتناول الغداء معا او ما شابه ؟
قالت هذا باللهفة التي كانت مارشا لاحظتها من قبل اكثر من مرة .
لم تعرف مارشا ما تقول فقد اقتلع هذا اللقاء قلبها من جذورة مرة اخرى ولكن كان واضحا ان علاقتهما هامة بالنسبة الى سوزان .
امسكت بيد سوزان البارده :
- انا بحاجه الى ان اجعل تايلور يفهم حقا كل شيء , ونهائيا . عندما يتم الطلاق سأشعر ... بان كل شيء اصبح سهلاوعند ذلك سنتلاقى اذا شئت.
واغرورغت عيناها بالدموع بالرغم منها وهي تقول ذلك , فاضطربت سوزان وتمتمت :
ما كان لي ان اسألك .
- بل عليك ذلك طبعا , اننا صديقتان , والاصدقاء لبعضهما البعض عند الحاجه مهما حدث . الى اللقاء .
وضغطت على يد سوزان لأخر مرة .
اغلقت سوزان باب السيارة دون ان تقول المزيد . وعندما ابتعدت السيارة لوحت مارششا لها بيدها .
ثم اغمضت عينيها وهي تتنهد . يكفي امالا ! كانت غبيه حين ظنت ان سوزان ستقول شيئا غير الذي قالته منذ 18 شهرا . لم تعرف لماذا جاءت اليها الآن .
وكما قالت لبيكي سوزان هي اخت تايلور وهي تحبه حتى العبادة , ولابد ان تجزئه الولاء بينها وبين تايلور هي معركة حقيقية بالنسبة اليها .
عليها ان تتقبل فكرة انفصالهما وان النهايات السعيدة لا تحدث سوى في الحكايات اما الحقيقة فمختلفة والناس الحقيقيون مختلفون جميعهم مثل امها وصديقتها في الميتم ... ومثل تايلور .
لكنها كانت تظن تايلور غير عادي لقد جعلها تؤمن بالنهايات السعيدة ظنت انهما سينشئان اسرة لهما ... اسرة آمنه قوية ,ومتضامنه لم تكن تريد ان تمضي بقية حياتها وحدها .
- هل انت على ما يرام يا عزيزتي ؟
اعادها صوت السائق الى دنيا الواقع فأومأت بسرعه :
- نعم , شكرا .
- يظهر انك متأثرة بالجو قليلا .
- انا بخير .
- الانفلونزا شائعه كما تعلمين . اصيبت زوجتي بها منذ اسبوعين , واثنين من اطفالي خارج المدرسة الآن . اظن الاصغر لا يحب المدرسة , و .... .
اومات مارشا محاولة ان تكون مهذبة وهي تتمنى ان يقتصر على قيادة السيارة .
لابد انه فهم لأنه اقتصر فعلا على قيادة السيارة .
كانت قد اتصلت بجنيف في بيته في الصباح الباكر قائلة ان امرا غير متوقع حدث فهي تريد ان تأخذ يوم اجازة اذا كان هذا ممكنا .
- مشاكل ؟
وعندما اخبرته بأنها امور شخصية قال ان لا حاجه بها الى ان تستعمل ايام اجازتها , ولكنه تمنى عليها ان تأتي ساعه او ساعتين في نهاية اليوم اذا كان هذا ممكنا .
رأت الآن انها مسرورة لذلك . لأن وظيفتها كثيرة المتطلبات وهذا بالضبط ما تحتاجه . التفكير في الذهاب الى رغفتها الخالية ملأها ذعرا .
ستذهب الى المكتب قبل الغداء مباشرة وستحرص على الا تخرج منه الا وهي مرهقة . وبهذه الطريقة تضمن انها ستنام حالما تصل الى بيتها .
كانت معتوهة حين زارها تايلور هذا الصباح لكنها لن تقترف نفس الغلطة مرة اخرى . من الآن فصاعدا لن تدخله الى بيتها ولو هدد بان يوقظ الشارع بأكمله .
غدا سترتب امر مقابلته في مكان ما , وستعلن له بوضوخ ان دعوى الطلاق تسير في مجراها .
ولكن كيف يمكنها العيش من دونه ؟ وكيف يمكنها ان تعيش بقية حياتها وهي تعلم انه في ذا العالم ؟ وانه يسير ويأكل ويتنفس ويحب ... ولكن ليس معها ؟
كفى هذا !.. وفتحت عينها بحده غاضبة من نفسها لقد عاشت 18 شهرا بدونه ويمكنها ان تستمر من دونه .
قد يكون خلابا وحنونا وجذابا لكنه ايضا قاس ومتغطرس وصلب حين يشاء .
والمزايا التي تجذبها اليه تجذب نساء اخريات , وهي لا تريد ان تمضي حياتها تتحكم فيها الغيرة وتنهش قلبها . على قرارها هذا ان يكون حاسما هذه المرة . انها طبعا ستستمر في حيه دوما , لكنها لن تدع تايلور يعلم هذا .
ومرة اخرى انتزعت نفسها من افكارها بقوة ارادتها عليها الا تدع ذهنها يشرد لحظة واحده وعليها ان تحرص على سيطرتها على نفسها والا انتبهت في مصح عقلي .
لقد اتخذت قرارها الوحيد منذ عام ونصف ولم يتغير شيء . وليس بامكاناها ان تمضي حياتها متساءله متي سيتعب منها نهائيا, عندما تدخل امراة اخرى قلبه وعقله وروحه . العيش وحدها بقية حياتها هو افضل من هذا .
لن تدع نفسها تصبح ضحية ! امرأة من النوع الذي يصبر على الاذلال من اجل الحب .
- وصلنا يا انسة .
عندما وقفت السيارة امام مبنى التلفزيون نزلت منها ودفعت للسائق اجرا سخيا تعويضا عن عدم رغبتها في الكلام معه .
لقد صنعت حياة لنفسها وهي حياة جيده ويجب ان تكون كافية .