1-انت لي
-اراهن علي انك الوحيدة فى الغرفة التى لم تلاحظ ذلك الرجل الرائع برفقة تلك المتسلطة,اليس كذلك؟
-ماذا؟
ورفعت مارشا عينيها الخضراوين مجفلة,فتنهدت الفتاة الممتلئة الجسم الصغيرة الحجم الواقفة امامها ,باستسلام)اعرف ذلك....كل المكان يضج فضولا بينما انت معنا هادئة كالعادة).
-بيكى...انت تعلمين اكثر من أي شخص اخر اننى بحاجة الي وقائع لاجل برنامج باكسترلاجتماع الغد...وبصفتك سكرتيرتى...
قالت مارشا هذا بصبر وهى ترفع كاس المياه المعدنية الي شفتيها فقاطعتها بيكى:(انا اتحدث بصفتى صديقتك وليس سكرتيرتك.ومن المفترض ان يكون هذا اللقاء احتفاليا كمكافاة لعملنا الشاق وانت الوحيدة التى لا تستغل فرصة الطعام والشراب المجانى).
فاجابت مارشا:(افضل ان اقوم بعملي صافية الذهن).
-اه,ولكن لا يفترض بك ان تعملي الان.من النادرجدا ان يعترف ذوو السلطة بعظمة الفريق الذي يعاونهم,افلا تاخذين عدة دقائق تستمتعين فيها بهذه المناسبة ؟
تنهدت مارشا مستسلمة.عندما تصر بيكى علي شىء تصبح عنيدة ,وهذا ما جعلها سكرتيرة ممتازة من بعض النواحى,ولكنها ايضا,مزعجة من نواح اخري.
وبيكى تكبرها بثلاث سنوات فقط,فهى فى الثلاثين,وهى رزينة ووقور معظم الوقت,كما انها وفية جديرة بالثقة وعاملة مجدة ومحافظة,ومارشا تعد نفسها محظوظة بوجودها معها فى عالم التلفزيون,فى الدائرة التى قررت ان تجعلها مهنتها.
-لا باس!انت انتصرت.
-عظيم.
واشرق وجه بيكى المستدير الجميل بالابتسام وهى تنظر الي المراة الرشيقة الرقيقة الجالسة علي اريكة فى زاوية هادئة من الغرفة الصاخبة.
-اظنك ستغادرين مخباك.
-ليس مخبا بيكى.
قالت مارشا هذا بجفاء.ثم وقفت وهى تكبح اهة,وتسوي خصلة من شعرها الاشقرتبعدها عن وجهها ثم تتبع بيكى الي حيث يموج الحشد ويتعالي الضجيج,فكانت احاديثهم ترتفع وتنخفض طوال الساعة الاخيرة.
وقالت مارشا وهى تنظر فى انحاء الغرفة المزدحمة:(اين اذن ذلك الرجل الرائع؟لا اظن ان بينيلوب اكلته؟).
بينيلوب بلهام هى المديرة التنفيذية فى محطة التلفزيون التى يشتغلون فيها,وقد اكتسبت عن جدارة سمعة بالقسوة فى كل مجال فى حياتها.وكان معروفا ان التماس الشهامة والرحمة منها اشبه بالتماسه من سمكة قرش.
تقول الاقاويل انها تاكل الرجال وتلفظهم من فمها كما تلفظ أي موظف يشاء سوء حظه ان يصطدم بطباعها السيئة.
لم يحدث قط ان اصطدمت مارشا مع تلك السمراء الرائعة الجمال منذ ان ابتدات العمل فى تلك الشركة التلفزيونية منذ عام,لكن ذلك لا يعنى انها ليست حذرة منها.فقد كانت بينيلوب قوية السلطة والنفوذ,وقوة شخصيتها المسيطرة بالغة.
-تقول جانى انهما تواريا فى مكتب بينيلوب بعد تعليمات حازمة من السيدة نفسها بالا يزعجها احد.لاول مرة اتفق مع بينلوب علي شىء .فلو وقعت علي رجل مثل هذا,لاختليت به ما استطعت من الوقت.
ونظرت بيكى بخبث فضحكت مارشا.
-تعالي وكلي شيئا.
راحت بيكى تدفعها الي مقصف فى نهاية الغرفة,وعندما رات المائدة الشهية ,شعرت بالجوع البالغ.
-اه,انا اعشق الكباب ,وانت,وفطيرة الفاكهة.انظري الي تلك الحلوي.
كانت بيكى تقول هذا وهى تملا طبقها.وكانت قد انشات صداقة وطيدة مع جانى سكرتيرة بينيلوب عندما ابتدات هذه العمل فى الشركة منذ ستة اشهر,باعتبار ان ليس بالامكان الظفر باصدقاء كثيرين فى مراكز عالية,ولم تكن مارشا واثقة من هذه النظرية الوصولية.ولكن كان من المفيد دون شك ان يكون لديها سكرتيرة يمكنها تتبع الاحداث ولو عن طريق غير مباشر.
سالتها مارشا:(اظنك سالتى جانى عن ذلك الرجل الرائع).
فاجابت بيكى وهى تلعق شفتيها بعد المقبلات بتلذذ:(نعم,لكنها لا تعرف شيئا).
اومات مارشا براسها.كان بامكانها ان تقول,صادقة,انها لا تهتم بصديق بينيلوب الجديد,لكنها لم تشا ان تؤذى مشاعر بيكى.و سكرتيرها سعيدة بزواجها منذ اثنتى عشرة سنة من حبيب طفولتها,لكن ذلك لم يمنع بيكى من ان تكون مدمنة علي الروايات والافلام العاطفية.
وكانت مارشا تعلم انها خيبت املها عندما اوضحت بانها لا تهتم بالجنس الاخر.وسارعت تنفى اهتمامها بجنس النساء ايضا بعد ان رات التعبير الذى بدا علي وجه بيكى,قائلة انها تهتم بعملها فقط.
وبعد ذلك بعدة اشهر, كانت المراتان قد اصبحتا صديقتين عدا عن زميلتين فى العمل,فاعترفت مارشا بان موقفها هذا يتعلق برجل عرفته فى حياتها,دون ان تصرح باكثر من ذلك.ولم تات بيكى علي الموض وع بعد ذلك وهى المعروفة بالحاحها مكتفية بالاشارة الي ان الجميع معرض للفشل فى حياته العاطفية.وغالبا ما تواجه مارشا مواقف كهذه بالصمت او بتغيير الموضوع.
وقالت لها بيكى مفكرة:(كيف تاكلين بهذا الشكل دون ان يزداد وزنك؟هذا ليس عدلا).
-لاننى لم اتناول الغداء.
ردت عليها مارشا برقة.كان درج مكتب بيكى مليئا دائما بالحلوى والسكاكر.هذا عدا عن شطائر السجق التى تاكلها قبل الظهر,والبسكويت والكاتو عند العصر.
قالت بيكى ضاحكة:(يا ليت الجميع يتمتع بحكمتك!لكننى احب الطعام ولا يمكننى مقاومته,ولا مقاومة الشكولا.هل تفهمين ما اعنى؟).
- لم تكترث مارشا قط للشوكولا,اما المثلجات فشىء اخر.فاعرف ان بامكانها ان تاكل ربع كيلو فى جلسة واحدة.
جاء هذا الصوت العميق الهادىء من خلفها,وما ان التفتت مارشا بسرعة حتى رات ملامح ذلك الرجل الطويل الواقف مع بينيلوب وكانها قدت من الصوان.اما التواء زاويتى فمه فكان يبدو لمن لا يعرفه شبه ابتسامة.ولكن مارشا كانت تعرفه,وجاهدت للتحكم فى نفسها كيلا تتلعثم وهى تقول:(يا لها من مفاجاة,يا تايلور).
كانت عيناه البنيتان الكثيفتا الاهداب مسمرتين علي وجهها المصدوم:(نعم,اليس كذلك؟لكنها...بالنسبة لي,مفاجاة سارة).
-يبدو انكما سبق وتعارفتما.
قالت بينيلوب بعذوبة,وبابتسامة زائفة لا تنعكس فى عينيها الزرقاوين ولا حظت مارشا كيف اشتدت يد المراة علي ذراع تايلور بخوف غريزى يفصح عن معان كثيرة.
تنفست بعمق و اعتدلت فى جلستها.هكذا اذن؟ولكن اما كان المفروض ان تتوقع امرا كهذا بالنسبة الي سمعته المشينة؟
وفالت بلهجة تبرر بها الموضوع:(لقد تعارفنا ذات مرة,منذ وقت طويل,والان ارجو المعذرة .لدى عمل اريد ان انهيه...).
-ذات مرة؟اه,هيا يا مارشا .اتريدين ان يعتقد هؤلاء الناس الطيبين باننا تقابلنا مرة...بدلا من ان يعرفوا اننا رجل وزوجته؟
فتحت بيكى فمها ذاهلة فبدت هزلية المنظر.ولكن لم ينظر اليها احد.
كما اتسعت عينا مارشا الخضراوين الصافيتان لدرجة لا تكاد تلحظ,رغم حديثها لنفسها بانها كان عليها ان تتوقع هذا,فتايلور ما زال علي حاله,وهولن يسكت عن نبذها له بهذا الشكل.ونبض وريد فى صدغها,لكنها قالت بصوت هادىء:(الوداع يا تايلور).
-هل كنت متزوجة.
فى أي ظروف اخري كانت مارشا تستمتع بمظهر الذهول البالغ فى عينى بينيلوب الثلجيتين.
-لم تكن كذلك يا بينيلوب,بل هى كذلك,ان مارشا هى زوجتى.
زكان صوته يماثل صوت مارشا هدوءا.لكن لهجته الفولاذية كانت صارمة:(مارشا هى زوجتى).
-حتى يتم الطلاق.وكان ذلك سيتم منذ وقت طويل لو سار الامر حسب رغبتى.
وارتفع صوتها قليلا فلفت اليها انتباه واحد او اثنين من حولهم من الذين لاحظوا الغضب ولم يدركوا السبب.
-ولكن....شهرتك غوسلينغ,اليس كذلك؟
كانت بينيلوب تحدق اليها وكانها لم ترها من قبل.
ولكن بالرغم من هول الموقف,كان فى لهجتها شعور ضئيل بالرضى لقدرتها علي الجواب:(غوسلينغ هى شهرتى قبل الزواج.هيئة الموظفين تعلم وضعى الاجتماعى ...رغم انه مؤقت).
ورمقت الرجل الاسمر الطويل الواقف بجانب بينيلوب بنظرة مرة:(لكننى عندما قلت لهم اننى افضل ان ادعى الانسة غو سلينغ فى مسيرة حياتى اليومية,لم يعترضوا).
فقالت بينيلوب بصوت الثلج:(هذا خروج عن النظام...كان عليهم ان يخبرونى).
بامكان مارشا ان تقول ان رئيسها المباشر جيف نورث يعلم بالامر,لكنها لم تشا ان تدخل فى نقاش مع بينيلوب,بينما تايلور واقف وعيناه مسمرتان علي وجهها.
تانظرة الخاطفة التى القتها عليه انباتها بانه ما زال مهلكا بجاذبيته شانه دوما.وسامته لم تكن كلاسيكية ابدا,بل هو فياض الرجولة ذو ملامح خشنة صلبة وعينين بنيتين وشعر كثيف اسود ووجه قوي خشن يقوم فوق جسد يماثله قوة ونشاط,ما يجعل النساء يلتفتن اليه اينما ذهب,واكثر من مرة ومرات.
هذه الفكرة الاخيرة جعلت صوت مارشا اشبه بصوت بينيلوب برودة وهى تقول:(والان,ارجو المعذرة).
ثم تركتهم من دون ان تلقى نظرة واحدة الي الخلف.
لم تلحظ مارشا مدى ارتجاف يديها الا بعد ان دخلت المصعد وضغطت الزر الي الطابق الثالث.ثم استندت الي جداره وهو يصعد بها,شاعرة بالغثيان.تايلور...هذا..ماذا عليها ان تفعل؟
واذا بالجواب يوافيها وكانه من مكان خارج نفسها ...لا شىء!لن تفعلي شيئا,لان لا شىء تغير عما كان عليه هذا الصباح.هو لم يعد فى حياتك ولا يمكنه ان يسسب لك أي ضرر.
ولكن اذا كان هذا صحيحا ,لماذا تشعر الان وكان العالم انهار من حولها؟ذلك العالم الذى انشاته حولها بعناية بالغة فى الاشهر الاخيرة؟وجاءها الجواب مرة اخري:بسبب الصدمة لرؤيته فقد كان شيئا مفاجئا لم تستعدى له,ولكن هذا لا يعنى انك لم تنسيه.
توقف المصعد ثم عاد بابه يفتح,لكنها وقفت تحدق امامها بجمود...انها لم تنسه!لا يمكن ان تنسى شخصا مثل تايلور وانما اعتادت العيش مع الالم.
هذا يكفى!...قالت هذا بصوت مرتفع وقد هب لخبرتها الشجاعة واحترام النفس اللذان جعلاها قادرة علي نسيانه. لا بكاء ولا نحيب!...لقد ذرفت من الدموع ما يكفى حتى الان .
عندما اصبحت فى مكتبها الذى تشاركها فيه بيكى, ويفصله عن مكتب رئيسها جيف نورث باب داخلي,جلست خلف مكتبها.لماذا تايلور هنا بين كل الاماكن التى فى العالم؟وهل هو عشيق بينيلوب الجديد؟سببت هذهالفكرة موجة من الالم وضعتها بعيدا عن عقلها الواعى لتفكر فيها فيما بعد,فى بيتها.اما هنا فعليها ان تخرج من هذا المكان مصانة الكرامة وستفعل ذلك مهما كلف الامر.
وفى تلك اللحظة,ادركت انها تركت حقيبة يدها مع الاوراق التى بحوزتها فى الطابق السفلي.تمتمت بشتيمة لا تليق بامراة وهى تميل الي الخلف فى جلستها وتغمض عينيها لحظة.عظيم,عظيم جدا!عليها الان ان تعود وتستعيد كل شىء,ما سيهدم كليا خروجها المهذب الذى قامت به لتوها.
فتحت عينيها فجاة لدى سماعها خطوات وتصلب ظهرها,ولكن بيكى هى التى ظهرت بالباب,وكانت تمسك بملف باكستر وحقيبة يد مارشا.
-تقريبا شكراّ!
وابتسمت بضعف.
-كل هذا فى يوم عمل !
كانت مارشا تتوقع ان تنهال بيكى عليها بالاسئلة ولكن عندما جلست هذه الي مكتبها وابتدات تنظم اوراقها استعدادا للخروج,كل ما قالته هو:(بالمناسبة لقد ذهبت بينيلوب وزوج....وهو)
-لا باس.
ستحدثها عن هذا غدا,لكتها لن تستطيع مواجهة ذلك الليلة:(وانا خارجة ايضا.سنتحدث فى الصباح يا بيكى).
ونهضت وتناولت سترتها.كانت تتكلم بلهجة الرئيس والمرؤوس,الامر الذى نادرا ما كانت مارشا تستعمله,لكنها,اذا استعملته,كانت بيكى تفهم الاشارة.
وفى المصعد, اخذت الوساوس تراود مارشا,ماذا لو كانت بيكى مخطئة ووجدت تايلور ينتظرها فى ردهة الاستقبال؟هى لا تستبعد ان يفعل تايلور ذلك,لا تستبعد أي شىء من تايلور كين.
كانت منطقة الاستقبال اشبه بمستشفى المجانين فى مثل هذا الوقت من الليل,لكنها,الان,خالية من تايلور,وهذا ما كانت مارشا ترجوه.اجابت علي عدة تحيات,ورفعت يدها مودعة الحارس بوب الذى كانت دوما تتبادل معه الحديث حين تتاخر فى عملها ويكون المكان هادئا.وكان قد حدثها عن اولاده الستة الذين انحرفوا جميعا عن الطريق المستقيم كل فى طريقه,ما جعله وزوجته التى عانت طويلا,اشبه بالمجانين.لكن مارشا شعرت الليلة بالرغبة فى ترك المكان بسرعة.وعندما اصبحت فى الشارع,فى دفء شهر حزيران,اخذت تنظر حولها,وما لبثت ان تنفست الصعداء.كان المارة مسرعين فى سيرهم او يتكلمون علي هواتفهم الخليوية,والسائقون ثائروا الاعصاب يضغطون علي ابواق سيارتهم,وبعض المارة يخاطرون بحياتهم وهم يقطعون الطرق غير عابئين باشارة السير.وبالاجمال كان المساء طبيعيا تماما.
منتديات ليلاس
كان الجو حارا بالنسبة الي السترة التى ارتدها هذا الصباح فوضعتها علي ذراعها متجهة الي كينزينغتن لسبب ما,لن تستطيع ان تواجه هذه اليلة زحام الباص او القطار.الوصول الي شقتها الصغيرة سيلخذ منها بعض الوقت,لكن السير فى الحديقة الهولندية كان سارا فى امسية كهذه كما انها بحاجة الي وقت تجمع فيه افكارها ومشاعرها.وغضنت انفها لهذه الفكرة منذ متى كانت تستطيع ان تفكر فى مشاعرها نحو تايلور؟
-تملكنى شعور بانك ستتمشين.
قفز قلبها لهذا الصوت بجانبها,وفى هذه اللحظة علمت بانها كانت تتوقع رؤيته لم تلتفت,وسرها ان صوتها كان هادئا وهى تقول:(انت ماهر).
-كيف حالك يا فاز.
ناداها بالاسم الذي يدللها به ما جعل قلبها يترنح قبل ان تتحكم فى ضعفها.
كان دائما يهمس باسمها هذا بلهجة عاطفية تجعل ركبتيها تتخلخلان.لكن ذلك كان حينذاك,وليس الان.وقالت بلهجة متوترة:(لا تنادنى بهذا الاسم).
-لماذا لقد كنت تحبينه!
جعلتها غطرسته ترفع اليه عينين غاضبتين لتتشابكا مع نظرته...فادركت علي الفور بان ذلك كان غلطة.
كان قريبا جدا منها,حتى انها استطاعت ان تري اخاديد بشرة وجهه السمراء وخطوط الضحك فى زاويتى عينيه...حبست انفاسها وقالت:(انا مسرورة لانك استعملت الفعل الماضى فى كلامك).
فهز كتفيه ببساطة حسدته عليها:(الماضى والحاضر والمستقبل الشىء نفسه انت لي,اصبحت لي منذ اللحظة التى تقابلنا فيها اول مرة).
مضت لحظة كان فيها الحافز لان تضربه قويا الي حد اذهلها.لكن تاثير ذلك كان اشبه بدلو ماء بارد ينسكب علي غضبها الحار.امثاله من الرجال لا يتغيرون ابدا.
وهى تعلم ذلك فلماذا تتوقع اختلاف الامر؟كل ما يتعلق يتايلور يوحى بالثراء والسلطة غير المحدودة.لقد نزوجته عالمة بخطورته,ومع هذا كانت ترجو ان تستولي علي قلبه,لكنها كانت مخطئة.
-لا اظن ذلك يا تايلور.سنتطلق قريبا وهذه هى نهاية الطريق.
-اتظنين ان قطعة من الورق ستشكل فرقا؟
وشد ذراعها يوقفها,ثم يحيطها بذراعيه:(علي هذا الكلام الفارغ ان يتوقف ,هل تفهمين؟لقد نفذ صبري).
طول قامته وعرضها اظهراها قزمة الي جانبه كما ان عطره المالوف المثير للاحاسيس,جعل حواسها تدور.سيطرة,سيطرة,سيطرة!كان هو استاذا فى ذلك....وقد عرفت ذلك اشد معرفة خلال اشهر انفصالهما الاليمة,وهى لا تستطيع ان تدع كل ذلك العذاب يذهب هدرا.تجاهلت الشوق للارتماء علي صدره الصلب,وقالت بدلا من ذلا:(دعنى اذهب والا صرخت باعلي صوتى,انا اعنى ذلك).
-اصرخى.
قال هذا بتكاسل,لكنها رات عينيه تضيقان وفمه يتوتر فادركت انها سجلت هدفا.
جمدت مكانها وهى ما زالت بين ذراعيه وعيناها تلمعان.وبعد لحظة طويلة تركها قائلا:(اما زلت غير مستعدة للاصغاء الي العقل؟)
-العقل؟
اطلقت ضحكة ساخرة وهى تتراجع خطوة فتدوس علي اصابع رجل مسكين دون ان ينتبه احد الي صرخته المختنقة.
-نعم!العقل!العقل والمنطق وحسن تقدير الامور...كل تلك الامور التى يبدو انها تنقصك.
صرفت باسنانها لحظة.انه الوحيد فى العالم الذى يمكنه ان يثير جنونها فى لحظة:(تفسيرك للعقل والمنطق يختلف عن تفسيري.انا استعمل قاموس اكسفورد)
-ماذا يعنى هذا؟
-يعنى اننى لا اتفق مع تفسيرك عن العقل الذى يعنى نظام حياة مشوش,والمنطق الذي يقول انك تبدا بالقلق حينما يبداون بانتقادك.
تامل وجهها الجامد المتمرد,وعيناه البنيتان الرائعتان تلمعان فى وجهه الاسمر.وبعد لحظة خالتها دهرا,قال بنعومة:(فهمت).
بادلته التحديق,مصصمة علي الا تدعه يري ان جوابه الهادىء حال بينها وبين ما تريد قوله.انها متزوجة من هذا الرجل من ثلاث سنوات,امضت ثمانية عشر شهرا منفصلة عنه.ولكن لم يكن لديها فكرة عما ستكون عليه ردة فعله لما قالته,والذى لخص علاقتهما حقا,كما فكرت بتعاسة,وكان احد الاسباب التى جعلتها تتركه دون عودة علي الاطلاق.ناهيك عن علاقته بالنساء الاخريات.
رفعت ذقنها قليلا وقالت بصوت كالثلج:(حسنا,هذا يوفر علي التكرار)
فقال وكانها لم تقل شيئا:(تبدين رائعة بهذا المظهر العملى...)
وجالت عيناه فوق تفاصيل جسمها المستكينة داخل تنورة خضراء مستقيمة وبلوزة ابهت لونا,ثم قال:(وما زلت تثيرين رغبة أي رجل)
تجاهلت الطريقة التى تجاوب بها جسدها مع المشاعر التى بدت علي وجهه,مركزة علي احتفاظها بهدوئها:
-لا تجرب سحرك علي,تايلور.انا منيعة الان.
-احقا؟لا اصدق ذلك.
مد يده يزيح خصلة من شعرها الي خلف اذنها ,متباطئا لحظة علي عنقها,مطلقا فى كيانها سلسلة من الاحاسيس ادركت انه شعر بها.
كرهته لغطرسته هذه وثقته البالغة فى سيطرته علي عقلها,وروحها وجسدها...وكبحت مرارتها,تخيفها حيث لا يمكن لعينيه الداهيتين ان ترياها,وتنفست بعمق ثم قالت:(صدق ما شئت فهذا لم يعد يهمنى .بعد شهر او شهرين سنكون مطلقين حرين,و.....)
-لن يحدث هذا الطلاق.
تجاهلت مقاطعته لها ,راجية الا تكون قد كشفت عن ان تحكمها فى نفسها كان سطحيا للغاية,ثم انهت حديثها بهدوء:(ويمكننا حينئذ ان نضع الماضى خلفنا)
فرفع حاجيبيه:(اتظنبن حقا اننى سادعك تتركيننى الي الابد؟انت تعرفيننى اكثر من ذلك)
-بل انا لم اعرفك قط.
اجابته بسرعة بالغة,ثم ادركت غلطتها علي الفور.عليها ان تبدو امامه هادئة متزنة:(كما انك انت ايضا لم تعرفنى.كل منا كان يظن الاخر مختلفا عن حقيقته.تلك كانت غلطتنا)
-غلطتنا؟انت اعترفت بانك تخطئين احيانا.
وازداد ارتفاع حاجيبيه.
تمنت لو تلكمه علي فكه.وتصلب عنفها وكتفاها لجهدها فى الحفاظ علي اتزانها وكرامتها,وتغلبت علي الرغبة فى ان تمحو الابتسامة من وجهه.وعندما تاكدت من تمكنها من الكلام,قالت متصنعة العذوبة:(لم يعد لدي ما اقوله.الوداع يا تايلور)
واستدارت علي عقبيها وهى تلفظ اسنه.لكنها لم تدرك انه ما زال يسير بجانبها الا بعد لحظة او اثنتين.
-ماذا تفعل؟
-ارافقك الي البيت.
-لا اريدك ان تفعل ذلك.
-لا باس.
ولكن عندما تابعت سيرها رافعة الراس والقلب يخفق,ناداها قائلا:(ساتى لاخذك فى الثامنة.كونى مستعدة)
فاستدارت اليه:(ماذا؟)
وتسبب هذا فى اصطدامها بامراة فى منتصف العمر.وعنما انتهت من الاعتذار,سارت الي حيث كان تايلور واقفا مشبكا يديه فوق صدره ومستندا الي عمود النور,وسالته:
-هل انت مجنون؟
فسالها ببراءة:(انا؟انت التى صدمت تلك المراة المسكينة).
-انت تعرف ما اعنيه.
وحملقت فيه,متسائلة كيف نسيت مدى جاذبيته.الرجال ذوو الشعر الاسود الفاحم قليلون للغاية,لكن تايلور واحد منهم.ودوما كان التناقض بين لونى شعره وعينيه لافتا للنظر.وتابعتزهى تزيح جانبا هذه الافكار الغدارة:(لا انوي تناول العشاء معك,لا اليوم ولا الغد,ولا فى أي يوم.نحن سنتطلق,بحق الله!).
ابتسم,فانحبست انفاسها.لطالما كانت ابتسامته تؤثر عليها كما تؤثر اشعة الشمس الدافئة علي البحر العاصف.ربما لانه نادرا ما يبتسم,وهى ليست ابتسامات صادقة علي أي حال:(ما الذى تخافينه اذن؟انها مجرد دعوة للعشاء معا,ولم اقل اننا سننهى السهرة فى احضان بعضنا).
تسارعت خفقات قلبها وهى تتذكر ما معنى ان تكون فى احضان هذا الرجل.وان يعانقها حتى النهاية....حتى ينمحى من ذهنها كل عقل او منكق ولا يبقى سوي تايلور.لكن ذلك لم يكن حبا طبعا!علي الاقل كما تعنيه هذه الكلمة.الحب والزواج يعنيان الالتزام والولاء بالنسبة اليها.
اجابت وهى ترتجف:(انا لست خائفة,فلا تكن سخيفا).
-تعشى معى اذن,ما دمنا ما زلنا رجلا وزوجة علي الاقل,الا يمكن ان نكون مهذبين؟
كانت عيناه تتفحصانها كما كان يفعل حين كانا معا.لطالما كان ينظر اليها فى اللحظات الهامة,وكانه يريد ان يري اعماقها.
طرفت بعينيها,محاولة التخلص من سحر عينيه,وتمسكت بعذر للرفض:(وماذا عن بينيلوب؟اتراها لا تمانع؟).
-بينيلوب؟
كرر الاسم وكانه ليس لديه فكرة عمن تكون,ثم قال بنعومة:(بينيلوب بلهام هى زميلة فى العمل ليس الا.اننى اقدم عرضا لشراء تجهيزات صوتية جديدة وكمية من المعدات,وهى صلتى الوحيدة باصحاب الشان).
اه,نعم؟من يخدع الاخر؟كان واضحا كعين الشمس ان بينيلوب معجبة بتايلور.ربما كانت شركة كين الدولية تقدمت فعلا بعرض لبيع المعدات الصوتية الجديدة التى يعلمون جميعا بحيازة الشركة لها.ولكن اذا فازت شركة تايلور,فسيكون ذلك لانه قد قدم برهانا علي ان اجهزته هى الافضل.
وعادت مارشا تطرف بعينهيها...تلك الفكرة الاخيرة ليست من عادتها...بل هى عادة تايلور نفسه...فكرت بذلك بضيقثم قالت:
-لا اظن العشاء فكرة حسنة.
قالت هذا بحزم,فاجاب بحزم اكثر:(بل هى فكرة ممتازة).
فنظرت اليه بعنف:(انا احاول ان اقول لا,بشكل حسن).
-حاولي ان تقولى نعم بشكل سىء.
كان من القرب بحيث لفحت انفاسه الحارة شعرها الحريري.وللحظة شعرت بلهفة الي ان تشنه وتتحسسه,وبدلا من ذلك,دفعتها حرارة مشاعرها الي القول باضطراب:(قد يدهشك قولي,يا تايلور كين,ولكن لا يمكنك ان تحصل دوما علي ما تريد).
-لا,ليس دوما .ولكن هذه الليلة ليست من واحدة من تلك الليالى.واذا تظاهرت بالخجل ,فساحطم الباب.
تملكتها الدهشة عندما استدار مبتعدا ما اخرسها نصف دقيقة ما لبثت بعدها ان نادته قائلة:(انت لا تعرف عنوانى).
التفت اليها لحظة قال فيها:(منذ رحيلك وانا اعرف كل شىء عنك).
ثم تابع طريقه بينما وقفت عاجزة عن التفكير