معليش على التأخير
ومشكوووووووووووووووووووووورة على الردود وهذه التكملة
تابع الفصل الثانى...
اوقف السيارة امام الدرجات العريضة المؤدية الي الباب الامامى,فأرغمت مارشا نفسها علي النظر حولها دون ان تظهر ان قلبها يتمزق.عندما رحلت نهائيا من هذا البيت,كانت علي وشك الجنون من المرارة والالم,ولم تكن حتما قادرة علي قيادة سيارتها.وكانت ترجو لو حدث ورات هذا البيت مرة اخري,ان تكون قادرة علي النظر اليه بقدر من السكينة فى قلبها,لكن هذا لم يحدث.فقد تملكها نفس شعور التعاسة والاسى الذى تملكها حينذاك.
لم يجبها تايلور قبل ان يترجل من السيارة ثم يتقدم الي بابها يفتحه ويمد لها يده,وعندما امسكت بها ونزلت من السيارة,داعبت خياشيمها عطر ازهار اللافندر المحيطة بالمنزل,ماجعل ذكرياتها تتدفق.
لقد رافقها هذا العطر منذ اول زيارة لها الي هذا البيت فى موعدها الثانى مع تايلور,وكان يعطر لياليهما بعد الزواج من النوافذ المفتوحة علي الحديقة,حتى الفجر.
الالم الذى شعرت به الان لم يمحه احتكاك يديهما الذى ارسل الاف الاحاسيس فى جسمها,وما ان وقفت حتى سحبت يدها من يده.
قال وعيناه مسمرتان علي وجهها الشاحب:(كنت تعشقين هذا المكان فى موسم تفتح اللافندر).
تقابلت عيناها الخضروان بعينيه البنيتين,كانت خطته ان يحضرها الي هنا بعد ان يصبح الوضع صالحا لاقصى درجات التاثير.رات هذا فى وجهه وان لم يقله بلسانه.
فقالت له:(انت اكثر الاشخاص الذين عرفتهم مكرا واحتيالا).
-شكرا.وانت ايضا.
فجاة انمحى من نفسها الغضب والازدراء ليتملكها حزن عميق واسف علي ما كان يمكن ان يكون لو انه كان مختلفا عما هو عليه او لو كانت هى مختلفة.لو كانت متالقة ورائعة الجمال ومحنكة,كالمراة التى كان يصاحبها قبل ان يتعرف اليها هى,ربما عند ذاك كان استمر بحبها ولما احتاج امراة اخري.ربما,حينذاك,كانت هى تكفيه.
لم تكن منتبهة الي تعابير وجهها وشفتيها المتهدلتين...وهكذا عندما قال برقة فائقة:(انا اريدك ان تعودى الي.لا اريد الطلاق),حدقت اليه لحظة وقد انحبست انفاسها للهجة الامر الواقع فى صوته.ثم تراجعت خطوة,متسعة العينين:(هذا...هذا مستحيل وانت تعلم ذلك).
-لا.ليس مستحيلاّساخبر محامى ان يذهب للجحيم وافعلي انت ذلك مع محاميك.
فقالت وهى ترتجف:(ولكن لم يتغير شىء).
فنظر اليها برزانة:(بالظبط).
-ما كنت اعنيه هو...
فقاطعها:(انا اعرف ما كنت تعنينه.ما اعنيه هو اننى كنت مخلصا لك قبل رحيلك ووفيا بعده.لا نساء ولا امراة بالذات).
وقفت جامدة رافعة الراس وجسدها يتحدث باكثر مما تستطيعه الكلمات.
وحدق اليها لحظة قال بعدها بهدوء:(عندما اكتشف من الذى همس فى ذهنك ذلك الهراء,سيتمنى لو انه لم يولد.من فعل هذا يا فاز؟من الذى اراد ان يدمرنا بهذا الشكل الهائل فغذى عندك الشكوك والاوهام وانعدام الامان الذى تخشيه؟).
-ماذا؟
ومدت يدها تستند الي السيارة.لو صاح بها لتقبلت ذلك بغير صعوبة,لكن تلك الرقة فى صوته اخافتها حتى الموت:(لا ادري ما الذى تتحدث عنه.انا لا اشعر بانعدام الامان,كل ما فى الامر اننى لست من النساء اللاتى ينظرن بعين عمياء الي...).
قاطعها بصوت فاتر فيه قسوة قريبة من طباعه.
-انعدام الامن الذى تكون فى نفسك عندما القت بك امك بين ايدى الخدمات الاجتماعية.انعدام الامن الذى نما فى ذلك المكان اللعين الفظيع الذى نشأت فيه وجعلك ضعيفة عاطفيا.ذلك الذى غرس فى اعماقك فكرة ان لا احد يمكنه ان يحبك او يرغب فيك او يحتاجك,فلماذا يحبونك طالما ان امك وهى الشخص الوحيد فى العالم المفروض ان يحبك اكثر من نفسه ومن الحياة ,هجرتك.
كان وجهها الان شاحبا للغاية:(كفى!لماذا تفعل هذا؟).
-لكى اجعلك تستيقظين.لقد انتظرت عاما ونصفا ان يحدث هذا بشكل طبيعى ولكننى لست صبورا الي هذا الحد.
حملقت فيه وقد جرحها كلامه يشكل غير محدود:
-انا اكرهك.
فقال بهدوء:(لا.انت لا تكرهينى.تظنين ذلك فقط).
انقذها من الجواب عندما افتح الباب وسمعت صوتا مسرورا ينطق باسمها:(مارشا..حبيبتى).
وهبطت حنة بجسمها الممتلئ السلم,وفى اللحظة التالية كانت المرأة تأخذ مارشا بين احضانها بشكل خطف انفاسها.
-لا تخنقيها,يا امرأة.
اطلقت المرأة سراحها اواء صوت تايلور المتهكم.وامسكتها حنة مبعدة اياها قليلا تحدق فى وجهها,ثم قالت:(انت هزيلة,هزيلة جدا!انت لا تأكلين).
-اه,يا حنة.
وعجبت مارشا وهى تشعر ةكأنها راتها فى الامس فقط.فقد اختفى العام والنصف بلحظة ولم تستطع ان تمنع دموعها من التدفق وهى تقول:(كم اشتقت اليك).
عانقتها حنة مرة أخري وهى تقول بصوت لا تعنيف فيه:(ليس بقدر ما اشتقت اليك,يا ابنتى).
بقيتا متعانقتين لحظة اطول قبل ان يفرقهما صوت تايلور مرة اخري:(اكره قول ذلك,لكننى جائع للغاية.هل يمكننا ان نتابع جمع الشمل فى الداخل؟).
فقالت حنة تؤنبه باسمة من بين دموعها:
-اه,كيف تفكر فى معدتك فى وقت كهذا؟
دخلت مارشا البيت متأبطة ذراع حنة التى قادتها ناحية غرفة الاستقبال,قائلة:(الطعام جاهز,ادخلي واجلسي فترة,وسأدعوكما بعد دقائق).
- شكرا يا حنة.
قال تايلور ذلك وهو يأخذ ذراع مارشا ويدخل معها الي الغرفة الرائعة العالية السقف بلونيها الوردى والليلكى الباهت وبابيها الضيقين المؤديين الي الاراضى الخلفية للبيت.
كانت مارشا تعلم ما ستراه اذا سارت الي حيث تتمايل ستائر الدانتيل مع النسيم القادم من الحديقة.وكانت هذه رائعة باشجارها المشذبة واحواض الزهور الشذية وحوض السباحة الذى انشأه تايلور منذ عشر سنوات عندما اشتري البيت.
سارت الي احدى الاريكتين وجلست عليها وهى تقول:(كان عليك ان تخبرنى انك ستحضرنى الي هنا).
فأجاب بهدوء:(ما كنت لتوافقى علي الحضور لو اخبرتك).
- اذن ,فقد احتلت علي,فيالمهارتك!
فسكب لها كأس مرطبات واخر له.وبعد ان ناولها كأٍسها جلس امامها وقال:(لماذا تصديق الكذب اسهل عليك من تصديق الحقيقة؟الم تسالي مرة نفسك عن ذلك؟).
فقالت بفتور:(اظنك تعنى عنك وعن تانيا؟).
تأملها لحظة ثم سالها:(الم يخطر ببالك انك ربما تكونين مخطئة بالنسبة لكل هذا؟).
خطر لها ذلك مئات و الوف المرات ,لكن التمنيات لم تستطع ان تواجه الحقيقة البشعة.لن تنسي ابدا شعورها عندما اتصلت بالمانيا,وحولتها موظفة الاستقبال الي غرفة تايلور لتسمع صوت تانيا المرح.واذا كان عليها ان تكذب وعيناه عليها,قالت:(لا...قد اكون حمقاء ولكن ليس الي هذا الحد).
- فهمت.
وتعلقت عيناه بوجهها لحظة:(اذن فلن نضيع مزيدا من الوقت الليلة فى الحديث عن ذلك).
واشرق وجهه بابتسامته المعتادة....الخائن,الحقير الخداع,الكذاب,زير النساء!
حدقت اليه,واستحالت تعاستها غضبا بالغا.كيف يجرؤ علي الجلوس والابتسام بهذا الشكل بينما كاد يدمرها منذ عام ونصف؟
وضعت كأسها دون ان تسلخ عينيها عن عينيه.وقالت بشىء من التمرد:(هل ما زالت تانيا تعمل معك؟).
كان سؤالها عديم اللياقة ولكنه لن يملي عليها اوامره بالنسبة الي ما عليهما ان يتحدثا به وما عليهما ان يدعاه,خصوصا بعد ان اختطفها.
- طبعا.
خلع سترته ورماها علي الاريكة الاخري ثم فك ربطة عنقه وتركها متدلية فوق قميصه فقالت بتهكم بالغ:(طبعا).
تناول كأسه وهو يضيف:(ولكنها سترحل بعد شهر او شهرين,لسوء الحظ.وسأكون اسفا لفقدها...انها سكرتيرة ممتازة وامثالها نادرات).
-جاءها عرض افضل؟
- ليس بالضبط.
- اذا لم يكن مغريا فلماذا ترحل اذن؟
هل حصل شجار بين العاشقين؟
- ستلد طفلها فى نهاية ايلول.
تسائلت مارشا عما اذا كانت حنة تقبل بان تساندها ان هى طلبت الرحيل.اذن,هذا هو سبب قيامه بمحاولة ارضائها بعد كل ذلك الزمن؟
تانيا حامل منه؟الالم الذي تملكها كان اعنف من ان تتمالك اعصابها لذا ازاحت هذه الامكانية جانبا حتى تستطيع التفكير فيها بامعان عندما تصبح وحدها.
- اظن زوجها يريد بنتا,فهو لديه صبيان من علاقة سابقة.لكننى اظن ان كل ما يهم هو ان يكون المولود سليم الجسم.
اذن ,كانت تانيا متزوجة؟متى حدث ذلك؟هل كانت كذلك عندما تركت تايلور؟وهل كانت تانيا تعاشر تايلور وذلك الرجل الذى اصبح الان زوجها فى الوقت نفسه؟وهل يعرف زوجها انها كانت ذات يوم بالنسبة لتايلور اكثر من مجرد سكرتيرة؟كانت مئات الاسئلة تجول فى راسها,لكنها لم تستطع ان تطرح عليه ايا منها.
رفعت راسها وتقابلت اعينهما فانحبست انفاسها لحظة وهى تنظر فى عينيه.كانت نظرة مختصرة سرعان ما اختفت,لكنها,للحظة,رات فيها الرجل الحقيقي.
الرجل الذى عرفته واحبته يوما.ذلك الرجل القوي الملء بالحيوية وقوة الارادة.تلك الارادة التى لا تدع شيئا يقف فى طريق ما يريده.كانت تلك القوة المغناطيسية التى جعلتها تهرب تلك الليلة منذ عام ونصف,قبل لن يجد فرصة يغير فيها رايها.خلافا لتوقعاتها,لم يقل تايلور شيئا اكثر عندما جلسا بصمت.كان شذا الازهار يتسرب الي الغرفة من الحديقة,وقد ابتدا الشفق ينتشر.
وحدها زقزقة العصافير كانت تخترق الصمت المخيم عليهما.
قاومت مارشا النظر باتجاه تايلور متجنبة نظراته المتفحصة.كان جسده الطويل متكئا بكسل بشكل بالغ الرجولة,وكانت عيناه عميقتين حساستين.لم يحرك عضلة واحدة ومع ذلك كان الجو حولهما مرهفا للاحاسيس ومثيرا لكنها لم تشا ان يظهر عليها التملل بالرغم من المشاعر التى تتملكها.انه يغوي بمجرد وجوده ويغيظها ان تدرك تاثيره عليها لا يزال كما كان دوما.
حدقت فى كوبها,مصممة علي الا تكون من يخترق الصمت,والا تتحدث عن تانيا وست مرة اخري ايضا.انها حامل...وكان اندفاع مشاعرها من القوة بحيث حاولت ان ترخى اصابعها كيلا تنطبق هذه فتهشم الكأس.مضى زمن تلهفت فيه ان تحمل بطفل من تايلور.وكانت ستتوقف عن اخذ حبوب منع الحمل لولا اصرار تايلور علي تاجيل ذلك,حينذاك,رغبة فى قضاء مزيد من الوقت للاستمتاع ببعضهما البعض.وطبعا لم تكن منتبهة الي ان تايلور كان مشغولا بالاستمتاع بنساء اخريات ايضا...!
تصاعد من الحديقة صوت حركة خفيفة تبعها اصوات حادة جعلت تايلور يقفز عن كرسيه وينحنى خلف اريمة قريبة من باب الحديقة ثم يعود ويقف حاملا ما بدا اشبه بمسدس مائي.
- تايلور؟
السؤال الذى اوشكت ان تلقيه ضاع فى غمرة استغرابها وهى تراه يقفز الي الحديقة وهو يطلق النار مشابها جايمس بوند الممثل.وبعد لحظة صدر مواء عنيف اختلط بالهرج والمرج فى الحديقة.
- اصبته.
وعندما انضمت مارشا الي تايلور فى الخارج,بدافع الفضول,التفت اليها والرضا علي وجهه الوسيم:(مرة اخري يتبلل فيها ويحفظ الدرس).
- من هو الذى سيحفظ الدرس؟
- هر الجيران!انه يترصد اخراج شحرور من احى اشجار الحديقة,الماء لا يضره,ولكن من المؤكد ان ما يجرح كبرياءه ان يتواري مبتعدا اشبه بجرذ نجا من الغرق.ستضطر كرامة رجولته الي الاعتراف بانه لن يستطيع الحصول علي ما يريد.
وسيعلم تايلور كل شىء عن كرامة الرجولة!اوشكت مارشا ان تقول له هذا عندما طار شحرور بجانب رأسيهما بشكل يشبه رقصة النصر.وصاح تايلور خلفه قائلا:(الي الامام يا صغيري,لن ينجح).
هذا هو الرجل الذى انشا عملا بملايين الجنهيات قبل ان يبلغ الثلاثين,وشعرت مارشا بانها اصبحت تعرف ما شعرت به اليس فى بلاد العجائب.
وعندما همت بالكلام قاطعها :(اسمعى).
ومال براسه يستمع باهتمام فهمست:
- ماذا تسمع؟هل عاد الهر؟
ضحك لها قائلا:(لا,بل هى حنة تنادينا لتناول العشاء).