كاتب الموضوع :
^RAYAHEEN^
المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
الأسلحة والأطفال
إسم الشاعر(ه): بدر شاكر السياب
عـصـافـيـرُ أم صـبـيــةٌ iiتــمــرحُ؟
عليـهـا سـنـاً مــن غـــدٍ iiيـلـمـحُ؟
وأقــدامــهـــا iiالــعـــاريـــه...
مـحــارٌ يصـلـصـلُ فـــي سـاقـيـه.
لأذيـالــهــم رفَّـــــةُ الـشــمــألِ
ســرتْ عـبـرَ حـقـلٍ مــن iiالسـنـبـلِ
وهسهـسـةُ الخـبـزِ فــي يــومِ iiعـيـدْ
وغـمـغـمـة الأمِّ بــاســمِ الـولـيــدْ
تـنـاغـيـهِ فــــي يــومـــهِ iiالأوّلِ.
كـأنّــي أسـمــعُ خـفــقَ iiالـقـلـوعْ
وتـصـخـابَ بــحّــارةِ iiالـسـنـدبـادْ..
رأى كـنـزهُ الضـخـمَ بـيـنَ iiالـضـلـوعْ
فـمــا اخـتــار إلاهُ كـنــزاً وعـــادْ
وكــم مــن أبٍ آيــبٍ فــي iiالمـسـاءْ
إلــى الــدارِ مــن سعـيـهِ الـبـاكـرِ..
وقـــد زمَّ مـــن نـاظـريـهِ الـعـنـاءْ
وغـشّـاهـمـا بــالــدمِ iiالـخــاثــرِ
تلـقّـاهُ فــي الـبـابِ طـفـلٌ iiشـــرودْ
يـكـركــرُ بالـضـحـكـةِ iiالـصـافـيـه
فتنـهـلَّ سـمـحـاءُ مـــلءَ iiالـوجــودْ
وتــــزرعُ آفــاقـــهُ الـداجــيــه
نجـومـاً وتنـسـيـهِ عـــبءَ iiالـقـيـودْ
عصـافـيـرُ؟ أم صـبـيــةٌ تــمــرحُ؟
أمِ الـمـاءُ مـــن صـخــرةٍ iiيـنـضـحُ
ولـكــن عـلــى جـثــةٍ iiدامــيــه؟
وقــــبـــــرةٍ تــــصـــــدحُ
ولـكــن عـلــى خـربــةٍ iiبـالـيــه؟
عــــصـــــافـــــيـــــر؟!
بـــــل صــبــيــةٌ iiتـــمـــرحُ
وأعمـارُهـا فـــي يـــدِ iiالطـاغـيـة؟
وألـحـانُـهـا الـحـلــوةُ iiالـصـافـيـه
تغـلـغـلَ فـيـهـا نــــداءٌ بـعـيــد:
حــــديـــــد عـــتـــيــــق
رصـــــــــــــــــــــاص
حـــــــــــديـــــــــــد
وكالـظـلِّ مــن بـاشـقٍ فــي الفـضـاء
-إذا اجـتــاحَ، كالـمـديـةِ iiالـمـاضـيـه
عصافـيـرَ تـشــدو عـلــى iiرابـيــه
تـرامـى إلـــى الصـبـيـةِ iiالأبـريــاء
نـــداءٌ تنـشّـقـتُ فـيــهِ الــدمــاء
"حديـدٌ عتيـق.. حديـدٌ عتيـق! iiرصـا..ص"
فـحــتّــى كـــــأنَّ iiالـــهـــواءَ
رصــاص، وحـتّـى كـــأنَّ iiالـطـريـقَ
حــــديـــــدٌ عـــتـــيــــق.
ويـنـقــضُّ كـالـمـعـولِ iiالـحـافــر
صـدىً راعــبٌ مــن خـطـى iiالتـاجـر.
لـــهُ الـويــلُ.. مــــاذا iiيــريــد؟
"حـديـدٌ عتـيـق.. رصــاص.. iiحـديـد!"
لــكَ الـويـلُ مــن تـاجــرٍ iiأشـــأمِ
ومــن خـائـضٍ فــي مسـيـلِ iiالـــدمِ
ومـــن جـاهــلٍ أنَّ مـــا iiيشـتـريـه
-لـدرءِ الطـوى والــردى عــن iiبنـيـه-
قـبــورٌ يـــوارونَ فـيــهِ بـنـيــه!
"حــــديـــــدٌ iiعـــتـــيــــق
رصــــــــــــــــــــا..ص
حــــــــــديـــــــــــد..."
حـديــدٌ عـتـيـق لـمــوتٍ iiجـديــد!
"حــــــــــد..يـــــــــــدٌ"
لـمــن كــــلُّ هــــذا iiالـحـديــد؟
لـقـيـدٍ سـيُـلـوى عـلــى مـعـصــمٍ
ونـصـلٍ عـلــى حـلـمـةٍ أو iiوريـــد
وقـفـلٍ عـلــى الـبــابِ دونَ العـبـيـد
ونــاعــورةٍ لاغــتــرافِ iiالـــــدمِ
"رصـــــــــــــــــــا..صٌ"
لـمــن كـــلُّ هـــذا iiالــرصــاص؟
لأطــفــالِ كــوريّــةَ iiالبـائـسـيـن؟
وعـمّــالِ مرسـيـلـيـةَ iiالجـائـعـيـن؟
وأبــنــاءِ بــغــدادَ iiوالآخــريــن؟
إذا مـــــــا أرادوا iiالـــخــــلاص
حـــــــــــديـــــــــــد
رصـــــــــــــــــــــاص
رصـــــــــــــــــــــاص
رصــــــــــــــــــــاص!
"حـــــــــــديـــــــــــدٌ"
وأصــغـــي إلـــــى iiالـتــاجــرِ
وأصـغـي إلــى الصبـيـةِ iiالضاحـكـيـن
وكالنـصـلِ قـبــلَ انـتـبـاهِ الطـعـيـن
وكالـبـرقِ ينـفـضُّ فـــي iiخـاطــري
سـتــار، وكـالـجــرحِ إذ iiيــنــزف-
أرى الـفـوهـاتَ الــتــي iiتـقـصــف
-تـسـدُّ الـمـدى- واللـظـى iiوالـدمــاء
وينـهـلُّ كالـغـيـثِ مـــلءَ iiالـفـضـاء
رصــاصٌ ونــار، ووجـــهُ iiالـسـمـاء
عـبـوسٌ لـمـا اصـطـكَّ فـيـهِ iiالحـديـد
حـديــدٌ ونـــار، حـديــدٌ iiونــــار
وثـــمَّ ارتـطــامٌ وثـــمَّ iiانـفـجــار
ورعـــدٌ قـريــب، ورعـــدٌ iiبـعـيـد
وأشـــلاءُ قـتـلــى وأنــقــاضُ iiدار!
حـديــدٌ عـتـيـق لـغــزوٍ iiجــديــد
حـديــدٌ.. لـيـنـدكَّ هـــذا iiالـجــدار
بـمـا خــطَّ فــي جانبـيـهِ iiالـصـغـار
ومــا استـودعـوا مــن أمــانٍ iiكـبـار
"ســــــــــــــــــــــلام"
"حـديـدٌ .. رصــاصٌ... حـديـدٌ iiعتـيـق"
لـيـخـلــوَ هـــــذا iiالـطــريــق
مــن الضـحـكـةِ الـثــرّةِ iiالصـافـيـه
وخـفـقِ الخُـطـى والهُـتـافِ iiالـطـروب
فـمـن يـمـلأُ الــدارَ عـنـدَ الـغـروب؟
بـدفءِ الضـحـى واخـضـلالِ iiالسـهـوب؟
لـظـى الحـقـدِ فــي مقـلـةِ iiالطاغـيـه
ورمــضــاءُ أنـفـاســهِ iiالـبـاقـيــه
يطـوفـانِ بـالــدارِ عـنــدَ iiالـغــروب
وأطــلالـــهـــا iiالــبــالــيــه!
"حـديـدٌ عتـيـق.. نـحــاسٌ iiعـتـيـق"
وأصــــداءُ صــفــارةٍ لـلـحـريـق!
ومـــن يـفـهُـم الأرضَ أنَّ الـصـغــار
يـضـيـقـونَ بـالـحـفـرةِ الــبــارده؟
إذا استنـزلـوهـا وشــــطَّ iiالــمــزار
فـمـن يـتـبـعُ الغـيـمـةَ iiالـشــارده؟
ويـلـهــو بـلــقــطِ iiالـمــحــار؟
ويـعـدو عـلــى ضـفــةِ iiالـجــدولِ؟
ويسـطـو عـلـى الـعــشِّ iiوالبـلـبـلِ؟
ومـــن يتـهـجّـى طـــوالَ iiالـنـهـار
ومــن يلـثـغُ الــراءَ فــي iiالمكـتـبِ؟
ومــن يرتـمـي فـــوقَ صـــدرِ iiالأبِ؟
ومــن يـؤنـسُ الأمَّ فـــي كـــلِّ iiدار؟
أســىً مـوجـعٌ أن يـمــوتَ iiالـصـغـار
أسـىً ذُقــتُ مـنـه الـدمـوعَ، iiالـدمـوع
أجـاجــاً ومـثــلَ الـلـظـى بـالـفـمِ،
وأحسـسـتُ فـيــه اشـتـعـالَ iiالـــدمِ
"حـديـدٌ عتـيـق.. ورعـــبٌ iiجـديــد!
" حـديــدٌ، رصـــا..ص" لأنَّ iiالـطـغـاه
يــريــدونَ ألا تــتـــمَّ iiالـحــيــاه
مــداهــا، وألا يــحــسَّ الـعـبـيــد
بـــأنَّ الـرغـيـفَ الـــذي iiيـأكـلـون
أمــــــرُّ مــــــنَ iiالـعـلــقــمِ
وأنَّ الـشــرابَ الــــذي iiيـشـربــون
أجـــــاجٌ بــطــعــمِ iiالــــــدمِ
وأن الـحـيــاةَ حــيــاةُ iiانـعـتــاق،
وأن ينـكـروا مــا تـــراهُ iiالـعـيـون:
فــلا بـيـدرٌ فــي سـهـولِ iiالـعـراق،
ولا صبـيـةٌ فــي الـضـحـى يلـعـبـون
ولا هـمـسُ طاحـونـةٍ مـــن iiبـعـيـد،
ولا يـطـرقُ الـبـابَ سـاعـي iiالـبـريـد
بــبــشـــرى، ولا iiمــــنــــزلُ
يـضـيءُ الـدجـى مـنـهُ نــورٌ iiوحـيـد
سـخـيٌّ كـمـا استـضـحـكَ iiالـجــدولُ،
ولا هـــدهـــداتٌ، ولا جــلــجـــلُ
يـــــرنُّ بــســـاقِ iiالــولــيــد
بــأقــدامِ أطـفـالـنــا iiالـعــاريــه
يـمـيـنـاً، وبـالـخـبـزِ والـعـافـيـه:
إذا لـــم نـعـفّـر جـبــاهَ iiالـطـغــاه
عـلــى هـــذهِ الأرجـــلِ iiالحـافـيـه
وإن لــم نــذوّب رصـــاصَ iiالـغــزاه
حـروفــاً هـــي الأنـجــمُ iiالـهـاديـه
(فمـنـهـنّ فـــي كـــلِّ دارٍ كـتــاب
ينـادي: قـفـي واصــدأي يــا iiحــراب)
وإن لــم تـضــوِّ الـقــرى iiالـداجـيـه
ولــم نُـخـرسِ الـفـوهـاتِ iiالـغـضـاب
ونـجـلِ المغيـريـنَ عـــن iiآسـيــه..
فـــلا ذكـرتـنـا بـغـيـرِ iiالـسِّـبــاب
أو الـلـعــنِ أجـيـالـنـا iiالآتــيـــه!
ســـلامٌ عـلــى الـعـالـمِ iiالأرحـــبِ
عـلـى الحـقـلِ، والـــدارِ، iiوالمـكـتـب
عـلـى مـعـمـلٍ لـلـدُّمـى iiوالنـسـيـج،
عـلـى الـعــشِّ والـطـائـرِ الأزغـــب
ولــولا الــذي كـدّسـوا مــن iiنـضـار
بـــه يستـضـيـئـونَ دونَ الـنـهــار
تـجـوعُ المـلايـيـنُ عـــن جانـبـيـه
وينـحـطَّ فــي كــلِّ يـــومٍ iiعـلـيـه
دمٌ مــن عــروقِ الـــورى أو iiنُـثــار
كـــــــــذرِّ iiالـــغـــبــــار
لـمــا هـــزتِ الأمـهــاتُ iiالـمـهـود
عـلـى هــوةٍ مــن ظـــلامِ الـلـحـود
ولــم تــذرفِ الـدمـعَ عـبـرَ البـحـار
وعـبـر الصـحـارى، نـسـاءُ iiالـجـنـود
ولــم يـبــكِ صـرعــى بـنـيـه iiالأبُ
جـزوعـاً بـــأن يـثـكـلَ iiالآخـريــن
ولا ســـاءلَ الأمَّ طــفــلٌ iiغــريــر:
"ألا بـلـدةٌ لـيــسَ فـيـهـا iiسـمــاء؟"
-فـــلا قـاذفــاتُ المـنـايـا iiتـغـيـر
ولا مــن شظـايـا تـســدُّ iiالـفـضـاء-
ولا اختـضَّ فــي الصـرصـرِ iiاللاجـئـون
ولألاءُ "يــافــا" تــــراهُ iiالـعـيــون
وقــد حــالَ مــن دونــه الغاصـبـون
بمـا أشرعـوا مــن عـطـاشِ iiالـحـراب
ومـا استـأجـروا مــن شـهـودٍ كِــذاب
ومـا صفّـحـوا بـالـردى مــن حـصـون
ســـلامٌ عـلــى الـعـالـمِ iiالأرحـــب
عـلـى مـشــرقٍ مـنــهُ أو iiمـغــرب
عصـافـيـرُ؟ أم صـبـيــةٌ تــمــرح؟
أمِ الـمـاءُ مـــن صـخــرةٍ iiيـنـضـح؟
وأقــدامـــهـــا iiالــعـــاريـــه
مصابـيـحُ مـــلءَ الـدُّجــى iiتـلـمـح،
هتـكـنـا بـهــا مـكـمـنَ iiالطـاغـيـه
وظـلـمــاءَ أوجــــاره iiالـبـالـيــه
علـيـنـا لـهــا: إنـهــا iiالـبـاقـيـه
وأنَّ الـدوالـيـبَ فـــي كـــلِّ iiعـيــد
سترقـى بـهـا الـريـحُ.. جـذلـى تــدور
ونـرقـى بـهـا مــن ظــلامِ iiالعـصـور
إلــى عـالـمٍ كــلُّ مــا فـيـهِ iiنــور
"رصاصٌ، رصاصٌ، رصاصٌ، حديدٌ، حديدٌ عتيق"
لــــكـــــونٍ iiجـــــديـــــد
|