لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-10-08, 06:57 AM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

وارتمت في احضانها هاتفة بتأثر:
- عمتي فيفيان كم انا سعيدة لقدومك.
- لاتقلقي ياعزيزتي هذه الدكتورة نيل وكل شئ سيكون على مايرام اخرجي ياحبيبتي الى الشرفة وانتظري والدك.
قطبت فرانسين حاجبيها معترضة:
- لكني اريد مساعدة أمي.
تقدمت جيسيكا من الصغيرة وغمرتها بحنان:
- أعدك يافرانسين بأن اناديك اذا احتجت لأية مساعدة.
ابتسمت الصغيرة بحياء وأجابت راضخة:
- حسناً كما تشائين يادكتورة نيل.
في غرفة النوم الكبيرة بدت اوليفيا شاحبة الوجه وقد تمددت على السرير من غير حراك لكنها ماان سمعت الباب يفتح حتى فتحت عينيها وارتسمت على شفتيها ابتسامة ارتياح ورضى وتمتمت بصوت منخفض ترحب بالقادمتين:
- تسرني رؤيتكما الى جانبي لم أقو على التحرك من مكاني والا لكنت وفرت عليكما مشقة القدوم الى هنا.
صاحت فيفيان بهلع:
- اياك والتحرك قد تعرضين نفسك والجنين لخطر محتم.
وضعت جيسيكا حقيبتها على الأرض وجلست بالقرب من اوليفيا مستوضحة:
- متى أحسست بالألم؟
- سأكون صريحة معك شعرت بألم في الصباح لكني حسبته تشنجا ًفي المعدة كالعادة وعندما زال أيقنت من أني مصيبة في ظني ولاشئ يدعو للقلق لكن الألم عاودني منذ اكثر من نصف ساعة و...
عاودتها نوبة الألم مجدداً فلم تكمل عبارتها فوضعت جيسيكا يدها على جبينها تهدئ من روعها:
- استرخي ولاتقلقي وتنفسي بهدوء وعمق.
انتظرت جيسيكا زوال الألم وباشرت في معاينة مريضتها لكنها ماان انتهت من ذلك حتى عاد الوجع أشد وأقوى.
هتفت فيفيان باضطراب:
- ياالهي.ماذا سنفعل يا جيسيكا؟
فتحت الدكتورة نيل حقيبتها تتفحص محتوياتها وأجابت بهدوء كلي:
- اعتقد ان الولادة ستتم في هذه الغرفة.
جحظت عينا فيفيان وصاحت برعب:
- تقولين ذلك وكأن الأمر سيحصل بعد لحظات.
- ستحصل الولادة قريباً لكن أمامنا متسعاً من الوقت لاجراء الترتيبات الضرورية.
اصدرت جيسيكا تعليماتها بهدوء وثقة مما بعث الطمأنينة في نفس فيفيان:
- اليّ بوعاء من الماء الساخن وبعض المناديل النظيفة وأعملي على ابقاء الصغيرة خارجاً لن يستغرق الأمر اكثر من نصف ساعة.
جلست جيسيكا الى جانب اوليفيا تمسح جبينها المتصبب عرقاً:
- لاتخافي ياعزيزتي كل شئ يسير بصورة طبيعية.

أغمضت الحامل عينيها متأوهة وقد ازداد شحوب وجهها.
- ياالهي ليت برنارد هنا.
اجابت فيفيان وهي تضع وعاء الماء الساخن قرب السرير:
- لوعرف ماذا يحدث لطار الى هنا ليكون بقربك في هذه اللحظة فانت تعلمين مقدار حبه لك.
عاودتها نوبة الألم مرة أخرى فأمسكت بغطاء السرير تشده بين يديها:
- أجل...أجل أعلم ذلك وجوده الى جانبي يريحني ويجعلني أشعر بالأمان.
جثت فيفيان على ركبتيها عند حافة السرير ومدت يديها الى اوليفيا:
- امسكي بيدي ياعزيزتي واتركي الباقي لجيسيكا.
وضعت اوليفيا مولوداً صبياً كامل النمو عملت جيسيكا على لفه ووضعه قرب اوليفيا بينما اهتمت فيفيان بتنظيف المكان بعد قليل وصلت فرانسين ووقفت عند الباب تسأل بارتباك:
- لقد سمعت صراخ الطفل هل بامكاني رؤيته والاطمئنان على أمي؟
ضمتها فيفيان الى صدرها هاتفة:
- بكل تأكيد ياحبيبتي.
هرعت الطفلة الى أمها تقبل وجنتيها ثم حدقت بالمولود الجديد طويلاً وقالت:
- انه صغيراً جداً هل سينمو يااماه؟
أشرق وجه اوليفيا بعد شحوب وهي تغمر ابنتها:
- سينمو ياعزيزتي حتى يصبح في مثل قامتك يوما ًما.
ضربت الطفلة كفاً بكف وكأنها تذكرت شيئاً والتفتت ناحية جيسيكا وفيفيان هاتفة:
- حضرت ايفيلنا القهوة ووضعتها في غرفة الجلوس سأبقى مع أمي الى حين عودتكما.
ترددت فيفيان في الذهاب لكن جيسيكا ربتت على كتفها موافقة:
- فنجان كبير من القهوة هوأفضل مانحتاجه الآن.
جلست الاثنتان في غلرفة الجلوس ترشفان القهوة بهدوء وارتياح فالعشرون دقيقة التي استغرقتها عملية الولادة كانت صعبة على الجميع رفعت فيفيان رأسها تجيل النظر في ارجاء القاعة وقالت بتأثر:
- لقد ترعرعت في هذه المزرعة وفي هذا المنزل بالذات وشهدت حيوانات كثيرة تلد وفي كل مرة كنت اخرج مندهشة اليوم عندما شاهدت ولادة الطفل شعرت بفراغ في حياتي واكتشفت ان أحلى مرحلة من مراحل الزواج قد فاتتني.
بدا التأثر على وجه جيسيكا واحتارت بما تجيب فالألم الساكن في عيني محدثتها أكبر من ان يزيله سؤال او تخفف منه مواساة.
بدأ الظلام يدب في انحاء المزرعة مبشراً بهبوط الليل وخيم سكون ثقيل على غرفة اوليفيا حيث جلست جيسيكا وحيدة تراقب الأم وطفلها.
فجأة علا هدير شاحنة في الخارج وسرعان ماتهادى الى مسامع جيسيكا وقع خطوات سريعة في الرواق المؤدي الى الغرفة وصوت رجل يسأل باضطراب:
- أين هي؟اين اوليفيا؟
طمأنته فيفيان بنبرة هادئة:
- انها في غرفتها يابرنارد ولاشئ يدعو للقلق.
صعد برنارد كينغ السلالم المؤدية الى غرفة النوم وهو يلعن الصيد والصيادين بصوت عال مما حمل جيسيكا واليفيا على تبادل نظرات ضاحكة قبل ان يفتح الباب بقوة وقف برنارد عند الباب بقامتة الطويلة وشعره الأسود وقد خططه الشيب متجهم الوجه يوزع نظراته النارية المضطربة بين زوجته وجيسيكا فجأة علا صراخ الطفل فتبدلت سحنة الأب وغاب الحنق والقلق من عينيه فمسح وجهه بيده وكأنه لايصدق ماتراه عيناه.
وتقدم من زوجته وجثا قرب السرير يغمرها والطفل بحنان هامساً بتأثر:
- أوليفيا؟
التفتت جيسيكا الى فيفيان فرأتها مأخوذه بذلك اللقاء المؤثر تحدق في العائلة الصغيرة بعينين دامعتين وابتسامة حزينة وتشاركهم احساساً لم يراود قلبها من قبل.
نظرت اوليفيا الى جيسيكا وقد امسكت بيد زوجها:
- أرجو المعذرة ياجيسيكا اقدم زوجي برنارد(وتطلعت الى برنارد مردفة)انها الدكتورة نيل.
هب الزوج السعيد واقفاً ومد يده مصافحاً جيسيكا بحرارة وقوة.
- معرفتك تشرفني يادكتورة وشكراً على مساعدتك لاوليفيا.
- لاشكر على الواجب.
تطلعت اوليفيا الى زوجها سائلة:
- ألن تحمل الطفل يابرنارد؟
ثلاثة أزواج من العيون راقبت برنارد وهو يقترب من السرير الصغير وينحني ليحمل الطفل الغارق في لفته القطنية يغط في نوم عميق.
هتف الأب مازحاً:
- ياله من طفل بشع.
جارته اوليفيا في مزاحه:
- هذا شئ طبيعي فهو يشبه والده تماماً.
علت ضحكة برنارد مدوية وجلس من جديد قرب زوجته:
- اني استحق جواباً كهذا أليس كذلك؟
أجابت فيفيان مبتسمة:
- بكل تأكيد (ونظرت الى جيسيكا توضب اغراضها في الحقيبة تتهيأ للرحيل واردفت) لقد اتصل بيتر وسيوافينا بعد قليل وطلب مني ان امنعك من مغادرة المزرعة قبل تناول العشاء.
همّت جيسيكا بالاعتذار:
- اني مضطرة...
لكن اوليفيا قاطعتها بلطف:
- ارجوك البقاء ياجيسيكا.
لم تقو على مقاومة نبرة التحبب في عبارة اوليفيا فأومأت برأسها موافقة.
جلس الجميع ماعدا اوليفيا الى طاولة العشاء في جو من المودة افتقدته جيسيكا منذ مغادرتها جوهانسبرغ يستمعون الى فرانسين تعيد عليهم ماحدث خلال غياب والدها عن المنزل وحدها جيسيكا لاحظت مدى تأثر فيفيان وهي تصغي بشغف الى الطفلة وتمسح بين الحين والآخر دموعها.
احتارت كيف تفسر احجام هذه المرأة عن الانجاب بالرغم من ولعها الشديد بالاطفال لابد من وجود سبب وستسعى الى اكتشافه بطريقة او بأخرى.
منتديات ليلاس
اشارت عقارب الساعة الى الثامنة فنهضت جيسيكا عن كرسيها معتذرة وتوجهت الى غرفة اوليفيا لتودعها فوجدتها مازالت مستلقية في فراشها والابتسامة لم تفارق شفتيها.
- كيف حال الأم الصغيرة؟
- جيسيكا... لم تسنح لي الفرصة لاشكرك.
همست الدكتورة بنبرة حنونة ممررة يدها على رأس مريضتها:
- لم أقم سوى بواجب الصداقة ياعزيزتي.
- بل اكثرمن ذلك بكثير لاادري ماكنت سأفعل لولاك.
- عليك بالراحه عدة أيام حتى تستعيدي نشاطك فكما اعتقد لست بحاجة لمستشفى.سأزورك يومياً للاطمئنان عنك وعن الطفل ماذا ستسمينه يااوليفيا؟
- لم نقرر بعد.
علا صوت برنارد قرب الباب:
- لدي الاسم الناسب له.
- يالك من جاسوس ياحبيبي.ماهو الأسم المناسب له.
- لم أجد أفضل من لوغان اسماً له.
علت الدهشة وجه الزوجه بينما التفت برنارد الى جيسيكا موضحاً:
- انه اسم عائلة اوليفيا قبل الزواج.
- انه اسم جميل ويليق بهذا ((السيد))النائم هنا.حسناً يالوغان سأراك غداً.
التقت جيسيكا اثناء خروجها بيتر اوبريان في غرفة الجلوس فنهض مودعاً:
- سأرافقك الى السيارة يلجيسيكا.
وما ان صارا في الخارج حتى سألها باهتمام:
- هل تمت الولادة على مايرام؟هل من مضاعفات؟
- لا ابداً.
بدا الارتياح على وجه الطبيب فهتف:
- عظيم انت تعلمين ان اوليفيا مازالت فتية واعترف اني لم أتوقع لها ولادة طبيعية ولكن...عندما يتعلق الأمر باحد الأقارب اجد نفسي في حالة يرثى لها من القلق والاضطراب انها احدى نقاط ضعفي على ما اعتقد.
- هذا شئ طبيعي يادكتور ارجو ان تكرر شكري لفيفيان وفرانسين فقد ساعدتاني كثيراً.
وصلت جيسيكا الى منزلها بعد التاسعة بقليل وما ان همت بالاستحمام حتى رن الهاتف وتهادى صوت دان ترافورد بوضوح معاتباً:
- حاولت الاتصال بك طوال السهرة.أين كنت؟
احست بخفقات قلبها تتسارع وأجابت بطريقة عفوية:
- كنت في مزرعة آل كينغ فالسيدة كينغ وضعت مولوداً بعد الظهر.
- أتعنين ان الطفل ولد في المزرعة؟
- أجل.
لم يتمالك دان نفسه عن الصراخ:
- ولماذا لم تنتقل الى المستشفى؟
- لم يكن هذا ممكناً فزوجها خرج للصيد منذ الصباح.
- كان بامكانك تدبير سيارة اسعاف لنقلها الى المستشفى.
- لم يكن لدي الوقت الكافي.
سألها بنبرة حانقة:
- ماذا تعنين بالوقت الكافي؟
ردت جيسيكا ببرودة مقصودة:
- كانت اوليفيا على وشك الوضع حين وصلت الى المزرعة.
- ليس هذا سبباً مقنعاً يادكتورة نيل.أتعلمين نوع المضاعفات التي قد تحصل في حالات مماثلة؟
- أعلم لكن...
- اذن لماذا لم تعمدي الى ادخالها الى المستشفى؟
جاهدت جيسيكا في السيطرة على نفسها:
- لأني اخذت بعين الاعتبار يادكتور ترافورد ان مريضتي ستفضل الاستلقاء في سريرها على التمدد في صندوق سيارة الاسعاف وهي تلد طفلها.
علق بلهجة ساخرة:
- كلام مقنع يبدو انك تحملين في حقيبتك غرفة للطوارئ تدخلين اليها المريض عند الضرورة.
- لاحاجة للهزء الآن.
- ياالهي.أنا لا اهزأ منك.
- ماذا تفعل اذن؟أتقصد اني عاجزة عن معالجة الحالات الطارئة؟
- وكيف أعلم ان كنت قادرة أم لا؟
- حسناً اقترح ان تحتفظ بآرائك لنفسك يادكتور ترافورد الى ان تتأكد من مقدرتي.
- لاتسيئي فهمي ياجيسيكا اردت ان أبين لك استحالة التغلب على أية مضاعفات عند عدم وجود الآلات المناسبة.
اعترفت في قرارة نفسها بصواب كلامه لكنه لوكان محلها وعاين اوليفيا لوافقها على ان طلب سيلرة الاسعاف لم يكن ضرورياً.
- فعلت ماظننته الأفضل لأوليفيا.
- كنت أتوقع تعليلاً كهذا من امرأة.
- ماذا تعني يادكتور ترافورد؟
- من المعلوم ان النساء ينجرفن وراء العاطفة عند اتخاذ قراراتهن وانت خير اثبات على ذلك.
- لاعلاقة للعاطفة بقراري يادكتور ترافورد(وأحست انها تكاد تفقد السيطرة على نفسها)هل هناك ماتضيفه يادكتورد ترافورد؟
- أجل لكني سأحتفظ به.
اقفلت الخط بيدين ترتجفان سخطاً واضطراباً وهتفت بأعلى صوتها:
- لعنة الله على الرجال.
احست باحتقان مؤلم في عينيها وبرغبة جامحة في البكاء.
لم تهنأ جيسيكا بالراحة طوال الليل تلقت بعد منتصف الليل مخابرة من المستشفى تدعوها بسرعة الى غرفة الطوارئ ولم تعد الى منزلها الا عند الفجر فاستحمت وبدلت ثيابها ثم جلست على الشرفة ترقب شروق الشمس وتتناول فطوراً خفيفا.
حاولت قبل توجهها الى العيادة اخفاء علامات الاعياء على وجهها بالتبرج والاكثار من المساحيق لكن ما ان صادفت الممرضة هانسن حتى بادرتها الاخيرة مستوضحة:
- يبدو انك قضيت ليلة رهيبة ويؤسفني ان اخبرك ان الصباح لن يكون أفضل حالاً الدكتور اوبريان توجه الى المستشفى والدكتور ترافورد منهمك في معاينات خارجية مما يعني انك مسؤولة عن المكان بأكمله الآن خاصة ان غرفة الانتظار تعج بالمرضى.
ارتدت جيسيكا سترتها البيضاء متصنعة الابتسام:
- اذن هلا ارسلتي المريض الأول ياآنسة هانسن؟
كانت بداية النهار متعبة للغاية وبدا وكأن عدد المرضى لن ينتهي ابداً.
لم تصادفها حالات مرضية كالتي تراها ولاسبق لها ان كشفت على مثل هذا العدد من المرضى اثناء عملها مع والدها ولسوء حظها ما ان كادت تنتهي من معاينة الدفعة الأخيرة حتى وصلت حافلة كبيرة مزدحمة بمرضى من منطقة فندا المجاورة.
نزلت جيسيكا لاستقبالهم محدقة في تلك الوجوه السوداء المحيطة بها تتهامس فيما بينها وتذكرت قول أحد المحاضرين في كلية الطب عن ان الطبيب قد يصادف أياماً يتمنى فيها لو يملك أكثر من يدين اثنين.
والآن هي في أمس الحاجة الى تحقيق هذه الأمنية فعادت الى عيادتها تحمل اللائحة الجديدة وتتهيأ مرة أخرى لمعاودة العمل بينما تولت الآنسة هانسن أمر تنظيم دخول المرضى الجدد ودعت الممرضة المريض الأخير ودخلت غرفة جيسيكا لتجدها وقد أسندت رأسها الى حافة مكتبها تأخذ قسطاً من الراحة.
- مر عليك صباح رهيب يادكتورة نيل هل تتصورين كيف كانت الحالة قبل قدومك؟
رفعت جيسيكا رأسها ونظرت الى الممرضة مبتسمة:
- أقر بأني تعبة لكني راضية عن ذلك هذا هو نوع العمل الذي طالما نشدته النوع الذي يتعبك ويريحك في آن معاً لورآني والدي في تلك الحالة لطار صوابه.
- ألم يحبذ والدك اختيارك مهنة الطب؟
- بلى لكنه لايوافقني على طريقة ممارستها.
لم يبد على الممرضة انها فهمت ولم تتكبد جيسيكا عناء التفسير بل خلعت سترتها وصففت شعرها بيديها قائلة:
- اعتقد اني سأستغل فترة الغداء لأعود أوليفيا كينغ وطفلها في المزرعة بعدها سأكون في المستشفى ان احتجت اليّ.
تطلعت الآنسة هانسن بشفقة الى وجه جيسيكا الشاحب وهزت رأسها معاتبة:
- الاطباء ينصحون مرضاهم بعدم اهمال صحتهم والاهتمام بطعامهم ولكن نادراً مايعملون بهذه النصيحة.
هزت جيسيكا كتفيها وغادرت عيادتها تقود السيارة على مهل الى مزرعة آل كينغ فامامها متسع من الوقت قبل ان يحين موعد رجوعها الى المستشفى فكرت بفيفيان فأمرها مابرح يشغل بالها منذ ان أفضت لها بمكنونات صدرها وخطرت لها فكرة قد تنجح في التخفيف من مشاكل هذه المرأة الطيبة لكنها قبل ان تمضي قدماً في تنفيذها ستحاول التقرب منها قدر الامكان واوليفيا كينغ هي الشخص الوحيد القادر على ذلك.
الفصل الخامس

5- تعلم انها ستندم غداً على ماتفعله الآن وستكره نفسها كلما فكرت به. لكنها في هذه اللحظة ملكه وملك هذا الاحساس الرائع والكلمات الدافئة التي يهمس بها...

لم يكن في المزرعة عند وصول جيسيكا سوى ربة المنزل والخادمة فتوجهت مباشرة الى الطابق العلوي حيث كانت اوليفيا ترضع طفلها في غرفة النوم.
- كيف حال الأم وطفلها اليوم؟ دعيني القي نظرة على الصغير ثم انتظرك في غرفة الجلوس.
استغرقت المعاينة دقائق معدودة طمأنت بعدها الأم وخرجت تنادي الخادمة كي تحضر القهوة لقد اعجبت بأوليفيا منذ زيارتها الأولى للعيادة.
وجدت فيها الوجه الآخر لشخصيتها الوجه الذي اضطرتها الظروف لبتره من حياتها والظهور دائماً بمظهر الطبيبة الجادة والرصينة تود لو تسترجع بعضاً منه قبل ان يفوت الأوان.
اكثر ماشدها الى اوليفيا ذكاؤها وسعة اطلاعها اضافة الى حبها للحياة والمرح انها مثال المرأة التي لاتترك فرصة الاوتغتنمها لتضيف الى حياتها مزيداً من الهناء والسعادة.
وافت اوليفيا ضيفتها الى غرفة الجلوس مرحبة وسكبت لنفسها فنجاناً من القهوة.
- عادتني فيفيان هذا الصباح واقترحت ان تحمم لوغان وما ان انهت تحضير مايلزمها حتى فوجئت بالخادمة وقد سبقتها الى ذلك.
وجدت جيسيكا الفرصة سانحة لتعرف المزيد عن فيفيان فقالت متعمدة البساطة:
- يبدو انها مولعة بالأطفال الى حد بعيد.
- انها تعشق فرانسين ومن الواضح ان لوغان بدأ يحظى بحبها ايضاً.
لم يسبق ان اتت على ذكر هذا الموضوع لكن برنارد اخبرني انها عرضت نفسها على اكثر من اخصائي مشهور قبل ان تقتنع بأنها عاقر.
- وهل فكرت بالتبني؟
- لايمكنني الاجابة على هذا السؤال،لكن فيفيان من الذين يسلمون بالأمر الواقع.
- لايبدو انك مقتنعة بما تقولين.
- هذا صحيح فأنا اعتقد انها تخفي في داخلها رغبة جامحة للحصول على طفل لكن برنارد ينتمي الى عائلة عريقة ومحافظة سترفض فكرة التبني وهذا ماجعل فيفيان تصرف النظر عنها متظاهرة بعدم الاكتراث.
سكتت جيسيكا لثوان ثم تمتمت:
- هكذا اذن.
- ماذا يدور في خلدك ياجيسيكا؟
تطلعت الى عيني محدثتها الهادئتين مبتسمة:
- عندي فكرة جيدة اذا نجحت...
- من الأفضل ان تخبريني عنها.
وضعت الدكتورة نيل فنجان القهوة الفارغ على الطاولة على مهل وكأنها تختار عبارتها:
- في دار الايتام في جوهانسبرغ فتاة تعيسة تناهز العاشرة من عمرها نجت في حادث سيارة قضى فيه والداها.تعرفت اليها حين كانت في المستشفى قيد المعالجة توطدت علاقتنا بعد ان عرفت ان لاأقارب لها ووعدتها منذ ايام بأن اجلبها الى هنا لتمضية عطلتها المدرسية معي.
- اظن اني بدأت اعيّ ماترمين اليه ياجيسيكا.ان احبت فيفيان الفتاة فقد تبقيها معها.
- ميجان لاي طفلة رائعة وكل من صادفها احبها انها تتعلق بالناس بسهولة وتحتاج الى من يهبها حبه وحنانه.
- صدقيني ياجيسيكا اتمنى لك النجاح في مسعاك.
- هل امضي قدماً في خطتي وأجلب ميجان الى هنا لقضاء العطلة؟
فاق حماس اوليفيا حماس محدثتها فهتفت:
- بكل تأكيد فكلما اسرعنا في المحاولة كلما اسرعنا في معرفة النتيجة.
- يسرني ان اناقش هذه القضية معك يااوليفيا.
- هذا يسعدني كثيراً ولن اطلع احد على الأمر وخاصة فيفيان لأنها ان اشتبهت بشئ ستكون عواقب محاولتنا وخيمة على الجميع.
وقفت جيسيكا مودعة:
- حسناً سنبقي الأمر سراً بيننا الى اللقاء ياعزيزتي.
بعد يومين تمكنت جيسيكا من الاتصال بالمسؤولة عن دار الايتام والحصول على اذن لميجان لتمضية عطلتها المدرسية بمعيتها في لويزفيل ولم يبق الا ان تتصل بوالدها ليتدبر امر انتقال الطفلة بالقطار من جوهانسبرغ.
سيسير كل شئ على مايرام وستدخل الفرحة الى قلب هذه الفتاة التعيسة وتزرع الأمل من جديد في دار آل اوبريان.
كانت في عيادتها عندما دخل عليها دان ترافورد ليفاجأ بامارات الفرح تعلو وجهها.
- ماهذه البسمة الحلوة التي تزين وجهك؟هل ستطلعينني على السبب ام هي احد اسرارك الدفينة؟
ظلت على كرسيها خلف مكتبها تحدق به مذهولة كعادتها في كل مرة يفاجئها بزيارته.
- نجحت في محاولتي لجلب فتاة يتيمة لتمضية العطلة معي.
- هل كانت احدى مرضاك؟
- تقريباً.
- هذا يثبت صحة كلامي عن تورط الطبيبات عاطفياً مع مرضاهن.
دفعت كرسيها الى الوراء ونهضت محافظة على مسافة كافية بينها وبينه بعد ان تقدم وجلس الى حافة مكتبها:
- انا لااهتم بحالة مرضاي الجسمية فحسب بل بحالتهم النفسية ايضاً ولايسبب لي اعترافي بهذا الاهتمام أي خجل.
- من الطبيعي ان يصدر هذا الكلام عن امرأة.
- لاعجب في ذلك.فأنا امرأة.
اكتشفت انها تسرعت في جوابها فعيناه الشرهتان بدأتا تتفحصانها بوقاحة نجحت مراراً في بعث الاضطراب بجسمها.
- بدأت الاحظ ذلك منذ مدة.
تفوه بعبارته ومضى قبل ان تتمكن من الرد.تركها فريسة احاسيس غريبة مزعجة فراحت توضب اغراضها في الحقيبة بيدين مرتجفتين قبل ان تودع الممرضة هانسن وتعود الى المنزل.
لم تشعر بالارتياح الا بعد ان اتصلت بوالدها في المساء وحصلت منه على وعد بالاهتمام بميجان لاي وحجز مقعد لها في اول قطار قادم الى لويزفيل.
- سنزورك في عطلة الاسبوع ونناقش الأمر معاً بكل تفاصيله سنصل ليل الجمعة ونعود صباح الاثنين.
هتفت جيسيكا فرحة:
- ياله من نبأ رائع يا ابي!
- هل يتسع منزلك لنا؟
- اجل ففي المنزل غرفة للضيوف.
- حسناً هذا سيريح بال والدتك فأنت تعلمين كراهيتها للفنادق.
وسكت الوالد وكأنه ينتظر منها ان تقول شيئاً ولما طال صمتها اردف:
- على كل حال سيكون لنا حديث طويل معك الى اللقاء.
اعادت جيسيكا السماعة الى مكانها ولازمت مقعدها من غير حراك.
كلمات ابيها بعثت في نفسها قلقاً واكتئاباً وستجد صعوبة بالغة في اقناع والديها بانها مرتاحة في عملها هنا ولكنها لن تعدم وسيلة لتحقيق ذلك.
ستمضي بقية النهار هنا للمرة الأولى منذ وقت طويل فتحضّر غداءها ثم تصعد الى غرفتها لتستلقي وتطلع على المجلات المكدسة قرب سريرها.
لكن ما ان اخرجت قطعة اللحم من الثلاجة حتى دخل دان ترافورد غرفة الجلوس من غير استئذان وتوجه مباشرة الى المطبخ قائلاً بجدية:
- اتركي كل شئ واتبعيني انها حالة طارئة.
اعادت اللحم الى مكانه من غير تردد:
- سأجلب حقيبتي.
هتف محافظاً على لهجة الآمر:
- دعيها فلدي كل ماقد نحتاجه.
اطاعته من غير سؤال وأغلقت باب المنزل خلفها لكنها لم تتمكن من لجم فضولها وقتاً اطول فما ان جلست قربه في السيارة حتى سألته بقلق:
- ما الأمر؟ماذاحصل؟
- ليس مهماً ماحدث بل ماذا سيحدث.
اخافتها عبارته فاستوضحت مجدداً بنبرة متقطعة:
- ماذا تقصد بما سيحدث؟
- هلا سكت لأتمكن من الاهتداء الى الطريق الصحيح؟
قاد دان السيارة بأقصى سرعة ممكنة وما ان شارف حدود المدينة حتى انعطف يميناً وسلك طريقاً فرعية تفضي الى منزل قديم قابع على هضبة صغيرة تحيط به مساحات شاسعة من الغابات.
لقيت جيسيكا صعوبة في تحديد موقع المكان بسبب الظلمة وكل ما تمكنت من ملاحظته كان ملعباً لكرة المضرب وحوضاً للسباحة بدا واضحاً ان المنزل قد اعيد ترميمه حديثاً والأنوار المتلألئة في الممر المؤدي الى مدخله لاتوحي بقرب وقوع كارثة.
فتح دان الباب الخشبي الكبير من غير ان يقرع الجرس ووجدت نفسها بعد لحظات في قاعة واسعة تدلت في وسطها ثريا هائلة الحجم انعكست انوارها على البلاط الرخامي.
- اهلاً بك في منزلي ياجيسيكا.
التفتت اليه بعينين جاحظتين وبقيت صامتة لثوان غير قادرة على تقبل الواقع الجديد.ثم سألته ببرودة لتتأكد من صحة ماسمعته:
- اهذا منزلك؟
- اجل.
- هل بامكاني السؤال عن الحالة الطارئة؟
- انك تنظرين اليها فأنا لم اتمكن من تناول العشاء وحيداً الليلة.
اشتعلت عيناها ببريق غاضب وهتفت بمرارة:
- قد خدعتني اذن.
- وهل كنت ستلبين الدعوة من تلقاء نفسك؟
- كلا بكل تأكيد.
- على كل حال انت هنا الآن.
تمنت لو تصفعه لكن يديها المرتجفتين لم تساعداها:
- انت مجنون.
اطلق ضحكة قصيرة معلقاً:
- اعتقد ذلك.
- ارجعني الى منزلي في الحال.
- سأعيدك الى المنزل بعد تناول العشاء.
- اذن سأعود سيراً على الأقدام.
اسرع دان الى الباب يمنعها من الوصول الى المفتاح:
- المسافة طويلة الى منزلك عدا عن ان الطريق محفوفة بالخطر بالنسبة الى فتاة وحيدة.
جاهدت في مقاومة نظراته الوقحة المسلطة عليها بجسارة لم تعهدها من قبل:
- لااحفل بذلك لايحق لك جلبي الى هنا بهذه الوسيلة الخادعة وان كنت ترفض ايصالي الى المنزل فسأقدم...
قاطعها بحدة:
- جيسيكا هل انت خائفة مني؟
اشاحت بوجهها بعيداً عن نظراته الثاقبة.
- لاتكن سخيفاً.
- اذن تناولي العشاء معي.
كادت عزيمتها تخور امام جاذبيته الساحرة لكنها اهملت نداء شعورها رافضة الاستسلام لعاطفتها:
- من حقي ان اختار الشخص الذي امضي معه اوقات فراغي ولم اخترك انت.
- لم اتوقع سماع هذا الكلام منك ياجيسيكا.
- لست بحالة تسمح لي بقول شئ آخر.
رفع وجهها بأحد انامله فارضاً عليها مواجهة عينيه الساخرتين:
- لااطلب منك سوى مشاركتي العشاء وبعدها سأكون رهن اشارتك لأوصلك الى منزلك ساعة تشائين.
لم يسبق ان اقترب منها الى هذا الحد فتسارعت خفقات قلبها وشعرت وكأن الأرض تميد تحتها لكنها تفضل الموت على ان تدعه يدرك حقيقة مشاعرها.
- رفضك مرافقتي الى المنزل لايترك لي الخيار.اليس كذلك؟
سحب يده بلطف عن وجهها مفسحاً لها المجال لالتقاط انفاسها وسار امامها نحو غرفة الجلوس:
- هل تعجبك؟
تفحصت الغرفة بنظرة سريعة غير مكترثة بأثاثها النفيس ثم اجابت:
- ربما.
امسك بيدها يقودها الى وسط الغرفة وعلق مبتسماً:
- سألتك رأيك في الغرفة لأني اسعى لمعرفة الحقيقة ما الذي لايعجبك فيها؟
عاودت النظر الى محتويات الغرفة وأجابت متعمدة السخرية:
- الغرفة بأكملها لاتعجبني فهي تصلح لتصوير مشهد في احد الأفلام الرخيصة.
- وماذا تدري فتاة رصينة مثلك عن امور كهذه؟
- لست طفلة.
- لا،لست طفلة.من المؤسف ان لاتعجبك الغرفة فأنا اجدها مريحة للغاية.اضواؤها خافتة وموسيقاها ناعمة ( وضغط على احد الأزرار فتهادى الى مسمعيها نغم ناعم ) اكثر مايعجبني فيها مقاعدها المريحة جداً.
- مقاعد؟ اية مقاعد؟ اني لاارى سوى اريكتين،وهما بنظري تصلحان لكل شئ الا للجلوس.
- انك تنبهينني الى امور كانت خافية عليّ.
- لست بحاجة الى تنبيه احد فهذه الأمور تدور في خلدك منذ البداية.
التقت عيونهما لثوان احست جيسيكا خلالها بارتعاش لذيذ بالرغم من محاولاتها المستمرة لمقاومة جاذبيته فأردفت بصوت خافت:
- هل دعوتني الى هنا لتغريني؟
- هل تصدقينني ان نفيت ذلك؟
- كلا.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه:
- اذن انت فتاة حكيمة.وهذا احد اسباب اعجابي بك.
- اراك تعترف بذلك.
- لنقل اني احاول ان اكون لائقاً معك وماتبقى عائد اليك وحدك.
- اتعني ان لي ملء الخيار في رفض اقتراحك؟
سكب دان كوبين من العصير ثم تقدم منها قائلاًً:
- قد يصعب عليك تصديق ماسأقوله لكني اؤكد لك انه لم يسبق أن فرضت نفسي على امرأة بالقوة.
- هل تقول هذا لتشعرني بالأمان؟
- قصدت بعبارتي ان اخفف من تشنجك.
قدم لها كوباً من العصير تناولته منه وجلست على الأريكة مسندة ظهرها الى الوسادات الصغيرة المحيطة بها من كل جانب.
جلس دان قربها من غير ان يرفع نظره عنها لحظة واحدة. لاحظت محاولته اغرائها في كل نظرة رمقها بها وفي كل كلمة قالها.لكن مايثير هلعها هو احساسها بأنها بدأت تستجيب رويدأً رويداً لمحاولاته مأخوذة بسحره وجاذبيته.عليها ان تضع حداً لما يحدث قبل فوات الأوان.
نهضت من مقعدها ووضعت كوب العصير على الطاولة هاتفة:
- هذا مستحيل!لااستطيع البقاء هنا.
- ولم لا؟بيتر في المستشفى وهذا يعني ان الليل بأكمله لنا.
- لايسعني قضاء الليل هنا.
- هل تخشين كلام الناس؟
- لاتدع جهلك لمايقوله الناس عنك في هذه البلدة.
- انالاادعي شيئاً لكن اود ان اذكرك انك جئت الى هنا في سيارتي فلم يرنا احد نصل ولن يرانا احد نرحل.عدا عن ان سيارتك امام منزلك وسيظن من يراها انك نائمة.
بقيت على عنادها بالرغم من علمها انه لايجدي مع رجل مثل دان:
- مازلت افضل العودة الى منزلي.
مد ذراعيه يطوق خصرها فأحست بلهيب يسري في انحاء جسمها.ثم دفعها بنعومة الى الوراء فسقطت على الأريكة وجلس قربها يقدم لها كوب العصير مجدداً:
- اشربي العصير ولاتجزعي.مازالت السهرة في بدايتها.
تناولت الكوب بيد مرتعشة محاولة الكلام:
- دكتور ترافورد...
وضع ذراعه على حافة الأريكة خلفها:
- ناديني دان هذه الليلة.
- انك لاتستسلم بسهولة يادان.
- فقط عندما اقع على شئ يستحق العناء.
- اتعني وقوعك عليّ ؟
- اجل.
رشفت بعض العصير لتحرر عينيها من اسر نظراته:
- طلبك غير متوافر عندي.
- وما ادراك ماهو طلبي؟
- مضى على وصولي الى لويزفيل اكثر من شهر وماسمعته وشاهدته يكفي لأعرف مبتغاك.
- انك ولاشك تعنين سيلفيا سامرز.
- اصبت في ظنك ولكن...حياتك الشخصية لاتهمني مادمت مصراً على توريطي فيها.
بحركة مفاجئة انحنى فوقها مطوقاً خصرها بذراعيه يمنعها من الحراك او المقاومة فأحست بلهاثه الدافئ يغمرها بنعومة ويبعث فيها احاسيس لذيذة وغريبة في آن معاً.لكنه اكتفى بالكلام:
- اهذا رأيك بي؟
ارجعت رأسها الى الخلف تحاول التملص من اناملة:
- لم اعتد الاهتمام بالرجل الذي يستغل المرأة من اجل نزوة فحسب.
ابتسم بمكر معلقاً:
- امرأة مثل سيلفيا لاتطالب الرجل بأكثر من ذلك.
- اوافقك الرأي لكن حتى امثال سيلفيا بحاجة للاستقرار والزواج في حياتهن.
- الزواج! وهل سيوفر لي ما لا املكه الآن؟
- اجل سيوفر لك عائلة.الا تريد اطفالاً يادان؟
- عليّ ان اجد الزوجة قبل ان افكر بالأطفال. على كل حال لست مستعداً لأرتبط مع امرأة واحدة طيلة حياتي.
احست بالمرارة من غير ان تدرك السبب فتناولت كوب العصير تطفئ بمحتواه نار الحسرة المتأججة في داخلها.
نظر اليها قائلاً بتململ:
- كيف انجرفنا الى هذا الحديث الآن؟
- لا ادري ولكن من الأفضل ان ننهي المناقشة.
اقترب منها مرة اخرى لكن قرعاً خفيفاً على باب الغرفة منعه من تحقيق مأربه.التفتا ليجدا الخادم الأسود بسترته البيضاء واقفاً عند الباب.
- العشاء جاهز ياسيد دان.
- شكراً ياجوناس.
انتقلا الى غرفة الطعام حيث اعد الخادم المائدة بطريقة مثيرة للاعجاب وقام بخدمتهما خلال العشاء.بدا وكأنه اعتاد يومياً القيام باعداد المائدة وخدمة زوار سيده فأحست جيسيكا بشئ من الغيرة وهي تتساءل عن عدد اللواتي جلسن الى هذه المائدة وربما على كرسيها.
قررت ان تصرف نفسها عن التفكير بما يزعجها فأكملت التهام قطعة اللحم في طبقها بينما بدأ جوناس بتقديم القهوة.نظرت الى دان آخذة المبادرة بالحديث:
- انت جراح ممتاز يادان، فهل فكرت يوماً بالتخصص في جراحة معينة؟
- جراحة الأعصاب تثير اهتمامي وحالما اشعر بالملل في عملي هنا فستكون خطوتي التالية.
- في هذه الحالة عليك بالتحدث الى والدي.
رفع حاجبيه باندهاش وسألها:
- والدك؟
- والدي مختص بجراحة الأعصاب لكنه تقاعد السنة الماضية.
- لماذا لم تخبريني بذلك من قبل؟
- لم ادر ان الموضوع ذو اهمية.
- هل ستسنح لي الفرصة لمقابلة والدك؟
نظرت اليه خلسة لتفاجأ به جاداً للمرة الأولى، فأجابت:
- اجل هذا ممكن.
- حسناً سأعتبر كلامك بمثابة وعد.
عند عودتهما الى غرفة الجلوس اختار دان احد اشرطة التسجيل من مجموعته الهائلة وأدار الآله فانبعث نغم هادئ اضاف الى الغرفة جواً من الشاعرية. ثم استدار نحوها مسلطاً عليها نظراته الساحرة:
- تعالي نرقص ياجيسيكا.
لم تقو على الرفض واستسلمت ليديه تنتشلانها عن الأريكة وتضمانها اليه بخفة ورشاقة. لقد رقصت مع العديد من الشبان لكن الرقص مع دان شئ مميز. امتدت ذراعه تطوق ظهرها باعثة فيها شتى انواع الأحاسيس وبحركة لاشعورية مدت يدها لتستلقي بارتياح على صدره الدافئ شعرت انها تسبح في الفضاء الواسع بعيداً عن كل ماحولها وتمنت لوتبقى هناك الى مالانهاية.
لم تدرك كم من الوقت بقيت بين ذراعيه فالزمن توقف حينما ضمها اليه ولم تعد تكترث بالموسيقى ولا حتى بخطواتها ترغب فقط بالبقاء اسيرة هذا الطوق من العضلات الى الأبد لكن انامله عاودت التحرك من جديد حول عنقها بحركات تبعث على الارتياب فابتعدت عنه غير آبهه بنداء اعماقها.
ابتسم بحنان قائلاً بنبرة عاطفية:
- اني اجد صعوبة بالغة في لجم تصرفاتي معك.
- الاتظن ان الوقت حان لتعيدني الى المنزل؟
- لست جادة فيما تقولين.
لقد فقدت ثقتها بتلك الارادة التي طالما صدته بها فتمتمت:
- بل انا مصرة.
استعادت عيناه بريق السخرية وقال راضخاً:
- حسناً لقد وعدتك بأن اعيدك الى المنزل ساعة تشائين اليس كذلك؟
لم يخرج دان عن صمته خلال عودتهما الى منزل جيسيكا فاحتارت كيف تعلل سكوته. اهو غاضب؟ ام انه لم يعد يكترث بها بعد ان يئس من نيل مأربه؟ نساء عديدات ينتظرن منه اشارة منه ليهبنه مارفضت هي تقديمه.
ما ان توقفت السيارة امام مسكنها حتى همت بالترجل قائلة:
- لن ادعوك للدخول يادان.
لكنه امسكها بكتفيها قبل ان تخرج:
- سأدخل على كل حال.
وتبعها الى داخل المنزل وأغلق الباب خلفهما.
صاحت بحنق وهي تضئ غرفة الجلوس:
- لقد تماديت بما فيه الكفاية.
رمى المفاتيح على الطاولة مومئاً برأسه:
- بربك ياجيسيكا لماذا تتصرفين هكذا؟
لم تكترث لنظرة التهديد في عينيه وابتعدت عنه متجهه الى المطبخ:
- سأحضر لك فنجاناً من القهوة ومن ثم تعود الى منزلك.
اشعلت النار تحت غلاية القهوة لكنه اسرع الى اطفائها حابساً اياها بين جسمه والفرن الحديدي.
فاستدارت تحاول الافلات لكنها لم تفلح وماتت الكلمات عند شفتيها.بدا الفارق بين القامتين كبيراً وأحست بانها امام مارد بمنكبيه العريضين يحجبان الضوء عنها. دب الهلع في نفسها واحتارت كيف تتخلص من مأزق خطير سعت اليه بملء ارادتها. وقبل ان تكتشف مايدور في خلده رفعها عن الأرض حتى التقت عيناها الجاحظتان بريق عينيه فراحت تنتفض كالعصفور بين يديه ويداها هائمتان في الهواء في حركات هستيرية من غير ان تصيب هدفها:
- انزلني على الفور.
- طوقي عنقي بذراعيك.
كانت تعلم انه لن يفعل ماتطلبه منه أو يأبه باعتراضها وعيناه المسلطتان عليها خير دليل على ذلك.تمنت ان تصفعه لكنها خشيت العاقبة فصاحت بصوت مضطرب:
- لن افعل ذلك ابداً.
اضحكه اضطرابها فرد بسخرية:
- وزنك خفيف للغاية ياجيسيكا وأنا على استعداد للبقاء بهذا الوضع حتى تنفذي ما اطلبه منك.
- انت رجل بغيض يادان ترافورد.
- وأنت امرأة رائعة عندما تغضبين.
لم يترك لها الخيارفاضطرت مكرهة لأن تنفذ طلبه.
قالت وقد علا الاحمراروجهها:
- والآن افلتني حالاً.
هز دان رأسه وقال بنبرة حازمة:
- يجب ان تعانقيني بطريقة صحيحة اولاً.
كادت ان تيأس من ريائه وقررت مجاراته في جنونه الى النهاية مادامت هذه الطريقة الوحيدة للتخلص منه.اغمضت عينيها الثائرتين فانتهز الفرصة وعانقها بطريقة ناعمة اثارت اعصابها مشعلة فيها ناراً مستعرة.كان بامكانها ابعاده لكنها لم تفعل فقد شل فيها كل اثر للمقاومة فاستسلمت بعد طول عناد.
تراجع دان متمتماً بتهكم:
- كانت تجربة ناجحة اليس كذلك؟
توقع ان تثير نبرته الساخرة غضبها من جديد لكنها بدلاً من ان تثور مدت يدها الى رأسه تداعب شعره الداكن بأناملها مما شجعه اثار فيها زوبعة من الأحاسيس الممتعة لم تفطن اليها في السابق افلتها من غير ان يطلق سراحها من براثن نظراته اللامعه والغريبة وقبل ان تلتقط انفاسها وجدت نفسها مرة اخرى اسيرة ذراعه الفولاذية واستسلمت لتلك العاصفة القادمة غير مكترثة. تغلب نداء الشوق على تحذير العقل لها بالتوقف والمقاومة فلمسات انامله شلت فيها كل قوة تعلم انها ستندم غداً على ماتفعله الآن وستكره نفسها كلما فكرت به لكنها في هذه اللحظة ملكه وملك هذا الاحساس الرائع والكلمات الدافئة التي يهمسها في اذنها:
- اريدك لي ...اريدك الآن،الآن.

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
قديم 03-10-08, 06:58 AM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

اثارت عبارته ريبتها وكأنه سكب ماء بارداً فوق عواطفها الملتهبة فانتفضت مفلتة نفسها من ذراعه واغمضت عينيها تخفي حياء وألماً لاحا فيهما:
- ابهذه البساطة؟
صدته بيديها وأدارت له ظهرها.
- انا آسفة يادان لست مستعدة لهذا النوع من العلاقة.
وأردفت بعدما استرجعت بعضاً من ثقتها بنفسها.
- لن يكون للحب مكان في علاقات كهذه وستكون النتيجة وخيمة عليّ.
- هل انت متأكدة من النتيجة؟
- اني اعرف نفسي يادان.
تقدم منها فتوردت وجنتاها وحاولت الابتعاد لكنه امسك بخصلات من شعرها وأجبرها على الاستدارة لتواجه عينيه:
- لا ادري ما افعل بك ياجيسيكا.
- الغ اسمي عن لائحة فتوحاتك وأبحث لنفسك عن امرأة اخرى مثل سيلفيا سامرز.
انقلبت نظراته الساخرة الى اخرى تقدح شرراً تركت آثارها على وجهها شحوباً وارتجافاً.
- عمت مساءً ياجيسيكا.
الفصل السادس

6- حبها له ضرب من المستحيل . فهو ليس الرجل الذي تنشده . لكن لماذا يؤلمها التفكير بأنه مع امرأة أخرى ... الى هذا الحد ؟

وصل جوناثان واميليا نيل الى لويزفيل بعد ظهر نهار الجمعة وانتقلا على الفور الى دار آل اوبريان ملبين دعوة للعشاء بعدما اتفقا مع جيسيكا على موافاتهما بعد انتهائها من عملها.
فوجئت الأبنة عند دخولها منزل فيفيان بجو المودة والألفة المخيم على المجتمعين وكأنهم على معرفة سابقة.
بدا والداها مسرورين جداً في التحدث الى مضيفتهما مأخوذين بسحرها وحسن ضيافتها ولم يطل الأمر حتى انضم اليهم بيتر فجلسوا الى مائدة حفلت بكل ماتعلمت فيفيان تحضيره من مأكولات يتبادلون الأحاديث ويتناقشون في أمور الطب.
ادركت جيسيكا خلال السهرة ان والديها باتا مقتنعين تماماً بصواب انتقالها الى لويزفيل فلم يتطرقا الى الموضوع أبداً.
وعند عودتهم الى المنزل اعترف الوالدان لجيسيكا بأنهما اساءا الظن بلويزفيل بعد ماسمعاه من الدكتور اوبريان وماشاهداه خلال مرورهما فيها.
في الصباح التالي اصطحب بيتر ضيفه في جولة الى المستشفى تاركين اميليا تستمع الى ابنتها تحدثها عن عملها وطريقة عيشها في لويزفيل.
- اني بخير يا أماه فلاتقلقي عليّ.
- هل تهتمين بأكلك؟
ضحكت الأبنة وقالت مطمئنة:
- بدأت اتعلم الطهي عدا عن ان فيفيان تحيطني برعايتها كم من مرة عدت فيها متأخرة لأجدها قد حضرت لي العشاء.
- انها سيدة رائعة.
- الجميع هنا لطفاء معي وأنا مسرورة بالعمل.
لم تسنح الفرصة لجيسيكا للتحدث الى والدها على انفراد حتى بعد ظهر اليوم التالي.
جلسا في غرفة الجلوس بينما تمددت اميليا في غرفتها يحدثها باعجاب عن المستشفى وعن جولته في ارجائها:
- اعترف ياجيسيكا بأني اعجبت كثيراً بالدكتور اوبريان.لم اعرف شيئاً بعد عن شريكه.
فوجئت جيسيكا بعبارة ابيها واحتارت كيف تخفي انفعالها مجيبة بتلعثم:
- دان ترافورد؟ آه، انه ... انه طبيب لامع وجراح ماهر ويبدي اهتماماً بجراحة الأعصاب.
توقف جوناثان عن مراقبة الدخان المتصاعد من غليونه والتفت اليها سائلاً باهتمام:
- أصحيح؟ هل ستتسنى لي مقابلته؟
- استبعد ذلك فهو ... ( لاحظت علامات الخيبة على وجه والدها فاستدركت) هل اتصل به وادعوه لتناول فنجان من الشاي؟
رحب جوناثان باقتراح ابنته هاتفاً:
- ولم لا؟
من حسن حظها انها نقلت الهاتف من غرفة الجلوس فلم ير والدها ارتجاف يدها وهي تدير قرص الهاتف في غرفة نومها. تهادى الى مسمعها صوت انثوي هادئ النبرات فأحست بقشعريرة تسري في جسمها وسألت:
- أهذا منزل الدكتور ترافورد؟
- أجل لكنه في اجازة عطلة الأسبوع بامكانك الاتصال بشريكه الدكتور اوبريان.
قطع الخط قبل ان تسنح الفرصة لجيسيكا للاستيضاح فاعادت السماعة الى مكانها وعادت ادراجها الى غرفة الجلوس بعينين تائهتين يعتصرهما الألم.بادر جوناثان بالسؤال:
- هل سيأتي؟
تهادت على مقعدها شاردة الذهن وتمتمت:
- لا اعتقد ذلك فهو ... مرتبط بموعد آخر.
علق الأب بخيبة:
- أمر مؤسف ( وحدج ابنته بنظرة ثاقبة متابعاً ) أراك شاحبة الوجه ياجيسيكا هل تشعرين بشئ؟
تعمدت الابتسام قائلة:
- مجرد ألم خفيف في المعدة. سأهيئ الشاي قبل ان تستيقظ أمي.
ما ان انفردت بنفسها في المطبخ حتى راحت تؤنب ذاتها على بلاهتها وتهورها في علاقتها مع دان.كيف تركت نفسها تتورط مع شخص عرفت غايته منها منذ البداية؟ لم تعد تدرك حقيقة شعورها نحوه. هل تحبه ام لا؟ واقتنعت في نهاية الأمر بأن حبها له ضرب من المستحيل فهو ليس الرجل الذي تنشده ... لكن لماذا التفكير بأنه مع امرأة أخرى يؤلمها الى هذا الحد؟ أهي الغيرة التي تحز في نفسها أم اشمئزازها من تصرفاته؟
انقضت عطلة الأسبوع بسرعة ولم تلتق جيسيكا الدكتور ترافورد الا مساء الاثنين في العيادة حيث اضطرت لانتظار بيتر الى حين عودته من المستشفى للتباحث في حالة أحد المرضى.كانا يتكلمان عن والديها حين دخل عليهما دان باناقته المعهودة.
بادره بيتر وهو يهم بالخروج:
- من المؤسف انك لم تقابل والدي جيسيكا في عطلة الأسبوع فجوناثان نيل واحد من أشهر الاطباء الذين صادفتهم.كنت ولاشك ستسر بمعلوماته عن جراحة الاعصاب التي تعطيها الكثير من اهتمامك.
بقي دان صامتاً الى ان أغلق بيتر الباب خلفه،فسأل ببرودة:
- لماذا لم تعلميني بقدوم والديك؟
نهضت جيسيكا عن مقعدها واضعة يديها في جيبتي سترتها مخافة ان يلاحظ ارتجافهما وسارت الى النافذة تنظر الى الخارج:
- اتصلت بك بعد ظهر السبت لادعوك لتناول الشاي لكني اكتشفت انك كنت مشغولاً جداً.
تقدم منها مجيباً بنبرة هادئة لا أثر فيها للاعتذار أو للأسف:
- آه، سيلفيا. أهي التي تلقت المخابرة؟
- اعتقد ذلك، مالم تكن قد امضيت عطلتك مع أكثر من امرأة.
- كلمة منك ياجيسيكا وتصبح سيلفيا سامرز صفحة من الماضي.
استدارت تواجهه قائلة بسخرية:
- اتساءل متى ستعاود قول هذه العبارة الى فتاة أخرى؟
- جيسيكا! لم أتمن امرأة قبلك كم أتمناك انت.
- يفترض ان اشعر بالاطراء لكني أحس العكس تماماً. وان اردت معرفة حقيقة شعوري الآن فيمكنني اختصارها بكلمة حقارة.
شحب وجهه فجأة وامسك بمرفقيها يهزها بعنف:
- يا الهي. اراهنك على انك كاذبة في حقيقة شعورك، فانت لم تشعري بالحقارة تلك الليلة.ماأحسست به ساعتها كان عاطفة جامحة لاتخفى على احد. لاتحاولي التلاعب معي ياجيسيكا نيل والا اثبت لك الآن وفي عيادتك كم انت كاذبة.
- انك ... انك تؤلمني.
- احمدي ربك على ان يدي ليستا حول عنقك لأني مافكرت يوماً بازهاق روح انسان كما افكر الآن.
افلتها فتراجعت الى النافذة تدفن وجهها في راحتيها بينما غادر الغرفة مغلقاً الباب خلفه بقوة جعلتها تهتز في مكانها لقد خرج من حياتها مخلفاً فيها جرحاً يصعب على الأيام مداواته.
كان شعورها في محله،فخلال الأسابيع التي تلت عاملها دان كأي شخص غريب.افتقدت ملاحظاته الجارحة لها افتقدت هزءه المعتاد لم تعد تلاحظ ابتسامته الساخرة بل وجه عابس يلعب دور رب العمل انها تحبه كما لم تحب انساناً في حياتها.وتشعر بهذا الحب يضج في اعماقها ويهدر في عروقها.لكنها تأخرت في الاعتراف بهذا المارد السجين في فؤادها ولم يعد بامكانها الافصاح عن حبها لانسان لاقيمة للحب عنده.
منتديات ليلاس
كانت جيسيكا عائدة من زيارة احد مرضاها في احدى المزارع المجاورة فعرجت على منزل اوليفيا للاطمئنان عليها وعلى الطفل فقد شعرت اليوم بحاجة الى محادثة شخص يفهمها ويساعدها فلم تجد أفضل من هذه الصديقة الوفية التي طالما اعجبت بآرائها وعملت بنصائحها.
جلستا على الشرفة تتناولان الشاي بينما غط لوغان في نوم عميق في سريره الصغير بالقرب من والدته.لم تخل لقاءاتهما في المدة الأخيرة من الحديث عن الطفلة القادمة الى لويزفيل فسألت اوليفيا ضيفتها بحماس:
- متى تتوقعين وصول ميجان؟
- ستصل غداً صباحاً في أول قطار قادم من جوهانسبرغ.
- هل اخبرت فيفيان بذلك؟
- اكتفيت باعلامها بقدوم الطفلة لتمضية بعض الوقت معي وسألتها السماح لها باللعب في الحديقة خلال عملي في العيادة.
- ماذا كان جوابها؟
- تعرفين فيفيان لم تبد أي اعتراض بل رحبت بالفكرة واعدة باحاطة الطفلة بعنايتها طوال النهار اذا اضطررت للتغيب عن الغداء.
- ارجو ان تنجح الخطة.
- هذا ما اتمناه أيضاً.
كانت تعلم انها عملية رهان لا اكثر من غير ضمانات اكيدة لنجاحها.
أمضت جيسيكا ليلتها تصارع الارق تتساءل ان كان تصرفها صائباً في تدبر اللقاء بين فيفيان وميجان؟فقد لاتتفقان معاً وتضيع فيفيان على نفسها وعلى الطفلة فرصة نادرة.
أو قد تسير الأمور على مايرام وتتحابان ولكن هل يبقى دورها خافياً على الاثنين فتتفادى احراجاً هي بغنى عنه؟
اقتنعت بعد ان غلب الكرى اجفانها بالكف عن تساؤلاتها فالعملية كلها مجرد تجربة وان فشلت فلن تلحق الاذى بأحد.
استيقظت قبيل الفجر على غير عادة فارتدت ثيابها على عجل وتوجهت الى محطة القطار تنتظر وصول ميجان.
اجاب موظف المحطة على تساؤلاتها القلقة وهي تذرع الرصيف بخطى سريعة:
- سيصل القطار بين دقيقة وأخرى يادكتورة نيل.
ولم تمض دقائق حتى شاهدت دخان القطار وهو يقترب من المحطة.
وقبل ان يشارف على التوقف أطلت الطفلة برأسها من احدى النوافذ تلوح بيدها لجيسيكا هاتفة:
- دكتورة جيسيكا ، دكتورة جيسيكا.
وماهي الالحظات حتى كانت ميجان ترتمي في حضن جيسيكا بقوة كادت ان توقعها لكنها نجحت في استعادة توازنها وطوقت ميجان بذراعيها.
- يسرني ان اراك ثانية ياميجان.كيف حالك ياصغيرتي؟
- اشتقت اليك يادكتورة.
- وأنا أيضاً ( وحملت الحقيبة الصغيرة متابعة ) لنذهب الآن سنتكلم في الطريق فأنا متشوقة لأريك منزلي.
لم تكف ميجان عن الكلام طوال الطريق فاخبرت جيسيكا كيف رافقها جوناثان نيل من الميتم في سيارته الفخمة محملة بقطع الحلوى التي ارسلتها اميليا لها وحكت لها عن الرحلة الممتعة في القطار من جوهانسبرغ الى هنا اصغت اليها جيسيكا بحنان من غير ان تقاطعها لم تعهدها بهذا الحماس الى الكلام والضحك فقد عرفتها كئيبة لايعرف وجهها الابتسامة.
انهمكت جيسيكا فور وصولهما الى المنزل بتحضير الفطور بينما راحت ميجان تتحرى المنزل غرفة بعد الاخرى.
لاحظت جيسيكا عند جلوسهما الى المائدة شهية الطفلة الهائلة الى الأكل فسألتها بتودد:
- ألم تأكلي شيئاً في القطار؟
- بلى لكني لم أذق البيض منذ فترة طويلة فالمسؤولون عن الميتم لايقدمونه الا في المناسبات الخاصة.
دفعت بطبق البيض أمام الطفلة من غير ان تسألها عن ماهية المناسبات الخاصة وراحت تراقبها تلتهم البيضة تلو الاخرى بشهية غير معقولة.
ما ان انهت جيسيكا غسل الصحون حتى سمعت طرقاً على باب المنزل وصوت فيفيان سائلة:
- هل بامكاني الدخول؟
- بالطبع فيفيان نحن في المطبخ.
وضعت الزائرة طبقاً من الحاوى على الطاولة قائلة:
- حضرت بعض الحلوى مساء البارحة ( واردفت الى ميجان ) فقد تودين تناولها مع الشاي.
- شكراً يافيفيان ( وربتت على كتف الطفلة متابعة) ميجان انها السيدة اوبريان وزوجها طبيب ايضاً.
مدت الصغيرة يدها مصافحة:
- مرحباً ياسيدة اوبريان.
امسكت فيفيان بيد ميجان بحرارة وقالت مبتسمة:
- يسرني التعرف عليك ياميجان وارجوك ناديني العمة فيفيان ( والتفتت نحو جيسيكا تسألها ) هل لديك عمل بعد ظهر اليوم؟
تنهدت جيسيكا مجيبة:
- أجل يافيفيان.
- سأزور اوليفيا اليوم وبامكاني اخذ ميجان معي لتتعرف على فرانسين.لاشك في انها ستجد سلوى في المزرعة.
سألت الطفلة بحماس:
- هل تملكين مزرعة ياعمة فيفيان؟
- انها مزرعة أخي ولديه ابنة تدعى فرانسين تكبرك بثلاث سنوات لكني متأكدة من انها ستسر بلقائك ستتجولان في المزرعة وتمضيان وقتاً ممتعاً هل تودين مرافقتي؟
رفعت ميجان عينيها الزرقاوين نحو جيسيكا تسألها بتهذيب:
- هل استطيع الذهاب يادكتورة جيسيكا؟
- طبعاً ياحلوتي.
- حسناً سأمر لاصطحبك بعد الغداء مباشرة.
تنفست جيسيكا الصعداء بعد خروج فيفيان كانت قلقة للغاية من نتيجة محادثة ميجان مع جارتها فالمرحلة الأكثر صعوبة تكمن عند التعارف.
راقبت الطفلة فيفيان تعود ادراجها في الممر الحجري وسط الحديقة وقالت:
- انها سيدة لطيفة.
- اجل انها لطيفة للغاية.تعالي نرتب اغراضك.
افرغت جيسيكا حقيبة ميجان الصغيرة من محتوياتها البسيطة وراحت تستعرض الملابس القليلة الموضوعة فيها بغير ترتيب انها كل ماتملكه ميجان في هذه الدنيا اضافة الى فرشاة اسنان واخرى للشعر ومنشفة.
- أظن اننا بحاجة لساعتين من التسوق.انت بحاجة لفساتين جديدة وبعض القمصان والسراويل لترتدينها اثناء اللعب.
- هل ستبتاعين لي ثياباً جديدة؟
- أجل فلنقفل باب المنزل ونبدأ جولتنا بين أسواق لويزفيل.
ولم تتركا محلاً الا ودخلتاه أو توقفتا امام واجهاته تستعرضان الثياب وتتفرجان على آخر ما ابتكرته مقصات الخياطين وأذواق المصممين.
عثرتا في نهاية المطاف على محل لألبسة الاطفال لتخرجا بعد قليل محملتين بالاكياس والعلب حملت ميجان قسماً منها هاتفة:
- قضينا وقتاً ممتعاً أليس كذلك؟
- لديك الآن مايكفيك هل نسينا شيئاً آخر؟
- ابداً لم احصل على هذه الكمية من الهدايا منذ وقت طويل شكراً يادكتورة جيسيكا.
علت قحة مصطنعة خلفهما مباشرةً فاستدارت جيسيكا لتجد نفسها وجهاً لوجه مع دان ترافورد يلقي التحية:
- صباح الخير.
لو لم تكن تعلم انه مستحيل طبياً لأقسمت على ان قلبها قد انتقل من مكانه من شدة خفقاته.
- صباح الخير يادكتور.
قدم نفسه الى ميجان مبتسماً:
- أنا دان ترافورد.ما اسمك؟
حدجته الصغيرة بنظرة خجولة واجابت:
- ميجان لاي. هل انت طبيب أيضاً؟
- نعم هل يزعجك ذلك؟
- طبعاً لا( والتفتت نحو جيسيكا قبل ان تعاود السؤال ) هل انت صديق الدكتورة جيسيكا؟
لاحظ دان ارتباك جيسيكا وتورد وجنتيها فاجاب غامزاً بعينيه لميجان:
- لا تهتمي لتعابير وجه جيسيكا انها تحبني لكنها تريد ابقاء الأمر سراً ( وتعمد تغيير الموضوع مثيراً دهشة جيسيكا) هل ترغبين بتناول البوظة؟
وافقت ميجان بسرور:
- اجل.
ساعدهما في حمل الاغراض وساروا معاً نحو كافتيريا قريبة.
- يبدو انكما اشتريتما اغراضاً كثيرة اليوم.
اجابت ميجان باعتزاز:
- اشترت لي الدكتورة جيسيكا مجموعة كبيرة من الثياب.
رمق جيسيكا الصامتة بنظرة سافرة وهم يدخلون القاعة المبردة:
- لاعجب في ذلك فهي صاحبة ذوق رفيع.
هتفت الصغيرة مشيرة باصبعها الى احدى الزوايا:
- هناك طاولة شاغرة.
- اسرعي اليها ياميجان ( وتطلع الى جيسيكا مردفاً ) تفضلي يادكتورة نيل.
تقدمت جيسيكا بصمت وما ان جلسوا الى الطاولة حتى سألها دان بتهكم:
- ماذا تطلبين ياجيسيكا بوظة مثل ميجان؟
تعلم انه يسعى لاثارة غيظها فحافظت على هدوئها واجابت:
- سأتناول فنجاناً من الشاي شكراً.
نادى دان الخادم باشارة من يده وطلب:
- نريد صحناً كبيراً من البوظة للسيدة الصغيرة وفنجانين من الشاي شكراً.
ولما ابتعد الخادم نظر الى ميجان مردفاً:
- هل ستمضين اجازتك مع الدكتورة جيسيكا؟
- أجل فقد سبق للدكتورة ان وعدتني باحضاري الى هنا لتمضية العطلة وكعادتها فقد وفت بوعدها لي.
- عظيم! انه وعد يستحق الوفاء حقاً.
- هل انت طبيب ناجح مثل الدكتورة جيسيكا؟
توردت وجنتا جيسيكا من جديد وهي تستمع بانزعاج الى الحوار الدائر امامها.
- اتمنى ذلك.مارأيك ياجيسيكا؟
ابتسمت مجيبة بدهاء:
- وهل لاحد ان يتناقش في مقدرة جهاز كومبيوتر على تقديم معلومات صحيحة؟
جهلها خلفيات الحديث لم يسمح لميجان بان تدرك حقيقة ماقصدته جيسيكا في كلامها لكنها لاحظت نبرة العداء الواضحة في كلماتها فنظرت بذهول الى الاثنين تحاول اكتشاف حقيقة مايجري.
لم تغب حركتها عن انتباه دان فبادر الى ايضاح الأمر لها:
- ماعنته الدكتورة جيسيكا هو اني طبيب لامع ان لم أقل أفضل منها.
ونظر الى غريمته بتحد مردفاً:
- هذا ماعنيتيه في كلامك أليس كذلك؟
ترددت جيسيكا في الاجابة لكنها ما ان لاحظت نظرات ميجان الحائرة وانتظارها للرد حتى تنهدت مبتسمة رغماً عنها:
- وهل يمكن ان أعني غير ذلك؟
لم يشكرها على جوابها بل اكتفى بالابتسام وهو يتناول اقداح الشاي من الخادم فوجئت جيسيكا خلال جلستهم بتعلق دان بالاطفال حتى ميجان ارتاحت له وتخلصت من الحياء الذي قيد حركتها في لقائها الآخرين.بامكانه ان يكون لطيفاً حينما يشاء لكن لطافته مع ميجان تختلف تماماً عن اللطافة التي أبداها نحوها في الماضي لم تتصور ابداً ان شخصاً كدان ترافورد يبدي اهتماماً بالاطفال الا في مايتعلق بمهنته وتساءلت ان كانت قد تسرعت في الحكم عليه من خلال ماسمعته من أقاويل واخبار؟لكن الوقائع كلها ضده وعلاقته بسيلفيا سامرز تمنعها من مراجعة حساباتها وطرد الاوهام من مخيلتها.
رافقهما دان الى حيث اوقفت جيسيكا السيارة وتقدم من الصغيرة قائلاً بحنان صادق:
- سررت بمعرفتك ياميجان.
- شكراً يادكتور دان على البوظة.
وضعت جيسيكا الاغراض في السيارة واجلست ميجان في المقعد الامامي ثم تقدمت من دان مخاطبة:
- اشكرك على تصرفك اللطيف مع ميجان.
- بامكاني ان أكون أكثر لطافة لوحاولت ان تكتشفي ذلك.
احتارت كيف تفسر شعورها نحوه في هذه اللحظة ونظرت اليه قائلة بصوت عال:
- لن نشغلك اكثر شكراً على الدعوة.
انحنى امامها قائلاً بسخريته المعهودة:
- هذا من دواعي سروري.
ما ان ابتعدت بسيارتها مسافة قصيرة حتى نظرت بالمرآة لتجده واقفاً حيث تركاه ومالبث ان لوح بيده مودعاً وكأنه أحس بنظراتها فتوردت وجنتاها وضاعفت من سرعة السيارة كي تتخلص من تأثيره عليها.
قالت ميجان وهما تهمان بدخول المنزل حاملتين العلب والاكياس:
- ألم يعجبك الدكتور ترافورد كما اعجبني؟
- بلى أظن ذلك.
سألتها الطفلة بفضول:
- اذن لماذا بدوت غاضبة عند بداية حديثنا معه؟
- لم أكن غاضبة بل فوجئت بقدومه.
لم تشأ جيسيكا الاسترسال في هذا الاستجواب المحرج فطلبت من الصغيرة ان تبادر الى ترتيب حاجياتها الجديدة في الخزانة الخشبية الصغيرة في غرفتها.
وقفت جيسيكا تراقب فيفيان والصغيرة تبتعدان في السيارة في طريقهما الى مزرعة آل كينغ كل شئ يسيرعلى مايرام حتى الآن ومن المؤكد ان خطتها ستنجح كما توقعت لها.
مضى الوقت بطيئاً بعد الظهر واضطرت جيسيكا لمغادرة المنزل مرة واحدة حينما استدعيت على عجل للكشف على احد مرضاها في الجوار.
قضيت معظم وقتها في التفكير بما يجري الآن في المزرعة تنتظر بقلق عودة ميجان.
رن الهاتف في غرفة الجلوس فرفعت السماعة لتسمع صوت اوليفيا بوضوح:
- جيسيكا؟ لقد غادرتا المزرعة الآن وأظنك ترغبين بمعرفة كيف تصرفت فيفيان. اطمئني ياعزيزتي بدت أماً حقيقية. وفرانسين أيضاً أحبت الصغيرة. اعتقد ان خطتك قد نجحت.
- هذا ماتمنيته منذ البداية فميجان طفلة لطيفة.
- انها اكثر من لطيفة واذا لم تقرر فيفيان شيئاً حيالها فأنا على استعداد لتبنيها.
- انت رقيقة القلب يااوليفيا.
- انت تفوقين الجميع رقة ولطافة.سأراك لاحقاً.
انهمكت جيسيكا بالعمل في الأيام التالية فبقيت ميجان بمعية السيدة اوبريان طوال فترة غيابها عن المنزل. حتى ان فيفيان أصرت على ان تنام الصغيرة معها عندما تضطر جيسيكا للعمل ليلاً. فمانعت جيسيكا في بادئ الامر حتى لاتثير شكوك فيفيان لكنها وافقت في النهاية امام حماس ميجان وتعلقها الشديد بالدكتور اوبريان وزوجته.
بعد مرور أسبوع على وجود ميجان في لويزفيل توجهت جيسيكا برفقة دان الى مستوصف خارج المدينة دأب على زيارته شهرياً. وفي الطريق خارج لويزفيل اخبرها دان باقتضاب عن المستوصف وعن أهل القرية المحيطة به.
- الحالات المرضية كثيرة هناك بالرغم من الطقس الجميل والهواء المنعش النقي.
كان المستوصف يعج بالمرضى فباشر دان عمله بالاهتمام بالرجال منهم بينما تولت جيسيكا الكشف على النساء والاطفال. بدت في قمة السعادة وهي تزور للمرة الاولى مستوصفاً وبقيت في عملها حتى مابعد الظهر عندما غادرا القرية عائدين الى لويزفيل سالكين هذه المرة الطريق الزراعية بين اشجار الصنوبر وغابات القصب. تمددت جيسيكا منهوكة في مقعدها لكن فرحة لخوضها تجربة جديدة في عملها. بعد دقائق وصلا الى الطريق الرئيسية المارة في سفح الجبل فسلكا درباً شديد الانحدار تتخلله منعطفات قاسية.
وعند احد المنعطفات فوجئ دان بجمهرة من الناس متحلقين حول شاحنة لنقل الماشية يتراكضون في ذعر وفوضى.
فاضطر الى الضغط على مكابحه بكل ماأوتي من قوة وأوقف السيارة الى جانب الطريق وترجل من السيارة هاتفاً:
- جيسيكا استيقظي. اظنه حادث اصطدام.
استقرت الشاحنة عند حافة المنحدر بعدما حطمت أوتاد الأمان المنصوبة على جانبي الطريق مقدمتها تتأرجح في ذلك الفراغ الرهيب بينما الدواليب الخلفية مازالت عالقة بأعجوبة بعدد من الاوتاد وبعض الحجارة.
صاح رجل من بين الفضوليين:
- أنا سعيد برؤيتك يادكتور ترافورد هذا الرجل بحاجة لمساعدة ( وأشار بيده الى رجل جالس في الجانب الآخر للطريق واضعاً يديه فوق رأسه ثم اردف ) لقد استطاع ان يقفز من الشاحنة قبل ارتطامها اما السائق فمازال في مقصورة القيادة ولاندري أحي ام لا.
اصدر دان اوامره بسرعة:
- اتجه فوراً الى المستوصف القريب واخبرهم بما حدث واطلب منهم ان يجلبوا رافعة أو أي شئ آخر لسحب هذه الشاحنة بعدها اتصل بالمستشفى في لويزفيل ليرسلوا لنا سيارة اسعاف حالاً.
- سأذهب بأقصى سرعة.
توجهت جيسيكا الى حيث جلس المصاب حاملة حقيبتها الطبية وباشرت بالاسعافات الأولية.
ثم استدارت نحو دان وهو يراقب عملها قائلة:
- لقد اصيب برضوض مختلفة وبتمزق في عضل يده وحالته لاتدعو للقلق. ماذا بشأن الرجل في الشاحنة؟
- ليتني أعلم مدى اصابته. فنحن عاجزان عن القيام بشئ قبل سحب الشاحنة.
فكت جيسيكا المنديل من حول عنقها وتناولت من حقيبتها قطعاً من القطن لفتها ثم احكمت ربطه وقالت بهدوء:
- لاأظن ان الوضع يتحمل الانتظار.
صاح دان بحدة وهو يراقبها تربط المنديل حول خصرها:
- ماذا ستفعلين؟
- سأتسلق سطح الشاحنه في محاولة للوصول الى مقصورة القيادة ( وأردفت بجدية بالغة ) دان يجب ان أصل الى السائق قبل فوات الأوان.
- هل جننت؟ قد تنزلق هذه الشاحنة في أية لحظة.
- على احدنا ان يصل اليه يادان. سأحاول أنا أولاً.
صاح مزمجراً من شدة غضبه:
- عليّ اللعنة ان تركتك تقومين بهذا العمل المجنون.
لم يؤثر صياحه فيها وبقيت على عنادها:
- بحق السماء يادان لاتؤخرني. ان لم يكن قد مات هذا المسكين فانه ولاشك يحتضر.
- لن تخاطري بحياتك ياجيسيكا.
- أفضل ان اخاطر بها لانقاذ حياة انسان بدلاً من أن اقف مكتوفة اليدين.
تدخل أحد الرجال كان يسترق السمع اليهما مقاطعاً:
- لدي حبل في السيارة نستطيع ان نربط به مؤخرة الشاحنة بجذع احدى الاشجار في الجانب الآخر من الطريق.بعضنا يتوزع على الطريق لتحذير السيارات القادمة والبعض الآخر يقوم بملء صندوق الشاحنة بعدد من الاحجار لتتوازن مع ثقل السيدة.
نظر دان الى الرجل شزراً وهتف:
- اسمع ياهذا...
قاطعته جيسيكا بسرعة:
- اعجبني اقتراحك ولكن اسرع بالتنفيذ.
بادر الرجل فوراً الى توزيع المهام على بقية الرجال. ثم اومأ الى جيسيكا للصعود الى الشاحنة وما ان همت بذلك حتى استوقفها دان قائلاً:
- أتدركين خطورة ماتفعلين؟
- أجل أدرك ذلك.
- انت تخاطرين بحياتك لأجل شخص قد يكون ميتاً.
- أعلم هذا لكن علي ان اتأكد. هذه الشاحنة تتأرجح بين الموت والحياة ولن تتحمل ثقل وزنك.
- هذا صحيح انما...
- هلا ساعدتني فالوقت ليس في صالحنا.
- أرجوك، احترسي!

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
قديم 03-10-08, 07:00 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

دفعها من الوراء برفق حتى طالت يدها الزاوية الحديدية للصندوق، فتأرجحت الشاحنة تحت ثقلها محدثة صوتاً مخيفاً دفع دان إلى الصراخ لجلب المزيد من الأحجار لاعادة التوازن.
مرت الثواني ثقيلة احسها دان دهوراً، راحت جيسيكا خلالها تسير على مهل و بحذر في الصندوق الضخم باتجاه مقصورة القيادة. العرق يتصبب منها غزيراً، و شعرت بخوف لم تحسه من قبل. لكنها لن تتراجع أبداً عن محاولة الوصول إلى السائق، و لو سيكلفها ذلك حياتها. لم تأبه برائحة رذاذ الماشية المنبعثة من زوايا الشاحنة فقد كانت مشغولة بقطع تلك المسافة القصيرة و الخطيرة في آن معاً. أمتار قليلة تفصلها عن السقوط إلى قعر الوادي السحيق.
وصلت بعد جهد إلى مكان السائق حيث المرحلة الاصعب في محاولتها الخطيرة. فتسلقت سور الصندوق ووقفت على حافته لتجد نفسها في الهواء تنظر إلى الهاوية، و دواليب الشاحنة الأمامية ما زالت في دورانها محدثة صوتاً رهيباً.
منتديات ليلاس
احست بدوار مفاجئ و بجفاف شديد في حلقها، فالمناطق المرتفعة تشكل احدى نقاط ضعفها.
أما الآن فلا مجال للتراجع فالأمر يتعلق بحياة انسان، فاحكمت قبضتها على حديدة ناتئة في مقدمة صندوق الشاحنة واضعة رجليها باضطراب عند النافذة و متجنبة النظر إلى الأسفل. ثم دفعت نفسها ببطء إلى الأمام تحاول قدر الامكان الاحتفاظ بتوازنها و ضغطت على حلقة الباب حتى فتحته، فدخلت مقصورة السائق و اتكأت بهدوء قرب الرجل المغمى عليه خلف المقود.
أغلقت جيسيكا باب الشاحنة علّ ذلك يزيدها شعوراً بالأمان، و استدارت ناحية الرجل تتحقق من اصابته. لاحظت جرحاً بالغاً في صدغه ينزف بغزارة، فمدت يديها تتفحصه برفق بحثاً عن جروح اخرى.
سمعت دان يناديها باعلى صوته:
- جيسيكا.... جيسيكا؟
صاحت من الداخل مجيبة:
- إني بقرب السائق و هو ما يزال حياً، حتى الآن على الأقل.
خلعت منديلها الحريري الملفوف حول عنقها و ربطت به رأس المصاب لتمنع سيلان الدم.
مرت الدقائق بطيئة، لكنها لم تعد تكترث للوقت أو تهتم للخطر المحدق بها. انصب اهتمامها على اسعاف المصاب شاكرة ربها على أنه فقد وعيه كي لا يشعر بالآم الجرح. علا صوت دان من جديد:
- ابقي مكانك، فسيارة المستوصف في طريقها إلى هنا.
و لم تمض دقائق حتى سمعت جيسيكا منبه السيارة مدوياً بالقرب من الشاحنة و صراخ دان:
- اسرعوا بربكم، فالشاحنة تكاد تهوي.
تنفست جيسيكا الصعداء، فالنجدة وصلت و عما قليل ستخرج المصاب من هنا و يتم نقله إلى المستشفى.
- الزمي مكانك يا جيسيكا، سيقومون بسحب الشاحنة نحو الطريق و لن يكون الأمر سهلاً.
أمسكت بطرف المقعد، و ثبتت رجليها في أرض الشاحنة ملقية بثقلها فوق جسم المريض و هتفت بنبرة وجلة:
- إني مستعدة.
اهتزت الشاحنة لثوان بدأت بعدها في التراجع نحو الطريق، و عاد الخوف يدب في أوصالها، فاغمضت عينيها حتى لا ترى ما يحدث. أقل خطأ و تنتهي الشاحنة في قعر الوادي.
فجأة توقفت الحركة و خيم هدوء غامض على المكان، فتحت جيسيكا عينيها لتجد نفسها محاطة برجال الانقاذ و قد أصبحت الشاحنة في وسط الطريق. سارع دان إلى فتح الباب ليطمئن عليها:
- جيسيكا؟
في صوته حنان لم تعهده من قبل، و وجهه الشاحب يعكس اضطرابه و قلقه. قميصه الأبيض تلطخ بالبقع السوداء، و سرواله الرمادي يعلوه الغبار. مرر أنامله المرتجفة على شعره بانفعال، و أوشكت أن تمسك بتلك الأنامل الواجفة و تحضنها براحتيها لتطمئنها، لكن الوقت لا يسمح بذلك.
- عليك أن تساعدني يا دان، نجحت في وقف النزيف لكنه أصيب بالاغماء و نبضه ضعيف.
أحاطت ذراعاه بخاصرتها يساعدها على الترجل من الشاحنة، و أصدر تعليماته إلى رجال الاسعاف بنقل المريض فوراً إلى المستشفى.
تناولت حقيبتها تلحق بالمسعفين:
- سأرافق المصاب إلى السيارة.
- سألحق بك إلى المستشفى.
صعدت إلى جانب المصاب و قبل أن يقفل رجل الاسعاف الباب، نظرت إلى دان الواقف إلى جانب سيارته مبتسماً، و لوحت له بيدها.
الفصل السابع

7- لم تشعر بهذا القدر من الفرح و الارتياح منذ أمد بعيد. إنه تحديها الثاني لدان ترافورد و لكنه ما زال متفوقاً عليها بنقاط كثيرة...


لم يكن الوقت في صالح جيسيكا، فالرجل الممدد في غرفة العمليات مصاب بنزيف داخلي، و الممرضة المساعدة تشير إلى أن نبضه يضعف بصورة مطردة. ما تحتاجه هو خمس دقائق أخرى قد تنقذ حياة إنسان و تنشله من براثن الموت.
حتى دان الواقف قربها لم يستطع أن يفعل شيئاً، فتفادى الاثنان النظر إلى بعضهما البعض و حتى التكلم منهمكين في محاولة يائسة لانقاذ المصاب. و دأبت على الالتفات بين الحين و الآخر إلى جهاز التنفس يخف تدريجياً منذراً بوقوع الكارثة. يداها المغطتان بقفازين ملوثين بالدماء، لم تتوقفا عن العمل لثانية واحدة تحاول في احداهما إبقاء مجرى الدم مفتوحاً بين العمل لثانية واحدة تحاول في احداهما ابقاء مجرى الدم مفتوحاً تحطم الاعصاب و القلب، و في الاخرى معالجة التمزق الذي احدثه تحطم الاضلاع من جراء السقطة. لكن الوقت لا يرحم تمضي ثوانيه بسرعة مقربة المصاب من حتفه.
رفعت الممرضة كمامتها الملطخة بالدماء و همست بيأس و خيبة:
- لقد مات يا دكتورة نيل.
التفتت جيسيكا بهلع إلى الشاشة السوداء المعلقة قربها، تطلق صوتاً رتيباً متواصلاً معلنة توقف قلب المريض عن الخفقان. لقد خذلها الوقت فلم يمهلها دقائق خمساً لينتصر في النهاية، فتراجعت مهزومة تغسل يديها. بينما أعطى دان تعليماته إلى الممرضة المساعدة:
- لقد انتهى الأمر، فاجري اللازم يا آنسة، و اعملي على ابلاغ ذويه.
لحق دان بجيسيكا إلى غرفة الملابس منادياً باسمها، لكنها لم تشعر برغبة في التكلم معه، و ضاعفت خطواتها تهرباً من مواجهته. تريد أن تختلي بنفسها و لو لدقائق معدودة تلتقط فيها انفاسها، فما ان وصلت إلى الحمام حتى قفلت الباب خلفها بقوة حابسة نفسها مع الحزن و الخيبة.
استعادت هدوءها رويداً رويداً من غير أن تتمكن من مسامحة نفسها على ما فعلته في غرفة العمليات. لابد من أنها أخطأت. لكن كيف؟ حدقت في يديها تستعيد مراحل العملية علها تكتشف شيئاً، لكن ذاكرتها أبت التعاون تاركة اياها فريسة الندم و الشرود. فجأة و هي تخلع ثوب الجراحة، تذكرت حادثة بسيطة سبقت صدور ذلك الصوت عن آلة التنفس، و لاحت صورة المصاب امامها من جديد تعيدها إلى واقعها الحزين. لقد غاب عن بالها ما رأته قبل أن تعلن تلك الآلة اللعينة الخبر المشؤوم. لقد تلوث قميصها و قفازاها ببقع الدم المجمد في الوقت الذي بدأ المضبع يشق طريقه في صدر المصاب. مما يعني أن عنصر الوقت هو الذي قضى على المريض و ليس مضبعها. لو كان بامكانها إيقاف الزمن أو اختلاس بضع دقائق أخرى فربما كانت كافية لمنع قلب ذلك المسكين عن التوقف.
عند خروجها وجدت دان واقفاً في وسط الرواق قاطعاً عليها المرور. ما يزال مرتدياً ثوب الجراحة الملوثة و على وجهه أكثر من سؤال:
- هل أنت بخير؟
- إني... إني على ما يرام.
- هذه الأمور تحدث دائماً يا جيسيكا.
- أعلم ذلك.
- لقد فعلت ما بوسعك.
أدارت وجهها ناحية النافذة و عيناها تكادان تدمعان:
- لكن... آه، علي أن أملأ بعض المستندات و أتهيأ لمقابلة ذوي المريض.
حط يده على كتفها تمنعها من التحرك:
- جيسيكا... إياك أن تخاطري بحياتك مرة أخرى.
التقت نظراتهما لثوان اعادت إليهما تلك الدقائق الرهيبة التي قضتها في الشاحنة المتأرجحة على حافة الوادي.
احست أنه يقاسمها خوفها على نفسها، فالقلق البادي في عينيه ربما كان صادقاً و ارتعاش أنامله فوق كتفها يؤكد ظنها.
- طبت مساء يا دان.
شعرت بنظراته تتبعها حتى نهاية الرواق لكنها لم تجرؤ على الاستدارة، مخافة أن يلاحظ الدمع و قد خطط أهدابها بعد أن لبت عيناها نداء قلبها الموجوع.
في صباح اليوم التالي، جلست جيسيكا على شرفتها ترشف قهوتها و تنظر إلى الصحيفة الموضوعة أمامها مبرزة في صفحتها الأولى خبر قيامها بذلك العمل البطولي لانقاذ سائق الشاحنة.
لم تحتمل قراءة تفاصيل النبأ، فهي لا تعتبر ما قامت به عملاً خارقاً يستحق كل هذه الضجة، لقد أدت واجبها تجاه انسان بحاجة للمساعدة، لكنها فشلت في انقاذ حياته. فأين البطولة في ذلك؟
لم ينقطع هاتفها عن الرنين طوال النهار، فالناس تريد معرفة تفاصيل الحادث منها شخصياً. فانهمرت عليها اسئلتهم بالحاح مستفسرين حيناً و مهنئين حيناً آخر. لكنها في نهاية المطاف اضطرت إلى نزع شريط الهاتف لتهنأ بقسط ضئيل من الراحة.
عند المساء سمعت جيسيكا طرقاً خفيفاً على باب منزلها، و لما فتحته وجدت دان ترافورد متكئاً على حافة الباب. ابتسم ملقياً التحية:
- مرحباً يا جيسيكا. كنت...
قاطعته قبل أن ينهي عبارته:
- دعني اتكهن بما ستقول. لقد كنت ماراً فرأيت أنوار المنزل مضاءة و فكرت بأن تعرج لتناول القهوة. أليس كذلك؟
لم ينتظر دعوتها له و دخل الغرفة و الابتسامة لا تفارق وجهه:
- أنت تقرأين أفكاري يا جيسيكا.
سارت أمامه نحو المطبخ هاتفة:
- هذا ما لن أفعله أبداً.
وقفت بالقرب منها يراقبها تحضر القهوة ثم سأل بمكر:
- هل نامت ميجان؟
- أجل لكن ليس هنا. قد يستدعونني إلى المستشفى في أية لحظة،فارتأيت أن تقضي ليلتها عند بيتر و فيفيان.
جلس على كرسي قريب من الطاولة فوضعت فنجان القهوة أمامه و جلست في مواجهته.
- يبدو أن ميجان تمضي معظم عطلتها مع فيفيان بدلاً من ان تمضيها معك.
- هذا لأني منهمكة بالعمل هذه الايام وفيفيان مولعة بالاطفال عدا ان بقاءها مع فيفيان كان الحل المناسب في الوقت الذي اضطر فيه للبقاء في العيادة.
- لاشك في ذلك.
لم تعجبها لهجته الساخرة فانتفضت بانفعال سائلة:
- الى ماذا ترمي يادان؟
- اعتقد ان جلب ميجان الى هنا كان خطة مدروسة.
- حقاً؟
- اجل ففيفيان وبيتر لم يرزقا اولاداً وميجان فتاة يتيمة وان نحن جمعنا الحالتين معاً نكوّن عائلة مثالية.
- لكني يادان...
قاطعها وكأنه يدرك مايجول في خاطرها:
- لن أضيف كلمة أخرى ان كان هذا ماتخشينه.كل ما أريده هو التأكد من صحة ظني.
تململت جيسيكا في مقعدها:
- كيف عرفت؟
- الأمر في منتهى البساطة فبيتر لم يترك مناسبة الا وتحدث فيها عن ميجان وعن الاوقات الممتعة التي يقضيانها معاً وهذا مادفعني الى التساؤل عن حقيقة المدة التي أمضتها معك انها أدلة كافية على ماحاكت يداك.
- حل رائع لكلا الطرفين. ألا توافقني الرأي؟
- بكل تأكيد انما لايغربن عن بالك استحالة التلاعب بمشاعر العالم كما يحلو لك.
تعلم انه على حق في مايقول لكنها لم ترد الاعتراف بذلك واحست بكرهها له فأجابت بعناد:
- انه الحل الافضل.
افرغ فنجانه دفعة واحدة ودفعه بعيداً عنه ثم تطلع اليها ساخراً:
- وماذا سيحصل في حال فشلت خطتك الذكية؟
- سيخيب ظني طبعاً.
- والصغيرة المسكينة سترسل في أول قطار الى الميتم الذي جائت منه كطرد بريدي غير مرغوب فيه.
- لاتتكلم عنها بهذه الطريقة.
- واجهي الحقيقة ياجيسيكا جعلت الصغيرة تدرك معنى الحرية وترى مايوجد خارج جدران سجنها أعدتها الى اجواء العائلة التي عرفتها مرة واحدة منذ زمن بعيد ومن الاجحاف ان تعيديها من جديد الى واقعها المرير في الميتم.
استدارت لتواجهه لكنها فوجئت به وقد وقف خلفها مباشرة فاستندت الى الحائط تبرر موقفها:
- لقد حسبت حساب كل شئ ان اخفقت خطتي فأنا من ستتحمل تأنيب الضمير ولا احد غيري.
- يسعدني سماع ذلك لأني للمرة الاولى لن أشاركك هذا العبء.
أجابت بحدة من غير ان تتمكن من السيطرة على ارتعاشها:
- لم أتوقع ان يشاركني احد ذلك.
- انت جميلة حين تغضبين!
- اصمت. ارحل من هنا وأتركني وشأني.
- هل يمكنني ان اخفف من تأنيب ضميرك؟
رفعت وجهها بثقة:
- ضميري مرتاح.
- حقاً؟ لن يظل طويلاً على هذه الحالة.
اجابت بسرعة تحاول مقاومة نظراته المزعجة:
- أرحل قبل ان ...
لم تقو على اكمال تهديدها فقد عانقها بحرارة طال لهيبها كل جسمها.
حاولت الافلات لكن يده انسلت الى عنقها تمنع عليها الحراك فوضعت راحتيها على صدره تجاهد في الامتناع عن التجاوب. لكن مقاومتها لم تدم طويلاً واختلطت دقات قلبيهما بعدما فقدت السيطرة على أحاسيسها لكنها ما ان افلتها من طوق ذراعيه حتى احست بجسامة ما ارتكبته.
- لم تكملي عبارتك ياجيسيكا.
احست بالاهانة التي حمّلها جملته فتراجعت خجلة تجاهد في السيطرة على اضطرابها:
- من الأفضل ان ... ان تذهب.
تقدم منها وكأنه لم يسمع ماقالت هامساً في اذنها:
- أهذا أمر؟
أحست بشحنات كهربائية تسري في عروقها دفعتها الى دفن وجهها في صدره. انه سيد الموقف ويدرك تماماً مايفعله فهتفت بصوت متهدج:
- أرجوك يادان... أرجوك توقف.
سلط عليها نظرات سافرة وقال وهو يترك يديها المرتجفتين:
- حسناً، كان الامر يستحق المحاولة.
خرج من غير ان يزيد كلمة أخرى وبقيت جيسيكا مسمرة حيث تركها تلعن نفسها على الضعف الذي اظهرته مع هذا الطبيب المراوغ انها تشعر بميل هائل اليه وقد يكون حباً لكنه لايشكل مبرراً لاستسلامها له بهذه الطريقة السهلة. اتكأت على الكرسي الخشبي خلفها تتكهن برأيه فيها بعد الذي حصل منذ دقائق. لم تفكر يوماً ان تنافس فتاة أخرى على قلب رجل وخاصة سيلفيا سامرز. وان لم تتحكم أكثر بعواطفها في المستقبل فان دان سيظن انها تسعى لانتزاعه من حياة سيلفيا.
في الأيام التي تلت انهمكت جيسيكا بالعمل فلم تسنح لها الفرصة لتهتم بمشاكلها العاطفية لكن الشئ الوحيد الذي لم تستطع التخلي عن التفكير به كان قضية ميجان وكلام دان عن امكانية فشل خطتها فعطلة الصغيرة شارفت على الانتهاء من غير ان تفاتحها فيفيان برأيها فيها.
ارتأت التحقق من حقيقة الأمر بنفسها فدعت ميجان الى منزلها لتمضية السهرة وبعد العشاء انتقلتا الى غرفة الجلوس حيث تمددت جيسيكا على الاريكة الطويلة وطوقت الصغيرة بذراعيها مستفهمة بحنان:
- كنت عابسة الوجه طوال الوقت هل هناك مايزعجك؟
أجابت ميجان من غير تردد وقد ازداد تجهم وجهها:
- سأغادر هذا المكان غداً.
- هل استمتعت بعطلتك؟
اغرورقت عينا الصغيرة بالدموع:
- آه كثيراً لكن ... كم اتمنى ان أبقى الى الأبد.
رفعتها جيسيكا بذراعيها تضمها الى صدرها برفق وتمسح دموعها:
- ما الذي اعجبك اكثر في هذه العطلة؟
- كل شئ لكن صداقة فرانسين تبقى الأفضل فهي حقاً نعم الصديقة واتفقت معها على تبادل الرسائل و ... آه لقد نسيت العمة فيفيان والعم بيتر لقد احببتهما كثيراً وكأنهما والداي.
- هل انت متأكدة من أحساسك هذا؟
اسندت الطفلة رأسها إلى كتف جيسيكا و طوقت عنقها بذراعيها:
- ليتني أبقى هنا و لا أعود إلى ذلك الميتم الكريه. سأشتاق إليهم و إليك أنت أيضاً.
ضمتها جيسيكا إلى صدرها تاركة شعر الصغيرة الناعم يخفي دموعاً ترقرقت على وجنتيها.
- و أنا أيضاً سأشتاق إليك، سآخذك إلى سريرك.
أدخلت جيسيكا الصغيرة إلى غرفتها، و بعد أن تأكدت من أنها غفت نزلت إلى الطابق السفلي و تسللت من باب المطبخ إلى الحديقة متجهة إلى منزل آل اوبريان. لم تقرر بعد كيف ستفاتح بيتر بالأمر و لكنها لن تلغي خطتها و تترك الأمور كما هي عليه.
ما زالت مكتبة بيتر مضاءة، فأتجهت على مهل إلى نافذة المكتبة ووقفت تسترق النظر الى الداخل. فيفيان بين ذراعي زوجها تشهق بالبكاء كمن حلت به مصيبة. لم يسبق أن رأتها بهذه الحالة فالصقت أذنها بالنافذة تحاول التنصت إلى ما يدور بين الزوجين.
- لا يمكنني أن ادعها تعود يا بيتر.
اكتفت جيسيكا بهذا القدر من التجسس خشية أن ينتبه أحدهما لوجودها، و قفلت راجعة إلى مسكنها. لا بد و أن فيفيان تعني الطفلة بكلامها، فأغلقت الباب خلفها بهدوء و جلست في غرفة الجلوس تتوقع أن يقرع بابها بين اللحظة و الأخرى.
و حدث ما توقعته، فبعد نصف ساعة سمعت قرعاً خفيفاً على باب المطبخ فسارعت إلى اشعال النار تحت غلاية الماء قبل أن تفتح الباب.
ابتسمت للزائرين مرحبة:
- تفضلا، كنت أحضر فنجاناً من الشاي و يسعدني أن تشاركاني.
- سنشربه معك هنا، في المطبخ.
حضرت الأكواب بينما جلس بيتر و فيفيان إلى الطاولة ساكتين.
نجحت فيفيان في إزالة آثار الدموع عن عينيها، من غير أن تفلح في اخفاء اضطرابها عن جيسيكا و هي تقدم لها كوب الشاي.
- جيسيكا... في ما يختص بميجان...
كتمت جيسيكا انفعالها و سألت متصنعة جهلها سببب زيارتهما:
- ما بها ميجان؟
سارع بيتر إلى الاجابة بلهجة حازمة:
- نرغب بتبنّيها.
انفرجت أسارير جيسيكا فجأة و هتفت بسرور:
- يا له من قرار!
لم يلحظ أي من الزوجين وقع الخبر على جيسيكا، و أردفت فيفيان مستوضحة:
- هل هناك من قد يعترض على ذلك؟ أعني... أحد أقربائها أو أي وصي عليها؟
- لن يعترض أحد يا فيفيان.
التفت بيتر إلى زوجته مبتسماً:
- في هذه الحالة لا اعتقد أننا سنواجه أية مشكلة.
أرادت فيفيان أن تتأكد من أن كل شيء سيكون على ما يرام فقالت مقترحة:
- علينا بالتحدث إلى ميجان أولاً، فقد لا تروق لها الفكرة.
- سأناديها حالاً، فأنا أعرف ميجان و هي و لا شك ما زالت مستيقظة.
أوقفها بيتر قبل أن تتخطى باب الغرفة:
- قبل أن تفعلي ذلك جيسيكا، نود أن نخبرك بما قررنا أن نفعله. لا نريدها أن تعود إلى جوهانسبرغ غداً فبامكانها اكمال سنتها الدراسية هنا في لويزفيل.
علت شفتي جيسيكا ابتسامة عريضة و أجابت موافقة:
- إني واثقة من إمكانية تدبير ذلك. فلوالدي صلات وثيقة مع أحد النافذين هناك، و بامكانه مساعدتنا.
تبادل الزوجان نظرات الرضى قبل أن تلتفت فيفيان إلى جيسيكا:
- هل يمكننا التحدث إلى ميجان الآن؟
- سآتي بها في الحال.
انحنت جيسيكا فوق سرير الطفلة هامسة برفق:
- ميجان حبيبتي، يسعدني أنك لم تنامي بعد. بيتر و فيفيان يودان التحدث إليك.
لم تجب جيسيكا على اسئلة الصغيرة و هي ترتدي خفيها بسرعة واعدة اياها بأنها ستعرف كل شيء عما قريب. و أمسكتها بيدها و نزلتا معاً إلى المطبخ، حيث تبادلت الصغيرة مع الزائرين نظرة سريعة، التفتت بعدها فيفيان نحو زوجها سائلة:
- هلا أوضحت الامر لميجان يا بيتر؟
رد الدكتور أوبريان بحنان:
- سأترك الامر لك يا عزيزتي.
فتحت فيفيان ذراعيها و نادت ميجان بتودد:
- تعالي يا حبيبتي.
هرولت الطفلة تطوق عنق عمتها بذراعيها الصغيرتين بينما اردفت فيفيان بتأثر:
- ما رأيك بالبقاء هنا معنا؟
- تعنين معك و مع عمي بيتر؟
- أجل يا حبيبتي.
لمعت عينا ميجان فرحاً مستفهمة:
- بصورة دائمة؟
- أجل، فنحن نرغب بأن تكوني ابنتنا.
لم تصدق الطفلة أذنيها فهتفت:
- أتريدان أن تتبنياني؟
- أجل... (و لاح طيف الشك في عيني فيفيان للحظات ثم أكملت) شرط أن تكوني راغبة في ذلك أيضاً.
دمعت عينا الطفلة و غمرت فيفيان متمتمة:
- أجل، أجل أرجوك!
اختلطت دموع السيدة اوبريان بدموع الصغيرة و ضمت الطفلة بقوة إلى صدرها تدفن وجهها في الضفائر الناعمة:
- ميجان، حبيبتي لقد أدخلت السعادة إلى قلبينا بعد سنين طويلة من الغم و التعاسة.
وقفت جيسيكا تنظر إلى المشهد المؤثر بعينين تشعان فرحاً. فخطتها لقيت النجاح الذي توقعته لها و أفلحت في تكوين اسرة سعيدة.
رفعت الطفلة رأسها تسأل فيفيان:
- أهذا يعني أني لن أعود إلى جوهانسبرغ غداً؟
رد بيتر بحزم:
- من الآن و صاعداً ستبقين معنا في لويزفيل.
قفزت الطفلة هاتفة بفرح:
- آه، كم أحبك يا عمتي فيفيان، و أنت أيضاً يا عمي بيتر!
- و الآن يجب أن تخلدي للنوم يا ميجان و في الصباح الباكر سآتي لأصحبك إلى منزلنا.
أجابت الطفلة مطيعة:
- حسناً،تصبحون على خير... و أشكركما على تبنيكما لي.
لم تعد جيسيكا قادرة على كبت دموعها، فأشاحت بوجهها ناحية النافذة تاركة لعينيها حرية التعبير عن فرحها و تأثرها. و ما ان غابت الطفلة عن ناظري فيفيان حتى اتكأت على ذراع زوجها متمتمة:
- و الآن يمكنني أن أسترسل في البكاء.
اعترض بيتر محذراً:
- لا لن تفعلي، فقد بكيت كفاية هذه الليلة.
مسحت عينيها باناملها موافقة:
- أظنك على حق يا بيتر، أنا آسفة يا عزيزي.
انحنى الدكتوراوبريان أمام زوجته و احتواها بذراعين، و مرة أخرى أشاحت جيسيكا بوجهها عن مشهد عاطفي، انما من نوع آخر.
- سأتكلم الليل مع والدي و سيطلعني على نتيجة اتصالاته في الصباح.
أمسك بيتر بيد زوجته و توجها نحو الباب:
- حسناً، الأمر بين يديك الآن يا دكتورة نيل.
أغلقت جيسيكا الباب خلفهما، و ما أن خلت بنفسها حتى راحت تقفز فرحاً و زهواً، و هرعت إلى غرفة الجلوس لتتصل بوالدها.
وفت فيفيان بوعدها في اليوم التالي، و جاءت في ساعة مبكرة لاصطحاب ميجان و مساعدتها في نقل حوائجها إلى منزلها الجديد. و ما ان اقفلت جيسيكا الباب خلفهما حتى رن الهاتف في غرفة الجلوس و كان المتحدث والدها.
- أنباء سارة يا جيسيكا، أوراق التبني ستكون جاهزة غداً و سترسل في أسرع وقت ممكن إلى المحكمة في لويزفيل.
احتارت جيسيكا لشدة فرحها كيف تشكر والدها، و أقفلت السماعة بسرعة و توجهت مباشرة إلى العيادة حيث دخلت على الفور غرفة بيتر لتعلمه بالأمر.
تراخى الدكتور أوبريان على كرسيه مبتسماً:
- شكراً يا جيسيكا ( و لمعت عيناه ببريق غريب مردفاً) لم تبد عليك علامات الاستغراب ليلة البارحة حين أنبأناك بعزمنا على تبني ميجان و كأنك على علم بقرارنا.
أدركت جيسيكا القصد من عبارته، فأجابت بصدق متجنبة النظر في عينيه:
- بعد أن وضعت أوليفيا طفلها، و خلال تبادل الحديث مع فيفيان اكتشفت لديها توقاً إلى أن يكون لها طفل.
- لذلك تعمدت جلب ميجان إلى هنا، و كل ما يحدث الآن هو نتيجة خظة رسمتها بنفسك!
- لقد راهنت بالرغم من فداحة الخسارة، و لكني في المقابل كنت أعلم أني لو نجحت سأدخل السعادة إلى قلوب ثلاثة.
- أنت انسانة مميزة يا دكتورة جيسيكا.
و نهض عن كرسيه ليقف في مواجهة النافذة، من غير أن ينجح في إخفاء دموعه عنها. و سادت الغرفة دقائق صمت طويلة احتارت جيسيكا خلالها ماذا تفعل، أتبقى أم تخرج؟ لكن صوته علا من جديد بنبرة حزينة:
- طوال السنين المنصرمة حاولت و فيفيان أن نتظاهر أمام بعضنا و أمام الناس بعدم اكتراثنا بانجاب الأولاد، و أظن أننا نجحنا في ذلك، إلى أن دخلت ميجان حياتنا. ابتسامة واحدة منها كانت كافية لتصب الزيت على النار كنت أخال سعيرها قد همد في قلبينا. ابتسامة واحدة كشفت لنا الفراغ الهائل الذي تعاني منه حياتنا. كلنا وقعنا في حب ميجان منذ النظرة الأولى وهي بادلتنا الشعور ذاته في وقت قصير وكأنها فرد من العائلة لاأدري كيف أشكرك على صنيعك هذا ياجيسيكا.
- لالزوم للشكر يادكتور اوبريان لأنه سيزيد من احراجي.
ولم تعطه الفرصة ليتفوه بكلمة أخرى وخرجت عائدة الى عيادتها. لم تشعر بهذا القدر من الفرح والارتياح منذ أمد بعيد. لقد كسبت الرهان واعادت الحياة الى منزل بيتر وفيفيان وخلصت تلك الطفلة من براثن ذلك الميتم الكريه انه تحديها الثاني لدان ترافورد ولكنه مازال متفوقاً عليها بنقاط كثيرة...
ما ان مضى على دخولها عيادتها دقائق حتى فوجئت بدان واقفاً كعادته قرب الباب:
- آه ، الدكتورة نيل صانعة الأعاجيب. ضربة من عصاك السحرية قلبت عائلة اوبريان رأساً على عقب.
- الا تشاركهما سعادتهما يادان؟
افتر فمه عن ابتسامة هازئة هاتفاً:
- وكيف لا؟ لكن يجب ان تشكري حسن طالعك على ان الامر انتهى الى هذه النتيجة والا لكانت الطفلة الآن في طريقها الى حياة تكره كل لحظة فيها وتلاحقك لعنتها الى الأبد.
اجابت بهدوء وعيناها لاتفارقان عينيه:
- لقد شكرت حسن طالعي على شئ آخر أيضاً وهو انه لن تسنح لك الفرصة لتردد على مسمعي ذلك التحذير الذي مابرحت تردده.
- انك تسيئين فهمي ياجيسيكا فأنا لاأقلل من أهمية ماقمت به لكن رهانك كان خطيراً.
- اتظن اني اغفلت خطورته؟ لقد امضيت ليال طويلة اصارع الخوف والهواجس ناهيك عن القلق من امكانية فشل خطتي. لكنها في النهاية نجحت. فارجوك احتفظ من الآن وصاعداً بملاحظاتك الساخرة لنفسك.
- مهنتك كطبيبة تفرض عليك الاعتناء بحالة مرضاك الجسمية وليس حالتهم النفسية وان كنت ستنجرفين في المستقبل وراء عاطفتك في تعاملك معهم فأنا اقترح ان تقلعي عن مزاولتك الطب وتبحثي لنفسك عن مكتب تعالجين فيه المشاكل الاجتماعية والنفسية لدى الناس.
انتفضت جيسيكا بحنق ظاهر و هتفت بملء صوتها:
- أنك على حق، فقد أقوم بذلك قريباً.
التقت نظراتهما للحظات، ثم طوق خصرها بذراعيه مقرباً إياها منه بقوة كادت تمنع عليها التنفس، و قال بابتسامته المعتادة:
- أتعلمين يا جيسيكا؟ تبدين أكثر إغراء عندما تغضبين.
همت بالكلام لكنه أحنى رأسه و عانقها، فحاولت التملص من ذراعيه لكنه أمسك بيديها وراء ظهرها ثم راح بحنكة الخبير يهمس باسمها قرب اذنيها. و لم تعد قادرة على المقاومة فاستسلمت راضخة إلى تلك الكتلة من اللهب.
سمعا طرقاً على الباب فافلتها دان بسرعة و استدارت ناحية مكتبها تحاول إخفاء احمرار وجنتيها عن عيني الممرضة هانسن و هي تدخل الغرفة لتجمع ملفات المرضى:
- آه، مازلتما هنا؟
أجاب دان بهدوء حسدته عليه جيسيكا المضطربة:
- كنا على وشك الرحيل.
- لقد اتصلوا بك من المستشفى يا دكتور ترافورد، فالسيدة روكس تعاني من ألم حاد في الصدر و صعوبة في التنفس.
- سأذهب في الحال (و توقف عند الباب ملقياً نظرة أخيرة على جيسيكا) سأراك لاحقاً.
وقفت الممرضة عند الباب ترقب دان يبتعد في آخر الرواق، و قالت:
- بالرغم من صغر سنك كطبيبة، فقد فرضت نفسك في هذا المكان و لمّا يمض على وصولك أكثر من ثلاثة شهور. لقد حظيت باعجاب الجميع و تقديرهم، مما سيسبب كدراً للبعض في هذه المدينة الصغيرة.
أجابت جيسيكا و هي تدقق في محتويات حقيبتها الجلدية:
- لقد بذلت ما في وسعي لأقوم بواجبي كاملاً.
- أنت تقومين بأكثر من ذلك. تعاملين الناس بطريقة مختلفة. أي أنك تنظرين إليهم كبشر و ليس كسلعة. لنأخذ الدكتور اوبريان مثلاً...
قاطعتها جيسيكا تدافع عن رجل بدأت تعجب به و بعمله:
- بيتر اوبريان طبيب رائع.
ردت الممرضة مبتسمة:
- لا مجال للمجادلة حول هذه النقطة. لكن أنظري ما صنعت به. لم أره في حياتي فرحاً كما كان اليوم. كلنا يعرف حالة زوجته و قصة اصابتها بالعقم، لكن لم يأت أحد على ذكر ذلك لأننا لاحظنا أن حرمانهما من الأولاد لا يسبب لهما أية مشكلة. إلى أن جئت و اكتشفت حاجتهما فلم تقفي مكتوفة الأيدي مثلنا، بل حاولت المساعدة و أفلحت.
- آنسة هانسن أنك تخجلينني. لقد ساعدتني الظروف و الا لما نجحت في مسعاي. فلا يمكنني ان أطالب الآخرين بتبني طفل، فمن المرجح أنهم سيرفضون طالبين مني عدم التدخل بأمور لا تعنيني، لكن صدف أني أعرف طفلة تدعى ميجان تشاركهما الحاجة نفسها. أما الباقي فقد تحكمت به العاطفة وحدها.
- ما زلت اعتبر عملك رائعاً و لن أغير رأيي.
و خرجت من الغرفة بينما أمضت جيسيكا بضع دقائق في ترتيب مكتبها قبل أن تعود إلى منزلها. أخجلها كلام الممرضة هانسن عن عملها و احست بالحرج و تمنت في قرارة نفسها لو يحذو دان حذو الآخرين و يتخلى عن ملاحظاته الجارحة.

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
قديم 03-10-08, 07:05 AM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الثامن

8- نسيت كل ما حولها و لم تعد تكترث بماضيه أو بسمعته. انها تريده بالرغم من مساوئه و عيوبه. تريده لها في هذه اللحظة و في كل لحظة...
منتديات ليلاس

كانت جيسيكا تقوم بجولتها الأسبوعية في المستشفى، عندما طلب منها عبر المذياع التوجه فوراً لمقابلة الدكتور اوبريان في العيادة. أدركت على الفور أن هناك طارئاً، فابدلت ملابسها و قادت سيارتها بسرعة جنونية غير مبالية بقوانين السير. و خلال دقائق وصلت أمام العيادة و توجهت مباشرة إلى مكتب بيتر لتجده مجتمعاً إلى دان. ما أن أغلقت الباب خلفها حتى بادرهما الدكتور اوبريان موضحاً:
- تلقيت مكالمة هاتفية من ممرضة خاصة تعمل في مقاطعة فندا، أخبرتني أن سيدريك كابوفو زعيم المقاطعة مريض و يحتاج لرعاية طبية عاجلة، و نظراً لسنه ارتأت الممرضة عدم نقله من منزله إلى المستوصف الذي يبعد عنهم حوالي العشر كيلو مترات.
سأله دان باهتمام:
- مما يشكو يا دكتور؟
- تظن الممرضة أنها الزائدة الدودية. الوقت يمر بسرعة و اقترح أن ترافقك جيسيكا.
- يلزمنا ساعتان أو ثلاث لنصل إلى هناك في السيارة، فأنت تعلم حالة الطرقات في تلك المنطقة.
- قد أطلب من برنارد إيصالكما بطائرته، لكنها لا تتسع لأكثر من راكبين.
تدخلت جيسيكا للمرة الأولى منذ وصولها مقترحة:
- بامكاني قبادة الطائرة ان وافق برنارد على اعارتي اياها.
التفتا إليها باندهاش و ذهول، و تقدم دان منها سائلاًً بسخرية:
- هل تجيدين قيادة الطائرة؟
ردت جيسيكا بالنبرة نفسها:
- أجل و أحمل أجازة في الطيران. هل تود رؤيتها؟
قاطعهما بيتر قائلاً:
- سأتصل بالمزرعة و ان لم أحظ ببرنارد سأدع أوليفيا تبلغه الرسالة.
تناول بيتر سماعة الهاتف على الفور، و ماهي إلا دقائق قليلة حتى استدار ناحيتهما مبتسماً بارتياح:
- سيهيىءبرنارد الطائرة لتكون مستعدة للاقلاع فور وصولكما. و في هذا الوقت سأتصل بالممرضة في فندا لاتخاذ التدابير اللازمة لاستقبالكما.
هتف دان بحزم متجهاً نحو الباب تتبعه جيسيكا:
- حسناً، فلنتحرك بسرعة قبل فوات الأوان.
وصلت سيارتا الطبيبين معاً إلى المزرعة، حيث كان برنارد في انتظارهما على المدرج الضيق بقرب طائرة صغيرة مخططة باللونين الأحمر و الأبيض. لم يحاول برنارد الاستفسار عن تفاصيل المهمة، مكتفياً بارشاد جيسيكا إلى الخط الواجب اتباعه أثناء تحليقها. ثم تقدم من دان الواقف بعيداً و ربت على كتفه ممازحاً:
- تشجع يا دان فان كانت جيسيكا تجيد التحليق كاجادتها الطب، فستكون في أيد أمينة.
- بأمكاني التفكير بأماكن أخرى أكثر أماناً.
سخرت جيسيكا منه معلقة:
- يا لك من جبان.
- و كيف لا أخاف و مصيري بين يدي امرأة؟
تجاهلت عبارته و التفتت نحو برنارد مصافحة:
- شكراً جزيلاً على مساعدتك يا برنارد.
و توجهت بخطى ثابتة نحو الطائرة و جلست خلف المقود، بينما تهادى دان على المقعد المخصص للركاب إلى جانبها. أشارت إليه بربط حزام النجاة قبل أن تضع جهاز الاتصال على أذنيها، فانصاع سائلاً بقلق:
- هل أنت متأكدة مما تفعلين؟
أدارت المحرك ضاحكة:
- لا تخش شيئاً فستصل إلى هناك كتلة واحدة.
- حياً أو ميتاً؟
- حيا كما أتمنى، و الآن هلا اقلعت عن المزاح؟
علا صوت المحرك مدوياً و بدأت الطائرة تهتز بهما، بينما أجرت جيسيكا اتصالاً تجريبياً مع أقرب قاعدة إلى المزرعة، ثم زادت من طاقة المحرك لتنطلق الطائرة بهما في سرعة هائلة على المدرج المعبّد. و ما أن أشار عقرب ساعة السرعة إلى الحد الاقصى، حتى ارجعت جيسيكا المقود إلى الوراء و ارتفعت الطائرة الصغيرة عن الأرض منطلقة كالسهم نحو السماء الزرقاء الصافية.
تمتم دان و قد اسند رأسه إلى حافة المقعد:
- لا بأس يا جيسيكا.
شغلها الفرح بالتحليق من جديد عن الانتباه إلى تعليقاته، فبالرغم من كرهها للأماكن العالية لم يزعجها الطيران أبداً، بل اتمت قبل قدومها إلى لويزفيل ما يقارب المئتي ساعة من التحليق بطائرات مختلفة الاحجام و الأنواع.
الجو صحو و مناسب لرحلة كهذه، لا غيوم و لا رياح بل امتدادأزرق نقي تموج في وسطه أشعة شمس ساطعة. اتجهت إلى الشمال – الشرقي و تستدل على خط تحليقها بواسطة خارطة صغيرة معلقة في سقف الطائرة. و ان سارت الأمور طبيعية فستحط في أرض فندا بعد ثلاثين دقيقة من الآن.
خرقت جو الصمت المخيم عليهما منذ الاقلاع سائلة:
- هل لديهم غرفة للجراحة في المستوصف؟
- لا أعتقد ذلك، بل لديهم ما يكفي للحالات الطارئة.
- ماذا سنفعل إذا تعذر علينا نقل المريض؟
- عندها سنجري العملية في المنزل.
ابتسمت بسخرية معلقة:
- يبدو أنك تحمل غرفة الجراحة في حقيبتك!
- ماذا تعنين بكلامك هذا؟ تعلمين جيداً أننا قد نضطر إلى اجراءالعملية بما قد نملك من تجهيزات بدائية.
تخلت عن مراقبة اتجاهها لتواجه عينيه الغاضبتين:
- أعلم ذلك. لكني أردد ما قلته لي مرة، أتذكر؟
- آه فهمت. تقصدين ملاحظتي لك لعدم نقلك أوليفيا إلى المستشفى أثناء ولادتها. أليس كذلك؟
- أجل.
- لكن الظروف مختلفة الآن.
- لا أرى أي أختلاف بين ما قد نضطر للقيام به و ما قمت به مع أوليفيا. لا بل المخاطرة أكبر بكثير هذه المرة.
أجاب بتململ ظاهر:
- دعينا من المناقشة الآن.
- حسناً، لن أتكلم من الآن و صاعداً.
- هل أنت غاضبة؟
- لست غاضبة يا دان. لكني لا أفهم تحديدك للحالة الطارئة.
- الأمر في غاية البساطة. عندما تصادفك حالة كالتي ستواجهنا بعد قليل فتسمى حالة طارئة. أي بامكانك التصرف بما هو متوافر لديك.
- حالة أوليفيا كانت من الحالات الطارئة التي تتكلم عنها، فتصرفت بما توافر عندي من أمكانات طبية، و لا أفهم لماذا انفعلت يومها.
- لأنه في مثل هذه الحالات،يحتفظ الرجال ببصيرتهم أما النساء...
قاطعته ضاحكة بالرغم من حنقها:
- لا تكرر علي هذا القول ثانية. أنت تخيب ظني يا دان، فأنا لم أتوقع أن تكون من الذين يميزون بين الجنسين.
- كل رجل يخفي في داخله نزعة للتمييز. إنما ليس هذا ما قصدته. النساء ينظرن إلى الأمور بمنظار العاطفة و أنت أصدق مثال على ذلك.
ثوان من الصمت نظرت خلالها إلى لوحة القيادة، ثم علقت ببرودة:
- لو كانت يداي حرتين في هذه اللحظة، لما توانيت عن صفعك.
قهقه دان معلقاً:
- لديك يدان ناعمتان يا جيسيكا و تسرني ملامستهما، غاضبة كنت أم لطيفة.
أيقنت أنها عاجزة عن مجاراته في الكلام و نظرت إليه بغضب:
- من الأفضل أن تساعدني في العثور على مدرج الهبوط قرب المستوصف، فلا شك في أنه يقع في مكان ما هنا.
حطت الطائرة الصغيرة بنجاح في المدرج الوحيد في فندا، و ما أن ترجلا منها حاملين حقيبتيهما الطبيتين، حتى هرول في اتجاههما رجل أسود قدم نفسه على أن باتريك كابوفو شقيق الزعيم المريض، فقادهما على جناح السرعة إلى سيارته السوداء الفخمة لتنطلق بهم إلى منزل آل كابوفو.
فوجئت جيسيكا لدى وصولهم بالبساطة الغالبة على منزل الزعيم و هو منزل خشبي أشبه بالكوخ، و مقسم إلى مطبخ و غرفة جلوس و غرفتي نوم، و مبني على الطريقة القديمة و أثاثه شبه بدائي، لكنه نظيف و مرتب و سقفه المكون من القش و أغصان الشجر، يبعث برودة منعشة بالرغم من الحر الشديد في الخارج.
بدا الزعيم بقامته المديدة و جسمه الضخم ككتلة من الشحم معدة للشواء، راح يتلوى من اللم و قد غطى الزبد فمه و جحظت عيناه، يضغط بيديه على حافتي السرير مطلقاً أنيناً خافتاً. بدا واضحاً أنه من الذين يولون بطونهم أهمية بالغة حتى أوشك السرير أن يتحطم تحت ثقله.
اقتربت منهما امرأة سوداء و قدمت نفسها على أنهاالآنسة رافيل ممرضة الزعيم الخاصة. و همست في أذن دان عدة كلمات توجه على أثرها نحو السرير و جثا بالقرب منه واضعاً يده على جبين الزعيم الملتهب.
- الألم يا دكتور، أنه يكاد يقتلني.
- أعلم أنه ألم رهيب أيها الزعيم لكنه سيزول بعد قليل.
مد الزعيم يداً مرتعشة ناحية جيسيكا سائلاً:
- من هذه السيدة؟ زوجتك يا دكتور؟
رمق دان جيسيكا بنظرة ساخرة مجيباً:
- كلا أيها الزعيم، فأنا لست متزوجاً. أنها الدكتورة جيسيكا و قد جاءت لتعاونني.
- على كل رجل أن يتزوج.
لم يعلق دان على كلام الزعيم، بل أمسك بيد جيسيكا و أومأ للمرضة بأن تتبعهما إلى خارج الغرفة.
تطلعت جيسيكا إلى وجهه العابس مستوضحة:
- ماذا سنفعل يا دان؟
- لا نستطيع نقله من هنا فالوقت يمر بسرعة عدا عن أن حياته ستكون بخطر ان نحن حركناه قيد أنملة.
التفتت إلى غرفة المريض ثم استدارت نحوه بذعر:
- هل ستجري العملية في تلك الغرفة؟
- ليس لدي خيار آخر (و التفت إلى الممرضة رافيل يعطيها تعليمات سريعة) سنحتاج إلى طاولة لوضع الزعيم عليها، ضوء قوي، ماء ساخن، و الكثير من الخرق المعقمة. بادرت الممرضة إلى تنفيذ التعليمات بسرعة مدهشة، بينما تدبر شقيق الزعيم أمر المصباح و أوصله إلى طاولة مستطيلة فتولت الممرضة التحضير للعملية.
نظر الزعيم بقلق إلى الطبيبين يتفحصان آلات الجراحة و قال مخاطباً دان:
- أشفني و سأعطيك عشر بقرات مهراً لعروسك.
ضحكت جيسيكا في سرها لالحاح الزعيم على فكرة الزواج، لكن دان بقي على عبوسه و أجاب و هو يتفحص قوة الضوء:
- لا تنسَ أن تقاليدنا تختلف أيها الزعيم.
- هناك أمور لا يختلف رأيان حولها. يجب أن يكون لكل رجل زوجة (و التفت نحو جيسيكا مستطرداً) و لكل امرأة رجل. إنها سنة الحياة.
- عليك بالاقلاع عن الكلام الآن أيها الزعيم. ستخلد إلى النوم لفترة، و عندما تستيقظ ستكون أفضل حالاً.
تمتم الزعيم باللغة المحلية كلمات لم يفهمها غير الممرضة رافيل و لم يكترث بها دان، بل أشار إلى جيسيكا.
غرزت جيسيكا رأس الحقنة في أحد عروق ساعد الزعيم و انتظرت لحظات قبل أن ترفع رأسها مخاطبة دان:
- بإمكانك البدء بالعمل يا دان.
- أأنت مستعدة آنسة رافيل؟
- رهن إشارتك يا دكتور ترافورد.
- حسنا فلنبدأ الجراحة.
لم يسبق لجيسيكا أن أجرت جراحة في ظروف بدائية مماثلة، فأحست بشيء من الاضطراب بخلاف دان، الذي بدا هادئاً و هو يعمل مبضعه في جسم الزعيم حتى بانت الزائدة الدودية الملتهبة فتطلع إلى جيسيكا و العرق يتصبب من جبينه:
- الأمر أخطر مما كنت أعتقد، فالزائدة قد انفجرت. علينا أن نمنع استفحال الالتهاب.
بعد حوالي الساعة، خلع دان قفازيه الملطخين بالدم و ساعد جيسيكا على نقل الزعيم إلى غرفة مجاورة، حيث أعدت له الممرضة سريراً مريحاً فغطياه جيداً و تناولا حقيبتيهما بعدما عهدا إلى الآنسة رافيل بالعناية به.
خرجا إلى الساحة الصغيرة أمام المنزل حيث التقيا بباتريك كابوفو، فطمأناه إلى صحة أخيه.
- هل ستغادراننا على الفور يا دكتور ترافورد؟
- لن نرحل قبل التأكد من زوال الالتهاب تماماً، و قد يستغرق ذلك يوماً كاملاً.
فوجئت جيسيكا بجواب دان لا سيما و أن أياً منهما لم يجلب معه ثياباً أضافية. فقد توقعا عملية جراحية بسيطة و لم يحسبا حساباً للالتهاب. هتف شقيق الزعيم بارتياح:
- عظيم، فالليلة نقيم احتفالاً هاماً و يشرفنا حضوركما. ستشاهدان رقصة الدومبا تؤديها الفتيات اللواتي تحضرن للزواج و المعروفة برقصة الأفعى لدى البيض.
انفرجت أسارير دان شاكراً مضيفه:
- شرف لنا أن نكون ضيفيك.
- تعالا إذن، سأرشدكما إلى كوخيكما.
لم تعلم جيسيكا ما يجول في خلد دان. ففكرة النوم في كوخ بدائي أثارت في نفسها قلقاً و هلعاً، لكن ما ان وقع نظرها على المكان الذي ستمضي فيه ليلتها، حتى علت الدهشة وجهها.
كوخ حديث الشكل، سقفه متقن الصنع و أثاثه من خشب الصنوبر، و يحتوي على حمام مجهز بأحدث أساليب الراحة.
لاحظ باتريك اندهاشها فقال موضحاً:
- ما زال سيدريك يفضل العيش في السابق، أما هذه الأكواخ فقد صممت و أثثت خصيصاً لراحة ضيوفه.
توردت وجنتاها خجلاً و قالت:
- لا شك في أننا سننعم بالراحة فيها. شكراً جزيلاً.
التفت نحو دان سائلاً:
- هل اتصل بالدكتور اوبريان لأخبره ببقائكما هنا الليلة؟
- سنكون لك من الشاكرين.
- أمرت إحدى زوجات أخي بالسهر على راحتكما و تأمين كل احتياجاتكما. سأناديكما حالما يظهر القمر، لأن الاحتفال يبدأ فقط عند حلول الظلام.
انحنى امامهما باحترام و انصرف تاركاً جيسيكا مع دان أمام باب كوخها.
- يبدو أننا مقبلان على سهرة مسلية.
- هل شاهدت رقصة الأفعى من قبل؟
- أجل انما في أحد الأفلام السينمائية، و أنت؟
- سنحت لي فرصة مشاهدتها بعد وصولي إلى لويزفيل بأيام، و هي تستحق المشاهدة مرة أخرى.
- إني أتحرق شوقاً لرؤيتها!
لم يلحظ ابتسامتها، فقد استدار من غير أن يلتفت إليها متوجهاً إلى كوخه. فدخلت الكوخ المخصص لها و أقفلت الباب خلفها، فالحر الشديد يسبب لها دواراً، و التعب بدأ ينهش أوصالها. ما أن تمددت على السرير حتى سمعت طرقاً على الباب ففتحته لتجد نفسها أمام عربة صغيرة صفت عليها أطباق الطعام و أبريق كبير من عصير البرتقال المثلج. شكرت جيسيكا الفتاة التي جلبت العربة و أقفلت الباب من جديد، لتملأ معدتها الخاوية بهذه الوجبة اللذيذة. بعدما أخذت حماماً بارداً و اخلدت للنوم بعد نهارها المضني.
لم تدر كم من الوقت غفت، لكنها استيقظت لتجد دان منحنياً فوقها... للمرة الأولى يراها من غير تبرج.
همس دان بسخرية بعد أن لاحظ ارتباكها و تورد وجنتيها:
- العشاء جاهز.
و كأنه قرأ ما يجول في خاطرها، توجه نحو الباب مردفاً:
- طلبت من زوجة الزعيم أن لا تزعجك، فقامت بتحضير مائدة لشخصين في كوخي.
تنفست جيسيكا الصعداء و هي تراقبه يهم بالحروج و قالت:
- سأكون جاهزة بعد عشر دقائق.
فتح الباب و قبل أن يخرج استدار نحوها يتأمل مرة أخرى كل جزء من جسمها:
- فلتكن خمس دقائق، فأنا لا أحب اللحم بارداً.
استعادت هدوءها بعد أن أغلق الباب خلفه، فارتدت ثيابها بسرعة.
كان الظلام قد بدأ يرخي ستاره الداكن عندما انتهيا من تناول العشاء، فخرجا إلى الفسحة الصغيرة أمام الكوخ يتنزهان على الحشيش الأخضر و يرقبان بصمت ظهور القرص الفضي في قبة السماء.
بعد قليل، انضم إليهما باتريك و توجهزا جميعاً عبر الممر الصخري إلى ضفة النهر، حيث اشتعلت النيران استعداداً لبدء الاحتفال.
أمام الساحة المخصصة للرقص وقف باتريك يشرح لهما:
- في كل عام، تأتي الفتيات من المناطق المجاورة و البعيدة للمشاركة بالاحتفال الذي يرعاه الزعيم سدريك. و الليلة لدينا ما يقارب المئة و الخمسين مشتركة، و هي أكبر نسبة منذ البدء باقامة الاحتفال.
لم يقتصر الحضور على جيسيكا ودان بل غصت الساحة بالمشاهدين وقد تحلقوا حول النار يترقبون بدء الاحتفال.
فجأة اخترق المتجمهرين رجل طويل القامة زين رأسه بريش الطيور، و يرتدي ثوباً غريباً صمم خصيصاً للاحتفال، فخيم صمت كلي على الحاضرين عند رؤيتهم الرجل و قد وقف في وسط الحلقة، و همس دان في أذن جيسيكا:
- إنه قائد الدومبا، و الدومبا تعني الحياة الضخمة.
لحقت الفتيات بقائدهن و قد ارتدين ملابس شفافة و علقن في أعناقهن عقوداً من الزهر الأحمر و الأبيض. تحلقن حوله بطريقة منظمة و بإشارة من يده رحن يقمن بحركات، استعانت جيسيكا بباتريك لتدرك معناها:
- قبل الزواج تتابع الفتيات دروساً في الزواج، يتعلمن خلالها أصول الحياة الزوجية، و هن يحاولن الآن إظهار ما تعلمنه.
ثابرت الفتيات على القيام بتلك الحركات الغريبة لفترة قصيرة، ثم بدأ قرع الطبول بوتيرة متناسقة و راحت تعلو رويداً رويداً، و دب الحماس بالمتفرجين عند رؤيتهم قائد الدومبا يرفع يديه بحركة شبه هستيرية هاتفاً بكلمات مبهمة، اضطر باتريك لتوضيح معناها لجيسيكا:
- خرجت الحية من جحرها.
اصطفت الفتيات الواحدة تلو الأخرى متخذات شكل الأفعى و بدأن بالرقص أمام ناظري جيسيكا المشدوهة. ثم رحن يتلوّين أمام ألسنة النار المشرئبة نحوهن، و يترنحن بحركات منظمة على وقع الطبول و كأنهن شخص واحد.
مأخوذة بسحر الاحتفال، اتكأت جيسيكا إلى كتف دان و أحست بذراعه تطوق خصرها. لم تبال بتصرفاته و بقيت مشدودة إلى منظر الأفعى تلهب الأرض بحركاتها المجنونة، و كأنها في عالم آخر. إنها ليلة غير اعتيادية و كل ما فيها لا ينتمي إلى المعقول.
خمدت النيران بعد ساعتين من الجنون الفاتن و استسلمت الساحة إلى هدوء ثقيل مرتمية في أحضان الظلام، فانسحبت فتيات الدومبا إلى أكواخهن طلباً للراحة، و سكتت أصوات الطبول. و بعدها رافق باتريك ضيفي الأمسية إلى مسكنيهما متمنياً لهما ليلة هانئة، و عاد ادراجه إلى منزل الزعيم سدريك.
ما زال صدى نغمة الطبول يضج في رأسها فتحسها شلالاً هادراً في دمائها. ما برحت نشوة الرقص تخدر أحاسيسها و تأسر خيالها، فلم تقاوم محاولة دان لعناقها فاحتمت به بقوة و هو يرفعها بذراعيه و يتوجه بها إلى كوخه.
لم تشعر يوماً بحاجتها كما تحتاج دان الآن.
نسيت كل ما حولها و لم تعد تكترث بماضيه أو بسمعته، إنها تريده بالرغم من كل مساوئه و عيوبه، تريده لها في هذه اللحظة و في كل اللحظات...
فجأة طرق باب الكوخ بقوة، فانتفضت جيسيكا مذعورة. لكن دان سارع إلى وضع يده على فمها مانعاً إياها من الانفعال أو الصياح، فوجودهما معاً يعد أمراً منافياً لتقاليد المقاطعة، عدا عن أن كونهما معاً سيسبب حرجاً لمضيفهما الزعيم، خاصة و أن دان قد أبدى اعتراضاً على الزواج و قبول الهدية. رفعت يدها تحرر فمها من قبضته و هزت رأسها هامسة:
- لن أصيح، فأنا أدرك مغبة وجودنا معاً.
ربت دان على كتفها مبتسماً و صاح سائلاً:
- من هناك؟
أجابت الممرضة رافيل بنبرة مضطربة:
- أصيب الزعيم بحمى قوية، هلا أتيت في الحال يا دكتور ترافورد؟
- سألحق بك فوراً.
توردت وجنتا جيسيكا حياء و هي تسمع خطوات الممرضة تعود أدراجها إلى منزل الزعيم.
- إني آسف يا جيسيكا!
احتارت بما تفسر أسفه. فأجاب بنبرة يغلب عليها الحياء:
- الأفضل أن تذهب، و سألحق بك بعد دقائق.
غادر الكوخ على عجل، تاركاًجيسيكا ترتعش بالرغم من دفء المكان. و لما أيقنت أنه أغلق الباب، نهضت واقفة تفكر بما تفعله هنا.
ماذا كان مصيرها لو لم تأت الممرضة في تلك اللحظة؟ كانت ستصبح بكل بساطة ذكرى عابرة في إحدى صفحات مغامراته، أو فتاة مسكينة تجرر أذيال خطئها تائهة في هذا العالم. خرجت من كوخه كاللص تحاول الاختباء كلما سمعت صوتاً أو لمحت خيالاً، و توجهت مباشرة إلى منزل الزعيم.
منتديات ليلاس
رائحة الأدوية تملأ الغرفة، و النور الشاحب المنبعث من القنديل القديم يضفي على المكان جواً من الرهبة، فدخلت متفادية النظر إلى دان الذي بدوره لم يول وصولها أي اهتمام. بدا مختلفاً عما كان عليه منذ دقائق يضمها إليه و يهمس لها بكلمات عذبة، فقد عاد إلى رزانته يعاملها كطبيبة مساعدة لا أكثر، فنفذ أوامره و تعليماته. لن تعترض على تحوله المفاجئ، فهي بحاجة ماسة إلى ما يصرفها عن التفكير بما حصل في الكوخ. فتناولت الحقنة من يد دان و غرزتها في ذراع الزعيم يرقبان بقلق ردة فعله للدواء. بقيا قرب المريض حتى منتصف الليل حينما نهض دان عن مقعده و أمسك بيده يتفحص نبضه ثم علق بارتياح:
- بإمكاننا أن نرتاح الآن، فقد زال الخطر.
همست الممرضة مقترحة:
- سأبقى إلى جانبه لفترة ثم استدعي من يحل مكاني.
أومأ دان برأسه موافقاً و حمل حقيبته يحاول اللحاق بجيسيكا قبل أن تغيب عن ناظريه، و سار إلى جانبها صامتاً و كأنه فقد القدرة على النطق. تمنت لو يقول لها شيئاً، أي شيء يساعدها على التخلص من قلقها و خوفها، أن يتفوه بكلمة تطمئنها و تزيل الفتور القائم بينهما. لكنها لم تسمع سوى تحطم الاغصان اليابسة تحت أقدامهما تجرّح السكون المخيم على القرية باسرها.
وصلا إلى أمام كوخها فوقفت عند الباب و تمنت له ليلة هانئة. لكنه طوقها بذراعيه يحاول ضمها إليه، فدفعته عنها بهلع قائلة بنبرة حازمة:
- لا يا دان. ما حصل منذ ساعات كان غلطة لا أريدها أن تتكرر.
أمسك بكتفيها ضاغطاً بأنامله على جلدها الطري حتى كادت تصرخ من الألم:
- لم تكن غلطة يا جيسيكا. كنت تريدينني بقدر ما كنت أريدك.
- لا أنكر ذلك. كانت نزوة و لا أكثر و أنا نادمة على ذلك.
رفع يديه عنها بقوة فأوشكت أن تقع و سألها بحنق:
- هل أنت جادة في ما تقولين؟
في كلماته شيء من القلق المجبول بالصدق، لكنها لم تشأ المجازفة و اتكأت إلى الباب ترفع خصلات شعرها عن وجهها مجيبة بصوت متهدج:
- أجل... إني أعني ما أقول.
بقي صامتاً للحظات كبركان يستعد للانفجار، ثم علا صوته متوعدا:
- في هذه الحالة، لا أرى داعياً لخوفك مني بعد الآن فأنا لن ألمسك ثانية.
أثارت كلماته القشعريرة في جسمها و كأنها كتل من الجليد اخترقت أعماقها، و راقبته يبتعد عنها بخطوات ثابتة و الألم يحز في نفسها.
هجر الكرى عينيها تلك الليلة فراحت تتقلب في فراشها مستسلمة لدوامة من الأفكار، تراجع ما مر عليها طوال اليوم. منذ بدء رقصة الدومبا و اللحن المثير الذي سرى في عروقها، لا تعي سوى حاجتها إلى حب رجل تدرك كل الادراك أنه سيتخلى عنها فور نيل مأربه منها. حاولت منذ البداية أن تنظر إليه كطبيب فقط و ليس كرجل قادر على إغواء أية امرأة، لكنها اكتشفت استحالة تجاهل تأثيره إلى الأبد، فهو رجل يصعب تجنبه لما يتمتع به من رجولة و قوة. انه يتمتع بمقدرة هائلة على تحريك مشاعرها و أثارتها، و قد أثبت هذا منذ لقائهما الأول، فوجدت نفسها في وسط التيار الجارف تقاوم شيئاً أقوى منها بكثير. أحبته بسرعة و بسهولة و تركته يقلب حياتها رأساً على عقب.
أمر واحد يغيظها و يقلقها في آن، و هو حياؤها الشديد منه. أحست بجدار خفي يفصلها عنه و يبقيه لغزاً غامضاً. لا تنكر أنه كان لطيفاً معها، لكن لطافته ليست سوى وسيلة للوصول إلى مبتغاه فهو ليس من الذين يتوسلون القوة و العنف لنيل مآربهم.
أحست بضياع رهيب عاجزة عن تفسير أحاسيسها، فلجأت إلى البكاء تدفن بدموعها سخطاً هائلاً على نفسها و ألماً مبرحاً يفجر أعماقها. و للمرة الأولى منذ سنوات تبكي لتنام، و لكن حتى النوم لم يخفف من وجعها. فصورة دان غزت أحلامها و رأت نفسها جاثية أمامه متوسلة حنانه و حبه و هو يضحك ساخراً منها يرفسها برجله بتعجرف و سطوة.
استيقظت في الصباح الباكر على تغريد الطيور و الدموع تبلل وجنتيها، ففتحت نافذة الكوخ ترحب بدفء الشمس يلفح وجهها بعد ليلة من العذاب و القهر.
ارتدت ثيابها بسرعة و وقفت أمام المرآة تتأمل وجهها الشاحب و عينيها اللتين اذبلهما الحزن. ثم تناولت حقيبتها الطبية و اتجهت إلى منزل الزعيم سدريك.
الفصل التاسع

9- ما قامت به لا يغتفر أبداً. و هي في قرارة نفسها لم تقصد أن تؤذيه. لكن خوفها منه أعمى بصيرتها. هل يكتفي بالاعتذار؟


شقت جيسيكا طريقها وسط الحشد الهائل من القرويين الذين تجمهروا أمام منزل زعيمهم يتسقطون الأخبار عن صحته بقلق ووجوم. و اضطرت للتوقف مراراً لتجيب على أسئلتهم من غير أن تسدي إليهم خدمة تذكر، فهي لا تفهم حرفاً مما يقولون. وصلت إلى المنزل شبه منهارة و سارعت إلى إغلاق الباب خلفها، تجاهد في منع الفضوليين من اقتحام الغرفة.
كان دان جالساً إلى جانب الزعيم و قد انتهى للتو من معاينته، فلم يلتفت إليها حينما دخلت، و لم يعرها أدنى اهتماما و هي تستوضح حالة المريض. اكتفى بأجوبة مقتضبة فظة متفادياً الخوض في التفاصيل، فلزمت الصمت و جلست قرب الممرضة تترقب بشوق ساعة العودة لمنزلها في لويزفيل. لا حاجة لبقائها هنا بعد اليوم، فصحة الزعيم في تحسن و يمكن أن يعهد الاعتناء به إلى الآنسة رافيل.
وقف دان و كأنه أدرك ما يجول في خلدها و خاطب الممرضة:
- زال الخطر كلياً و من الآن سيكون في عهدتك. سأطمئن الأهالي.
واجه في الخارج عشرات العيون الحائرة تمطره بنظرات قلقة، فطلب من باتريك أن يطمئنهم على صحة زعيمهم و زوال الخطر عنه. و بعد لحظات علت صيحات المتجمهرين و تقدم منه شيخ جليل متكلماً باسم الباقين و طلب منه و من جيسيكا مشاركة أهل القرية الافطار، فقبل دان الدعوة شاكراً.
بعد الفطور حزم الطبيبان حقيبتيهما و عرجا على خيمة الزعيم مرة أخرى لتوديعه قبل عودتهما إلى لويزفيل.
لفت انتباههما و هما يقتربان من الخيمة، صخب شديد في الاسطبل المجاور و صيحات الرعاة تدوي في كل مكان. و على بعد عدة أمتار من الاسطبل وقف باتريك يراقب ما يحدث مصدراً بين الحين و الآخر أوامره.
كل ما يحدث كان لغزاً بالنسبة إلى جيسيكا و لكن ما ان دخلا الخيمة حتى أدركت سبب الضجة بعد أن بادرهما الزعيم العليل قائلاً:
- لقد اختار أخي نخبة قطعاننا، أريدك أن تختار منها عشرة رؤوس مقابل ما بذلته من جهد لانقاذي. و لا تنسَ يا دكتور أن تجد لنفسك عروساً.
اختلفت وقع عبارته هذه المرة على جيسيكا، فالغبطة التي أحستها المرة الأولى حلت مكانها غصة خانقة بعد تصرف دان معها ليلة البارحة. حتى دان بدا منزعجاً من ملاحظة الزعيم عاتذر بنبرة مهذبة:
- أقدر لك اهتمامك بموضوع زواجي أيها الزعيم، أما الماشية فاعذرني عن عدم قبولها لجهلي أمور تربيتها و الاعتناء بها. و عن بدل الأتعاب فأنا أترك مناقشة ذلك لشريكتي.
لم يعلق الزعيم على رد دان مكتفياً بالابتسام، و صفق مرتين هرولت على الأثر زوجته و كأنها كانت تنتظر اشارته، حاملة علبة كبيرة وضعتها أمام زوجها و جثت على الأرض قرب فراشه.
راقبته جيسيكا بفضول و هو يحل رباط العلبة و يخرج منها جلد أفعى، و ازدادت عيناها اتساعاً حين مد يديه المرتجفتين إليها قائلاً:
- أفعى الدومبا تجلب الخير و الحظ. انها تساعد على انجاب ذرية جيدة.
توردت وجنتاها و ازداد ارتعاشها عندما لاحظت نظرات دان المسلطة عليها، فأجابت بصوت متهدج:
- لست متزوجة أيها الزعيم.
عاود الرجل المريض الابتسام و هتف:
- لا أهمية لذلك، فالرجل أيها الطبيبة يشبه أفعى الدومبا عندما يتهيأ للبحث عن عروس. و يزداد شراسة و نهماً كلما تمعن في البحث، و لا يترك لفريسته أية فرصة للهرب حينما يضرب ضربته.
لم يبد على جيسيكا أنها فهمت ما يقوله فرفع يده مودعاً:
- بأمان الله يا دكتور ترافورد و دكتورة نيل، سيرافقكما أخي إلى المطار.
جلسا في المقعد الخلفي لسيارة باتريك السوداء الكبيرة و نظر دان إلى الهدية في حضنها معلقاً:
- لقد أحسنوا اكرامك، فجلد الأفعى هذا لا يقدمونه سوى في المناسبات النادرة، و للأشخاص المميزين.
شعت عيناه القاتمتان ببريق اعتادت ملاحظته كلما حاول أن يسخر منها، فحولت نظرها عنه بانزعاج و قد عاودتها فجأة ذكرى الليلة الماضية، و تأججت نارها في فكرها من جديد تلسعها و تؤلمها. ستحتاج إلى بعض الوقت لتنسى خجلها بعد السماح له بالتمادي في تصرفاته معها.
لم تكن رحلتهما في الطائرة إلى لويزفيل مريحة كما تمنت جيسيكا أن تكون. فالطقس الغائم جعل الرؤية شبه معدومة، و تسبب في مطبات هوائية بذلت جيسيكا جهداً كبيراً لتفاديها.
- ما الذي دفعك لتعلم الطيران؟
- رافقت أخي مرة في تمارينه و أعجبتني الفكرة.
- هل تحتفظين بمفاجآت أخرى غير إجادتك الطيران؟
أقلعت جيسيكا عن التحديق في ساعات القيادة مبتسمة:
- لا أعتقد.
حطت الطائرة في المدرج المخصص لها في جو ممطر و عاصف اكتنزت فيه السماء بغيوم سوداء ثقيلة، يشق احشاءها بين الحين و الآخر لمعان برق كألسنة اللهب يصحبه رعد مخيف.
وصلت جيسيكا إلى سيارتها و قد بللها المطر من رأسها حتى أخمص قدميها، فجلست خلف المقود تنشف شعرها و يديها. و بعد لحظات وصل برنارد بشاحنة صغيرة و ترجل منها متوجها نحو سيارة دان ثم عاد أدراجه إلى الشاحنة مشيراً لهما، فقيادة السيارة في جو عاصف كهذا و في شوارع تملؤها السيول و الوحول، يعد ضرباً من الجنون. سار الثلاثة على مهل في شوارع المدينة العابقة بالضباب و قد تحولت الى بحيرات من شدة غزارة المطر المنهمر، و رافقهما برنارد حتى مشارف لويزفيل حيث أطلق منبه شاحنته عدة مرات مودعاً و قفل راجعاً من حيث أتى. فأكملا طريقهما كل في سيارته إلى أن وصلت إلى منزلها فاستسلمت لحمام ساخن كان أفضل ما حصلت عليه هذا الصباح.
و انتظرت حتى هدأت العاصفة ثم توجهت إلى العيادة حيث كان الدكتور اوبريان في انتظار سماع أخبار الزعيم سدريك.
تنبهت جيسيكا خلال رحلتها إلى مقاطعة فندا إلى وجوب تجديد رخصة الطيران، فعملت، في الأسبوع الذي تلا عودتها إلى لويزفيل، على تحضير ملفها الطبي و ضمنته كل ما تحتاجه من مستندات و أوراق و قدمته إلى بيتر أثناء تناولهما الغداء في العيادة.
- لا ينقصه سوى توقيعك يا دكتور اوبريان قبل أن أقدمه للدوائر المختصة.
ابتسم بيتر و هو يقطع شريحة اللحم في طبقه:
- لن يستغرق الأمر طويلاً.
- عظيم، فبودي أن أعاود ممارسة هوايتي المفضلة.
قطع عليهما حديثهما هدير شاحنة و جلبة قوية في الشارع أمام المبنى، فنهض بيتر عن مقعده هاتفاً بحدة:
- ما هذه الضوضاء المزعجة؟
و هرول الاثنان إلى النافذة المطلة على الطريق ليقع نظرهما على شاحنة ضخمة متوقفة أمام مدخل المبنى، محملة بعدة رؤوس من الماشية تتناحر و تتدافع في الصندوق الحديدي.
- ماذا تفعل شاحنة كهذه في وسط المدينة؟
بدأ الشك يساور جيسيكا، لكنها أحجمت عن ذكر شيء أمام بيتر و هو يحاول بانفعال ظاهر فتح النافذة.
- أنا متأكدة من أن الممرضة هانسن ستتدبر الأمر بسرعة.
- لا يبدو أنها تلقى نجاحاً في مسعاها، فالسائق مصرّ على البقاء في مكانه.
- من الأفضل أن نذهب و نتحرى الأمر.
انضما خلال ثوان إلى الممرضة الحانقة و بادرها بيتر سائلاً:
- هل تواجهين متاعب يا آنسة هانسن؟
- أعتقد أن الدكتور ترافورد يواجه مشكلة، فهذا الرجل يدّعي بأنه من قبل الزعيم سيدريك الذي أوكل إليه مهمة تسليم هذه الماشية إلى الدكتور ترافورد مقابل انقاذ حياته.
تمتم الدكتور اوبريان محاولاً كبت انفعاله:
- حسناً، من الأفضل أن نطلب من دان الحضور إلى هنا.
ابتسمت الممرضة بمكر:
- سأقوم بذلك في الحال يا دكتور اوبريان.
نظر بيتر إلى حمولة الشاحنة ثم التفت إلى جيسيكا سائلاً:
- أتعرفين شيئاً عن هذا الأمر؟
لم تقو على تمالك نفسها فانفجرت ضاحكة:
- طلب الزعيم من دان أن يختار بنفسه هديته من الماشية، لكن دان حاول التهرب من ذلك. كما أصر الزعيم سدريك على أن يبتاع دان لنفسه عروساً بهذا القطيع.
شاركها بيتر الضحك لكنه أقلع فجأة عندما لمح دان قادماً:
- يا له من طلب غريب! ها قد أتى دان.
ألقى الدكتور ترافورد نظرة سريعة على الشاحنة مستوضحاً:
- ما المشكلة دكتور اوبريان؟
- لا مشكلة البتة يا دان، كل ما في الأمر أن ملكية هذه الحيوانات الثائرة تعود إليك.
جاهدت جيسيكا في كبت ضحكتها و هي تشهد تبدل ملامح دان هاتفاً:
- ماذا؟
- من الواضح أن الزعيم سدريك يعتبر أن الوقت حان لتجد لنفسك عروساً.
للمرة الأولى تشهد جيسيكا دان في هذه الحالة من الارتباك و الاحراج، فلزم الصمت و قد خانته الكلمات و عقدت المفاجأة لسانه. ثم التفت نحوها و كأنه أدرك المصدر الذي استقى منه الدكتور اوبريان معلوماته عن العروس و القطيع، فأشاحت بوجهها تتظاهر بالنظر إلى سائق الشاحنة و قد اشعل سيكارة غير مكترث بما يدور بينهم من نقاش، فكل ما يهمه هو تنفيذ أوامر زعيمه و السهر على اتمام مشيئته.
سأل بيتر بهدوء و جدية:
- هل أطلب من السائق إيصال الماشية إلى منزلك؟
انتفض دان بغضب كمن مسه تيار كهربائي:
- تعلم كل العلم أنه من المستحيل أن احتمل هذه الماشية و هي تتجول في حديقتي.
تدخلت جيسيكا مقترحة بنبرة ساخرة:
- بامكانك ارسالها إلى أهل صديقتك في جنوب أفريقيا.
صاح دان و الشرر يتطاير من عينيه:
- ياللعنة! لا أريد زوجة و عندما أقرر الزواج فلن أبتاعها بقطيع من البقر.
استعاد بيتر رصانته موجهاً كلامه إلى دان:
- يجب أن تقرر ما ستفعله بها يا دان، فلا أظن أن الأبقار المسكينة ستقوى على تحمل تلك الحالة المزرية وقتا أطول.
- بصراحة لا أحفل البتة بما قد يصيبها في هذه الشاحنة اللعينة.
أيقنت جيسيكا أن فرصة الثأر من دان و نظراته الساخرة قد حانت، فعلقت بنبرة هازئة متعمدة التحديق في عينيه الثائرتين:
- تصرفك لا يليق بهذه الهدية الجميلة يا دان، عدا عن أن رفضك يعتبراهانة للزعيم سدريك.
- ان كنت معجبة بها يا دكتورة، فلماذا لا تهتمين بها بنفسك؟
لم تقدر جيسيكا على كبت ضحكة قصيرة زادت من جنون دان:
- الرجل هو الذي يقدم المهر إلى المرأة التي يختارها و ليس العكس. أنسيت قانون القبيلة يا دكتور ترافورد؟
شعر بيتر بأن النقاش سيتحول إلى مشادة حقيقية فتدخل محاولاً تهدئة شريكه:
- لدي اقتراح يا دان، دع السائق يفرغ حمولته في السهل لترعى و ترتاح، و سأطلب من برنارد أن يأخذها في ما بعد إلى مزرعته و يبقيها هناك إلى أن تقرر ما ستفعله بها.
هتفت جيسيكا موافقة:
- فكرة ممتازة، لكن هل ستلقى معاملة جيدة مع وجود قطيع برنارد في الجوار؟
التفت بيتر إلى دان يطمئنه و يحول دونه و الاجابة:
- سأطلب من برنارد الاهتمام بها كاهتمامه بقطيعه.
- شكراً دكتور اوبريان.

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
قديم 03-10-08, 07:07 AM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

تطلع بيتر إلى الممرضة قائلاً بلهجة آمرة:
- آنسة هانسن، أرشدي هذا الرجل إلى السهل بينما اتصل أنا ببرنارد.
أطاعت الممرضة الأمر فورا وتوجهت إلى حيث يجلس السائق و راحت تشرح له بلغته الخاصة ما سيفعله بالماشية.
أمسك بيتر بذراع جيسيكا متوجهين نحو العيادة:
- تعالي يا جيسيكا، سأخابر برنارد و بعدها ننتهي من ملفك.
توجه الدكتور اوبريان إلى مكتب الآنسة هانسن لاجراء المخابرة بينما جلست جيسيكا في عيادته تعيد تصفح ملفها.
فجأة سمعت باب الغرفة خلفها يفتح فالتفتت ظانة أن الداخل هو بيتر نفسه، لكن الابتسامة الناعمة المرتسمة على ثغرها تلاشت عندما وجدت نفسها تواجه دان. عقدت الدهشة لسانها فلم تقو على الكلام و هي تراقبه يغلق الباب خلفه و يدس المفتاح في جيبه. ظنت أنها تتخيل فصاحت بصوت يشبه الحشرجة:
- ماذا تفعل هنا؟
سار دان بخطى بطيئة ناحية المكتب و راح يتفحص الأوراق المكدسة، ثم قال:
- تلقى بيتر مكالمة طارئة من المستشفى و طلب مني اتمام ملف اجازة الطيران بنفسي.
- ماذا؟
- عندما أريد أن أعيان أحداً فأفضل أن يكون عملي كاملاً.
شبكت يديها خلف ظهرها و قالت بحزم:
- لن يحدث هذا أبداً.
تلاقت نظراتهما لثوان و أحست بعينيه الرماديتين توشكان على الانقضاض عليها، و هو يتقدم منها مبتسماً ابتسامة غريبة لم تلحظها من قبل.
نهضت عن مقعدها مذعورة، و تراجعت نحو الباب بخطى متعثرة و يداها على وجنتيها الملتهبتين:
- إذا تجرأت على لمسي فسأملأ المكان صياحاً.
ابتسم مجدداً و ازدادت عيناه لمعاناً:
- أصرخي ما استطعت، فالآنسة هانسن ذهبت لتناول الغداء (و أشار باصبعه إلى باب الغرفة خلفها مردفاً) عدا عن أني أقفلت ذلك الباب و المفتاح في جيبي.
تراخت يداها و تحول لون وجنتيها القرمزي إلى أصفر شاحب:
- يا لك من ماكر نذل.
هتف بتململ:
- إنك تسببين لي الضجر يا جيسيكا. هيا.
لم تخشه كما الآن. و قد تحولت إلى هدف سهل لعينيه تجوبانها من رأسها إلى أخمص قدميها بنهم و وقاحة. شعرت بجفاف هائل في حلقها، و عاد الدم يلهب وجنتيها فالتصقت بالباب صائحة:
- حسناً يا دان، لقد ثأرت لنفسك. أعترف أني أخطأت بالهزء منك و انت تتلقى هدية الزعيم. و أعترف أني أخبرت بيتر عن مغزى الهدية. لقد أخطأت و انت الآن تحاسبني على خطئي، و أظن أننا تعادلنا. أليس كذلك؟
بدا و كأنه لم يسمع حرفاً مما قالت و خطا نحوها مردداً بنبرة باردة:
- يبدو أنك حقاً تريدينني أن أعاينك بطريقتي.
ما ان أصبح قربها و هم بمد يده إليها، حتى رفعت ذراعها و صفعته على وجهه صفعة تردد صداها في انحاء الغرفة. تسمرت في مكانها تحدق به بعينين ضائعتين، و حاولت الكلام لكنها بدت عاجزة عن فعل أي شيء. ما قامت به لا يغتفر أبداً، و هي في قرارة نفسها لم تقصد صفعه. لكن خوفها منه دفعها إلى ذلك بعد أن أعمى بصيرتها.
اشتعلت عيناه و قد هاله ما فعلت، فأمسك بها ضاغطاً بأنامله على كتفيها و صائحاً كبركان ثائر يقذف حممه في كل اتجاه:
- أقسم ألا ألمسك بعد الآن، لكن عليّ اللعنة إن لم أجعلك تدفعين ثمن ما فعلته.
فجأة، دفعها بقسوة بعيداُ عنه، فاستندت إلى أحد المقاعد مغمضة العينين فريسة الدوار و الارتعاش، و سار إلى الباب يفتحه على مصراعيه قائلاً بنبرة متوعدة:
- بإمكانك الذهاب يا دكتورة، لقد تعادلنا الآن.
لم تصدق للوهلة الأولى أنه جاد في كلامه، فبقيت للحظات ثم هرعت نحو الباب تتحقق من فتحه و خرجت لا تلوى على شيء، تحمل إلى منزلها زوبعة من القلق و الاضطراب و دموعاً سخية تبلل وجنتيها.
من الواضح أنه لم يستسغ سخريتها منه أمام بيتر و الممرضة، فثأر منها في العيادة و لابد أنها تمادت في هزئها حتى استحقت هذا العقاب. ربما لو تقبلت ردة فعله ببرودة لما كان حصل كل هذا، لكن الهلع تملكها و شبح ليلة الكوخ غشى عينيها ففقدت صوابها. تعلم جيداً أنه لن يسكت عن فعلتها و لو كانت ناجمة عن خوف. إنها تدين له بالاعتذار، و لكن هل يكتفي بالاعتذار و ينسى ما حدث، هل يمحو أسفها آثار أناملها عن وجهه؟
في مساء اليوم التالي كانت جيسيكا تستريح في عيادتها، بعد نهار حافل بالمعاينات و المرضى، عندما دخل بيتر حاملاً ملفها الطبي.
- جيسيكا بخصوص ملفك الطبي، هل...
قاطعته جيسيكا معاتبة:
- لماذا طلبت من دان الاهتمام به يا بيتر؟
- لم أطلب شيئاً من أحد. سألته أن يخبرك عن اضطراري للذهاب إلى المستشفى و أني سأنهي الملف اليوم بعد الظهر.
- هكذا إذن.
لمعت عيناه ببريق ماكر يسألها:
- هل احتال عليك؟
- يبدو أنه لم يحتمل سخريتي فأراد أن يثأر مني...
- و هل أفلح في ذلك؟
- لا وجود للفشل في قاموس هذا الرجل.
غادر بيتر بعد أن وضع الملف على الطاولة، بينما خلعت جيسيكا سترتها البيضاء و تناولت حقيبتها متجهة إلى عيادة دان، حيث وقفت برهة تستجمع قواها قبل أن تقرع الباب و تدخل.
كان دان يرتدي سترته و يتهيأ للرحيل حين ظهرت أمام الباب:
- هل من خدمة أؤديها لك؟
أجابت بكلمات سريعة قبل أن تفقد هدوءها:
- تعلم كل العلم أني هنا لأعتذر عن الصفعة.
- لا تكوني سخيفة يا جيسيكا. فأنا أعلم انك استمتعت بها.
- و أنت هل وجدت متعة في العقاب؟
- أجل في حينه (و أردف مبتسماً) لقد استحقيت عقابك أما الآن فأنت تستحقين شيئاً أفضل.
قبل أن تدرك نواياه سارع إلى إغلاق الباب و وجدت تفسها أسيرة عناقه. المقاومة كانت آخر ما فكرت فيه بعد أن واجهها بطريقة تختلف عن المرة السابقة. لكن ما أن مضت لحظة، حتى انتفضت بين ذراعيه و تراجعت متمتمة بعبارات متقطعة:
- لا... لا تفعل...
لم يعترض دان على تراجعها بل لزم مكانه مستوضحاً بوجه عابس:
- مما تخافين هذه المرة يا جيسيكا؟ من نفسك؟
و حمل حقيبته و مضى من غير أن يفسح لها المجال للاجابة. لقد ذكر الخوف قبل أن يرحل و ما أدراه عن مقداره في نفسها؟ انه يعلم فقط حقيقة الهلع الذي سببه لها البارحة، لكنه يجهل حجم الخوف الذي تثيره أحاسيسها في نفسها.
بعد اسبوعين، وصل والدا جيسيكا لتمضية عطلة الاسبوع معها، حاملين أوراق التبني اللازمة التي على بيتر و فيفيان توقيعها لدى المحكمة في لويزفيل.
و في نفس الليلة، أقيمت حفلة خاصة في منزل آل اوبريان، احتفاء بقدوم جوناثان و زوجته، ضمت عشرات المدعوين تحلقوا حول حوض السباحة في الحديقة، و من بينهم أوم هايني، و العمة ماريا دلبورت و برنارد و أوليفيا كينغ...
جلست جيسيكا إلى جانب أوليفيا تحدثها و تداعب الطفل الجالس في حضنها، عندما رأت دان يدخل الحديقة و يتوجه مباشرة إلى حيث يجلس بيتر.
تمنت لو لم يأت الليلة، فهي على يقين أنه سيفسد عليها الحفلة و يحرجها أمام أهلها و المدعوين، فلزمت مكانها تراقبه من بعيد ينضم إلى والديها بعد أن قدمه بيتر إليهما.
لم يستغرق دان وقتاً طويلاً حتى يحوز على اعجاب السيدة نيل و زوجها، بأناقته المعهودة و سحره المتألق. فزالت الكلفة بسرعة بين الثلاثة يتسامرون و يضحكون. ثم انسحب بيتر متوجهاً إلى وسط الحديقة ممسكاً بيد ميجان و هتف بالحاضرين قائلاً:
- أسألكم جميعاً الترحيب بابنتنا ميجان اوبريان، التي يسعدنا كثيراً أن تنضم إلى عائلتنا. أشكركم جميعاً على مشاركتنا فرحتنا.
علت عبارات الترحيب من كل صوب و دارت ميجان مع والديها بين الحاضرين للتعارف، و عند وصولهم إلى حيث تجلس جيسيكا رفع بيتر يده طالباً من الحاضرين الاصغاء:
- كلمة أخرى أود إضافتها. شكر خاص للدكتورة نيل التي ندين لها بكل ما نتمتع به من سعادة.
وقفت جيسيكا و قد تورد وجنتاها خجلاً و هي تسمع صيحات الموجودين تعلو من جديد مرحبة بها و أنظارهم مسلطة عليها. تلاقت عيناها و عينا دان الواقف في الطرف الآخر للحديقة يراقب المشهد، فلوح لها بيده و الابتسامة تعلو وجهه. لم تتمكن من ملاحظة تعابير وجهه، لكنها على ثقة بأنها تعابير هزء و سخرية كالعادة، فعادت إلى مقعدها بقرب أوليفيا تلاعب الطفل في محاولة لخنق شعور بالاضطراب ساورها فجأة.
- أشكرك بدوري يا جيسيكا على ما قمت به لسكان هذه المدينة.
- لا اظن أني فعلت ما يستحق كل هذا يا أوليفيا.
همست العمة ماريا مقاطعة:
- حان الوقت لتجدي لنفسك عريساً يا حلوتي. ستبدوان رائعين أنت و طفلك.
أيدت اوليفيا قول العجوز هاتفة:
- العمة على حق يا جيسيكا. أنت تعشقين الأطفال فلا تضيعي وقتك، و ابدئي بالاهتمام جدياً بفكرة الزواج.
- عليّ أن أجد الزوج المناسب أولاً.
أنفرجت أسارير العمة ماريا و قالت بلهجة ماكرة:
- ما رأيك بدان؟ سبق و قلت لك أنه زوج مثالي.
تنبهت أوليفيا إلى أن المحادثة بدأت تتطرق إلى أمور شخصية بحتة، فالتفتت إلى العجوز مقترحة:
- علينا ألا نستعجل الأمور يا عمة، فجيسيكا ستجد الرجل المناسب في الوقت المناسب.
نظرت جيسيكا إليها شاكرة و ناولتها الطفل قائلة:
- من الأفضل أن تأخذي لوغان. أريد أن أتحدث قليلاً إلى ميجان.
توجهت إلى مكان ميجان و فرانسين، و اضطرت في طريقها للمرور بقرب دان الواقف مع مجموعة من الرجال مديراً لها ظهره يستمع إلى برنارد يتحدث عن الصيد. و ما أن باتت خلفه مباشرة حتى استدار ناحيتها يبتسم لها، و تلاقت نظراتهما للحظات طويلة قبل أن تتمكن بعد جهد من الافلات من سطوتها و متابعة طريقها.
- مرحباً أيتها الجميلتان. كيف حال ميجان اوبريان؟
لمعت عينا ميجان مجيبة بزهو كبير:
- إني سعيدة جدا يا دكتورة نيل وبت واثقة الآن من أني لن أغادر هذا المكان أبداً.
التفتت جيسيكا إلى ابنة برنارد سائلة:
- ما رأيك يا فرانسين؟
ابتسمت الصغيرة ابتسامة عريضة كشفت عن أسنان ناصعة:
- رائع أن يكون لي ابنة خال. و خلال العطلة القادمة سأعلمها ركوب الخيل.
- لا شك في أنكما ستمضيان وقتاً ممتعاً.
قفزت ميجان إلى حضن جيسيكا هاتفة:
- سيكون نهاراً عظيماً.
علا صوت دان خلف جيسيكا سائلاً:
- أي نهار هذا يا ميجان؟
جاهدت جيسيكا في الحفاظ على هدوئها و هي تلتفت لمواجهة الزائر الجديد، بينما أجابت ميجان و الابتسامة لم تفارق شفتيها:
- اليوم الذي ستعلمني فيه فرانسين ركوب الخيل.
جثا دان أمام فرانسين يستوضح باهتمام:
- هل تجيدين ركوب الخيل يا فرانسين؟
- أجل دكتور، لقد دربني والدي و هو فارس ماهر.
طوقت ميجان عنق جيسيكا بيديها تسألها بدلال:
- هل تركبين الخيل يا دكتورة جيسيكا؟
- لا يا عزيزتي.
تدخلت فرانسين قائلة:
- و أوليفيا لا تركب الخيل أيضاً، فقد سقطت يوما عن صهوة جواد. يقول والدي أن على من لا يحبذ ركوب الخيل أن يبقى بعيدا عنها، فهي حساسة جداً.
نظر دان إلى جيسيكا معلقاً بسخرية:
- و هناك أيضاً أشخاص حساسون للغاية، و في الواقع أنا أعرف واحداً منهم يخجل من الحقيقة إلى درجة كبيرة.
و مدّ ذراعه تستلقي حول خصرها فانتفضت مبتعدة عنه.
- أرجو المعذرة، أظن فيفيان تود التحدث إلي.
أفلحت في التخلص من ذراعه لكنها بقيت هدفاً لنظراته الساخرة و هي تجتاز الحديقة.
بادرتها السيدة اوبريان قائلة:
- أريد التحدث إليك على انفراد منذ وصول والدك البارحة مع أوراق التبني. نود أن نشكرك على ما فعلته لأجلنا و في الحقيقة لا أدري من أين أبدأ.
- لا تقولي شيئاً يا فيفيان. يهمني أن أراك سعيدة.
- آه، إننا سعداء، سعداء جدا.
- إذن هذا يكفيني.
جففت السيدة اوبريان دموعها مبتسمة بحنان:
- بما أننا نتكلم عن السعادة، فقد لاحظت أن دان يبدو مكتئباً هذه الأيام. هل تعتقدين أنه يواجه مشاكل مع تلك السيدة من بريتوريا؟
تصنعت جيسيكا اللامبالاة مشيحة بوجهها إلى البعيد:
- لا أدري يا عزيزتي.
- ليست مفاجأة أن يقع أخيراً في غرامها، و ستؤدي له خدمة كبيرة إن تخلفت عنه بعد ذلك.
شعرت جيسيكا بالغيرة تمزقها، انه ما زال يقابل سيلفيا سامرز. و حاولت اقناع نفسها بنسيان الأمر، لكن السؤال راح يكبر في رأسها حتى كاد يتحول إلى صراخ.
طوال السهرة، تجنبت جيسيكا قدر المستطاع التحدث إلى دان مكتفية بالنظر إليه بين الحين و الآخر يتحدث إلى والديها. واضح أنه حظي باعجابهما فقد امضيا السهرة بأكملها يستمعان إليه. و تجاهلت عدة مرات اشارة والدتها لها بالانضمام إليهم مفضلة البقاء بعيدة وحيدة مع هواجسها و تساؤلاتها...
الفصل العاشر

10-" قد تدوم علاقتكما سنة أو سنتين و بعدها تتحولين إلى صفحة بالية في دفتر ذكرياته. و تقييده بسلاسل الزواج يحتاج إلى امرأة خارقة تعرفه حق المعرفة."
منتديات ليلاس

فاجأ جوناثان نيل ابنته بالسؤال و هي تهم باشعال النور في غرفة الجلوس:
- ألا توافقينني الرأي بأن دان ترافورد شاب لطيف و ذكي؟
قاطعتهما إيميليا بحماس ممعنة النظر في جيسيكا:
- إني أراه جذاباً أيضاً، و قد دعوته لتناول العشاء غداً مساءً.
هتفت جيسيكا باستياء واضح:
- أماه! لماذا؟
فوجئت الوالدة بردة فعل ابنتها:
- لا أرى مبرراً لاستيائك يا جيسيكا.
- هل قبل الدعوة؟
- بكل سرور. في الحقيقة يا جيسيكا لا أدري كيف أفسر موقفك منه. فهو بهي الطلعة، جذاب و يملك من الرجولة قدراً يستحيل عليك تجاهله أو معاملته كواحد من مرضاك. لا امرأة، و حتى أنت تستطيع النظر إليه من غير أن تشعر بشيء غريب في داخلها.
كانت لتجد تعزية و راحة في قول أمها، لو أنها لم تلق من دان تلك الصدمات المتتالية فأجابت بعصبية:
- أنت محقة في ما ذكرت. لكن...
- لكن ماذا؟
تنهدت جيسيكا و الغصة تكاد تخنقها:
- كل ما في الأمر، أننا لا نتفق في أمور كثيرة.
- و لم لا يا ابنتي؟
انضم الوالد إلى النقاش قائلاً:
- ربما هناك تفسير كيميائي، فكل مركبين عند وضعهما معاً يتجاوبان أو يتباعدان.
حدجت إيميليا زوجها بنظرة ثاقبة معلقة:
- كنت دائماً امقت نظرياتك العلمية، أما الآن فأجدها مناسبة و منطقية.
لاحظ الأب صمت ابنته و ارتباكها فتقدم من زوجته مقترحاً:
- لنوقف هذا التحقيق الآن، فالوقت متأخر و جميعنا متعبون.
همت إميليا بالاعتراض، لكن جيسيكا تمنت لهما ليلة هادئة و توجهت إلى غرفة نومها.
أبت عيناها الاستسلام للرقاد طوال الليل فبقيت تصارع الأرق من غير حدوى. دعوة دان إلى العشاء تشغل فكرها و تقلقها. قد يخطئ بكلمة أو بحركة أمام والديها و تقع الطامة الكبرى.
في الصباح، لزمت فراشها إلى أن سمعت جلبة في الطابق الأسفل، فأيقنت أن والديها استيقظا، فتحاملت على نفسها بالرغم من تعبها و انضمت إليهما لتناول الافطار.
وقفت جيسيكا و والدتها في المطبخ تضعان اللمسات الأخيرة على اطباق الطعام قبل نقلها إلى الطاولة، عندما طرق الباب الخارجي، فوضعت إميليا ما في يديها و هتفت بحماس كلي:
- لا شك في أنه دان.
تمتمت الابنة متصنعة اللامبالاة:
- أظن ذلك.
- حسناً ألن تبادري إلى استقباله؟
- والدي في غرفة الجلوس و سيفتح له الباب.
ضاقت إيمليا ذرعاً بعناد ابنتها فصاحت بسخط:
- يمكنك على الأقل إلقاء التحية.
تهادى صوت جوناثان مرحباً:
- أهلاً دان، تفضل بالدخول.
- أرجو أن لا أكون قد بكرت في الحضور.
- أبداً، النساء في المطبخ و أنا أكره الجلوس بمفردي.
توجها إلى غرفة الجلوس، في حين أصلحت إيميليا هندامها و قالت قبل أن تغادر المطبخ:
- إذا كنت قد نسيت اللياقة و حسن الضيافة، فأنا لم أنسها.
بقيت جيسيكا وحيدة تحاول تهدئة نفسها قبل مواجهتها دان أمام والديها. حاولت التنصت إلى ما يدور بينهم في الغرفة الأخرى، فلم تسمع سوى قهقهات و همسات غير واضحة ضاعفت من ارتباكها، فتمنت فجأة لو أن السهرة في نهايتها فيضطر دان إلى الرحيل قبل أن تقابله.
عادت إلى العمل علها تنسى الضيف الذي جاء يقلق راحتها، و لكنها فوجئت بدان يدخل المطبخ بهدوء و يقف قبالتها قائلاً:
- لا أظنك تمانعين بالانضمام إلينا.
كادت تطيح بالأطباق من شدة اضطرابها فاستندت إلى حافة الطاولة متمتمة:
- لا أبداً، لكني منهمكة ببعض الأعمال هنا.
- أظن أن دعوتي إلى العشاء لم ترق لك.
أدركت أنه لاحظ اضطرابها، و بات من المستحيل اخفاء حقيقة شعورها:
- أصبت في ظنك.
- لماذا يا جيسيكا؟
- صحيح أننا نعمل معاً و لكن هذا لا يجبرنا على المشاركة في الحياة الاجتماعية.
تقطب وجهه فجأة و رمقها بنظرة تحد قائلاً:
- يبدو أنك لا تحبين كشف أوراقك كاملة.
- هذا ينطبق عليك أيضاً.
- هذا صحيح، فأنا أحب الاحتفاظ ببعض السرية و خاصة الممتع منها، كالليلة الرائعة التي قضيناها في أحد أكواخ الزعيم سدريك مثلاً.
أغاظتها طريقته في الكلام عن تلك الامسية المشؤومة، فعلا الاحمرار وجهها من شدة الغضب و مدت يديها تمسك بطبق أمامها متمنية لو تضربه به. لكنه ابتسم وكأنه أدرك ما يجول في رأسها و قال:
- هل ستتلفين طبقاً جيداً كهذا يا جيسيكا؟
استدارت نحو النافذة تذرف دمعاً لم تقو على حبسه في مقلتيها، و قالت بصوت يخنقه الغضب و الحسرة:
- من الخساسة أن تأتي على ذكر تلك الليلة.
- لا أنكر أني أبدو في بعض الأحيان فظاً و حقيراً، و هذا يعود لصراحتي المفرطة. هل سبق و أخفيت عنك ما يدور في خلدي تجاهك؟
لم يعطها فرصة لتجيب على سؤاله، بل تقدم منها بسرعة و أمسك بكتفيها برفق، فشعرت بالارتياح و تمنت لو تستسلم مرة أخرى لتلك الأحاسيس الرائعة التي ترافق ملامسته لها. لكنها و بعد كل ما حدث لم تعد تجرؤ على ذلك.
- أرجوك يا دان، أنا...
لم يدعها تكمل عبارتها و أدارها نحوه باسطاً لها يده:
- هدنة؟ سنعلن هدنة هذه الليلة إذا أردت، و غداً بامكانك أن تنعتيني بما يحلو لك من صفات.
ترددت لبرهة في الاجابة قبل أن تضع يدها في يده موافقة:
- حسناً، لكن أن تفهم أني قبلت اقتراحك حتى لا أزيد من هموم والديّ.
- إني أتفهم موقفك... يا لنعومة هاتين اليدين الجميلتين!
أدركت أنها ارتكبت خطأ فادحاً في تسليمه يدها و حاولت سحبها من براثن قبضته. لكنه شد على معصمها و مرر اصبعه بحركات ناعمة على راحة يدها، فتلاشت مقاومتها بسرعة و كادت ترتمي مجددا بين ذراعيه لكنها استطاعت في اللحظة الأخيرة أن تفلت يدها، و تبتعد عنه هامسة بصوت يقارب الحشرجة:
- لا تفعل هذا!
انحنى أمامها بحركة هازئة:
- أرجو أن تقبلي اعتذاري. ألن تتركي العمل و توافينا إلى غرفة الجلوس؟
أومأت برأسها إيجاباً بعد أن استعادت بعضاً من هدوئها:
- لبضع دقائق فقط، فالعشاء سيفسد ان ترك مدة أطول هنا.
مرت بقية السهرة بسلام، وزع دان اثناءها اهتمامه بين جوناثان و إيميليا بطريقة زادت من اعجابهما به. فبالرغم من شغف الدكتور نيل بالكلام عن جراحة الأعصاب، تمكن دان من اختصار الحديث متجنباً ازعاج إيميليا، و خاض معها في مواضيع تروقها و تثير اهتمامها. بقي في كامل تهذيبه و لياقته حتى اللحظة الأخيرة، و ما ان دقت الساعة العاشرة حتى نهض مستأذناً للانصراف. حاولت إيميليا ثنيه عن قراره لكنه اعتذر بلطافة:
- أعلم أن الوقت ما زال باكراً، لكن امامكما رحلة طويلة في الغد.
رافقته جيسيكا إلى الخارج، متعجبة من صمته المفاجئ. لقد تصرفا بتودد أمام والديها و تبادلا أطراف الحديث معهما، و فجأة لم يعد هناك ما يقولانه لبعضهما. وصلا إلى السيارة الغارقة في الظلام، فأمسك بيديها هامساً:
- تصبحين على خير.
أدركت أنه يعلن نهاية الهدنة، فسحبت يديها من يديه و تراجعت عدة خطوات تبحث عن الأمان:
- طبت مساء يا دان.
أطلق احدى ضحكاته الساخرة فتردد صداها في أرجاء الحديقة، و مضى يشق طريقه بسرعة هائلة.
ما ان انضمت إلى والديها في غرفة الجلوس حتى بادرتها إيميليا قائلة:
- تصرفك الليلة يخالف ما قلته عن علاقتك بدان يا جيسيكا.
أجابت الابنة بحذر:
- اننا نتفق أحياناً و ليس دائماً.
- أظنه شاباً لطيفاً للغاية. أليس كذلك يا جوناثان؟
أجاب الوالد و هو يملأ غليونه:
- كلمة لطيف ليست الصفة المناسبة لشخص مثل دان يا ايميليا.
- كيف تصفه إذن؟
- لا أعلم، فأنا كما تعلمين لا أجيد اختيار الكلمات المناسبة.
قاطعتهما جيسيكا مقترحة:
- لنقل أنه يجمع بين الذكاء الخارق و التعجرف ليحصل على ما يريده في الحياة.
- أرى أنك تظهرين بعض الكره بالرغم من دقة وصفك له. انه و لا شك حاد الذكاء، لكن من الطبيعي أن يحتاج المرء بعضاً من الكبرياء في هذه الدنيا.
تنهدت جيسيكا بمرارة:
- قد تكون على حق يا والدي.
التفتت إليها إيميليا قائلة:
- آمل أن تدعيه إلى هنا عندما نأتي مرة أخرى.
- ان كنت معجبة به إلى هذا الحد فسأفعل ما تطلبينه يا أمي.
- انك تحيرينني يا جيسيكا. دان ترافورد هو أروع رجل رأيته منذ زمن طويل.
- إني أوافقك الرأي.
- الرجل لا يعير الزواج اهتماماً إلا عندما تدفعه المرأة المناسبة إلى ذلك.
هتفت جيسيكا بيأس:
- من قال إني هذه المرأة المناسبة التي ستجعل دان يفكر بالزواج؟ عدا عن أني لست مهتمة بالمحاولة.
نهض جوناثان عن كرسيه مقاطعاً:
- إنه جواب كاف لانهاء النقاش. سآوي إلى الفراش.
قامت إيمليا بدورها قائلة:
- انتظرني يا جوناثان (و تطلعت إلى ابنتها بشفقة مردفة) أتمنى لو أستطيع فهمك يا جيسيكا.
في الاسبوع التالي، شغل العمل جيسيكا عن مكالمة دان، فأمضت معظم أمسياتها في المستشفى، و لم ترتد منزلها الا نادراً لنيل بضع ساعات من النوم و الراحة.
وصلت إلى مسكنها مساء الجمعة آملة بقسط من الراحة بعد نهار طويل قضته في المعاينات و استقبال المرضى. لكنه آمالها تبخرت عندما رأت سيارة غريبة متوقفة أمام المنزل، ترجلت منها سيدة غريبة، طويلة القامة تتمتع بجمال و سحر خارقين، و تقدمت من جيسيكا سائلة بصوت ناعم:
- دكتورة نيل؟
رمقتها جيسيكا بنظرة شاملة قبل أن تجيب:
- نعم.
سلطت الزائرة الغريبة عينيها الخضراوين على جيسيكا بطريقة وقحة قائلة:
- كنت آمل أن أراك. أنا سيلفيا سامرز.
عقدت المفاجأة لسان جيسيكا:
- آه!
- أخالك قد سمعت باسمي من قبل.
نجحت جيسيكا في اخفاء اضطرابها و أجابت بهدوء مصطنع:
- اعتقد أن الدكتور ترافورد أتى على ذكرك. تفضلي بالدخول.
راحت جيسيكا تتأمل ضيفتها الفاتنة الجالسة على الأريكة في مواجهتها.
جمالها لا يخفى على أحد و أنوثتها البالغة تسلب العقول و الألباب، و لا عجب من أن تتفق رجولة دان الجذابة مع هذه التحفة البديعة. و بعد سكوت سألتها بتهذيب:
- هل من خدمة أؤديها لك يا آنسة سامرز؟
وضعت الزائرة رجلاًً فوق الأخرى و أجابت:
- ليس أنت من سيؤدي الخدمة بل أنا يا دكتورة. اعتبري ما سأقوله الآن نوعاً من التحذير.
همت جيسيكا بالاعتراض:
- آنسة سامرز، أظنك...
قاطعتها سيلفيا بهدوء:
- لا تسيئي فهمي. لست هنا لألعب دور عاشقة تلتهمها الغيرة أو لأخدش عينيك لمحاولتك سلبي ما اعتبره خاصاً بي. جئت لأحذرك من أن زواجك من دان حلم لن يتحقق أبداً، فهو لا يصلح لذلك. و إن كنت تظنين أن تحولك إلى صديقة له سيمهد لك الطريق للنفاذ إلى قلبه فأنت مخطئة. قد تدوم علاقتكما سنة أو سنتين و بعدها تتحولين إلى صفحة بالية من دفتر ذكرياته. هذا هو دان ترافورد، و تقييده بسلاسل الزواج يحتاج إلى امرأة خارقة تعرفه حق المعرفة.
أدركت جيسيكا أن محدثتها لم تعنها في بعبارتها الأخيرة، فهي منذ لقائها دان تستعد لهذه الصدمة لكنها لم تتوقع أن تكون بهذه القوة.
- ما الذي دفعك للاعتقاد بوجود علاقة بيني و بين دان؟
- دان أخبرني بذلك، و لا شك في أنك بت تعلمين أنه ليس من الذين يلتهون بالكلام، و عندما ينوي انهاء علاقة ما، فهو يعلن ذلك بكل بساطة و من ثم يذكر الأسباب.
- دان أخبرك بوجود علاقة بيني و بينه؟
ابتسمت سيلفيا ببرودة:
- كلا، لكنه قال ما يعني:"أريدها و سأحصل عليها"، فكوني على حذر يا صغيرتي. أنت هدفه الآن و ان لم تتصرفي بذكاء فستتلقين ضربة موجعة للغاية.
- تتكلمين و كأنني طريدة سهلة المنال!
- بل هو الصياد البارع (و نهضت عن مقعدها ترمق جيسيكا بنظرة ساخرة و أردفت) أمر مضحك... لم أخله سيء الاختيار إلى هذه الدرجة.
قطع الصمت الذي خيم بينهما هدير سيارة توقفت أمام الباب، و وقع خطوات سريعة تقترب من المدخل.
- جيسيكا... هل أنت في الداخل؟
جمدت جيسيكا في مكانها و قد عرفت صوت القادم فالتفتت إلى ضيفتها لتلقاها متجهمة الوجه عرضة للارتباك.
التقت عينا دان بعيني جيسيكا للحظات طويلة قبل أن يلتفت إلى سيلفيا قائلاً بنبرة باردة:
- ظننتك عائدة إلى بريتوريا.
- هذا صحيح، فأنا على وشك الرحيل (و لوحت بيدها ضاحكة) استمتعا بوقتكما.
مرت بمحاذاتهما متجهة نحو الباب، مخلفة وراءها رائحة عطرها الذكية كحاجز بينهما.
ران الصمت على الغرفة لفترة قبل أن يقطعه دان قائلاً:
- لم أتوقع أبداً أن تأتي إلى هنا. ماذا أخبرتك؟
لم تكن في حالة تسمح لها باعادة ما دار من حديث بينهما، فاكتفت بالاجابة بعصبية:
- لم تحمل أخباراً جديدة.
أصر دان على سؤاله:
- هذا يترك مجالاً واسعاً للخيال، و من الأفضل أن تخبريني.
- لا أخالك بحاجة للايضاح فيما يتعلق بشخصيتك، لكني سأطلعك على رأيي فيك (و استدارت ناحيته بعينين تقدحان شرراً و أردفت) أنت سافل و متوحش، و كل ما أحسه تجاهك الآن هو الازدراء و الكره.
- اذن أنت الآن تكرهينني، أليس كذلك؟
بدا كفهد شرس يستعد للانقضاض على فريسته، فانكمشت على نفسها تترقب هجومه. لكن شيئاً لم يحصل، بل جمد كل منهما في مكانه اثر سمعها رنين الهاتف في زاوية الغرفة.
تنفست الصعداء و تراجعت عدة خطوات من غير أن ترفع نظرها عنه و رفعت السماعة مجيبة:
- الدكتورة نيل تتكلم. ما الأمر يا سوزان؟
أصغت جيسيكا بانتباه إلى محدثها ثم أعادت سماعة الهاتف إلى مكانها بعجلة، و استدارت ناحية دان فلم تجده. فاستقلت سيارتها و اتجهت مباشرة إلى المستشفى. لم تر دان بمثل هذا الغضب من قبل، و ارتجفت يداها على المقود لحظة تفكيرها بما كان سيحصل لو لم ينجدها رنين الهاتف في الوقت المناسب. قادت السيارة كالمجنونة دامعة العينين، دامية القلب، تفكر بكلام سيلفيا عن الرجل الذي بالرغم من كل ما سمعته عنه و ذاقته منه، بقيت حتى اليوم تحتفظ بنذر قليل من الأمل في صدق شعوره نحوها. لكن الأمل تبخر الآن، و زالت معه صور مشرقة لمستقبل كانت معالمه قد بدأت ترتسم أمام عينيها.
قضت جيسيكا عدة ساعات في غرفة العمليات، تجري عملية ولادة قيصرية لاحدى السيدات. و توجهت بعدها مباشرة إلى مكتبها بعد أن أعطت تعليماتها إلى الممرضات للاهتمام بالطفل و أمه خلال الليل.
لاحظت أحدى الممرضات علامات الارهاق على وجهها فتقدمت منها سائلة:
- تبدين هزيلة هذه الليلة يا دكتورة، هل أكلت شيئاً هذا المساء؟
- لم تسنح لي الفرصة بعد.
- هذا ما ظننته. سآتيك بالعشاء إلى هنا.
عادت الممرضة بعد قليل تحمل فنجاناً من الشاي و بعض السندويشات، وضعتها على المكتب و غادرت الغرفة تاركة جيسيكا غارقة في مقعدها مغمضة العينين، شاردة الذهن. نظرت إلى نفسها في المرآة فبدت نحيلة متعبة بعكس سيلفيا ذات الجمال الباهر و الاطلالة الساحرة. لن تفوز أبداً بقلب دان و حبه، و لن تكون أبداً تلك المرأة الخارقة التي تكلمت عنها سيلفيا سامرز... اكتفت بتناول قطعة صغيرة من الجبن، ثم حملت حقيبتها و غادرت مكتبها بخطى متثاقلة بطيئة باتجاه مرآب السيارات. كل ما تحتاجه الآن هو أن ترتمي في سريرها لتنعم بقليل من الراحة بعد هذه الليلة المضنية...
وصلت إلى منزلها بعيد منتصف الليل، فترجلت من السيارة بسرعة مهرولة نحو الباب. و ما أن همت بالدخول حتى فوجئت بصوت دان هامساً خلفها:
- جيسيكا؟
لم تحرك ساكناً، تراقبه قادماً من الظلمة بقامته الطويلة و منكبيه العريضين. و تملكها الخوف عندما لاح لها وجهه الباسم فوضعت يدها على فمها تخنق صيحة كادت تفضح أمرها.
- اعتذر عما سببته لك من خوف.
حدقت في عينيها الرماديتين تعكسان النور القادم من الداخل و سألته بحيرة:
- ماذا تفعل هنا و في مثل هذا الوقت؟
- يجب أن أكلمك.
- ألا يمكن ارجاء ذلك إلى الغد؟
- ما أريد قوله لا يحتمل التأجيل.
أغلقت الباب خلفه و تبعته إلى غرفة الجلوس حيث رمت حقيبتها على أحد المقاعد و وقفت تعبث بشعرها متثائبة:
- قهوة؟
- ليس الآن. جيسيكا، جئت لأوضح لك...
التقطت أنفاسها تتحضر للمناقشة و علقت ضاحكة:
- توضح لي؟ لا أعتقد ان هناك شيئاً يستحق التوضيح.
- يراودني شعور بأن سيلفيا لم تخبرك بالحقيقة كاملة.
- يكفيني ما سمعته يا دان، سبق و قلت لي مراراً أنك تريدني و سيلفيا كشفت لي عن عزمك لاستدراجي إلى علاقة معك تسهل عليك الحصول على مرامك.
علت ضحكة مدوية لتزيد من غيظها:
- هل هذا ما قالته لك؟
- بربك يا دان، هل تريدني أن أعيد حرفياً ما قالت؟
- لابد من أن أعرف تماماً ما نسبته من أقوال إلي.
- حسناً، فيما يتعلق بي. قلت لها أنك تريدني و ستحصل علي مهما كلف الأمر (و رمقته بنظرة تحد متابعة) و بالمناسبة أود أن ألفت انتباهك إلى أنك لن تنجح أبداً في مسعاك يا دان. تظن نفسك قادراً على اختيار اية امرأة تريد و بالسهولة نفسها التي تختار ثيابك. فاعلم ايها المتعجرف أني سأخيب املك...
- جيسيكا...
- اياك أن تلمسني. حظي السيء هو الذي جمعني برجل مهاتر و عديم الاحساس مثلك. و الآن اطلب منك الانصراف حالاً.
تبدلت ملامح وجهه فجأة و تطاير الشرر من عينيه:
- لن أرحل من هنا قبل أن أقول ما جئت لأجله.
- لا أحفل اطلاقاً بما ستقول...
لم يمهلها فرصة أخرى بل انقض عليها ممسكاً بذراعيها و ضمها إليه بقوة خارت معها قواها فأحست بحاجة إلى البكاء. و هي تحدق بعينيه المتأججتين بنيران الغضب.
- إن كانت كلماتي لا تفي بالغرض يا جيسيكا فسأجرب وسيلة أخرى.
فانتفضت كالمجنونة تحاول التخلص من قبضتيه من غير فائدة. لم يحفل بالدموع الساخنة التي بللت وجنتيها. و لم يدعها إلا بعد أن شل كل مقاومة فيها فأبعدها عنه قائلاً:
- و الآن، هل ستستمعين إلى ما سأقوله؟
وقفت قبالته ترتجف كورقة يابسة، تكفكف دموعها بعصبية.
- أكرهك يا دان ترافورد! اكرهك. هل تسمعني!
- هل توافقين على الزواج مني يا جيسيكا؟
سرت نفحة من الغضب في أنحاء جسمها و صاحت بيأس:
- هل جننت؟ تعرض على الزواج الآن لأنك عجزت عن نيل مأربك مني بالطرق الأخرى؟
- لم أفكر بطرق اخرى يا جيسيكا.
رفعت يداً مرتعشة تمسح دموعها و نظرت إليه تتمنى ان تصدقه. لكن وجهه القاسي خلا من أية مسحة حنان أو عطف.
- إنك لا تعي ما تقول يا دان، و تظن أنه بامكانك اقناعي بمثل هذه الكلمات. اقر بأنك واسع الحيلة. تعرف متى ترمي شباكك لكني للأسف لن أقع فيها.
أفقده كلامها صوابه فرفع قبضته فجأة و هوى بها على حافة الأريكة القريبة:
- ويحك يا جيسيكا! لماذا لا تصدقينني؟
- هل تذكر محادثتنا يوم استدرجتني إلى منزلك لتناول العشاء؟ سخرت ليلتها من فكرة الزواج و أوضحت لي أنك تريدني... كصديقة لك. رفضت عرضك ساعتها، فأمضيت عطلة الأسبوع التالية مع سيلفيا سامرز.
- أؤكد لك...
تابعت كلامها و كأنها لم تسمعه:
- بعدها سألتني بك وقاحة أن أقول نعم حتى تلغي سيلفيا سامرز من حياتك. و لا تسألني عن رأيي في رجل يتصرف بهذه الخساسة مع امرأة تقاسمه شقته و تمضي برفقته أيامأ حميمة؟
- لم ألمسها قط.
ارتسمت ابتسامة هازئة على شفتيها:
- أهذا صحيح؟ أتتوقع مني تصديق ذلك؟
- حاولت تجاهل ما أحسه نحوك، لكني لم أقدر. كنت بيني و بينها طوال الوقت و صورتك في عيني كيفما تحركت. صدقيني يا جيسيكا لم أقو حتى على لمسها.
تغيرت ملامحه فجأة و غشت عينيه مسحة من البراءة و الصدق، جعلتها فريسة الاضطراب من جديد، فأغمضت عينيها تنصت إليه متابعاً كلامه:
- أخبرتها بعزمي على انهاء علاقتي بها لكنها لم تصدقني. و جاءت إلى منزلي بعد ظهر اليوم من غير أن ادعوها، فاطلعتها على الحقيقة كاملة بطريقة اعترف أنها كانت قاسية و فظة بعض الشيء.
سألته بنبرة تقارب الحشرجة:
- هل قلت لها أنك تريدني؟
- قلت لها أني أريد الزواج منك (لاحظ دهشتها فابتسم مردفاً) أردت أن أكون صريحاً و عادلاً معها و لكنها لم تبادلني حسن الصنيع. فسعت جاهدة لاظهاري بمظهر الكاذب أمامك.
- لماذا تريد الزواج مني؟
- لأنك امرأة متفوقة و مختلفة يا جيسيكا و منذ البداية كنت بمثابة تحد بالنسبة الي. لست خارقة في الطب و حسب بل أيضاً في قيادة الطائرات، و كان علي أن اكتشف الناحية الانسانية فيك. سخرت منك لأنك تقحمين عاطفتك في معالجتك للمرضى لكنك علمتني ما كنت أجهله، و أدركت أن في الطب ما هو أبعد من الدواء و الجسم العليل. بسببك صرت أعيّ أهمية الناحية النفسية لدى المريض، و أكثر ما أعجبني فيك شجاعتك و... (تقلصت عضلات وجهه فجأة و بان الخوف في عينيه و كأنه تذكر شيئاً فتابع بارتباك) يا الهي، لم أخف في حياتي كلها كما في ذلك اليوم الذي تسلقت فيه تلك الشاحنة لمساعدة السائق المحجوز في مقصورته. أصبت بالهلع يومها بمجرد تفكيري باحتمال انزلاق الشاحنة و أنت بداخلها، ففقدانك يحول حياتي قفراً مقيتاً يا جيسيكا، صدقيني.
تركت أنامله تعبث بخصرها، تشعر بفيض من الفرح يغمرها و أدنت جسمها منه مطلقة تنهيدة طويلة:
- دان...
تقرب منها هامساً بصوت عذب صادق:
- أحبك يا جيسيكا.
كانت تظن أنها لن تسمع هذه الكلمة منه، و هاهو الآن يقولها بحنان كما تمنتها و حلمت بها.
- أحب كل شيء فيك، مشيتك و البحة التي تنتابك حين تضطربين. أحب هاتين العينين الرائعتين تنشران السعادة حين تضحكين و أحبهما تقدحان شرراً عندما تغضبين (و رفع رأسه فجأة و تسمرت عيناه في عينيها و كأنه يحاول النفاذ إلى مكنونات صدرها و تابع بالنبرة الحنونة نفسها) اشفقي علي يا جيسيكا، فأنا لم أحس بحاجتي إلى حب امرأة كحاجتي الآن، و لا سبق أن ربطت مصيري بحب كما أفعل الآن.
ادهشها ما تسمعه منه فلم تقو على الكلام، و لكن الشك في قلبها بان بجلاء في عينيها، فزمجر خائفاً مما يراه:
- أرجوك يا جيسيكا لا تعذبينني هكذا.
- أحبك. ألم تلاحظ ذلك في مناسبات عديدة؟
لمعت عيناه فرحاً و انفرجت أساريره:
- كيف لي أن اتأكد و أنت لم تقولي كلمة واحدة؟
- و أنت ايضاً لم تقل شيئاً.
- أخبرتك بأني أريدك.
- لم يكن كلامك مشجعاً و خاصة بالنسبة إلى فتاة مثلي. تحترم مبادىء معينة في الحياة. لكني لا اخفي عنك أني أصبحت جشعة فيما بعد و أردت الحصول على اضعاف ما تعرضه علي.
- أظن أنك ستحصلين على أكثر مما كنت تتوقعين يا حبيبتي.
و ضمها إليه بحنان فاسندت رأسها بارتياح إلى صدره الدافئ و أحست بلهاثه يتسارع حول أذنيها، لكنه لم يحاول التمادي محجماً عن احراجها كما في السابق، فارتمى على الأريكة و جذبها إلى جانبه قائلاً:
- تلك الليلة في فندا، و بعد رقصة الأفعى لم أنو احراجك، لكن...
- أعلم ذلك. لقد كانت ليلة ساحرة مجنونة، و ما كنت لأشعر بالخجل مما أقدمت عليه لو كنت أعلم ان حبك لي يوازي حبي لك. لكني ظننت..
أكمل العبارة عنها مبتسماً بسخرية:
- لو لم تأت الممرضة رافيل لكنت علمت ليلتها كم أحبك يا جيسيكا.
- انقذتني بمجيئها من موقف حرج للغاية.
- أتظنين أن والديك سيعترضان على زواجنا ان قررناه يوم السبت المقبل؟
- لا اعتقد ذلك و لكن ماذا عن عملي مع بيتر؟
- لا مانع لدي في أن تتابعي عملك حتى نهاية العقد.
شبكت يديها حول ساعده تسأله برقة:
- و بعد ذلك؟
- سندع للوقت الاجابة على ذلك.
و رفع رأسه ينظر إليها بعينان تشعان حناناً حتى أحست بعظامها تذوب تحت تأثيرهما و تابع قائلاً:
- أتظنين أن والدك سيكتفي بالقطيع الذي اهداني اياه الزعيم سدريك ليكون بمثابة مهر لعروسي
عقدت حاجبيها بدلال مجيبة:
- لا تكن سخيفاً يا دان، فهو لا يولي هذه الأمور أية أهمية. بالمناسبة. ماذا فعلت بذلك القطيع؟
- اعطيته جوناس الخادم الذي يعمل في منزلي منذ سنوات و اقترحت عليه أن يبادر إلى الزواج من امرأة تجيد الاهتمام بالمنزل و الاعتناء بالأطفال في حال أردت ممارسة الطب بعد زواجنا.
دفنت وجهها في صدره متمتمة بتأثر:
- آه يا دان، كم أحبك!
رفع وجهها بيده يتأملها:
- لم أعد احتمل غياب وجهك عني. لقد توردت وجنتاك...
- أعلم ذلك، فأنا لم أعتد بعد التغلب على تأثير كلماتك فيّ.
تذكرت كلام الزعيم سدريك عن الدوما و تشبيهه الرجل عند البحث عن عروسه ... "انه يزداد شراسة و نهماً كلما تمعن في بحثه و لا يترك لفريسته فرصة للهرب حينما يوجه ضربته".
- دان، حبيبي أرجوك..
اتكأ على مرفقه مسلطاً عليها نظرات جامحة:
- أتطلبين مني التوقف؟
- أكثر ما يسعد الفتاة العاشقة هو أن تكون بين ذراعي حبيبها، تسند رأسها إلى صدره و تستمع إلى كلمات قلبه. أنا لا أبحث عن المتعة بقدر ما أبحث عن سعادة الروح، و يكفيني ان تضمني إلى صدري و تهمس لي بكلمات عذبة حتى أنسى كل ما حولي.
- أحبك...
- قل لي يا دان، هل أزعجك طلبي منك بالتوقف؟
حدجها بنظرة ملؤها الحب و الحنان:
- بل على العكس، أنت على حق في كل ما قلته. حان موعد النوم، و لست على استعداد لأن أبدأ حياتنا باستغلال فتاة تكاد تنهار من شدة النعاس.
مرر أنامله بنعومة على خديها و همس مودعاً:
- سأراك غدا يا ملاكي.
و تناول سترته و خرج مغلقاً الباب خلفه بهدوء.
أوت إلى سريرها تحضن صدى كلمات دان العذبة الرقيقة، تحلم بالمستقبل و ما يحمله من أحلام و آمال. غداً ستشرق شمس جديدة حاملة معها حرارة الحنان و دفء السعادة، و ستفتح لها ذراعيها مرحبة و تدفن في لهيبها مرارة الماضي و دموعه، و تضيء بنورها شموع الأمل و الحب...

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجهول, ايفون وينال, dance of the snake, روايات, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, عبير القديمة, yvonne whittal, قلوب عبير, قلوب عبير القديمة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t95004.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ط§ظ„ظ…ط¬ظ‡ظˆظ„ ط§ظٹظپظˆظ† ظˆظٹظ†ط§ظ„ ط¹ط¨ظٹط± This thread Refback 15-08-14 11:12 PM


الساعة الآن 06:11 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية