لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


22 - المجهول - ايفون وينال - عبير القديمة ( كاملة )

المجهول Dance Of The Snake الملخص بين الحقيقة والوهم خيط غير مرئي وبين الحب والعاطفه خطوة قصيرة. لم يبرع دان ترافورد فى مهنة الطب وحسب بل وفى

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-10-08, 06:51 AM   1 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
Newsuae2 22 - المجهول - ايفون وينال - عبير القديمة ( كاملة )

 

المجهول
Dance Of The Snake

الملخص
بين الحقيقة والوهم خيط غير مرئي وبين الحب والعاطفه خطوة قصيرة. لم يبرع دان ترافورد فى مهنة الطب وحسب بل وفى اغواء النساء ايضا . لكن جيسيكا الطبيبة الشابة القادمة حديثا الى المدينة قررت ان تظل بعيدة عن شباكة المغرية حتى لايضاف اسمها الى لائحه فتوحاته. المشكلة انه أبى ان ينظراليها كأمرأة, فتحدته. سلاحها ثقتها بنفسها وقدرتها على التحكم فى عواطفها…لكنه لم يدخر جهدا ولاحيلة ليجردها من سلاحها. القلعة المحصنه جهدا تبقى , الا اذا طال الحصار.. ويأتي الانهيار, عاده من الداخل.
منتديات ليلاس
الفصل الأول
1 - جيسيكا نيل كانت عرضة لملاحقة الكثيرين من الأطباء بسبب قلة الطبيبات الجميلات مثلها . ولكن اهتمامها كان ينصب على التفوق في مهنتها غير مبالية بكل مايمت بصلة الى أنوثتها…
تهادى جوناثان نيل على المقعد الجلدي خلف مكتبه الفاخر باضطراب وتململ واضحين وألقى نظرة فاحصة على ابنته جيسيكا الواقفة في وسط الغرفة, لاتحرك ساكنا لقد أثار قرارها شجونا قديمة في نفسه ونبش صفحات من الماضي طالما تمنى ألا تعود فبدا مغموما في عينيه أصداء قلق عميق وعلى شفتيه أشباح كلمات يحاول خنقها قدر المستطاع
اليوم قررت ابنته التقدم لوظيفة شاغرة في مدينة لويزفيل كطبيبة مساعدة للدكتور اوبريان وشريكه . جاءت لتعلمه بخطوتها لا لتأخذ برأيه فهو أعلم الناس بابنته وبصعوبة تراجعها عن قرار تتخذه.
زفر الأب العجوز زفرة طويلة ورفع حاجبيه سائلا:
- وماذا عن قرارك التخصص في طب الأطفال؟
- اجابت جيسيكا بجزم ممزوج باللوم:
- كان هذا قرارك ياوالدي من غير ان تستشيرني.
تردد صدى كلماتها في ارجاء الغرفة وأحست انها أخطأت في اختيار عبارتها لم تقصد ان تنفض الغبار عما حدث يوم قرر أخوها جايمس الذي يكبرها بأربع سنوات العدول عن اكمال تخصصه في الجراحة العامة كوالده مفضلا الالتحاق بكلية الهندسة . يومها لم تخف خيبة جوناثان نيل على احد لكنه كتم غيظه وجاهد في اخفاء قنوطه حتى لايشكل موقفه عثرة في مستقبل ابنه البكر الابن الذي اراده ان يجسد الحلم ويحمل اسم العائلة بعده في ميدان الطب.
منتديات ليلاس
منذ حداثتهما عمل الوالد الطبيب على تنشئة ولديه تنشئة صالحة وحاول منذ بدئهما دراستهما الثانوية جذبهما الى حقل الطب وماان أوشك على قطف ثمرة محاولاته حتى فوجئ بقرار جايمس لكن خيبته لم تدم طويلا وحلت مكانها فرحة عامرة عندما انبأته جيسيكا بعزمها على دخول معهد الطب وسلوك نفس الطريق الذي بدأه منذ أربعين سنة.
والآن ولما تكتمل الفرحة بعد هاهي تواجهه بقرار موجع آخر لاتدري ماستكون عاقبته.
مسح جوناثان وجهه براحة يده وكأنه يطرد صورا قاتمة من مخيلته وتطلع الى ابنته الحسناء بحنان:
-هل اسأت التصرف معك جيسيكا ؟
أدركت ان الفرصة سانحة لتكفرعن فظاظة عبارتها السابقة فأجابت بتودد:
-ماهذا الكلام ياوالدي؟أنت نعم الأب ولن أنسى أبدا ارشاداتك لي واهتمامك بمستقبلي.
أكمل العجوز بألم ماأحجمت ابنته عن قوله:
-وتعتقدين ان الوقت حان لتستقلي أليس كذلك؟
-علىّ ان أشق طريقي بمفردي واختار ماأظنه الأفضل.
خيم صمت ثقيل على القاعة وغرق الاثنان في سكوت وتردد. فجأة نهض الوالد عن مقعده ومشى نحو المكتبة الزاخرة بكتب الطب القيمة وصاح بصوت أجش تخنقه الغصة:
-ويحك ياجيسيكا لايعقل ان يهدر شخص بمستواك الثقافي حصيلة علمه وجهده في مكان مزر كلويزفيل.
-لاأظن ان انتقالي الى لويزفيل سيهدر مستقبلي ياوالدي بل سيتيح لي الاطلاع على حالات كثيرة ومختلفة تساعدني على اكتشاف مدى تقدمي كطبيبة.
-بامكانك اكتشاف ذلك هنا في هذه المستشفى.اجابت الابنة بعناد عكسته عيناها الباردتان:-كلا فأنا لم أفعل مايستحق الذكرطوال العامين المنصرمين ولم أعاين في هذه المستشفى سوى مرضى لم يكترث لهم بقية الأطباء لأن حالتهم لاتدعو الى القلق وبالتالي لافائدة لهم منهم.وأضافت بمرارة:-تدربي هنا لم يفدني على الاطلاق
-هذا تهجم فاضح ياجيسيكا.-انها الحقيقة ياوالدي.
التقت عيونهما للحظات قصيرة التقطت خلالها انفاسها وتابعت بلهجة حانقة:
-الأطباء هنا متشدقون يلهثون وراء المال والشهرة بأساليب قذرة ضاربين بجوهر هذه المهنة النبيلة عرض الحائط.علق جوناثان بتحد:
-أتعتقدين ان الأمر مختلف في لويزفيل؟
-لدي من الأسباب مايحملني على هذا الاعتقاد.
أدرك العجوز عقم الجدال فعاد الى المقعد وأسند رأسه الى حافته:
-يبدوانه كتب لي أن أصاب بالخيبة مرة بعد مرة.
لم تبال جيسيكا بما قال:-أظن ان وقع الأمر على أمي سيكون قاسيا.
- هل تريديني ان أفاتحها بالأمر؟
رفعت رأسها دلالة على الرفض مقتربة من مقعده برشاقتها المعهودة وقالت بحنان:
-سأطلعها على الأمر بنفسي الليلة بعد العشاء مباشرة.
عند عودتها الى المنزل اتجهت جيسيكا الى غرفتها وارتمت بارتياح على السرير. لقد تخطت لتوها العقبة الأولى ولم يبق امامها سوى والدتها المعروفة بصعوبة مراسها لكنها لن تدخر جهدا لنيل موافقتها ولو كلفها ذلك مخاصمتها.
استحمت وبدلت ثيابها ثم وقفت امام المرآة الكبيرة. لم تعتد الاهتمام بنفسها او صرف وقت طويل في التبرج كغيرها من الفتيات مفضّلة ارتداء مايريحها من الملابس منغير ان تأبه يوما للون او للزي فلديها القدر الكافي من الجمال وشعرها الكستنائي المتهدل بفوضى صارخة على كتفيها يزيدها انوثة واغراء وعيناها الواسعتان فوق أنفها الصغير تضفيان على محياها سحرا وجاذبية.
تذكرت أيام الدراسة عندما كانت محط انظار الشبان وانتقالها الى المستشفى حيث كانت عرضة لملاحقة الكثيرين من الأطباء بسبب قلة الطبيبات الجميلات لكنها لم تترك نفسها أبدا تنجرف في علاقة مع أي منهم فقد انصب اهتمامها على انهاء تخصصها في أسرع وقت واثبات مقدرتها في التفوق على أقرانها غير مبالية بكل مايمت الى الأنوثة بصلة.
جلست جيسيكا الى المائدة من غير ان تمد يدها الى الطعام مكتفية بتناول كوب من العصير تسترق النظر بين الحين والآخر الى والدتها متحينة الفرصة لمفاتحتها بالأمر اخيرا جاءها العون من والدها الذي انهى طعامه وتوجه لتمضية عدة ساعات في المكتبة كعادته في كل مساء تاركا اياهما بمفردهما.
استمعت اميليا نيل الى ابنتها وهي تبين لها فوائد الانتقال الى مدينة جديدة شاكية اليها رتابة العمل في مستشفى والدها ولما انتهت جيسيكا من تعليل قرارها سألتها والدتها بعصبية:-وهل يعلم والدك بالأمر؟- أجل لقد تباحثنا بالأمر اليوم بعد الظهر.
ازداد فضول الأم لمعرفة موقف زوجها فاستفهمت:
-وماذا كان جوابه؟-أظنه وافق في النهاية.
-لاعجب في ذلك فلا احد يجاريك في عنادك ياجيسيكا.
مضت الأيام سريعة مقربة موعد رحيل جيسيكا من غير ان يبدو منها ما يوحي بعدولها عن قرارها من جهتهما تجنب الوالدان الخوض في موضوع السفر مفضلين تجاهل الأمر وحذت ابنتهما حذوهما فصارت تتعمد التغيب عن المنزل وقضاء أطول وقت ممكن في المستشفى.
وفي الليلة الأخيرة لجيسيكا في جوهانسبرغ التقى الثلاثة على مائدة العشاء في جو مشحون بالقلق والغم بعد ساعات معدودة ستترك الابنة الوحيدة المنزل مخلفة وراءها فراغا من المستحيل ملؤه وشعورا بالخيبة يصعب التغلب عليه.
قطع صوت جوناثان الأجش حبل الصمت ضاربا بقبضتيه بعنف على الطاولة:
-انت مجنونة ياجيسيكا لتقدمي على هجر مدينة كجوهانسبرغ والتخلي عن الفرص المتاحة لك فيها ان كنت تسعين للعمل بمفردك فأنا مستعد لتدبير عيادة مستقلة لك لكن ان تدفني نفسك في بقعة قصية فهذا أسخف ماسمعته أذناي حتى الآن.
وعاود ضرب الطاولة بقبضته مطيحا بالاطباق الموجودة امامه وأردف:
-هذا عمل أخرق لايعقل ان يصدر عن احد من سلالة جوناثان نيل.
تبادلت جيسيكا ووالدتها نظرات قلقة ابتسمت بعدها الطبيبة الشابة بفتور:
-أشكر لك اهتمامك وتفانيك في الاعتناء بي ياأبي لكن قبل البحث عن عيادة ةالاستقلال في ممارسة المهنة عليّ ان أحصل على الخبرة اللازمة مضى عامان على عملي في المستشفى من غير ان تتاح لي الفرصة لأتحقق من قدرتي كطبيبة وهذا ماأتوق الى تحقيقه في لويزفيل.
-وهل كان عليك الارتباط بعقد لسنة كاملة؟
-انه أحد شروط الوظيفة وأنا سعيدة به …
قاطعتهما الأم خوفا من انعكاس الجدل على صحة الوالد العجوز وسألت ابنتها بحنان:
-وماذا عن موضوع الزواج ياابنتي؟
- الزواج؟
- اجل الزواج. خلال الأعوام الماضية كنت أكتفي بالاستماع اليكما تتناقشان امور الطب ومستقبل مهنتك كطبيبة والآن اكتشفت ان كثرة انهماكك في عملك أنساك انك امرأة.
فوجئت الابنة بالسؤال فردت من غير تفكير:
- طبعا ياأمي انما…
- اذن هلا أوليت الموضوع جدية واهتماما كافيين؟ستناهزين الثامنة والعشرين عما قريب ولن تبقي شابة مدى العمر.
ضاق جوناثان ذرعا بالكلام عن الزواج وهناك أمر يفوقه أهمية فهتف بتململ:
-بربك يااميليا ألايمكن تأجيل هذا الموضوع؟أمامها الوقت الكافي للتفكير بالزواج.
التفتت الأم الى زوجها تستميحه عذرا لمعارضتها كلامه:
-لا جوناثان فالوقت يمضي بسرعة أتظن اني لم ألحظ خيبة أملك بعد قرار جايمس ترك الطب؟ او اني لم انتبه لتحولك الى جيسيكا بعدما أحيت فيك حلمك الأكبر وأمنيتك الغالية وقررت دراسة الطب؟ لكنك نسيت عاملا في غاية الأهمية ياعزيزي وهو كون جيسيكا امرأة.
ضحكت جيسيكا تحاول التخفيف من حدة الموقف:
-وكم أنا سعيدة بذلك!
- مارأيك اذن بعريس لائق فتفرحين قلبي والدين عجوزين بأحفاد جميلين مثلك؟
- قريبا تتلقين هذا النبأ السار من زوجة جايمس.
صرخت اميليا بعدما نفد صبرها:
-ليس جايمس من يهمني الآن بل أنت.
نظرت جيسيكا الى والدها والدمع يكاد يفطر من عينيها:
-لايمكنني ان أعدكما بشئ قبل عثوري على الشخص المناسب.
-وكيف ستعثرين عليه وأنت تعاملين الشبان كما لو أنهم عينات صغيرة تحت عدسة مجهرك؟
-أعتقد اني لن أفكر بعدسة المجهر حين ألتقي الشاب المناسب.
-أرجو ان تكوني صادقة في ماتقولين يادكتورة.
رمقت الابنة والدها بنظرة دلال تستحثه على الكلام ومد يد العون اليها وللمرة الأولى منذ أيام تلحظ في عينيه بريقا ضاحكا وهو يطوق خصر زوجته بذراعه يسألها بتحبب:
-هل نظرت اليك يوما كعينة تحت المجهر؟
ردت اميليا على الفور:
-أبدا ياعزيزي فقد عملت منذ البداية على ان أكون دائما فتاة احلامك فلم تحتج الى مجهر أبدا.
-أمي أتعنين انك …
توردت وجنتا الوالدة خجلا وارتباكا فسارعت الى مقاطعة ابنتها بلهجة ناهية:
-لاتجنحي في خيالك ياجيسيكا ولا تحاولي تغيير الموضوع.
سارع جوناثان الى توضيح ماقالته زوجته:
-ماعنته والدتك في كلامها انها لم تجعلني يوما أشعر بتقدمنا في السن فبعد هذه السنين أحس وكأننا في بداية علاقتنا أليس كذلك ياعزيزتي؟
حدجتهما اميليا بنظرة ثاقبة وتمتمت بتوعد:
-احساس غريب ينبئني بأنكما تسخران مني.
ضحكت الابنة بدلال وتقدمت من والدتها تغمرها:
-لم نستطع تجاهل الحقيقة أليس كذلك ياأبي؟فبالرغم من سنك مازلت تتمتعين بقسط وافر من الجمال وخاصة حين تتورد وجنتاك.
-لاتكوني سخيفة كنت أحاول…
أيقنت جيسيكا ان الأمر تعدى حدود المزاح فقاطعتها بلطف:
-أعرف ياأماه فالحب الحقيقي هو المعاملة قبل ان يكون الكلام انه توافق القلب والعقل على اختيار الحبيب هذا ما سأطبقه حين أقع على الانسان المناسب فانجذاب الواحد نحو الآخر لايكون تاما الا حين يتأثر القلب والعقل في آن معا لذلك أفضل عدم الارتباط بأحد حتى أعثر على من يتمتع بهذا القدر من الجاذبية.
بدا الوالدان مقتنعين بكلامها فتخليا عن مناقشة موضوع الزواج وعادت اميليا تسألها عن السفر:
-أين ستقيمين في لويزفيل؟
-وضع الدكتور اوبريان الطابق السفلي من منزله في تصرفي انه كما وصفه صغير الحجم لكنه يفي بالغرض لدي هاتف مستقل وأملك صلاحيات واسعة لاحداث تغييرات فيه.
علق الأب بحسرة لم ينجح في كتمها:
-أرجو ان يكون القرار لصالحك ياابنتي.
عاد الصمت يلقي بثقله على الغرفة فنهض جوناثان عن مقعده متوجها نحو الحديقة بينما انهمكت ووالدتها في حمل الأطباق الى المطبخ للتفرغ بعدها لحزم الحقائب التي سترسلها الابنة في القطار الى لويزفيل.
في صبيحة اليوم التالي وقفت جيسيكا أمام مدخل المنزل يلفح وجهها الهواء البارد مودعة والديها ثم انطلقت بسيارتها بين خطوط الجليد المرسومة على حافتي الطريق وسطوح المنازل متجهة شمالا الى لويزفيل لحظات الوداع صعبة ويد والدها تلوح لها مازالت أمام ناظريها ودعاء أمها لها بالتوفيق مابرح صداه يتردد في أذنيها لكنها لن تتراجع عن قرارها ولن تدع العاطفة تقف حاجزا بينها وبين المستقبل.
لم تكد تبتعد عن جوهانسبرغ حتى شعرت بأطرافها تكاد تتجمد بالرغم من تشغيلها جهاز التدفئة لكنها لم تأبه بذلك وراحت تشغل نفسها بمنظر الوشاح الابيض وقد غطى البسيطة في حياكة رائعة.
أحست بتغير طفيف في الطقس فور اجتيازها السوتبانسبرغ وانحدارها في الطريق العريض ناحية الوادي حيث وجدت نفسها وسط غابات من أشجار الحبحب لم يقو الثلج على اخفاء خضرتها تذكرت ماسمعته عن هذه المنطقة وعن شتائها اللطيف وصيفها الحار فلم تقطع عدة أميال حتى خلعت سترتها الصوفية وقفازيها السميكين مبقية على قميص حريري رقيق ارتدت فوقها سترة جلدية زرقاء.
في نهاية الغابات سلكت جيسيكا طريقا متعرجا يصل الى سفح الجبل حيث تقبع في نهايته بلدة لويزفيل مرت على محطة للوقود عند أطراف البلدة فملأت خزان سيارتها ودخلت مكتب الاستعلامات للاستدلال على منزل الدكتور اوبريان.
أشارت المسؤولة باصبعها الى الطريق العام قائلة:
-عليك بالعودة مسافة نصف ميل والانعطاف شمالا عند الصخرة الضخمة ثم اتجهي الى اليمين عند التقاطع الثاني وستجدين منزلا مؤلفا من طابقين انه المنزل المنشود فالدكتور اوبريان وحده يملك مثله هنا.
عادت جيسيكا ادراجها الى السيارة ترافقها نظرات المسؤولة الفضولية وانطلقت تتبع التعليمات الى ان وصلت الى حيث الصخرة الكبيرة فانعطفت الى اليمين عملا بكلام السيدة لتجد نفسها بعد التقاطع الثاني امام المنزل ترجلت من السيارة وصعدت الدرجات القليلة امام مدخله الفخم تتأمل نوافذه الكبيرة وحديقته المنمقة لقيت الباب مفتوحا فأطلت برأسها من غير استئذان وألقت نظرة سريعة على الرواق الفسيح الممتد امامها تغطي بلاطه سجادة صينية ثمينة لكنها أحجمت عن الدخول وتغلب حياؤها على الفضول وضغطت على الجرس فعلا رنينه بنغمة حلوة في أرجاء المنزل.
مضت لحظات قبل ان تسمع جيسيكا صوت امرأة قادمة من الأعلى:
- دكتور نيل على ماأظن أرجوك تفضل بالدخول وسأوافيك حالا.
دخلت جيسيكا مرة أخرى تسترق النظر الى مصدر الصوت وخطت بضع خطوات في الرواق حتى بانت في الطرف الآخر امرأة بهية الطلعة ممشوقة القوام هتفت باستغراب خجول:
-آه أرجو المعذرة ياآنسة كنت أتوقع قدوم الدكتور نيل و…
- أنا الدكتورة نيل.
جحظت عينا السيدة تعجبا ورمقت ضيفتها بنظرة طويلة ختمتها بضحكة رنانة تردد صداها في أرجاء الرواق وسألت غير مصدقة:
-أنت؟ انت الدكتور نيل؟
لم يرق هذا الاستقبال لجيسيكا فقطبت حاجبيها وهمت بالتوجه الى الباب لكن السيدة استدركت الأمر قائلة:
- أنا آسفة ياعزيزتي لكن لم أقدر على تمالك نفسي.
- يبدو انك لم تتوقعي ان يكون الدكتور نيل امرأة.
- صحيح … أعني لا… ياالهي اني أتصرف كالبلهاء تماما ارجوك تعالي نجلس وسأشرح لك كل شئ.
سارت السيدة امام جيسيكا الى غرفة جلوس انيقة زاخرة بالتحف على انواعها وجلست قبالتها قائلة:
-لم يكف زوجي طيلة الاسبوع المنصرم عن الحديث عن الرجل القادم للعمل معنا اني أتحرق لرؤية وقع المفاجأة عليه حين يكتشف انك امرأة.
أربك كلامها جيسيكا فهي لم تدرك ابدا انهما يتوقعان رجلا للوظيفة الشاغرة فهذا سيزيد الأمر تعقيدا.
- لم يسبق للدكتور اوبريان ان استعلم عن هذا الأمر وخلته اكتشف ذلك بنفسه بعد مراسلتي له.
- انه يحب المفاجآت من حين لآخر ارجو المعذرة ياعزيزتي انا فيفيان زوجة الدكتور اوبريان والآن وبعدما اطلعتك على هويتي ارجو ان تشبعي فضولي وتخبريني الى ما يرمز الحرف ج.
- جيسيكا.
- نسيت ان أقوم بواجب الضيافة هل آتيك بفنجان من الشاي او القهوة؟
- شكرا لك لكن أفضل أخذ قسط من الراحه أولا بعد هذا النهار الحافل.
- بكل تأكيد سأرشدك الى…
قطع رنين الهاتف على فيفيان عبارتها فاعتذرت والتقطت السماعة مديرة ظهرها لجليستها.
- اجل يابيتر لقد وصل الدكتور نيل وكنت على وشك ارشاده الى حجرته سنكون في انتظارك هنا الى اللقاء ياحبيبي.
- أكان المتحدث الدكتور اوبريان؟
- اجل وسيوافينا بعد قليل دعيني أدلك الى مكان سكنك.
تبعتها جيسيكا على مهل تجتازان الحديقة الراقدة بحبور في أحضان خيوط الشمس الذهبية.
- بامكانك موافاتي الى مسكنك بالسيارة فهناك مرآب خاص بها.
قادت جيسيكا سيارتها عبر الطريق الرملي الملتف حول الحديقة وأوقفتها امام منزل خشبي فتحت فيفيان بابه لتدخل حقائبها لم يكن المنزل صغيرا كما خيل لجيسيكا فيه غرفتان للنوم اضافة الى قاعة للجلوس وأخرى للطعام ومطبخ وحمام صغيران تجولت مع فيفيان في أرجائه تستمع الى شرح مقتضب عنه:
- كان زوجي يشغل هذا المكان كعيادة قبل ان يحوله الى مسكن مستقل ينزل فيه ضيوفنا وعندما قرر الاستعانة بطبيب آخر وجدناه المكان الأفضل لسكنه قد يبدو فارغا لكن بامكانك اضفاء أي تعديل داخلي ترينه مناسبا.
اجالت جيسيكا نظرها في أرجاء قاعة الجلوس تتأمل اثاثها الخشبي وكأنها في منزل والديها فأغمضت عينيها متمتمة:
- انا واثقة من أني سأهنأ بكل أسباب الراحه هنا.
- هنا هاتف خاص بالمسكن ومنذ اسبوعين أضاف بيتر مكيفا للهواء للتخفيف من شدة الحر في الصيف وبما انك ستكونين منهمكة بالعمل معظم النهار فستنظمين الى مائدتنا كل ليلة لتشاركينا العشاء.
شكرتها جيسيكا بنبرة مهذبة لكن حازمة:
- أشكرك على حسن ضيافتك لكن أفضل تدبير أموري بنفسي.
- حسنا اعتذارك مقبول شرط ان تتناولي العشاء معنا هذه الليلة.
لم يسع جيسيكا غير القبول فتمتمت بحياء:
- شكرا جزيلا انت لطيفة للغاية.

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس

قديم 03-10-08, 06:52 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

- اتفقنا اذن والآن…
احجمت فيفيان عن اكمال عبارتها بعد ان سمعت وقع خطوات في الخارج:
- اعتقد انه بيتر.
بدا وكأن القادم توقف امام المدخل ومالبث ان علا صوته هاتفا:
- هل انت هنا يافيفيان؟
ابتسمت الزوجه بعد ان عرفت صوت زوجها وتطلعت الى جيسيكا بدهاء مجيبة:
- ادخل ياعزيزي اننا في غرفة الجلوس.
فوجئ بيتر وهو يدخل الغرفة بوجود جيسيكا وتسمرت عيناه الزرقاوان فيها لثوان قبل ان يعلق:
- مرحبا( ورمق زوجته بنظرة تساؤل مردفا) لم أدرك ان الدكتور نيل متزوج.
علت ضحكة فيفيان مقهقهة وتقدمت من زوجها موضحة:
- دعني أقدم لك يابيتر الدكتورة جيسيكا نيل (والتفتت الى ضيفتها) زوجي الدكتور اوبريان.
تغلبت جيسيكا على اضطرابها الناجم عن نظرات الطبيب المذهول ومدت يدها مصافحة:
- كيف حالك يادكتور اوبريان؟
- اني… ياالهي لم أتوقع أبدا ان…
مدت فيفيان يدها بدلال تعبث بشعر زوجها:
- لم أرك يوما بهذا الارتباك ياعزيزي انك تهذي كالمحموم.
- في الحقيقة لقد صعقتني المفاجأة.
حدجته جيسيكا بنظرة ثاقبة وسألت بعتاب:
- هل كوني امرأة يغير من الأمر شيئا؟
انتبه الطبيب الى ماسببته تصرفاته للضيفة الجديدة فهتف قائلا:
- ابدا… ابدامؤهلاتك ممتازة يادكتورة نيل وهذا جل مايهمني (وأردف بجدية) تصرفي هذا عائد الى ظني بأنك رجل ولم يخطر ببالي ابدا الاستعلام عن هذا الأمر أهلا بك في لويزفيل يادكتورة وأتمنى لك أطيب الأوقات وأهنأها معنا.
بعثت كلماته في نفسها شعورا بالارتياح فقالت مبتسمة:
- شكرا يادكتور اوبريان انا لاأشك لحظة في ذلك.
تدخلت فيفيان مقترحة:
- حسنا لندع جيسيكا الآن تأخذ حماما ساخنا وترتاح من عناء السفر أتمانعين في مناداتك جيسيكا؟
- لامانع البتة.
- سيكون العشاء جاهزا في تمام السابعة ياعزيزتي وان أردت اختصار المسافة الى منزلنا فما عليك سوى سلوك الممر الحجري في وسط الحديقة.
تأبطت فيفيان ذراع زوجها يهمان بالخروج وقبل ان يغادرا الغرفة التفتت الى جيسيكا وكأنها تنبهت الى أمر ما:
-لاتعيري الثياب أهمية بالغة فالعشاء عندنا يتم عادة في أجواء بسيطة وعائلية الى اللقاء.
بقيت جيسيكا دقائق طويلة في مكانها مستسلمة لشعور عارم بالارتياح تلفها الظلمة المخيمة على الغرفة مصحوبة بسحر الهدوء الطاغي باتت أكثر اقتناعا بأنها ستحب عملها الجديد خاصة بعد الاهتمام واللطف اللذين أبداهما مضيفاها.
خرجت الى سيارتها تكمل نقل أمتعتها الى الداخل وماان فتحت الصندوق الخلفي حتى رأت امرأة تجتاز الممر مهرولة ناحيتها وعلى ثغرها ابتسامة عريضة لمعت خلالها أسنانها البيضاء الناصعة:
- مساء الخير ياسيدتي أدعى كاتي وأعمل لدى السيدة اوبريان كلفت بمساعدتك في نقل الحاجيات.
لم تمانع جيسيكا فأغراضها كثيرة ويكفيها ماعانته من تعب في طريقها الى هنا فتركت الخادمة تهتم بالأغراض وصعدت الى غرفتها فاستحمت وتمددت على سريرها لفترة قصيرة.
اختارت لزيارة آل اوبريان ثوبا رقيقا بسيط الشكل واللون وانتعلت صندلا جلديا ابيض ثم صففت شعرها بسرعة امام المرآة وغادرت الغرفة مرجئة توضيب امتعتها الى يوم غد.
للمرة الثانية وجدت نفسها في غرفة الجلوس الأنيقة في منزل آل اوبريان انما من غير ان يثير وجودها هذه المرة دهشة الحاضرين.
- هل ترغبين بكوب من العصير ياجيسيكا؟
- فكرة لابأس بها شكرا يادكتور.
- أرجوك ناديني بيتر(وناولها كوبا من عصير البرتقال مردفا) بما اننا سنعمل معا فمن الأفضل رفع الكلفة بيننا منذ الآن.
ابتسمت جيسيكا موافقة ورشفت قليلا من العصير:
- أتيت في احدى رسائلك على ذكر طبيب مساعد آخر.
جلس بيتر على كرسي خشبي هزاز في مواجهتها وأجاب:
- اجل هذا صحيح واسمه دان ترافورد…
تدخلت فيفيان مقاطعة:
- انه شاب عازب وعيبه الوحيد هو سمعته السيئة في لويزفيل.
- ماهذا القول يافيفيان؟
نظرت فيفيان الى زوجها مكملة بهدوء:
- من الأفضل ان نطلع جيسيكاعلى حقيقة الرجل الذي ستعمل معه.
- دان طبيب ناجح جدا.
أصغت جيسيكا الى النقاش الدائر من غير تعليق.
- لاشك في مهارته كطبيب لكن حياته الشخصية صارت موضوع أحاديث كل سكان البلدة وهدفا لتعليقاتهم واشمئزازهم.
- لاعلاقة لنا بحياته الشخصية.
- بيتر انت تعلم مدى اعجابي بدان فبالرغم من استهتاره فهو لطيف وحلو المعشر شرط ان يتخلى عن نظرته التهكمية لبعض الأمور.
- لديه أسباب خاصة ليكون كذلك.
- ليس هذا بيت القصيد ياعزيزي فأهل البلدة على علم بعلاقته بالسيدة سامرز وانتقالها خصيصا من بريتوريا لتمضية نهاية الاسبوع معه.
لمعت عينا بيتر ببريق ماكر وضحك معلقا:
- سيلفيا سامرز تتمتع بجمال خارق.
ردت الزوجه بعصبية ظاهرة:
- طبعا ستراها فاتنة انا لاأفهمكم انتم معشر الرجال فأية امرأة تبرز مفاتنها وترتدي من الثياب ماقل ودل تصبح بنظركم آية في الجمال.
- هل تغارين منها فيفيان؟
ابتسمت الزوجه بدهاء محدقه في عينيه الزرقاوين:
- ياعزيزي كنت أغار لولا يقيني من انك تهيم بي وأعود فأكرر قولي علاقة دان بتلك الوقحة أساءت الى سمعته كطبيب في هذه البلدة واللوم يقع عليه وحده.
- بالله عليك يافيفيان لقد رسمت صورة قبيحة للمسكين في مخيلة جيسيكا ولما يتقابلا بعد.
التفتت السيدة اوبريان ناحية ضيفتها الصامتة وقالت بهدوء:
- عزيزتي جيسيكا انسي كل ماقلته عن دان فهو يتمتع ولاشك بسحر يسلب لب كل امرأة ويجعلها تشعر بأنها مميزة والنسوة ينكرن عليه تصرفاته وبالرغم من ذلك يتدافعن الى عيادته للتعرف عليه فكوني حذرة ياحلوتي.
خرجت جيسيكا عن صمتها مستفهمة:
- حذرة ممن؟دكتور ترافورد ام صديقته الحسناء؟
- من الاثنين معا واياك ان تثقي بأي منهما طبعا ليست السيدة سامرز من يشكل خطرا حقيقيا فهي قد تخدش عينيك لاأكثر بينما الخطر الأعظم سيأتي من دان فهو قد يقتلع قلبك من بين ضلوعك وهذا ماأخشى حدوثه.
أجابت جيسيكا بلهجة الواثق من نفسه:
- لاتنسي اني طبيبة يافيفيان وخبرتي في الرجال تعود الى أيام الدراسه.
- لكنك امرأة ايضا جذابة وتتمتعين بكل ما يفتح شهية الرجل.
اخفت جيسيكا حياءها بضحكة خفيفة معلقة:
- ليت أمي هنا لتسمع كلامك فقد دأبت طيلة السنوات الماضية على نفي هذه الصفة عني.
- لأنها ككل الأمهات تريد ان ترى ابنتها تنشأ في اجواء كالتي كانت سائدة في أيامها تهتم بأنوثتها الى جانب اهتمامها بالأعمال المنزلية.
ولكنك اخترت الطب كمهنة فزادها هذا اقتناعا بأنك اغفلت كونك امرأة وأهملت أنوثتك ألست محقة في قولي ؟
لم تقو جيسيكا على الانكار فهزت رأسها موافقة:
- صحيح ماتقولين.
نهض بيتر واضعا كوب العصير على الطاولة وهتف:
- عفوا لقطعي عليكما الحديث لكن عصافير معدتي تزقزق جوعا.
هزت فيفيان رأسها مازحة:
- عجيب أمركم ايها الرجال لاتفكرون سوى بملء بطونكم فلم يخطئ من قال (عند البطون تضيع العقول)
عند عودتها إلى مسكنها، جلست جيسيكا على الشرفة الصغيرة المطلة على الحديقة تفكر في واقعها الجديد. الدكتور أوبريان و زوجته يشكلان ثنائيا لطيفاً و ممتعاً للغاية. أنما ما يشغل بالها ما سمعته عن الطبيب الآخر و كيفية تصرفها معه، ستكون قوية و ستحاول تجنبه قدر المستطاع.
عادت إلى غرفة الجلوس و اتصلت بوالديها تطمئنهما عن وصولها بخير، ثم حضرت فنجاناً من القهوة حملته معها إلى غرفتها. لديها عطلة أسبوع كاملة لتعتاد المكان، و ترتيبه كما يحلو لها، و عليها استغلال بعضها لنيل قسط وفير من الراحة استعداداً لبداية أسبوع حافلة كما وعدها الدكتور أوبريان خلال العشاء
الفصل الثاني

منتديات ليلاس
2- حاولت جيسيكا اقناع نفسها أن دان ترافورد لا يختلف عن غيره من الرجال. لكنها مضطرة للاعتراف بأنه يتمتع بميزة خاصة، ميزة النفاذ إلى القلب بسرعة.

امضت جيسيكا عطلة نهاية الأسبوع في توضيب حاجياتها و إعادة ترتيب أثاث المنزل بطريقة تتناسب و ذوقها. بدأت فكرة العيش وحدها في مسكنها الصغير القابع على كتف حديقة آل أوبريان الغناء، فهنا ستحقق أمنية أمها و تكون طبيبة و امرأة في آن معاً.
في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، اصطحبها بيتر إلى المنزل القديم في إحدى ضواحي المدينة و الذي يشغله كعيادة بعيداً عن الضوضاء و الزحمة. أول من التقت كانت الممرضة اميلي هانسن التي بالرغم من علامات الدهشة الفاضحة التي ارتسمت على وجهها عند تعارفهما، رحبت بها بحرارة متمنية لها التوفيق في عملها، ثم استدارت ناحية الدكتور أوبريان:
- اتصل الدكتور ترافورد منذ دقائق و سيتأخر في المجيء إلى العيادة.
- هل أعطاك سبباً لذلك؟
- ذهب عند الفجر إلى مزرعة آل كرايسون.
- ماذا حصل؟
- رفس ثور هائج أحد العاملين في المزرعة، و حالته تتطلب ادخاله المستشفى لاجراء عملية مستعجلة.
التفت بيتر نحو جيسيكا قائلاً:
- يبدو أنك ستمضين اليوم الأول بمفردك يا دكتورة. هل بمقدورك تسيير الأمور إلى حين رجوعي؟
أجابت الطبيبة الشابة بهدوء و ثقة:
- بكل تأكيد.
- حسناً، إن اردت الاستفسار عن شيء، نادي الآنسة هانسن و سأكون في المستشفى ان احتجتما إلي.
دخلت جيسيكا عيادتها بعد رحيل بيتر، تلقي نظرة على محتوياتها و تتفحص خزانة الملفات و أسماء المرضى، حين دخلت عليها الممرضة:
- هل تودين القيام بجولة للتعرف على المكان؟
- و لم لا؟
سارتا في الرواق الأبيض و قد زينت جدرانه لوحات هادئة الألوان و المناظر. توقفت الممرضة أمام إحدى الغرف قائلة:
- هذه الغرفة تابعة لعيادتك (و اشارت بإصبعها إلى الغرفتين المجاورتين) و هاتان الغرفتان للدكتور أوبريان. و تلك للدكتور ترافورد.
- و لماذا غرفتان؟
ابتسمت الممرضة معلقة:
- لن تطرحي هذا السؤال بعد أن تشاهدي شدة الازدحام هنا.
- مازلت لا أرى فائدة من وجود غرفتين لكل طبيب.
- وجودهما يتيح لك الكشف على مريضين في آن معاً. تعالي.
و أخرجت معطفاً قصيراً أبيض.
- من المؤسف أنه ليس مقاسك، فقد كان معداً لرجل.
فتحت جيسيكا حقيبتها الجلدية و تناولت سترة بيضاء مطوية بعناية و وضعتها على المقعد خلف مكتبها.
- لا بأس، فقد جلبت سترتي معي.
ابتسمت الممرضة بلطف و علقت:
- تصرف ذكي من جانبك يا عزيزتي، فهذه السترات الجاهزة لا تعجبني أبداً.
- متى يبدأ المرضى بالتوافد؟
- اعتقد أنهم بدأوا لتوهم، فأنا اسمع جلبة في غرفة الانتظار.
- إذن، من الأفضل أن تباشري عملك في الحال و لا تدعيهم ينتظرون. أليس كذلك؟
- في الحال يا دكتورة.
ما إن أغلقت الممرضة الباب خلفها، حتى أسرعت جيسيكا إلى ارتداء سترتها البيضاء ملقية نظرة سريعة على الغرفة تتحقق من مكان وجود آلات الطبابة. إنها عيادة صغيرة و مريحة تحوي كل ما قد يلزمها أثناء الكشف على المريض. سرير جلدي طويل و عالي مكسو بغطاء أبيض، و خلفه شاشة مربعة تظهر عليها نتائج الفحوص مباشرة. قرب المكتب، خزانة زجاجية صفت عليها آلات معقمة و بعض الأدوية الضرورية. إنها تجربة جديدة و غريبة تمر بها، فعملها هنا يختلف تماما عما كانت تقوم به في جوهانسبرغ.
لقيت جيسيكا بعض الصعوبات في تعاملها مع الدفعة الأولى من المرضى، و راعها ما لاحظته من تعابير متناقضة على وجوههم. فمن دهشة عند ولوجهم الغرفة إلى حيرة و ارتباك خلال الكشف، لينتهي الأمر باذعان حذر لارشاداتها. لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها ان حيرتهم هذه ستزول فور مغادرتهم العيادة و في حوزتهم الوصفة الطبية.
تطلعت إلى ما تبقى من أسماء على اللائحة المعلقة أمامها، و نادت بأعلى صوتها:
- المريض التالي.
دخل مزارع ضخم الجثة لفحت وجهه شمس البيادر و فتلت ساعديه أعمال الحقل، خلع قبعة القش الكبيرة عن رأسه الضخم بوقاحة سائلاً بصوت أجش:
- هل استعان الدكتور أوبريا بممرضة أخرى؟
- لست ممرضة يا سيد بوشوف، بل طبيبة مساعدة.
فتح المزارع فاه مشدوهاً:
- أأنت الطبيب الجديد؟
ردت جيسيكا ببرود متعمدة:
- هذا صحيح. مما تعاني يا سيد بوشوف؟
أشار باصبعه الغليظة إلى صدره شارحاً:
- إنها القحة يا... يا دكتورة. تكاد تقتلني و تسبب لي ألماً مبرحاً هنا. هل بإمكانك اعطائي دواء ناجعاً لها؟
تقدمت منه على مهل ممسكة بسماعتها:
- سأكشف عليك أولاً.
انتفض الرجل فجأة و تراجع إلى الوراء مزمجراً بانفعال:
- تكشفين علي؟
لم تأبه جيسيكا لردة فعله، و أشارت إلى العازل:
- اخلع قميصك يا سيد بوشوف و استلق على السرير.
تناول قبعته ملوحاً بها و كأنه يحمي نفسه:
- لن أخلع قميصي أمام امرأة. صفي لي الدواء و لن أزعجك بعد ذلك.
حدجته بنظرة فاحصة و هتفت بتذمر:
- اسمع يا سيد، ليست المرة الأولى التي تقع عيناي على رجل كاشف الصدر، فاخلع قميصك و دعنا من هذه الحركات السخيفة.
- لن أفعل امام امرأة غير زوجتي. و أنت...
قحة مفاجئة صدرت خلف المزارع قاطعة عليه عبارته، فاستدارت جيسيكا ناحية الباب، لتلتقي عيناها بعينين رماديتين ترمقانها بنظرة شرهة، أثارت فيها ارتباكاً تخظى تأثيره حدود المفاجأة.
لم تهتم بسؤاله عمن يكون، فهالة الرجولة المحيطة بقوامه الرشيق و منكبيه العريضين، شلتها قبل ان تتمكن من الكلام.
- هل حدث سوء يا دكتورة؟
- أريد أن اكشف على السيد بوشوف لكنه يأبي خلع قميصه.
تدخل المزارع معترضاً بانفعال:
- انها امرأة يا دكتور ترافورد.
التفتت جيسيكا من جديد ناحية المتطفل، عند سماعها اسمه، تمعن النظر فيه بذهول مشوب بالاضطراب. ما برح واقفاً على عتبة الباب، يبادلها النظرات بعينين وقحتين لا يرف لهما جفن.
- و لا تنس يا صديقي أنها أيضاً طبيبة، و من المؤكد أنها رأت خلال عملها مئات الرجال الكاشفين عن صدورهم. لا تكن غبياً يا رجل و اخلع قميصك.
انصاع المزارع لأوامر الدكور ترافورد و خلع قميصه متلعثماً:
- بئس هذه الأيام اللعينة، فالعالم و لاشك سائر إلى الخراب.
غادر الطبيب الغرفة بهدوء كما ظهر، فالتقطت جيسيكا آلتها و بدأت الكشف على المريض من غير ان يبدي اعتراضاً.
استغرق الأمر دقائق قامت جيسيكا بعدها لتغسل يديها:
- بامكانك ارتداء قميصك ياسيد بوشوف.
- مالأمر يادكتورة؟
- احتقان في شعيباتك الرئوية،هل تدخن؟
- نعم.
- كم سيكارة يومياً؟
- ادخن...ادخن كثيراً.
اعادت جيسيكا السؤال بلهجة آمرة:
- هيا ياسيد بوشوف،كم سيكارة؟
اجاب المزارع بتذمر:
- حوالي الستين على مااعتقد،ولاتحاولي ان تسأليني التوقف عن التدخين.
- لن اطلب منك التوقف عن التدخين لكني سأسألك التقليل منه أو التوصل الى تدخين نصف العدد الحالي.
ثم اردفت قبل ان تسمع اعتراضه:
- سأصف لك دواء وعد الى هنا بعد اسبوع.
تناول المزارع قبعته بسخط واتجه نحو الباب:
- من الأفضل ان ارى الدكتور اوبريان أو الدكتور ترافورد.
ابتسمت جيسيكا وهي تكتب نوع الدواء على ورقة صغيرة امامها ثم تمتمت بتهكم:
- كما تشاء ياسيد بوشوف.
علت ضحكة جيسيكا بعد خروج المزارع حانقاً من عيادتها فالتحدي الخفي بين كونها امرأة وعدم اعتياد المرضى على ذلك ظهر جلياً منذ اليوم الأول لكن ضحكتها هذه لم تدم طويلا مع دخول المريض التالي.
تهادت جيسيكا على مقعدها بعد ان تأكدت ان المرأة التي خرجت لتوها من الغرفة كانت آخر اسم لديها لهذا الصباح. لقد نالت ماكانت تسعى اليه منذ فترة وأحست بتغيير في حياتها كطبيبة.كانت على حق عندما تجاهلت تحذيرات والدها وأقدمت على المجئ الى هذا المكان .أفاقت من شرودها عند سماعها وقع خطوات خلفها ،فاستدارت لتجد نفسها مرة
أخرى وجهاً لوجه مع دان ترافورد الذي لم يكتف هذه المرة بالوقوف عند الباب بل تقدم من مقعدها بقامته الطويلة مسلطاً عليها نظرات وقحه.
ألقت جيسيكا نظرة سريعة على الزائر الجذاب من غير ابتسام.
حدق دان ترافورد فيها طويلا ولم يترك مكاناً من جسمها الا وتفحصه.
من شعرها الأشعث حتى حذاءيها مما بعث فيها رجفة خفيفة لم تقو على اخفائها فتململت محركة كتفيها بعصبية واضحة.ثم تمتمت بصوت خافت:
- لالزوم للتعارف بعد ان اسدى اليّ السيد بوشوف خدمة جلة، اريد ان أشكرك يادكتور.
- لاتشكريني فربما احتجت لمساعدتك يوماً ما.
لم تدرك جيسيكا حقيقة مايرمي اليه لكن شعوراً داخلياً ينبئها بأن ماقصده لايتعلق بالعمل ابداً،فأجابت:
- بما اننا سنعمل معاً في الأشهر القادمة فانني سأكون مسرورة ان نحن تعاونا في العمل.
ارتسمت على ثغرة ابتسامة ماكرة اثبتت لجيسيكا صدق شعورها وقال معلقاً:
- يسرني سماع هذا الكلام.

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
قديم 03-10-08, 06:53 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

حدقت جيسيكا طويلا في هاتين العينين المسلطتين عليها تحاول اقناع نفسها بأن صاحبها لا يختلف عن غيره من الرجال الذين مروا في حياتها لكنها مضطرة للأعتراف بأن دان يتمتع بميزة خاصة لم تعرفها من قبل ميزة النفاذ الى القلب بسرعة وقدرته العجيبة على جعلها تحس انها امرأة اذ ان كلماته اعادت اليها في لحظات شعورها بالأنوثة.
ارتبكت وأشاحت بوجهها نحو النافذة محاولة اخفاء قلق ارتسم فجأة على محياها ولم ينقذها من هذا الموقف المحرج سوى دخول بيتر اوبريان الغرفة.
منتديات ليلاس
- آه،انت هنا يادان اراك قد تعرفت على زميلتنا الجديدة .
رد دان ببرودة من غير ان تطلق عيناه سراح جيسيكا:
- اجل لقد تعارفنا.
هتف بيتر موزعاً نظراته بين الأثنين:
- حسناً هل سارت الأمور على مايرام هذا الصباح؟
ابتسم الدكتور ترافورد بسخرية قاطعاً على جيسيكا فرصة اخبار بيتر بما حدث مع المزارع بوشوف.
- على أفضل مايرام يابيتر.
التفت بيتر نحو الممرضة التي دخلت لتأخذ ملفات المرضى عن طاولة جيسيكا:
- هل اتصل أحد ياآنسة هانسن؟
- كلا. بامكانك الذهاب الى المنزل والتمتع بوجبة طعام هانئة.
صفق دان هاتفاً بفرح:
- لم اسمع نبأ ساراً كهذا منذ شهور(والتفت الى جيسيكا متسائلاً)هل ترافقينني؟
حافظت جيسيكا قدر الامكان على هدوئها وأجابت متصنعة البراءة:
- اتعني الى الغداء؟
رد بلهجة هازئة:
- طبعاً الى الغداء دكتورة.
اعتذرت بتهذيب لكن بحزم:
- اعمال كثيرة علي القيام بها قبل ان يصبح بامكاني القول اني انهيت ترتيب المنزل.شكراً على الدعوة.
اجاب دان بلهجة تعكس عدم اكتراثه:
- ياللأسف .القاكم بعد الظهر.
خيم صمت طويل على القاعة بعد رحيل دان قطعته الممرضة هانسن معلقة:
- اعرف شيئا واحداً عن الدكتور ترافورد وهو عدم تخليه عن المحاولة مهما حصل ربما هذا سبب نجاحه كطبيب.
ضاعت تعابير وجه الدكتور اوبريان بين العبوس والابتسام:
- كلامك ياآنسة هانسن وكلام زوجتي سيجعلان جيسيكا تظن اننا نؤوي رجلا خطيراً في عيادتنا.
صاحت الممرضة مدافعة عن دان:
- لا،ليس هذا ما قصدته ليس الدكتور ترافورد من هذا النوع ابداً،انما يملك قوة غريبة تجعل منه شخصاً لاتصده امرأة.
ابتسم بيتر بمكر معلقاً:
- اتعنين انه جذاب للغايه ياآنسة هانسن؟
توردت وجنتا الممرضة خجلا واحتارت كيف تخفي ارتباكها،فصاحت:
- اذهبا لتناول الغداء واتركاني وشأني.
ماكادت جيسيكا تنهي غداءها حتى سمعت رنين الهاتف في غرفة الجلوس .
- اعتذر لازعاجك في وقت الغداء فالدكتور ترافورد غادر العيادة لتوه الى المستشفى والدكتور اوبريان في اجتماع هام للغاية.
التقطت جيسيكا القلم وسألت بقلق:
- ماالأمر ياآنسة هانسن؟
ردت الممرضة موضحة:
- لقد تلقيت مكالمة من اوم هاني دلبورت وهو تاجر مشهور في البلدة يقول ان زوجته سقطت وتشكو من ألم رهيب.
- ارشديني الى المنزل لأمضي حالاً.
- يملكان محلاً ملاصقاً لمكتبة لوغان ومنزلهما يقع خلفه مباشرة.
اعادت جيسيكا سماعة الهاتف الى مكانها ومضت بعد ان تناولت حقيبتها الى منزل آل دلبورت.
لم تجد صعوبة في اتباع تعليمات الممرضة وفي دقائق كانت تقرع باب المنزل فاستقبلها رجل مرتبك قدمت له جيسيكا نفسها:
- سيد دلبورت،انا الدكتورة نيل.
تنحى اوم دلبورت جانباً مفسحاً لها المجال لتمر:
- اهلا يادكتورة ارجوك اتبعيني.
لحقت جيسيكا بسيد المنزل بقامته النحيلة وعظامه النافرة الى غرفة النوم.
- جعلتها تستلقي بعد ان غسلت قدميها بالماء الساخن ولكنه لم يجد في تخفيف المها.
وفي الغرفة المظلمة تمددت امرأة ضخمة الجثة رمادية الشعر على سرير خشبي قديم تئن بصوت خافت وكأنها تحتضر .وضعت جيسيكا حقيبتها على كرسي قريب وتقدمت من المريضة مبتسمة:
- مرحباً ياسيدة دلبورت.انا الدكتورة نيل.
نظرت السيدة بطرف عينيها الى جيسيكا وتمتمت بالرغم من المها:
- لايبدو عليك ذلك مازلت يافعة ياصغيرتي.
تقبلت جيسيكا كلام العجوز مبتسمة بالرغم من كرهها الشديد لتشبيهها بالطفلة.
- ستسمحين لي ان اكشف عليك.أليس كذلك؟
- افعلي ماتشائين لكن ازيلي عني هذا الألم المبرح.
هم الرجل بمغادرة الغرفة لكن جيسيكا استوقفته وهي تباشر الكشف على العجوز:
- بامكانك البقاء هنا ياسيد دلبورت.
راحت يداها الصغيرتان تتلمسان بلطف وحذر معدة العجوز تحاول تحديد موضع الألم.
- منذ متى تعانين هذه الآلام ياسيدة دلبورت؟
قاطعتها العجوز بلهجة محببة وهي تعيد اتداء ملابسها بمعاونة زوجها:
- ارجوك ناديني العمة ماريا فالكل يناديني بذلك.
وأشارت بسبابتها الى العجوز الجالس على حافة السرير:
- وزوجي يدعى اوم هايني.
- انكما ثنائي لطيف اخبريني الآن عن آلامك.
- تنتابني هذه الآلام باستمرار منذ عدة اسابيع تقوى تارة وتخف تارة اخرى لكن هذه هي الأسوأ.
وزفرت زفرة طويلة مخفقة في اخفاء المها عن الطبيبة الشابة.
- لماذا لم تعرضي نفسك على طبيب؟
- ظننت ان الأمر لايتعدى عسر هضم بسيط.
ساد صمت ثقيل التقت خلاله عيناها عيني جيسيكا:
- ماالأمر ياصغيرتي؟صارحيني ارجوك.
- لايمكنني الجزم في الوقت الحاضر،ياعمتي لكني اعتقد ان الآمك ناتجة عن حصاة في الكلية.
صاحت العجوز باشمئزاز اضحك جيسيكا:
- حصاة؟ومن اين جاءت هذه الحصاة؟
فتحت جيسيكا حقيبتها وشرعت في تحضير حقنة:
- انها تتكون في المثانة ياعمتي لكني لن اسهب الآن في تفسير ذلك سأعطيك مايخفف المك واطلب منك ان تمضي عدة أيام في المستشفى.
رددت العجوز بذهول عبارة الدكتورة وما ان همت بالاعتراض حتى قلبتها جيسيكا على بطنها
لتغرز رأس الابرة في جلدها.
- اريد ان اصورك بالأشعة فبهذه الطريقة نتأكد من صحة تشخيصي للداء وبعدها نقرر مايجب عمله.
- لايمكنني دخول المستشفى ماذا سيحدث لهايني خلال مكوثي هناك؟
علا صوت السيد دلبورت للمرة الأولى منذ وصول جيسيكا ورد بلهجة مطمئنة حازمة:
- لاتقلقي علي ماريا سأتدبر اموري لابأس يادكتورة سأدخلها المستشفى في الحال.
- حسناً ياسيد دلبورت سأقوم بالاجراءات اللازمة.
بعد لحظات قليلة كانت جيسيكا وراء مقود سيارتها البيضاء تواجه مشكلة مضحكة ومزعجة في آن معاً لقد اخبرتها الآنسة هانسن عن وجود ثلاث ابنية عالية في لويزفيل .الأولى الهيكل الحجري والذي تعرفه جيسيكا جيداً لوقوعه في الطريق المؤدي الى العيادة والباقيتان المدرسة الرسمية والمستشفى وكلاهما بان لجيسيكا بوضوح وهي تقود سيارتها في الطريق العام ولكن الصعوبة تكمن في معرفة اي منهما هي المستشفى.
لم يكن امامها وهي الغريبة عن البلدة سوى اتباع السهام المغروزة الى جانب الطريق حيناً وسؤال المارة حيناً آخر الى ان وصلت في النهاية الى الباحة الواسعة المحيطة بالمستشفى ودخلت المبنى المجدد والمحاط بأشجار الصنوبر وتغطي جدرانه نباتات خضراء نضرة كانت تفكر في حالة السيدة العجوز وصحة تشخيصها للمرض الذي تعاني منه عندما سمعت صوت دان ترافورد خلفها مباشرة:
- ياللصدفة الرائعة!
أهو حظها العاثريفرض نفسه اليوم حتى تلتقي الرجل الذي منذ لقائها الأول يتعمد بجسارة القضاء على رصانتها والتأثير على ثقتها بنفسها؟
.اقترب منها مبتسماً بسخرية:
- تبدين وكأنك تائهة هل تبحثين عن أحد؟
- كنت...اريد ان اقوم بالأجراءات اللازمة لادخال احد المرضى قبل المساء فعليها ان تخضع لصور الأشعة في اسرع وقت ممكن.
- اتبعيني يادكتورة نيل.
سارت جيسيكا خلفه في الرواق المؤدي الى الادارة.
- مااسم المريضة؟
- السيدة دلبورت.
استدار دان ناحيتها وقد ارتفع حاجباه دهشة:
- العمة ماريا صاحبة البنية الضخمة؟مابالها هذه المرة؟
- اعتقد انها البحصة.
تمتم دان وهو يهم بدفع الباب المؤدي الى مكتب استقبال المرضى:
- هل انت متأكدة من انها البحصة؟
- كل التأكيد(وأضافت بشئ من التهكم)هل تشك في صحة تشخيصي يادكتور ترافورد؟
- لم أشك لحظة في صحة تشخيصك يادكتورة نيل لكن قد يكون الأمر مجرد سوء هضم بسيط.
- اني متأكدة من ان الأمر ليس كذلك .الى اللقاء.
دخلت المكتب مقفلة الباب خلفها.لم تلتقي قبلاً رجلاً بمثل سماجة دان ترافورد وتأثيرة على مزاجها فقد كانت فيفيان على حق في وصفها له لكن الوقت الآن لايسمح باثارة مثل هذه الأمور خاصة وان السيدة دلبورت مرهونة بسرعة ادخالها المستشفى.
اتمت جيسيكا الاجراءات اللازمة وقبل ان تعود ادراجها الى السيارة استرعى انتباها صوت خطوات سريعة تتبعها وأحست بقشعريرة باردة تسري في انحاء جسمها.
- دكتورة نيل.
انه صوته يضج في انحاء الرواق بنبرة التهكم التي لاتفارق عباراته.
جمدت في مكانها واستدارت لتجد دان يسد عليها الطريق بطلته المؤثرة وقامته الممشوقة.
- هل لديك مانع في حمل مجموعة من صور الأشعة وتسليمها لبيتر فهو يود الاطلاع عليها؟
- بكل تأكيد يادكتور ترافورد.
ناولها دان ظرفاً مختوماً معاوداً الكلام:
- بالمناسبة يادكتورة نيل ان احتجت الى استشارة ثانية بشأن العمة ماريا فأنا في خدمتك.
كتمت جيسيكا غيظها ونظرت الى محدثها مبتسمة بهدوء مصطنع:
- شكراً على عرضك اللطيف يادكتور ترافورد لكني لاأشك لحظة في تشخيصي.
لم يقدر دان على كتم ضحكة اطلقتها شفتاه وقال هازئاً:
- آه كم تعجبني هذه الثقة بالنفس!
- كيف اتوقع من مرضاي ان يمنحوني ثقتهم اذا لم اكن املك الثقة الكافية بنفسي؟
اجاب محافظاً على نغمة الهزء نفسها التي غشت عباراته حتى الآن:
- صحيح...صحيح.
احست نفسها كبركان على وشك قذف حممه وسألته بجفاء:
- اهناك خدمة اخرى يادكتور ترافورد؟
- بقي ان تقبلي دعوتي الى العشاء الليلة.
بدا التحدي واضحاً في كلامه جلياً في نظراته فاحجمت عن الكلام لثوان طويلة وكأن شللاً اصاب دماغها لكنها تمالكت نفسها مجيبة بهدوء:
- اني واثقة من انك ستجد شخصاً مسلياً اكثر مني تمضي معه وقت فراغك يادكتور ترافورد.
هز رأسه موافقاً وقد اغاظه رفضها المتكرر لدعوته:
- لاشك في ذلك يادكتورة نيل.
غاب دان في نهاية الرواق تاركاً اياها فريسة زوبعة هائلة من القلق والحنق مرة اخرى تتجنب تحديه وتظهر جبناً متهربة من دعوته لها فحملت افكارها المتعبة الى سيارتها واتجهت الى العيادة لتستقبل من جديد سيلاً من المرضى .
فور دخولها عيادتها القت نظرة سريعة على ملفات المرضى الموضوعة على مكتبها وراحت تدقق فيها قبل المضي في الكشف على اصحابها استوقفها ملف امرأة في المراحل الأخيرة من حملها تدعى اوليفيا كينغ لها من العمر تسع وعشرون سنة حازت على اعجاب جيسيكا فور ولوجها الغرفة بقامتها القصيرة وشعرها الحريري الراقص على كتفيها تبادلت الاثنتان ابتسامة رقيقة ونهضت جيسيكا عن كرسيها مرحبة:
- مساء الخير ياسيدة كينغ تفضلي بالجلوس.
تهادت السيدة الحامل على المقعد:
- شكراً يادكتورة.
- الملف يدل على انك احدى مريضات الدكتور اوبريان.
- هذا صحيح وفور علمي بأن الطبيب الجديد امرأة اخبرته بأني افضل عرض نفسي عليك من الآن وصاعداً.
ابتسمت جيسيكا بلباقة:
- لم اظن اني سأسمع هذا الكلام من احد مرضاي اليوم.
هتفت السيدة بتعجب:
- لماذا؟
- معظم مرضاي ياسيدة كينغ اصيبوا بصدمة عندما علموا بأن امرأة ستقوم بالكشف عليهم وللمرة الأولى منذ وصولي الى هنا اجد من يقصد عيادتي لأنني امرأة.
- في الحقيقة كنت اخشى ان يسبب توجهي الى طبيب آخر اساءة الى بيتر لكن لكونك امرأة اعطاني العذر المناسب.
- عفواً ياسيدة كينغ لكني لم افهم ماتعنين لماذا تحتاجين العذر لتبدلي طبيبك؟
ارتسمت ابتسامة رقيقة على شفتي المريضة واردفت شارحة:
- فيفيان زوجة بيتر هي اخت زوجي ومن غير اللائق التخلي عن طبيب تربطني به صلة قرابة.
- حسناً هلا خلعت ثيابك ياسيدة كينغ وارتديت هذا القميص الأبيض سأعود بعد دقائق لأكشف عليك.
اتجهت جيسيكا الى غرفة الطوارئ لاسعاف ولد اصيب بجرح عميق في احد اصابعه وعادت مباشرة الى عيادتها حيث استلقت السيدة كينغ على السرير الجلدي لم يستغرق الكشف سوى دقائق قالت جيسيكا بعده معلقة:
- لم يبق امامك مدة طويلة ياسيدة كينغ.
ابتسمت المريضة تاركة جيسيكا تساعدها في النهوض:
- انه طفلك الأول أانت متحمسة للفكرة؟
- جداً حتى انها باتت تؤثر على اعصابي.
- لاحاجة للقلق ياسيدة كينغ.
ضحكت اوليفيا ضحكة رنانة:
- هذا ماقاله لي بيتر ومع ذلك لم اتخلص من القلق تماماً ناهزت الثلاثين وسمعت قصصاً كثيرة عما تعانيه المرأة في هذه السن اثناء الولادة الأولى.
جلست جيسيكا الى مكتبها تدون بعض الملاحظات ثم التفتت الى مريضتها:
- لاادري سبباً لشغف بعض الناس في اثارة هلع الآخرين.
- السبب هو وجود اشخاص اغبياء مثلي يصدقون مثل هذه الأخبار اريد الطفل مهما كلف الأمر.
- وستحصلين عليه ياسيدة كينغ.
اغمضت اوليفيا عينيها وأسندت رأسها الى حافة المكتب:
- سيضفي على المنزل جواًمن المحبة والألفة وبه ستتوطد علاقتي بزوجي اكثر فأكثر لزوجي ابنة صغيرة من زوجته الأولى رحمها الله،ولكن هذا لم يؤثر على علاقتنا فهي اكثر من متينة وهذا الطفل يادكتورة نيل سيزيدها روعة ومتانة.
- ماأسم ابنة زوجك؟
- فرانسين.
ارتسمت مسحة من القلق على وجه اوليفيا:
- حماسها غير معقول وهذا احد الأسباب التي تقلقني.
- قلقك في غير محله ياسيدة كينغ كل شئ سيسير على مايرام فأنت شابة وأنا واثقة من انك تفوقينني قوة وعزماً.
- اشعر بارتياح وأن اتحدث اليك وأرجو ان تقومي بزيارتي في المزرعة قريباً شرط عدم الكلام في شؤون العمل.
- اشكرك على هذه الدعوة اللطيفة ياسيدة كينغ.
- لنتخل عن الشكليات ادعى اوليفيا وكما قالت فيفيان عند قدومي الى لويزفيل كلنا عائلة واحدة هنا وهي على حق في ذلك.
- حسناً اتفقنا.
- ارجو ان تستمتعي بالعيش بيننا فالناس هنا لطفاء جداً.
ونهضت عن مقعدها متابعة:
- والآن علي ان اذهب.
نهضت جيسيكا بدورها مذكرة:
- يجب ان اكشف عليك من جديد بعد اسبوع.
- بكل تأكيد شكرا على هذه الجلسة الرائعة.
- الاستماع الى مرضاي جزء من مهنتي.
- انت لطيفة للغاية الى اللقاء في الاسبوع المقبل وربما قبل ذلك.
حدقت جيسيكا طويلاً في الباب بعد ان اغلقته اوليفيا وراءها تفكر في هذه السيدة الفتية صاحبة الوجه الناعم والسحر الذي لايخفى على احد اعجبت ببراءتها وحماسها لأن تكون اماً انها النوع الذي يؤثر في الآخرين منذ الوهلة الأولى ويترك حضوره عطراً فواحاً لمدة طويلة.

الفصل الثالث

3- لا تعرف خطوتها التالية و كأنها تسير في المجهول. تعرف أن الخطر يحدق بها و هي تشهد الوهن يدّب في قدرتها على مواجهة هذا الرجل الغريب...

في نفس الليلة، توجهت جيسيكا بعد العشاء لتعود العمة ماريا في المستشفى.
كانت العجوز ممددة في الفراش مسندة رأسها إلى عدد من الوسادات الصغيرة، تنتظر السماح لزوجها بزيارتها.
رفعت رأسها مبتسمة لجيسيكا و هي تدخل الغرفة:
- أهلاً بحلوتي الصغيرة. ما اسمك الأول يا دكتورة نيل؟
- جيسيكا.
- حسنا، اسمعيني يا جيسيكا. زال الألم الآن، و أشعر بتحسن ملموس، فهل بإمكاني العودة إلى المنزل لأبقى مع أوم هايني؟
- لن نبحث هذا الموضوع في الوقت الحاضر، فزوال الألم مرده إلى الدواء الذي وصفته لك. غداً سنقوم بتصويرك على الأشعة.
همهمت العمة العجوز بسخط:
- أعلم ألاعيبكم أيها الأطباء، ما ان تضعوا أيديكم على مريض مسكين مثلي حتى تدخلوه المستشفى، فلا يخرج إلا و قد عملت مباضعكم في في جسمه.
وضعت جيسيكا أصبعها على معصم المريضة تتفحص نبضها مبتسمة:
- لن نجري أية عملية جراحية ما لم تكن لصالحك.
- أعلم ذلك يا صغيرتي، و ان كنت دائمة التذمر فلأني قلقة على زوجي العجوز. لقد اشتقت إليه.
- و أنا متأكدة من شوقه إليك أيضاً... أعدك بأن الأمر لن يطول.
فتح الباب فجأة و أطل دان ترافورد بطلته البهية، فهتفت العجوز بحبور:
- ها هو الدكتور ترافورد الطيب (و نظرت إلى جيسيكا مضيفة) أليس جذاباً؟
أجابت جيسيكا متلعثمة:
- لا... لا أدري.
علا صوت الدكتور ترافورد بنبرته التهكمية المعهودة و هو يتجه إلى حافة السرير المواجهة لجيسيكا.
- ما الذي لا تدرينه يا دكتورة نيل؟
سبقت جيسيكا العجوز إلى الاجابة:
- كنا نناقش أموراً خاصة يا دكتور ترافورد.
هتف دان موزعاً نظراته الساخرة بين جيسيكا و العجوز.

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
قديم 03-10-08, 06:54 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

- آه، بات لديكما ما تخفيانه عن الآخرين و لم يمض على تعارفكما يوم واحد. ستخبرينني كل شيء عندما تغادر الدكتورة نيل الغرفة، أليس كذلك يا سيدة دلبورت؟
ردت العجوز بلهجة حازمة خفف من حدتها بريق ضاحك في عينيها:
- لن أخبرك شيئاً أيها الداهية.
تصنع دان الكآبة و أمسك بيد العمة ماريا معاتباً:
- أبهذه اللهجة تلكمني فتاتي المفضلة؟
ضحكت العمة بمكر:
- من حظك أني لا أصفعك أحياناً.
- إنك تهينني يا عمتي العزيزة.
- لم أعهدك حساساً إلى هذا الحد يا دان ترافورد. حان لك أن تقلع عن طيشك و تجد لنفسك فتاة طيبة تشاركك مستقبلك.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة.
- جدي لي فتاة طيبة مثلك يا عمة ماريا و سأتزوجها في الحال.
- لست بحاجة لمساعدة أحد، استعمل عينيك و عقلك إيجاد الفتاة المناسبة. و لكنك لن تفلح في ذلك ما دمت دائماً هائماً على وجهك في الاتجاه الخاطئ.
أدركت جيسيكا ما تعنيه العجوز بكلامها و تذكرت ما قالته فيفيان عن علاقة دان.
أطلق الدكتور ترافورد ضحكة قصيرة و أجاب:
- لعلني راض بالطريق الذي اخترته.
لم تجد العجوز فائدة من متابعة الكلام، فقالت مشفقة:
- أذن، إني أرثي لحالك يا عزيزي.
هز دان رأسه بتململ و تطلع في عيني العجوز قائلاً:
- لا أدري لماذا أسمح لك بالتحدث إلي بهذه الطريقة.
- لأني عجوز كفاية لتعتبرني كوالدتك، عدا عن أني معجبة بك بالرغم من سوء أخلاقك.
قاطعتهما جيسيكا مودعة من غير أن تلتفت إلى دان:
- سأراك غداً يا سيدة دلبورت.
رفع دان ذراعه قاطعاً عليها طريق الخروج.
- دقيقة واحدة يا دكتورة نيل
ترافق دان و جيسيكا في الرواق الطويل الفاصل بين الغرف. و قبل وصولهما إلى المصعد، التفت إليها قائلاً:
- يقدمون قهوة لذيذة في هذا المطعم.
- فكرة جيدة، لكن الوقت متأخر و أفضل العودة إلى المنزل.
لمعت عينا دان ببريق شيطاني غريب بعث الرعب في قلبها.
- فكرة أخرى جيدة، فأنا واثق من أن قهوتك أفضل من هنا.
ردت جيسيكا بحدة:
- لا تفسر كلامي على أنه دعوة.
- لا بل إنها ألطف دعوة (و أفسح لها المجال للخروج من المصعد متابعاً) لقد دعوت نفسي.
توقفت جيسيكا عن السير و التفتت إليه بانفعال:
- إن كنت تظن أني...
قاطعها دان بهدوء:
- سأتبعك بسيارتي و لا تسرعي، فالقانون صارم في لويزفيل.
لم يكن بوسعها أن ترفض عرضه هذه المرة، فقد آن الأوان لترد له التحدي، و تشعره بقدرتها على مقاومة هزئه و سخريته. ستثبت له أنها لا تهابه و تريه مدى ثقتها بنفسها. جلست خلف مقود سيارتها تراقبه يستقل سيارته الحمراء... ثم أدارت المحرك تتساءل إلى أين سيؤدي بها الأمرهذه المرة، إن حاول هذا الطبيب الوقح تمضية بعض الوقت معها للتسلية مستغلاً سفر صديقته إلى بريتوريا، فسيلقى من الرفض و الصد ما يلقنه درساً لن يغرب عن باله أبداً. لن تدع علاقتها به تتعدى حدود المشاركة المهنية. لحق بها في الطريق المؤدي إلى منزلها، و بقي خلفها إلى أن فتحت الباب و أضاءت غرفة الاستقبال.
منتديات ليلاس
- أصبح المكان جميلا للغاية (و تبعها إلى المطبخ مضيفاً) هل تعلمين أن بيتر استعمله كعيادة في بداية عمله في لويزفيل؟
وضعت جيسيكا غلاية القهوة على النار بيدين مرتجفتين:
- أخبرتني فيفيان ذلك.
علق دان بلهجة تقارب السخرية:
- فيفيان. إنها غير راضية عني أبداً.
- لا شك أنك تعرف السبب.
- و أنت، هل تعرفينه؟
فوجئت بسؤاله و احتارت بماذا تجيب. لقد أوقعت نفسها في مأزق حرج بسبب صراحتها، فتعمدت تغيير الحديث لإنقاذ نفسها:
- كيف تحب القهوة؟
- من غير سكر... (و اقترب منها و هي تسكب الماء في الفنجان حتى كاد يلامسها) لم تجيبي على سؤالي.
- حياتك الشخصية لا تهمني يا دكتور ترافورد.
ارتاحت أنامله على كتفيها تزحف ببطء إلى رقبتها مثيرة في جسمها شحنات كهربائية جعلتها ترتعش كعصفور في خضم العاصفة.
- و لم لا يا جيسيكا؟
تلفظ باسمها لسهولة و من غير تكلف هذه المرة، و احست بنبرته تحضنها بدفء و نعومة، لكنها ليست على استعداد للاستسلام أو للانجراف مع تيار جاذبيته أبداً. فاستدرات تقدم له فنجان القهوة و التقت عيناها الضائعتان بعينيه تسألانه الرحيل:
- أرجوك يا دكتور ترافورد، اشرب قهوتك و ارحل.
بغطرسة مزعجة كانت تتوقعها منه، سألها:
- لماذا؟
- لأني تعبة و أريد أن آوي إلى الفراش.
جلس إلى الطاولة يرشف قهوته ببرود قاتلة و كأنه قرر تمضية ليلته هنا.
- هذا ما سأفعله أيضاً، هل لديك جواب حاذق هذه المرة؟
- تعليقك لا يستحق جواباً.
و ما كادت تجلس إلى الطاولة قبالته حتى علا رنين الهاتف ينقذها من ارتباكها، فهرعت إلى غرفة الجلوس لتعود بعد ثوان معلنة:
- المكالمة لك.
و وقفت قرب باب المطبخ غير قادرة على لجم فضولها، تسترق السمع إلى ما يقوله.
- أجل... أجل... ادخلوه غرفة العمليات حالاً و سأوافيكم بأسرع ما يمكن.
أعاد دان السماعة إلى مكانها و رجع إلى المطبخ:
- لقد بلع أحدهم غظمة دجاجة فعلقت في وسط القصبة الهوائية. هل تودين مرافقتي؟ انها فرصة لتطلعي على اجراءات الطوارئ في المستشفى.
في دقائق زالت الصورة التي كونتها جيسيكا في مخيلتها، حتى الآن، عنه لتحل محلها صورة الطبيب الجاد و المخلص لمهنته، و احتارت كيف تفسر هذه الازدواجية في الشخصية و سرعته في التكيف مع الطروف، فأومأت برأسها موافقة و تناولت مفاتيح سيارتها و تبعته بهدوء إلى الخارج.
بعد قليل كانت جيسيكا تقف في غرفة العمليات تراقبه باعجاب يعمل بتأن و مهارة على سحب العظمة الصغيرة. نجاحه كطبيب جراح استحوذ على احترام معارفه و اعجباهم، فتغاضى معظمهم عن عيوبه الأخلاقية.
بقي دان في المستشفى تحسباً لما قد يطرأ على صحة مريضه، بينما طلب من جيسيكا العودة إلى المنزل، فأطاعته من غير اعتراض، تريد وضع حد لهذا اليوم الطويل و المليء بالمشاكل و المفاجآت.
علقت جيسيكا صورة الأشعة أمام الشاشة المضاءة أمامها، و تراجعت قليلاً تتفحصها بهدوء. بدا واضحا أن شيئاً ما يسد القناة الصفراوية و يوشك أن يهدد المثانة نفسها. وضعت يديها في جيبي سترتها البيضاء تحدق في الصور مستعيدة قول العمة ماريا لها.
(ما ان تضعوا أيديكم على مريض مسكين مثلي حتى تدخلوه المستشفى فلا يخرج إلا وقد عملت مباضعكم في جسمه)
ارتسمت على محياها امارات الغم، فالحالة تتطلب عملية سريعة و العجوز الطيبة كانت مصيبة في حدسها.
أفاقت جيسيكا من شرودها شبه مذعورة على صوت دان ترافورد هاتفاً خلفها مباشرة:
- مساء الخير.
ليست المرة الأولى التي يتسلل فيها إلى مكان تواجدها و يفاجئها بهذه الطريقة.
كادت تصرخ بوجهه عله يقلع عن هذه العادة الوقحة، لكنه كان مشغولاً بالنظر إلى صورة الأشعة فلم يول انفعالها أي اهتمام.
- هل هذه صور العمة ماريا؟
أومأت برأسها متمتمة:
- أجل.
- أريد أن أهنئك على دقتك في التشخيص.
لم تحمل عباراته أية تهنئة بل نغمة من هزئه البغيض، لكنها تغاضت عن قصده و قالت ببرودة:
- شكراً يا دكتور ترافورد.
- هل تريدينني ان أجري العملية؟
- إني واثقة من قدرتي على اجرائها. و إن كنت تشك في قدرتي فلا أمانع في أن تعاونني.
- و لا مانع عندي أيضاً. متى ستطلعينها على الأمر؟
أطفأت جيسيكا ضوء الشاشة و أعادت الصور إلى مكانها.
- سأعود الآن و أخبرها عن موعد العملية مع علمي أن الأمر لن يروقها.
- إنها تثرثر كثيراً، لكنها امرأة حساسة جدا و عاطفية أكثر من اللازم.
- لاحظت ذلك، لكن لا مناص من إجراء العملية بسبب خطورة انسداد المثانة. أليس كذلك؟
- بكل تأكيد. لا تنسي أن تطلعيني على المستجدات.
- سأفعل ذلك.
بعد دقائق كانت جيسيكا تقف قرب العمة ماريا تطلعها على قرارها بإجراء العملية و موضحة لها أهميتها و مخاطر تأجيلها، فلم تبد العجوز تأييداً للفكرة لكنها، و كما توقع دان علقت مجبرة على أمرها:
- إن كان لابد من اجراء العملية يا صغيرتي، فمن البلاهة أن اعترض. و لكن أريد أن أعرف... موعد اجرائها.
- في أسرع وقت ممكن. ربما غداً إذا أفلحت في حجز غرفة العمليات.
- موافقة، فأسراعنا في اجرائها يعني الاسراع في عودتي إلى المنزل. أليس كذلك يا صغيرتي؟
لم تجب جيسيكا مستلمة لسكوت ثقيل ترك بصماته في أنحاء الغرفة، و محدقة في باقة الزهر قرب سرير العجوز.
أوضحت العمة مبتسمة:
- جلبتها أوليفيا هذا الصباح.
- أوليفيا كينغ؟
أومأت العجوز إيجاباً و أغمضت عينيها تستعيد صفحة من الماضي القريب.
- إنها امرأة رائعة. لم تشهد هذه المدينة يوماً زاهياً كيوم زفاف أوليفيا و برنارد كينغ.
- أكان احتفالاً كبيراً؟
شبكت العجوز يديها فوق صدرها هاتفة:
- يا صغيرتي. في ذلك اليوم بلغ عدد المدعوين المئات حتى ضافت بهم قاعة البلدية. و ساعة الزفاف فاق عدد الذين في الخارج الموجودين في القاعة. دمعت عيون الجميع حين دخلت أوليفيا القاعة متأبطة ذراع بيتر أوبريان.
أرادت جيسيكا أن تصرف العمة ماريا عن التفكير بالعملية الجراحية،فسألتها متعمدة الاهتمام:
- يبدو أنك تكنين محبة خاصة لأوليفيا.
- علاقتي بها تعود إلى ما قبل زواجها من برنارد. كانت تملك مكتبة و تقطن في شقة فوقها. لكن الأمور تبدلت اليوم و أصبحت الشقة جزء من المكتبة. مضى على معرفتي بها ثلاث سنوات و كأنها البارحة، فأنا ما زلت أذكر اليوم الذي وصلت فيه أوليفيا إلى لويزفيل، بقامتها النحيلة و نظرتها الضائعة.
- لقد طلبت مني الاشراف على ولادتها.
- أخبرتني بذلك، عندما رأيتك للمرة الأولى ذكرتني بها. فأنتما تتشابهان قامة و نحافة.
- و هل هناك أفضل من الجسم النحيف يا عمتي؟
غشت مسحة من القلق وجه العجوز و تمتمت بتأفف:
- حتى الأطباء أحياناً يهملون الاهتمام بصحتهم. لماذا لم تتزوجي حتى الآن يا جيسيكا؟
- لم أجد الوقت الكافي للتفكير بالزواج.
- عذر أقبح من ذنب. الوقت متوافر دائماً للتفكير بالزواج.
- هذا صحيح، شرط وجود الشخص المناسب.
- و ما أدراك أنك لم تجديه؟
- أعتقد أني سأعلم بذلك فور حصوله.
- هنا يكمن خطؤك يا حلوتي. أحيانا تلتقين رجلاً ما و تعتقدين أنه لا يناسبك أبداً، لكن عندما تزداد معرفتك به تكتشفين أنه في النهاية رجل أحلامك.
بدأ النقاش يغوص في أمور شخصية لا تحبذ جيسيكا الخوض فيها الآن، و ذكرها كلام العجوز بوالدتها يوم كانت تكلمها عن الزواج و الرجال، فقالت بتململ:
- سأختار الزوج الذي يشاركني الميول و الاهواء نفسها.
- أتعنين شخصاً مثل دان ترافورد؟
انتفضت جيسيكا كمن لسعته أفعى:
- أرجو أن لا يكون مثله أبداً.
دافعت العجوز عن دان قائلة:
- سيكون زوجاً صالحاً ان صادف الفتاة المناسبة.
- لا أظن أنني هذه الفتاة المناسبة. و الآن اقترح أن تخلدي للراحة قبقل أن يحين موعد زيارة أوم هايني.
للمرة الأولى منذ سنوات أحست جيسيكا بتورد وجنتيها و هي في طريقها إلى الخارج. فنظرات رفاق العمة ماريا من المرضى تابعتها حتى الباب و كأنهم سمعوا كل ما دار بينها و بين مريضتها العجوز. أيعقل أن يصبح دان ترافورد زوجاً مثالياً؟ أبداً. و ضحكت في سرها مستعيدة عبارات العمة عنه.
كيف يكون رجل بمثل سمعته زوجاً صالحاً و هل يتخلى عن مطاردة النساء و هو الذي يعتبر العلاقة بين الرجل و المرأة مقصورة على الهوى العابر؟ انها متأكدة من أنها ستتفق مع سمكري أكثر من اتفاقها مع هذا الطبيب المهاتر.
لم تسنح الفرصة لجيسيكا في فترة ما بعد الظهر للتفكير أكثر بحديثها مع العمة ماريا. لكنها ما ان عادت إلى منزلها تلك الليلة، حتى عادت كلمات العجوز عن دان ترافورد تضج في رأسها بالرغم من أن العملية الجراحية التي ستجريها للعمة في الصباح الباكر تشغل حيزاً كبيراً من بالها. سيعاونها دان غداً و هي على يقين من أنه لن يتوانى عن انتقادها كلما سنحت له الفرصة لذلك.

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
قديم 03-10-08, 06:56 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38316
المشاركات: 79
الجنس أنثى
معدل التقييم: nightmare عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 77

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
nightmare غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : nightmare المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

كانت جيسيكا صائبة في مخاوفها من معاونة دان لها، فما ان التقت عيونهما في غرفة العمليات حتى أحست بالارتباك. نظراته الباردة تحمل السخرية و الاستخفاف. وقف قبالتها حول جسم العمة ماريا، بقناعه الأبيض،فحاولت جيسيكا قدر المستطاع تجاهل وجوده معها، لكنه ليس من الذين يسهل تجنبهم. شعرت و كأنها ما زالت طالبة في معهد الطب، و تقوم باجراء العملية الأولى تحت مراقبة استاذها، فزال الشعور بالثقة الذي خالجها قبلاً و اغمضت عينيها علها تستعيد ثباتها و لم تتحرك إلا لدى سماعها صوت المضابع و عربة آلة ضغط الدم.
استعادت بعضاً من الراحة فور تناولها المبضع من يد الممرضة و بدئها العملية. لم تعد تهتم لوجوده معها، و لا تبالي بنظراته المسلطة على يدها. همها أن تتم العملية بنجاح، و تثبت له أنها لا تقل كفاءة عنه كطبيبة.
منتديات ليلاس
خرج الاثنان من غرفة العمليات و توجها معاً إلى الكافتيريا لتناول فنجان من الشاي.
- كانت عملية ناجحة جداً يا دكتورة نيل.
نظرت إليه تدقق في بريق عينيه. لم يهزأ منها هذه المرة بل بدا جاداً و عفوياً، لكن رصانته لم تدم طويلاً بل أردف بشيء من التهكم القاتل:
- و لا يسعني سوى أن أنوه بتفوق الطبيبات على الأطباء في عملية التقطيب. فالعملية لا تتعدى الخياطة العادية بالنسبة اليهن.
لم تستسلم لهزئه البارد و قررت المجابهة:
- أهذه طريقتك للتعبير عن عدم رضاك؟
رفع دان حاجبيه يخفي ابتسامة أوشكت أن تفضح حقيقة قصده:
- لا يمكننا تجاهل بعض النقاط الجيدة، أليس كذلك؟
ابتسمت جيسيكا بلؤم:
- شكراً يا دكتور ترافورد على هذا التشجيع اللطيف.
- ما أريد قوله يا دكتوره نيل أن هناك فارقاً بين الطبيب و الطبيبة في اجراء العملية فالطبيب يتجاهل من يكون المريض الممد في غرفة العمليات أما بالنسبة للطبيبة فالحالة تختلف تماماً. هذا لا يعني أن المرأة فشلت في أن تكون طبيبة أو جراحة ناجحة، لكنها من غير أن تشعر تقحم عاطفتها في عملها مما يؤثر على تشخيصها و أحياناً كثيرة على نتيجة الجراحة.
- أتعتقد ذلك؟
- بل أعرفه تمام المعرفة. كنت تتألمين و أنت تعملين مبضعك في جسم العمة ماريا.
- كلامك عن المرأة في حقل الطب غير صحيح، لكني أعترف بكراهيتي للجوء إلى المبضع عند انتفاء الضرورة الملحة. عرفت حالات كثيرة فقد أصحابها أجزاء من أجسامهم إرضاء لنزوات مبضع الجراح.
- لن أخوض في هذا الموضوع الآن، ما يهمني هو قدراتك كطبيبة جراحة فقط.
- اعتقد أنك ستلقي علي محاضرة حول كيفية اجراء عملية جراحية، أليس كذلك؟
- كلا فلا مأخذ على مهارتك الفنية في اجرائها.
ابتسمت ببرودة تحاول اخفاء نبرة الحنق في صوتها:
- حقاً؟
- حالتك العاطفية اثناء اجراء العملية هي التي تقلقني.
- أظن اننا ندور في حلقة مفرغة تصرفاتي خلال العملية عاطفية جداً أهذا ماتود قوله؟
- تماماً.
وقفت جيسيكا معلنة انتهاء المحادثة ورمقته بنظرة ثاقبة:
- لاأوافقك الرأي يادكتور ترافورد فأنا في النهاية امرأة ولا اعتقد انه بمقدوري تغيير ذلك.
- هذا مالن أسألك فعله أبداً فأنا معجب بانوثتك يادكتورة نيل.
فعلت فيها نعومة عبارته فعلها السحري وأحست بقشعريرة لذيذة تسري في جسمها فتبعث فيه الفرح وتزرع في انحائه شعوراً اخاذاً لم تحسه منذ زمن. التفتت اليه بعد تردد وليتها لم تفعل فالبريق الغريب لم يهجرعينيه الرماديتين ابداً انهما عينا دان ترافورد الرجل الخبير بالنساء وكيفية اشعال النار في اجسامهن ولابد انه يدرك كل الادراك ماتفعله الآن كلماته فيها.
قالت بصوت خافت يزرح تحت ثقل انفعالها:
- سألقي نظرة أخيرة على العمة ماريا قبل ان اطمئن أوم هايني.
- أتضايقك نظرتي اليك كامرأة بدلاً من طبيبة ياجيسيكا؟
أذكت نبرته النار في وجنتيها من جديد.
- لاابداً يادكتور ترافورد فهذا من شأنه ان يسعد والدتي عندما تعلم ان ابنتها لم تفقد كل انوثتها بالرغم من اختيارها الطب مهنة لها.
مد يده بخفة تاركاً انامله تطوق معصمها قبل ان تتمكن من التحرك:
- امنحيني فرصة لأثبت لك بأي قدر من الأنوثة تتمتعين.
تخلصت جيسيكا من قبضته وتراجعت بضع خطوات محاولة اخفاء اضطرابها المتزايد واجابت بهدوء شبه مصطنع:
- لاأشك في لحظة في قدراتك لكني لست راغبة في اكتشاف ذلك.
توجهت الى جناح العمة بوجه عابس يزرح تحت تأثير جلستها مع دان لن تكون ابداً المرأة التي ستلعب ذلك الدور في حياة هذا الطبيب المخادع.
كانت واثقة من قدرتها التامة على كبت مشاعرها والتحكم بعواطفها لكن هذه المرة وبطريقة لم تعهدها من قبل تمكن دان من اضعاف هذه القدرة لديها ستلزم جانب الحذر منه في المستقبل وتتجنب قدر استطاعتها الاختلاط به بالرغم من استحالة هذا الأمرلاضطرارها للعمل الى جانبه.
في بداية اسبوعها الثاني في لويزفيل جلست جيسيكا في عيادتها تتأهب لاستقبال مرضاها حين دخل عليها جايمس بوشوف حاملاً قبعته المعهودة بيديه الخشنتين.نجحت جيسيكا في منع نفسها من الابتسام وقالت مرحبة:
- أهلاً ياسيد بوشوف أظنك تود رؤية الدكتور اوبريان او ترافورد.
أجاب المزارع بصوت خافت:
- آه...جئت لأخبرك ان الدواء الذي وصفته لي كان ناجعاً جداً ولم أعد أكثر من التدخين كالسابق.
- يسرني سماع هذا ياسيد بوشوف.
سكت المزارع للحظات ثم قال:
- السيدة دلبورت تتحدث عنك باستمرار وعن معاملتك الرائعة لها.لقد طرأ تحسن كبير على صحتها.
ادركت جيسيكا ان العجوز تقوم بحملة دعائية لها في لويزفيل.
- انها سيدة ممتازة.
- هل تريدين معاينتي الآن؟
ضحكت جيسيكا في سرها لما لاحظته من تبدل في تصرفات هذا المزارع الفظ.
لم تدم المعاينة طويلاً نزعت جيسيكا السماعة الطبية ووضعتها على الطاولة.
فسألها جايمس بوشوف مستوضحاً:
- ألست أفضل حالاً من المرة السابقة؟
- نعم هناك تحسن في صحتك لكن عليك ان تثابر على الدواء بصورة منتظمة ولاتنس ان تقلل من التدخين الى ادنى حد.
- شكرا يادكتورة هل اعود للمعاينة مرة اخرى؟
- اذا لم يطرأ تحسن على حالتك والا فلاحاجة لذلك.
- حسناً الى اللقاء.
اغلقت جيسيكا الباب خلفه وعادت الى مكتبها تعيد توضيب الملفات المتناثرة هنا وهناك.
- يبدو ان المزارع المعتوة لقي صعوبة في الابتعاد عن لمساتك الحنونة.
التفتت جيسيكا ناحية مصدر الصوت لتفاجأ بدان وقد اصبح في وسط الغرفة يتقدم منها بعضلاته المفتولة وقامته التي تطفح رجولة وجاذبية من تحت ردائه الأبيض . وجوده في مكتبها يربكها فنظرتها اليه تتغير يوماً بعد يوم...لم تعد نظرة تحد بل نظرة ضعف واضطراب امام هاتين العينين المسلطتين عليها ببريقهما التهكمي الوقح.
- اظن ان السيد بوشوف اكتشف في النهاية اني لست طبيبة فاشلة.
- لوكنت جايمس لما كانت مهارتك الطبية السبب الوحيد لعودتي.
نهضت جيسيكا عن مقعدها مجيبة بنبرة حادة:
- لقد حان موعد عودتي الى المنزل.
تراجع دان نحو الباب معترضاً طريقها:
- ليس بهذه السرعة فقد تلقينا مخابرة عن اصابة احد العمال في مزرعة مجاورة وارتأى بيتر ان ننتقل معاً الى هناك لتعذر نقل المريض المصاب في عموده الفقري انها فرصة لك لتتعرفي على المزارع.
تبخر حلمها بقضاء ليلة هانئة في منزلها فخلعت ثوبها الأبيض وتناولت الحقيبة الطبية:
- حسناًهلا ذهبنا يادكتور ترافورد؟
- سنذهب في سيارتي.
بعد فترة قصيرة كانت سيارة دان تشق طريقها بين غابات كثيفة من القصب تلقي بظلالها على الممر الرملي الضيق جلست صامتة ترقب غروب الشمس وتنصت الى شرح دان عن المزارع وحالة مالكيها والعمال فيها.
- يعتبر برنارد كينغ شقيق فيفيان من أغنى المزارعين في هذه المنطقة وتقع مزرعته الى الشمال من لويزفيل غناه يفوق كل تصور حتى الناس يلقبونه هنا بملك القطعان.
لم تنبس جيسيكا ببنت شفة كانت تفكر في فيفيان وأوليفيا وكم هما محظوظتان في وقوعهما على شخصين مثل برنارد وبيتر .سلكت السيارة طريقاً جانبية وعرة انتهت الى فسحة رملية امام مزرعة صغيرة تجمهر في ساحتها جمع من العمال تقدم أحدهم من السيارة فور توقفها وأخبرهما ان احد العمال سقط عن سطح الاسطبل اثناء نقلة أكياس العلف.
سارع دان الى اجراء الاسعافات الاولية قبل حلول الظلام تعاونه جيسيكا والتفت اليها قائلاً:
- انا بحاجة الى الاسعاف اتصلي بالمستشفى وأعلميهم بحالة المصاب.
اجرت جيسيكا المكالمة من منزل صاحب المزرعة...اصابة العامل بالغة لكنها تعرف مدى خطورتها الا بعد اخذ صور الأشعة له.
تشخيصها الفوري اظهر ان الصدمة أثرت على عاموده الفقري وربما أتلفت احد الاعصاب الاساسية فيه.
عندما عادت الى قرب دان ادركت من نظرته الى العامل انه يشاطرها رأيها في حالته الصحية فجلست قربه تهدئ من روع الرجل الطريح ريثما تصل النجدة.
بدأ الظلام يرخي ستاره على المكان عندما وصلت سيارة الاسعاف خارقة السكون المخيم على المزرعة بدوي منبهها مطلقة اشارات ضوئية متلاحقة فتفرق العمال مفسحين في المجال للمسعفين لنقل المصاب الى داخل السيارة بينما أعاد دان الآلات الطبية الى حقيبته.
- هل بامكانك قيادة السيارة فسأضطر لمرافقة العامل في سيارة الاسعاف؟
- أظن ذلك.
ناولها دان علاّقة مفاتيحه:
- سألقاك في المستشفى اذن.
صعد الى داخل سيارة الاسعاف ووقفت جيسيكا برهة ترقب غياب اضواء السيارة المسرعة عن ناظريها ثم استقلت سيارة دان متوجهة الى المستشفى.
اوقفت السيارة في الموقف المخصص للأطباء واتجهت بسرعة الى غرفة الطوارئ حيث التقت دان فبادرته مستفهمة:
- كيف حاله؟
مرر دان يده على شعره الداكن مطلقاً زفرة طويلة.
- إنه في غرفة الأشعة.
- ما رأيك في الاصابة؟
- لا أريد أن أتسرع في إعطاء الرأي لكني اعتقد أنه مع قليل من الحظ و الرعاية سيستعيد عافيته في وقت قريب.
- من حظه أنهم لم يعملوا على نقله قبل وصولنا.
- ستتأخر نتيجة الأشعة بعض الوقت، هل تشاركينني فنجاناً من القهوة؟
- سأقبل دعوتك هذه المرة.
أمسك دان بيدها معلقاً بسخرية:
- كنت متأكداً من موافقتك.
سارت إلى جانبه غير واثقة من صواب عملها، فهي لا تعلم شيئاً عن خطوتها التالية و كأنها تسير في المجهول. جل ما تدركه هو الخطر المحدق بها و هي تشهد الوهن يدب في قدرتها على التحكم بعواطفها و شعورها نحو هذا الرجل الغريب السائر بقربها.

الفصل الرابع

4- لا شك انه لاحظ انهيار مقاومتها لنظراته الوقحة.كيف يقدر على اثارة اعصابها واللعب بأحاسيسها ! عليها ان تسرع في التصرف قبل ان يفوت الآوان...
جلست جيسيكا في مقهى المستشفى ترشف على مهل فنجان القهوة مستمعة الى عبارات دان المجبولة بنبرة الهزء المعتادة:
- ان لم تخني الذاكرة فنحن لم نستطع اكمال قهوتنا في جلستنا الأخيرة هنا.
لاشعورياً ضحكت جيسيكا معلقة:
- قد يتكرر الأمر الآن فلنتمنّ ان ننهي قهوتنا قبل حدوث أي طارئ.
- اني اشاركك هذه الأمنية.
فوجئت جيسيكا بمسحة القلق التي غشت عينيه وهو يحتسي قهوته ولكنها احجمت عن الخوض في موضوع قد لاتكون لها علاقة به.
- ماالذي دفعك الى اختيار الطب مهنة لك ياجيسيكا؟
- أظنه نفس السبب الذي يدفع أي شخص الى ذلك.
- من جهتي لدي أسباب كثيرة قد لاتكون كلها وجيهة (وعلا وجهه تجهم مفاجئ) قررت ان اكون طبيباً بعد ان قتل والداي على يد ارهابيين في احدى مزارع زيمبابوي لوكنت ملماً حينها بالأمور الطبية كما انا اليوم لربما تمكنت من انقاذ حياتهما (قدم لها سيكارة ولما اعتذرت شاكرة اشعل واحدة مردفاً) كنت قد اخترت الصيدلة لكن تلك الحادثة حولتني الى الطب.
أحست جيسيكا برغبة جامحة لمشاركتة هذه الذكرى الحزينة لكنها لم تكن واثقة من ان مواساتها ستلقى قبولاً منه في هذه اللحظة.
- لاشك ان تلك الحادثة وقعت أبان الحرب الأهلية في زيمبابوي .
ابتسم دان فجأة وقال بدهاء:
- ان كنت تحاولين معرفة عمري فسأوفر عليك مشقة ذلك أنا في الخامسة والثلاثين.
- لم أقصد...
لم يدعها تكمل عبارتها وحملق في عينيها بجسارة توردت بفعلها وجنتاها:
- لا بل قصدت والآن بعد ان عرفت سبب اختياري الطب اخبريني عن أسبابك.
احست جيسيكا بجفاف في حلقها فرشفت قهوتها قبل ان تجيب:
- لااذكر ابدا ًاني تمنيت مهنة أخرى.
- أتعنين انك لم تفكري في مهنة اخرى قد تناسبك اكثر؟
امتنعت عن اطلاعه على دور والدها وتأثيره عليها في اختيار مهنة الطب فأطبقت عينيها مجيبة:
- لاأظن ان هناك مهنة اخرى تناسبي اكثر من الطب.
عندما نظرت اليه من جديد فوجئت ببريق ينبعث من عينيه لم تستطع تحديد معناه.
- هناك مهنة اخرى كانت لتناسبك اكثر في هذه الفترة من حياتك ولا تحتاجين فيها الى شهادة جامعية.
راقبته وهو يطفئ سيكارته وعلقت بجفاء:
- أخالك ستمضي قدماً في ملاحظاتك حتى ولو اظهرت لك عدم اهتمامي.
التقت عيونهما للحظات وأحست بنظراته تخترق جلدها الرقيق لتغوص في داخلها وتتسّمر في صدرها الصغير.
ابتسم لها من غير ان يرفع نظره عن صدرها معلقاً:
- مايناسبك الآن هو علاقة حميمة.
اجابت جيسيكا بنبرة ساخرة:
- علاقة حميمة معك على ما اعتقد أليس كذلك؟
- يسعدني كثيراً ان تمنحيني هذه الفرصة الرائعة.
- أتقصد اني مجبرة على ذلك؟
- يؤسفني ان تسيئي الحكم عليّ ياجيسيكا.
- ويؤسفني اني هدرت وقتي في الاستماع اليك.
علا صوت المذياع في احدى زوايا القاعة مطالباً الدكتور ترافورد بالتوجه حالاً الى غرفة الأشعة.
هرول الاثنان في الممر الفسيح المؤدي الى الغرفة ولدى وصولهما الى الباب امسك دان بيدها قائلاً:
- خسارة ان لانتمكن من انهاء هذه المحادثة المثيرة.
لم تجب مكتفية بسحب يدها بعنف من بين انامله ودخلت الغرفة على عجل.
أكدت الصور ظنونها بحالة العامل المصاب فبادر
دان الى اعطاء التعليمات للممرضات ثم اختلى بجيسيكا لثوان يتناقشان الأمر:
- أعرف طبيباً مختصاً بجراحة الاعصاب في لويس تريشارد وسأستشيره في الصباح.
اوقف دان سيارته قي ساعه متأخرة من الليل قرب جيسيكا واستدار ناحيتها بعينيه اللامعتين:
- تصبحين على خير ياجيسيكا هل لي ان أتمنى لك ليلة هانئة في سريرك الموحش؟
أجابت جيسيكا موضحة بلهجة صارمة:
- لاأجد سريري موحشاً ابداً يادكتور ترافورد وأنا بكل صراحة من الذين يفضلون النوم وحدهم.
- لكنك بعملك هذا تضيعين فرصة مثيرة للغاية يادكتورة نيل.
ترجلت جيسيكا من السيارة حاملة حقيبتها:
- هذه وجهة نظرك ولكن الأمر لايضايقني ابداً.
- ستغيرين رأيك في المستقبل القريب.
- لاأعتقد ذلك على كل حال طبت مساءً وشكراً على ايصالي الى هنا.
لم تكن واثقة من جوابها وتراءى لها دان وهي تدير سيارتها ضاحكاً يسخر من عبارتها ويمني نفسه بنيل مأربه منها واضافة اسمها الى لائحة ضحاياه من النساء لاشك في انه لاحظ ضعفها وسرعة انهيار مقاومتها لنظراته الوقحة لم تصدف شخصاً مثله في حياتها قادراً على اثارة اعصابها واللعب بأحاسيسها انه في نظرها طبيب ماهر لكنه يجمع الى جانب مهارته في الطب اجادته فنون اغواء النساء وزاد من غطرسته انه يعرف تمام المعرفة مدى تأثيره عليها وجعلها تعجب به كرجل أكثر منه كطبيب اقلقها استنتاجها هذا وبعث اكتشافها حقيقة أحاسيسها في نفسها خوفاً وتصميماً على الاسراع في التصرف قبل فوات الأوان.
ثلاثة اسابيع مضت تمكنت جيسيكا خلالها من زيادة معرفتها للويزفيل وتوثيق علاقتها بسكانها وبدأت تعتاد نمط عملها والتغلب على الحالات الطارئة التي مابرحت تصادفها منذ وصولها والتي ساهمت في محو الرتابة التي رافقت عملها في جوهانسبرغ.
مشكلة وحيدة لم تقو على ايجاد حل لها: دان ترافورد فهو لم ييأس ابداً من محاولة اغرائها وايقاعها في شباكه.
حتى الآن لم يقم بخطوة خاطئة تجاهها لكنها كانت متأكدة من انه سيفعل عاجلاً ام اجلاً.
غادرت جيسيكا عيادتها متوجهة الى المرآب بعد نهار حافل بالمرضى وبالمعاينات واستقلت سيارتها تمني نفسها بقضاء ليلة هانئة تلجأ فيها الى كتاب جيد تدفن تعبها وارهاقها بين صفحاته.
لكنها ما ان أوقفت سيارتها أمام مسكنها حتى شاهدت فيفيان تهرول في اتجاهها وعلامات القلق والغم على وجهها.
لم تعط جيسيكا فرصة للسؤال بل جلست في السيارة قائلة بارتباك:
- الامر يتعلق باوليفيا سأرشدك الى منزلها في ماونتين فيو وأشرح لك الأمر في الطريق.
سارعت جيسيكا الى ادارة محرك سيارتها من جديد وأقلعت بها بسرعة.
لقد تأخرت اوليفيا عن موعد ولادتها عشرين يوماً ولابد وان الانتظار قد أثر على اعصابها.
بادرت فيفيان الى شرح ماحصل لاوليفيا وهما يسلكان الطريق المؤدي الى المزرعة:
- طلبت اوليفيا من فرانسين ان تتصل بك لكن الفتاة المسكينة اصيبت بالذعر عندما اخبروها انك غادرت عيادتك فاتصلت بي ولسوء حظها لم يكن برنارد في المنزل فقد خرج للصيد ولاتعتقد اوليفيا انه سيعود باكراً هذا كل مااستطاعت الصغيرة اخباري به اضافة الى ان اوليفيا ارسلت في طلبك على جناح السرعة الى المزرعة.
التفتت جيسيكا الى مرافقتها المضطربة تسألها:
- امازال المكان بعيداً؟
- مسافة خمسة كيلومترات تقريباً.
في نهاية الطريق الترابية الوعرة بدا منزل اوليفيا في الجهة الاخرى قابعاً بين اشجار السرو وقد بانت شرفاته ذات اللون الابيض تطل على السهل الاصفر الفسيح كحبة لؤلؤ تزين جيد حسناء سمراء.
ماان اوقفت جيسيكا السيارة في ظل احدى الاشجار حتى فتح الباب الرئيسي وخرجت فتاة لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها مهرولة ناحية فيفيان وشعرها الكستنائي يطير على كتفيها.

 
 

 

عرض البوم صور nightmare   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجهول, ايفون وينال, dance of the snake, روايات, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, عبير القديمة, yvonne whittal, قلوب عبير, قلوب عبير القديمة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t95004.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ط§ظ„ظ…ط¬ظ‡ظˆظ„ ط§ظٹظپظˆظ† ظˆظٹظ†ط§ظ„ ط¹ط¨ظٹط± This thread Refback 15-08-14 11:12 PM


الساعة الآن 12:01 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية