المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
22 - المجهول - ايفون وينال - عبير القديمة ( كاملة )
المجهول
Dance Of The Snake
الملخص
بين الحقيقة والوهم خيط غير مرئي وبين الحب والعاطفه خطوة قصيرة. لم يبرع دان ترافورد فى مهنة الطب وحسب بل وفى اغواء النساء ايضا . لكن جيسيكا الطبيبة الشابة القادمة حديثا الى المدينة قررت ان تظل بعيدة عن شباكة المغرية حتى لايضاف اسمها الى لائحه فتوحاته. المشكلة انه أبى ان ينظراليها كأمرأة, فتحدته. سلاحها ثقتها بنفسها وقدرتها على التحكم فى عواطفها…لكنه لم يدخر جهدا ولاحيلة ليجردها من سلاحها. القلعة المحصنه جهدا تبقى , الا اذا طال الحصار.. ويأتي الانهيار, عاده من الداخل.
منتديات ليلاس
الفصل الأول
1 - جيسيكا نيل كانت عرضة لملاحقة الكثيرين من الأطباء بسبب قلة الطبيبات الجميلات مثلها . ولكن اهتمامها كان ينصب على التفوق في مهنتها غير مبالية بكل مايمت بصلة الى أنوثتها…
تهادى جوناثان نيل على المقعد الجلدي خلف مكتبه الفاخر باضطراب وتململ واضحين وألقى نظرة فاحصة على ابنته جيسيكا الواقفة في وسط الغرفة, لاتحرك ساكنا لقد أثار قرارها شجونا قديمة في نفسه ونبش صفحات من الماضي طالما تمنى ألا تعود فبدا مغموما في عينيه أصداء قلق عميق وعلى شفتيه أشباح كلمات يحاول خنقها قدر المستطاع
اليوم قررت ابنته التقدم لوظيفة شاغرة في مدينة لويزفيل كطبيبة مساعدة للدكتور اوبريان وشريكه . جاءت لتعلمه بخطوتها لا لتأخذ برأيه فهو أعلم الناس بابنته وبصعوبة تراجعها عن قرار تتخذه.
زفر الأب العجوز زفرة طويلة ورفع حاجبيه سائلا:
- وماذا عن قرارك التخصص في طب الأطفال؟
- اجابت جيسيكا بجزم ممزوج باللوم:
- كان هذا قرارك ياوالدي من غير ان تستشيرني.
تردد صدى كلماتها في ارجاء الغرفة وأحست انها أخطأت في اختيار عبارتها لم تقصد ان تنفض الغبار عما حدث يوم قرر أخوها جايمس الذي يكبرها بأربع سنوات العدول عن اكمال تخصصه في الجراحة العامة كوالده مفضلا الالتحاق بكلية الهندسة . يومها لم تخف خيبة جوناثان نيل على احد لكنه كتم غيظه وجاهد في اخفاء قنوطه حتى لايشكل موقفه عثرة في مستقبل ابنه البكر الابن الذي اراده ان يجسد الحلم ويحمل اسم العائلة بعده في ميدان الطب.
منتديات ليلاس
منذ حداثتهما عمل الوالد الطبيب على تنشئة ولديه تنشئة صالحة وحاول منذ بدئهما دراستهما الثانوية جذبهما الى حقل الطب وماان أوشك على قطف ثمرة محاولاته حتى فوجئ بقرار جايمس لكن خيبته لم تدم طويلا وحلت مكانها فرحة عامرة عندما انبأته جيسيكا بعزمها على دخول معهد الطب وسلوك نفس الطريق الذي بدأه منذ أربعين سنة.
والآن ولما تكتمل الفرحة بعد هاهي تواجهه بقرار موجع آخر لاتدري ماستكون عاقبته.
مسح جوناثان وجهه براحة يده وكأنه يطرد صورا قاتمة من مخيلته وتطلع الى ابنته الحسناء بحنان:
-هل اسأت التصرف معك جيسيكا ؟
أدركت ان الفرصة سانحة لتكفرعن فظاظة عبارتها السابقة فأجابت بتودد:
-ماهذا الكلام ياوالدي؟أنت نعم الأب ولن أنسى أبدا ارشاداتك لي واهتمامك بمستقبلي.
أكمل العجوز بألم ماأحجمت ابنته عن قوله:
-وتعتقدين ان الوقت حان لتستقلي أليس كذلك؟
-علىّ ان أشق طريقي بمفردي واختار ماأظنه الأفضل.
خيم صمت ثقيل على القاعة وغرق الاثنان في سكوت وتردد. فجأة نهض الوالد عن مقعده ومشى نحو المكتبة الزاخرة بكتب الطب القيمة وصاح بصوت أجش تخنقه الغصة:
-ويحك ياجيسيكا لايعقل ان يهدر شخص بمستواك الثقافي حصيلة علمه وجهده في مكان مزر كلويزفيل.
-لاأظن ان انتقالي الى لويزفيل سيهدر مستقبلي ياوالدي بل سيتيح لي الاطلاع على حالات كثيرة ومختلفة تساعدني على اكتشاف مدى تقدمي كطبيبة.
-بامكانك اكتشاف ذلك هنا في هذه المستشفى.اجابت الابنة بعناد عكسته عيناها الباردتان:-كلا فأنا لم أفعل مايستحق الذكرطوال العامين المنصرمين ولم أعاين في هذه المستشفى سوى مرضى لم يكترث لهم بقية الأطباء لأن حالتهم لاتدعو الى القلق وبالتالي لافائدة لهم منهم.وأضافت بمرارة:-تدربي هنا لم يفدني على الاطلاق
-هذا تهجم فاضح ياجيسيكا.-انها الحقيقة ياوالدي.
التقت عيونهما للحظات قصيرة التقطت خلالها انفاسها وتابعت بلهجة حانقة:
-الأطباء هنا متشدقون يلهثون وراء المال والشهرة بأساليب قذرة ضاربين بجوهر هذه المهنة النبيلة عرض الحائط.علق جوناثان بتحد:
-أتعتقدين ان الأمر مختلف في لويزفيل؟
-لدي من الأسباب مايحملني على هذا الاعتقاد.
أدرك العجوز عقم الجدال فعاد الى المقعد وأسند رأسه الى حافته:
-يبدوانه كتب لي أن أصاب بالخيبة مرة بعد مرة.
لم تبال جيسيكا بما قال:-أظن ان وقع الأمر على أمي سيكون قاسيا.
- هل تريديني ان أفاتحها بالأمر؟
رفعت رأسها دلالة على الرفض مقتربة من مقعده برشاقتها المعهودة وقالت بحنان:
-سأطلعها على الأمر بنفسي الليلة بعد العشاء مباشرة.
عند عودتها الى المنزل اتجهت جيسيكا الى غرفتها وارتمت بارتياح على السرير. لقد تخطت لتوها العقبة الأولى ولم يبق امامها سوى والدتها المعروفة بصعوبة مراسها لكنها لن تدخر جهدا لنيل موافقتها ولو كلفها ذلك مخاصمتها.
استحمت وبدلت ثيابها ثم وقفت امام المرآة الكبيرة. لم تعتد الاهتمام بنفسها او صرف وقت طويل في التبرج كغيرها من الفتيات مفضّلة ارتداء مايريحها من الملابس منغير ان تأبه يوما للون او للزي فلديها القدر الكافي من الجمال وشعرها الكستنائي المتهدل بفوضى صارخة على كتفيها يزيدها انوثة واغراء وعيناها الواسعتان فوق أنفها الصغير تضفيان على محياها سحرا وجاذبية.
تذكرت أيام الدراسة عندما كانت محط انظار الشبان وانتقالها الى المستشفى حيث كانت عرضة لملاحقة الكثيرين من الأطباء بسبب قلة الطبيبات الجميلات لكنها لم تترك نفسها أبدا تنجرف في علاقة مع أي منهم فقد انصب اهتمامها على انهاء تخصصها في أسرع وقت واثبات مقدرتها في التفوق على أقرانها غير مبالية بكل مايمت الى الأنوثة بصلة.
جلست جيسيكا الى المائدة من غير ان تمد يدها الى الطعام مكتفية بتناول كوب من العصير تسترق النظر بين الحين والآخر الى والدتها متحينة الفرصة لمفاتحتها بالأمر اخيرا جاءها العون من والدها الذي انهى طعامه وتوجه لتمضية عدة ساعات في المكتبة كعادته في كل مساء تاركا اياهما بمفردهما.
استمعت اميليا نيل الى ابنتها وهي تبين لها فوائد الانتقال الى مدينة جديدة شاكية اليها رتابة العمل في مستشفى والدها ولما انتهت جيسيكا من تعليل قرارها سألتها والدتها بعصبية:-وهل يعلم والدك بالأمر؟- أجل لقد تباحثنا بالأمر اليوم بعد الظهر.
ازداد فضول الأم لمعرفة موقف زوجها فاستفهمت:
-وماذا كان جوابه؟-أظنه وافق في النهاية.
-لاعجب في ذلك فلا احد يجاريك في عنادك ياجيسيكا.
مضت الأيام سريعة مقربة موعد رحيل جيسيكا من غير ان يبدو منها ما يوحي بعدولها عن قرارها من جهتهما تجنب الوالدان الخوض في موضوع السفر مفضلين تجاهل الأمر وحذت ابنتهما حذوهما فصارت تتعمد التغيب عن المنزل وقضاء أطول وقت ممكن في المستشفى.
وفي الليلة الأخيرة لجيسيكا في جوهانسبرغ التقى الثلاثة على مائدة العشاء في جو مشحون بالقلق والغم بعد ساعات معدودة ستترك الابنة الوحيدة المنزل مخلفة وراءها فراغا من المستحيل ملؤه وشعورا بالخيبة يصعب التغلب عليه.
قطع صوت جوناثان الأجش حبل الصمت ضاربا بقبضتيه بعنف على الطاولة:
-انت مجنونة ياجيسيكا لتقدمي على هجر مدينة كجوهانسبرغ والتخلي عن الفرص المتاحة لك فيها ان كنت تسعين للعمل بمفردك فأنا مستعد لتدبير عيادة مستقلة لك لكن ان تدفني نفسك في بقعة قصية فهذا أسخف ماسمعته أذناي حتى الآن.
وعاود ضرب الطاولة بقبضته مطيحا بالاطباق الموجودة امامه وأردف:
-هذا عمل أخرق لايعقل ان يصدر عن احد من سلالة جوناثان نيل.
تبادلت جيسيكا ووالدتها نظرات قلقة ابتسمت بعدها الطبيبة الشابة بفتور:
-أشكر لك اهتمامك وتفانيك في الاعتناء بي ياأبي لكن قبل البحث عن عيادة ةالاستقلال في ممارسة المهنة عليّ ان أحصل على الخبرة اللازمة مضى عامان على عملي في المستشفى من غير ان تتاح لي الفرصة لأتحقق من قدرتي كطبيبة وهذا ماأتوق الى تحقيقه في لويزفيل.
-وهل كان عليك الارتباط بعقد لسنة كاملة؟
-انه أحد شروط الوظيفة وأنا سعيدة به …
قاطعتهما الأم خوفا من انعكاس الجدل على صحة الوالد العجوز وسألت ابنتها بحنان:
-وماذا عن موضوع الزواج ياابنتي؟
- الزواج؟
- اجل الزواج. خلال الأعوام الماضية كنت أكتفي بالاستماع اليكما تتناقشان امور الطب ومستقبل مهنتك كطبيبة والآن اكتشفت ان كثرة انهماكك في عملك أنساك انك امرأة.
فوجئت الابنة بالسؤال فردت من غير تفكير:
- طبعا ياأمي انما…
- اذن هلا أوليت الموضوع جدية واهتماما كافيين؟ستناهزين الثامنة والعشرين عما قريب ولن تبقي شابة مدى العمر.
ضاق جوناثان ذرعا بالكلام عن الزواج وهناك أمر يفوقه أهمية فهتف بتململ:
-بربك يااميليا ألايمكن تأجيل هذا الموضوع؟أمامها الوقت الكافي للتفكير بالزواج.
التفتت الأم الى زوجها تستميحه عذرا لمعارضتها كلامه:
-لا جوناثان فالوقت يمضي بسرعة أتظن اني لم ألحظ خيبة أملك بعد قرار جايمس ترك الطب؟ او اني لم انتبه لتحولك الى جيسيكا بعدما أحيت فيك حلمك الأكبر وأمنيتك الغالية وقررت دراسة الطب؟ لكنك نسيت عاملا في غاية الأهمية ياعزيزي وهو كون جيسيكا امرأة.
ضحكت جيسيكا تحاول التخفيف من حدة الموقف:
-وكم أنا سعيدة بذلك!
- مارأيك اذن بعريس لائق فتفرحين قلبي والدين عجوزين بأحفاد جميلين مثلك؟
- قريبا تتلقين هذا النبأ السار من زوجة جايمس.
صرخت اميليا بعدما نفد صبرها:
-ليس جايمس من يهمني الآن بل أنت.
نظرت جيسيكا الى والدها والدمع يكاد يفطر من عينيها:
-لايمكنني ان أعدكما بشئ قبل عثوري على الشخص المناسب.
-وكيف ستعثرين عليه وأنت تعاملين الشبان كما لو أنهم عينات صغيرة تحت عدسة مجهرك؟
-أعتقد اني لن أفكر بعدسة المجهر حين ألتقي الشاب المناسب.
-أرجو ان تكوني صادقة في ماتقولين يادكتورة.
رمقت الابنة والدها بنظرة دلال تستحثه على الكلام ومد يد العون اليها وللمرة الأولى منذ أيام تلحظ في عينيه بريقا ضاحكا وهو يطوق خصر زوجته بذراعه يسألها بتحبب:
-هل نظرت اليك يوما كعينة تحت المجهر؟
ردت اميليا على الفور:
-أبدا ياعزيزي فقد عملت منذ البداية على ان أكون دائما فتاة احلامك فلم تحتج الى مجهر أبدا.
-أمي أتعنين انك …
توردت وجنتا الوالدة خجلا وارتباكا فسارعت الى مقاطعة ابنتها بلهجة ناهية:
-لاتجنحي في خيالك ياجيسيكا ولا تحاولي تغيير الموضوع.
سارع جوناثان الى توضيح ماقالته زوجته:
-ماعنته والدتك في كلامها انها لم تجعلني يوما أشعر بتقدمنا في السن فبعد هذه السنين أحس وكأننا في بداية علاقتنا أليس كذلك ياعزيزتي؟
حدجتهما اميليا بنظرة ثاقبة وتمتمت بتوعد:
-احساس غريب ينبئني بأنكما تسخران مني.
ضحكت الابنة بدلال وتقدمت من والدتها تغمرها:
-لم نستطع تجاهل الحقيقة أليس كذلك ياأبي؟فبالرغم من سنك مازلت تتمتعين بقسط وافر من الجمال وخاصة حين تتورد وجنتاك.
-لاتكوني سخيفة كنت أحاول…
أيقنت جيسيكا ان الأمر تعدى حدود المزاح فقاطعتها بلطف:
-أعرف ياأماه فالحب الحقيقي هو المعاملة قبل ان يكون الكلام انه توافق القلب والعقل على اختيار الحبيب هذا ما سأطبقه حين أقع على الانسان المناسب فانجذاب الواحد نحو الآخر لايكون تاما الا حين يتأثر القلب والعقل في آن معا لذلك أفضل عدم الارتباط بأحد حتى أعثر على من يتمتع بهذا القدر من الجاذبية.
بدا الوالدان مقتنعين بكلامها فتخليا عن مناقشة موضوع الزواج وعادت اميليا تسألها عن السفر:
-أين ستقيمين في لويزفيل؟
-وضع الدكتور اوبريان الطابق السفلي من منزله في تصرفي انه كما وصفه صغير الحجم لكنه يفي بالغرض لدي هاتف مستقل وأملك صلاحيات واسعة لاحداث تغييرات فيه.
علق الأب بحسرة لم ينجح في كتمها:
-أرجو ان يكون القرار لصالحك ياابنتي.
عاد الصمت يلقي بثقله على الغرفة فنهض جوناثان عن مقعده متوجها نحو الحديقة بينما انهمكت ووالدتها في حمل الأطباق الى المطبخ للتفرغ بعدها لحزم الحقائب التي سترسلها الابنة في القطار الى لويزفيل.
في صبيحة اليوم التالي وقفت جيسيكا أمام مدخل المنزل يلفح وجهها الهواء البارد مودعة والديها ثم انطلقت بسيارتها بين خطوط الجليد المرسومة على حافتي الطريق وسطوح المنازل متجهة شمالا الى لويزفيل لحظات الوداع صعبة ويد والدها تلوح لها مازالت أمام ناظريها ودعاء أمها لها بالتوفيق مابرح صداه يتردد في أذنيها لكنها لن تتراجع عن قرارها ولن تدع العاطفة تقف حاجزا بينها وبين المستقبل.
لم تكد تبتعد عن جوهانسبرغ حتى شعرت بأطرافها تكاد تتجمد بالرغم من تشغيلها جهاز التدفئة لكنها لم تأبه بذلك وراحت تشغل نفسها بمنظر الوشاح الابيض وقد غطى البسيطة في حياكة رائعة.
أحست بتغير طفيف في الطقس فور اجتيازها السوتبانسبرغ وانحدارها في الطريق العريض ناحية الوادي حيث وجدت نفسها وسط غابات من أشجار الحبحب لم يقو الثلج على اخفاء خضرتها تذكرت ماسمعته عن هذه المنطقة وعن شتائها اللطيف وصيفها الحار فلم تقطع عدة أميال حتى خلعت سترتها الصوفية وقفازيها السميكين مبقية على قميص حريري رقيق ارتدت فوقها سترة جلدية زرقاء.
في نهاية الغابات سلكت جيسيكا طريقا متعرجا يصل الى سفح الجبل حيث تقبع في نهايته بلدة لويزفيل مرت على محطة للوقود عند أطراف البلدة فملأت خزان سيارتها ودخلت مكتب الاستعلامات للاستدلال على منزل الدكتور اوبريان.
أشارت المسؤولة باصبعها الى الطريق العام قائلة:
-عليك بالعودة مسافة نصف ميل والانعطاف شمالا عند الصخرة الضخمة ثم اتجهي الى اليمين عند التقاطع الثاني وستجدين منزلا مؤلفا من طابقين انه المنزل المنشود فالدكتور اوبريان وحده يملك مثله هنا.
عادت جيسيكا ادراجها الى السيارة ترافقها نظرات المسؤولة الفضولية وانطلقت تتبع التعليمات الى ان وصلت الى حيث الصخرة الكبيرة فانعطفت الى اليمين عملا بكلام السيدة لتجد نفسها بعد التقاطع الثاني امام المنزل ترجلت من السيارة وصعدت الدرجات القليلة امام مدخله الفخم تتأمل نوافذه الكبيرة وحديقته المنمقة لقيت الباب مفتوحا فأطلت برأسها من غير استئذان وألقت نظرة سريعة على الرواق الفسيح الممتد امامها تغطي بلاطه سجادة صينية ثمينة لكنها أحجمت عن الدخول وتغلب حياؤها على الفضول وضغطت على الجرس فعلا رنينه بنغمة حلوة في أرجاء المنزل.
مضت لحظات قبل ان تسمع جيسيكا صوت امرأة قادمة من الأعلى:
- دكتور نيل على ماأظن أرجوك تفضل بالدخول وسأوافيك حالا.
دخلت جيسيكا مرة أخرى تسترق النظر الى مصدر الصوت وخطت بضع خطوات في الرواق حتى بانت في الطرف الآخر امرأة بهية الطلعة ممشوقة القوام هتفت باستغراب خجول:
-آه أرجو المعذرة ياآنسة كنت أتوقع قدوم الدكتور نيل و…
- أنا الدكتورة نيل.
جحظت عينا السيدة تعجبا ورمقت ضيفتها بنظرة طويلة ختمتها بضحكة رنانة تردد صداها في أرجاء الرواق وسألت غير مصدقة:
-أنت؟ انت الدكتور نيل؟
لم يرق هذا الاستقبال لجيسيكا فقطبت حاجبيها وهمت بالتوجه الى الباب لكن السيدة استدركت الأمر قائلة:
- أنا آسفة ياعزيزتي لكن لم أقدر على تمالك نفسي.
- يبدو انك لم تتوقعي ان يكون الدكتور نيل امرأة.
- صحيح … أعني لا… ياالهي اني أتصرف كالبلهاء تماما ارجوك تعالي نجلس وسأشرح لك كل شئ.
سارت السيدة امام جيسيكا الى غرفة جلوس انيقة زاخرة بالتحف على انواعها وجلست قبالتها قائلة:
-لم يكف زوجي طيلة الاسبوع المنصرم عن الحديث عن الرجل القادم للعمل معنا اني أتحرق لرؤية وقع المفاجأة عليه حين يكتشف انك امرأة.
أربك كلامها جيسيكا فهي لم تدرك ابدا انهما يتوقعان رجلا للوظيفة الشاغرة فهذا سيزيد الأمر تعقيدا.
- لم يسبق للدكتور اوبريان ان استعلم عن هذا الأمر وخلته اكتشف ذلك بنفسه بعد مراسلتي له.
- انه يحب المفاجآت من حين لآخر ارجو المعذرة ياعزيزتي انا فيفيان زوجة الدكتور اوبريان والآن وبعدما اطلعتك على هويتي ارجو ان تشبعي فضولي وتخبريني الى ما يرمز الحرف ج.
- جيسيكا.
- نسيت ان أقوم بواجب الضيافة هل آتيك بفنجان من الشاي او القهوة؟
- شكرا لك لكن أفضل أخذ قسط من الراحه أولا بعد هذا النهار الحافل.
- بكل تأكيد سأرشدك الى…
قطع رنين الهاتف على فيفيان عبارتها فاعتذرت والتقطت السماعة مديرة ظهرها لجليستها.
- اجل يابيتر لقد وصل الدكتور نيل وكنت على وشك ارشاده الى حجرته سنكون في انتظارك هنا الى اللقاء ياحبيبي.
- أكان المتحدث الدكتور اوبريان؟
- اجل وسيوافينا بعد قليل دعيني أدلك الى مكان سكنك.
تبعتها جيسيكا على مهل تجتازان الحديقة الراقدة بحبور في أحضان خيوط الشمس الذهبية.
- بامكانك موافاتي الى مسكنك بالسيارة فهناك مرآب خاص بها.
قادت جيسيكا سيارتها عبر الطريق الرملي الملتف حول الحديقة وأوقفتها امام منزل خشبي فتحت فيفيان بابه لتدخل حقائبها لم يكن المنزل صغيرا كما خيل لجيسيكا فيه غرفتان للنوم اضافة الى قاعة للجلوس وأخرى للطعام ومطبخ وحمام صغيران تجولت مع فيفيان في أرجائه تستمع الى شرح مقتضب عنه:
- كان زوجي يشغل هذا المكان كعيادة قبل ان يحوله الى مسكن مستقل ينزل فيه ضيوفنا وعندما قرر الاستعانة بطبيب آخر وجدناه المكان الأفضل لسكنه قد يبدو فارغا لكن بامكانك اضفاء أي تعديل داخلي ترينه مناسبا.
اجالت جيسيكا نظرها في أرجاء قاعة الجلوس تتأمل اثاثها الخشبي وكأنها في منزل والديها فأغمضت عينيها متمتمة:
- انا واثقة من أني سأهنأ بكل أسباب الراحه هنا.
- هنا هاتف خاص بالمسكن ومنذ اسبوعين أضاف بيتر مكيفا للهواء للتخفيف من شدة الحر في الصيف وبما انك ستكونين منهمكة بالعمل معظم النهار فستنظمين الى مائدتنا كل ليلة لتشاركينا العشاء.
شكرتها جيسيكا بنبرة مهذبة لكن حازمة:
- أشكرك على حسن ضيافتك لكن أفضل تدبير أموري بنفسي.
- حسنا اعتذارك مقبول شرط ان تتناولي العشاء معنا هذه الليلة.
لم يسع جيسيكا غير القبول فتمتمت بحياء:
- شكرا جزيلا انت لطيفة للغاية.
|