-11-
وعندما شعر بها, انتفض بقوة, ثم أرتاح شيئا فشيئا, ولكن أنفاسه ظلت متلاحقة بسرعة, وترك رأسه يتكأ على رأس الفتاة وهي لا تزال تردد كلمات تطمئنه, هذه الكلمات التي طالما كانت تود سماعها عندما تكون وحيدة ويهددها الخطر.
"لا شيء ايميت, كل شيء يسير على ما يرام, أنا هنا لا تخشى شيئا"
إنها مجرد كلمات لا معنى لها ولكن ما يهم؟ يكفي أن يسمع صونها ليشعر بالطمأنينة وشعرت بأنها تحسن وعادت أنفاسه للانتظام.
"لا تتركيني!" طلب منها بصوت متقطع.
"أبدا, أبدا, لن أتركك أبدا"
إنه بحاجة لها لأول مرة تشعر بأن وجودها ضروري لأحد, ونظرت غليه فوجدته قد نام نوما عميقا واختفت أحلامه المزعجة.
ولكن كيف ستتأكد من أن هذه الكوابيس المزعجة لن تعود له مرة ثانية؟.
لقد وعدته راشل بأنها ستبقى قربه, وهي متمسكة بكلامه, حتى ولو ظلت مستيقظة طوال الليل, ستسهر عليه وستبعد مخاوفه.
ولكن ما هي هذه الذكريات التي تزعجه وتقلق نومه؟ لن تطرح عليه هذا السؤال, ستنتظر على أن يثق به أكثر ويكلمها عنه بنفسه, أما هي فكان يكفيها أنها علمت بأنه يرغب بوجودها.
فتمددت بقربه وهي لا تزال تضمه, وكانت سعيدة لفكرة أنها لن تنام فإن هذه اللحظات الودية التي تقضيها مع أخيها هي نادرة وثمينة! ومرة أخرى شعرت أنها وصلت إلى شاطئ الأمان بعد عذاب طويل فابتسمت وغفت دون أن تنتبه.
عندما أستيقظ ايميت شم رائحة الياسمين, لقد كان أعتاد على هذه الرائحة التي تتعطر بها راشل ليلا ونهارا.
ولكن.... هل هو يتخيل؟ إن جسما ناعما ودافئا يتمدد بقربه.
بصعوبة تنهد بخيبة أمل عندما أكتشف بأنه ليس وحده على هذا السرير الكبير, كانت راشل بقربه تغط بنوم عميق ودون أحلام.
"أيتها الأخت الملعونة! ماذا تفعلين هنا؟ أنا لا أريد أن أؤذيك أكثر من اللزوم, أنت رقيقة جدا ولكني فتحت عيوني في الصباح ووجدتك بقربي, فكيف سأستطيع المقاومة؟ فلا رابطة دم تربك بيننا, هذا صحيح, ولكنك أنت تجهلين وخطأك هذا فظيع" كان يحدث نفسه وقد بدأ يفقد أعصابه.
فنهض على مهل لكن راشل لم تستيقظ بل تقلبت في السرير وظلت غافية, فتأملها ايميت طويلا, وجهها البريء ورموشها الطويلة....
وشيئا فشيئا تذكر ما حصل له, من المؤكد أنه حلم بالكابوس مرة أخيرة, بعد كم شهر وكم سنة سيتمكن أخيرا من نسيان ذلك المكان الضيق, وصراخ وأنين المساجين, وتلك الوجوه المعذبة؟.
لقد جاءت راشل كي تهدئه, للأسف هذه الفكرة لا تطمئنه أبدا, إنها هنا, بريئة وساذجة, ومستعدة لكل شيء من أجله, نعم, لكل شيء, حتى ولو أنها لا تعلم بعد, أنه يعرف النساء جيدا ويفهم بأنها ترغب به ولا تدري وعاجلا أم آجلا ستفهم ذلك, عندئذ هل ستهرب؟ أم ستبدأ تشك بأنه ليس أخاها؟
لن يسمح لنفسه بالمخاطرة, لقد تخلى عن حذره عندما سمح لها بالبقاء هنا, وعندما وثق بها كما لم يفعل في حياته مع أي أحد منذ عدة سنوات, فهل بدأ يصدق كذبته, هل بدأ يعتاد على فكرة أن راشل شاندلر هي أخته الصغيرة؟
لكن لا, وطرد هذه الفكرة بسرعة, أن شعوره نحو راشل شاندلر هو ليس شعور الأخوة, وهو يعلم هذا جيدا, كما لا يمكنه أن يلبي رغباته الجسدية معها كما يفعل مع مالي وغيرها.
راشل شيء فريد, يحاول أن ينكره بكل الوسائل, لكنه لايستطيع, وإذا أستمر وفقد حذره سينتهي به الأمر على التخلي عن هدفه الذي يركز عليه منذ خمسة عشرة عاما, وكل هذا من أجل لا شيء.
وعندما ستكتشف راشل شاندلر الحقيقة, وهذا شيء محتم ستكرهه بالتأكيد.
هيا! لماذا نضع المطرقة على رأسنا؟ فلنتلذذ بهذه الأيام وبما تحمله من سعادة, ولنستغل هذه اللحظات مع راشل, برؤيتها تروح وتجيء في هذا الشاليه, ونتأمل قامتها الطويلة الرشيقة, ووجهها المعبر الخجول.
عندما خرج من المحيط, رأى ايميت الرجل الذي يرتدي لباسا أبيضا تحت سقف غرفته, وهو ليس بمزاج يسمح له بالحديث مع هاريس شاندلر هذا الصباح, فأقترب منه وهو يشعر بالضيق.
"ماذا تفعل في الخارج بهذا الوقت المبكر؟"
كان هاريس يجلس على المقعد المريح ويحمل فنجان قهوة بيده.
"صباح الخير يا أبن أخي, نشف نفسك أولا قبل أن تبللني بالماء فإن طقمي نظيف, فهل تشعر بحساسية ضد المناشف؟"
"نعم"
وجلس ايميت على الكرسي وتناول فنجان القهوة الذي ناوله إياه هاريس.
"ماذا تريد شاندلر؟"
"يا لهذا الاستقبال! لدي أخبار يا صغيري العزيز, أخبار شيقة تهمك بالتأكيد"
"أنا أستمع إليك ما هي هذه الأخبار؟" سأله ايميت بجفاف.
لم يجبه هاريس فورا, وتلذذ برؤيته يفقد صبره.
"لقد شوهد ايميت شاندلر على الجزيرة, ايميت شاندلر الحقيقي".
عندئذ نهض ايميت فجأة
"وكيف علمت بذلك؟ هل هذه معلومات من مصدر موثوق به؟"
"بالتأكيد يبدو أن كاهنا...."
"صباح الخير, عمي هاريس"
بهذه اللحظة دخلت راشل وخداها أحمران من النوم وعلى وجهها ابتسامة مشرقة.
"..... ماذا تقول عن الكاهن؟"
سلم هاريس على ابنة أخيه.
"صباح الخير يا صغيرتي العزيزة! إنك جميلة جدا هذا الصباح, إن هواء هاواي يناسبك جدل"
جلست راشل على حافة الكنبة التي يجلس عليها ايميت.
"كوني مع أخي يناسبني جدا, لقد جئت باكرا يا عمي, كنت أعتقد أنك كباقي أفراد العائلة تتأخر في النهوض صباحا"
"إن أخاك يبدو من رأيك, فأنا لا أنام كل الأيام حتى الظهر!"
"بإمكانك أن تفعل ذلك إذا أردت" قال ايميت وهو يشم رائحة الياسمين التي تمتاز بها شريكته.
"كان هاريس يريد أقناعي فهو لم يحضر أي قداس منذ خمسة وعشرين سنة لكنه يتمنى أيضا أن أعود إلى الكنيسة"
"هذا سيكون مختلفا إذا كلن بكل بساطة ينازع .... ولكن بعد كل هذه السنوات في الديانة والوثنية في الهند وأميركا الجنوبية ولا أعرف أين أيضا فإن روح هذا الصبي في خطر مميت"
"هذا الصبي لن يستمع إلى نصائحك" أعترض ايميت "أنا لا أريد لقاء هذا الكاهن أريد فقط أن أبق هنا على الشاطئ مع أختي الصغيرة"
نظر إليه هاريس نظرة غريبة, لم تفهمها راشل لأنها كانت سكرانة من شدة سعادتها بكلام أخيها.
"إذا كنت تقصد الأب فرانك فقد التقيت به" قالت راشل "أنه رجل لطيف جدا أنه هو الذي أوصلني على هنا"
"حقا؟" سألها هاريس بدهشة "ولكن أين تعرفت عليه؟"
"في الطائرة لقد وعدني بأنه سيزورنا ذات يوم, إنه يرغب برؤية أخي, وبما أنه لم يأت لزيارتنا بعد سآخذ السيارة بالمناسبة وأذهب لأقول له صباح الخير".
فتبادل ايميت وهاريس النظرات.
"غنها فكرة عظيمة راشل" قال لها عمها هاريس "وأنا سأصطحب أخاك طيلة النهار لأنه يجب علينا أن نملئ بعض الأوراق القانونية, وهذا عمل شاق سيجعلك تضجرين معنا, أذهبي إذن لرؤية الكاهن, وبإمكانك أن تتنزهي أيضا ثم تنضمي إلينا في بار الفندق عند السابعة ماذا تقولين؟"
"أوه, ولكن أنا لا أريد إلا أن أرافقكما! فالأب مرفي بإمكانه أن ينتظر وبالتأكيد سيكون قد علم من الإشاعات التي تسري في الجزيرة بأنني بصحة جيدة"
"نعم إشاعات الجزيرة تسري بسرعة" أجابها هاريس بأسى.
"ليس بالنسبة لي" أجاب ايميت بصوت منخفض "يجب عليك أن تذهبي لزيارة الكاهن راشل"
"بالتأكيد أنتما لا تريدان اصطحابي معكما؟"
"نعم يا صغيرة, فأنت ستملين لدرجة الموت, كوني حذرة من الشمس القوية على الشاطئ لقد بدأ لونك يصبح برونزيا ولكن يجب أن تنتبهي كي لا تصابي بحروق الشمس"
"حاضر أيها الرئيس, إلى اللقاء هذا المساء إذن"
وقبلته على خده.
فنظر إليها الرجلان وهي تدخل إلى الشاليه, وظلا صامتين قليلا وكان منهما غارق في أفكاره ثم قال هاريس.
"هل هذا أمر عاقل يا صديقي؟ أنت ترسلها إلى وكر الذئب"
"لا أعتقد ذلك يبدو أن هذا الكاهن رأى ايميت مؤخرا أليس كذلك" ايميت وليس مساعدك؟"
"هذا صحيح لكنه رفض الكلام, وهذا أمر كبيعي فإنه يحترم الاعتراف وقدسيته...... ولكن قريب الرجل الذي يعمل في البار يشتغل في الكنيسة ولقد سمع الأب فرانك يتحدث على شخص اسمه ايميت ولقد رأى توم موكو الرجل هذا أنه يشبهك على ما يبدو ولكن ليس لدرجة أن يمزج بينه وبينك".منتديات ليلاس
يتبع