لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات زهور
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات زهور روايات زهور


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-09-08, 04:44 PM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12116
المشاركات: 65
الجنس أنثى
معدل التقييم: أحلى بنت عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSomalia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أحلى بنت غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : محبة القراءة دائما المنتدى : روايات زهور
افتراضي

 

مشكــورة اختي على هذا المجهود الرائع ... ننتظر منك الأجزاء الأخرى

^_^

 
 

 

عرض البوم صور أحلى بنت   رد مع اقتباس
قديم 07-09-08, 12:29 PM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2008
العضوية: 84365
المشاركات: 1,071
الجنس أنثى
معدل التقييم: محبة القراءة دائما عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 25

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
محبة القراءة دائما غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : محبة القراءة دائما المنتدى : روايات زهور
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحلى بنت مشاهدة المشاركة
  
مشكــورة اختي على هذا المجهود الرائع ... ننتظر منك الأجزاء الأخرى

^_^

العفو اختى شكرا على متابعتك الجميلة اوى نورتى


9 ـ سر الرجل الغامض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
صمت ( منير) قليلا و هو يطرق برأسه إلى الأرض ثم نظر إلى (منصور) قائلا :
ـ قصة مؤثرة و لكنى لا أرى لها أية علاقة بى فأنا لن أنفصل عن زوجتى من أجل المخدرات كما أننى لن أتخلى عن رعاية أبنائى
قال ( منصور) برصانة :
ـ لم تكن المخدرات هى السبب الحقيقى فى ضياع شمل هذه الأسرة و فى انفصال الأب عنها و لكنها الاستسلام للشعور بالعجز و الشعور بالهوان .. هوان الأب أمام زوجته و هوانه على نفسه و هذا هو نفس الشئ الذى يدفعك إلى التخلى عن أسرتك الآن الإحساس بالنقص و الهوان أمام سلطان شقيق زوجتك و تلك النظرة التى ينظران بها إليك على انك رجل وصولى لا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة دون الاعتماد على مساعدة ذلك الأخ و لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه دون الارتكان إلى نفوذه و ماله و بدلا من أن تثبت لنفسك و للآخرين أنك تستطيع أن تحرز ما احرزته من نجاح فى مصنع ( وجدى) و أن تحقق طموحك دون الاعتماد عليه اخذت الطريق السهل الذى اختاره ذلك الرجل الذى حدثتك عنه قررت الهروب … الهرب مع امرأة أخرى و إلى المجهول دون أن تواجه الأمر بشجاعة و تؤكد ذاتك بعزيمة الرجال و اصرارهم
( منير) :
ـ و كيف يأتى ذلك فى تصورك و أنا أعيش تحت رعاية و نفوذ ( وجدى) بل و أخته ؟
( منصور) :
ـ أن تضرب عرض الحائط بذلك النفوذ و تلك الرعاية دون أن تتخلى عن زوجتك و أبنائك لقد أعدت له مفاتيح السيارة التى اهداها لك فلا تحاول أن تستردها مرة أخرى إلا إذا كنت قادرا على سداد ثمنها و يمكنك أيضا أن تطلب منه التوقف عن دفع ذلك المبلغ الذى يدفعه لك فوق راتبك للانفاق منه على أسرتك و ان تخبره بأنك قادر على تولى أمر عائلتك دون الحاجة إلى مساعدته و يمكنك أيضا أن تطالب الجميع بالتعامل معك من خلال شخصك و عملك كرجل و مهندس ناجح دون النظر إلى العلاقة التى تربطك بـ ( وجدى) بك أما المنزل فهو من حق زوجتك بعد أن ورثته عن خالها و لا يقع فى دائرة مساعدات اخيها هناك أشياء كثيرة يمكنك أن تفعلها بشرط أن تكون قويا و ذا عزيمة و أن تكون لديك القدرة على الحياة بمستوى اقل مما اعتدته و بما يتفق مع كرامتك حتى تستطيع أن تصل إلى ما تصبو إليه بعرقك و كدك و اجتهادك دون الحاجة إلى الاعتماد على زوج أختك فى أى شئ وقتها فقط يمكن أن تنظر إلى عيونهم و أنت مرفوع الرأس دون احساس بالنقص و الضعف ووقتها فقط ستشعر باحترامهم و احترام الآخرين و احترامك لنفسك و احترام أبنائك لك و ليس بالهرب و التخلى عن أسرتك
هز ( منير) رأسه و كأنه يرفض قبول هذا الاقتراح :
ـ أنت لا تفهم شيئا إننى أحب تلك المرأة التى سأتزوجها لقد وعدتها و لم يعد هنالك مجال للتراجع
( منصور) :
ـ إنك لم تحبها كما تتصور بل وجدت فيها ا أحسست أنك قد افتقدته فى زوجتك أخيرا .. احترامها و اعتمادها عليك كرجل هذه هى الحقيقة و صدقنى إن زوجتك تحبك أكثر من أية امرأة أخرى فى العالم و ليس هناك ما يمكن أن يعوضك عنها باى حال من الاحوال أما عن الوعود فليس هناك ما هو اهم و ابقى من ذلك الوعد المفترض أنك التزمت به يوم اقترنت بتلك السيدة التى اصبحت ام ابنائك بالحفاظ عليها و رعاية ابنائك و اسرتك و الابقاء عليهم دائما فى كنفك و حمايتك
قال ( منير) بضيق :
ـ أعتقد أننى قد سمعت من المحاضرات و الروايات ما يكفى اليوم
قال ( منصور) بهدوء :
ـ و أنا لم يعد لدى ما أقوله فالأمر اصبح متروكا بعد الآن لمشاعرك و مسئوليتك و ضميرك
و فتح الباب استعدادا للانصراف فاستوقفه ( منير ) قائلا :
ـ انتظر
ثم تقدم نحوه قائلا :
ـ هناك سؤال يحيرنى و أريد ان اعرف اجابته منك
( منصور) :
ـ سل ما شئت
قال ( منير) وهو يضغط على كلماته :
ـ من أنت ؟
تنهد ( منصور) قائلا :
ـ كما ترى رجل عجوز وحيد يعمل اجيرا لدى اخى زوجتك
( منير) :
ـ لا .. لا أقصد هذا تلك هى الصورة التى اراها و يراها معى الآخرون إننى اقصد ما وراء هذه الصورة
( منصور) :
ـ لا اعتقد ان ما وراء الصورة يمكن ان يفيدك بشئ وداعا يا بنى
و تركه و انصرف فى حين وقف ( منير) حائرا يفكر فى امر الرجل ثم لم يلبث ان ضرب بقبضته على المائدة فى قوة قائلا فى حنق :
ـ لماذا ظهر ذلك الرجل فى حياتى فى ذلك الوقت ؟ و فى اللحظة التى حسم فيها الأمر بالنسبة لى ؟
و سرعان ما أخذ يردد و كأنه يؤكد لنفسه ما يقول :
ـ نعم .. لقد حسم الأمر بالنسبة لى لا مجال للتراجع
و صمت قليلا ثم قال فى ضيق :
ـ و لكن قصته تلك و ما خلفه وراءه من ذلك الاحساس المزعج بتأنيب الضمير ليتنى ما سمحت له بذلك الحديث الطويل معى بل ليتنى ما سمحت له بدخول المنزل منذ البداية
كان ( منصور) فى طريقه إلى منزل ابنه عندما توقفت سيارة اجرة إلى جواره و سمع صوتا يناديه قائلا :
ـ عم ( عبد التواب) .. انتظر
التفت ( منصور) نحو مصدر الصوت ليرى ( منير) و هو يهبط من سيارة الأجرة قادما نحوه ووقف امامه يحدجه بنظرة فاحصة ثم قال :
ـ لقد عرفتك أنت صاحب القصة التى رويتها لى اليس كذلك ؟
ثم نظر فى اتجاه الفيلا و عاد ينظر إليه قائلا :
ـ و ( وجدى) و ( هالة) هما ابنائك فـ ( وجدى) هو الابن الذى ينكرك و يحاول أن يخفى وجودك و ( هالة) هى الابنة التى لا تعرف حتى هذه اللحظة أنك ابوها
و مرت بينهما برهة من الصمت لم ينطق خلالها ( منصور) بكلمة واحدة فى حين ضرب ( منير) بيده على جبهته قائلا :
ـ يا لى من غبى كيف لم استطع تبين ذلك ؟
ت اهتمامك بـ ( هالة) و تدخلك من أجلها و ظهورك المفاجئ فى بورسعيد و تلك القصة التى رويتها
قال له ( منصور) بثبات و فى عينيه نظرة محذرة :
ـ أنت الوحيد الذى يعرف ذلك الآن و سيبقى ما عرفته سرا بيننا عدنى بذلك
( منير) :
ـ لماذا ؟ إن من حقك أن تخرج من دائرة الظل التى عشت فيها كل تلك السنين الطويلة من حقك على ابنك ان يعترف بك بعد ان دفعت ثمن ما اقترفته و من حق ابنتك ان تعرفك
( منصور) :
ـ لم يعد لدى حقوق على احد فقد تخليت عن حقوقى بنفسى منذ سنوات طوال .. تخليت عنها عندما اخترت ان اتخلى عن واجباتى تجاه زوجتى و ابنائى
( منير) :
ـ هراء .. كيف تأنى لذلك الرجل أن يجعلك تعمل حارسا فى منزله ليعاملك الجميع بهذه الصفة و هو يعلم انك ابوه ؟ كيف سمح لنفسه أن يخفيك عن ابنتك و هى التى طالما تساءلت عنك و كانت تردد انها لا تعلم إذا ما كنت حيا ام ميتا ؟
( منصور) :
ـ أعتقد انه قد تصرف التصرف الصحيح فماضى يمكن ان يلحق به ضررا كبيرا أرجوك يا بنى عدنى ألا تبوح بهذا السر
ابتسم ( منير) قائلا :
ـ كيف اضيع منى فرصة كهذه للانتقام لنفسى و ابتزاز ( وجدى) بك ؟
تبدلت ملامح الاب و هو يقول :
ـ ماذا تقول ؟
( منير) :
ـ ألست رجلا وصوليا و انتهازيا ؟ هل يوجد افضل من هذه الفرصة لانتهزاها و ابتزاز ثرى كبير مثل ( وجدى) ؟
قال ( منصور) بصرامة :
ـ لو فعلت ذلك فتأكد اننى سأقتلك
( منير) :
ـ تقتلنى ؟!
( منصور) :
ـ نعم فلم يعد لدى فى هذه الدنيا ما اخسره و لم يعد لدى فى هذه الدنيا الان ما يهمنى سوى ابنى و صمت برهة ثم قال :
ـ لكنى واثق أنك لن تفعل ذلك
( منير) :
ـ نعم لن افعل ذلك ليس من اجل تهديك و لكن لأثبت لك أننى لست بالرجل الوصولى و لا الانتهازى ابدا
هز ( منصور) رأسه مؤمنا و هو يقول :
ـ لقد كنت اعرف ذلك منذ الوهلة الاولى التى رأيتك فيها فالسنون و التجارب علمتنى كيف احكم على الأشخاص جيدا ( منير) :
ـ لقد اردت اللحاق بك قبل ان تعود إلى الفيلا لأخبرك بأننى قد عدلت عن القرار الذى اتخذته إننى قادم معك و سأعود إلى منزلى مع ( هالة) زوجتى
ابتسم ( منصور) قائلا :
ـ إنك لم تأخذ وقتا طويلا للتفكير فى هذا ؟
( منير) :
ـ و الفضل فى هذا يرجع إليك يا عم ( منصور) هل تسمح لى بأن اناديك باسمك الحقيقى ؟
فتح ( منصور) ذراعيه ليحتضن زوج ابنته قائلا فى امتنان :
ـ اشكرك يا بنى لقد اعدت لى ثقتى بقدرتى على عمل شئ من اجل ابنائى
قال له ( منير) و هو يضمه إلى صدره :
ـ انا الذى يتعين عليه ان يشكرك يا عماه لقد انرت بصيرتى و جعلتنى اعرف الطريق الصحيح الذى ينبغى على أن اسير فيه كما جعلتنى ادرك كم احب زوجتى و ابنائى هيا .. هيا بنا
و انطلقا معا


10 ـ و حان الرحيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
طرقت ( هالة) الباب عدة طرقات قبل أن يسمح لها ابوها بدخول غرفته ووجدته و قد انتهى من صلاته فاقتربت منه قائلة بصوت يشف عن الحزن :
ـ سمعت انك ستترك عملك هنا و تغادر بورسعيد
أجابها ( منصور) فى هدوء :
ـ نعم سأرحل صباح الغد
قالت فيما يشبه التوسل :
ـ ألا يمكنك ان تغير رأيك و تبقى ؟
هز رأسه قائلا بنفس النبرة الهادئة :
ـ مع الأسف لا يمكننى ذلك و انا فى طريقى إلى مغادرة مصر بعد ايام قليلة و السفر إلى احدى البلاد العربية
( هالة) :
ـ هل ستعمل هناك ؟
( منصور) :
ـ نعم
قالت ( هالة) :
ـ و لكنك .. أعنى .. أنت
و اكمل ( منصور) عبارتها المبتورة قائلا :
ـ طاعن فى السن و لست فى عمر يسمح لى بالعمل فى تلك البلاد لكن عملى هناك لن يكون مرهقا و لن يزيد عن العمل الذى مارسته هنا فقد سبق لى العمل فى تلك الدولة و لى اصدقاء و معارف هناك سيرحبون بى
( هالة) :
ـ هل يمكنك أن تترك لى عنوانك حتى اراسلك فى تلك الدولة التى ستذهب إليها ؟
( منصور) :
ـ عندما يستقر بى المقام هناك سأرسل لكى عنوانى
اقتربت ( هالة ) من أبيها لتنحنى فجأة على يده و تقبلها فسحب يده سريعا و هو ينظر إليها بدهشة قائلا :
ـ ( هالة) هانم ماذا تفعلين ؟
انحدرت عبرة من عينيها و هى تقول :
ـ مهما حاولت أن اقول فلا اعرف كيف اوفيك قدرك من الشكر على مساعدتك لى فى محنتى و مساهمتك فى لم شمل أسرتنا مرة اخرى لقد قدمت لى صنيعا لن أنساه
قال ( منصور) متأثرا :
ـ إننى لم افعل شيئا و لم يكن يمكننى ان افعل شيئا لولا حبك لزوجك و حب زوجك لك و لأولاده إن ما بينكما قوى و يجب ان يبقى قويا و متماسكا حتى لا تعصف به الأهواء
ـ حافظى على زوجك اجعليه يشعر باحترامك و تقديرك دائما يبقى ملكا لك و اياك ان تبخسيه قدره أو تحاولى الاقلال من رجولته و كرامته و إلا خسرتيه إلى الأبد هذه هى النصيحة الوحيدة التى استطيع ان اقدمها لكى قبل رحيلى
( هالة) :
ـ هل يمكننى أن اطلب منك صنيعا آخر من أجلى ؟
( منصور) :
ـ انا تحت امرك يا ( هالة) هانم
( هالة) :
ـ أرجوك توقف عن مناداتى بكلمة هانم هذه و قل لى يا بنيتى
قال و قد ازداد تأثرا :
ـ كما تريدين يا بنيتى
( هالة) :
ـ يالها من كلمة حرمت منها طويلا و على الرغم من أننى سمعتها من عدة اشخاص إلا منك فأشعر أنها تبدو مختلفة منك انت بالذات
و حاول ( منصور) ان يختصر الموقف قائلا :
ـ و ما هى الخدمة التى تريدينها منى ؟
نظرت إليه متوسلة و هى تقول :
ـ أن تبقى و لا تغادر بورسعيد أرجوك
قال لها ( منصور) و هو يحاول مقاومة مشاعره :
ـ لا استطيع يا بنيتى لا استطيع صدقينى
( هالة) :
ـ و لا حتى من أجل خاطرى
( منصور) :
ـ لو كان الأمر بيدى ما فارقتكم لحظة واحدة فأنا اشعر أننى مشدود إلى هذا المكان لقد تعلقت بـ ( وجدى) و الا ولاد و لكن لابد ان اسافر
قالت ( هالة) :
ـ كم سأفتقدك و كم سأفتقد حنانك الأبوى الذى حرمت منه طويلا
وحول وجهه عنها ليخفى عينيه المغروقتين بالدموع قائلا :
ـ أنا ايضا سأفتقدك كثيرا
و فى أثناء ذلك دلف ( وجدى) من الباب المفتوح إلى داخل الغرفة و يبدو أنه فوجئ بوجود أخته حيث نظر إليها بدهشة قائلا :
ـ ( هالة) .. هل أنت هنا ؟
قالت و هى تمسح تلك العبرة التى انحدرت على وجنتها :
ـ جئت لأودع عم ( عبد التواب) قبل رحيله
و غادرت الغرفة حزينة فى حين اقترب ( وجدى) من أبيه و على وجهه علامات التردد و ما لبث أن قال بعد برهة من الصمت :
ـ هل أنت مصر على الرحيل ؟
قال ( منصور) و هو يتظاهر بترتيب امتعته :
ـ نعم
( وجدى) :
ـ لماذا ؟ أعنى ما الذى جعلك تفكر فى مغادرتنا هكذا فجأة و دون سابق انذار ؟
أجابه ( منصور) بهدوء :
ـ أليس هذا ما كنت تتمناه ؟
( وجدى) :
ـ نعم و لكننى ظننت أن الأمر سيستغرق وقتا أطول من ذلك إنك لم تبق معنا سوى شهر واحد
( منصور) :
ـ اعتقد انه يكفى و اطمئن لن اسبب لك ازعاجا بعد اليوم فكما ظهرت سأختفى و لن ترانى بعد ذلك يمكنك ان تمارس حياتك فى اطمئنان و هدوء و كأنك لم ترنى أبدا
قاوم ( وجدى) احساسه المبهم بالذنب و هو يزداد اقترابا من أبيه قائلا :
ـ هل أنت مسافر إلى احدى الدول العربية حقا ؟
( منصور) :
ـ نعم
( وجدى) :
ـ و ما هذه الدولة ؟
( منصور) :
ـ السعودية لقد سافرت إليها من قبل .. سأقضى بضعة أيام بالقاهرة أولا ثم أسافر
( وجدى) :
ـ حسنا متى يحين موعد سفرك حتى احضر لنقلك إلى المطار بسيارتى ؟
ابتسم ( منصور) فى مرارة قائلا :
ـ هل أنت حريص على راحتى حقا أم أنك تريد أن تطمئن إلى مغادرتى البلاد ؟ قلت لك اطمئن سواء كنت فى القاهرة أو فى اى دولة أخرى فى العالم تأكد أننى سأختفى من حياتك إلى الأبد
قال ( وجدى) و على وجهه ملامح الصدق :
ـ إننى لا اقصد ذلك يمكنك أن تبقى إذا أردت و كيفما شئت فأنا لم أعد اشعر بالانزعاج لوجودك
تأمل ( منصور) وجه ابنه مليا ثم قال بعد برهة من الصمت :
ـ هل تريد منى أن ابقى حقا ؟
قال ( وجدى) محاولا التظاهر باللامبالاة :
ـ إذا أردت
تحول ( منصور) عنه ليعود إلى ترتيب أمتعته و هو يقول :
ـ أشكرك على كل حال
دنا ( وجدى) من أبيه قائلا و قد تحلت اللامبالاة فى صوته إلى اهتمام حقيقى :
ـ و إذا قلت لك : إننى أريد منك أن تبقى
استدار ( منصور) ليواجه ابنه و هو يقبض على كتفيه بيده قائلا :
ـ حقا يا ( وجدى) هل تريد منى ان أبقى معك حقا ؟
وقف ( وجدى) واجما لا يدرى ماذا يقول لقد احس بتيار عاطفى يسرى فى نفسه تجاه أبيه و لكن شيئا ما كان يجعله يصر على مقاومة هذا التيار لقد خشى أن يعود فيعلن رغبته الحقيقية فى بقاء ابيه فيظهر فى صوته ما ينبئ عن تلك العاطفة الحقيقية و يعلن عن انهزام كراهيته لذلك الأب الذى حرمه من حنانه و رعايته و ابوته سنوات طوالا ظل ( وجدى) واجما لا ينطق بكلمة حتى تحرر كتفيه من يدى أبيه الذى تقلصت ملامحه فجأة فأسرع بالجلوس على أحد المقاعد و سأله ( وجدى) فى قلق :
ـ ماذا بك ؟
تحامل الأب على نفسه لكى يخفى تلك التقلصات التى بدت على وجهه قائلا :
ـ لا .. لا شئ مجرد صداع بسيط
( وجدى) :
ـ هل أحضر لك أى مسكن ؟
( منصور) :
ـ لا داعى لذلك فأنا معتاد على هذا الصداع الذى يذهب و يجئ
( وجدى) :
ـ لقد نسيت أن اشكرك على ما فعلته من أجل ( هالة)
( منصور) :
ـ هل نسيت أننى أبوها ؟ الأب لا يتلقى شكرا على مساعدته لابنته
و أمسك برسغه و هو يجلس على مقعده قائلا :
ـ أريد منك أن تعتنى بـ ( هالة) و ترعاها جيدا فى غيابى فلن أستطيع مساعدتها مرة اخرى فى المستقبل إنك شقيقها الوحيد و ليس لها احد سواك أريد منك ان تقوم بمسئوليتك تجاهها ليس كشقيق فقط و لكن كأب أيضا و ليس بدافع حبك لذاتك و أنانيتك التى كشفتها فيك و لكن بدافع حبك لها و حرصك عليها هذا هو مطلبى الوحيد منك أن تكون الأخ و الأب فى آن واحد
هز ( وجدى) رأسه مؤمنا على كلام أبيه ثم قال :
ـ إذن فأنت مصمم على الرحيل
( منصور) :
ـ نعم سيكون ابتعادى فى صالحك و صالح اختك إذ ان ماضى لا يشرف أحدا منكما لقد ادركت أنك كنت محقا فيما قلته لى فى البداية
أخرج ( وجدى) من جيبه رزمة من النقود ليقدمها إلى ابيه قائلا :
ـ أعتقد انك ستحتاج إلى بعض النقود معك حتى تنتهى من ترتيبات سفرك
لكن ( منصور) أزاح يد ابنه الممتدة بالنقود قائلا :
ـ احتفظ بنقودك فلست بحاجة إليها
حاول ( وجدى) الاعتراض قائلا :
ـ و لكن
لكن أباه قاطعه قائلا :
ـ قلت لك : لست بحاجة إلى نقود فيمكننى تدبير أمرى بنفسى
( وجدى) :
ـ كيف إننى كما أرى ...
و نهض ( منصور) ليقوده إلى الباب قائلا و هو ينهى الحديث :
ـ من الأفضل أن تعود الآن إلى زوجتك قبل ان تقلق عليك و تتساءل عن سر وجودك هنا
توقف ( وجدى) عند الباب قائلا :
ـ متى ستغادر المنزل ؟
( منصور) :
ـ فى الصباح و لا أريد وداعا فسوف أرحل و انت نائم حتى لا أسبب ازعاجا لأحد
( وجدى) :
ـ هل أنت واثق أنك لست بحاجة إلى النقود ؟ إننى مستعد أن اعطيك أى مبلغ تتطلبه
( منصور) :
ـ أشكرك لكن صدقنى لست بحاجة إلى أى مبلغ من المال هيا .. هيا انصرف
و خطا ( وجدى) خارج الباب لكن ( منصور) جذبه من ذراعه قائلا :
ـ انتظر
ووقف أمامه قليلا و كأنه يريد أن يملأ عينيه منه قبل أن يفارقه ثم أحاط عنقه بيده و هو يضمه إليه و قد اختنقت عيناه بالدموع قائلا :
ـ سامحنى يا بنى فقد أخطأت فى حقك كثيرا

تراجع ( وجدى) برأسه إلى الوراء و قد هزته عاطفة أبيه أراد ان يقول شيئا و لكن لسانه لم يساعده دفعه أبوه بعيدا عنه و هو يقول محاولا التخلص من ذلك الموقف العاطفى :
ـ هيا .. هيا عد لبيتك و زوجتك
و من عينيه انحدرت قطرة دمع
قطرة كبيرة


11 ـ عذاب الضمير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظر ( منصور) إلى ساعته و كانت قد تجاوزت الخامسة صباحا بعدة دقائق و عادت عضلات وجهه تتقلص و قد احس بذلك الألم الشديد يهاجم أحشاءه و لكنه حمل حقيبته و تحامل على نفسه ليتسلل إلى داخل الفيلا حيث صعد إلى الدور العلوى و فتح باب غرفة نوم حفيده كان وائل مستغرقا فى النوم و قد بدا فى نومه كالملاك الحالم عندما اقترب جده من فراشه و جثا على ركبتيه ليقبل جبهته هامسا :
ـ كم سأفتقدك أيها الملاك الصغير ليتك نعرف أننى أحبك كثيرا
و اخذ يمسح بيده على شعره و هو يتأمله بنظرة حنون ثم نهض واقفا و هو يسنعد لمغادرة الحجرة لكنه فوجئ بزوجة ابنه واقفة لدى الباب فهمس لها قائلا :
ـ ىسف يا ( نجلاء) هانم يبدو أننى قد أقلقتك و لكنى أردت ان ارى وائل قبل رحيلى
قالت له و هى تصحبه خارج الغرفة :
ـ و هل كنت تريد ان ترحل دون ان تودعنا ؟
( منصور) :
ـ هذا افضل لقد تعلقت بكم كثيرا و عندما يحب شخصا آخرا يفضل أنة يرحل دون وداعه لأن لحظات الوداع غالبا ما تكون مؤثرة و مرهقة للعواطف و مع ذلك و ما دمت قد التقيت بك قبل رحيلى فلا مناص من أودعك شاكرا لك حسن معاملتى طوال الفترة التى قضيته هنا
( نجلاء) :
ـ ألن تخبرنى عن سبب رحيلك المفاجئ هذا ؟

 
 

 

عرض البوم صور محبة القراءة دائما   رد مع اقتباس
قديم 09-09-08, 11:50 PM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2008
العضوية: 84365
المشاركات: 1,071
الجنس أنثى
معدل التقييم: محبة القراءة دائما عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 25

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
محبة القراءة دائما غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : محبة القراءة دائما المنتدى : روايات زهور
افتراضي

 

( نجلاء) :
ـ ألن تخبرنى عن سبب رحيلك المفاجئ هذا ؟
( منصور) :
ـ لقد قلت لك من قبل يا هانم أننى مضطر إلى السفر
( نجلاء) :
ـ لا أعرف لماذا لا يبدو لى هذا السبب مقنعا ؟ و على أية حال إذا كان الأمر متعلقا بالمال فيمكننى أن ...
قاطعها قائلا :
ـ ليس للأمر أية علاقة بالمال إنه ارتباط لابد منه
و هم بهبوط درجات السلم عندما امسكت ساعده قائلة :
ـ عم عبده
و صمتت قليلا قبل أن تستطرد :
ـ أريد منك أن تعرف قبل رحيلك أننا أيضا أحبناك و تعلقنا بك و كنا نتمنى ألا تتركنا و ترحل
نظر إليها مليا ثم قال :
ـ بارك الله فيك يا بنيتى
ثم أسرع بهبوط درجات السلم ووقفت ( نجلاء) تراقب رحيله من نافذة غرفة نومها إلى ان غاب عن عينيها ثم عادت إلى الفراش حيث كان زوجها راقدا و قد استلقى على احد جنبيه و هو ينظر إلى الجهة المقابلة للنافذة و سألها بصوت خافت :
ـ هل رحل ؟
سألته باستغراب :
ـ هل أنت مستيقظ ؟
( وجدى) :
ـ نعم
قالت معاتبة :
ـ لم لم تحاول ان تنهض لتوديعه
قال و قد ازداد صوته خفوتا :
ـ لا أعتقد انه كان سيرحب بذلك
( نجلاء) :
ـ هذا ما قاله و لكن كان يمكنك على الأقل أن تعرض عليه توصيله إلى موقف السيارات
( وجدى) :
ـ و هذا ايضا رفضه
التفتت إليه قائلة :
ـ لا أعرف لماذا يسيطر على ذلك الشعور بأن هذا الرجل يمت لك بصلة ما ؟
تصرفاته و افعاله
و صمتت و قد ارتسمت على وجهها ملامح الحيرة ثم قالت :
ـ لقد كان ينظر إلى ( وائل) بحنان بالغ حتى أننى خشيت أن يختطفه و يأخذه معه قبل ان يرحل و موضوع ( هالة) لقد سمح لنفسه بالتدخل فى الأمر و اصلاح العلاقة بينها و بين زوجها كما لو كان فردا فى العائلة و أنت لقد رأيتك متأثرا هذا المساء لرحيله بالرغم من أنك نادرا ما تتأثر لفراق احد و لا تتميز بذلك الحس العاطفى و هذا شئ غريب بالنسبة لأجير عندك بالرغم من أننى لا أنكر أننى أيضا تأثرت لقراره بالرحيل عنا فقد احسست أن وجوده فى منزلنا يضفى عليه لمسة ما .. لمسة غريبة لم نعهدها فى احد ممن يعملون لدينا او ممن نعرفهم و ازدادت اقترابا منه و امسكت ساعده قائلة :
ـ ( وجدى) أما زلت مستيقظا ؟
لكنها لم تتلق جوابا منه و إن احست بجسده يرتعد فقربت وجهها من وجهه و رأت عينيه محتقنتين بالدموع فهتفت غير مصدقة :
ـ ( وجدى) هل تبكى ؟!
نهض من فوق الفراش ليجلس على حافته و هو يدير لها ظهره قائلا بعد ان اطلق زفرة قصيرة :
ـ ( نجلاء) ألا تكفين عن ذلك الفضول ؟
و لكنه قفزت من الفراش لتواجهه قائلة :
ـ هل تعرف ان هذه هى المرة الأولى التى ارى فيها الدموع فى عينيك ؟
مد يده ليزيل أثر الدموع من عينيه قائلا و هو يشيح بوجهه إلى الجهة الأخرى :
ـ إن عينى متعبتان قليلا ربما بسبب الإجهاد و قلة النوم
و لكن ( نجلاء) ألحت عليه :
ـ لا اعتقد أن للاجهاد و قلة النوم علاقة بتلك الحالة التى تبدو عليها
نهض من الفراش دون ان يرد عليها ليجلس فوق أحد المقاعد و هو يشعل لنفسه سيجارة فى حين ظلت ( نجلاء) جالسة فوق حافة الفراش و هى تقول :
ـ هل تعرف السبب الحقيقى فى تلك الازمة التى كادت تودى بزواج أختك ؟
إنها لم تصدق ان زوجها يحبها حبا حقيقيا و لم تكن تثق به و بنواياه تجاهها بل كانت موقنة انه لولاك و لولا مساعداتك له ما استمر هذا الزواج و ذلك هو الخطأ الفادح الذى كاد يعصف بزواجهما لأن ( منير) كان يحبها حقيقة و يتألم لأنها لا تثق بذلك و أنت ترتكب نفس الخطأ فأنت لا تثق فى حبى لك و فى تمسكى بك بالرغم من كل شئ و من أى شئ و تنسى أننى أحببتك و تزوجتك بالرغم من كل عيوبك التى غفرتها لك و عملت على اصلاحها لكنى لم افكر للحظة واحدة ان اتترك بسببها إنك تنظر لى دائما على اننى انتمى إلى اسرة ثرية و من أصل عريق و أنك يجب ان تبدو أمامى دائما فى الصورة المثلى و فى المستوى اللائق حتى لا يؤثر ذلك على ارتباطنا و انه يتعين عليك من أجل ذلك ان تخفى عنى الكثير من اسرار حياتك و بعضا من تلك الهموم التى تصل بك إلى حد البكاء كما رأيت هذه الليلة فى عينيك و نسيت أننى امرأتك و زوجتك و حبيبتك قبل أى شئ آخر و أننى أتألم لأنى لا تثق بى و بحبى لك بالقدر الذى استحقه و تعمل على ابعادى عن مشاركتك ما يتعين على ان اشاركك فيه كزوجة احبتك و رضيت ان تشاركك حياتك بكل ما فيها و بكل ما تحتويه من أسرار تحرص على اخفائها عن الآخرين يوم أن وافقت على الاقتران بك
سألها بصوت واهن :
ـ ماذا تريدين منى ان اقوله ؟
اقتربت من المقعد الجالس عليه لتجثو امامه و هى تضع يديها على ركبتيه قائلة :
ـ الحقيقة
سألها و قد عادت عينيه تحتقنان بالدموع :
ـ أية حقيقة ؟
( نجلاء) :
ـ من هو هذا الرجل الذى جئت به إلى منزلنا فجأة و رحل عنا فجأة ؟
لاذ ( وجدى) بالصمت دون ان يعطى جوابا و ظلت ( نجلاء) تحدق فيه برهة و هى تنتظر منه ان يقول اى شئ بلا جدوى ثم ما لبثت ان نهضت و هى تستعد لمغادرة الغرفة قائلة :
ـ مع الأسف كنت أظنك تثق بى اكثر من ذلك ؟
و لكنه أمسك برسغها قائلا و قد سالت العبرات على وجنتيه :
ـ إنه ابى
ظلت ( نجلاء) صامتة لحظات و هى تحاول استيعاب ما قاله ثم ما لبثت ان عادت تجثو امامه قائلة :
ـ كنت اعرف و اشعر بان هناك صلة ما .. صلة قوية تربطك بهذا الرجل و لكنى لم أكن اتصور
و بدا تفكيرها مشوشا و هو تزداد قائلة :
ـ والدك ؟! غير معقول !
ثم نظرت إليه قائلة :
ـ و لكن كلنا نعلم ان والدك قد مات لقد اخبرتنا بذلك
قال ( وجدى) بصوت مرتعش :
ـ لم تكن هذه هى الحقيقة
( نجلاء) :
ـ و لكن لماذا ؟ لماذا اخفيت عنا هذه الحقيقة و لماذا تركته يعمل حارسا لدينا و أنت تعلم انه أبوك ؟
( وجدى) :
ـ كانت لدى اسبابى
بدت ( نجلاء) و قد تخلصت من صدمة المفاجأة و هى تقول بصوت غاضب :
ـ لا اعتقد ان هناك اى سبب فى هذه الدنيا يجعلك تنكر وجود ابيك و ترضى له هذا الوضع المهين
( وجدى) :
ـ سأروى لك القصة من البداية و لكنى اوافقك على انه مهما كانت الأسباب فقد كنت نذلا للغاية فى تصرفى هذا و اخذ يروى لها القصة كلها
بعد ان انتهى من روايته لقصته صمتت ( نجلاء) قليلا ثم قالت :
ـ إننى لن اتجادل معك فى كل ما حدث فى الماضى بل اناقشك فى تصرفاتك مع ابيك بالرغم من أننى اعترف بأنها قد صدمتنى فلم اكن أظن انك بكل هذه القسوة بالرغم من كل المبررات التى سقتها و لكن سأسألك سؤالا واحدا : ماذا ستفعل الآن ؟
نظر إليها ( وجدى) و كأنه يتطلع إلى الإجابة فى عينيها و قال :
ـ و ماذا تنتظرين منى ان افعل ؟
قالت بدهشة :
ـ لا اعتقد انك ستستمر فى ارتكاب هذا الخطأ الفادح يجب عليك الآن تصحح كل الأخطاء التى ارتكبتها لابد ان تعرف ( هالة) بوجود أبيها و يجب ان تكشف لها عن شخصيته فهذا حقها ثم يتعين عليك بعد ذلك أن تعثر على ابيك و ان تعيده إلى هنا ليأخذ مكانه الصحيح و يستعيد ما فقده منك و من اختك من حب و احترام لابد ان تعيد له أبوته المفقودة و بنوتك التى حرم منها طويلا يجب ان يأخذ كل شئ مساره الصحيح منذ هذه اللحظة
قال و قد ارتسم الخوف فى عينيه :
ـ و لكن وضعى و مكانتى فى المدينة و الانتخابات التى أسعى إلى خوضها إن أبى له سابقة اجرامية ثم ماذا سيقول الناس عنى بل ماذا ستقول ( هالة) عندما تعلم أننى أخفيت عنها و عنهم الحقيقة و اظهرت أبى بمظهر الأجير الذى يعمل لدى ؟ هناك أشياء كثيرة متشابكة و معقدة إننى سأفقد احترام الناس و تقديرهم لى إن لم يكن بسبب ماضى أبى فسيكون بسبب فعلتى معه يجب أن اضع كل هذا فى حساباتى
انفعلت ( نجلاء) قائلة فى غضب :
ـ فلتذهب حسابتك و كل تلك الأشياء إلى الجحيم المهم الآن هو والدك الرجل طاعن فى السن و لابد انه رحل عن هنا و هو حزين منكسر القلب لجفائك معه و حرمان من استعادة حبك و حب ابنته الذى حرم منه طويلا ألم تفكر لحظة واحدة فى هذا ؟ ألم يحرك فيك شيئا ؟ ما الذى ستجنيه من احترام الناس لك إذا نا فقدت احترامك لنفسك ؟ و بأى ضمير ستواجه نفسك بعد الآن ؟ بل كيف سيمكنك ان تنظر إلى نفسك فى المرآة بعد هذا الجرم الفظيع الذى ارتكبته فى حق ابيك الذى قد يموت بعيدا عنك دون ان تراه او تدرك موته و فى قلبه غصة منك و من جحودك ؟ هل ستكتفى وقتها ببعض العبرات التى تتساقط فوق وجنتيك كما تفعل الآن ؟
هب ( وجدى) من مقعده و هو يقول فى انفعال :
ـ كفى يا (نجلاء) كفى إنك تعذبيننى بهذه الكلمات
وقفت ( نجلاء) إلى جواره و احاطت ذراعه بيدها و هى تقول :
ـ سيكون العذاب اضعافا مضاعفة إذا ام تسع إلى ايقاظ ضميرك و اصلاح الأمر مع ابيك و رد اعتباره إليه صدقنى إننى اقول لك ذلك لأننى أحبك و اخشى عليك من عذاب قاس لا يرحم .. عذاب الضمير ذلك لأننى اعرف أنه بالرغم من كل شئ فأنت لست بهذه القسوة و العقوق و الأنانية التى تحاول ان تبدو عليها هيا أسرع .. أسرع قبل فوات الأوان


12 ـ اللقاء القصير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بذل ( وجدى) جهدا كبيرا حتى توصل إلى عنوان أبيه كان المنزل قديما متواضعا ووقف ( وجدى) أمام الشقة التى يقطنها أبوه واضعا سبابته على الجرس دون أن يجيبه أحد حتى فتح باب الشقة المجاورة ليخرج منه احد الأشخاص متسائلا :
ـ هل تبحث عن أحد ؟
قال ( وجدى) :
ـ أليست هذه هى شقة منصور الدهشورى ؟
أجابه الجار :
ـ نعم و لكنه ليس هنا الآن .. من أنت ؟
( وجدى) :
ـ إننى ابنه
نظر إليه الجار بدهشة قائلا :
ـ ابنه ؟! و لكنه لم يخبرنا ان لديه ابنا
( وجدى) :
ـ لقد حالت الظروف دون حضورى فأنا أقيم فى بورسعيد
قال الرجل :
ـ على كل حال مفتاح الشقة معى فلقد اعتاد ان يترك معى مفتاحا آخر للشقة فى الايام الاخيرة لأقضى له بعض الطلبات و معاودته إذا ألم به مرض حال دون خروجه
( وجدى) :
ـ هل هل هو مريض ؟
أجابه الرجل قائلا :
ـ لقد بدأ يتردد على الطبيب كثيرا فى الايام الاخيرة سأحضر لك المفتاح لتنتظر عودته
و لكنه ما لبث أن توقف و فى عينيه نظرة متشككة قائلا :
ـ هل تسمح لى بأن أرى بطاقتك أولا ؟
قدم له ( وجدى) البطاقة ووقف الرجل يقرأ بياناتها بدقة ثم ردها إليه و قد علت وجهه ابتسامة حرج قائلا :
ـ لا تؤاخذنى يا بنى و لكنها أمانة و يتعين على المرء منا أن يكون حذرا فى مثل هذه الظروف سأحضر لك المفتاح
غاب الرجل لحظة بالداخل ثم عاد يقدم له مفتاح الشقة قائلا :
ـ تفضل اعتقد ان والدك لن يتأخر كثيرا فهو لا يغيب فى الخارج غالبا و لا يخرج إلا إذا اضطرته الضرورة هل يمكننى تقديم اى خدمة لك ؟
( وجدى) :
ـ أشكرك
و فتح باب الشقة و أغلقه و هو يتأمل حجرات الشقة و أثاثها المتواضع حتى استقرت عيناه على مكتب صغير تناثرت فوقه مجموعة من الصور و الاوراق و الخطابات وقف يتفحصها و قد ارتدت به الذاكرة إلى الوراء كانت صورا لوالدته و هى فى عنفوان شبابها و صورا لها مع أبيه بعد الزواج كما كانت تضم صورا له و لأخته و هم بعد اطفال صغار و بعضها كانت تضمه مع أبيه كما عثر بينها على صورة حديثة له أخذها أبوه من منزله قبل رحيله و بدافع من الفضول أخذ ( وجدى) يقلب الخطابات و الاوراق المفتوحة التى وجدها على المكتب إلى جوار الصور بعد ان جلس على المقعد الذى يواجهه و انهمك
انهمك تماما
* * *
فى اثناء ذلك كان ( منصور) قد انتهى من الفحص الطبى الذى اجراه لدى الطبيب حيث نهض من فوق مائدة الفحص ليرتدى ثيابه و يقترب من الطبيب و هو يقول :
ـ قل لى الحقيقة يا دكتور لم يعد هناك جدوى أليس كذلك ؟
نظر إليه الطبيب حائرا لكنه لم يلبث ان اطرق برأسه قائلا :
ـ نعم لقد تمكن المرض الخبيث من احشائك
استقبل ( منصور) الخبر بصمت مهيب استمر لحظات ثم قال :
ـ كنت اعرف ذلك و احسه فقد كانت آلامى فى الفترة الاخيرة غير محتملة
قال له الطبيب بصوت حزين :
ـ لقد بذلنا كل ما بوسعنا لكن المرض استفحصل و الامر متروك الآن بين يدى الخالق سبحانه و تعالى
سأله ( منصور) :
ـ كم تبقى لى ؟
أجابه الطبيب :
ـ هذا فى علم الله و لكن بحساباتنا الطبية أمامك بضع أيام قليلة
( منصور) :
ـ كل ما اطلبه منك الآن هو بعض المسكنات لكى توقف ذلك الألم الرهيب الذى يهاجمنى من آن لآخر فقد اصبح الألم فوق احتمالى إلى ان تنفذ مشيئة الله
الطبيب :
ـ مع الأسف حتى المسكنات لن تخلصك من آلامك تماما و لكن ربما استطاعت التخفيف بعض الشئ سأكتب لك بعضها
قدم له الطبيب التذكرة الطبية قائلا فى أسى :
ـ هل ترغب فى ان ابلغ أحدا من أقاربك بالأمر ؟
صمت ( منصور) قليلا ثم نهض واقفا و هو يقول :
ـ أشكرك و لكن ليس لى أحد يمكنك إبلاغه
ثم اغتصب ابتسامة مريرة على وجهه قائلا :
ـ أعتقد ان هذا افضل حتى ارحل عن هذه الدنيا بهدوء دون ان اسبب الحزن لأحد
كان ( وجدى) فى أثناء ذلك مستغرقا فى قراءة أوراق و خطابات أبيه بدموع حارة فقد كشفت له تلك الاوراق و الخطابات عن مفاجأة غير متوقعة مفاجأة زلزلت كيانه و هزت ضميره لقد عرف من هذه الاوراق و الخطابات المتبادلة بين أبيه و خاله الدور الخفى الذى قام به أبوه لمساعدته دون ان يدرى فقد أمد ابوه خاله بالمال اللازم لانقاذ مصنع الزجاج من الافلاس و البيع بعد ان تراكمت عليه الديون و الاعباء و هو الذى اسهم فى تطوير و تنمية ذلك المصنع ليتحول إلى مؤسسة كبيرة عن طريق المساعدات الخفية التى كان يقدمها إلى خاله لاضافتها إلى حسابات الشركة و ذلك لعلمه أن (وجدى) يعمل بها و ان المؤسسة ستعود إليه بعد ان اشتراها سرا من خاله و إن ابقى عليه ظاهرا مالكا لها كما انه هو الذى اضاف بعض الأرصدة المالية لحساب خاله قبل ان يموت لعلمه بأن ذلك المال سيئول إليه و إلى اخته بعد وفاته و كل تلك الأوراق و الخطابات تكشف عن ذلك كما كشف عن مبلغ السبعين ألف جنيه التى تبقت معه و التى أودعها البنك باسم ابنه و أبناء (هالة) بالتساوى بعد ان حرر الشيكات و كتب خطابا قصيرا لجاره كان يهم بتسليمه له لتقديمه إليه و إلى اخته بعد موته لقد فعل أبوه كل ذلك من أجله و من اجل أخته كان يرعاهم دائما بصورة مستترة و من بعيد و هو الذى تصوره انانيا قاسيا جاء يبحث عنه طمعا فى ماله لقد قابل كل ذلك بجحود بالغ و نعته بأحط الصفات دون ان يحاول الاب ان يدافع عن نفسه مرة واحدة او يكشف عن الحقيقة و لكن لماذا ؟ لماذا فعل ذلك ؟
و فى تلك اللحظة فتح باب المنزل حيث فوجئ ( منصور) بوجود ابنه فهتف قائلا :
ـ ( وجدى) ما الذى جاء بك إلى هنا ؟ و كيف عثرت على مكانى ؟
اقترب منه ( وجدى) حاملا فى يده الاوراق و الخطابات و هو يقول :
ـ ليس هذا هو المهم .. المهم ان تقول لى اولا لماذا أخفيت عنى الحقيقة ؟
وضع ( منصور) الادوية التى يحملها معه فوق المكتب قائلا بغضب :
ـ كيف سمحت لنفسك أن تقلب فى اوراقى ؟
رد عليه ( وجدى) :
ـ لقد عثرت عليها مصادفة و انا اقلب فى الصور
أحس ( منصور) بالآلام تعاوده فى امعائه فجلس على المقعد القريب و هو يحاول ان يخفى تلك التقلصات التى ظهرت على وجهه و عاد ( وجدى) يلح عليه فى سؤاله قائلا :
ـ قل لى لماذا اخفيت عنا الحقيقة كل هذه السنين ؟ لماذا تركتنا نكرهك ؟ و لماذا تركتنى اتعامل معك بكل هذا العقوق بالرغم من كل ما فعلته من اجلى ؟
أجابه ( منصور) :
ـ لأننى خشيت أن تظنوا ان هذه النقود التى انفقتها من اجلكم من الاتجار بالمخدرات كنت اعرف انكم لن تصدقونى حينما اقول لكم إن هذه الأموال قد حصلت عليها عن طريق الحلال تماما فبعد خروجى من السجن سافرت إلى السعودية و عملت فى خدمة أحد الامراء هناك خدمته بكل اخلاص و و فاء حتى صرت اقرب إليه من اخيه و عندما مات الرجل ورثنى جزء من ثروته فعدت بها إلى القاهرة و قررت ان استغلها فى رعايتكما و تعويضكما عن تقصيرى فى القيام بمسئوليتى كأب و زوج تتبعت اخباركم و استطعت الاتصال بخالك بوسيلة ما حينما علمت أنه ينوى بيع مصنعه الذى عينك للعمل فيه و قدمت له المساعدة اللازمة لانقاذ المصنع من الافلاس ثم اشتريت منه المصنع بعد ان اتفقنا على اخفاء هذا الامر و ان يبقى فى الظاهر المالك الفعلى للمصنع الذى سرعان ما تمكنت بمساعدة جهود خالك و اموالى من تحويله إلى مؤسسة كبيرة و كنت أعرف ان ذلك كله سيئول إليك و إلى اختك فى النهاية و مادمت قد عرفت الحقيقة فقد اودعت كل ما تبقى لدى من مال باسم ابنك و ابناء ( هالة) فى احد البنوك و كنت سأكلف احد الاشخاص تسليمها إليك بعد موتى لكن يمكنك ان تأخذ الشيكات الآن ما دمت موجودا هنا
قال ( وجدى) غير مصدق :
ـ و لكن لماذا لم يخبرنا خالى بذلك ؟
( منصور) :
ـ لأننى جعلته يقسم على القرآن أمامى بأن يبقى ذلك السر خفيا بيننا و لا يخبر به احدا مدى الحياة كما اجبرته على ان يقسم امامى بألا يخبر اى مخلوق عن وجودى او لقائى به
تنهد ( وجدى) قائلا :
ـ و الآن فهمت السر فى تبدل موقفه منك خلال السنوات الاخيرة و كيف كان يقول لأمى دائما ان تتذكرك بالخير و ألا تظلمك فى حكمها عليك و عندما كانت تسأله عن السر فى تحوله هذا كان يلوذ بالصمت و لكن لا يمكن ان تكون قد اخفيت عنا وجودك و كل ما قدمته من اجلنا خشية ان نظن أنها اموال جاءت عن طريق المخدرات فقط كان يمكنك ان تحاورنا و ان تثبت لنا حقيقة المصدر الذى جاءت منه هذه النقود
( منصور) :
ـ ليست خشيتى من ألا تصدقونى فقط هى التى جعلتنى أخفى الحقيقة عنكم و لكن ماضى الذى لا يشرف ايضا لقد وضعت ذلك فى تقديرى و كنت أعرف ان ظهورى فى حياتك و انا احمل على اكتافى ذلك الماضى سيتسبب فى الاضرار بمستقبلك و مكانتك التى وصلت إليها كما يلحق الضرر بأختك و أبنائها و عندما جئت إليك فى بورسعيد تعمدت ان ابدو امام صعلوكا متشردا جاء يبحث لنفسه فقط عن مأوى و عمل حتى اكون قريبا منك و من اختك و كنت مقتنعا قبلك بأن يظل وجودى و حقيقتى سرا خفيا فلم اكن اريد سوى ان اكون قريبا منكما و ان انعم بصحبتكما فى ايامى الاخيرة و قبل ان افارق الحياة
قال ( وجدى) بقلق :
ـ تفارق الحياة ؟! ماذا يعنى هذا ؟
قال ( منصور) سريعا و هو بيحاول معالجة زلة لسانه :
ـ أعنى انه لم يبق لى فى العمر مثل ما مضى لقد تقدمت فى السن كما ترى و من يدرى
و فوجئ بابنه يخر امامه على الارض جاثيا على ركبتيه و قد امسك بيديه ليقبلهما فى حرارة قائلا :
ـ سامحنى يا أبى
ابتسم الاب ابتسامة صافية مرددا :
ـ إنها المرة الاولى التى اسمعها منك منذ سنوات طويلة
انهال ( وجدى) تقبيلا ليدى والده و ركبتيه قائلا :
ـ إنك اعظم اب فى الوجود فقد اقدمت على الكثير من التضحيات فى الوقت الذى قابلت انا فيه كل ذلك بمنتهى العقوق و الجحود إننى لن اغفر لنفسى ابدا
رفع الاب وجه ابنه إليه قائلا :
ـ لا تحمل نفسك أكثر مما تحتمل فكل منا أخطأ فى حق الآخر و قد نسيت كل شئ الآن و أنا لم اكن أريد منك سوى هذا العطف و الحنان الذى اراه منك الآن
قال ( وجدى) :
ـ أما انا فلن اسامح نفسى فأنا ..
قاطعه الاب و هو يساعده على النهوض قائلا و الابتسامة على وجهه :
ـ ما رأيك لو أعد لك بعض الحلوى الشرقية التى كنت تحبها من يدى و انت طفل صغير ؟
ضحك ( وجدى) و قال :
ـ أوافق و لكن بشرط ان تعدها لى هناك فى بورسعيد فى منزلى
تراجع الاب فى مقعده و بدت على وجهه ملامح الرفض قائلا :
ـ بورسعيد ؟! لكنى لن استطيع ان اعود معك
قال ( وجدى) بإصرار :
ـ لماذا يا أبى ؟ لقد جئت إلى هنا لأعود بك لم يعد هناك ما نحرص على اخفائه لقد قلت الحقيقة للجميع لزوجتى و اختى و لكل الذين يعرفوننا فى بورسعيد
قال له الاب و قد بدا مذعورا :
ـ لماذا فعلت ذلك ؟
( وجدى) :
ـ لأن هذا هو ما كن يجب أن يحدث منذ البداية إنك أبى و يجب ان يعلم الجميع بذلك و الآن انا اكثر الأبناء فخرا بك
ترقرت الدموع فى عينى الأب و هو يقول :
ـ و لكن يا بنى أنا ..
قاطعه ( وجدى) متوسلا و هو يقول :
ـ أرجوك يا أبى عد معى إن ( هالة) و الاولاد و زوجتى و الجميع فى انتظارك عد يا أبى عد
مرت ثلاثة أيام على وجود ( منصور) الدهشورى فى منزل ابنه لم يتركه الجميع خلالها لحظة واحدة إلا تلك الساعات التى يقضيها فى النوم فقد اصبح محاطا ليلا و نهارا بابنته و زوجها و ابنه و زوجته و احفاده أحاطه الجميع بحبهم و حنانهم و رعايتهم و كأنهم يعوضونه و يعوضون أنفسهم عن كل سنوات الفراق و كل ما حرم منه من حب و حنان و كان ( منصور) حريصا خلال تلك الايام على اخفاء آلمه و حقيقة مرضه عنهم إذ كان يهرع إلى غرفته مختفيا عن الانظار كلما شعر بذلك الوحش الذى لا يرحم و هو يهاجمه لينهش امعائه
و فى احدى الامسيات و بينما كان جالسا أمام التلفيزيون و قد تعلقت ( هالة) بذراعه و احاط به احفاده من كل جانب يداعبونه و يداعبهم و بينما جلس ( وجدى) على الارض إلى جواره و احاط زوجته بإحدى ذراعيه إذا به يستشعر ذلك الألم و قد هاجمه من جديد و على نحو أكثر قسوة فتخلص من يدى ابنته قائلا و هو يحاول إخفاء آلامه :
ـ لقد سهرت اليوم أكثر مما يجب سآوى الآن إلى غرفتى
قالت ( هالة) محتجة :
ـ الوقت مازال مبكرا يا أبى
أجابها و هو يتحامل على نفسه :
ـ سامحينى يا بنيتى فإننى أشعر بحاجة إلى النوم تصبحون على خير
و أحس ( وجدى) بشئ من القلق تجاه أبيه فنهض ليلحق به قبل ان يصعد إلى غرفته قائلا :
ـ هل تشعر بشئ يا أبى ؟
ابتسم الاب برغم آلامه الهائلة قائلا :
ـ لا .. لا شئ لا تقلق فأنا فقط بحاجة إلى النوم هيا عد لزوجتك
و لكن ( وجدى ) لم يتخلص من قلقه و هو يقول :
ـ هل اصحبك إلى غرفتك ؟
ظل الاب محتفظا بابتسامته و هو يقول :
ـ لماذا يا ولدى ؟ هل سأضل الطريق إليها ؟ إن أباك لم يصل إلى إلى هذه الدرجة من الكبر هيا عد إليهم حتى لا تثير قلقهم و تحرك ( وجدى) عائدا بخطوات مترددة فى حين اخذ الاب يتحامل على نفسه و هو يصعد درجات السلم و يحس بألم لا يطاق فى احشائه كان يريد ان يصل إلى غرفته قبل ان يلحظ احد آلامه المضنية لكن قدميه لم تساعداه فقبل ان يصعد الدرجتين الأخيرتين من السلم الخشبى احس برجفة تسرى فى كل اوصاله فنادى ابنه قائلا :
ـ ( وجدى)
هرع الابن ليتلقف اباه الذى هوى بين ذراعيه و قد اصابه الذعر هاتفا :
ـ أبى ما الذى حدث ؟
قال ابوه و هو يزدرد لعابه و قد بدا الألم رهيبا على وجهه :
ـ هناك حقيقة اخيرة اخفيها عنك و آن لك ان تعرفها إننى اموت يا بنى
كاد ( وجدى) يصرخ و هو يقول :
ـ ماذا ؟
لكن ( منصور) وضع يده على فم ابنه قائلا :
ـ لا تثير انتباه الآخرين احملنى إلى فراشى أولا
و حمل ( وجدى) أباه إلى غرفته حيث أرقده على الفراش و هو يجثو إلى جواره و قال الاب و قد اختفت ملامح التقلص من على وجهه لتحل محلها ملامح الارتياح :
ـ الحمدلله أننى وجدت ذراعاك لتحملانى فى اللحظة التى احتاج إليها
تدفقت الدموع من عينى الابن المذعور و هو يقول :
ـ أبى ما نوع هذا المرض ؟ و متى اصبت به ؟
قال الاب :
ـ منذ سنتين تقريبا لم اشعر بخطورته و قسوته لكنه سرعان ما تمكن منى و بدأ يصارعنى صراعا لا هوادة فيه و لكننى لا اشعر الآن أنه قد انتصر على فلم يكن الموت هو ما يخيفنى حقا لكنى كنت بحاجة فقط لكى اعوض سنوات الحرمان التى عانيتها بعيدا عنك و عن أختك كنت بحاجة لحبكما و وجودكما بقربى و هذا هو سبب مجيئى إلى هنا و كنت أخاف ان افارق الدنيا و انتما ناقمان على دون ان تعرفا كم احبكما و كم تعذبت لفراقكما و الحمد لله لقد قضيت الايام الاخيرة محاطا بكل الحب و الحنان الذى افتقدته و تمنيته و استطعت انت و اختك و زوجتك و زوج اختك و اولئك الاحفاد الاشقياء ان تعوضوننى فى تلك الايام القليلة عن كل حرمان السنين و الفضل فى هذا يرجع إليك فشكرا لك يا بنى شكرا لأنك اسعدت أباك العجوز فى ايامه الاخيرة و جعلته يفارق هذه الدنيا و على وجهه ابتسامة و الآن مرحبا بالموت
انهمرت دموع الابن فى غزارة قائلا :
ـ أبى .. لا تقل هذا مازال أمامنا الكثير من الايام و الشهور و السنين لنعوضها مازلنا بحاجة إليك نعم نحن بحاجة إليك أكثر من حاجتك إلينا فلا تقل هذا و لا تفارقنا ما زال لدى الكثير لأقوله لك و تقوله لى مازلت بحاجة لحبك و حنانك و رعايتك أكثر مما احتجت إليه و أنا طفل صغير فلا تتركنى
و امتدت يد الاب تتحسس قسمات وجه ابنه و على وجهه تلك الابتسامة الصافية إلا انها لم تلبث ان تهاوت إلى جنبه بلا حراك و تجمدت معها الدموع فى عينى ( وجدى) حتى الدموع عجزت عن ان تعبر عن أحزانه فى هذه اللحظة لقد حرم من أبيه طويلا و كان لقاؤه معه قصيرا لم يستطع ان يمنحه كل ما اراده ان يمنحه إياه من حب تكفيرا عن ذنبه فى حقه و اظهارا لذلك الحب الدفين فى اعماقه بالرغم من الصورة الظالمة التى انطبعت فى ذهنه عنه كما لم يستطع ان يحصل منه على التعويض الكافى لحرمانه منه كل هذه السنين لم تكن نقوده هى التى يحتاج إليها و لا المنصب الذى وصل إليه و امتلاكه لكل تلك الثروة التى تحت يديه و التى كان لأبيه فضل كبير فى امتلاكه لها بل كانت حاجته الحقيقية التى كشفها خلال الايام الاخيرة هى وجوده إلى جواره نعم لقد كشف انه يحب اباه أكثر من اى شئ آخر بل إنه كان مستعدا للتضحية بكل ما يملك مقابل أن يبقى معه و إلى جواره و لو لعام واحد فقط و لكن هكذا كانت مشيئة الله و اختار القدر ان يكون فراقهما طويلا و لقاؤهما قصيرا فى اللحظة التى كشف فيها ( وجدى) كل هذا الحب الكامن فى أعماقه نحو ابيه و جذب ( وجدى) الغطاء ليسدله على وجه أبيه قائلا :
ـ وداعا .. وداعا يا أبى الحبيب
و ترك لدموعه العنان
( تمت بحمد الله)
هذه القصة من اروع ما قرأت كلها مشاعر دافئة و جميلة اتمنى تعجبكم

 
 

 

عرض البوم صور محبة القراءة دائما   رد مع اقتباس
قديم 02-03-09, 03:02 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70835
المشاركات: 57
الجنس أنثى
معدل التقييم: بوح القلم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بوح القلم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : محبة القراءة دائما المنتدى : روايات زهور
افتراضي

 

مشكوووووة رواية راااااااااااااائعة جدا

 
 

 

عرض البوم صور بوح القلم   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أتى, أبي الحبيب, محبة القراءة دائما, الحبيب, زهور
facebook




جديد مواضيع قسم روايات زهور
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t88023.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ظ„ط¨ظ†ط§ظ† ظپظ‰ ط§ظ„ظ‚ظ„ط¨: ط±ظˆط§ظٹط§طھ ط²ظ‡ظˆط± This thread Refback 22-07-09 10:05 AM


الساعة الآن 01:26 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية