كاتب الموضوع :
محبة القراءة دائما
المنتدى :
روايات زهور
اقتباس :-
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحلى بنت |
مشكـورة اختي كثيير على هذا الجزء
و نترقب منك جزء آخر من القصة ^_^
|
العفو اختى سعيدة جدا بردودك و تفاعلك
7 ـ لمسة أبوية
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أخذ ( منصور) يلهث من شدة التعب و هو يركض وراء ( وائل) و أولاد ابنته يتحاور و يلعب معهم فى الحديقة و قد تعالت ضحكاته و ضحكاتهم ثم لم يلبث أن توقف عن اللعب قائلا :
ـ كفى يا أولاد هذا يكفى اليوم فقد تعبت
تشبث أحد ابناء ابنته بجلبابه قائلا :
ـ كلا يا عم عبده نريد أن نلعب معك الكرة
ضحك قائلا :
ـ هل تظنوننى صغيرا مثلكم ؟ لقد تجاوزت الستين
قال ( وائل) :
ـ و لكنك تجارينا فى اللعب ببراعة
احتضنه ( منصور) قائلا :
ـ هذا لأننى أحبكم و أسعد بمشاركتكم اللهو
تناول احد الأولاد يديه و هو يجذبه إلى الفناء الصغير بالقرب من الحديقة قائلا فى الحاح :
ـ إذن هيا بنا نلعب الكرة
و فى أثناء ذلك لمح ( منصور) ابنته و هى تتخذ لنفسها ركنا قصيا من الحديقة لتجلس فوق أحد المقاعد و قد بدت امارات الحزن واضحة فى عينيها فقال للأولاد و هو يراقب ابنته :
ـ أعدكم باللعب معكم بعد قليل و لكن الآن عليكم باستذكار دروسكم أولا و سوف أنادى عليكم بعد ساعتين لاستئناف اللعب معا
قال له أحد الأولاد محتجا :
ـ كلا نريد ان نلعب معك الآن
اصطنع ( منصور) الصرامة على وجهه قائلا :
ـ هأنتم أولاء قد بدأتم تغضبوننى لأنكم لا تسمعون الكلام فاذا لم تعودوا إلى الفيلا الآن لاستذكار دروسكم فسوف أخاصمكم و أتوقف عن مشاركتكم اللعب
قال ( وائل) سريعا :
ـ كلا يا عم ( عبد التواب) إننا سنسمع كلامك
قالت الطفلة الصغيرة :
ـ و لكنى أريد أن العب الآن
قال ( وائل) وهو يتناول يد الصغيرة :
ـ هيا نعود إلى الفيلا و إلا خاصمنا عم عبده و امتنع عن اللعب معنا
تقدمت الصغيرة من ( منصور) لتمسك جلبابه قائلة :
ـ هل ستخاصمنا حقا يا عم عبده ؟
جثا الرجل على احدى ركبتيه ليحضن الصغيرة و هو يضم معها بقية الأبناء إلى صدره فى حنان قائلا :
ـ لا أظن أننى أستطيع أن أفعل ذلك أبدا
قال أحد الأبناء و هو يلقى برأسه على كتف ( منصور) :
ـ إننا نحبك كثيرا يا عم عبده
مسح الرجل على رأس الطفل فى حنان قائلا :
ـ و أنا أيضا أحبكم كثيرا .. كثيرا جدا أكثر مما تتصورون
سمع الجميع صوتا يقول :
ـ و مع ذلك فيجب أن تنفذوا ما قاله لكم عم عبد التواب و تعودوا إلى المنزل للاستذكار و إلا غضبت أنا ايضا منكم
فوجئ ( منصور) باقتراب زوجة ابنه فهب واقفا و هو يقول فى حرج :
ـ أهلا بك يا هانم
راقبت ( نجلاء) انصراف الأبناء عائدين إلى الفيلا ثم التفتت إلى ( منصور) تحدجه بنظرات نفاذة و كأنها تريد أن تنفذ إلى أعماقه قائلة :
ـ أرى أن الأولاد قد أصبحوا يقضون معك وقتا طويلا على حساب استذكارهم و لا أحب أن تشجعهم على ذلك
قال ( منصور) :
ـ انا آسف يا هانم و لكن صدقينى إننى أحثهم دائما الاستذكار و كل ما هنالك أننى أشعر بأنهم كما لو كانوا أبنائى أو أحفادى فأقضى معهم بعض الوقت فى اللهو و الترويح قليلا
ظلت ( نجلاء) تحاصره بنظراتها و هى تقول :
ـ لقد لاحظت أنك أصبحت متعلقا بهم كثيرا
قال سريعا :
ـ جدا ...جدا يا هانم
( نجلاء) :
ـ و هم أيضا أصبحوا شديدى التعلق بك
( منصور) :
ـ بارك الله فيهم إنهم كالملائكة
( نجلاء) :
ـ و لكن ماذا ستفعل إذا ما غادرت ( هالة) و أبناؤها الفيلا ذات يوم ؟
( منصور) :
ـ سأفتقدهم كثيرا و لكننى سأحاول زيارتهم من آن لآخر إذا ما أذنتم لى و أذنت لى (هالة) هانم
( نجلاء) :
ـ ألا ترى ذلك غريبا بعض الشئ ؟
( منصور) :
ـ لست أدرى ياهانم ماذا تعنين ؟
(نجلاء) :
ـ أعنى ذلك التعلق الشديد الذى يجمع بينك و بين الأولاد
( منصور) :
ـ ليس فى ذلك ما يثير الاستغراب .. رجل عجوز وحيد حرم من الأبناء أسعده وجود هؤلاء الملائكة الصغار حوله فبادلهم حبا بحب و أصبح شديد التعلق بهم
هزت ( نجلاء) رأسها و كأنما تحاول أن تقنع نفسها بما قاله مرددة :
ـ نعم .. الأمر على هذا النحو يبدو منطقيا
صممت برهة ثم عادت تقول :
ـ و لكن ...
سألها ( منصور) :
ـ و لكن ماذا ؟
(نجلاء) :
ـ لا أعرف لماذا ينتابنى احساس بأن الأمر ينطوى على شئ أكثر من هذا ؟
( منصور) :
ـ و ما الذى يمكن أن تنطوى عليه علاقتى بهؤلاء الصغار أكثر مما قلته ؟
قالت ( نجلاء ) بعد برهة من التردد :
ـ الأمر لا يتعلق بالصغار فقط و لكن بالكبار أيضا
( منصور) :
ـ لا أدرى ما الذى تقصدينه يا هانم ؟
قالت ( نجلاء) و فى صوتها شئ من العصبية :
ـ أقصد تلك المحادثات الجانبية و الهمس الذى يدور بينك و بين ( وجدى) فى كثير من الأحيان و الذى يتوقف على الفور حينما تريانى مقبلة .. هناك أمور خفية لا افهمها تربط بينك و بين زوجى
(منصور) :
ـ عفوا يا هانم أؤكد لك أن الأمر لا يعدو كونه مصادفة
قالت متهكمة :
ـ مصادفة ؟! على كل حال سيأتى اليوم الذى أعرف فيه تلك الحقيقة التى تسعى إلى اخفائها و السبب الحقيقى الذى جاء بك ( وجدى) من أجله إلى هنا
ثم تركته و انصرفت ووقف ينظر إليها بقلق ثم قال لنفسه :
ـ يبدو أننى لم أكن حريصا بالقدر الكافى فقد بدأت الفت الأنظار و هذا سيضر حتما بووجودى
و لكنه سرعان ما توقف عن هذا التفكير ووقف يراقب ابنته الحزينة و قد آلمه لأن يرى فى عينيها تلك النظرة الشاردة و يبدو أن الإبنة قد لاحظت وجوده فنظرت إليه بدهشة ممزوجة بالغضب قائلة :
ـ أكلما ذهبت إلى مكان أراك ورائى و أنت تحملق فى هكذا ؟
اقترب منها قائلا و فى صوته نبرة اشفاق :
ـ عفوا يا بنيتى و لكننى أكره أن أراك حزينة هكذا
أثارت كلمته انفعالها فقالت :
ـ و من قال لك أننى حزينة ؟بل من أعطاك الحق فى أن تتدخل فى أحاسيسى على هذا النحو ؟
( منصور) :
ـ إننى أعدك مثل ابنتى تماما و كنت أفكر إذا ما كان بإمكانى مساعدتك بشئ ما
قالت و قد زاد انفعالها :
ـ لكننى لا أرضى أن تكون بمثابة أب لى فأنت هنا حارس لهذه الفيلا فقط هل تفهم ؟
أطرق برأسه قائلا فى أسى :
ـ نعم ..أفهم آسف يا (هالة) هانم
قالت و هى مستمرة فى انفعالها :
ـ حسنا و الآن و قد فهمت هل تتكرم بمغادرة هذا المكان و تتركنى بمفردى ؟
رد عليها قائلا :
ـ حسنا كما تحبين سأتركك بمفردك و لكن تأكدى أننى سأكون مستعدا دائما لعمل أى شئ تريدينه منى و التدخل لمساعدتك على أى نحو أيا كان الأمر
ازدادت حدتها و هى تقول :
ـ و من قال لك أننى أريد مساعدتك ؟ و من تكون أنت حتى تمد لى يد المساعدة ؟
أجابها بإنكسار :
ـ رجل بسيط و عجوز لكنه مستعد أن يجود بحياته فى سبيل اسعادك
و استدار عائدا ليتركها بمفردها و هى تنظر إليه باستغراب و دهشة لماذا يبدى هذا الرجل كل هذا الإهتمام المبالغ فيه نحوها ؟ إنه يبدو صادقا و مخلصا فيما يقول بالفعل و هناك نبرة حنان و تعاطف أبوى فى صوته و هو يخاطبها و كذلك معاملته لأبنائها إنها تلمس فيها ذلك الحنان و الحب الأبوى ايضا هل يكون سببه حرمانه من الأبناء ؟ أم ان الرجل من النوع العاطفى الذى يتجاوب سريعا مع آلام البشر و أحزانهم و يسعد بإسعاد الأخرين ؟لكن ملامحه لا تدل على ذلك و قد كانت الملامح هى التعبير الحقيقى عما تختزنه قلوب الأخرين ؟ إنها تشعر كلما التقت به أنه يكن لها فيضا من المشاعر و من الغريب أنها هى نفسها تشعر بهذا الإحساس الخفى نحوه و هو احساس يدهشها و يثير توترها أتكون هى الأخرى قد وجدت فيه ذلك الأب الذى فقدته و هى طفلة صغيرة لا تتجاوز الثلاث سنوات ؟
و تمتمت لنفسها قائلة :
ـ نعم أبى ليته كان موجودا الآن من المؤكد أنه كان سيفهمها و يحس معها محنتها و يقف إلى جوارها فهى فى طريقها إلى أن تفقد ( منير) تفقد زوجها و تفقد معه الحب و الرعاية و المنزل الذى ضمهما و أولادهما بسبب تلك المرأة الأخرى التى تسللت إلى حياتهم لتدمرها و لكن ما ذنبها ؟ الذنب ذنبه هو الذى خانها و باع حبها له هو الذى قرر أن يضحى بها و ببيته و أولاده من أجل تلك المرأة بل و الأكثر من ذلك فهو يتبجح بأنها كانت مسئولة عن ذلك و أنها أذلت كبريائه و كرامته فدفعته نحو تلك المرأة دفعا و يالها من مبررات تلك التى يتخذها أولئك الأزواج الخائنين ليبرروا بها خيانتهم و جرمهم فى حق أسرتهم و ارتسمت على ملامحها بعض معالم الإحساس بالذنب و هى تردد قائلة :
ـ و لكن أليس فيما قاله لى و لـ(وجدى) جزء من الحقيقة ؟
إنها بالفعل لم تتوقف عن معاملته بصلف و كبرياء على الرغم من الحب الكبير الذى جمع بينهما لقد سيطرت عليها فكرة أنه يستغلهاو يستغل نفوذ أخيها و لم تستطع أن تقاومها بالرغم من أنها كانت مقتنعة تماما بأنه يحبها و كان يحبها لذاتها يوم وافقت على الإقتران به و تحدت رأى أخيها فيه و فى أنه انسان وصولى لا يهدف من وراء اقترانه بها سوى تحقيق مصلحته لكن من الغريب أنها سرعان ما استسلمت لهذا الرأى تماما بعد زواجها منه و ربما كان السبب فى ذلك هو اهتمامه البالغ بعمله على حسابها و طموحه المغالى فيه و تلك المزايا التى أخذ يحصل عليها من أخيها كما كان لاستمرار ( وجدى) فى العزف على تلك النغمة و تأكيده المستمر بأن ( منير) ليس سوى شخص وصولى اتخذ من زواجه منها وسيلة لتحقيق مصالحه الشخصية كان لذلك أثره فى تثبيت هذه الفكرة فى راسها و اتخاذها وسيلة لمهاجمته كلما حدثت مشاجرة بينهما أو كلما لاحظت انصرافه عنها و اهماله لها عما كان عليه قبل الزواج ربما كانت قد أخطأت و ربما كان يتعين عليها أن تنظر غلى زوجها نظرة أخرى مختلفة عن تلك التى ترسبت فى نفسها و لكن أيا كان الأمر فهى لن تغفر له أبدا خيانته له و تضحيته بها و بأبنائه من أجل تلك المرأة الأخرى التى سمح لها أن تدخل حياته
و سرعان ما انحدرت عبرة فوق وجنتيها و هى تعض على شفتيها قائلة لنفسها بأسى :
ـ المشكلة هى أننى مازلت أحبه بالرغم من كل شئ و لا أطيق فكرة ابتعاده عنى نعم هذه هى الحقيقة التى لا استطيع أن اعترف بها لأحد سوى نفسى
و صدرت عنها تنهيدة قوية كما لو كانت تشق صدرها شقا و هى تقول :
ـ آه يا أمى ليتك كنت إلى جوارى الآن و لم يفرق بيننا الموت فأنا بحاجة إلى صدرك الحنون يضمنى إليه ..بحاجة إلى ان اشكو لك همى و افرغ فى أحضانك حزنك أنت وحدك كنت ستفهميننى و تعملين على سعادتى فـ ( وجدى) لا يفكر إلا فى نفسه و يعالج الأمر بأنانيته المعهودة كما أنه لن يستطيع ان يحس بى أو يفهمنى أبدا و أنت يا أبى أين أنت ؟ أين ذهبت و تركتنى ؟ لماذا تخليت عنا هكذا كل هذه السنين دون أن تبحث عنا و تحيطنا برعايتك ؟ أنا بحاجة ماسة إليك أحى أنت أم ميت ؟ و غذا كنت حيا فكيف هان عليك ابنائك لتتخلى عنهما هكذا ؟ إننى لا أتذكرك بل لا أتذكر ملامحك و لم أعش فى كنفك من السنين ذلك القدر الذى يمكن أن يجعلنى افتقدك و لكننى لا أدرى لماذا اشعر بأننى افتقدك حقيقة و أبحث عن وجودك كلما نظرت فى وجه ذلك الرجل العطوف ( عبد التواب) و أحس بصدق لمسته الأبوية نحوى
و سمع ( منصور ) عددا من الطرقات على باب غرفته فنهض متثاقلا من فوق سريره ليفتح الباب حيث وقف ينظر فى دهشة إلى (هالة) و هى تقف أمامه و فوجئ بها تنتحب قائلة :
ـ عم عبده إننى بحاجة لأن أطرح عليك همومى ؟
و تفجر فى أعماقه ذلك الينبوع
تفجر غزيرا عميقا
8 ـ الخطيئة و الثمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقدر سعادته لأن ابنته لجأت إليه و أحس بدافع غريزى أنها فى حاجة إلى معاونته بقدر ما أحزنه ذلك الشعور بالعجز و عدم مقدرته على تقديم مساعدة حقيقية لها و أحس بقلبه يكاد ينفطر و قد رآها تتألم امامه على هذا النحو دون أن يقوى على فعل شئ فقد باءت كل محاولات ( وجدى) مع زوج شقيقته بالفشل و الأبناء لا يتوقفون عن السؤال عن ابيهم و الإبنة تحاول ارضاء كبريائها بطلب الطلاق فى حين يقول حزنها و دمعها شئ آخر و يشيان بمدى حبها لزوجها و لوعتها لفراقه لذا كان عليه أن يتدخل بأى شكل و أيا كانت المخاطرة لقد قرر أن يقوم بدوره كأب و مثل أى أب حريص على مستقبل ابنته و أولادها لابد أن يكون له دور و دور حقيقى لمساندة ابنته كان كل هذا يدور فى رأس ( منصور) و هو فى طريقه غلى ذلك المنزل الصغير الذلاى يقع فى احد ضواحى المدينة و الذى وقف يطرق بابه فى صمت حتى فتح الباب و ظهر ( منير) الذى نظر إلى ( منصور) بفضول قائلا :
ـ ماذا تريد ؟
( منصور) :
ـ هل تسمح لى بالدخول ؟
تمعن فيه و قد بدا وجهه مألوفا و سمعه يقول :
ـ ألا تعرفنى يا ( منير) بك ؟
( منير) :
ـ يخيل إلى أننى رأيتك من قبل .. آه تذكرت أنت ذلك الرجل الذى يعمل فى فيلا (وجدى منصور ) أليس كذلك ؟
( منصور) :
ـ بالضبط
|