لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > محكمة ليلاس > المخابرات والجاسوسية
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

المخابرات والجاسوسية المخابرات والجاسوسية


مختارات من وثائق المخابرات المركزية الامريكية

مختارات من وثائق المخابرات المركزية الأمريكية ما بين (1950 - 1970) الحرب العربية "الإسرائيلية" عام 1967... وانطلاق حركات المقاومة الفلسطينية المصدر: موقع "قانون حرية المعلومات" على الانترنت

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-07-08, 03:42 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الحب



البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56979
المشاركات: 4,653
الجنس أنثى
معدل التقييم: dr_e عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 43

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dr_e غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي مختارات من وثائق المخابرات المركزية الامريكية

 

مختارات من وثائق المخابرات المركزية الأمريكية
ما بين (1950 - 1970)
الحرب العربية "الإسرائيلية" عام 1967... وانطلاق حركات المقاومة الفلسطينية



المصدر:
موقع "قانون حرية المعلومات" على الانترنت


إعداد:
قسم الترجمة في صحيفة الخليج الإماراتية
(من 29/6/2007 حتى 20/7/2007)


تنسيق وترتيب:
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات - بيروت


الفهرس

السياسة السوفييتية والحرب العربية - "الإسرائيلية" عام 1967

1. المقدمة

2. الفيتو السوفييتي حال دون إصدار قرار من مجلس الأمن يدين العمليات الفدائية

3. السوفييت يحثون على الوحدة بين سوريا ومصر أواخر 1966 وأوائل 1967

4. إغلاق خليج العقبة فاجأ السوفييت

5. تعزيز قوات الجمهورية العربية المتحدة

6. السوفييت يبدون أكثر دموية

7. ناصر يغلق خليج العقبة

8. الاتحاد السوفييتي وإغلاق الخليج

9. المواقف السوفييتية تحير الدول العربية

10. السوفييت يحثّون على ضبط النفس من دون جهد كاف، وبعد فوات الأوان

11. المواقف تتصلب

12. اندلاع الحرب.. "اسرائيل" تهاجم والاتحاد السوفييتي يتفاعل

13. تهم بتورط أمريكي بريطاني

14. السوفييت يدعمون وقف إطلاق النار

15. تهديد بالتدخل السوفييتي ومؤتمر موسكو

16. موسكو تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد الهزيمة

17. ردة فعل السوفييت تجاه الهزيمة

18. الجهود لاسترداد المكانة الدولية

19. تغير في تكتيكات السوفييت

20. تسهيلات بحرية للسوفييت في مصر وسوريا

21. موقف أكثر مرونة في الأمم المتحدة

22. تيارات متقاطعة في القيادة السوفييتية

23. حماية ييجوريتشيف

24. إغراق المدمرة "إيلات" عزز شعور عبد الناصر باستعادة مكانة مصر

25. تزايد التوتر


الفدائيون.. وحركات المقاومة

26. المقدمة

27. عبد الناصر تدخل لدى موسكو لاستقبال عرفات

28. "فتح" تسحب البساط من تحت منظمة التحرير الفلسطينية

29. سيطرة فتح على المنظمة

30. فتح تحاول السيطرة على جيش التحرير الفلسطيني

31. فتح تحتفظ بهويتها

32. صراعات داخل فتح وضغوط على قيادة عرفات

33. تكتيكات فتح وعملياتها

34. تمويل فتح

35. صعود حركة القوميين العرب وانقسامها بين حبش وحواتمة وجبريل

36. خلفية الأجنحة الفدائية لحركة القوميين العرب

37. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تغرق في الفوضى

38. استراتيجية الجبهة الشعبية

39. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تتجه نحو الاعتدال

40. تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

41. تمويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

42. الجبهة الديمقراطية تدعو إلى حرب شعبية طويلة الأمد

43. تنظيم الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين

44. تمويل الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين

45. منظمة العمل لتحرير فلسطين


جماعات الفدائيين المستقلة الصغيرة

46. جبهة النضال الشعبي

47. منظمة فلسطين العربية

48. المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين

49. هكذا ولدت "الصاعقة" و"جبهة التحرير العربية" و"الأنصار"

طلائع حرب التحرير الشعبية "الصاعقة"

50. جبهة التحرير العربية

51. قوات الأنصار

52. الاتحاد السوفييتي يغير موقفه تجاه الفدائيين ويقرر دعمهم

53. قرار تشكيل قوات الأنصار

54. الحزب الشيوعي الأردني يشكل "الأنصار"

55. رفض طلب "الأنصار"

56. الأحزاب الشيوعية تختار الأردن مركزاً سياسياً ولبنان قاعدة إعلامية

57. التنظيم والعمليات

58. المجلس الوطني الفلسطيني.. خلافات ومساومات

59. قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني

60. المجلس الوطني الفلسطيني أيلول 1969

61. قيادة الفدائيين الموحدة فبراير 1970

62. اتفاق الوحدة الوطنية - مايو 1970

63. المجلس الوطني الفلسطيني - يونيو 1970

64. اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية

65. أزمة الأردن- سبتمبر 1970




السياسة السوفييتية والحرب العربية - "الإسرائيلية" عام 1967

1. المقدمة

نشرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في موقع "قانون حرية المعلومات" على الانترنت، وثائق سرية وتحليلات استخبارية تربو على اثني عشر ألف صفحة تلقي ضوءاً على نشاطاتها بين أعوام 1950 - 1970، ومن ضمنها محاولات اغتيال رؤساء ومسؤولين، وعمليات تنصت على قادة وصحافيين، ومراقبة طلاب، وفتح رسائل بريدية، وملفات وتحليلات عن أزمة السويس والحرب العربية "الاسرائيلية" عام 1967، والسياسات الداخلية لكل من الاتحاد السوفييتي والصين، وكذلك العلاقات السوفييتية الصينية وغيرها من المسائل الخاصة بدول العالم.
وقد تم إعداد تلك الملفات عام 1973، بطلب من جيمس شليزنجر مديرCIA آنذاك، بعد الكشف عن تورط وكالة الاستخبارات في فضيحة ووترجيت التي أدت إلى استقالة ريتشارد نيكسون عام 1974. وقد أعلن مدير الوكالة مايك هايدن عن نزع السرية عن تلك الملفات يوم الخميس قبل الماضي أمام جمعية مؤرخي العلاقات الخارجية الأمريكية، وقال إن معظم النشاطات غير مشرف ولكن هذا هو تاريخ الوكالة.
ومن بين هذا الكم الهائل من الملفات، اختارت "الخليج" بعض ما يهم القارئ العربي، وخاصة حرب يونيو/ حزيران 1967، وانطلاق حركات المقاومة الفلسطينية.
شكلت الحرب العربية "الاسرائيلية" في يونيو عام 1967 هزيمة مهينة للعرب وتراجعا كبيرا في هيبة السوفييت. فقد خصص السوفييت كميات كبيرة من المساعدات والدعم السياسي للعرب، في الوقت الذي ساهمت السياسة الاقتصادية التي اعتمدوها في منتصف عام 1966، إلى حد كبير، في التوترات التي حدثت قبل الحرب. وعلى أمل ضمان دعم وبقاء النظام السوري الجديد، بدأ السوفييت في ذلك الوقت، في اعتماد لغة عسكرية ضد "اسرائيل". وفي الوقت الذي كان فيه عبد الناصر والسوفييت يأملون من خلال ذلك، بالتحكم أكثر بالسوريين المتشددين، تمثلت النتيجة النهائية لتلك السياسة في دفع عبد الناصر إلى اتخاذ موقف أكثر عدائية تجاه "اسرائيل". فقد فشل السوفييت في استشراف نتائج هذه السياسة، وعندما فقدوا السيطرة على الوضع، استخدموا نفوذهم مكرهين في محاولة لكبح جماح عبد الناصر.


2. الفيتو السوفييتي حال دون إصدار قرار من مجلس الأمن يدين العمليات الفدائية


وقد دفعت النتائج المحرجة لسياسة ما قبل الحرب، السوفييت إلى إجراء بعض التغييرات في طريقة تعاملهم مع الشرق الأوسط. فقبل الحرب كشفوا علناً عن دعمهم لمواقف الأنظمة العربية العسكرية الأكثر تطرفا في معاداة "اسرائيل"، ومن ثم عادوا ليدعموا المواقف الأكثر اعتدالا مع أنها ما تزال تشكل خطاً مناهضاً ل "اسرائيل". وأفسحت الرغبة في خوض مغامرة كبيرة في وضع فقدوا التحكم فيه من أجل تحقيق أهداف قصيرة الأمد المجال لاتباع نهج متدرج وأكثر حذراً إلى حد ما، بعد الحرب. فالمخاطر التي ينطوي عليها الالتزام بدعم نظام يساري راديكالي، أصبحت واضحة. فقبل الحرب، عمد السوفييت إلى بذل الجهود اللازمة فقط للحيلولة دون إثارة غضب السوريين، أما الآن، فقد بدأوا في فرض قيود بطريقة متأنية وجدية. وهكذا، استبدلوا تصريحاتهم الديماغوجية المتضاربة في فترة ما قبل الحرب، بتعهدات بتوفير الدعم اتسمت عمداً بالغموض، لتتضح بذلك حدود الدعم الذي يمكن أن يقدموه للعرب. ونتيجة لذلك انهارت القوات العسكرية العربية، وفي مقابل تقديم الدعم، طلب الاتحاد السوفييتي أن يُمنح المدربون والمستشارون العسكريون السلطة الكاملة لتدريب وتنظيم القوات المسلحة السورية والمصرية من كافة المستويات.
ورغم أن السوفييت غيّروا تكتيكاتهم، إلا أنهم استمروا في تطبيق الاستراتيجية التي ساهمت في الإهانة التي تلقاها العرب في حرب الأيام الستة، حيث ظلوا مقتنعين بأن الحفاظ على حالة التوتر بين العرب و"اسرائيل" عند أعلى مستوى، يعزز النفوذ السوفييتي في المنطقة. وعلى كل حال، كانوا يأملون بتحقيق النجاح الذي عجزوا عن تحقيقه في يونيو 1967، وهو أن تكون سيطرتهم على العرب فعلية، وبالتالي تجنب تكرار حدوث كارثة يونيو. ولكن في المحصلة بدت السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط مصابة بالانفصام.
فعلى سبيل المثال، أوضح السوفييت بجلاء للعرب أنهم لا ينوون أن ينخرطوا عسكريا في نزاع مستقبلي، وفي الوقت نفسه عززت موسكو حجم أسطولها في البحر المتوسط، وسعت جاهدة من أجل استعادة ثقة العرب بدعمها الحقيقي لهم وذلك من خلال الزيارات المطولة للسفن السوفييتية إلى الموانئ السورية والمصرية. كما أن وجود الأعداد الضخمة من المستشارين والعسكريين السوفييت في المنطقة، رغم أن القصد من ذلك ربما كان ضمان عدم إفلات الأمور من أيديهم مرة أخرى، قد زاد من مخاطر التدخل السوفييتي في حال نشوب حرب. وعليه، استمر تدفق الكميات الكبيرة من المواد إلى المنطقة من أجل إعادة بناء القوات المسلحة العربية. ورغم التهديد المتواصل الذي يشكله نمو المنظمات والجماعات المسلحة "الإرهابية" العربية على السلام في الشرق الأوسط، تجنب الاتحاد السوفييتي القيام بأي تحرك يمكن أن يعرض موقعه لدى تلك المجموعات للخطر، حيث قدم الدعم العسكري لعدد من تلك المنظمات، عبر الجمهورية العربية المتحدة والعراق باستخدام حلفائه الأوروبيين كتجار أسلحة. وبينما كان السوفييت يأملون من خلال ذلك بتحقيق بعض السيطرة على قيادة تلك الجماعات المسلحة، غير أنهم على ما يبدو نسوا فشل السياسة المشابهة التي اتبعوها مع المقاتلين السوريين قبل حرب يونيو.
ومهما كانت الحالة، فقد حصل تغيّر جوهري خلال العام الأخير، حيث تحول السوفييت عن استراتيجية الحذر والجدية التي اتبعوها بعد حرب يونيو، وجددوا دعمهم لنزعة القتال لدى العرب. وقد برز هذا التحول من خلال ملاحظات كوسيجن التي سلطت عبرها الضوء على خط جديد من الدعم للموقف العربي المناهض ل "اسرائيل" (10 ديسمبر)، وأيضا من خلال الدعاية السوفييتية لنشاطات وممارسات الجماعات المسلحة المقاتلة.
ومع ذلك، فإن رغبة السوفييت بعد الحرب في تسوية سياسية عن طريق المفاوضات في الشرق الأوسط، لم تندثر بشكل كامل. فقد كان الاعتبار الأول بالنسبة لموسكو، كما كان قبل حرب يونيو، هو ترسيخ مكانتها كنصر لحركة التحرر الوطني العربية والحركة المناهضة للإمبريالية. ومن هذا المنطلق قامت بدعم المجموعات المقاتلة. ويطمح السوفييت من خلال هذه السياسة، إلى تحقيق مكاسب طويلة الأجل لنفوذهم في المنطقة من أجل منع خروج الأحداث الخطيرة عن سيطرتهم مرة أخرى، كما حدث في يونيو 1967 وعليه، وافق السوفييت على الشروط العربية المسبقة لتسوية في الشرق الأوسط، رغم أنهم لن يقبلوا العروض الأمريكية التي يمكن أن يُدفع العرب إلى القبول بها حسب اعتقادهم. وفي حين يسعى السوفييت لتجنب حدوث أي مواجهة في المنطقة، فهم يعتقدون أن تجديد الدعم لعبد الناصر والجماعات المقاتلة قد يعزز فرصة حدوث مواجهة. وعلاوة على ذلك، يبدو أن السوفييت مرة أخرى واثقون من أن بإمكانهم السيطرة على عبد الناصر ومنع وقوع حرب بين العرب و"اسرائيل". فمخاطر هذه السياسة قد تكون أكبر مما تعتقد القيادة السوفييتة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ميل عبد الناصر، الذي اتضح بجلاء في مايو 1967، إلى العمل بأسلوب غير متوقع، وغريب وعنيف غالباً، وانتحاري على الصعيد السياسي في بعض الأحيان.
في أوائل الخمسينات بدأ السوفييت يتعهدون برعاية الأنظمة العربية القومية الناشئة، مستفيدين من العاطفة المناهضة للغرب، المتنامية والمشتركة بين هذه الأنظمة. وكان جمال عبد الناصر الهدف المبدئي للسوفييت، لأنه الأشد إثارة للإعجاب في السلالة الجديدة من الزعماء العرب، ولأنه رئيس أقوى دولة عربية. وكان الاتحاد السوفييتي يعول بشدة على الجمهورية العربية المتحدة. وبحلول سنة 1965 كانت القاهرة تعتمد كلياً تقريباً على موسكو في العون العسكري. وقد تبين أن مخاوف العرب من أن المعونة السوفييتية للشرق الأوسط قد تتقلص أو تتوقف نتيجة للإطاحة بخروتشوف، لم تكن صحيحة.
وبعد الاطاحة بالزعيم الشيشكلي في سوريا سنة ،1954 كانت علاقة السوفييت بتلك الدولة مقتضبة ومتقطعة. وقد أسفر الانقلاب العسكري في فبراير/ شباط 1966، الذي قام به الجناح المتطرف في حزب البعث المغالي في قوميته، عن تقارب سريع في العلاقات السوفييتية السورية، كما أن اشتمال مجلس الوزراء السوري على وزير شيوعي قد أثلج صدر السوفييت بوجه خاص. ومنذ ذلك الوقت زاد الاتحاد السوفييتي معونته العسكرية والاقتصادية لسوريا زيادة كبيرة، وأصبح الحرص على استمرار بقاء البعثيين الراديكاليين أحد الاعتبارات الرئيسية في السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط.
وفي مسعى للإفادة من الوضع في سوريا، شرع السوفييت في التأييد العلني لخط ميال للقتال بصورة متزايدة ومناوئ ل "اسرائيل"، وأخذوا يصدرون التحذيرات ضد أي تدخل في الشؤون الداخلية لعميلتهم الجديدة. وبسبب قلقهم فيما يبدو من أن جارة سوريا، الأردن، قد تتخذ بعض الإجراءات ضد النظام السوري الجديد، حذر السوفييت الأردنيين سراً من أن يفعلوا ذلك. وذكر أن السفير السوفييتي في الأردن، سلايوسارينكي، نقل مثل هذه الرسالة في 28 مايو/ أيار إلى الملك حسين، وقال له إن تقارير المخابرات السوفييتية أشارت إلى أن مثل هذا التدخل يوشك أن يحدث.
وعلى الصعيد العلني، هاجمت مقالة نشرتها صحيفة "ازفستيا" في 7 مايو/ أيار 1966 "اسرائيل" بسبب "الاستفزازات المسلحة" ضد سوريا، الهادفة إلى الإطاحة بالنظام الجديد، وحذرت "اسرائيل" من التدخل.
وفي 27 مايو/أيار تضمن خبر نشرته وكالة تاس زيادة الدعم السياسي السوفييتي للنظام السوري. وحسبما ورد في ذلك الخبر، فإن الاتحاد السوفييتي "لن يقف مكتوف الأيدي إزاء محاولات زعزعة السلام في المنطقة التي تقع على أعتاب الاتحاد السوفييتي". وقد خص التصريح الوارد في الخبر بالهجوم القوى "المتطرفة" في "اسرائيل" واتهم الدوائر "الرجعية" في الأردن والعربية السعودية، مدعومة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالتآمر على سوريا. وكان أثر التصريح السوفييتي- رغم الانطباع الدبلوماسي الذي يشيع في لغته- تشجيع السياسة السورية ضد "اسرائيل" على زيادة نشاطها. وكان السوريون في هذه الفترة يساندون حملات الفدائيين على "اسرائيل" من الحدود الأردنية، وعلى الرغم من أن عدد هذه الحملات لا يقارن بمستوى هجمات الفدائيين في الفترة التي أعقبت الحرب، إلا أنها شهدت زيادة كبيرة عما كانت عليه من قبل.


3. السوفييت يحثون على الوحدة بين سوريا ومصر أواخر 1966 وأوائل 1967
بالإضافة إلى إصدار التحذيرات ضد التدخل، سعى السوفييت إلى ضمان أمن النظام السوري الجديد بالحث على المصالحة بين السوريين والمصريين، وكانت الدولتان متنافرتين منذ انفصال سوريا سنة 1961 من الوحدة مع مصر، وقد طالب كوسيجن في كلمة وجهها إلى الجمعية الوطنية للجمهورية العربية المتحدة في منتصف مايو/أيار 1966، بالوحدة بين الدول العربية "التقدمية". ولعل السوفييت كانوا يأملون في أن يتبنى السوريون موقفاً أقل استفزازاً نظير الحماية التي تتوفر لهم من خلال تحالف مع الجمهورية العربية المتحدة، لكن يبدو أن النتيجة النهائية كانت تشجع عبد الناصر على تبني خط أكثر ميلاً للقتال.
وخلال خريف سنة 1966 اشتدت الغارات الإرهابية العربية على "اسرائيل" انطلاقاً من سوريا والأردن، واستمرت مع دخول سنة 1967. وكانت "اسرائيل" ترد عليها بغارات انتقامية، وفي أكتوبر/تشرين الأول أعلن رئيس الوزراء السوري يوسف زعين ان سوريا لن تتخذ ابداً اجراءات لكبح الفدائيين. وقد اجتمع مجلس الأمن التابع للامم المتحدة عدة مرات بين 14 اكتوبر/تشرين الأول و4 نوفمبر/تشرين الثاني بناء على طلب "اسرائيل"، لكن الفيتو السوفييتي حال دون صدور قرار يدين الغارات الإرهابية.
وقد حدد السلوك السوفييتي في خريف 1966 نمط الأداء اللاحق في ربيع 1967. وفي 12 اكتوبر/تشرين الاول تلقت "اسرائيل" مذكرة من الاتحاد السوفييتي تتضمن اتهاماً بأن حشداً للقوات "الاسرائيلية" قد تشكل على طول الحدود السورية وأن "الاسرائيليين" يستعدون لشن هجوم جوي يعقبه توغل عميق للقوات "الاسرائيلية" في سوريا، وقد كرر السفير السوفييتي الاتهام بعد يومين في الأمم المتحدة، وامتنع تحقيق أجرته الأمم المتحدة عن تأييد الاتهامات السوفييتية. وفي هذه الأثناء، سعت موسكو في 14 و15 اكتوبر/تشرين الاول الى تحرير العرب من أي تفكير بالرد بطريقة مغامرة، وهكذا كانت موسكو تحث الحكومتين السورية والمصرية في آن واحد على البقاء هادئتين وتجنب اعطاء "اسرائيل" ذريعة للعدوان.
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1966 أي بعد نحو ثلاثة اسابيع من توكيد السوفييت على ادعائهم بوشوك وقوع غزو "اسرائيلي" لسوريا، وقعت الجمهورية العربية المتحدة اتفاق دفاع مشترك مع سوريا، ويوحي توقيته بأن التقرير الذي أعد برعاية السوفييت والذي يحذر من هجوم "اسرائيلي" قد يكون شجع هذين النظامين العربيين على توقيع الاتفاق. وما من شك في أن التقرير السوفييتي قد وفر للحكومة السورية حافزاً اضافياً لأن تنشد الحماية في ظل تحالف مع عبد الناصر، كما أن عبد الناصر يمكن أن يكون قد منى نفسه باكتساب بعض السيطرة على السوريين في المقابل، وكان التقرير الزائف عن التعبئة "الاسرائيلية" يخدم على خير وجه الهدف السوفييتي المتمثل في ايجاد تقارب مصري سوري، وقد اعطى تقرير زائف آخر، نشر في مايو/ أيار 1967، نتائج عكسية، وساعد في وقوع سلسلة الأحداث التي افضت إلى الحرب.
ويبدو أن الاتحاد السوفييتي كان يأمل في أن يوفر تحالف الجمهورية العربية المتحدة وسوريا أمناً أكبر للنظام الراديكالي في سوريا، وأن يحد من ميل النظام السوري إلى القيام بمغامرات بمفرده، ولكن عبد الناصر لم يفلح في تهدئة السياسة السورية الاستفزازية إزاء "اسرائيل"، وعلى العكس من ذلك، أصبح عبد الناصر، المرتبط بالسوريين الذين يفوقونه في النزعة إلى الحرب، أشد هشاشة في وجه استثارة السوريين الغوغائية للعواطف المناوئة ل "اسرائيل" في الدول العربية.
* هامش: كان عبد الناصر عرضة للاتهامات بالتراخي من قبل كل من اليسار واليمين، وقد جعلت غارة "اسرائيلية" على قرية السمّوع الحدودية الأردنية في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1966، الملك حسين يبدأ بالسخرية من عبد الناصر.
وفي أوائل سنة 1967 كان التوتر على طول الحدود "الاسرائيلية" السورية شديداً حيث ازدادت عمليات تبادل القصف المدفعي. وقد مارست سوريا (التي كان من الواضح أنها ليست قوية بما يكفي لمواجهة "اسرائيل" بمفردها) ضغطاً كبيراً على عبد الناصر ليظهر زعامته للعالم العربي، وليبرهن على قيمة اتفاق الدفاع الذي وقع في نوفمبر/ تشرين الثاني، وخلال هذه المرحلة، حذر السوفييت السوريين في مناسبتين على الأقل، وأخبروهم بأن السوفييت لا يريدون ان يخرج الوضع عن السيطرة، ولكن رغبة السوفييت في الإفادة من التوتر المهيمن لكي يزيدوا نفوذهم على حساب الولايات المتحدة، منعتهم من اتخاذ اي موقف قوي مع السوريين، وأدت إلى وقوع بعض الأعمال المتناقضة على نحو ما. وعلى سبيل المثال، في 3 فبراير/ شباط، أي بعد اسابيع قليلة من تحذير السوفييت للسوريين سراً من الاندفاع نحو الحرب، نشرت صحيفة "ازفستيا" مقالة تتهم "اسرائيل" بحشد قوات ضخمة على الحدود السورية، واستدعاء قوات الاحتياط، ووضع القوات العسكرية في حالة تأهب.
وفي 7 ابريل/نيسان 1967، في أعقاب تبادل لاطلاق النار عبر الحدود، شنت "اسرائيل" أعمق غارات جوية على سوريا حتى ذلك الوقت، وقد يكون ذلك مؤشراً إلى تغير رئيسي في سياسة "اسرائيل" الانتقامية، حيث كان طياروها مخولين باختراق سوريا في العمق. وأحس السوريون بالمهانة، كما شعر السوفييت، الذين كانوا قد زودوا سوريا بالطائرات، بالحرج إزاء النجاح "الاسرائيلي".
وبعد خمسة أيام كانت هنالك معركة مدفعية شرسة أخرى عبر الحدود "الاسرائيلية" السورية، وانتقدت الدول العربية الجمهورية العربية المتحدة على بقائها صامتة وسلبية نسبياً خلال تلك الفترة. ومن جانب آخر، كانت اذاعة موسكو صارخة في اتهامها للأسطول الأمريكي بالتحرك و"التآمر"، وتحذيرها من خطط "اسرائيلية" لغزو سوريا، وقد كشفت معركة 7 ابريل/ نيسان للسوفييت وللسوريين هشاشة سوريا أمام الهجمات "الاسرائيلية"، وقد يكون السوفييت استنتجوا أنه من أجل ردع "اسرائيل" يجب على مصر أن تبدي التزاماً أشد نحو سوريا.
وفي منتصف ابريل/ نيسان ارسل السوفييت إلى "اسرائيل" مذكرة إنذار تذكر أنه يجب على "اسرائيل" أن تتحمل المسؤولية التامة عن أعمالها، و"تأمل" المذكرة كذلك ألا تسمح "اسرائيل" لنفسها بأن تُستغلّ من قِبل من سيجعلونها دمية في أيدي القوات المعادية الأجنبية، واستمرت الدعاية السوفييتية في الربط بين "اسرائيل" والولايات المتحدة في التآمر ضد سوريا. وفي 24 ابريل/ نيسان، دعا بريجنيف إلى سحب الأسطول السادس الأمريكي من البحر المتوسط.

 
 

 

عرض البوم صور dr_e   رد مع اقتباس

قديم 08-07-08, 09:12 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
شمعة الديكور



البيانات
التسجيل: Nov 2006
العضوية: 16763
المشاركات: 5,347
الجنس أنثى
معدل التقييم: hend عضو على طريق الابداعhend عضو على طريق الابداعhend عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 263

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
hend غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

بداية طيبه وشيقه خاصة ان النكسه دوما نقطة تحير
منتظره الباقى على احر من الجمر
سلمت يداكى

 
 

 

عرض البوم صور hend   رد مع اقتباس
قديم 08-07-08, 11:22 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الحب



البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56979
المشاركات: 4,653
الجنس أنثى
معدل التقييم: dr_e عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 43

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dr_e غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

شكرا لك هند

 
 

 

عرض البوم صور dr_e   رد مع اقتباس
قديم 08-07-08, 11:27 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الحب



البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56979
المشاركات: 4,653
الجنس أنثى
معدل التقييم: dr_e عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 43

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dr_e غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

4. إغلاق خليج العقبة فاجأ السوفييت

في خطاب ألقاه يوم 2 مايو/أيار، هاجم ناصر "الإمبريالية" والولايات المتحدة بعبارات ولهجة عنيفة غير معهودة، ولربما كان يستجيب بهذا، ويرد على الانتقاد العربي وعلى اللكزات واللمزات السوفييتية، وفي 12 مايو/أيار حذر رئيس الوزراء "الاسرائيلي"، ايشكول، في تصريح حاد النبرة، من ان سوريا ستواجه اجراءات مضادة صارمة وستجابه تبعات خطيرة إن هي لم توقف الغارات الارهابية التي تشن على "اسرائيل"، وانتشرت إثرها ببرهة وجيزة اشاعات في المنطقة مفادها أن "اسرائيل" كانت تحشد قواتها على الحدود السورية، وتتخذ استحكامات على الجبهة وتتأهب لشن هجوم على سوريا، ولم يكن التقرير صحيحاً، وفي الحقيقة لم تعزز "اسرائيل" حدودها ولم تستدع قوات الاحتياط لديها إلا بعد أن بدأت الجمهورية العربية المتحدة تستنفر قواتها وتعززها وترفع درجة تأهبها العسكري.
ولم يتضح مصدر التقرير ويبدو أنه لم يأت من قِبَل السوريين أو المصريين، إذ كان السوفييت هم من مدوا كليهما بالمعلومات، ومن الممكن ان يكون "الاسرائيليون" أنفسهم هم من بثوا هذه الاشاعات على أمل ان يستحثوا السوفييت بذلك ليقنعوا السوريين بوقف عملياتهم الاستفزازية، على أية حال، لم يكن يبدو أن السوفييت مهتمون بوجه خاص بالتثبت من صحة التقرير، وكانوا قد أطلقوا مزاعم مماثلة لا أساس لها، في اكتوبر/تشرين الأول من عام 1966، وفي فبراير/شباط من عام 1967، وكانوا هم الناشر الرئيسي لهذا التقرير.
وفي خطاب له يوم 22 مايو/أيار قال ناصر: "تلقينا معلومات دقيقة يوم 13 مايو/أيار بأن "اسرائيل" كانت تحشد وتركز قواتها على الحدود السورية بأعداد ضخمة.. والقرار الذي اتخذته "اسرائيل" في هذه الآونة هو شن عدوان على سوريا بتاريخ 17 مايو/أيار".
وفي خطابات ألقاها في 9 يونيو/حزيران و23 يوليو/تموز استشهد ناصر بالسوفييت بصفتهم مصدر هذه "المعلومات الدقيقة" وزعم أن المعلومات نقلت إلى وفد برلماني مصري زار موسكو في مايو/أيار.
في 13 مايو/أيار أرسلت رسالة إلى القاهرة عبر القنوات المصرية من موسكو، وبينت الرسالة أن وكيل وزارة الخارجية السوفييتية سيمينوف أخبر المصريين أن "اسرائيل" كانت تعد لهجوم بري وجوي على سوريا، وأن خطة الهجوم ستنفذ في الفترة ما بين 17 إلى 21 مايو/أيار، كما بينت ان السوفييت نصحوا الجمهورية العربية المتحدة بأن تتأهب، وأن تحتفظ بهدوئها، وألاَّ تنجر إلى مقاتلة "اسرائيل"، وكذلك نصحوا السوريين بأن يبقوا هادئين ولا يتيحوا ل "اسرائيل" فرصة للقيام بعمليات عسكرية، وقالت الرسالة أيضاً إن الاتحاد السوفييتي كان يحبذ إبلاغ مجلس الأمن قبل أن تقوم "اسرائيل" بعمل عسكري ضد سوريا، وحسب الرسالة فإن هذه المعلومات أعطيت لأنور السادات، رئيس الوفد المصري الذي زار موسكو آنذاك، وهذه المعلومات التي تم التقاطها، تؤكد مصداقية تصريح ناصر بأن السوفييت مرروا المعلومات إلى الجمهورية العربية المتحدة، وتضيف حقيقة أخرى هي أن السوفييت حثوا المصريين في الوقت ذاته على أخذ الحيطة وتوخي الحذر، وأخذ العرب المعلومة لكنهم لم يعملوا بالنصيحة.
ووفقاً ل (يوجد حذف في الوثيقة) فإن وزير الخارجية السوفييتي جروميكو أبلغ كل السفراء العرب المعتمدين لدى موسكو، في الفترة من 15 إلى 19 مايو/أيار بأن ثمة هجوما وشيكاً على سوريا تعد له "اسرائيل"، وعرض تقديم أي عون مطلوب، بما فيه المساعدات العسكرية وأكد (يوجد حذف في الوثيقة) أن مثل هذه التأكيدات أعطيت في موسكو من قبل مسؤول سوفييتي على أرفع مستوى، إلا أنه من المستبعد جداً أن يكون مثل هذا التطمين الشامل قد أعطي أصلاً. وتكرر التطرق لاحقاً إلى التقرير عن خطط "اسرائيل" المزعومة لشن هجوم، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 29 مايو/أيار، على لسان سفير الجمهورية العربية المتحدة القوني، ومن ثم ردد صدى هذا الحديث السفير السوفييتي فيدورينكو، الذي قال إن بحوزة العرب معلومات دقيقة عن حشد مكثف للقوات "الاسرائيلية"، وعن تبييت "اسرائيل" النية للقيام بهجوم بتاريخ 17 مايو/أيار.
ولم تتضح حتى الآن الدوافع السوفييتية وراء نشر تقرير غير موثق، وأسانيده واهية، وحججه متداعية، على الرغم من خطورته، وعلى الرغم من الاحتمالات الكبيرة بأن تفجر مثل هذه المعلومات الأوضاع، فحتى لو أن السوفييت عرفوا أن وقائع القصة التي طرحت للتداول لم تكن صحيحة، فلربما خشي المسؤولون السوفييت من رجحان كفة احتمال أن تقوم "اسرائيل"، نتيجة لخطاب ايشكول، بهجوم انتقامي ما، ضد سوريا في برهة قريبة، فإذا كان الأمر كذلك، فلربما كانوا يأملون في دفع الجمهورية العربية المتحدة نحو التزام صارم وصريح بأن تهب لمساعدة سوريا، على أساس أن مثل هذا الالتزام، حسبما ارتأوا وفكروا، يمكن ان يردع "اسرائيل" عن شن المزيد من الغارات، ومن المحتمل أيضاً أن السوفييت كانوا يأملون بتخويف السوريين كي يعدلوا من سياساتهم، وذلك بإقناعهم بأنهم إذا لم يبادروا إلى اتخاذ هذه الخطوة فسوف يواجهون هجوماً "اسرائيلياً".
هامش: يؤيد هذا وجهة النظر التي تذهب إلى أن "اسرائيل" ذاتها هي التي يمكن ان تكون قد اختلقت هذه الاشاعة منذ البدء، وثبت خطؤهم في الحالتين كلتيهما فلو أنهم صدقوا التقرير فسيكونون قد ارتكبوا بذلك خطأ استخباراتياً، وأما إذا كانوا لم يصدقوا القصة وهو الأرجح احتمالاً على ما يبدو، أو أنهم كانوا من اخترعها، وكانوا يستخدمونها لحث ناصر أو السوريين، فعندها يكونون قد أساؤوا تقدير الآثار التي سوف تحدث، فالقصة لم تكبح جماح السوريين بل استثارت ردة فعل أكثر عدوانية مما توقعته موسكو من ناصر أو رغبت فيه.


5. تعزيز قوات الجمهورية العربية المتحدة

صدق ناصر على ما يبدو التقارير التي قدمها له الاتحاد السوفييتي، هامش: ربما تأثر استعداد ناصر لتصديق التقارير في هذه الآونة بالهجمات الجوية "الاسرائيلية" على سوريا في ابريل/نيسان، إضافة إلى تحذير ايشكول شديد اللهجة في مايو/أيار.
وتبع ذلك تعبئة وتحريك قوات الجمهورية العربية المتحدة ونشرها على الحدود مع "اسرائيل"، ولربما كان لدى ناصر أسبابه الخاصة ليتصرف بالطريقة التي تصرف بها، إلا أن التقرير الذي نشره الروس أعطاه المبرر، وحسب الصحافة المصرية، فقد أعلنت حالة الطوارئ في الجمهورية العربية المتحدة، وذلك "لوضع معاهدة الدفاع المشترك مع سوريا موضع التنفيذ، واتخاذ خطوات عملية بهذا الشأن". وأكد ناصر مراراً وتكراراً في بياناته العلنية على أن تحضيرات الجمهورية العربية المتحدة العسكرية إنما كانت استجابة وردّة فعل على التهديد بشن هجوم "اسرائيلي" على سوريا، وعلى ما يبدو، فقد تم تصميم هذا، والتخطيط له لصرف الانتباه "الاسرائيلي" المباشر إلى الحدود المصرية، وفي الوقت نفسه للمساعدة على تلميع صورة ناصر بصفته زعيم العالم العربي.
وفي 17 مايو/أيار طالب ناصر بانسحاب قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة من سيناء وقطاع غزة ، وطالب بالتالي بأن تنسحب هذه القوات من الجمهورية العربية المتحدة بشكل كامل، وفي 18 مايو/أيار شرعت قوات الجمهورية العربية المتحدة باحتلال موقع مراقبة قوات الأمم المتحدة في سيناء، ولم تكن قوات الأمم المتحدة مزودة بالأجهزة والعتاد والمعدات لتقوم بالرد، وفي اليوم التالي وافق الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت على انسحاب كامل لتلك القوات، وبحلول يوم 22 مايو/أيار، كان الجنود المصريون قد حلوا بشكل كامل محل القوات الأممية.
هامش: كانت قوات الأمم المتحدة قد كلفت بالمرابطة في الجمهورية العربية المتحدة بعد حرب عام ،1956 ونشرت هذه الوحدات في شرم الشيخ، وهي نقطة تقع إلى الجنوب الغربي من مضايق تيران عند مدخل خليج العقبة، وكانت تشكل ضمانة طمأنة بتوافر ممر آمن للسفن "الاسرائيلية" عبر المضايق، وكانت السيطرة على مضايق تيران مصدر احتكاك وتوتر بين العرب و"الاسرائيليين" منذ عام ،1949 ففي تلك السنة، وفي أعقاب الهدنة نصبت مصر بطاريات مدفعية قرب شرم الشيخ في موقع يشرف على المضيق، وفي حملة 1956 الثلاثية استولت "اسرائيل" على الموقع الذي يتحكم بالمضيق، إلا أن "اسرائيل" سحبت لاحقاً قواتها بعد أن رضخت للضغط الأمريكي والسوفييتي.
وخدمت مطالبة ناصر بسحب قوات الأمم المتحدة وموافقة يوثانت على هذا الطلب أغراضاً عدة. فبإزاحة تلك المنطقة العازلة التي كانت ترابط فيها قوات الطوارئ الأممية، صار بإمكان القوات المصرية أن ترد وأن تستجيب للمستجدات بصورة أسرع بكثير في حال شنت "اسرائيل" هجوماً على سوريا. وقطعت مطالبة ناصر بسحب قوات الطوارئ الطريق أيضاً على الاتهامات الأردنية بأن الجمهورية المتحدة كانت تتوارى وتتمترس وراء درع الأمم المتحدة. وإخراج قوات الأمم المتحدة هذه من الجمهورية العربية، وخصوصاً سحبها من الموقع الرمزي والاستراتيجي في شرم الشيخ عزز مكانة ناصر وشعبيته وزاد من شعور العرب بالاعتزاز.


6. السوفييت يبدون أكثر دموية

فيما عكس دعم الصحافة السوفييتية لقيام الجمهورية العربية المتحدة بتعزيز قواتها انطباعاً يشي بموافقة السوفييت على هذه التطورات، كانت هناك بعض الدلائل على تخوف انتاب السوفييت (حذف في الوثيقة).
وعبَّرَ السفير السوفييتي لدى الأمم المتحدة فيدورينكو عن بعض مشاعر القلق تجاه سرعة سحب قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة، وفي ذات اليوم أخبر السفير السوفييتي دوبرينين السفير ثومبسون بأنه كان يعتقد بأن السوفييت كان بوسعهم أن "يضاهوا" الولايات المتحدة في الحث على ضبط النفس وحض حلفائهم على ذلك، وكان السوفييت قد أظهروا بعض العلائم والإشارات التي تميل إلى ضبط النفس، مبدين عدم استعدادهم لأن يصبحوا متورطين بشكل مباشر في حرب سورية - "اسرائيلية" (مقاطع حذفت من نص الوثيقة).
وفي 18 مايو/أيار بثت إذاعة محلية من موسكو اتهاماً بأن القوات "الاسرائيلية" قد تم حشدها وتعزيزها على الحدود السورية، وأن بعض المراقبين كانوا يقارنون الوضع بتلك الحالة التي شهدها العالم عشية حرب السويس، وحسب البرنامج الذي تم بثه، فإن السوريين لم يكن أمامهم من خيار سوى إعلان حالة الاستنفار في جيشهم ورفع درجة التأهب في مواجهة التهديدات "الاسرائيلية". وبينت الرسالة الإذاعية أيضاً أنه قد تم تطبيق البنود التي نصت عليها معاهدة العون المشترك السورية - المصرية، وأن قوات الجمهورية العربية المتحدة كانت على أهبة الاستعداد واليقظة، وأن القاهرة قد بينت أنها ستتدخل في حال شن "اسرائيل" لعدوان على سوريا.
وفي 19 مايو/ أيار ذهبت وكالة "نوفو سيتي" السوفييتية للأنباء إلى مدى أبعد من ذلك، إذ أورد الخبر الصحافي الذي تم توزيعه في البلدان العربية، ولم يظهر في الصحافة السوفييتية أن الاتحاد السوفييتي لن يقف متفرجاً مكتوف الأيدي إذا ما هاجمت "اسرائيل" سوريا (يوجد حذف في الوثيقة) ولا بد أن الأثر الإجمالي لمثل هذه البيانات والتصريحات هو التأكيد لبعض العرب على الدعم السوفييتي لهم.

7. ناصر يغلق خليج العقبة

بحلول يوم 22 مايو/ أيار من عام 1967، وهو اليوم الذي انسحبت فيه قوة صغيرة من قوات الطوارئ الدولية من شرم الشيخ، أعلن ناصر أن الجمهورية العربية المتحدة قد أغلقت خليج العقبة أمام الملاحة "الاسرائيلية" وأمام جميع السفن التابعة للبلدان الأخرى، والتي تجلب شحنات استراتيجية ل "اسرائيل". وفي اليوم التالي كرر ايشكول تمسكه بالموقف "الاسرائيلي" بأن تدخُّل مصر بالملاحة "الاسرائيلية" في خليج العقبة سوف يعتبر عملاً عدائياً وإعلان حرب. وفي 26 مايو/ أيار حذرت "اسرائيل" من أنها لن تنتظر بلا نهاية فك الحصار المصري وسحب حشود القوات العربية على حدودها. وعند ذاك بلغت تعبئة القوات المسلحة "الاسرائيلية" وتأهبها العسكري الذروة.
ولعل أفعال عبد الناصر خلال شهر مايو/ أيار قد تأثرت بمعلومات رديئة عن القوة العسكرية العربية وعن مدى الدعم السوفييتي. ولكن التقرير الزائف عن خطط "اسرائيل" لمهاجمة سوريا، بجعله عبد الناصر يقرر التعبئة، لعب دوراً رئيسياً في أعمال عبد الناصر. فإذا كان يعتقد بأن "اسرائيل" قد خططت هجوماً على سوريا، وأن على الجمهورية العربية المتحدة أن ترد، فلربما كان يقصد من وراء تعبئته ومطالبته بسحب قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، أن يكونا رادعين.
ولكن قرار عبد الناصر بإغلاق خليج العقبة رفع وتيرة الأزمة إلى مستويات جديدة خطيرة. وقد دلت خطبه على أنه يعتقد بأن "اسرائيل" سوف ترد على الإغلاق، وأن الجمهورية العربية المتحدة مهيأة للتعامل مع هجوم "اسرائيلي". وقد قال في 26 مايو/ أيار "... إننا نشعر في الآونة الأخيرة بأننا أقوياء إلى درجة تكفي لانتصارنا على "اسرائيل" بعون الله، إذا خضنا حرباً معها. وعلى هذا الأساس قررنا اتخاذ خطوات عملية.. وإن السيطرة على شرم الشيخ تعني أننا مستعدون لخوض حرب شاملة مع "اسرائيل".
ومع أنه أشار إلى أن الجمهورية العربية المتحدة لن تبادر بشن هجوم، إلا أنه أعلن أنه إذا هاجمت "اسرائيل" أياً من سوريا أو الجمهورية العربية المتحدة "... فسوف تكون الحرب شاملة، وسيكون هدفنا الأساسي تدمير "اسرائيل".
وبينما كان عبد الناصر يصرح علناً بأن "اسرائيل" سوف تضطر إلى الرد، وأن الجمهورية العربية المتحدة تستطيع عندئذ التعامل مع "اسرائيل" عسكرياً، إلا أنه يبدو على الأرجح أن عبد الناصر كان يعتقد في حقيقة الأمر بأن "اسرائيل" لن تهاجم، وأنه سوف يحقق مكاسب سياسية عظيمة بالنزر اليسير من المجازفة.


8. الاتحاد السوفييتي وإغلاق الخليج

توحي الدلائل بأن السوفييت قد أخذوا على حين غرة عندما أغلق عبد الناصر الخليج. ولم يكن ما يدل على عدم موافقتهم مقصوراً على غياب تصريحات الدعم العلني، بل تبدى ذلك أيضاً في صمت الصحافة السوفييتية وتأخير تناولها للأمر. وكان ذلك علامة إما على غياب الإنذار المسبق، أو الافتقار إلى وجود موقف رسمي جاهز، أو كليهما. وفي 23 مايو/ أيار ذكرت وكالة تاس تصريح عبد الناصر الخاص بإغلاق قناة السويس، وبعد ساعات عديدة نشرت تصريح الحكومة السوفييتية الذي يكرر الكثير من خط الدعاية السوفييتية السابقة، ولكنها امتنعت عن ذكر إغلاق الخليج.
هامش: اتهمت الحكومة السوفييتية في 23 مايو/ أيار "اسرائيل" بالاستعداد لمهاجمة سوريا، وذكرت أن "الأوساط الامبريالية" الغربية مسؤولة عن تحريض "اسرائيل". واختتم التصريح "بالتحذير من أن المعتدين لن يقابلوا فقط بقوة العرب المتحدة، بل "بمعارضة قوية" من قبل الاتحاد السوفييتي وكل الدول المحبة للسلام أيضاً".
وجاء أول تعليق شبه رسمي على إغلاق الخليج، بعد ثلاثة أيام في مقالة لصحيفة "برافدا". وأعادت المقالة إلى الأذهان أن "اسرائيل" لم تستخدم الخليج قبل سنة 1965، وألمحت بذلك إلى أن "اسرائيل" لم يكن لها حق في استخدامه. ولكن من الواضح أن السوفييت كانوا في هذه النقطة ينفرون من مساندة الإجراء الذي قام به عبد الناصر.
وبدا أن موقف السوفييت إزاء الشرق الأسط يتلخص في سؤال بلاغي طرحه في 1 يونيو/ حزيران نائب لوزير الخارجية السوفييتي (يوجد حذف في الوثيقة هنا)، الذي تساءل عما إذا كان هنالك أي سبب يمنع الاتحاد السوفييتي من العمل مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ومما يدل على أن السوفييت لم يجدوا أي سبب حتى ذلك الوقت يمنعهم من فعل ذلك، من خلال موقفهم في الأمم المتحدة، حيث كانت الجهود لحل الوضع فاترة، وغير فعالة، وبطيئة. وكان الاتحاد السوفييتي قد رفض المطالبات بإجراء محادثات بين القوى الأربع. وفي 24 مايو/ أيار سد السفير السوفييتي لدى الأمم المتحدة فيدورينكو الطريق أمام إجراء مناقشة في مجلس الأمن للمشكلة الآخذة في التطور، وذلك برفضه المشاركة. وفي 29 مايو/ أيار، عندما انعقد مجلس الأمن أخيراً بشأن الأزمة، لم يضف فيدورينكو أي شيء بناء.


9. المواقف السوفييتية تحير الدول العربية

تثير التقارير بشأن التزامات سوفييتية معينة إزاء العرب الحيرة في النفوس، ويبدو ان تطمينات السوفييت كانت مبهمة على الدوام، وظلت من ثم، عرضة لإساءة تفسيرها من قبل العرب، وكان الالتزام الوحيد الواضح إلى حد ما، الذي قطعه السوفييت على أنفسهم. هو مساندة العرب اذا تدخلت الولايات المتحدة إلى جانب "اسرائيل"، ولكن، حتى هنا، كان مدى ونوع المساندة غير واضحين، وحسب احد التقارير، سأل عبد الناصر في منتصف مايو/ أيار، ماذا سيفعل الاتحاد السوفييتي، اذا هبت الولايات المتحدة لمساعدة "اسرائيل" في حال نشوب حرب؟ وذكر أن كوسيجين رد قائلاً إن السوفييت سوف يساعدون العرب في المقابل. (هامش: حسب ما ذكر مسؤول سوفييتي، كان السوفييت في أواخر مايو/ أيار قد قالوا لعبد الناصر انهم ملتزمون فقط ب"تحييد" الولايات المتحدة، أي أنهم سوف يردون على أي تصعيد قد تجريه واشنطن ولكنهم لن يذهبوا أبعد من ذلك.
وتتجلى الحيرة في العالم العربي إزاء حجم الدعم السوفييتي للقضية العربية، في التقارير الرسمية المتغيرة التي كانت ترفع للحكومتين السورية والمصرية في أواسط مايو/ أيار، ففي 15 مايو/ أيار كتب السفير السوري في موسكو لحكومته عن توكيدات الدعم السوفييتية الإجمالية، وقال انه يشعر بأن ذلك يعني الاشتمال حتى على التدخل العسكري، وفي اليوم التالي ذكر السفير المصري في دمشق كذلك لحكومته في القاهرة أن موسكو سوف تدعم سوريا "إلى درجة التدخل العسكري". وتضمن التوضيح اللاحق الذي اصدره السفير السوري في موسكو معلومات تفيد بأن "المساعدة السوفييتية لن أكرر لن تبلغ حد التدخل العسكري" وليس واضحاً من هذه التقارير ما اذا كان هذا التوضيح قد نقل الى المصريين، وقد يكون السوريون قد آثروا الاحتفاط به لأنفسهم حتى لا يتراجع المصريون، وباختصار، وعلى حد علمنا، حاول السوفييت ان يتجنبوا اصدار تصريح ناصع الوضوح، في ما يخص طبيعة ومدى مساندتهم في حال نشوب حرب.
ومن 25 إلى 28 مايو/ أيار، كان وزير الحربية المصري، شمسي بدران، في موسكو حيث التقى مع كوسيجين، وجروميكو، وجريتشكو.
هامش: ذكر سفير الجمهورية العربية المتحدة في موسكو، مراد غالب، بعد الحرب ان السوفييت لم يسبق لهم أبداً ان وعدوا العرب بالمساعدة العسكرية، ولكن وزير الدفاع، الصغير السن، وغير المحنك (بدران) الذي زار موسكو قبيل الحرب أساء الفهم، وذكر لحكومته انه كان على ثقة من ان موسكو سوف تساعد العرب في حال نشوب حرب. (وكان بدران من أوائل من أقيلوا بعد الحرب، ومن المحتمل انه بالغ في تضخيم الالتزام السوفييتي).
..وفي خطاب عبد الناصر في 29 مايو/ أيار قال إن كوسيجين قد بعث برسالة جوابية مع بدران يذكر فيه ان الاتحاد السوفييتي "يقف معنا في هذه المعركة ولن يسمح لأي دولة بالتدخل، بحيث تعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 1956".
ويوحي هذا التصريح، إلى جانب "ادعاءات" عبد الناصر في ما يتعق بقوة مصر مقابل "اسرائيل"، بأن توقعات عبد الناصر من الدعم السوفييتي في حال نشوب حرب، كانت تشتمل فقط على المواد والأعمال السوفييتية لردع التدخل الأمريكي نيابة عن "اسرائيل"، ولم يتوقع عبد الناصر بالتأكيد ما حدث بالفعل، وهو حرب مدمرة دامت خمسة أيام. وكان على الأرجح يتنبأ بصراع طويل الأمد، يلعب فيه العون السوفييتي دوراً مهماً، على هيئة معدات عسكرية، لا مساندة بالتدخل الفعلي.
وبصرف النظر عن تفسير عبد الناصر للالتزام السوفييتي الفعلي، يبدو انه كان يشعر بأنه كاف. ويبدو أنه قد صدق ان الدعم السوفييتي لن تكون هنالك حاجة اليه، الا لمنع عودة أوضاع ،1956 وعندما ساعدت القوى الغربية "اسرائيل". وكان يشعر فيما يبدو بأن الولايات المتحدة يمكن ان تكبح "اسرائيل"، كما بدا واثقاً من ان العرب يستطيعون مجاراة الجيش "الاسرائيلي" عند الضرورة، ويبدو بأن ثقة عبد الناصر بقدرات الجيش المصري، كان السوفييت يشاركونه فيها، جزئياً على الأقل. (يوجد حذف هنا). ولكن أهم خطأ للسوفييت في هذه المرحلة، يبدو إخفاقهم في التنبؤ بهجوم "اسرائيلي".

10. السوفييت يحثّون على ضبط النفس من دون جهد كاف، وبعد فوات الأوان

خلال الفترة الفاصلة بين إعلان إغلاق خليج العقبة، واندلاع الحرب، كانت السياسة السوفييتية قائمة، فيما يبدو، على افتراض ان "اسرائيل" لن تهاجم إذا بقي الوضع ساكناً. فمن جهة، منح السوفييت التشجيع للعرب، وتركوا احتمال مساندتهم لهم في حال نشوب حرب مفتوحا، ومن جهة أخرى، سعوا بلطف الى كبح العرب عن القيام بالمزيد من الأعمال الاستفزازية. وليس ثمة ما يشير الى أنهم حاولوا أبداً اقناع عبد الناصر بإزالة الإغلاق. وانطلاقاً من قلق السوفييت ورغبتهم في تجنب الحرب، وفي الوقت ذاته، الابقاء على جو التوتر الذي كانوا يشعرون بأنهم يمكن ان يفيدوا منه، راحوا يحثون العرب على ضبط النفس، فقط الى درجة شعروا بأنها ضرورية لمنع الوضع من الغليان ووقوع الحرب.
وقد ادعى السوفييت، في رواياتهم بعد الحرب، أنهم كانوا قبل الحرب يحثون العرب على الامتناع عن القيام بأعمال يمكن استغلالها من قبل الأوساط الحاكمة "الاسرائيلية" كذريعة لإطلاق الأعمال العدائية، وقد أيد عبد الناصر هذا الادعاء، وذكر في 26 مايو/ أيار ان الحكومة الأمريكية قد سلمت السفير السوفييتي في واشنطن رسالة تطلب فيها من السوفييت، حث الجمهورية العربية المتحدة على اللجوء الى ضبط النفس، وألا تكون البادئة بإطلاق النار. (يوجد حذف هنا).
ولكن محاولات السوفييت كبح العرب كانت محدودة، وتوحي بأن قلقهم من احتمال قيام "اسرائيل" بالانتقام بسبب اغلاق خليج العقبة، لا يبلغ حد قلقهم من قيام العرب بالمزيد من الأعمال التي قد تقود بدورها الى الحرب. ويبدو ان محاولاتهم في أواخر مايو/أيار، لإقناع العرب بأن "اسرائيل" لن تهاجم، تستند إلى التقرير الأصلي غير الصحيح، الخاص بهجوم "اسرائيل" مخطط على سوريا، لا على احتمال شن هجوم انتقامي بسبب اغلاق الخليج.

11. المواقف تتصلب

في الأيام الأخيرة من شهر مايو/أيار، بدأ عبد الناصر تسوية خلافاته مع الدول العربية الأكثر محافظة، وهو الوضع الذي تخشاه "اسرائيل" أكثر من سواه، ومع بداية شهر يونيو/حزيران كان موقفا كل من مصر و"اسرائيل" متصلبين تماماً. وفي 1 يونيو/حزيران أصر وزير العمل "الاسرائيلي" ييجآل ألون على ان بعض الحماية لحدود "اسرائيل" من الهجمات الارهابية، وسحب حشود القوات المصرية على طول الحدود، ورفع الحصار، هي شروط ضرورية لتجنب وقوع صدام عسكري "حتمي". وفي 2 يونيو/حزيران أعلن وزير خارجية الجمهورية العربية المتحدة محمود رياض، ان قناة السويس ستكون مغلقة في وجه كل من يحاول خرق الحصار.
وتشير معظم المعلومات المتوافرة الى ان الهجوم "الاسرائيلي" في فجر 5 يونيو/حزيران، جاء مفاجأة تامة للسوفييت. (يوحد حذف هنا). وقد باغت توقيت الهجوم العرب بالتأكيد. وقد القى عبد الناصر بعد الحرب بمسؤولية عدم استعداده، على كون الولايات المتحدة قد اشارت الى انها ستحاول كبح "اسرائيل"، ويبدو ان عبد الناصر، شأنه شأن السوفييت، كان مقتنعاً بأن "اسرائيل" لن تهاجم من دون موافقة الولايات المتحدة.

 
 

 

عرض البوم صور dr_e   رد مع اقتباس
قديم 10-07-08, 12:55 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الحب



البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56979
المشاركات: 4,653
الجنس أنثى
معدل التقييم: dr_e عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 43

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dr_e غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

12. اندلاع الحرب.. "اسرائيل" تهاجم والاتحاد السوفييتي يتفاعل

بدأ الهجوم "الاسرائيلي" على الجمهورية العربية المتحدة في صباح 5 يونيو/ حزيران 1967، وبفضل عنصر المفاجأة، تمكنت القوات الجوية "الاسرائيلية" من تدمير القوات الجوية المصرية في مراكزها الأرضية، وتقدمت القوات "الاسرائيلية" باتجاه سيناء وقطاع غزة من دون مشاكل تذكر، وفي 7 يونيو سيطرت على شرم الشيخ، وفي 8 يونيو أعلنت سيطرتها الكاملة على سيناء.
بدأت الحرب مع الأردن في وقت لاحق من يوم 5 يونيو/ حزيران. وبعد أن حاصرت القوات الأردنية مقر الأمم المتحدة في القدس، شنت "اسرائيل" هجمات جوية وبرية على طول خط الهدنة، واندفعت القوات "الاسرائيلية" باتجاه نهر الأردن. وتمكنت "اسرائيل" عمليا من تدمير القوات الجوية السورية في 5 يونيو/ حزيران، ولكنها لم تبدأ هجومها البري ضد سوريا حتى 9 يونيو/ حزيران.
عندما تم إعلان وقف إطلاق النار، كانت القوات "الاسرائيلية" قد توغلت لمسافة 10 كيلومترات في الأراضي السورية واحتلت مرتفعات الجولان.
واستمرت المؤسسات الإعلامية السوفييتية، التي فوجئت أيضاً، في حملتها الإعلامية التي بدأتها قبل الحرب. ففي 5 يونيو/ حزيران اتهمت صحيفة "الإزفيستيا" ووكالة "تاس" كلاً من جونسون وويلسون، أثناء اجتماعهما الأخير في واشنطن "هامش: انتهى اجتماع جونسون وويلسون في 3 يونيو/ حزيران"، بإعداد استراتيجية معادية للجمهورية العربية المتحدة، وبأنهما شجعا "اسرائيل" على شن الهجوم. وفي عصر ذلك اليوم، بثت موسكو خبراً باللغة العربية، قالت فيه إن "اسرائيل" لم تكن لتشن هجوما لولا تشجيع الولايات المتحدة، وإقناعها بأن العرب كانوا مستعدين للرد على الإمبرياليين، وبأنهم ليسوا وحدهم في صراعهم العادل. وبعد بضع ساعات، أذيعت النسخة الفرنسية من الخبر في دول المغرب العربي، مع إضافة السطرين التاليين:
كما أكدت الحكومة السوفييتية مؤخرا، فإن المعتدين لن يواجهوا البلدان العربية القوية بتوحدها فحسب، بل سيواجهون أيضاً ردا صارما على هذا العدوان من قبل الاتحاد السوفييتي والدول الأخرى المحبة للسلام.
لم يقدم الخبر أية توضيحات، تاركاً التهديد بالتدخل السوفييتي مبهماً. وكان البيان الذي أصدرته الحكومة السوفييتية في وقت لاحق من يوم 5 يونيو/ حزيران، أكثر غموضا. وطالب البيان بأن تقوم "اسرائيل" بوقف عملياتها العسكرية فورا، والانسحاب إلى ما قبل خط الهدنة، مشيرا إلى أن الحكومة السوفييتية تحتفظ بحق اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية. ودعا البيان الأمم المتحدة إلى إدانة الأعمال "الاسرائيلية"، والعمل على استعادة السلام في الشرق الأوسط.
وكشفت هذه البيانات خشية السوفييت من انخراطهم العسكري، حيث أشارت عدة تقارير إلى الرد العسكري، في حين أن الأفعال كانت تشير إلى أن ذلك لم يكن مطروحا كخيار جدي في هذا المرحلة. وفي غضون ساعات من اندلاع الحرب، وحسب تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، استخدمت موسكو "الخط الساخن" للاتصال بواشنطن، ربما لسببين هما التأكد من عدم حصول مواجهة عرضية مع الولايات المتحدة، ومحاولة وقف الحرب بعد أن أدركوا أن العرب لن يفوزوا فيها.

13. تهم بتورط أمريكي بريطاني

التحفظ السوفييتي كان واضحا أيضا في رد فعل موسكو تجاه اتهام العرب للولايات المتحدة وبريطانيا بالمشاركة الفعلية في الهجمات الجوية ضد الجمهورية العربية. بيد أن المصدر الأصلي للتقرير لم يكن واضحاً. وتبعا لمصدر مصري، فإن الاتهام الذي وجهته القاهرة يستند إلى اعتقاد بأن عدد الطائرات التي شاركت في الهجوم كان أكبر مما كانت تمتلك "اسرائيل"، ويبدو أن العرب على الأرجح لم يقرأوا بالشكل الصحيح العبارات التي تشير إلى المصدر والمكتوبة على الطائرات التي أرسلها "الاسرائيليون" على ارتفاع منخفض من البحر الأبيض المتوسط كي تتفادى الرادارات. وبدا عبد الناصر، على سبيل المثال، مقتنعا بالتقرير "هامش: هذا الاتهام كان منسجما مع الاتهامات التي أوردتها الصحافة السوفييتية قبل الحرب بأنه يتم تشكيل القوات البحرية الأمريكية والبريطانية في البحر الأبيض المتوسط، ومنسجمة أيضا مع اتهامات السوفييت للولايات المتحدة وبريطانيا بأنهما خططتا لدعم "اسرائيل" عسكريا".
ففي 7 يونيو/ حزيران أرسل رسالة إلى كل من الأردن وسوريا، والجزائر، ذكر فيها أن القيادة العليا للجمهورية العربية السورية قد "أكدت بما لا يدع مجالا للشك، التعاون السري للولايات المتحدة وإنجلترا مع "اسرائيل"".
وتداعيات هذا الاتهام قد تكون خطرة بالنسبة للسوفييت إذا ما كانوا قد التزموا فعلا بتقديم المساعدة في ما لو حصل تدخل أمريكي فعلي. ولكن السوفييت لم يقروا أبدا على الصعيد الرسمي، بصحة اتهام الولايات المتحدة بالمشاركة، رغم أن الصحافة السوفييتية كررت تلك الاتهامات في عدة مناسبات. "في 6 يونيو/ حزيران كررت إذاعة محلية تصريح القيادة العربية بأن لديها إثباتا على مشاركة الغرب، ولاحقا في 11 يونيو/ حزيران، أفاد معلق محلي سوفييتي أنه بينما كانت الولايات المتحدة تحاول نفي صحة التقارير حول المشاركة، ظلت الحقيقة أن في ليلة الحرب، عبرت الناقلات الأمريكية والبريطانية قناة السويس ورست في البحر الأحمر، ومن هناك قامت طائراتها بتأمين "الغطاء الجوي" ل "اسرائيل".
(يوجد حذف)
خلال زيارة بومدين إلى موسكو من 12 إلى 14 يونيو/ حزيران، أكد السوفييت، حسب التقارير، أن الطائرات الأمريكية لم تشارك في الحرب بين العرب و"اسرائيل"، وطلبوا منه توصيل هذه المعلومات إلى عبد الناصر. وعلاوة على ذلك، لم يعلن أي مصدر سوفييتي رسمي عن قبول الاتهام الذي وجهه العرب. كان من الواضح أن السوفييت لم يكونوا راغبين في التورط في الحرب كما يرغب العرب، حسب اعتقادهم.

14. السوفييت يدعمون وقف إطلاق النار

كشفت تقارير عن محادثات محتدمة سوفييتية مصرية بعد اندلاع الحرب في القاهرة، بين عبد الناصر ومحمد بوضياف، وفي موسكو بين غالب وكبار القادة السوفييت. وطلب المصريون من السوفييت استبدال الطائرات المدمرة، فقالوا لهم أنه لا توجد أماكن تحط فيها الطائرات لأن المدرجات مدمرة أيضا. وردا على تهمة المصريين بأن السوفييت كانوا يتخلون عنهم في وقت الشدة، قال السوفييت إنهم ملتزمون فقط بدعم العرب ضد الولايات المتحدة وليس ضد "اسرائيل". (يوجد حذف). وبعد فترة قصيرة من الاعتداء "الاسرائيلي"، قرر السوفييت أنه يجب القبول بوقف إطلاق فوري، باعتبار أن وضع العرب لم يصل بعد إلى مستوى كارثي، وشعروا بأن المصريين لن يتمكنوا من الرد بنجاح لأنهم لا يملكون طائرات، ومع ذلك لم يقبل عبد الناصر بهذا الخط من التفكير، فشن هجوما مضادا انتهى بالفشل. ورفض السوفييت لفترة وجيزة، قبول القرار البسيط لوقف إطلاق النار الذي أقر في الأمم المتحدة، وبدلا من ذلك دعوا إلى تبني قرار وقف إطلاق النار مصحوبا بدعوة لسحب الجنود إلى المواقع التي كانوا فيها قبل الحرب. ورفضت "اسرائيل" القبول بهذا الشرط، كما رفضت الجمهورية العربية المتحدة قبول وقف إطلاق النار من دونه. في 6 يونيو/ حزيران أمر سميرنوف، نائب وزير الخارجية السوفييتي، السفير السوفييتي لدى الأمم المتحدة، فيدورنكو، بقبول القرار بوقف إطلاق النار، رغم معارضة العرب. وعلى كل حال، الجمهورية العربية المتحدة لم تكن مستعدة لقبوله، ومن دون الموافقة المصرية، أقر مجلس الأمن قرار وقف إطلاق النار بالإجماع. وعلى مدى اليومين التاليين، حاول السوفييت كما هو واضح، إقناع الجمهورية العربية المتحدة بقبول القرار البسيط بوقف إطلاق النار، على الرغم من أنهم كانوا يدفعون باتجاه وقف إطلاق النار بشروط. (يوجد حذف)
في 7 يونيو/ حزيران، قال الناطق باسم سفارة الجمهورية العربية المتحدة في باريس إن مصر رفضت قرار الأمم المتحدة، مشيرا إليه بوقف إطلاق نار بسيط. وطلب السوفييت عقد اجتماع فوري لمجلس الأمن في عصر ذلك اليوم، وطرحوا قرار وقف إطلاق نار آخر، حيث دعوا الحكومات المعنية إلى وقف إطلاق النار في الساعة 20 بتوقيت جرينتش من تلك الليلة، وتم إقراره بالإجماع. ووافق كل من الأردن و"اسرائيل" في حين ظلت الجمهورية العربية المصرية رافضة له. (هامش: في ذلك التاريخ، أذاع راديو موسكو نص بيان للحكومة السوفييتية موجها إلى "اسرائيل" تقول فيه إن عدم إذعان "اسرائيل" لدعوة الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار، يشكل دليلا على عدوانية السياسية "الاسرائيلية"، مهددة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع "اسرائيل").
الأسباب التي تكمن وراء هذا التغيير المفاجئ في السياسة المصرية غير واضحة. فبالرغم من أن الضغط السوفييتي باتجاه قبول وقف إطلاق النار كان متواصلا وربما فعالا، إلا أن السبب وراء ذلك قد يعود على الأرجح، إلى أن عبد الناصر أدرك الوضع البائس للقوات العسكرية المصرية، فقرر في النهاية القبول بالقرار.
(يوجد حذف)
في 8 يونيو/ حريزان، وخلال اجتماع مجلس الأمن ذاته الذي أعلن فيه يوثانت أن الجمهورية العربية المتحدة سوف تقبل قرار وقف إطلاق النار إذا قبلت "اسرائيل" به، قدم السوفييت مسودة قرار يدعون فيه إلى إدانة "اسرائيل" وسحب الجيوش إلى ما قبل خط الهدنة. لم يتم تمرير هذا القرار أبدا، ولكنه أصبح قاعدة لمطالبات السوفييت في الأشهر اللاحقة. وفي 9 يونيو/ حزيران، تم تمرير قرار بالإجماع يطالب بتطبيق جميع القرارات السابقة (في 6 و7 يونيو/ حزيران)، ويدعو إلى وقف إطلاق النار. وبعد ساعتين من تمرير القرار، أعلنت كل من سوريا و"اسرائيل" قبوله.

15. تهديد بالتدخل السوفييتي ومؤتمر موسكو

على الرغم من الموافقة الرسمية على وقف إطلاق النار، واصل الجنود "الاسرائيليون" التقدم في الأراضي السورية في 9 و10 يونيو/ حزيران. في هذه المرحلة، بدأ السوفييت بتهديد بالقيام ببعض الأعمال (غير محددة) إن لم تتوقف "اسرائيل". وأشارت التقارير إلى أنه في 9 يونيو/ حزيران، حذر عدد من الدبلوماسيين السوفييت من أنه ما لم تلتزم "اسرائيل" بقرار وقف إطلاق النار في سوريا، فإن السوفييت قد يتدخلون. وأفادت وثيقة للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، تم إعدادها في أكتوبر/ تشرين الأول 1967، أنه في صباح 10 يونيو/ حزيران، أرسل السوفييت رسالة عاجلة إلى الرئيس جونسون، يحذرون فيها من انه ما لم تتوقف "اسرائيل"، سوف يضطر الاتحاد السوفييتي إلى اتخاذ إجراءات "ضرورية" غير محددة. قد يكون المقصود في ذلك استخدام "الخط الساخن" بين موسكو وواشنطن.

16. موسكو تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد الهزيمة

كانت هناك دلائل وإشارات على الاستعدادات السوفييتية لعملية تدخل محدودة. وفي الحادي عشر من يونيو كانت هناك عدة تقارير تشير إلى التجهيزات العسكرية السوفييتية بما فيها عمليات إنزال 400 من البحارة بالقرب من اللاذقية في سوريا، بالإضافة إلى عملية إنزال جنود المظلات في سوريا بهدف إعاقة التقدم "الاسرائيلي" تجاه دمشق. وتكشف كل هذه التقارير اهتمام السوفييت بسوريا والنظام الحاكم فيها، وبالرغم من ذلك كانت المساعدات التي يقدمها الروس لسوريا مساعدات رمزية فقط، ويمكن القول إن السوفييت هم الذين قاموا بنشر هذه التقارير في محاولة لبث الرعب في قلب "اسرائيل" ومنعها من التقدم في اتجاه سوريا.
وقال السوفييت بعد الحرب إن عدم تقدم "اسرائيل" تجاه سوريا كان نتيجة مباشرة لموقفهم الثابت الذي أصروا عليه على الدوام. ويمكن القول إن التهديدات السوفييتية لعبت دوراً مهما في القرار "الاسرائيلي" بالتوقف إلا أن الحقيقة هي أن موافقة "اسرائيل" على وقف إطلاق النار جاءت قبل التهديدات السوفييتية مما يعكس عدم أهمية هذه التهديدات، وبالإضافة إلى ذلك فإن الدلائل على تخطيط "اسرائيل" للاستيلاء على دمشق كانت قليلة جداً.
وبعد يومين أو ثلاثة من بدء الحرب، استدعى السوفييت حلفاءهم من أوروبا الشرقية إلى موسكو لمناقشة الوضع الراهن آنذاك، والتقى الزعماء في التاسع من يونيو وصدر في اليوم التالي تصريحاً ينذر بأنه إذا لم يتخذ مجلس الأمن الإجراءات اللازمة وإذا لم تنسحب "اسرائيل" إلى خطوط الهدنة فسوف يقدم أطراف الاتفاق على فعل أي شيء لمساعدة الشعوب العربية، وكان هذا الإنذار بمثابة رفض حازم للهجوم "الاسرائيلي". وهذا الإنذار اللفظي المتأخر الذي يكتنفه الغموض دل على عدم وجود نية لدى السوفييت للتدخل العسكري، وفي العاشر من يونيو قطع بالفعل الاتحاد السوفييتي العلاقات الدبلوماسية مع "اسرائيل" وبعد ذلك بأيام قليلة اتبع حلفاؤه النهج نفسه.
وتم الاتفاق على أشياء أخرى في مؤتمر موسكو، إلا أنها لم ترد في التصريح الذي نشر إذ تم الاتفاق على أن يقوم الاتحاد السوفييتي بدور المتحدث الرسمي باسم حلفائه الذين يمثلون جبهة موحدة لحل مشكلة الشرق الأوسط.
هامش: وافق السوفييت على الاتصال بالقاهرة على الفور باسم بلدان أوروبا الشرقية، وكانت هذه هي المرة الأولى التي قام بها السوفييت بتمثيل دول أوروبا الشرقية بهذه الطريقة في مفاوضات مع الجمهورية العربية المتحدة. وقال (ثمة حذف في نص الوثيقة هنا)، ان المؤتمر يعي تماماً الحاجة الماسة لإصلاح ما أفسدته الحرب في الدول العربية، كما كان مدركاً لضرورة إمداد القوات المسلحة المصرية بأسلحة جديدة بدلاً من تلك التي فقدت في الحرب، من دبابات وطائرات وأجهزة أخرى، لكن كانت هناك حدود معينة لهذه المساعدات العسكرية ناقشها المؤتمرون.
هامش: وافق السوفييت على الاتصال بالقاهرة فوراً باسم دول أوروبا الشرقية.
ونظراً لما كان يعتري الهيكل العسكري المصري من ضعف أفصحت عنه التقارير العسكرية، قرر الروس فرض السيطرة والتحكم على استخدام مصر للمعدات العسكرية السوفييتية. كما اتفق على تلبية كل مطالب عبد الناصر العسكرية في مقابل مشاركة السوفييت مستقبلياً في أي قرار مصري يتعلق بعمليات عسكرية رئيسية تجري باستخدام الأسلحة السوفييتية إلا أن عبد الناصر لم يشأ أن يضعف من قوة الامتيازات التي كانت لديه. واكتسب السوفييت بالفعل دوراً أكبر داخل المؤسسة العسكرية المصرية.


17. ردة فعل السوفييت تجاه الهزيمة


ردة فعل السوفييت التي أصابتهم جراء الهزيمة التي مني بها العرب، اتسمت بكونها غريزية حيث حاولوا أولاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الوضع السيئ، وكانوا عرضة بوجه خاص، لاتهامات بأنهم خذلوا العرب، وكانوا أيضاً حساسين تجاه إشاعات مفادها أن الصينيين قادمون إلى المنطقة بعروض مساعدة، وأكثر حساسية لآفاق بلوغ الدعاية الصينية ذروتها على حسابهم، وتمثلت أهدافهم الأمنية المباشرة في استعادة منزلتهم المحطمة واحترامهم المفقود في عيون العالم، وأيضاً في إعادة تأسيس مصداقيتهم باعتبارهم أصدقاء للعرب، وبتاريخ 6 يونيو بدأ السوفييت في إرسال جسر جوي طارئ للمساعدة والإمداد (وكان ذلك أكبر عملية من نوعها تقوم بها موسكو على الإطلاق).
هامش: مع أن السوفييت شرعوا في إمداد العرب بجسر جوي من السلاح والعتاد حين كانت الحرب لاتزال مستعرة، الا أن العون وحده كان أبعد ما يكون عن سد الحاجة بما يكفي لقلب موازين القوى وعكس مسار الحرب. ففي لجة الحرب فقدت الجمهورية العربية المتحدة نحو ثلثي طائراتها المقاتلة وأربعة أخماس طائراتها القاذفة، ونصف عدد دباباتها، وفقد السوريون معظم طائراتهم المقاتلة وربع عدد دباباتهم ولم يفقد العراقيون والجزائريون سوى كميات ضئيلة من العتاد والمواد. وكان بيان مؤتمر موسكو بتاريخ 10 يونيو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، وأما الزيارات اللاحقة الرفيعة المستوى، والتطمينات بمواصلة الإمداد بالعون العسكري، فكانت عاملاً بالغ الأهمية في مساعيهم لاستعادة نفوذهم وتأثيرهم في العرب.
وصعقت الهزيمة العرب واستولى عليهم الذهول والإحساس بالصدمة، وأحرق قلوبهم الشعور بالذل والهوان، فاتقد سخطهم العارم، وفتشوا عن أكباش فداء فعثروا على ضالتهم في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي الدول التي قالوا إنها ساعدت "اسرائيل" وفي بعض قادتهم لا سيما العسكريين الذين اتهموا بأنهم خذلوهم.
هامش: نشر ناصر استقالته الرسمية يوم 9 يونيو، وفي نفس الوقت قدم كل من المشير عامر، قائد القوات المسلحة، ووزير الدفاع شمس بدران استقالتيهما، كما حذا حذوهما 11 قائداً عسكرياً من أصحاب الرتب العالية إلا أن ناصر سحب استقالته لاحقاً، غير أن الآخرين لم يسلكوا هذا المنحى.
وعبّر العرب عن غضبهم من السوفييت وأعربوا علانية عن شعورهم بالإحباط جراء ما نالهم من هزيمة، في الصحافة وفي مجالسهم الخاصة، وكان من بين أشد من أفصحوا عن سخطهم لهجة الرئيس الجزائري بومدين، الذي فكر على ما يبدو في وقت من الأوقات بالإيعاز لكافة الطلبة الجزائريين الذين يدرسون في الاتحاد السوفييتي بالعودة إلى وطنهم. وفي 12 يونيو طار بومدين إلى موسكو، حيث ذكرت التقارير أنه هاجم السوفييت لاخفاقهم في مد يد العون، وجرى تذكيره بمخاطر الحرب النووية، وسكن السوفييت غضبته بشكل ما، وهدأوا من روعه بوعود أطلقوها بمواصلة الدعم وتقديم المساعدات. وزار الرئيس السوري نور الدين الأتاسي موسكو بعد برهة وجيزة من الحرب وأطلق اتهامه بأن السفير السوفييتي في دمشق كان قد وعد في ثاني أيام الحرب بالإمداد "بعون عسكري تقني" ولم يف به السوفييت من بعدها، ولم يقدموا مثل هذه المساعدات لسوريا، وذكرت التقارير أن السوفييت ردوا بأن الوضع العسكري كان قد تطور بسرعة مذهلة لدرجة أن برنامج العون السوفييتي ترنح واختل توازنه.
ولكن أصوات تيار العرب المناوئين للسوفييت التي تعالت في الأيام القليلة الأولى ما لبثت أن خفتت بسرعة نسبياً، ربما بسبب إدراكهم لمدى الاحتياج للعون السوفييتي، ولضرورة استمرار هذا الدعم، ولطف هذا الاتجاه لهجة الصحافة، وخلت المقالات التي نشرت بعدها من النبرة الحادة الانتقادية المعادية للسوفييت (ثمة حذف هنا) وفي اليوم ذاته سلم محمد بوضياف لعبد الناصر رسالة مهمة من الحكومة السوفييتية. ويحتمل أن تكون الرسالة قد اشتملت على وعود بدعم سوفييتي إضافي. (هامش: كان للنقمة العربية أن تتواصل، في الحقيقة وتشتد لردح طويل من الزمن، غير أن الانتقاد العلني الصريح توقف على أية حال نظراً للحاجة إلى عون السوفييت.
وكان من بين أهم السبل التي اتخذها السوفييت في خضم مساعيهم لإطفاء غضب العرب وتهدئتهم تلك الجولة التي قام بها الرئيس السوفييتي بودجورني حيث يطاف بالعواصم العربية في أواخر شهر يونيو. ووصف بودجورني ذاته تلك الرحلة بأنها "مهمة تهدئة". ولا شك أنه تقدم بتطمينات وأطلق وعوداً بدعم متواصل سواء منه العسكري أو الاقتصادي إلا أن مقدار هذا الدعم وكميات المساعدات وحجم التعويضات (إن كان ثمة أي تعويضات) لم يكن جلياً. ويبدو من المحتمل أن السوفييت الزموا أنفسهم في تلك الآونة باستبدال العتاد والمعدات المصرية والأسلحة التي دمرت أو فقدت في الحرب على الأقل. وعلى ما يبدو، لم تكن المحادثات بين ناصر وبودجورني في سلسة المأخذ لينة بشكل كامل فجرى إرجاء التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن جميع القضايا (ثمة مقطع محذوف هنا).
وعاد بودجورني فعلاً إلى موسكو قبل زيارة سوريا. وزيارته لسوريا ربما كانت بوجه خاص غير مرضية. والمذكرة التي صدرت بعد هذه الزيارة كانت أكثر بروداً مما اتسمت به تلك التي أعقبت زيارته لكل من القاهرة وبغداد. 0هامش: لم تزد القاهرة على مجرد القول إن محادثات رسمية قد أجريت وأن بودجورني أعرب عن امتنانه العميق لما حظي به من حسن الضيافة. وأما بغداد فأكدت على روح الصداقة والتفاهم التي سادت أجواء اللقاءات). (مقطع محذوف هنا) كان السوريون جد منزعجين من (حذف آخر هنا)، وحث بودجورني على انتهاج أسلوب هادئ، ونصح السوريين بألا يفكروا باستئناف فوري للعمليات العدائية. وقيل إن وعده بالمساعدات لدعم استئناف الحرب في نهاية المطاف إنما كان لقاء طلب إقامة قاعدة بحرية في سوريا، وقيام السوفييت بإدارة وتوجيه القيادات التقنية. (ثمة حذف هنا)، التي كان السوفييت يطالبون بها (مقطع محذوف هنا) فإذا كانوا يبتغون قواعد ويطلبونها فإنهم لم يفلحوا في تحقيق بغيتهم لأنه على الرغم من أنهم منحوا بصورة متزايدة سبلاً لبلوغ الموانئ العربية فإنهم لم يمكنوا من إحكام سيطرتهم على أي مرافق موانئ، واتخذ الخبراء التقنيون السوفييت والمستشارون مواقع لهم ورابطوا في سوريا فيما بعد، إلا أنه ينبغي القول إنه حتى في هذه الحالة، من المستبعد جداً أن يكون هؤلاء المستشارون قد منحوا سلطات قيادية آمرة في هذه المواقع التي عملوا فيها.

18. الجهود لاسترداد المكانة الدولية

احتل هدف استعادة مكانتهم الدولية المرتبة الثانية في لائحة غايات السوفييت المباشرة والعاجلة في أعقاب نكستهم في يونيو/حزيران، وفي 13 يونيو طلب جروميكو في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للنظر في الوضع في الشرق الأوسط. وبحث قضية "تصفية آثار وعواقب العدوان" "الاسرائيلي" على الدول العربية، والانسحاب الفوري للقوات "الاسرائيلية" إلى ما وراء خطوط الهدنة. وكان هذا عكس الموقف السوفييتي التقليدي المعهود المتمثل في التأكيد على مجلس الأمن، ولربما استند هذا النهج الجديد إلى توقعات بأن تكون الجمعية العامة أداة أكثر تعاطفاً وواسطة تتيح أرضاً خصبة للأغراض الدعائية. (هامش: أخفق مجلس الأمن في 14 يونيو/ حزيران في تبني مسودة قرار تقدم به السوفييت يشجب "اسرائيل" ويطالبها بسحب قواتها إلى ما خلف خط الهدنة). (مقاطع محذوفة في هذه الفقرة).
وفيما بلغ نشاط حملة السوفييت المباشرة بعد الحرب لاستعادة ثقة العرب ذروته بجولات بودجورني وتطوافه في عواصم الشرق الأوسط، كذلك وصل زخم التحرك لاسترداد المكانة في العالم إلى نقطة عالية بوصول رئيس الوزراء السوفييتي كوسجين إلى الأمم المتحدة في 17 يونيو. وفي التاسع عشر من يونيو خاطب كوسجين الجمعية العامة في الأمم المتحدة. وكرر اتهامات السوفييت ل"اسرائيل" بإعداد خطة لمهاجمة سوريا في منتصف مايو، كما هاجم الدعم الامبريالي ل"اسرائيل" ووجه اتهامات بأن المناورات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة والأساطيل البريطانية عشية الحرب فسرتها "اسرائيل" على أنها تشجيع لها على العدوان. وهاجم كذلك الولايات المتحدة لوقوفها في وجه قرار لمجلس الأمن يدعو لانسحاب فوري للقوات "الاسرائيلية" إلا أنه نأى بنفسه عن توجيه أي اتهام ضمني لتورط أمريكي وبريطاني مباشر في الحرب، وأكد على مخاطر اندلاع حرب عالمية، قال إنها ستكون نووية إذا نشبت، وفي تصريح له لم تورده نشرة محلية بثت من موسكو لاحقاً، قال كوسجين إنه ينبغي على الدول قاطبة الامتناع عن زيادة الوضع تعقيداً.
بعد ذلك قدم كوسجين مسودة قرار الاتحاد السوفييتي التي اشتملت على أربعة بنود:
1- إدانة أعمال "اسرائيل" العدوانية ومواصلة احتلالها لأجزاء من أراضي الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والأردن.
2- الانسحاب الفوري غير المشروط لجميع القوات "الاسرائيلية" من المناطق المحتلة إلى مواقع خلف خطوط الهدنة.
3- دفع "اسرائيل" تعويضات كاملة عن الأضرار التي نجمت عن عدوانها.
4- اتخاذ مجلس الأمن لإجراءات فورية فعالة لإزالة كافة آثار وعواقب العدوان "الاسرائيلي".
والتقى كوسجين الرئيس جونسون في جلاسبورو يوم 23 يونيو، ثم مرة أخرى في 25 يونيو، ثم عقد مؤتمراً صحافياً لمناقشة تلك الاجتماعات، وألمح إلى مرونة سوفييتية في تصريحه الذي ذكر فيه أنه يمكن لمجلس الأمن بعد الانسحاب "الاسرائيلي" أن يدرس كل القضايا الأخرى التي استجدت في الشرق الأوسط. وحذفت النسخة التي أوردتها وكالة "تاس" من المؤتمر الصحافي هذه العبارة، إلا أنها قالت ببساطة إن جميع "الحلول" الأخرى (أي ما عدا الانسحاب) للأزمة كانت غير واقعية وغير عملية. (هامش: سوف نتطرق لاحقاً لمناقشة اختلافات القيادة بشأن الشرق الأوسط). وستكون الصيغة التي ارتآها كوسجين هي أساس اقتراح السوفييت في يوليو من عام 1967 والذي لم يجر التصويت عليه أبداً.



19. تغير في تكتيكات السوفييت

في حين أن الرغبة في استعادة سمعتهم الطيبة في أوساط العرب وحرصهم على ضمان إبعاد الصين عن المنطقة كانت هي الدوافع التي تحرك السوفييت لمواصلة دعمهم النشط الفاعل للراديكاليين العرب مع أنهم شهدوا أيضاً النتائج المدمرة لتلك السياسة وما أدت إليه في يونيو. غير أن السوفييت حاولوا على أي حال مسايرة وتأييد طرفي المشكلة. وواصلوا الإمداد بكميات ضخمة من المساعدات العسكرية منها والاقتصادية. إلا أنهم حاولوا أيضاً تعزيز سيطرتهم على استخدامها وتشديد الضوابط وزيادة القيود المتعلقة باستخدام الأسلحة وإضافة إلى ذلك فإنهم سيخففون من دعمهم للتيار الراديكالي العربي.
وعكس تحفظ السوفييت السياسي رغبة ملحة في تجنب تكرار حرب يونيو. وأوضح السوفييت وقتها للعرب بكل جلاء أنهم لن يهبوا لمساعدتهم في حال تجددت الأعمال العدائية. وهذا التحول من موقف يكتنفه الغموض إلى حد ما إلى موقف محدد المعالم حدث في أوائل يوليو. واجتمع قادة أوروبا الشرقية من 10 إلى 12 يوليو/ تموز في بودابست وذلك باستثناء زعماء رومانيا، ووعدت مذكرتهم باستمرار الدعم، إضافة إلى "خطوات تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية العربية". ولم تشتمل على تهديد ضمني باتخاذ الدول الاشتراكية إجراءات في حال تجددت الأعمال العدائية. (هامش: إضافة إلى ذلك فإنه وفقاً لإحدى وثائق الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي أعدت في أكتوبر من عام 1967، لتوزع على الوفود التي تحضر احتفالات ذكرى نوفمبر السنوية في موسكو، فإن المؤتمر قرر أيضاً أن ثمة حاجة إلى أن يتبنى العرب موقفاً أكثر واقعية وأن يتم اتخاذ خطوة فورية بحيث تصاحب المطالبة بانسحاب "اسرائيلي" فوري صيغة لإنهاء حالة الحرب).
وخلال الفترة ذاتها كان القادة العرب يجتمعون في القاهرة ويبذلون جهداً لوضع خطة ونهج مشترك. (هامش: في 11 يوليو التقى كل من بومدين وناصر وحسين في القاهرة، إلا أن التقارير ذكرت أنهم عجزوا عن التوصل إلى اتفاق حول خطة مشتركة، وفي اليوم التالي التقى بومدين في دمشق بالقيادة السورية وأصدروا بياناً يعد بمقاومة التنازل. وفي هذه المرة كان الملك حسين يحاول مساندة مؤتمر قمة عربية، يكون معتدلاً في نهجه، وكان السوريون والجزائريون معارضين، وكانت الجمهورية العربية المتحدة مترددة. وفي 23 يوليو/تموز اشار عبد الناصر إلى أن الجمهورية العربية المتحدة سوف تحضر مؤتمر قمة عربية).
وذكر أن السوفييت أبلغوا هذه "القمة المصغرة" أن على العرب ألا ينتظروا تدخلاً عسكرياً سوفييتياً إذا استؤنفت الأعمال العدائية، رغم أن المعونة والدعم الدبلوماسي سوف يتواصلان. ولن يتدخل الاتحاد السوفييتي مباشرة إلا في حال حدوث تدخل أمريكي سافر "لا لبس فيه" (وهذا سيقرره السوفييت). (يوجد حذف هنا). كما اقترح السوفييت كذلك خطة تسوية، وإذا قبل العرب ضمناً بوجود "اسرائيل" كدولة وإنهاء حالة الحرب، فسوف يتدخل الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة للضغط على "اسرائيل" لكي تتخلى عن "معظم" الأراضي التي تم احتلالها أثناء الحرب.
وبالإضافة إلى المشاورات والاتصالات على أعلى مستوى، كان العديد من الوفود العسكرية يسافر جيئة وذهاباً في محاولة لتحديد أولويات وشروط المعونة. (هامش: كان النائب الأول لوزير الدفاع السوفييتي زاخاروف في القاهرة من 20 يونيو/حزيران إلى 1 يوليو/تموز. وفي أواخر يونيو/حزيران التقى وزير الدفاع الجزائري مع بريجينيف وجريتشكو، وفي أوائل يوليو/تموز أمضى وكيل وزارة الدفاع السوفييتية بافلوفسكي عدة أسابيع في الجزائر. كما وصلت بعثات عسكرية سوفييتية إلى سوريا بعيد الحرب. وفي 14 يوليو/تموز التقى جريتشكو مع وفد عسكري من الجمهورية العربية المتحدة برئاسة رئيس الأركان عبدالمنعم رياض، وفي أواخر يوليو/تموز التقى عضو المكتب السياسي السوفييتي مازوروف مع وفدين عسكريين عراقي وسوداني). وقد جرت الإشارة إلى عدم قناعة العرب بعروض المعونة السوفييتية بعد زيارة بودجورني إلى سوريا في أوائل يوليو. وفي حوالي أواخر ذلك الشهر بدأت بوادر التبرم المصري في الظهور. وعندما زار رئيس الأركان المصري رياض موسكو في أواخر يوليو، وذكر أن السوفييت قدموا اقتراحاً مضاداً لاقتراحه، وعرضوا أقل مما كان المصريون يتوقعون. وقيل إن رياض أشار إلى أن السوفييت لم يكونوا مستعدين أن يفعلوا أكثر من تقديم بدل عما تم فقده، وقال إن السوفييت أيدوا طرد "اسرائيل" من سيناء ولكنهم لن يساندوا حرباً لتدمير "اسرائيل"، وذكر مصدر آخر ان السوفييت وعدوا بتقديم ما يكفي فقط لأن تدافع الجمهورية العربية المتحدة عن نفسها.


20. تسهيلات بحرية للسوفييت في مصر وسوريا

تباينت التقارير التي تحدثت عن الشروط التي طلبها السوفييت نظير المعونات. وذكر بعض المصادر أن السوفييت وافقوا على تقديم بدل عن المواد التي فقدت من "دون زوائد". ولكن من الواضح أنهم كانوا يضغطون للحصول على أمور معينة مقابل المعونة.
وكان أوضح شرط طولب به وووفق عليه هو وضع مستشارين سوفييت ضمن القوات المسلحة العربية، وبدأ المستشارون السوفييت بالوصول فوراً تقريباً إلى الجمهورية العربية المتحدة. ووصلوا في وقت متأخر عن ذلك إلى حد ما إلى سوريا والجزائر، ولعل ذلك يعكس رد فعل سوريا سابقاً على زيارة بودجورني (يوجد حذف هنا). قد ذكر أنه كان قد تم في أواخر شهر يونيو/ حزيران الحاق نحو 100 ضابط سوفييتي بجيش الجمهورية العربية المتحدة على مستوى الفرقة، وأنهم كانوا يسببون التنافر في جيش هذه الدولة.
وفي أواخر يونيو/ حزيران قال عبد الناصر ل (يوجد حذف هنا): للمرة الأولى تم دمج الخبراء السوفييت بالهيكل العضوي لجيش الجمهورية العربية المتحدة على أدنى مستوى، وأنا آسف بشأن ذلك، ولكني كنت مضطراً لفعله.
الشرط السوفييتي الثاني الذي طالما تردد في التقارير، كان امتلاك قوات بحرية في البحر المتوسط. ومثل هذه القوات مهمة كي يحتفظ السوفييت بأسطول ضخم في البحر المتوسط، فقد كشف السوفييت في عام 1967 عن نيتهم القوية بأن يصبحوا ويبقوا قوة كبيرة في البحر المتوسط. (هامش: بدأ السوفييت في بناء أسطولهم في البحر الأبيض المتوسط بعد الحرب بفترة قصيرة. وفي أواخر يونيو/ حزيران، قاموا بإرسال أولى سفنهم عبر البوسفور باتجاه البحر الأبيض المتوسط، وفي منتصف يوليو/ تموز بدأت موسكو الاتصال المباشر مع سفنها الحربية المتمركزة هناك. واستمر نمو الأسطول السوفييتي خلال العام). وفي نفس الوقت، جعلت إدانة السوفييت لوجود قواعد غربية في المنطقة، المطالبة بامتلاك قواعد خاصة بهم أمراً محرجاً. وخلال مناقشاته مع الملك حسين في أوائل يوليو/ تموز، قال عبد الناصر إنه على استعداد لتوقيع معاهدة دفع مع السوفييت والسماح لهم بإنشاء القواعد التي يرغبون فيها في الجمهورية العربية المتحدة. وهذا التصريح مشكوك فيه إلى حد ما، باعتبار أنه ينسف جهود عبد الناصر (الذي ربما افترض أن الغرب سوف يحصل على هذه المعلومات) الرامية إلى دفع الغرب إلى السعي من أجل الحصول على امتيازات في محاولة لمنع مثل هذا الوجود السوفييتي. (يوجد حذف) أفادت تقارير بأن عبد الناصر رفض طلباً من بودجورني وزاخاروف للسماح بإقامة منشآت بحرية سوفييتية، ولكنه وافق على فكرة توسيع المنشآت البحرية الحالية. في 10 و11 يوليو/ تموز، رست السفن السوفييتية في مينائي الاسكندرية وبورسعيد في إطار زيارة لمدة أسبوع، ربما لاظهار دعم السوفييت للعرب، وكذلك استثمار التصريح الجديد لهم باستخدام التسهيلات الموجودة هناك. في 12 يوليو/ تموز أفادت صحيفة "الجمهورية" المصرية بأن الجمهورية العربية المتحدة منحت الأسطول السوفييتي دعوة مفتوحة للبقاء في مينائي بورسعيد والاسكندرية قدر ما يشاء. ومنذ ذلك الوقت، واصلت سفن الاسطول السوفييتي زياراتها للميناءين، وكذلك ميناء اللاذقية في سوريا.

21. موقف أكثر مرونة في الأمم المتحدة

بالإضافة إلى تعديل السوفييت سياسة الدعم التي ينتهجونها ازاء العرب، بحث هؤلاء على ضبط النفس، وبفرض شروط على المساعدات، بدأ السوفييت في يوليو/ تموز التحرك نحو موقف أكثر مرونة في الأمم المتحدة. وكان موقفهم، كما بدا في مؤتمر بودابست من 10 12 يوليو/ تموز، يقوم على ضرورة اتخاذ العرب موقفاً أكثر واقعية، وأن المطالبات بانسحاب "اسرائيلي" فوري ينبغي أن يلحق بها صيغة لإنهاء حالة الحرب.
وبعد أن حقق السوفييت أغراضهم الدعائية مع العرب، اسقطوا الحل المتشدد الذي اقترحه كوسيجين في 19 يونيو/ حزيران، ومنحوا مساندتهم لقرار لدول عدم الانحياز برعاية يوغسلافيا، وكانت مسودة هذا القرار أكثر اعتدالاً إلى حد ما من قرار السوفييت.
ففي حين دعا إلى الانسحاب الفوري لجميع القوات إلى ما وراء خط الهدنة بإشراف الأمم المتحدة، لم يطالب بإدانة "اسرائيل"، ولم يدعُ إلى دفع تعويضات، واقترح في حال حدوث الانسحاب، أن يقوم مجلس الأمن بدراسة "جميع جوانب الوضع في المنطقة". وبالإضافة إلى ذلك، طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يعين ممثلاً شخصياً عنه للعمل على الامتثال للقرار. وفي 3 يوليو/ تموز أطرى جروميكو القرار وشجب أي نهج آخر. ولكن القرار أخفق في اجتياز التصويت في 4 يوليو/ تموز 1967.
هامش: تدارست الجلسة الطارئة لمجلس الأمن سبع مسودات قرارات وتبنت اثنتين منها وفشل جميع ما عداها في الحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة. وقد دعت المسودة الأمريكية، التي فشلت في المرور شأن المسودة السوفييتية، إلى إجراءات متفاوض عليها بمساعدة طرف ثالث، قائمة على خمسة مبادئ، هي: الاعتراف المتبادل بالاستقلال السياسي وسلامة الأراضي لجميع الدول في المنطقة، الاعتراف بالحدود، مترافقاً مع فك الاشتباك والانسحاب، حرية التعبير عبر الممر المائي، حل عادل لمشكلة اللاجئين، الاعتراف بحق جميع الدول المستقلة في العيش بسلام وأمان. ودعا القراران اللذان تم تمريرهما إلى تبني المبادئ الإنسانية، ودعا "اسرائيل" إلى عدم اتخاذ أي إجراء لتغيير وضعية مدينة القدس.
وفي منتصف يوليو/ تموز أشار السوفييت إلى رغبتهم في بذل المزيد من التنازل بشأن قرار للأمم المتحدة (يوجد حذف هنا). وتشير تقارير أخرى إلى أن السوفييت، بينما لم يضمّنوا للمرة الأولى وعداً باتخاذ إجراء متبادل مقابل انسحاب "اسرائيلي"، لم يضعوا الانسحاب وإنهاء حالة الحرب على مستوى واحد. وبدلاً من ذلك طالبوا بانسحاب "اسرائيلي" تحت اشراف الأمم المتحدة، وإحالة المسألة العربية "الاسرائيلية" إلى مجلس الأمن، الذي يمكن الافادة منه في البت بقضايا تتعلق بإنهاء حالة الحرب، وحرية المرور عبر الممرات المائية الدولية، ومشكلة اللاجئين.
(يوجد حذف هنا) أن المصريين والعراقيين كانوا قد وافقوا على اقتراح المسودة السوفييتية. ولكن بومدين والسوريين أصدروا بياناً في 12 يوليو/ تموز يعدون فيه بمقاومة أي تنازل. ولم يتمكن السوفييت من تغيير رأي بومدين عندما زار موسكو في منتصف يوليو/ تموز، وهكذا هيمن العرب الراديكاليون. ولم يقدم الاتحاد السوفييتي مسودته أبداً، وفي 21 يوليو/ تموز، تم إرجاء الجلسة الطارئة للجمعية العمومية.
وهكذا حشر السوفييت أنفسهم في الزاوية، بتقييد حريتهم في المناورة في الأمم المتحدة. وعكست دعوتهم المبدئية إلى عقد جلسة للجمعية العمومية، رغبتهم في عقد منتدى دعائي علني. وفي يوليو/ تموز عندما أصبحوا أكثر جدية في جهودهم المبذولة للتوصل إلى قرار وسط من الأمم المتحدة، وجدوا أنفسهم واقعين في اسار إشكالية ما، ففي الجمعية العمومية، حيث لكل دولة عربية صوت، يتعين على السوفييت من أجل امرار قرارهم، أن يعارضوا العرب الراديكاليين، بفاعلية وفي العلن.
وكانوا لايزالون غير راغبين في فعل ذلك. وقد ورد التعبير عن تبرمهم من قبيل العديد من الشخصيات السوفييتية على مستوى عال في أواخر يوليو/ تموز. (يوجد حذف هنا). كما أن بونوماريف أثناء لقائه مع الشيوعيين الإيطاليين في أواخر يوليو/ تموز، انتقد العرب بشدة، ودعاهم بالمتعصبين وغير المنطقيين.



22. تيارات متقاطعة في القيادة السوفييتية

بينما خلقت الحرب توترات حادة في التحالف السوفييتي العربي، وإن تكن معتدلة، أنتجت كذلك ضغوطاً في السياسات الداخلية السوفييتية. وفي مرحلة ما، تعرض حتى أداء كبار القادة في الأزمة إلى هجوم سافر. ويبدو أن ذلك الهجوم يعكس وجهات النظر في عنصر كان ينتقد الحذر الذي اتسمت به تحركات السياسة الرسمية في الأزمة. وقد ظل مثل وجهة النظر تلك، أثناء الأزمة وبعدها، خارج الإجماع في القيادة بل كانت في الحقيقة مرفوضة من قبلها بثبات. ولكن، ضمن الإجماع الذي كان يعارض التورط المباشر في الأزمة ولكنه يحبذ استمرار مساندة العرب، كان يمكن مشاهدة خلافات بشأن مدى مثل ذلك العون في المستقبل، بالإضافة إلى مواقف مرنة إلى هذا الحد أو ذاك، تتعلق بتسوية سلمية للنزاع. ولم يكن العرب المتشددون وحدهم الذين كانوا يشكلون عامل تعقيد في عملية صنع السياسة السوفييتية، بل يضاف إليهم غياب الإجماع التام ضمن فئة كبار الزعماء السوفييت.

23. حماية ييجوريتشيف

دعت وجهة النظر المطالبة بالتدخل المباشر، والتي (يوجد حذف هنا) جرت دراستها من قبل بعض القادة ولكنها استبعدت، إلى القيام بمجازفة عسكرية محدودة، وتحدي الولايات المتحدة في الأزمة بحذر. وسواء تم تقديم مثل وجهة النظر تلك، أم لم يتم في المكتب السياسي خلال ذروة الأزمة عندما اجتمعت تلك الهيئة في جلسة عادية، فإنها ربما تكون قد طرحت من قبل رئيس الحزب في موسكو ييجوريتشيف عندما تحدث إلى اللجنة المركزية التي دعيت إلى الانعقاد برمتها بعد حرب يونيو/ حزيران لكي تصادق على أعمال المكتب السياسي في الأزمة، وحسب بعض التقارير، انتقد القيادة بسبب افتقارها إلى القوة والحزم أثناء الأزمة، وعلى الرغم من أنه عانى بسبب طيشه، بفقدان منصبه، يبدو من غير المرجح أن يكون قد رفع صوته لو لم يكن هنالك تأييد لآرائه على أعلى المستويات. وعلى أية حال، تم اجتناب اتخاذ سياسة مجازفة محسوبة، من قبل الإجماع الذي برز في المكتب السياسي أثناء الأزمة.
وفي حين يحتمل أن تكون وجهة نظر أكثر هجومية، قد حظيت ببعض المؤيدين في أوساط المكتب السياسي نفسه، فإنه لا تتوفر أدلة كثيرة تساعد في تحديد أولئك المؤيدين. وبطبيعة الحال، يمكن اعتبار شيلبين، الذي يشتبه في أنه منذ ييجوريتشيف قد عبر عن انتقاد القيادة أثناء الأزمة، عضواً في الزمرة التي تحيط بهذا الزعيم. ولكن هنالك علامات على أن وجهة النظر الميالة إلى القتال، كان لها مؤيدون بين عناصر يقعون على أطراف القيادة الداخلية، وبخاصة في أوساط الجيش. وعلى سبيل المثال كانت مجلة "النجم الأحمر" إحدى المجلات السوفييتية القليلة التي دافعت علناً عن اغلاق الجمهورية العربية المتحدة لمضائق تيران (28 يونيو/ حزيران) وكانت تصر بنوع خاص على دعواتها إلى انسحاب القوات "الاسرائيلية" الفوري وغير المشروط من المناطق المحتلة. وإضافة إلى ذلك، مضى ما يقرب من شهر بعد الحرب، قبل أن يصادق أي زعيم عسكري سوفييتي صراحة على أسلوب السوفييت في التعامل مع الأزمة. وفي 5 يوليو/ تموز فقط، فعل وزير الدفاع جريتشكو ذلك في اليوم الذي قدم فيه بريجينيف أيضاً دفاعاً علنياً شديداً عن سياسة المكتب السياسي أثناء الأزمة.
وقد حمل خطاب بريجينيف في 5 يوليو/ تموز كل سمات الدفاع العام عن السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط، في الماضي والحاضر والمستقبل. وكان ذلك خطابه الأول بعد الحرب، ولعل المقصود منه، كان مواجهة النقد الخارجي والعربي بخاصة والنقد الداخلي. وحاول في البداية أن يجابه الحجج التي تقول إنه كان ينبغي اتباع سياسة أكثر حسماً أثناء الأزمة. وأصر على "صحة" التحركات "النشيطة" التي اتخذتها موسكو لوقف "اسرائيل" وحماية المصالح العربية. ثم مضى بعد ذلك للدفاع عن استمرار الدعم السوفييتي القوي للعرب، وفي حين كان حذراً ازاء القول إن الصراع كان في هذه المرحلة "سياسياً" انسجاماً مع سياسة المكتب السياسي أكد على المطالبة بانسحاب "اسرائيل" من أراض محتلة وأشار إلى العون المادي الذي كان يقدمه الاتحاد السوفييتي إلى العرب. وبينما ألمح إلى جهود حل الأزمة في الأمم المتحدة، أبقى على هدف مهمات بودجورني في الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والعراق، وهي بالتحديد، تعزيز العلاقات وتنسيق العمل المشترك دفاعاً عن المصالح العربية. ولم يتضمن الخطاب سوى تلميح قليل إلى أي مصلحة في التوصل إلى تسوية وسط في المنطقة. وبوجه عام بدا الخطاب دفاعاً عن سياسة موسكو الموالية للعرب. ومن منظور السياسات الداخلية السوفييتية، بدا الخطاب معبراً عن إدراك بريجينيف لخطر تحالف بين الجيش وبين عناصر الحزب، يتضافرون معاً في معارضة السياسة الرسمية في الشرق الأوسط. (هامش: كان الخطاب قد ألقي في تخريج صف دراسي عسكري).


24. إغراق المدمرة "إيلات" عزز شعور عبد الناصر باستعادة مكانة مصر

كان الخطر كامناً متضمناً من قبل في ثنايا قضية يجوريتشيف. وشن يجوريتشيف، رئيس الحزب في موسكو، الذي هو بالتالي شخصية مهمة من بين الرؤساء التنفيذيين في المستوى المتوسط في أوساط الحزب، حملة انتقاد للسياسة الرسمية عندما كان اثنان من كبار مروجيه وأقطابه، بودجورني وكوسيجين، بعيدين عن الوطن ويتوليان تنفيذ تلك السياسة، إذ كان الأول في القاهرة والثاني في نيويورك، في أروقة الأمم المتحدة. وترك هذا الوضع بريجينيف، وهو الركن الثالث في هذا الثالوث الحاكم الذي يتولى تنفيذ السياسة المتبناة والمعتمدة في موسكو ليتحمل وطأة هذا الهجوم غير المتوقع على ما يظهر.
(حذف هنا)
وتظل فحوى الانتقاد الذي صدر عن يجوريتشيف وماهيته بدقة في دائرة الغموض. (مقاطع محذوفة).
هامش:
كان من الممكن ان يلحظ المرء انتقاداً مماثلاً، لكنه صادر عن شخصيات ارتبط اسمها بالإصلاح ولم يعهد عنها انها متشددة في مواقفها، حيث ظهر هذا في مقال في "البرافدا" بتاريخ 17 يونيو/ حزيران بقلم رومياتسيف وبيرلاتسكي وبستروجيف. وفي حين انصب الاهتمام الاكبر بكتاب المقال على بحث الحاجة إلى دراسة اكثر استفاضة وتعمقاً للتيارات السياسية والاجتماعية العريضة، فإنه اشتمل أيضاً على دعوة صريحة إلى تكهنات سياسية أفضل استشرافاً للمستقبل "ولا سيما" في ما يتعلق "بآفاق تطوير علاقات دولية" . والحالة الصارخة التي هي محور الاهتمام والتي يستشهد بها، إنما هي الوضع الذي قاد إلى الحرب العربية "الاسرائيلية" وأدى إلى اندلاعها، وهي حالة لا يمكن للقارئ المطلع الفطن إغفالها.

25. تزايد التوتر

زادت الحوادث الحدودية الكثيرة التي وقعت عند خطوط وقف إطلاق النار في الشرق الاوسط من حدة التوتر العربي "الاسرائيلي" منذ نهاية الحرب، كما زادت من مخاطر اندلاع حرب على نطاق واسع، وتزايدت كذلك باطراد الغارات "الفدائية" العربية التي تشن داخل "اسرائيل" وبحلول اكتوبر/تشرين الأول من عام 1967 ركّزت "اسرائيل" على التحذير من انها ربما تضطر لضرب "مراكز الإرهاب"، وهو تهديد صريح ووعيد لسوريا، وربما انسحب هذا على الاردن، وأفزع التهديد السوريين، الذين كانوا يتوقعون "هجوماً وشيكاً".
(حذف هنا)
في اكتوبر/تشرين الأول ظهرت علائم تدل على أن ناصر كان هاجسه الاكبر الذي سرعان ما تحول إلى طموح متأصل يتطلع إلى استعادة مكانة مصر من خلال توجيه ضربة ناجحة إلى "اسرائيل"، ولربما عكس غرق المدمرة "الاسرائيلية" "إيلات" هذا التوجه وهذا الموقف من جانب ناصر، فإذا كان الامر كذلك، فلا بد ان رد "اسرائيل" الانتقامي قد أجج غضبه، حين قصفت ودمرت مصافي البترول المصرية. كما زاد من سخطه الإعلان عن أن الولايات المتحدة سوف تزود "اسرائيل" بطائرات مقاتلة قاذفة.
ونشر العديد من التقارير في ذلك الوقت، وكانت تتحدث عن ان الموقف المصري آخذ بالتشدد، وبدأت الشكوك تتزايد في القاهرة بشأن احتمال إبرام تسوية سلمية.
وفي العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني ، وصف هيكل، وهو يكتب في "الأهرام" أمر مواصلة الحرب بأنه "حتمي"، إلا أنه احتاط للأمر قليلاً، فاستدرك بأن هذا لايعني بالضرورة ان القتال سوف يستأنف غداً.
وباختصار يتضح انه وخلال الأزمة ربما تشكل إجماع قلق يقوم على رغبة السوفييت في جعل الخسائر في حدها الأدنى وتجنب اي تورط مباشر في الصراع. ومع ان بعض القادة ربما طالبوا باتخاذ اجراء اقوى مما جرى اتخاذه بالفعل، إلا ان الدعم لمثل هذا الامر كان على ما يبدو، ضئيلاً. وعلى اي حال فقد جرى تجاوز الخلافات (في اوساط القيادة السوفييتية)، ومع ذلك عادت الخلافات حول سياسة الشرق الاوسط تطفو بصورة بالغة التفجر في الهجوم الذي شنه يجوريتشيف على التيار السوفييتي المعتدل.
وهكذا اصبح هناك موقف للمتشددين وآخر للمعتدلين، واستمرت الخلافات حول مدى الالتزام الذي يجب القيام به تجاه العرب. ومن المرجح ان هذين الاتجاهين المتعارضين في اوساط القيادة مسؤولان جزئيا عن المسار المتسم بالانفصام للسلوك السوفييتي منذ بدء الحرب، ويشيران ايضا الى امكانية حدوث تغيير في السياسة السوفييتية المتعلقة بالشرق الاوسط.
وعلى الرغم من الخلافات الداخلية، بدأت السياسة السوفييتية تتخذ شكلاً اوضح وتتجلى معالمها في صيف 1967، وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام اكتمل بحق وبصورة واقعية التحول الثاني الذي شهدته السياسة السوفييتية. فأما التحول الأول، ذاك الذي حدث في منتصف عام 1966 فقد أعقب الانقلاب البعثي الراديكالي في سوريا، عكس جوهر القرار السوفييتي بدعم هذا النظام والدفاع عنه ومحاولة تحقيق التقارب السوري المصري. وانطوى هذا التحول على تبني السوفييت نهجاً أكثر نشاطاً وساعد على دفع ناصر لاتخاذ مواقف متشددة أقرب إلى النزعة القتالية والتحول الثاني تبع قرار ناصر نفسه بعد الحرب برفض الجنوح إلى "مواصلة القتال". وهو الموقف الذي اقترن بالسوريين، كما اشتمل هذا التحول على اتخاذ السوفييت قراراً بدعم ناصر، ولو على حساب تنفير السوريين وإقصائهم.
وبدأت الجمهورية العربية المتحدة في أواخر يوليو/تموز وأغسطس/آب بتبني موقف أميل إلى الروح التصالحية تجاه الغرب، وموقف اكثر وداً وحميمية إزاء البلدان العربية المحافظة، وربما كانت جذور العوامل المحفزة التي قادت إلى هذا التحول الثاني ترجع في الشطر الأعظم منها إلى المحنة الاقتصادية التي عانت منها الجمهورية العربية المتحدة، لأن الدول العربية المحافظة ما لبث حكامها ان أطلقوا وعوداً مباشرة بعد الحرب ببذل مقادير ضخمة من المساعدات والعون لناصر. وتحول ناصر من معارض إلى داعم لانعقاد قمة عربية مقترحة كانت قد أقرتها الدول المحافظة (السعودية، الكويت، والأردن) وقاطعها السوريون الراديكاليون، ومنح المؤتمر، الذي عقد في الخرطوم في نهاية اغسطس، ناصر والحسين تفويضاً للسعي من أجل التوصل الى تسوية سياسية، وأسبغ على اقتراح يوغسلافي يلتمس تسوية وصف "متعقل".
هامش:
إلا ان السوفييت استطاعوا في الحقيقة ان يتدبروا أمر الحفاظ على شيء من عنصر الغموض فيما يتعلق باستجابتهم وردهم في حال حدوث تدخل أمريكي في حرب شرق أوسطية. وفي حين بيّن السوفييت بشكل واضح وصريح انه لن يكون هناك تدخل عسكري في حال وقوع اي اعمال حربية عدائية عربية "اسرائيلية"، بينوا ايضا ان الاتحاد السوفييتي يمكن ان يتدخل بشكل مباشر في حال حدث تدخل أمريكي "محدد المعالم" لا لبس فيه، وهو أمر يترك البت فيه للسوفييت.
وفي نهاية المطاف، اختار السوفييت، الذين ارغموا على المفاضلة العلنية ما بين ناصر والسوريين في هذه القضية، ناصر. وتحول السوفييت، الذين ظلوا ينتقدون المؤتمر الى ان صادق عليه ناصر، إلى موقف المؤيد والداعم له، بل وحاولوا حتى في اللحظة الاخيرة (لكن دون إحراز نجاح) إقناع السوريين بالحضور.
وظهر دعم السوفييت لسياسات ناصر بصورة أوضح في ثنايا قرار الاتحاد السوفييتي في اكتوبر/تشرين الأول من عام 1967 الذي تضمن دعم جهود ناصر وحسين من أجل تمرير قرار في الامم المتحدة.
والشروط والبنود التي اتفق عليها الزعيمان العربيان في سبتمبر/أيلول كانت مشابهة لتلك التي اشتملت عليها الخطة التي وضعت في يوليو/تموز ودعمها السوفييت، وكان السوفييت قد سحبوا هذه الخطة عندما رفضها الراديكاليون العرب. وهذه المرة بين السوفييت انهم سيدعمون قراراً بغض النظر عن معارضة سوريا.
واشتملت مسودة قرار التسوية البريطانية التي مررها مجلس الأمن الأممي في نهاية المطاف على بنود وعبارات وشروط كانت الجمهورية العربية المتحدة ترغب بأفضل منها بكثير (على سبيل المثال، لم تحدد تلك البنود أن على "اسرائيل" الانسحاب من كل المناطق التي احتلتها بعد 4 يونيو/حزيران، كما لم تدع لانسحاب "اسرائيلي" فوري. ومع ذلك، وبعد مساومات ومماحكات كثيرة وافق ناصر على ما يبدو على القبول بها، ولكن قبل تبنيها بذل السوفييت محاولة يتيمة اخيرة لتجنب تنفير العرب الراديكاليين وإقصائهم. فعشية التصويت في مجلس الأمن، تقدموا بمسودتهم البديلة التي تدعوا الى انسحاب "اسرائيلي" فوري من جميع المناطق التي احتلت خلال الحرب، غير ان تلك لم تكن سوى إيماءة موحية فحسب، القصد منها تسجيل موقف. وفي اليوم التالي لتقديمها سحب السوفييت المسودة وصوتوا موافقين على القرار البريطاني.
وخدمت الإيماءة السوفييتية غرض منح الراديكاليين العرب بعض التطمينات بخصوص الالتزام السوفييتي بقضيتهم. وأعادت المسودة البديلة التوكيد على الموقف السوفييتي المناصر للعرب، وأناطت بالسوفييت دوراً مؤقتاً أشبه ما يكون بالمعيق أو واضع العقبات في الطريق. فإذا كانت الغاية هي تهدئة السوريين وتليين تشنجهم فإن المسودة لم تحرز نجاحاً يذكر على هذا الصعيد، لأن ردة فعلهم كانت عنيفة إزاء فقرات القرار، وهاجموا السوفييت بقسوة ومرارة لتصويتهم بالموافقة عليها.
وحسبما أوردت التقارير، فإن السوفييت مارسوا ضغوطاً كذلك من اجل اكتساب مرافق وقواعد بحرية في البحر الابيض المتوسط أو حيازة حقوق باستخدام مثل هذه المنشآت ولم يكونوا قد حازوا السيطرة على اي ميناء عربي، وحتى استخدامهم لتلك المرافق كان على أضيق نطاق ممكن، حيث كانت المراكب والقطع البحرية السوفييتية تعتمد أساساً على سفنها المساعدة سواء في الإمدادات أو في الصيانة والإصلاح. غير ان الاسطول السوفييتي كان دائما يمنح حق الوصول الى شتى الموانئ العربية، وكانت السفن الحربية السوفييتية تقوم بزيارة هذه الموانئ بين الفينة والفينة بغاية ظاهرها على ما يبدو التبيان بجلاء ان السوفييت يدعمون العرب ويقفون في صفهم، وبهدف الحيلولة بين "اسرائيل" ومهاجمة هذه الموانئ، ولم تهاجم "اسرائيل" في الحقيقة أياً من هذه الموانئ، لكن الامر يظل رهن التكهنات والحدس لحسم مسألة ما اذا كان "إحجام" "اسرائيل" عن ضرب تلك الموانئ له أي صلة بالوجود السوفييتي على الإطلاق.
وازدادت شحنات السوفييت من العتاد العسكري الى العرب وتكثفت في الفترة التي أعقبت الحرب مباشرة وخلال ما تلاها من الشهور. وعلى ما يبدو، وعد السوفييت بأن يعجلوا إلى حد كبير عملية تعويض العتاد الذي فقد في الحرب واستبداله بأسلحة وتجهيزات جديدة، وتم إنجاز هذا على ارض الواقع. ومنذ صيف عام 1967 انتظم تدفق هذه الشحنات ليستقر عند معدل مطرد بثبات الى حد ما، واستردت حملات إعادة الإمداد وبرامج التدريب القدرات العربية فرجعت بها الى المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب على الاقل.
وعلى نحو مشابه اتجه موقف السوفييت تجاه الفدائيين الى ان يزيد، لا ان يخفف من التوتر، فعلى الرغم من مخاطر قيام "اسرائيل" بعمليات ثأرية حربية كبرى، ظل السوفييت وبصورة متزايدة يتحاشون، بل ولا يقبلون استثارة نفور الفدائيين، ويتجنبون حدوث جفوة بينهم وبين الفدائيين، ونتيجة لذلك كانوا يزودونهم بشكل غير مباشر ببعض العون، الذي كان في معظمه على شكل أسلحة خفيفة ومعدات، وفي النصف الثاني من عام 1969 بدأ الإعلام السوفييتي يسلط الضوء على دعم السوفييت للفدائيين وينشر على الملأ تقارير عن نشاطات رجال حرب العصابات.
وفي نهاية عام 1969 أظهرت البيانات التي صدرت عن شخصيات في المكتب السياسي ان تياراً جديداً يحبذ تقديم مساعدة أكبر وأجدى للفدائيين العرب، قد أخذ ينبثق في صفوف القيادة السوفييتية واعتراف السوفييت بالفدائيين بصفتهم قوة يحسب حسابها ولا يمكن الإغضاء من شأنها يعكس الواقع السياسي وحقيقة الوضع آنذاك، فمنذ حرب يونيو تحول الفدائيون الى عامل بالغ الاهمية في الشرق الاوسط.
وتزايد الوجود السوفييتي العسكري الفعلي في الشرق الاوسط بشكل كبير منذ الحرب. وجرى تعزيز الاسطول البحري السوفييتي في البحر المتوسط وتقويته بشكل كبير خلال عام 1967، إلا ان هذا المستوى استقر على حاله من بعدها. وبعد الحرب نشر السوفييت أعداداً كبيرة من الخبراء والتقنيين والمستشارين ليرابطوا في كافة الأفرع والمجالات العسكرية داخل القوات المسلحة لكل من الجمهورية العربية المتحدة وسوريا بهدف رفع المستوى المعياري القتالي وتعزيز القدرات العسكرية في هذه المؤسسات العسكرية، وثمة عنصر من الحذر والتوقي كامن في هذه السياسة، إذ ان هذه الأطقم البشرية انيطت بها غاية اضافية تتمثل في ممارسة لون من ألوان السيطرة على الاستخدامات التي من اجلها أمد السوفييت العرب بهذه الأعتدة والأسلحة. إلا انه، وعلى الرغم من ان المستشارين السوفييت قد منحوا على ما يبدو درجة عالية من السلطة والهيمنة، لا سيما في عمليات التدريب، الامر الذي أدى الى حزازات كبيرة وخلافات مع العرب، ليس ثمة دليل سواء في الجمهورية العربية المتحدة أو سوريا على تمتع السوفييت بسلطة مهيمنة وقيادة وسيطرة مباشرة، ومن المشكوك فيه انه كان لهؤلاء العسكريين السوفييت من الخبراء والمستشارين والتقنيين مشاركة مباشرة في القتال، وحتى لو حدث ذلك فإن من المشكوك فيه الاعتراف بهذا الأمر.
هامش:
ربما كان الحضور الكبير لأطقم المستشارين السوفييت في سوريا مسؤولاً بشكل جزئي عن إحجام "اسرائيل" عن شن هجمات انتقامية ضد سوريا.
لا انه يمكن ارجاع هذا بصورة أدق الى حقيقة ان السوريين كانوا حذرين بشأن شن هجمات "إرهابية" ضد "اسرائيل" انطلاقاً من اراضيهم، ويحرصون كل الحرص على الحيلولة دون ذلك، وهذا الاحتمال الثاني هو الأرجح، إذ ان "الاسرائيليين" شنوا هجمات انتقامية على مصر على الرغم من وجود المستشارين السوفييت هناك.
ومع ذلك، فإن الوجود السوفييتي الاضافي والمعزز في الشرق الاوسط يزيد من احتمالات تورط السوفييت في صراع مستقبلي. وعلاوة على ذلك فإن هيمنة الاتحاد السوفييتي، رغم وجود مستشاريه على التصرفات والتحركات العربية لم تتعزز إلا بمقدار طفيف جداً عما كانت عليه في مايو/أيار من عام 1967، وناصر كالعهد به دائماً، لا يمكن ابداً التكهن بسياساته ولا توقع تحركاته، وهو مصمم على الحفاظ على الضغط العسكري على "اسرائيل" على طول قناة السويس. وليس ثمة إلا النزر اليسير جداً عن المعلومات التي توحي بأن السوفييت بذلوا أي جهد جاد لكبح ناصر وحمله على ضبط النفس، وهكذا نجد ان السوفييت كانوا مرة اخرى في موقف الالتزام شبه الكامل بالإمداد بالمال والسلاح والرجال والمكانة لحلفائهم العرب دون ان يحصلوا مقابل ذلك على ما يوازي هذا الدعم من مشاركة في صياغة السياسة وصنع القرار.
ومن هنا فإن سياسة الاتحاد السوفييتي في الشرق الاوسط تشبه محاولة الطبخ بطنجرة ضغط من دون وجود صمام أمان يعتمد عليه. فهي من ناحية تسعى لكبح الضغوط التي تؤدي لانفجار الوضع في منطقة الشرق الاوسط، ومن جهة أخرى فإنها تغذي الاسباب المؤدية لهذه الضغوط. ولكن الموقف الذي يميل لسياسة الاعتدال التي ظهرت بعد حرب يونيو/حزيران كان في الآونة الاخيرة من التآكل والتراجع، فتفضيل السوفييت لناصر على السوريين باعتباره أقل تعصباً واكثر عقلانية اصبح متناقضاً ومتعارضاً مع تزايد الروح القتالية المناهضة ل "اسرائيل" عند المصريين في ظل قيادة ناصر بعد حرب حزيران ولعدم استعدادهم لخسارة المكانة التي تبوؤها كطليعة للحركة العربية، عاد السوفييت للتحرك ثانية مع نزعة التطرف العربي التي سادت آنذاك، ومخاطر تلك السياسة أمر مؤكد، ولكن الامر الذي ظل غير مؤكد الى حد بعيد هو هل استطاع السوفييت أم لم يستطيعوا صياغة وسائل فعالة تقود التيار وتوجهه أو تحرفه عن مساره طبقاً لما تقتضيه المصلحة السوفييتية.

***

 
 

 

عرض البوم صور dr_e   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أجهزة المخابرات العالمية, محكمة أمن الدولة, أسرار المخابرات المصرية, المخابرات الألمانية, المخابرات المصرية, المخابرات المغربية, المخابرات الباكستانية, المخابرات العامة الروسية, المخابرات العامة الفرنسية, المخابرات الإسرائيلية, الموساد, البوليس السري النازي, الجستابو, السيكوريتاتيا, جاسوس, جهاز المخابرات الأمريكي, جهاز المخابرات البريطانية, جهاز المخابرات السوفيتية, جواسيس, حقيقة المخابرات المصرية
facebook




جديد مواضيع قسم المخابرات والجاسوسية
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:05 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية