لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > محكمة ليلاس > المخابرات والجاسوسية
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

المخابرات والجاسوسية المخابرات والجاسوسية


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-07-08, 01:00 AM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الحب



البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56979
المشاركات: 4,653
الجنس أنثى
معدل التقييم: dr_e عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 43

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dr_e غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

الفدائيون.. وحركات المقاومة

26. المقدمة

في العنواين التالية من وثائق المخابرات الأمريكية التي أفرج عنها مؤخراً، يتم تناول موضوع الفدائيين وحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث تلقي الأضواء على المراحل الأولى لتأسيس حركة فتح وأسباب انطلاقة العمل الفدائي ضد "اسرائيل" والعمليات الفدائية الأولى، واختيار الأردن كقاعدة لانطلاق العمليات، ثم انتقال الفدائيين إلى سوريا، ومواقف الدول العربية من العمل الفدائي.
كل ذلك في إطار تقارير سرية كانت تجمعها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تلك الآونة وتصنفها على أنها "سرية جداً".

27. عبد الناصر تدخل لدى موسكو لاستقبال عرفات

تأسست فتح التي هي اليوم أهم الجماعات الفدائية، في الخمسينات من قبل الفلسطينيين الميالين للقتال، الذين لم يرضوا عن خمول المنظمات الفلسطينية الأخرى، ويعني اسمها "الغزو والاخضاع" واسمها يتألف من عكس الحروف الثلاثة الأولى في عبارة "حركة التحرير الفلسطيني" (حتف)، وكان زعماء فتح يشعرون أن تردد العرب في المبادرة إلى شن حرب ضد "اسرائيل" ناجم عن الافتقار إلى الإرادة، لا عن الدونية العسكرية، وكانوا يرون ان دور فتح هو دور المحفز، أي رفع درجة التوترات بين العرب و"الاسرائيليين" من أجل إحداث الحرب، وقد تأسس الجناح العسكري لفتح (قوات العاصفة) في يناير/ كانون الثاني ،1964 وفي أوائل سنة 1965 شرع في حملة غارات "تخريبية" ضد "اسرائيل"، (هامش: انتظرت "اسرائيل" حتى مايو/ أيار 1965 قبل ان تقتص للمرة الأولى من العاصفة، وفي ذلك الوقت دمرت قاعدتين للعاصفة في الأردن في محاولة لاجبار الأردن على كبح جماح الفدائيين).
وكانت غالبية مهات العاصفة تنفذ من قبل فرق تتكون الواحدة منها من أربعة أو خمسة أعضاء من العاصفة، كانوا يتسللون إلى الأردن من سوريا، ثم يعبرون إلى "اسرائيل" لتوجيه ضربات سريعة، وفي أواخر سنة 1966، كانت العاصفة تستخدم كذلك من قبل سوريا لتمويه عمليات على الحدود "الاسرائيلية" تنفذها وحدات الجيش السوري وساهمت هذه الزيادة في الغارات عبر الحدود السورية "الاسرائيلية" في رفع درجة التوتر، وأسفرت عن هجوم "اسرائيل" على سوريا في نوفمبر/ تشرين الثاني 1966، وتصعيد التهديدات والتهديدات المضادة، (هامش: في نوفمبر/ تشرين الثاني 1966 هاجمت "اسرائيل" كذلك قرية السموع في الأردن انتقاماً من غارات فتح عبر الحدود) ويطابق هذا السيناريو، السيناريو الذي وضعته حركة فتح.
وذكرت التقارير أن مؤسسي حركة فتح أعضاء في حركة الأخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي، وكلاهما من الجماعات المحافظة التي تقيم علاقات قوية مع العربية السعودية والكويت. وهكذا كانت فتح تنتفع دائماً من الناحية المالية من تبرعات الفلسطينيين الأثرياء في هاتين الدولتين. ولكن، ومما ينطوي على مفارقة إلى حد ما، أن الجهة المنتفعة الرئيسية من فتح في أيامها الأولى، كانت سوريا، احدى أشد الدول العربية راديكالية، ونشأت هذه المفارقة الظاهرية من أن فتح، بينما كانت محافظة سياسياً فيما يتعلق بالقضايا الداخلية في الدول العربية، كانت في الوقت ذاته اكثر الجماعات الفلسطينية من حيث النشاط العسكري المناوئ ل "اسرائيل"، وهذا جعلها جذابة للسوريين.
وخلال أواسط الستينات، وبخاصة منذ استيلاء جماعة بعثية أشد ميلاً للقتال على السلطة في سوريا في فبراير/ شباط 1966، وحتى حرب يونيو/ حزيران 1967، كانت سوريا توفر لفتح التدريب، والاسلحة، والاعلام، والمساعدة في التخطيط، وبالاضافة إلى ذلك، رتبت الحكومة البعثية السورية اتصالات بين فتح والصين، وكوبا، وفيتنام الشمالية وأدى ذلك إلى تزويد الصين لفتح ببعض المعدات، والمعونات الطبية والمالية، وحتى بعض التدريب لفتح في هذه الفترة التي سبقت الحرب.
وشهدت حرب يونيو/ حزيران 1967 بداية ابتعاد فتح التدريجي عن الاعتماد على سوريا، وحتى قبل الحرب، كانت فتح تقاوم المحاولات البعثية السورية لفرض السيطرة عليها، وكان من شأن هزيمة سوريا وما رافقها من انحدار في هيبة البعث السوري، بالاضافة الى تصاعد هيبة فتح ذاتها، أن شجعت فتح على ان تنشد الاستقلال، وان تبحث عن العون في مكان آخر، وقد وجدت بالفعل بين الدول العربية، من يرغب في مساندتها ودعمها، طمعاً في الافادة من شعبيتها.
وفي هذه الأثناء، وفي الشطر الأخير من سنة 1967 وأوائل 1968، ذكر أن الوحدات العراقية التي تمركزت في الأردن بعد حرب يونيو/حزيران، كانت تساعد في تقديم المعونات إلى العاصفة في الاردن وفي توفير المساندة العامة، وكان ذلك في غاية الاهمية قبل ان تبني فتح قاعدة مساندة شعبية. وفي أعقاب هجوم "اسرائيل" على بلدة الكرامة، ازدادت شعبية فتح، وانحسرت اهمية المساندة العراقية. (وقد أكد هاني الحسن، الناطق الرسمي باسم فتح في ديسمبر/كانون الأول 1969 ان عدد مقاتلي فتح بعد معركة الكرامة، ازداد من 720 إلى 3 آلاف) ولعل ما أثار اهتمام العراق بدعم فتح، كان إلى حد بعيد فتور علاقات فتح مع النظام البعثي المنافس في سوريا، ورغبة بغداد في بسط نفوذها بين الفدائيين. وذُكر ان العراق وافق في صيف سنة 1968 على طلب عرفات تدريب أعضاء العاصفة في الدفاع المضاد للطائرات.
وكذلك تلقت فتح كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة من الجزائر في خريف 1968. (يوجد حذف هنا) كان هذا عبارة عن قرار اتخذه بومدين لا طلباً من فتح. وفي ديسمبر/ كانون الأول (حذف) ال (حذف) كان قد قال ان الجزائر قد حولت دعمها (بالمال والبعثات الدراسية) من منظمة التحرير الفلسطينية إلى فتح، ولعل هذا التحول كان يعكس تزايد شعبية فتح، إلى جانب تفضيل موقف فتح المستقل على تبعية منظمة التحرير الفلسطينية التي ما تزال تتحكم بها الجمهورية العربية المتحدة.
وفي معرض بحث فتح عن التمويل، تحولت كذلك نحو الاتحاد السوفييتي. وفي 2 يوليو/تموز 1968، قبل مغادرة عبد الناصر في زيارة إلى موسكو، وصل عرفات زعيم فتح إلى القاهرة، وكانت قد تمت تسمية عرفات رسمياً ناطقاً باسم فتح في ربيع سنة 1968، رغم انه كان أحد زعماء المنظمة منذ بدئها، وكان في السابق الرئيس الاقليمي للعاصفة.
ويبدو ان عرفات قد طلب من عبد الناصر حينها ان يتوسط لدى السوفييت لكي يغيروا موقفهم نحو الفلسطينيين، ويفترض انه ربما شعر بأن التضامن العربي الذي يقف خلف الفدائيين ويساندهم قد وهن بسبب الافتقار الى الدعم الشيوعي العربي، مع انه يبدو من الأرجح ان دافع عرفات الأكبر كان الامل في الحصول على مساعدة مادية، ونيل قدر أكبر من الاحترام السياسي، من خلال وساطة عبد الناصر وما يجود به من شفاعة. وعلى أية حال، وافق عبد الناصر وعرفات إما صاحبه أو تبعه إلى موسكو، وكان هناك العديد من التقارير اللاحقة عن وعود سوفييتية بمد يد العون، وتقديم الدعم، لكن الأدلة على ان السوفييت وفوا بوعودهم أو بأي من مثل هذه الوعود شحيحة جداً. وزعم السوفييت لاحقاً (ثمة حذف هنا) انهم أرسلوا سفينة محملة بالأسلحة إلى فتح عبر الاسكندرية، لكن عرفات أنكر انه تلقى شيئاً من هذا القبيل ونفى تماماً أنه استلمها.
وفرّخ نأي فتح عن نهج توطيد عرى أواصر حميمة مع دمشق بعد حرب 1967، حشداً من المشكلات الجديدة، وعلى كل الصعد، سواءً في التنظيم أو القيادة أو الايديولوجية. وذكرت التقارير انه كان لدى فتح نحو 3 آلاف رجل تحت السلاح من الأعضاء النشطين في خريف عام 1968. وكانت هيئتها التنفيذية العليا بمثابة قيادة عامة تتكون من تسعة أعضاء، وكان القائد الأعلى ياسر عرفات قد انتخب من قبل الأعضاء الآخرين في القيادة.
هامش: المناصب الأخرى في القيادة العامة كانت على الشكل التالي: نائب القائد الأعلى عرفات هاني القدومي، الذي تحددت مهامه في سبتمبر/ايلول من عام 1967 بصفته مسؤولاً عن المالية في الكويت، ورئيس اللجنة العسكرية - فاروق نسيبة، ورئيس اللجنة المالية، ومحمد قطان، قائد الفرع اللبناني من فتح، ومدير فرع بيروت من البنك الإفريقي العربي، ورئيس التنسيق - خالد الحسن، قائد فرع فتح في الكويت، ورئيس التنظيم خالد الحسن، قائد فرع فتح في الكويت، ورئيس التنظيم وليد الخالدي، بروفيسور الفلسفة في الجامعة الأمريكية في بيروت، ومنظر فتح الايديولوجي، ورئيس الشؤون الاعلامية - عمر إسماعيل الخطيب، قائد فرع فتح في الاردن، ورئيس شؤون الأفراد - زهدي الخطيب، وقائد فرع فتح في العراق، ورئيس لجنة الاستخبارات عبدالرحمن بركات.
وفي بداية عام 1968 ذكرت التقارير أن فتح نقلت مقر قيادتها العامة من دمشق الى عمان، وافتتحت في ذلك الصيف عدداً من المكاتب الاقليمية، وكان لدى المكاتب الفرعية للحركة في الجزائر وبغداد والقاهرة ودمشق أقسام لـ "الدعاية والإعلام" لكل منها، وكانت مسؤولة عن الصلات مع الصحافة، كما جرى التخطيط لإقامة قسم عسكري لكل مكتب من هذه المكاتب.
وبحلول خريف عام 1968 بات واضحاً ان فتح كانت أقوى جماعات الفدائيين على الاطلاق، وبهامش تفاوت كبير، على صعيد أعداد المقاتلين والمالية والعمليات، والدعم الشعبي في البلدان العربية.
هامش: (يوجد حذف هنا) في فبراير/شباط من عام 1969 كان لفتح حينها 75 قاعدة في الاردن، وفي كل منها نحو 30 فدائياً في المتوسط، وكان لها قاعدتان في سوريا، في كل منهما نحو 150 فدائياً وثلاث قواعد في لبنان، في كل منها 200 فدائي.
وتجلى نجاح فتح في رغبة حشد كبير من الدول العربية في دعمها، وفي قدرتها على اجتذاب المنظمات الأصغر حجماً لتندمج معها.
هامش: ضمت هذه "جبهة فلسطين الثورية" و"طلائع الفداء" والأرض، وهي داخل "اسرائيل" ومسؤولة عن كثير من العمليات داخل "اسرائيل".
وبرزت أوجه ضعفها في حقيقة أنها كانت جماعة مشرذمة ليس لها برنامج راسخ الأركان وتفتقر الى الانسجام والتماسك، ناهيك عن أن الشقاق الحزبي نخرها ومزقتها الانقسامات.
في صيف وخريف عام 1968 شهدت فتح سلسلة نزاعات وخلافات ضمن صفوفها، واشتمل الجدل المحتدم بشأنها على قضايا عدة، وكان أحد هذه النزاعات يتعلق بمحاولة الجناح الموالي لسوريا في حركة فتح ابقاء الحركة في المعسكر السوري.
واشتمل خلاف آخر على قضية توحيد المنظمات الفلسطينية وعلى مسألة ما إذا كان على فتح أن تخاطر بخسران بعض مقومات استقلاليتها من أجل توحيد المنظمات. ويبدو من الواضح ان قيادة عرفات للحركة كانت عرضة لهجوم شديد، ولربما شكل الجناح الموالي لسوريا رأس الحربة والعمود الفقري في هذه الهجمة. وتلقى عرفات خلال هذه الفترة عدداً كبيراً من سهام الانتقاد لأسباب شتى: فبعض الأعضاء في فتح هاجموه لصلاته الوثيقة بالحكومات "الرجعية" وبجماعة الإخوان المسلمين، وزعم البعض أنه كان يعمل لخدمة مصالحه الخاصة وأنه كان ينتفع مما تتلقاه فتح من مساهمات، واتهمه آخرون بأنه ينزع الى الدكتاتورية بشكل متزايد وبأنه يرفض توضيح غموض ولغز وفاة صبحي ياسين.
هامش: كان ياسين قائد "طلائع الفداء"، وهي جماعة فدائية ناصرية. وجرى اغتياله في اكتوبر/ تشرين الأول من عام 1968. (يوجد حذف هنا). وكانت فتح هي من اغتاله، لأن لجنة الاستخبارات علمت أن جماعة ياسين لم تنضم الى فتح إلا لغرض واحد، وهو اخضاع فتح للهيمنة الناصرية. ولربما كان مثل هذا الانتقاد الداخلي يعكس بحق النقمة من أن عرفات كان يزداد قوة مع تنامي فتح، إلا أن عرفات برز على أي حال وبصورة متزايدة بصفته الناطق باسم فتح في جميع القضايا المهمة. وفي مقابلة أجرتها معه مجلة "الصياد" بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني من عام 1969 استفاض عرفات في الحديث عن ايديولوجية فتح (أو بالأحرى افتقارها الى الايديولوجية) وكان مما قاله: "ما معنى الهوية الايديولوجية؟ هل تعني أنه ينبغي أن انهض وأدلي بتصريح أقول فيه إنني أؤمن بالماركسية؟ وهل هذا هو الوقت المناسب لتعريف المحتوى الاجتماعي لعضو في فتح؟ وإنني لأقسم بالله العظيم على أنه لا يوجد في صفوف كوادر فتح رأسماليون أو احتكاريون، أو بورجوازيون، ونحن جميعاً، لسنا فقراء فحسب بل قد فقدنا حتى وطننا، فأي معنى لليمين أو اليسار بالنسبة لي وأنا أخوض كفاحي لتحرير وطني؟
وتابع عرفات حديثه فقال: "إن الفلسطينيين هم أكثر شعوب الأرض يسارية، بل هم أشد نزوعا الى اليسارية من الاتحاد السوفييتي ذاته". وكان مما قاله: "الاتحاد السوفييتي يؤيد تسوية سلمية لأزمة الشرق الأوسط ويدعو لهذا ويتقدم بمقترحات من أجل هذه التسوية، ونحن نرفض التسوية السلمية وجميع المقترحات الأخرى.. فهل يفترض أن أمتنع عن المال السعودي وأرفضه لمجرد أن المملكة العربية السعودية يمينية؟ وها أنذا استخدم المال السعودي لشراء أسلحة من الصين. فكيف تصف هذا التصرف؟ أهو اتجاه يميني أم يساري؟".
وافتقار فتح إلى الأيديولوجية هذا كان في الوقت ذاته مصدر قوة فتح ونقطة ضعفها وهشاشتها، وبسبب خواء الايديولوجية هذا حظيت الحركة بمساعدات من حشد كبير ومتنوع من المصادر واجتذبت إلى تنظيمها أولئك النفر من الفلسطينيين الذين يكمن دافعهم الأكبر في الانضمام إلى هذه الحركة في رغبتهم الجامحة بتحرير وطنهم واسترداده. كما جعلت هذه الثغرة فتح عرضة للانتقاد من الجناح الراديكالي لحركة الفدائيين، مع أنه في الحقيقة، وفيما تحولت الحركة في مجملها وبصورة متزايدة لتصبح أكثر تناغماً واصطفافاً إلى جانب الدول العربية الراديكالية والقوى الشيوعية في العالم، دفعت فتح لتبني موقف أشد وضوحاً وصراحة في راديكاليته.

28. "فتح" تسحب البساط من تحت منظمة التحرير الفلسطينية
أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 1964 خلال مؤتمر قمة الدول العربية في القاهرة، وجاء إنشاء المنظمة عقب إعلان "اسرائيل" إكمال مشروع تحويل مياه نهر الأردن الذي ردت عليه سوريا بالدعوة إلى الحرب، واقترحت الجمهورية العربية المتحدة، بدعم من الأردن، إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، أملاً منها بذلك في إرضاء السوريين بتقديم واجهة قتالية، بينما كانت تخفي في الواقع رغبة في الإرجاء.
وفي فبراير/ شباط 1965، تم وضع جيش التحرير الفلسطيني وهو الجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية تحت القيادة العربية الموحدة، وهي هيئة الأركان الجديدة التي أنشأها مؤتمر القمة لتنسيق التخطيط العسكري للدول العربية ضد "اسرائيل". وفي 1967 كان تعداد أفراد جيش التحرير الفلسطيني حوالي 15000 مقاتل، وشكلت قواته وحدات خاصة عملت كأجزاء أساسية في جيوش سوريا والعراق والجمهورية العربية المتحدة. وهكذا لم يعمل جيش التحرير الفلسطيني على نحو منفصل، ولم ينفذ عمليات عسكرية ضد "اسرائيل". وفي يونيو/ حزيران 1965، انتقد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري فتح بسبب عملياتها القتالية، وقال إن جيش التحرير الفلسطيني لن يخوض أعمالاً حربية.
وعموماً، ومع تصاعد التوتر بين "اسرائيل" والدول العربية في أواخر عام 1966 وبداية 1967 زادت هيبة فتح، التي كانت تصعد عملياتها داخل "اسرائيل"، في حين تراجعت هيبة منظمة التحرير الفلسطينية المدعومة من الجمهورية العربية المتحدة. وبموافقة من عبد الناصر، ولا ريب، قرر الشقيري أن الوقت قد حان لمنظمة التحرير الفلسطينية كي تتصرف. وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1966 أعلن الشقيري عبر إذاعة صوت فلسطين من القاهرة أن قوات جيش التحرير الفلسطيني الملحقة بالجمهورية العربية المتحدة والتي سبق أن رفض السماح لها بدخول الأردن ستدخل الأراضي الأردنية الآن وستنفذ عمليات داخل "اسرائيل"، ولكن وحتى مايو/ أيار 1967، كان الشقيري لايزال يحاول من دون أن يصيب نجاحاً يذكر، إقناع الملك حسين بالسماح لقوات جيش التحرير الفلسطيني بدخول الأردن. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الشقيري كان قد صرح في عام 1966 أن تحرير فلسطين ينبغي أن يبدأ بتحرير الأردن. وفي ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام، أعلن تشكيل مجلس ثوري هدفه الإطاحة بالملك حسين. وقد رد الملك حسين برفض الاعتراف بالشقيري رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن مصالحة تمت بين العاهل الأردني الراحل والشقيري قبل نشوب حرب يونيو/ حزيران 1967.
ولم يصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية عمل ذو طابع فعال خلال النصف الأول من عام 1967، ولكنها شكلت جناحاً فدائياً لجيش التحرير الفلسطيني حمل اسم "قوات التحرير الفلسطينية"، وهي قوة لم تتشكل في تنظيم حقيقي قبل حرب يونيو/ حزيران 1967، وخلال الحرب تفككت وحدات جيش التحرير الفلسطيني الملحقة بالقوات المصرية والسورية وتراجعت هيبة منظمة التحرير الفلسطينية أكثر وأكثر.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 1967 حل محل الشقيري في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية يحيى حمودة وهو محام وشيوعي سابق، وفي يوليو/ تموز 1968 تعرضت المنظمة لهزة أخرى جراء محاولة لاستبدال ضباط جيش التحرير الفلسطيني ذوي التوجهات السورية، وربما كانت المحاولة مدعومة من عبد الناصر.
وشمل ذلك تعيين رئيس جديد لأركان جيش التحرير الفلسطيني هو عبدالرزاق اليحيى، وهو تعيين أدى إدى تمرد داخل جيش التحرير الفلسطيني قام به ضباط مؤيدون لسوريا، وقد تم وضع اليحيى نفسه رهن الاعتقال المنزلي في دمشق. وألمح اليحيى إلى أنه سيتخلى عن المنصب إذا توصلت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والضباط المنشقون إلى حل وسط. وفي سبتمبر/ أيلول قررت اللجنة التنفيذية التوصل إلى حل وسط وتم تعيين ضابط محايد هو مصبح بديري في المنصب.
وكان للانقسام داخل منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني تأثيره الهدام في الروح المعنوية داخل جيش التحرير الفلسطيني وجناحه الفدائي "قوات التحرير الفلسطينية" على حد سواء، وقد عملت قوات التحرير الفلسطينية انطلاقاً من قواعد على الضفة الشرقية لنهر الأردن. ولكن، وخلال عامي 1967 و869w لم تكن تلك القوات فعالة بشكل خاص، وتشير التقديرات إلى أن عدد أفرادها تراوح بين 200 و500 رجل في تلك الفترة. وتلقت قوات التحرير الفلسطينية دعماً من فرع جيش التحرير الفلسطيني السوري (قوات حطين) الذي زودها بالأسلحة والرواتب والزي العسكري، وتلقت الدعم كذلك من وحدات جيش التحرير الفلسطيني (لواء القادسية) الملحقة بالقوات العراقية المرابطة في الأردن بعد حرب يونيو/ حزيران 1967.
وبحلول أواخر عام 1968، أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية منظمة مضمحلة، ونظراً إلى أنها شكلت أساساً لتمثل واجهة فاعلة، فإنها لم تفعل الكثير الذي يمكن وصفه بأنه ذو طابع عسكري، وحتى قبل نشوب الحرب كانت المنظمة تتراجع أمام فتح التي كانت تسحب البساط من تحتها، وبعد الحرب، وعندما أصبح العمل العسكري مفتاح الشعبية والهيبة، عانت المنظمة أكثر وأكثر. وعلاوة على ذلك، بدأت المنظمة تفقد دعم الدولة التي أنشأتها وهي مصر، وفي عام 1968، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تحاول إجراء تغييرات فيها لتصبح منظمة مقاتلة ولكنها لم تتمكن من التغير بسرعة كافية.

29. سيطرة فتح على المنظمة

في فبراير/ شباط 1969 سيطرت فتح فعلياً على منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى الرغم من أن العلاقات بين المنظمتين كانت عدائية في جوانب بعينها، أحس كثير من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية بأن تفكك المنظمة بعد حرب يونيو/ حزيران، جعل وجود شكل من التعاون ضرورياً. وكانت فتح بدورها تنظر بشيء من الحسد إلى هيبة منظمة التحرير الفلسطينية كضيفة رسمية للدول العربية.
وخلال أواخر عام 1967 وبداية 1968 قامت كل من منظمة التحرير الفلسطينية وفتح بمحاولات غير ناجحة لتحقيق شكل من أشكال التعاون مع بعضها بعضاً والمجموعات الفدائية الأخرى، ولكن كلتا المنظمتين لم تكن تريد التضحية بأي من استقلالها*. (هامش: عقدت كل واحدة من المنظمتين اجتماعات قاطعتها الأخرى ونسبت كل واحدة منهما لنفسها بعدها قيادتها لحركة موحدة. وتعرضت هيبة الشقيري لهزة أخرى جراء تلك المحاولات الفاشلة، وربما كان ذلك أحد العوامل التي أدت لإقصائه في ديسمبر/ كانون الأول 1967). وتحققت خطوة تجريبية نحو درجة من الوحدة في مارس/ آذار 1968 عندما أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح وثالث أكبر منظمة فلسطينية وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بياناً دعت فيه إلى "توحيد الكفاح الفلسطيني في المجالات السياسية والعسكرية". وتقرر تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد**. (هامش: كان المجلس الوطني الفلسطيني يمثل في الأساس الهيئة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية حسب تأسيسها، وكان يتألف من 450 عضواً. وقد تفرق أعضاء المجلس نتيجة لحرب يونيو/ حزيران 1967، إضافة إلى ذلك، كانت لمنظمة التحرير الفلسطينية لجنة تنفيذية مكلفة بتسيير الشؤون اليومية) يتم توزيع أعضائه المائة بين المجموعات الفدائية والنقابات العمالية الفلسطينية المختلفة. واتسمت تحضيرات تشكيل المجلس الذي انعقد في يوليو/ تموز 1968 بعداء بين فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذات التوجهات الأكثر راديكالية ولم يحقق الاجماع ذاته شيئاً. وبسبب الفشل في التوصل لاتفاق تم ببساطة التمديد للجنة التنفيذية السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية لستة أشهر أخرى.
وفي ما يتعلق بالمفاوضات الخاصة بتكوين مجلس وطني فلسطيني جديد، فقد هيمنت عليها فتح التي قاطعت منافستها الرئيسة، وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الاجتماعات. ولذلك، تمتعت فتح بالسيطرة الفعلية على المجلس عندما انعقد في مطلع فبراير/شباط 1969 في القاهرة، ولم يحضر كثير من قادة منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني الاجتماعات وقاطعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاجتماعات مقاطعة تامة، ونجحت فتح في وضع ثلاثة من اعضائها في عضوية اللجنة التنفيذية المؤلفة من 11 عضواً علاوة على ياسر عرفات الذي اصبح الرئيس الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية ومدير شؤونها العسكرية *** (هامش: كان الأعضاء الآخرون في اللجنة التنفيذية الجديدة هم:
فتح: فاروق قدومي - مدير التنظيم الشعبي وقد تم تعريفه ايضاً كعضو في الصاعقة
خالد الحسن - مدير الشؤون السياسية
محمد النجار
الصاعقة: يوسف برزي
أحمد شهابي
مستقلون: ابراهيم بكر - نائب الرئيس
كمال ناصر - مسؤول المعلومات الارشادية
ياسر عمرو
منظمة التحرير الفلسطينية: حامد أبوستة: مدير شؤون الوطن
عبدالمجيد شومان - الصندوق الوطني الفلسطيني
ومن بين الاجراءات الأولى امام اللجنة التنفيذية الجديدة نقل مقر منظمة التحرير الفلسطينية من القاهرة إلى عمان، وبذلك تنقطع رمزياً العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والجمهورية العربية المتحدة، وعينت اللجنة ايضاً مجموعة ضمت يحيى حمودة (الذي حل محل الشقيري كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ويعمل حالياً رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني) وثلاثة آخرين، للاستمرار في الحوار مع اولئك الذين قاطعوا المجلس الوطني الفلسطيني، وشكلت اللجنة التنفيذية ايضاً (في ابريل/نيسان) لجاناً للتنظيم الشعبي والشؤون العسكرية والشؤون التعليمية والضرائب واللجان الثقافية.
في فبراير/شباط، وبعد عدة أيام من انعقاد أول اجتماع للجنة التنفيذية التقى عرفات في عمان بمجموعة من مديري مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، ليتبين لاحقاً أنها كانت مجابهة غير سارة: (هامش: كان النشاط الوظيفي لهذه المكاتب الاقليمية مماثلاً على الأرجح للوظيفة المنوطة بمكتب بيروت، مع أن مكتب بيروت كان أهمها على الإطلاق. واشتملت واجباتها على مهام الاتصال بالحكومة اللبنانية، وإصدار التقارير الصحافية باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وتقديم العون القانوني للفلسطينيين في لبنان، وتجنيد متطوعين وجمع الأموال، وتعزيز الترابط والتواصل مع المنظمات الفلسطينية الأخرى، وأخيراً، وكما رأينا من قبل، الاتصال بالسوفييت والتواصل معهم).
وأفصح المسؤولون في هذا اللقاء عن شكوكهم بخصوص مطامح عرفات الشخصية والرغبة في جعل فتح تهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية، ورغم أن عرفات حاول استرضاء هؤلاء المسؤولين إلا أنهم تشبثوا باعتقادهم بأنه كان ينوي استبدالهم.
وكانت هواجسهم تستند إلى أسس متينة، إذ إنه بعدها بعدة أشهر أمرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بإعادة تنظيم وهيكلة مكاتبها الوطنية، وباستثناء شفيق الحوت، مدير مكتب بيروت، ومدير آخر، كان سيتم استبدال مديري كافة المكاتب الوطنية. وعلاوة على ذلك، ستشكل في كل مكتب هيئة قيادية سيطلق عليها بعدئذ اسم مجلس شؤون منظمة التحرير الفلسطينية، كما سيكون من بين اعضائه أي عضو فلسطيني من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المقيمين في ذلك البلد، وينضم إلى هذا المجلس أيضاً رؤساء المنظمات الفلسطينية في ذلك البلد، وسيخدم مدير المكتب بصفته سكرتيراً للجنة، وهذا لتنظيم الجديد وترتيب الأمور على هذه الشاكلة وزع سلطة منظمة التحرير الفلسطينية الاقليمية على مساحة أوسع، ما منح قوة جديدة للمنظمات الأخرى، ولا سيما لفتح. (هامش: على سبيل المثال، في أواخر ابريل/نيسان، جرى إبلاع مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت أن مجلسه سيضم شفيق الحوت وخالد اليشرطي من فتح، ويحيى عاشور، ممثل فتح في بيروت، وصلاح الدباغ (مستقل)، وقال الحوت إنه على الرغم من الترتيب الجديد، فإنه شخصياً ظل يلتجئ مباشرة إلى خالد الحسن، رئيس قسم الشؤون السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية ملتمساً منه العون).
وفيما هيمنت فتح على جهاز منظمة التحرير الفلسطينية السياسي، فإن بيانات وتصريحات سياسة منظمة التحرير الفلسطينية، امتزجت ببيانات فتح، وفي الشهر الذي اعقب اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية المواقف العلنية التالية التي تتطابق مع مواقف فتح:
1- رفضت قرار مجلس الأمن الدولي لشهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1967، وغيره من مقترحات السلام، بما فيها خطة السوفييت المجدولة زمنياً.
2- دعت إلى إقامة مجتمع "حر" وديمقراطي، في فلسطين يحتضن كل الفلسطينيين من مسلمين ونصارى ويهود، كي ننقذ فلسطين بذلك من الصهيونية. (هامش: بسط مقال نشر في جريدة الحزب الشيوعي الإيطالي "ليونيتا" بتاريخ 25 مارس/ آذار 1970 ونسب إلى حركة فتح وجهات نظرها بشأن دولة فلسطينية في المستقبل. ونادى المقال بقيام فلسطين العلمانية والديمقراطية التي تتكون من المسلمين والنصارى واليهود، وطالب بإنهاء مشاعر الانتقام ووضع حد لمسألة اعتبار جميع اليهود في العالم صهاينة. وقال المقال: "إن جميع اليهود الذين يعيشون في فلسطين، إضافة إلى أولئك المنفيين عنها سيكون لهم حق أن يصبحوا مواطنين فلسطينيين، رافضين بذلك أطروحة أن الذين كانوا هناك قبل عام 1948 أو 1918 هم فقط من سوف يتم قبولهم" وذكر المقال أن فلسطين ما قبل 1948 ينبغي أن تشكل أراضي الدولة الجديدة، وأن هياكل وصروح "اسرائيل" المصطنعة، وربما صروح وهياكل الأردن أيضاً (بالشكل الذي انشئت عليه بعد 1948) سوف تختفي.
3- وأن مستقبل الوطن العربي يعتمد على تحرير فلسطين، ودعت كلّ الدول العربية إلى دعم الحركة الفلسطينية.
4- دعوة جميع فصائل المقاومة الفلسطينية إلى التوحد.
5- وجوب ضم جيش التحرير الفلسطيني ودمجه في الثورة مع البدء بصياغة تصور يرمي إلى التخطيط ومن ثم بلورة قضية تنظيم حرب تحرير شعبية.

 
 

 

عرض البوم صور dr_e   رد مع اقتباس
قديم 10-07-08, 01:53 AM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الحب



البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56979
المشاركات: 4,653
الجنس أنثى
معدل التقييم: dr_e عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 43

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dr_e غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

30. فتح تحاول السيطرة على جيش التحرير الفلسطيني

في خضم انهماك عرفات بهز كيان التنظيم السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، شرع أيضاً بشن حملة ترمي إلى إخضاع جيش التحرير الفلسطيني لهيمنته، وكان كل من جيش التحرير الفلسطيني وجبهة تحرير فلسطين قد قاطعا اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، إلا أن البديري بين أن جيش التحرير الفلسطيني سينفذ التوجيهات والأوامر الصادرة عن القيادة السياسية إذا كانت تستند إلى قرارات المجلس. وكان من بين أولى التحركات التي قامت بها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في فبراير/شباط من عام 1969 أن أنشأت قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، الذي أريد منه أن يخطط لكافة القضايا الفدائية وينسق شؤونها، بما فيها العمليات. وجرى تعيين عبدالرزاق اليحيى الذي شغل لفترة وجيزة منصب قائد جيش التحرير الفلسطيني في أوائل عام 1968، رئيساً لعمليات قيادة الكفاح المسلح هذه.
هامش: (في مارس/ آذر أوضح اليحيى في تصريح له أنه من الآن فصاعداً سوف تقوم قيادة الكفاح المسلح بإصدار كافة المذكرات التي تصدرها منظمات لها صلة بقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني. وقال أيضاً إنه كان يخطط لتوحيد مسألة التسلح وتدابير الحصول على السلاح).
وكان من الجلي أن القصد من إقامة هذه المنظمة إنما هو مضاهاة جيش التحرير الفلسطيني وإحداث نوع من التوازن معه، سيما وأن التقارير ذكرت أن قائد الجيش البديري كان يبغض عرفات ويميل إلى سوريا.
وفي مايو/أيار من عام 1969، قيل إن عرفات والبديري اختلفا بعد أن زار البديري لبنان من دون الحصول على إذن مسبق من عرفات. وندد عرفات بالبديري، ليس فقط بسبب الرحلة التي قام بها من دون تفويض، بل ولأنه تصرف في لبنان، حسبما راجت المزاعم، ببذخ وغطرسة أسطورية وكأنه امبراطور. وبعدها بوقت قصير، في يونيو/حزيران من عام 1969 حل اليحيى محل البديري وأصبح القائد الأعلى لجيش التحرير الفلسطيني وعين فتحي سعد الدين نائباً له، وأصبح عثمان حداد رئيس أركان هذا الجيش.
وفي هذه الأثناء كثف عرفات تحركاته وقد استحوذت على أفكاره حرب التحرير الشعبية، وكيف يعيد تنظيم المؤسسات والهياكل الإدارية على أسس جديدة لخوض مثل هذه الحرب، لذا سعى إلى تحويل جيش التحرير الفلسطيني إلى قوة قتال ميداني فعلي تشارك في مقارعة "الاسرائيليين" في ساحات القتال ضمن منظور حرب العصابات، وليس بصفتها جيشاً نظامياً كسائر جيوش الدول العربية.
وفي مارس/آذار من عام 1969 صرح عرفات بأن جيش التحرير الفلسطيني ينبغي أن يتحول من "جيش نظامي كلاسيكي" ليصبح نواة الجيش الثوري الفلسطيني وحجره الأساس.
وجادل عرفات وحاجج وطرح تصوره بأن قوات جيش التحرير الفلسطيني ينبغي تحريكها إلى مواقع قتالية تهاجم منها العدو وتضربه. (هامش: في تلك الآونة كان نحو 60% من قوات جيش التحرير الفلسطيني ملحقاً بجيش الجمهورية العربية المتحدة لواء عين جالوت، الذي يتكون من نحو 5000 رجل وكان نحو 30% من هذا الجيش ملحقاً بالجيش السوري "لواء حطين، نحو 2500" 10% في العراق "لواء القادسية نحو 1000 رجل").
وفي مارس/آذار ذكرت جريدة الأهرام أن قوات جيش التحرير الفلسطيني سيتم تحريكها لترابط مع القوات المقاتلة لمنظمات المقاومة الفلسطينية، كما قالت الصحيفة إن منظمة التحرير الفلسطينية قررت رصد الشطر الأعظم من ميزانيتها لجيش التحرير الفلسطيني. وفي أوائل أغسطس/آب امتدحت إذاعة صوت فتح المثل الأول لمشاركة جيش التحرير الفلسطيني في العمل الفدائي.
وعلى الرغم من النفي العلني والإنكار الرسمي، فإن وحدة من وحدات جيش التحرير الفلسطيني الملحق بالجيش السوري، وهي لواء حطين، قامت بالفعل، حسببما أوردت التقارير بالتسلل إلى شمال الأردن في ربيع 1969. وكانت قوات جيش التحرير الفلسطيني التابعة للعراق (لواء القادسية) مرابطة هناك أصلاً.
وفي أواخر عام 1969 وبداية عام 1970 وردت تقارير عن تزايد استياء قيادة جيش التحرير الفلسطيني من قيادة فتح، وتركزت النقمة بوجه خاص على اتهام فتح بأنها هي ذاتها من يسعى حثيثاً لحيازة أسلحة جديدة في حين تحجب التمويل عن جيش التحرير الفلسطيني. وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 1969 ذكرت التقارير أن ضباط جيش التحرير الفلسطيني سلموا عرفات لائحة شكاوى بواسطة اليحيى الذي قدم استقالته في الوقت ذاته. ورفض عرفات الاستقالة ووعد بالتماس التمويل لجيش التحرير الفلسطيني وتدبير أمر إمداده ودعمه في مؤتمر قمة الرباط في ذلك الشهر، ومن غير الواضح ما إذا كان جيش التحرير الفلسطيني قد حصل على بعض التمويل الذي خصص للفدائيين في الرباط، إلا أن اليحيى صرح في ابريل/ نيسان من عام 1970 أن رواتب جيش التحرير الفلسطيني غالباً ما كانت تتأخر لأن عرفات أصر على توقيع تفويض الصرف بنفسه، وأنه رفض الافراج عن الأموال التي خصصتها منظمة التحرير الفلسطينية لجيش التحرير من أجل مشترياته من الأسلحة.
وعلى أية حال، استمر الصراع بين عرفات وجيش التحرير الفلسطيني.
(هامش: زاد من تعقيدات العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني حقيقة أن وحدات جيش التحرير الفلسطيني تعتمد في الحصول على الدعم على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى الدول العربية التي يخدمون في صفوف جيوشها، لذا فإن ولاءها موزع وميولها واتجاهاتها مختلفة بحسب البلد الذي تخدم فيه، وقادة منظمة التحرير الفلسطينية المحليون ربما لم يكن لهم في الحقيقة سوى تأثير طفيف لا يكاد يذكر في هذه القضية. فالجمهورية العربية المتحدة مثلاً يبدو أنها تحتفظ بهيمنة محكمة شبه مطلقة على قطعات جيش التحرير الفلسطيني الملحقة بجيشها، وتلك القطعات الملحقة بالجيشين السوري والعراقي تبدو أكثر ميلاً إلى الاتجاهات والتيارات السائدة في البلدين اللذين تخدم بين ظهراني جيشيهما. (حذف هنا) وجيش التحرير الفلسطيني، وقد اعتبر نفسه قلعة المعارضة الأخيرة التي تقف لتجابه هيمنة فتح، شكل في أوائل عام 1970 أركاناً عامة "تتكون من اليحيى والعقيد سمير الخطيب والعديد من الضباط الآخرين" ظل مصمماً على ألا يقبل سوى الأوامر الصادرة عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي اتفقوا معها، ورغم أنه لم يتم التحقق من هذا التقرير ولا التثبت من صحته أبداً، فإن جيش التحرير الفلسطيني مارس من بعدها قدراً ما من الاستقلالية على ما يبدو، لأن التقارير أوردت في ابريل من عام 1970 أن عرفات بعث برسالة إلى جيش التحرير الفلسطيني يقول فيها إنه هو القائد الأعلى ويشتكي من أن جيش التحرير الفلسطيني دأب على الامتناع عن رفع التقارير إليه، ومحذراً من أنه إذا تكرر هذا فسوف يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة.
واشتد الصراع بين فتح وجيش التحرير الفلسطيني عام 1969 وأوائل عام 1970 جراء مفاوضات كانت تجري مع الاتحاد السوفييتي بشأن الزيارة المقترحة لوفد إلى موسكو (وفي سبتمبر/ ايلول من عام 1969 ذكرت التقارير أن السوفييت وجهوا الدعوة إلى اليحيى والخطيب لزيارة موسكو إلا أنهم بينوا أنهم لم يكونوا يرغبون في مجيء أي عضو من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نظراً لأنهم شخصيات سياسية، غير أنه بحلول ديسمبر/كانون الأول جرى توسيع دائرة هذه الدعوة لتشمل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وكان هناك بعض التأخير بشأن قبول الدعوة، وكان السبب على ما يبدو الجدل الذي احتدم حول ما إذا كان ينبغي للوفد أن يذهب، ثم إذا ما توجب الذهاب، فمن ذا الذي يذهب، ويبدو أن عرفات لم يكن يرغب في إرسال وفد أساساً، إلا أنه جرى اقناعه في نهاية المطاف من قبل الأعضاء الآخرين في اللجنة التنفيذية، وكان نفور عرفات في هذه الآونة من زيارة موسكو، ومن ثم قبوله ذلك على مضض في تضاد صارخ مع التلهف الذي أبداه في عام 1968، وربما كان هذا التغير يشي بتشككه بشأن تلقي أي دعم أو تأييد سياسي، أو لربما كان ينم عن قلقه من أن يحجب إما السعوديون أو الصينيون دعمهم لفتح جراء استيائهم من مثل هذه الزيارة.
أما وقد أرغم على المسايرة والنزول عند رأي الآخرين والقبول بالزيارة على كره منه، فقد حاول عرفات إقصاء عبدالرزاق اليحيى عن الوفد. غير أن جيش التحرير الفلسطيني صرح بأنه لن يشارك إطلاقاً إذا لم يذهب اليحيى فأذعن عرفات ورضخ للأمر الواقع. وكان اليحيى ذاته قد أكد هذه الرواية، وذكر بعدها أن السوفييت أبلغوا الوفد في موسكو أنهم لن يتمكنوا من تقديم أي مساعدات للمنظمات الفدائية ما لم تكن هذه المنظمات موحدة، لكن السوفييت يمكن أن يساعدوا جيش التحرير الفلسطيني الذي كان جيشاً تكون بشكل شرعي، وأنهم كانوا على استعداد في الحقيقة لإمداد جيش التحرير الفلسطيني بالأسلحة حيث سيتم تسليمها عبر سوريا وبواسطة السوريين.
ووفقاً لهذا المصدر ذاته فإن اليحيى انتقد فتح أيضاً بعد زيارة موسكو واتهمها بأنها كانت تسعى إلى تدمير جيش التحرير الفلسطيني، واستشهد للتدليل على كلامه بالجهود التي بذلتها فتح لاستبدال فرقة قيادة الكفاح المسلح في لبنان، التي كانت قد سحبت من جيش التحرير الفلسطيني، بوحدات من فتح بحيث تتمكن فتح من الهيمنة على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والأدهى من ذلك، كما قال اليحيى إنه في مارس/آذار من عام 1970 قررت اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية (التي كانت تهيمن عليها فتح وعرفات) أن تسحب قوات التحرير الفلسطينية من تحت سيطرة جيش التحرير الفلسطيني وأن تخضعها لهيمنة اللجنة التنفيذية. ورفض اليحيى الرضوخ لهذا، وأخبر عرفات أنه إذا أصرت منظمة التحرير الفلسطينية على موقفها وواصلت جهودها لتدمير جيش التحرير الفلسطيني فسوف يتمخض عن هذا تمرد مسلح.
وفي أوائل يوليو/تموز 1970 أصدر عرفات أمراً بإعفاء عثمان حداد من منصبه كرئيس لأركان جيش التحرير الفلسطيني متهماً إياه بالتمرد. (هامش: شارك حداد في مؤامرة للحصول على أسلحة لجماعة الفدائيين الشيوعية، قوات الأنصار، خلافاً لرغبات عرفات). وفي ذلك الوقت كان حداد في دمشق، وقد رفض قبول الإعفاء وتلقى الدعم من عدد من وحدات جيش التحرير الفلسطيني وجبهة التحرير الفلسطينية، وبخاصة الموجودة في سوريا. واتهم حداد عرفات بأنه قد عزله بعد أن اعترض حداد على الأوامر التي أصدرها عرفات بحظر دفع رواتب قوات حطين. وفي مقابلة أجريت معه في 4 يوليو/ تموز، قال حداد متهماً ان قراراً صدر مؤخراً بوضع تنقلات وتعيينات قادة منظمة التحرير الفلسطينية تحت سيطرة عرفات، هو بمثابة مقدمة لحل جيش التحرير الفلسطيني. وأكد أن قادة وضباط منظمة التحرير الفلسطينية لم يعترفوا بعرفات قائداً للجيش. وفي 7 يوليو/تموز التقى وفد من منظمة التحرير الفلسطينية بياسر عرفات في عمان وطالب بالإبقاء على حداد في منصبه، والموافقة على ميزانية جيش التحرير الفلسطيني، وأن يكون هذا الجيش مستقلاً، وإلغاء قرارات عرفات التي تتعارض مع أنظمة الجيش. وفي اليوم التالي أعاد ناطق باسم منظمة التحرير الفلسطينية توكيد قرار عزل حداد. وظل عبدالرزاق اليحيى الذي كان فيما يبدو غير صديق لحداد بمعزل عن النزاع. (هامش: في صيف 1969، أشار اليحيى إلى أنه بعد أن استعاد قيادة جيش التحرير الفلسطيني وجبهة التحرير الفلسطينية، فإنه ينوي الآن إنهاء خدمة هؤلاء الضباط الذين أساءوا معاملته خلال ولايته القصيرة السابقة. وخص بالذكر حداداً الذي كان قد سمي مؤخراً رئيساً للأركان). وكان من الواضح أن وضعاً يقرب من التمرد قد تم إيجاده ضمن أوساط جيش التحرير الفلسطيني نتيجة لعزل حداد.
وهكذا، بينما كان استيلاء فتح على الآليات السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية تاماً تقريباً، بحلول أواسط سنة 1970، لم تنجح جهودها لتحقيق السيطرة على جيش التحرير الفلسطيني. وفي حقيقة الأمر، جاء أحد تكتيكات عرفات بنتيجة عكسية فقد عين اليحيى رئيساً لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني ثم لجيش التحرير الفلسطيني، ومن الواضح أنه فعل ذلك على أمل السيطرة على كليهما، وقد أظهر اليحيى منذئذ استقلاله عن عرفات ورغبته في إبقاء جيش التحرير الفلسطيني مستقلاً. وغدت هذه العلاقات أكثر تعقيداً بفعل الانشقاق الذي ظهر داخل جيش التحرير الفلسطيني بين اليحيى وفصيل تدعمه سوريا ويرأسه حداد.


31. فتح تحتفظ بهويتها

في غمار عملية ممارسة السيطرة على الجهاز السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، احتفظت فتح بهويتها الخاصة واستقلالها، على الرغم من أن تركيبها تغير إلى حد ما. وقد أدى نموها السريع سنة 1969، إلى إحداث إجهاد كبير لتنظيمها، وفي مارس/آذار 1969، ذكر أن القيادة العامة لفتح قد استبدلت بلجنة مركزية، يخضع لها "جناحان": سياسي وعسكري (هامش: كانت اللجنة المركزية تضم: عرفات، خليل الوزير، هاني الحسن، خالد الحسن، فاروق قدومي، هاني قدومي، ممدوح صبري، أبوصيدم، محمود مسعدة، صلاح خلف، محمد النجار، مختار بعبع، وداود قطب).
ومن هؤلاء كان فقط عرفات، وهاني القدومي وخالد الحسن في القيادة العامة في أوائل 1968.
وحسب تقرير أمني أردني، ترأس خليل الوزير الجناح السياسي، بمساعدة صلاح خلف (الذي وصف فيما بعد بأنه الرجل الثاني في فتح، وأنه متعاطف مع وجهات النظر الراديكالية). وذكر أن هذا الجناح كان يضم دائرة مخابرات يديرها هاني الحسن، ومجموعة لتنظيم الشبان، ومكتب إعلام مسؤولاً عن الدعاية والبلاغات. والمكتب الأخير يدير برنامج الإذاعة الدعائي للمنظمة الذي يسمى صوت فتح، والذي ظل يبث من القاهرة حتى أواسط سنة 1970 عندما علق عبد الناصر عملياته. كما كان يصدر كذلك مجلات فتح ومن بينها: مجلة العاصفة ومجلة الثورة الفلسطينية. ومن المحتمل أنه كان مسؤولاً عن جريدة "فتح" اليومية، التي كانت في الأساس نشرة يومية، تم توسيعها فيما بعد لتصبح جريدة تتكون من أربع صفحات خلال أزمة يونيو/حزيران 1970 في الأردن.
وفي أواخر 1969 غدت وحدات فتح الإقليمية أشد تعقيداً. (يوجد حذف هنا). كانت اللائحة التنظيمية للجهاز الإقليمي في العربية السعودية تشبه الهرم: الجماعة، وهي أصغر وحدة تتكون من أربعة أعضاء، مسؤولة أمام الجناح، الذي يتكون من أربعة ممثلي مجموعات، وتشكل كل أربعة أجنحة قطاعاً، والأربعة قطاعات لجنة محلية، وكل أربع لجان محلية تشكل لجنة أمانة سر في المنطقة يترأسها الأمين العام للمنظمة، ولكل منطقة لجنة إعلام ومحكمة انضباط ثورية للتعامل مع انتهاكات الأنظمة، والنزاعات وما إلى ذلك، ولكل منطقة لجنة تنسيق تتألف من الأمين العام للمنظمة ومسؤول الإعلام، ومسؤول الرصد (رئيس لجنة الرصد الثوري التابعة للجنة التنسيق، المسؤولة عن أمن المنطقة)، والمسؤول المالي، ومسؤول التعبئة العامة. وهذه اللجنة مسؤولة أمام اللجنة الإقليمية، وهي أعلى تنظيم لفتح في كل دولة.


32. صراعات داخل فتح وضغوط على قيادة عرفات

خلال ربيع وصيف 1969، كانت هنالك تقارير عن نزاعات مستمرة داخل فتح، ومن بينها الخلافات التكتيكية، والخلافات الايديولوجية، والاحتكاكات اليومية الناجمة عن ادارة جيش متنام. (هامش: قال أحد قادة فتح، وهو هاني الحسن، ان مشكلة فتح كانت في نموّها السريع الذي أدى إلى وجود بنية غير ملائمة للتحكم والارشاد في فتح). وفي يوليو/ تموز ذكر انه جرى التعبير عن التمرد على أيدي شخصيات عسكرية من فتح في الأردن، رفضت أوامر فتح الداعية إلى تنسيق عملياتها مع السلطات الأردنية؛ وقيل ان هذه المجموعة لها علاقات بمنظمة فتح في سوريا.
ولكن الصراع الداخلي الرئيسي، يبدو انه يتمحور حول الموقف الايديولوجي لفتح. ويبدو ان مجموعة من "المتعصبين" داخل فتح بدأت تعبر عن معارضة متزايدة للقيادة "البرجوازية" متمثلة في عرفات. وكانت هذه المعارضة الثورية، التي تضم كلاً من البعثيين اليساريين، والماركسيين اللينيين، تطالب بالانفصال عن الأنظمة غير الثورية واستعمال تكتيكات مشابهة للتكتيكات المستعملة في كوبا وفي فيتنام. وكان ذلك يعني فيما يبدو ان هذه المعارضة تريد من فتح أن تقيم قواعد داخل المناطق التي تحتلها "اسرائيل"، وتعمل منها، على الرغم من صعوبة ان لم يكن استحالة، فعل ذلك.
ولعل مما له علاقة بتطور هذه المعارضة الراديكالية ضمن فتح، استقبال تقارير عديدة خلال صيف سنة 1969 عن منظمات سرية لفتح يجري تأسيسها في العربية السعودية والكويت والأردن. وقيل ان مجموعة الأردن كانت مكلفة باغتيال أشخاص يعتبرون قابلين لإلحاق الأذى بالقضية الفلسطينية. وعندما علم عرفات بوجود المجموعة في الأردن في أوائل سبتمبر/ أيلول 1969، قيل انه أمر باعتقال منظميها.
وفي أوخر 1969 وأوائل 1970، كان هنالك المزيد من التقارير عن عدم الرضا عن قيادة عرفات، وعن خطط ومحاولات لاغتيال عرفات. وقال أحد المصادر ان بعض أعضاء القيادة العامة كانوا يشعرون بأن حكمه على الأمور من الناحيتين الاستراتيجية والتكتيكية ضعيف، وانه يحول دون توحيد سائر المنظمات الفدائية معاً. وفي 31 ديسمبر/ كانون الأول، ذكرت وكالة الشرق الأوسط للأنباء في دمشق، ان جريدة "الجمهورية" اللبنانية اليمينية قالت ان اعادة ترتيب للأمور سوف تجري داخل حركة فتح. ويفترض ان يعكس هذا التغيير حاجة فتح إلى اتخاذ موقف أكثر ثورية، ويعتبر وجود قيادة سياسية وعسكرية ضرورياً له.
ويبدو ان الضغط على قيادة عرفات قد اشتد في صيف وأوائل خريف 1970، وكان الضغط مرة أخرى يأتي من قبل الذين يسمون يساريين في المنظمة، الذين ذكر انهم يؤيدون رفض التعاون مع الدول العربية ويتبنون خطاً أكثر راديكالية وبخاصة في الدول العربية اليمينية. وقيل ان فصيلاً أكثر محافظة
يترأسه عرفات، كان يفضل استمرار استراتيجية فتح، المتمثلة في اقتصار التكتيكات على محاربة "اسرائيل" وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
وفي أواخر اكتوبر/ تشرين الأول أشار عصام سرطاوي الذي ينتمي للهيئة العاملة لتحرير فلسطين، إلى أن الجناح المحافظ في فتح بقي مهيمناً.
تضافر عدد من التقارير ليوحي في المجمل بأن عرفات قد جوبه بتحدي صلاح خلف له، وهو الرجل الذي كان يليه في التسلسل القيادي، ويبدو ان وزن هذا الدليل يؤكد أن ثمة صراعاً ما بين عرفات وخلف. (هامش: في حين حاول [حذف هنا] اسقاط هذه التقارير عن حدوث نزاع داخلي والغمز من قناتها والتشكيك في صحتها باعتبارها مجرد "كلام يقال والقصد منه الاستهلاك المحلي"، فإنه لم يطرح أسبابا أو غايات تكمن وراء مثل هذا الزعم، لذا فإن هذا التأويل يبدو متهافتاً وهزيلاً).
وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1970 انتقدت جريدة فتح أولئك الذين "استسلموا" خلال أزمة الأردن في سبتمبر/ أيلول ودعت إلى ازالتهم. وربما كانت هذه اشارة إلى صلاح خلف، وهو أحد أربعة من قادة الفدائيين الذين أسروا أثناء القتال والذين قبلوا باقتراح وقف اطلاق النهار الأردني الذي شجبته فتح لاحقاً. (هامش: ربما انهالت الجريدة بسهام انتقادها أيضاً على كمال ناصر، الذي طالما شغل لدهر طويل منصب الناطق الرسمي باسم فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي أزيح عن منصبه، حسبما أفادت التقارير، في خريف 1970 لادلائه بتصريحات لم يكن مخولاً الادلاء بها). [حذف هنا] جرى في الحقيقة استبدال خلف بصفته نائباً لرئيس فتح ورئيساً للاستخبارات في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول.
ومن المحتمل أن تستمر التجاذبات ويتواصل التوتر داخل فتح، كما يتوقع استمرار الضغط على "الحرس القديم" في فتح، وهم القيادة المحافظة، من قبل الأعضاء الأصغر سناً والأكثر ميلاً إلى الاتجاه اليساري. فإذا قدر في يوم من الأيام ان يزاح عرفات بصفته زعيماً لفتح، فمن الممكن توقع أن تتخذ هذه المنظمة موقفاً أكثر راديكالية من منظور العالم العربي وفيما يتعلق بشؤونه. وأخيراً فإن عرفات ذاته إذا تم تعريضه لضغوط كافية مثل هذه من قبل التيارات داخل منظمة فتح، فساعتها يمكن تصور ان يرغم على الاتجاه يساراً متصادماً بذلك مع ميوله الأصلية ونزعته الفطرية.


33. تكتيكات فتح وعملياتها

كما رأينا من قبل، فإن أسلوب فتح من حيث المبدأ ومقاربتها فيما يتصل بتصوراتها عن العمليات العسكرية كان يتمثل في تسلل فرق صغيرة من الرجال إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة "الاسرائيلية" ومن ثم تقوم هذه الفرق بعد اختراقها لهذه الأراضي بتنفيذ عمليات زرع ألغام، وغيرها من عمليات "التخريب"، التي عادة ما تشن ضد أهداف عسكرية (مثل الدوريات والمخافر والقواعد العسكرية الأمامية، والمركبات والآليات العسكرية، وقوافل الإمداد العسكري اللوجستي)، إلا أنه يحدث أحياناً، ان تشن هجمات ضد السكان المدنيين، كذلك. [هامش: في الثالث من يناير عام 1970 أوردت صحيفة "برافدا" تقديرات فتح لعدد العمليات التي قامت بتنفيذها. فحسبما أوردت التقارير، نفذت فتح 2442 عملية في عام 1969، مقارنة بنحو 59 عملية في عام 1966 و727 عملية في عام 1968. ولم تذكر "برافدا" عدد العمليات في عام 1967]. وكانت هذه الاستراتيجية اخفاقاً عسكرياً كاملاً. وتقارير "الاسرائيليين" تذكر أنهم قتلوا ما يقدر عدده بنحو 1800 فدائي. [هامش: لم يخترق الأراضي "الاسرائيلية" منهم سوى 30 فدائياً، كما لم يتمكن من اختراق الأراضي المحتلة إلا 185 فدائياً، وأما البقية فيزعم "الاسرائيليون" أنهم قتلوهم عند أو قرب خطوط وقف اطلاق النار] وانهم أسروا 2500 فدائي آخر منذ حرب يونيو/ حزيران عام 1967. كما ذكرت تقارير "الاسرائيليين" أن الفدائيين لم يقتلوا سوى 300 شخص فقط. وتتضح أهمية هذه الأرقام حين نأخذ في الحسبان أنه كان لدى فتح قرابة 7000 رجل مسلح في خريف عام 1970، وان قوات تحرير فلسطين التي تستخدم ذات التكتيكات وتتعاون في الغالب مع فتح كان لها ألف رجل مسلح. ومنذ حرب سبتمبر/ أيلول عام 1970 بين الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين لم تشن أي من هذه الجماعات (ولا أي من المنظمات الفدائية الأخرى) أي غارة على "اسرائيل" ولم تقم بأي عملية.
ولم تتأكد، ولم يتسن التثبت من الاشاعات الكثيرة التي راجت ومفادها ان فتح توشك ان تتخلى عن تكتيكاتها التقليدية. وفي ربيع عام 1969، ومرة أخرى في ربيع 1970، وردت تقارير عن أن فتح خططت لاغتيال زعماء عرب كانوا يعملون من أجل تسوية سلمية. وفي حين أن العديد من هذه التقارير أتى من أعضاء رفيعي المستوى في حركة فتح، فإن عرفات نفسه دأب باصرار على رفض مثل هذه التكتيكات. وعرفات، على ما يبدو، لا تزال له اليد الطولى والكلمة الأقوى في صفوف تنظيم فتح.
وتحتفظ فتح بمكاتب في جميع الدول العربية. (هامش: لمنظمة التحرير الفلسطينية كذلك مكاتب في كل أنحاء الوطن العربي. وبالاضافة إلى ذلك، لها مكتب في نيويورك، كان يحاول في أوائل سنة 1970 الحصول على مساندة جماعات معارضة في الولايات المتحدة. كما كانت منظمة التحرير الفلسطينية متورطة كذلك سنة 1970 في محاولة انشاء مكاتب في أمريكا اللاتينية). وكذلك لفتح مكاتب في عدد من الدول الأوروبية، بما فيها فرنسا، وألمانيا ودول أوروبية شرقية عديدة. وفي سنتي 1969 و1970، أرسلت بعثات إلى دول عديدة للتفاوض على فتح مكاتب. وذكر ان ايران وتركيا رفضت مثل تلك الطلبات. (هامش: قد يكون ذلك عائداً إلى أن فتح كانت تجند فيما ذكر، مواطنين ايرانيين وأتراك كمتدربين؛ وقد اعتقلت كلتا الدولتين عدداً من المجندين واتهمتهم بالتخطيط للقيام بأعمال تخريبية).. وقد وافقت ماليزيا في ابريل/ نيسان 1969 على فتح مكتب لفتح. وفي غمار الجهود التي تبذلها حركة فتح للحصول على الاعتراف والمساعدة الدولية، دعت مجموعات من الأمريكيين والأوروبيين للمشاركة في مساقات تدريب وتوجيه عقائدي في فصل الصيف من السنوات 1968 إلى 1970. وحسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" (27 أغسطس/ آب 1970)، كان لعرفات كذلك تعاملات مع منظمة الفهود السود، والتقى مع الدريج كليفر في الجزائر في صيف 1970، وقام بتدريب بعض الفهود السود في معسكرات فتح في الأردن سنة 1969.
بينما كانت فتح تشغل مكاتبها علناً في عدد من الدول، كانت تنخرط كذلك في عمليات استخبارية. وحسبما ذكر شفيق الحوت، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، تملك فتح وحدات استخبارات في دول عربية عديدة، وفي غرب أوروبا، والولايات المتحدة، وقد تم تدريب معظم أعضاء هذه المجموعات إما في الصين أو في الجمهورية العربية المتحدة. ويقال ان عملية فتح في عمان هي الأكثر فاعلية، حيث اخترقت بنجاح الشرطة الأردنية، والجيش وأجهزة المخابرات. ويقال إن فتح تحاول تجنيد أجانب لهم منفذ على "اسرائيل"، ومن ثم يسهلون العمليات هناك. ويقال ان لفتح عملاً سياسياً في انجلترا، وهو عمل منظم حيث توجد خلايا يضم كل منها أربعة أو خمسة رجال، وتدار على أساس وظيفي، ويقال إنها تصدر مجلة شهرية في المملكة المتحدة تسمى "فلسطين الحرة"، وتساند المظاهرات والاجتماعات، وتقوم بعمليات التجنيد.




34. تمويل فتح

ميزانية فتح ضخمة، وبالاضافة إلى الرواتب التي تدفعها لجنودها وموظفيها، تدفع مخصصات لأسر "الشهداء"، كما يجب على فتح كذلك ان تدفع ثمن معظم أسلحتها. وذكر ان فتح لم تستطع سنة 1969 ان توازن ميزانيتها على الرغم من تلقيها وعوداً بزيادة العون. وأكبر مصادر تمويل فتح هو المملكة العربية السعودية (التي يذكر انها تقدم نحو 2 إلى 4 ملايين دولار سنويا). وتقوم آلية جمع الأموال في تلك الدولة على وجود لجنة تدعى لجنة مساعدة أسر الشهداء؛ وهي تجمع ما يبلغ درجة اقتطاع اجباري نسبته 5% من رواتب الفلسطينيين في السعودية، و1% من رواتب السعوديين. ولا تساهم الحكومة بالتبرع رسمياً، ولكن الملك فيصل وغيره من أعضاء العائلة الملكية يقدمون تبرعات شخصية.
وقد وضع اعتماد فتح المالي على العربية السعودية بعض القيود على حرية عمل المنظمة. وعلى سبيل المثال، شعر عرفات بعد زيارته لموسكو في أوائل سنة 1970، انه مضطر لزيارة العربية السعودية لشرح زيارته. وذكر انه كان ثمة انخفاض في التبرعات في الأسابيع التي تلت زيارته لموسكو. ودافع عرفات عن علاقات فتح بالدول الشيوعية قائلاً إنها ضرورية لتأمين توفير الأسلحة الأساسية، ولكنه طمأن السعوديين بأن فتح تظل بمعزل عن العقيدة الشيوعية، وانها تسيطر على العناصر اليسارية في تنظيمات فتح. وذكر ان السعوديين ظلوا غير مطمئنين ولكنهم كانوا غير راغبين في هذا الوقت في قطع المعونة، خوفاً من ان يضعف ذلك التأثير المحافظ على فتح. وفي أواخر سنة 1970، كانت هنالك تقارير عديدة تفيد بأن العربية السعودية كانت آخذة بالتحرر بصورة تدريجية من سحر فتح وانها ماضية في خفض عمليات جمع الأموال التي تقوم بها.
وليس حجم تبرعات الكويت لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية واضحاً. وبينما ذكر ان كلتيهما تستفيدان من الضرائب والاقتطاعات الكويتية، بالاضافة إلى الاستفادة من اسهام كويتي رسمي في الميزانية، فقد ذكر في ربيع 1969 ان الكويت كانت ترفض الافراج عن الأموال التي كانت تحتفظ بها لهذه التنظيمات. وتتلقى فتح اسهامات ضخمة من امارات الخليج النفطية، وعلى رأسها قطر وأبوظبي، ويأتي معظم هذه الأموال من اقتطاعات من رواتب الفلسطينيين. وقبل الثورة في ليبيا في أواخر 1969، كان ذلك البلد يمنح فتح نحو2،8 مليون دولار من ميزانيته السنوية كل عام بالاضافة إلى التبرعات من القطاع الخاص. وبعد الثورة وعدت الحكومة الجديدة منظمة التحرير الفلسطينية، وبأسلوب مبهرج، بمبلغ 56 مليون دولار بالاضافة إلى الهبات الشخصية؛ ولم تكن المدة الزمنية محددة. وفي أوائل مايو/ أيار 1970 قيل ان معمر القذافي قرر ان ليبيا سوف تتبرع بنحو 10 ملايين دولار كل ربع عام للفدائيين، حيث يذهب نحو ثلثي ذلك المبلغ إلى فتح، ويذهب الباقي إلى الجماعات الأخرى. ولكن زعماء ليبيا مشهورون بالوعود العاطفية، بيد ان تنفيذهم لتلك الوعود يظل موضع تساؤل.
وحتى وقت قريب كانت الدول العربية الراديكالية أقل استعداداً في تبرعاتها لفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومن بين جميع الدول العربية الراديكالية برزت الجزائر كأفضل أصدقاء فتح. وقد وفرت لهذه المنظمة كلاً من الدعم الدعائي والمساندة الدبلوماسية الدولية. (هامش: في صيف 1970، على سبيل المثال، طلب الجزائريون من المسؤولين العراقيين والسوريين ان يتوقفوا عن دعم منظماتهم، وان يساندوا حركة فتح بدلاً من ذلك). ويقال إن الجزائر تشكل أحد المراكز الرئيسية لتدريب فتح، وتقوم بدور الوسيط في توفير السلاح لها، كما انها قناة لتوصيله إليها. ويضاف إلى ذلك ان الجزائر نفسها كانت تزود "فتح" بالأسلحة، ففي أغسطس/ آب 1970، أرسلت حمولة سفينة من الأسلحة إلى فتح هدية من الجزائر والمغرب عن طريق اللاذقية. وفي أغسطس/ آب قيل ان بومدين وافق على الاستمرار بدعم فتح وحتى على ارسال "بعض" القوات الجزائرية إلى الأردن.
وأصبح النظامان البعثيان الراديكاليان المتنافسان في العراق وسوريا متبرعين لماماً وعلى نحو لا يعتمد عليه لفتح. في ربيع 1969، ذكر ان العراق قطع كل المعونات عن فتح لكي يعطي كل معوناته للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ولكن، في أواخر 1969 أشار أحد قادة فتح وهو هاني القدومي إلى أن العراق وافق كارهاً على مساعدة فتح، ولكنه يفضل تركيز مساندته لجماعة الفدائيين الخاصة به، وهي جبهة التحرير العربية. وقال ان فتح تواجه المشاكل ذاتها مع سوريا، التي تريد الآن التركيز على الصاعقة. ولكن كلاً من هذين البلدين استمر في تدريب أعضاء فتح على الأقل حتى صيف 1970.

35. صعود حركة القوميين العرب وانقسامها بين حبش وحواتمة وجبريل

في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الرباط، بالمغرب، في ديسمبر/كانون الأول 1969، أحرز عرفات نصراً رئيسياً تمثل في أن دعم الحركة الفلسطينية كان أحد الموضوعات القليلة التي تم الاتفاق عليها. وذكر أن المؤتمرين في الرباط قرروا تخصيص نحو 26 مليون جنيه للفدائيين، أي أقل بأربعة ملايين دولار فقط عما طلبه عرفات، وكان من المقرر أن يذهب مجمل ذلك إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
وقد تذبذبت علاقات فتح مع الجمهورية العربية المتحدة عبر السنوات. وكانت العلاقة بين الطرفين تتسم بالشك المتبادل والخصام، حيث كان كل منهما يرى الآخر تحدياً لشعبيته وهيمنته. وفي حين كانت الجمهورية العربية المتحدة غير متحمسة لفتح ولا تدعمها علناً، سمحت لفتح بالعمل، وهي أقوى الجماعات الفلسطينية في ذلك البلد كما أنها تهيمن على مجموعات اتحاد التجارة الفلسطيني المحلي. وبالإضافة إلى ذلك، وكما أشرنا آنفاً، كانت الجمهورية العربية المتحدة تسمح لصوت فتح بالعمل من القاهرة.ولكن، بعد قبول عبد الناصر مقترح السلام الأمريكي في يوليو/تموز 1970 والانتقاد الفلسطيني لذلك التحرك، أوقف عبد الناصر استعمال الفلسطينيين لمرافق الإذاعة، وذكر أنه وضع الفدائيين في الجمهورية العربية المتحدة تحت المراقبة الشديدة، حتى أنه أبعد بعض المتطرفين، كما أشار عبد الناصر إلى أنه لن يستأنف ذلك قبل أن يتوصل إلى اتفاق معهم.وحتى قبل هذا لم تتلق فتح أبداً أكثر من عون رمزي محدود ومتقطع من الجمهورية العربية المتحدة. (هامش: صرح مصدر مصري رفيع المستوى من القاهرة في أواسط عام 1969 أن الجمهورية العربية المتحدة زودت فتح بأقل من 5% من احتياجاتها من الأسلحة الخفيفة، مقارنة بالجزائر التي أمدتها بنحو 15% من هذه الأسلحة). وهكذا نرى أن ناصر أفصح لعرفات في أوائل عام 1969 عن فزعه من وجهات نظر معينة معادية للسوفييت جرى الترويج لها في أوساط الفدائيين، ونتيجة لذلك كانت الشحنة التالية من الأسلحة أقل بكثير مما كانت فتح قد وعدت به. وأشار عرفات إلى أنه شعر بأن عليه أخذ هذا التلميح بالحسبان والتعامل معه بمنتهى الجدية، لئلا يخسر المزيد من العون. وأمدت الجمهورية العربية المتحدة فتح بقدر لا بأس به من برامج التدريب التي كانت تجري في لبنان، وكانت تؤكد على الخدمات الاستخباراتية والأمنية، كما دربت الجمهورية العربية المتحدة أعضاء من فتح ليصبحوا رجال ضفادع وطيارين حربيين، رغم أنهم حسبما أوردت التقارير أوقفوا برامج التدريب على الطيران في يوليو/تموز من عام 1970.وأخيراً، تلقت فتح عوناً لا بأس به من الصين الشعبية على مدى السنوات الخمس الماضية، ولا سيما ما يتعلق بالأسلحة الخفيفة والتدريب، كما يتدرب أعضاء فتح في كوبا، وفي ربيع عام 1970 كانت جماعة من فدائيي فتح أول مجموعة عربية تتخرج من كلية هافانا العسكرية. وذكرت التقارير أن أعضاء فتح يذهبون في مجموعات مكونة من 15 إلى 20 رجلاً إلى كل من الصين وكوبا بانتظام، وذهب فريقان من هذه الفرق إلى فييتنام الشمالية، إلا أنه يقال إن قادة فتح شعروا بأن ثمة قدراً هائلاً من الدعاية التي تجنى من هذه البرامج في حين لم يكن هناك ما يكفي من التدريب الذي يعتد به في برامج جمهورية فييتنام الديمقراطية.
وفي أواخر حقبة الأربعينات من القرن العشرين قامت مجموعة من المثقفين والمفكرين الشباب في الجامعة الأمريكية في بيروت بتنظيم حركة القوميين العرب، وهي أولى المنظمات الفلسطينية، وعكست الايديولوجية الأساسية لحركة القوميين العرب، الذين هز ضمائرهم وألهب مشاعرهم إنشاء "اسرائيل" وطرد الفلسطينيين من وطنهم، ما كان يتضمنه اسمها وعنوانها- أي الرغبة في اتحاد الدول العربية كافة، وأمنية إقصاء النفوذ الأجنبي من العالم العربي، إضافة إلى الدافع الأكبر المستحوذ عليهم، وهو اجتثاث دولة "اسرائيل". وما أن أفضينا إلى أواخر حقبة الخمسينات عندما كان كثير من الطلبة قد عادوا إلى بلدانهم حتى استطاعت الحركة تأسيس فروع لها في بلدان عربية مختلفة، ولم يكن هذا التنظيم متراصاً متماسكاً أبداً، ولم يكن متناغماً أيضاً، وشكلت فروع التنظيم الوطنية تحالفات محلية على أسس مصلحية انتهازية. (هامش: ثمة مؤسسات فرعية تابعة لحركة القوميين العرب وتنتشر في 11 بلداً عربياً، لكن بعضها لا أهمية تذكر له. وكانت تلك التي استولت على السلطة في اليمن الجنوبي في نوفمبر من عام 1967 وحدة إقليمية من حركة القوميين العرب، وهي التي أحرزت للحركة نجاحها الأول والوحيد حتى تاريخه).
وفي عام 1955 أرغم زعيم حركة القوميين العرب الدولية جورج حبش، وهو طبيب بسيط فلسطيني من مدينة اللد وكان يعمل في الأردن، على مغادرة ذلك البلد لتورطه، في نشاطات تخريبية هدامة، وقضى حبش سنة في سوريا، ثم عاد إلى الأردن وقد تسلح بمساعدات مالية سورية لتنظيم جماعته، ثم طرد من الأردن ثانية في عام 1959. فذهب إلى دمشق خلال فترة الوحدة المصرية السورية، وانتبهت الاستخبارات المصرية لحركة القوميين العرب فبسطت رعايتها عليها، وأصبح كثير من أعضاء حركة القوميين العرب عناصر في أجهزة استخبارات الجمهورية العربية المتحدة، وفي أغسطس من عام 1959 عقد في لبنان اجتماع لوحدات حركة القوميين العرب الإقليمية وتبني سياسة موالية ومناصرة للجمهورية العربية المتحدة، وفي تلك الآونة أسس المؤتمر أيضاً القيادة العليا لتقوم بمهمة هيئة تنسيق.
وعندما وقع الانفصال وانفرط عقد الوحدة المصرية السورية في عام 1961 انتقل مقر قيادة حركة القوميين العرب الرئيسي من دمشق إلى بيروت، مع أن الجمهورية العربية المتحدة واصلت تمويل حركة القوميين العرب لغاية سنة 1966 على الأقل، وفي عام 1965 حاولت الجمهورية العربية المتحدة فرض اندماج بين حركة القوميين العرب والجماعة الحديثة التكوين والتي يهيمن عليها المصريون، وهي الاتحاد الاشتراكي العربي الذي نادت شعاراته بتوحيد العرب. (هامش: ينبغي عدم الخلط بين هذه الجماعة وبين حزب ناصر المصري المحلي داخل مصر والذي يحمل الاسم ذاته). إلا أن حركة القوميين العرب واصلت أداء مهامها والنهوض برسالتها لوحدها وبجهودها الذاتية. ونجم عن هذا مصاعب مع المصريين، ومع بداية عام 1967 كان ناصر قد فصم عرى علاقاته الودية مع حركة القوميين العرب. (هامش: كان موقف حركة القوميين العرب من ناصر نفسه متذبذباً إلى حد ما بتعاقب الأعوام، ففي رأي كثير من أعضائها في ناصر القائد العربي الوحيد الذي له من الوزن والمنزلة ما يكفي ليبث الأمل في أفئدة من يحاولون توحيد العرب، تبددت الأوهام لدى معظم أعضاء الحركة بعد ذلك، وفي أعقاب حرب يونيو عام 1967، رأى كثير من أعضاء الحركة في الزعيم الجزائري هواري بومدين بسياسته الصلبة التي لا تلين وبشعار "مواصلة القتال" بديلاً أكثر جاذبية).
بعد حرب عام 1967 نخرت صفوف حركة القوميين العرب الانقسامات فصارت كياناً تمزقه التحزبات، حيث شهدنا إحدى تلك الجماعات وهي تجنح إلى تبني نهج أشد راديكالية ويبشر بالثورة التي تتفجر في جميع أرجاء العالم العربي، في حين تبتغي الأخرى التركيز على تحرير فلسطين.
والفصيل الآخر (التي سنشير إليها في هذا السياق بصفتها معتدلة)، كان يقودها جورج حبش، إلا أنه في ربيع عام 1968 سجن حبش في سوريا، مما خلق فراغاً في القيادة في حركة القوميين العرب، وسرعان ما اقتنص العضو الأردني في حركة القوميين العرب، والماركسي اللينيني نايف حواتمة الفرصة وهو المتلهف على الانتفاع من أي ثغرة فتسلل من خلال هذا الصدع.
مع انتخاب نايف حواتمة مبعوثاً لدى المؤتمر القومي لحركة القوميين العرب سنة 1968، حاز على دعم العديد من الوفود وعندما انتخبت القيادة الجديدة، كانت الغالبية من مؤيدي حواتمة ومسانديه، ورفض مؤيدو حبش قبول هذا التحكم وتم انتخاب زعامة مؤقتة كان لفصيل حبش فيها أغلبية رجل واحد، ولكن، وحتى بقية سنة 1968، استمر حواتمة في اكتساب القوة في حركة القوميين العرب. وفي أعقاب فرار حبش من السجن في أواخر 1968، انقسمت بقايا حركة القوميين العرب إلى فصيلين متناحرين، حيث كان الفصيل "المعتدل" الذي يرأسه جورج حبش مكرساً أساساً، ومن الناحية النظرية على الأقل، لحل القضية الفلسطينية وتأجيل النشاط السياسي في العالم العربي ككل، وجناح راديكالي بقيادة حواتمة مكرس لتطوير حركة ماركسية في الشرق الأوسط، حيث تعامل القضية الفلسطينية كجزء واحد فقط من هدف أشمل. وقد دمر هذا التمزق في نهاية المطاف حركة القوميين العرب، ولكن الأحزاب السياسية المحلية المنبثقة عن المنظمة الأصلية والمستقلة تماماً عنها استمرت في العمل، على الرغم من أن بعضها انشق عن طول خطوط مماثلة لتلك التي شقت حركة القوميين العرب الدولية، وكان لانقسام حركة القوميين العرب، تأثير قوي الفعل على البنية شبه العسكرية لهذه الحركة.

36. خلفية الأجنحة الفدائية لحركة القوميين العرب

قبل يونيو/حزيران 1967 كان لحركة القوميين العرب تنظيم شبه عسكري قوامه نحو 50 رجلاً تلقوا بعض التدريب في مصر، وفي خريف 1967، اندمجت هذه الجماعة التي تسمى "شباب الثأر" مع مجموعتين أخريين، هما أبطال العودة (وهي مجموعة مستقلة بقيادة فايز جابر) وجبهة التحرير الشعبية، بقيادة أحمد جبريل، لتشكل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
كما تولى جورج حبش، زعيم الجناح المعتدل في حركة القوميين العرب السيطرة على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين شبه العسكرية. وقد نفذت هذه الجبهة عمليات مختلفة داخل الأراضي المحتلة، وقبل أن تنقسم هذه المنظمة مرة أخرى في أواخر سنة 1968، كانت قد أصدرت 54 بلاغاً.
وفي ربيع 1968، تم اعتقال حبش في سوريا، حيث شعر السوريون فيما يبدو أنه وحركة القوميين العرب/ والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ضد نظام البعث في سوريا وفي مسعى للتخفيف من حدة هذا الشك، أصدرت حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيانين ادعيا فيهما أنهما غير مرتبطين بجورج حبش، كما نفى بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تورطها في أي مؤامرة لقلب النظام السوري (هامش: كانت حركة القوميين العرب قد شاركت في حقيقة الأمر في تنظيم للمنفيين السوريين مقيم في بيروت، يدعى الجبهة التقدمية القومية (بزعامة اكرم حوراني). وكان نظام دمشق يخشى نوايا هذه الجماعة، وقد انفصلت حركة القوميين العرب عن هذه الجماعة في يوليو/ تموز 1968 عندما قبل حوراني عضوية بعثي يميني هو أمين الحافظ. وعندما كان حبش في السجن في سوريا، تطورت المعركة الفئوية ضمن حركة القوميين العرب، وحسبما ورد في تقرير غير مؤكد، كانت جماعة حواتمة في حقيقة الأمر تتلقى الدعم من السوريين، الذين كانوا يرغبون في تحطيم حبش ومنظمته.
وفي غمار هذه الحروب السياسية على المسار الايديولوجي الذي ينبغي على حركة القوميين العرب أن تتبعه وسجن زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان الضباب يلف المهمة شبه العسكرية لحركة القوميين العرب. وفي خريف 1968، أعلن أحمد جبريل الذي كانت جماعته أحد المكونات الثلاثة الأصلية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، انسحابه من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة القوميين العرب، وتشكيل جماعة فدائية جديدة اختار أن يسميها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وكان جبريل ضابطاً سابقاً في الجيش السوري، كما كان قد تلقى أموالاً من خلال جنرال سوري لتشكيل تنظيم فلسطيني، وفي وقت حرب يونيو/حزيران 1967 كان تعداد جماعته ما بين 100 و150 رجلاً. وكان الدافع لابتعاده عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ما شعر بأنه محاولة من قبل حركة القوميين العرب للسيطرة على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ايديولوجياً. (هامش: ادعى جبريل أن حركة القوميين العرب كانت قد أصرت على أنه وجماعته قد ألحقوا أنفسهم باتجاه حركة القوميين العرب. كما قال إن حركة القوميين العرب كانت تخطط للتدخل في شؤون الدول العربية الأخرى وان ضباطاً عسكريين كان يجري استبدالهم بعقائديين أشد اهتماماً بالحصول على سلطة سياسية من اهتمامهم بحل القضية الفلسطينية، وقال إن حركة القوميين العرب كانت تستخدم جماعته شبه العسكرية الأصلية (شباب الثأر) لكسب السيطرة على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي أكتوبر/تشرين الأول 1968 قاد محاولة لإبعاد "شباب الثأر" عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد انحاز "أبطال العودة" إلى جانب شباب الثأر، وكانت نتيجة لهذا الصد أن جبريل ذاته قد ترك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.


37. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تغرق في الفوضى

في نوفمبر/تشرين الثاني 1986، تم انقاذ حبش بطريقة مؤثرة من خاطفيه السوريين على أيدي بعض اتباعه من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أثناء نقله من سجن إلى آخر، كما ذكر، وفي هذا الوقت كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين غارقة في الفوضى فجبريل انسحب منها، وكان اتباع حبش وحواتمة يتنافسون في السيطرة على كل من حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعلى الرغم من ان حقيقة وجود انقسام لا يماري فيها أحد، كانت كل جماعة تدعي لنفسها الحق في اسم المنظمة وموجوداتها.
(يوجد حذف هنا)
وقد استخدم انصار حبش في الأردن في يناير/كانون الثاني القوات العسكرية المتاحة لهم لتخويف جماعة حواتمة، في جهد لضمان انتخاب الموالين لحبش للسيطرة على تنظيم حركة القوميين العرب في الأردن، وازدادت العداوة عندما "اعتقل" عناصر حبش نحو 14 عضواً من جماعة حواتمة واحتفظوا بهم كأسرى في مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عمان، وفي منتصف فبراير/شباط أصدر فصيل حبش بياناً يدعي فيه انه أبعد حواتمة واتباعه عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وان هذه المنظمة يجب عليها ان تختار لها اسماً آخر، وفي اعقاب صدام آخر، طلب من عرفات التوسط، وقيل إنه هدد بتدمير جماعة حبش إذا لم توقف هذه الحرب، كما مارس بنجاح الضغط على حبش لكي يطلق سراح الأسرى الأربعة عشر الذين يحتجزهم.
وقيل إن عرفات قال إن من المستحيل توحيد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وان الفصيلين يجب عليهما الافتراق رسمياً، حيث يحتفظ حبش، باسم المنظمة، باعتباره مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد وافق كل من حبش وحواتمة، وأعلن هذا الحل في 23 فبراير/شباط، وانشأ حواتمة ومجموعته الجديدة المكونة من نحو 90 عضواً لجنة مركزية مؤقتة، واختار اسم "الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين".


38. استراتيجية الجبهة الشعبية

تصف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أحكم جورج حبش سيطرته عليها، ايديولوجيتها باللينينية الماركسية الثورية. وأعلن حبش أن دولة فلسطين المستقبلية ستقوم على مبادئ ماركس- لينين، وأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ستكون قائدة الثورة. وحبش يتبنى وجهة النظر التي تقول ان الثورة يجب أن تقوم في النهاية في جميع أنحاء العالم العربي. فقد قال، على سبيل المثال، انه بعد تحرير فلسطين (عملية يقول انها ستستغرق بين 20-30 سنة)، لن تتحرر فلسطين فقط من الصهيونية، بل أيضا سيتخلص لبنان والأردن من "الرجعية"، وسوريا والعراق من برجوازياتهما الصغيرة. وعلى كل حال، يبدو أن هذه الايديولوجيا الثورية ليست القضية الجوهرية بالنسبة لحبش، بل ان هدف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هو تدمير دولة "اسرائيل"، وهو الأمر الذي يجب أن تكون له الأولوية حسب رأي حبش، على كافة محاولات التغيير في بقية العالم العربي.
هامش: في مقابلة مع مجلة "لايف" في يونيو 1970، بدا حبش كأنه قد حوّل تركيزه الى حد ما: ما أراده هو حرب على غرار حرب فيتنام، ليس فقط في فلسطين بل في كافة أنحاء العالم العربي. وذهب الى حد القول ان الأمة العربية برمتها يجب أن تدخل الحرب، وأنه خلال 3 أو 4 سنوات ستنهض القوى الثورية في الأردن وسوريا ولبنان، لمساعدة الفلسطينيين.
وفي حين أنها ما تترك مناسبة الا وتنكر فيها أن هدفها الرئيسي هو قلب الأنظمة المفروضة بالقوة، لا تشعر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنها ملتزمة بمساعدة الحكومات على البقاء في السلطة في الدول التي تعتبرها رجعية. وعليه فانها تعتبر نفسها حرة في تقويض الأردن ولبنان ورفض أية اتفاقيات بين هذه الدول والمنظمات الفدائية الأخرى. وحبش يحكم على حلفائه من خلال درجة عدائهم ل "اسرائيل". وهكذا، في يونيو عام 1970، صرح أن "الصين هي أفضل صديق لنا" لأن الصين ترغب في ان تُزال "اسرائيل" من الخريطة.
(يوجد حذف)
ومن أجل تحقيق هدفها في تدمير دولة "اسرائيل"، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنها ستقود صراعا شاملا على مستوى العالم ضد "اسرائيل" وأعوانها. ونظرا لحجمها الصغير وافتقارها للمال والسلاح، اعتمدت الجبهة على القيام بعمليات دولية ملفتة، مثل خطف الطائرات، لكسب اهتمام ودعم متزايدين، فهي الجهة المسؤولة عن معظم العمليات الارهابية الدولية المنسوبة الى الفلسطينيين.
هامش: قبل انقسامها في فبراير 1969، قامت الجبهة بخطف طائرة العال الى الجزائر (يوليو 1968)، بالهجوم على طائرات العال في أثينا (ديسمبر1968) وزيوريخ (فبراير 1969). وبعد الانقسام، تبنت الجبهة عملية تفجير خط انابيب التابلاين عبر البلاد العربية (مايو 1969)، واختطاف طائرة تي دبليو ايه الى دمشق (أغسطس 1969)، وتفجير مكتب شركة "ZIM" للشحن في لندن (أغسطس 1969)، وسفارتي "اسرائيل" في لاهاي وبون (سبتمبر 1969)، ومكتب شركة "العال" في بروكسل (أيضا في سبتمبر 1969).
وتتمثل أبرز عملياتها حتى اليوم في محاولة خطف أربع طائرات (نجحت في ثلاث منها) في 6 سبتمبر 1970، ومن ثم عملية الاختطاف الناجحة لطائرة بعد عدة أيام. ورغم رد فعل العالم الذي استنكر تلك العمليات، حظيت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باهتمام عالمي حين كانت تفاوض على اطلاق سراح الرهائن.
في يونيو 1970، استخدم حبش الأسلوب الكلاسيكي للارهاب في تبرير أعمال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قائلا: "نعتقد أن قتل يهودي بعيد عن أرض المعركة له تأثير أكبر من تأثير قتل 100 منهم في ميدان القتال، لأن ذلك يلفت قدرا أكبر من الانتباه. وعندما نضرم النار في مخزن في لندن، فان ألسنة اللهب القليلة تلك تعادل تدمير مزرعتين يهوديتين. ولأننا نجبر الناس على التساؤل عما يجري، فانهم سيدركون المأساة التي نعيشها".
(يوجد حذف)
وتبرر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هذه العمليات من منظور استراتيجي عسكري، وتقول ان "اسرائيل" هي جزيرة خطوط اتصالها الوحيدة عبر البحر والجو فقط، وان قطع هذه الخطوط يعتبر استراتيجية جيدة.
وفي يوليو 1970، شرح غسان كنفاني، أحد قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بشكل أوضح التكتيكات التي تقوم بها منظمته قائلا: الرأي العام العالمي منقسم ضمن ثلاث مجموعات هي: (1) الموالون ل "اسرائيل" الذين سيكون من الصعب التأثير عليهم، (2) الناس المتأثرون بالدعاية "الاسرائيلية" وهؤلاء يجب تحييدهم، (3) الدوائر اليسارية المتعاطفة مع صراعات التحرر الوطني والتي يمكن كسب دعمها. وقال كنفاني ان هدف عمليات الجبهة هو استقطاب مؤيدين، وان المنظمة حسب زعمه بخلاف مجموعات أخرى، حريصة على التزامها بمبدأ عدم الحاق الأذى بالأطراف المحايدة.
وكانت هناك عدة تقارير خلال عام 1970 حول العمليات التي خططت لها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد تأكدت صحة بعضها. ففي أوائل مارس 1970، هدد حبش بهجمات ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي 28 و29 تم شن عدد من الهجمات الصاروخية على منشآت أمريكية رسمية في لبنان قيل ان الجبهة مسؤولة عنها. وفي أواخر مارس 1970، أعلن عدد من قيادات الجبهة أن هناك خططا لخطف دبلوماسيين وخصوصا الأمريكيين والبريطانيين، على الطريقة الأمريكية اللاتينية. وخلال الأزمة بين الحكومة والفدائيين في الأردن في يونيو 1970، احتجزت الجبهة عددا من الرهائن الأمريكيين والبريطانيين والألمان الغربيين الى أن استجاب الملك حسين لمطالبها، كما اختطفت فيما بعد عددا آخر من المسؤولين.
ولم تتجسد التهديدات الأخرى لخطط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حتى الآن على الأقل. فقد كانت هناك تقارير تفيد بأن الجبهة خططت للقيام بأعمال تخريبية في الولايات المتحدة، وأنها ستستهدف منشآت النفط الأمريكية والبريطانية في المملكة العربية السعودية والخليج، وستستهدف أيضا عمليات الشحن الدولية، وستقوم بعمليات ارهابية في مختلف أنحاء العالم ضد المصالح والمواطنين الأمريكيين، وسترسل مجموعات الى نيويورك لاغتيال شخصيات كبيرة لها علاقة في مباحثات السلام في الأمم المتحدة.
واضافة الى عملياتها الارهابية الدولية، زعمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنها قامت بعمليات ارهابية ناجحة داخل "اسرائيل": مثال: تفجير حافلة في ايلات (مارس 1968)، وتفجير محطة حافلات في تل أبيب (يونيو 1986)، وتفجير مقهى في مستوطنة قرب تل أبيب (إبريل 1970). كما قامت الجبهة أيضا بعدد من عمليات التلغيم ونصب الكمائن ضد القوات العسكرية "الاسرائيلية" في "اسرائيل" والأراضي المحتلة، ولكن تلك العمليات كانت على هامش عملياتها الارهابية.
هامش: هذا يبدو صحيحا رغم زعم حبش في يونيو 1970 بأن الجبهة مسؤولة عن 85% من العمليات العسكرية في "اسرائيل"، وتقريبا 100% من العمليات في غزة، و50% منها في بقية المناطق المحتلة.
في أعقاب الحرب الأهلية في الأردن، ظهرت عدة تقارير تفيد بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد تأذت بشكل كبير، وكانت تفقد أعضاءها، وتفكر في احداث تغيير في تكتيكاتها. (يوجد حذف) الجبهة كانت تعمل على تشكيل منظمة سرية لتتولى الاغتيالات السياسية في البلدان العربية، وتدمير مصالح العدو، وأفاد تقرير آخر بأن حبش كان ينشئ في بيروت قاعدة لشن هجمات ضد المصالح الأمريكية والبريطانية والألمانية الغربية في لبنان، ومع ذلك هناك تقرير آخر يشير الى أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ستتحول للعمل السري كمنظمة ارهابية تستهدف المصالح العربية والغربية على أمل أن يقود ذلك الى انتفاضة جماهيرية عامة.


39. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تتجه نحو الاعتدال

(ثمة حذف هنا). وأشار من ناحية أخرى إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد خططت حالياً لإضفاء سمة الاعتدال على تكتيكاتها وأنها كانت تتحرك نحو المصالحة مع فتح. ونظراً لأن ما قامت به من عمليات خلال أزمة الأردن نفّر منها وأبعد عنها معظم المنظمات الأخرى، فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تواجه في تلك الآونة خطر الاندثار، لذا شعرت بأن عليها التعاون مع الآخرين. ويدعم هذا التحليل تقارير فحواها أنه نتيجة للانتقاد الصيني بعث حبش برسالة إلى عرفات في اكتوبر/تشرين الأول يعرب فيها عن دعمه لمواقف فتح في الأردن. وقال ابراهيم بكر في مؤتمر صحافي عقد في 6 اكتوبر/تشرين الأول إن حبش بالفعل كاتب عرفات ليدعم قرارات اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويفترض ان ينطوي هذا ضمناً على القبول بوقف لإطلاق النار في الأردن.
ولا يعني هذا بالضرورة أن ثمة تناقضاً في التقارير بين من ذهب إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خططت للاتجاه نحو العمل السري والنزول تحت الأرض، ومن قال إنها تتجه الى الاعتدال في سياساتها في هذه الآونة. وكان من الواضح أن هذه المنظمة تواجه متاعب لا يستهان بها في أعقاب أزمة الاردن. فالجبهة الشعبية التي كان يتهددها الاندثار ارتأت على ما يبدو ان تساير الجماعات الأشد قوة وتحاول التناغم معها كي تحمي نفسها، وفي الوقت ذاته تعيد تنظيم عملها وتخطط للمستقبل.

40. تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

تتفاوت التقديرات بخصوص حجم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فهي تتراوح ما بين 200 إلى 500 رجل في أوائل عام 1969 الى ما يقدّر بنحو ألف رجل في اكتوبر/تشرين الأول من عام 1970، ومن المحتمل ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحرزت نجاحاً أكبر في مضمار تجنيد المزيد من المتطوعين بفضل عملياتها التي تتسم بالإثارة، إلا أنها عانت على ما يظهر من خسائر فادحة في سبتمبر/أيلول من عام 1970 حين احتدمت المعارك بين المنظمات الفدائية والجيش الاردني خلال الحرب الأهلية. ومما يزيد من تعقيدات تقدير أعداد أفراد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين) وحجمها وجود جماعات سياسية انبثقت عن منظمة حركة القوميين العرب القديمة. ويقال: إن إحدى هذه الجماعات في لبنان كان لها، اضافة إلى عضويتها السياسية عدة آلاف من الأعضاء المسلحين الذين يتميزون عن فدائيي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وتعتبر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عموما من بين أكثر المنظمات تعبئة فكرية واحتشاداً بالمثقفين، اذا ما قورنت بالمنظمات الفدائية الاخرى، ولربما كان السبب في هذا خلفيتها ونشأتها في محاضن حركة القوميين العرب.
وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قيادة سياسية (أو المكتب السياسي)، وقيادة عسكرية، وكان حبش يرأس القيادتين، وكلتاهما كانت تتخذ من مقراً رئيسياً لها حيث كان حبش يقضي معظم وقته.
(هامش: الأعضاء الأهم في هذه القيادة كانوا: البرفيسور وليد الخالدي، من اساتذة الجامعة الأمريكية في بيروت، وهاني الهندي، الناصري الهوى والميول، والذي كان يعرف سابقاً بأنه رئيس استخبارات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين). وفي أغلب الأحيان، ولأسباب أمنية كان حبش والقيادتان يتحركون ويتنقلون ولا يمكثون في مقر واحد. وإضافة الى ذلك، قيل إنه كانت هناك لجنة سياسية في لبنان مسؤولة عن الاستراتيجية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما كان للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لجنة أيديولوجية، كما كانت تنشر مجلة "الهدف" الشهرية في بيروت.
وفي حين أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تبدو في الغالب، ومن حيث المبدأ، منظمة يهيمن عليها رجل واحد، فثمة كثير من الإشارات التي ظهرت مؤخراً والتي توحي بأن هيمنة حبش المطلقة في أوساط هذه المنظمة باتت تجابه لوناً من التحدي الذي يتأتى في جوهره من وديع حداد، عضو المكتب السياسي للجبهة. ففي فبراير/ شباط من عام 1969 كان حداد يعرف بأنه المسؤول الأول عن مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وبحلول ربيع عام 1970 كانت أموال المنظمة مودعة باسم حداد وفي حسابه في أحد بنوك بيروت، وأوردت التقارير رفضه الإمضاء على نفقات ومصاريف "العمليات الأجنبية" التي كان يشعر بأنها مكلفة جداً (ثمة حذف هنا). وتردد أن حداد قد "تجاهل" قراراً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (يحتمل أن يكون قراراً اتخذه حبش) بطرده من صفوفها. وحسب تقرير آخر، يرجع تاريخه إلى منتصف عام 1970، كان حداد مسؤولاً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن العمليات العسكرية الرديفة، اضافة إلى العمليات في الخارج ووراء البحار، ويرأس مجموعة منتقاة مسؤولة عن عمليات الاختطاف.
(هامش: تعكف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على التخطيط والتحضير لعملياتها بدقة بالغة وحرص شديد ولا تغفل حتى أتفه التفاصيل).
ويسافر أعضاء الجبهة بأوراق ووثائق ثبوتية عربية "مستعارة" وغالباً ما تكون مزورة. وتستخدم النساء وحتى الاطفال بشكل مكثف في عمليات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وحظي هذا التأكيد بدعم في سبتمبر/أيلول من عام 1970 عندما شغل حداد منصب الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أعقاب عمليات الاختطاف التي نفذت بتنسيق محكم.
ويوحي هذا الدليل بأن لوديع حداد نفوذاً كبيراً وهيمنة ضمن صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وان سيطرة حبش المطلقة وسطوته كانت تواجه تحدياً. وحقيقة أن حبش كان في كوريا الشمالية إبان عمليات الاختطاف في سبتمبر/أيلول تشير، هي والمفاوضات، إلى أنه لم يكن المسؤول المباشر عن هذه العملية. وكان ناطق باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لم يشأ الكشف عن اسمه قد صرح بأن غياب حبش عن المشهد خلال العملية ما كان ينبغي ان يدهش أحداً أو يجعله يتعجب، لأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منظمة ماركسية لينينية تلتزم بمبدأ القيادة الجماعية وليس لها ميول نحو تقديس الاشخاص. ولكن حبش تحدث في الماضي، باسم الجماعة. (هامش: حسب تقرير أوردته صحيفة بالتيمور صن في منتصف سبتمبر/أيلول فإن هاني الهندي، الذي شارك مع حبش في تأسيس حركة القوميين العرب كان أحد أعضاء جماعة اتخاذ القرارات خلال غياب حبش. وثمة رجل آخر هو "الكابتن صدقي". الذي يعتقد انه كان مسؤولا عن العمليات العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وهناك آخر (حذف هنا) وصف صالح رأفت وحداد بأنهما من كبار رجال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأقوياء. ونعت رأفت بأنه كان المخطط الرئيسي لعمليات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعمليات الاغتيال التي كانت تضطر إليها.
وقبل شهرين من اندلاع حرب سبتمبر/أيلول، في أواخر يوليو/تموز من عام 1970 برز دليل آخر يفيد بأن مكانة حبش بدأت تتآكل وأن هيمنته أخذت تتراجع. وكشف تقرير ورد في تلك الفترة عن خلاف وتنازع داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يتمحور حول الموقف الذي ينبغى اتخاذه بخصوص اتفاق الفدائيين مع الأردن، وحسبما راج افتراض التقارير، فإن حبش كان يعارض قبول الاتفاقية التي توصلت إليها قيادة الفدائيين الموحدة، في حين كانت لجنة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الايديولوجية تحبذ قبولاً ظاهرياً لمنح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقتاً إضافياً للمناورة، إلا أنها ظلت تتبع نهجاً ايديولوجياً يعارض الاتفاق، وشعرت اللجنة بأن حبش كان استبدادياً وأن تصرفاته أنانية تضر بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ووردت تقارير عن أحاديث دارت وفحواها أنه يجب "تصفية" حبش.


41. تمويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

ابتليت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بنقص في الامداد والافتقار إلى التمويل منذ تأسيسها، ولا سيما منذ انشقاق فبراير/ شباط عام 1969 الذي نجم عن خسارتها لمعظم تمويلها الذي كانت حركة القوميين العرب هي مصدره، واعتباراً من يوليو 1970 كان الوضع المالي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد أخذ بالتدهور حسبما أوردت التقارير، إذ إن العراق والسودان كانا قد قلصا إلى حد كبير المدفوعات المباشرة التي كانا يمدان الجبهة بها، وفي مايو/ أيار من عام 1970 تلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حسبما أوردت التقارير نحو 850 ألف دولار من ليبيا، من دون علم العقيد معمر القذافي، إلا أن التقارير أكدت أيضا أن مدفوعات ليبيا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد توقفت بالكامل في يوليو/ تموز من عام 1970.
هامش: (حذف هنا) اوقفت المعونات المالية لأن ليبيا كانت تعتقد أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت متورطة في محاولة الانقلاب التي جرت في أواخر مارس/ أذار في ذلك البلد، ووفقاً لتقرير آخر في مايو/ أيار، فإن النظام الليبي استولى على منشورات ومستندات للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تتهم ليبيا بالتدخل في الشؤون الفلسطينية الداخلية بدعمها لفتح).
(ثمة حذف هنا)، قد صرح بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تمولها منذ ذلك الحين وبشكل أساسي الاشتراكات الفردية والاسهامات التي يقدمها الفلسطينيون، ودعم هذا التأكيد أبو خالد في منتصف يونيو/ حزيران من عام 1970، حيث قال أبوخالد، ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لم تكن تحظى بتمويل سوى ذاك الذي كانت تتلقاه عن طريق الاشتراكات والاسهامات الشخصية ولم تكن تتلقى أي تمويل حكومي (بما فيه التمويل من الاتحاد السوفييتي).
وهكذا تضافرت الاشارات لتوحي بأنه بحلول منتصف عام 1970 لم تكن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تتلقى سوى نزر يسير من العون من الحكومات العربية، وقبل هذا المنعطف تذبذبت علاقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع مختلف الدول العربية، إذ إن هذه الدول كانت تحاول استغلال هذه المنظمة والتحكم بها، وكما بينا آنفاً ظلت الجمهورية العربية المتحدة، وعلى مدى سنوات طويلة هي المصدر الرئيسي لتمويل حركة القوميين العرب، وكان كثير من مسؤولي هذه الحركة في الحقيقة عملاء استخبارات للجمهورية العربية المتحدة، ولهذا السبب ربما كان متوقعاً منها أن تحاول بسط نوع من الهيمنة على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكان تصريح لحبش قد أوحى بأن مثل هذه المساعي قد بذلت بالفعل من قبل المصريين.
وصرح حبش في يوليو/ تموز من عام 1969 أنه التقى ناصر مرتين في الأشهر السابقة وأن ناصر أعرب عن تعاطفه مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعن استعداده لدعمها مالياً، إلا أن حبش أظهر كذلك أن المساعدة التي قدمت حقيقة كانت هزيلة جداً لا يعتد بها، أي بضع قطع من الاسلحة الخفيفة والعون الطبي.
وأيد (حذف هنا) آخرون مقولة حبش حين بين أنه على الرغم من الوعود بتقديم العون فإن الجمهورية العربية المتحدة لم تفعل شيئاً. ويشي هذا بالطبع بالشكوك التي كانت الجمهورية العربية المتحدة تكنها للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حسبما أوردت التقارير، والريبة من توجهات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المتطرفة وعدم رضاها، الذي ظهر في مناسبات عدة عن التكتيكات العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وعليه كانت ردود أفعال الجمهورية العربية المتحدة سلبية، حتى مايو/ أيار من عام 1969 حين وقعت عملية تخريب خطوط أنابيب النفط التي تمر بالجزيرة العربية، وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 1969 طلبت القاهرة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن توقف هجماتها على المرافق والمنشآت "الاسرائيلية" في الخارج على أساس أن مثل هذه الهجمات كانت تضر بعلاقات العرب بالبلدان التي تقع فيها تلك العمليات، ناهيك عن أن الطائرات العربية كانت مكشوفة وعرضة للعمليات الانتقامية "الاسرائيلية".
وكان لحبش رحلة غزل طويلة متواصلة مع العراق، الذي أوردت التقارير أنه تلقاه بحميمية وحرارة وترحاب بالغ في أعقاب هربه عام 1968، من النظام البعثي المنافس للعراق في سوريا. في ذلك الوقت، أوردت التقارير ان العراق وعد حبش بأسلحة، إلا أن حبش قال لاحقا: إن الكمية التي جرى تسلمها بعد ذلك كانت "متواضعة" ووفقا لأحد المصادر فإن العراق قلص ما كان يمد به الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من تمويل بحلول صيف عام 1970، وحسب مصدر آخر فإن العراق أوقف هذه المدفوعات بشكل كامل لأنه شعر بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تتودد آنذاك إلى نظام سوريا المنافس للعراق، وثمة دليل على أنه برغم ما لقيه حبش سابقاً من معاناة وحبس في السجون السورية فإنه كان يتطلع في الحقيقة إلى الحصول على مساعدة سوريا في منتصف عام 1970 لأن وضع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المالي كان بائساً وآيلاً إلى الانهيار.
وفتش حبش كذلك عن العون خارج نطاق الشرق الأوسط، وفي حين أعرب حبش عن صداقة حميمية مع الدول الشيوعية فإن هذه البلدان لم ترد له التحية بأحسن منها ولم تمده بعون كبير. وتم ضم بعض أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى مجموعات الفدائيين التي كانت تتلقى التدريب في الصين، إلا أن بكين لم تقدم دعما غير هذا، وفي سبتمبر/ ايلول من عام 1970 زار حبش كوريا الشمالية والصين في محاولة للحصول على الدعم. وحسبما أودت بعض التقارير، فإنه تلقى بعض الوعود بعون مالي وعسكري من البلدين إلا أن هذا لم يبلغ مستوى ما كان يأمل فيه، وقال أيضا إنه واجه انتقاداً شديداً من الصينيين بسبب "روح المغامرة" التي طغت على سياسات منظمته وبسبب "اليسارية الطفولية".
مع أن أحد التقارير زعم في عام 1968 أن تشيكوسلوفاكيا كان ترسل العون إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يبدو على الأرجح ان "العون" كان في الحقيقة مشتريات من الأسلحة، وخلال الفترة ما بين عامي 1968 و1969 أورد العديد من المصادر تقارير مفادها أن أسلحة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميعها إنما اشتريت نقداً من جهات في القطاع الخاص، وأنها ابتيعت من تشيكوسلوفاكيا وايطاليا والجزائر ومن الجمهورية العربية المتحدة ولبنان. وفي سبتمبر/ايلول من عام 1970 ذكرت التقارير ان مجموعة من ستة مقاتلين من فدائيي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانوا على أهبة السفر للتدريب في الاتحاد السوفييتي، إلا ان "تعثراً" طرأ بغتة، وربما حدث هذا التوقف نتيجة لعمليات الاختطاف أو لتفجر الأزمة في الاردن في سبتمبر/أيلول.

 
 

 

عرض البوم صور dr_e   رد مع اقتباس
قديم 10-07-08, 02:08 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الحب



البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56979
المشاركات: 4,653
الجنس أنثى
معدل التقييم: dr_e عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 43

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dr_e غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

42. الجبهة الديمقراطية تدعو إلى حرب شعبية طويلة الأمد

على الصعيد الإيديولوجي البحت، تعتبر الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين أكثر المنظمات الفدائية الفلسطينية راديكاليةً. ففي يوليو 1969، وصفها زعيمها نايف حواتمه بأنها حزب ماركسي لينيني ثوري مستقل بالكامل عن الأحزاب الشيوعية الرئيسية (كتلك في الاتحاد السوفييتي والصين)، وليست خاضعة لأية سلطات حكومية. وعلى كل حال، تنظر الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين إلى النضال الفلسطيني كجزء لا يتجزأ من النضال من أجل التحرر في بقية أنحاء العالم، كما تدعم التعاون بين جميع القوى المعادية ل "الإمبريالية"، و"الرجعية" في المعسكر الشيوعي خصوصاً.
وكانت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين قد أصدرت بيانا في نوفمبر/ تشرين الثاني 1969، دعت فيه "الجماهير" إلى التحرك لتدمير المصالح الإمبريالية في الشرق الأوسط والإطاحة بالأنظمة الرجعية. وفي المظاهرة التي نظمتها الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في ديسمبر 1969 في عمّان، ناشد حواتمه جميع الدول غير المتطورة إلى المشاركة في حركة تحرر وطني نابعة "من رغبة وقوة الجماهير"، وحثت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين بشكل خاص إخوانها في الكويت والجزائر والعراق والأردن للإطاحة بحكوماتها. وفي مؤتمرها السنوي الذي عقد في أغسطس 1970، دعت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، مرة أخرى، إلى تصفية فورية للنظام الأردني عن طريق الحرب الأهلية، وحثت على تشكيل "سلطة ثورية" في الأردن لتهيئة البلد للتصدي لخطة روجرز للسلام. وتقرر خلال هذا المؤتمر أيضا، أن علاقة الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين مع كل دولة غير عربية تقوم فقط على أساس رغبة تلك الدولة في التصدي لأي حل سلمي لقضية فلسطين. وفي الوقت الذي تم فيه إحباط محاولات طرح خط مؤيد لماو تسي تونج، واعتبار الاتحاد السوفييت عدواً للثورة، شجب المؤتمر موقف السوفييت الداعم لحل سلمي.
تتمثل الاستراتيجية العسكرية الرسمية للجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، في حرب شعبية شاملة طويلة الأمد، وقد قال حواتمه إن الشرق الأوسط يجب أن يتحول إلى فيتنام ثانية. والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين تتفق من حيث المبدأ، مع موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بأن المصالح "الاسرائيلية" والأمريكية في الشرق الأوسط هي أهداف مناسبة لهجمات إرهابية. وعلى كل حال، قامت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين ببضع عمليات من هذا النوع، ولكنها تختلف مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أنها يجب أن تنتظر حتى يشتد عودها وتصبح أقوى قبل القيام بعمليات متواصلة. فهي في الوقت الحالي، لا تملك القدرة المالية ولا التنظيمية للقيام بهجمات عديدة، أو حتى عمليات أقل من حرب الشعبية.


43. تنظيم الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين

في ديسمبر/ كانون الأول 1969، أفادت التقارير أن الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين أعادت تنظيم نفسها. وحتى يوليو/ تموز 1970، كان المجلس العام أعلى سلطة في الجبهة، ويضم ممثلين منتخبين من كافة الوحدات التابعة لها.
ويمثل المجلس العام الهيئة التشريعية عملياً، حيث يقوم بصياغة السياسة العامة، وتحديث القوانين الداخلية وغير ذلك. ويعقد المجلس العام اجتماعاً سنوياً ما لم يدع لعقد جلسة طارئة، ومن المفترض نظريا، أنه يختار اللجنة المركزية التي بدورها تختار أعضاء المكتب السياسي الذي يعد عمليا، أقوى هيئة في الجبهة. وهذا المكتب هو الذي يتولى إدارة الجبهة يوما بيوم ويترأسه الأمين العام (حواتمة). [هامش: من بين الأعضاء الآخرين في المكتب التنفيذي في عام 1970، كان هناك صلاح رفعت، الذي يقال إنه يترأس الجناح العسكري في الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين؛ وأديب ربه (المعروف ب ياسر عبد ربه) مسؤول الإعلام والدعاية؛ وبلال الحسن، ممثل الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والناطق باسم الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهو شقيق كل من خالد وهاني الحسن، القياديين في فتح؛ وأبو ليلى (الاسم الحركي)، ومحمد كتموتو، وهناك عضو آخر حسب التقارير، هو سامي ضاحي، الذي قيل إن الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في مايو 1970، ستنفذ فيه حكم الإعدام لقيامه بتعذيب وإعدام أعضاء من الجبهة من دون تحقيق مناسب. وأشار تقرير للمؤتمر السنوي في أغسطس 1970، إلى أن بلال الحسن وخالد هندي قد استقالا من المكتب السياسي اعتراضاً على القرارات التي اتخذت خلال المؤتمر. وعلى كل حال أدرجهما هذا التقرير كعضوين في اللجنة المركزية الجديدة إلى جانب ضاحي، الذي على ما يبدو أنه تمت تبرئة ساحته من تهمة التعذيب غير المصرح به.]
ولدى الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين عدد من اللجان التي تم تأسيسها للبحث في القضايا التنظيمية والتأديبية، وإدارة الخطط والبرامج. وكما هو معروف، فإن أصغر وحدة في الأحزاب الشيوعية هي الخلية التي ترفع التقارير إلى اللجنة المحلية التي بدورها ترفعها إلى اللجنة الإقليمية. فعلى سبيل المثال، هناك لجنة محلية في كل قاعدة عسكرية من قواعد الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، ويكون قائد القاعدة هو مسؤول اللجنة المحلية، وأيضا عضو اللجنة الإقليمية. ولدى المنظمة مجموعة كبيرة من الضوابط والعقوبات الداخلية.
هناك تباين كبير في التقديرات الخاصة بالقوة العسكرية للجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، ولكنها على الأرجح تصل إلى بضع مئات من المقاتلين كحد أقصى. وتبعا لأحد المصادر، عندما انقسمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في فبراير 1969، كان لدى الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين 30 عضوا فقط، معظمهم من القياديين في حركة القوميين العرب، ولكن بحلول صيف ذلك العام، وصل عدد أفراد الفدائيين في الجبهة إلى 600، وقد تكون هناك مبالغة في ذلك. ففي أغسطس/ آب 1970 ذكر أحد التقارير أن عدد الفدائيين في الجبهة 240 فقط إلى جانب 3900 "عضو" تقريبا، وقد يشير الرقم الأخير الدعم السياسي المتنامي لها في الشرق الأوسط. [هامش: على غرار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تقدم الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين الدعم لإحدى المجموعات المنبثقة عن حركة القوميين العرب في لبنان. وتمتلك هذه المجموعة نحو 1000 عضو بينهم 200 مسلح، كما تدعم الحزب الشيوعي اللبناني الموالي لبكين. كما ترتبط الجبهة بعلاقة صداقة مع حزب البعث السوري. في أوائل 1970، أفاد مصدر بأن المجموعة اليسارية اللبنانية المنبثقة عن حركة القوميين العرب (المكافئة للجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين) قامت بتأسيس حزبها الخاص وأسمته الحزب الاشتراكي اللبناني، برئاسة محسن إبراهيم (من بين آخرين)، رئيس تحرير مجلة "الحرية" التي تشكل جزءا من المجموعتين. وعليه كانت المجموعتان ترتبطان بعلاقة وثيقة]. ومن جهة ثانية، أشارت تقديرات أخرى إلى أن الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين تمتلك 700 مقاتل. ويقال إن فدائيي الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين صغار في السن - تتراوح أعمار معظمهم بين 15-20 سنة، وليسوا فاعلين كثيرا.
وقيل أيضا إن الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين تعاني من حالة تفكك في أعقاب الحرب الأهلية الأردنية بسبب فشلها في تحقيق صورتها ك "طليعة تقدمية" للثورة ضد النظام، وبالتالي خسرت الدعم الشعبي. وخلال المعارك، بدا حواتمة أنه لا يمتلك قناة اتصال مباشر مع قادة الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين الآخرين، وقام بعرقلة قراراتهم الرامية إلى تقويض سلطته. وعليه، ذهب إلى سوريا في أوائل أكتوبر لإعادة ترسيخ زعامته. وقيل إنه حتى أواخر أكتوبر، كان حواتمة وغيره من قياديي الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، يديرون المنظمة من دمشق التي أصبحت قاعدة لعمليات الجبهة التي قيل إنها تعاني من أزمات مالية صعبة جدا.


44. تمويل الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين

جابهت الجبه الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين مشاكل مالية متواصلة في الحقيقة، فمنذ منتصف عام 1969 لم تكن هذه المنظمة، حسبما أوردت التقارير تتلقى تمويلاً من أي دولة، وكانت تعتمد على اسهامات ضئيلة تردها من فروع الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في بلدان عربية أخرى، لا سيما الكويت، واسهامات من الطلبة العرب ومن جامعات أوروبا وأمريكا، كما اعتمدت أيضا على جماعات تجمع التبرعات في الأردن. وكان حواتمة قد صرح في منتصف عام 1969 أن فدائيي الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين لم يكونوا يتلقون رواتب بل كان الطعام والسكن والكساء هو كل ما يحصلون عليه، وان كل قاعدة من قواعد الجبهة الشعبية الديمقراطية ينبغي أن تعول على الاكتفاء الذاتي، بحيث تجمع الهبات والاسهامات من الأهالي، وبحلول ربيع عام 1970 كانت اسهامات واشتراكات الجبهة الشعبية الديمقراطية قد هبطت بشكل حاد عن المستوى المتدني الذي كانت عليه من قبل، حسبما أوردت التقارير وذلك بسبب سوء الوضع الاقتصادي العام في الأردن. وواجهت هذه المنظمة متاعب جمة لمجرد أنها كانت عاجزة عن تغطية مصاريف وكلفة نشاطاتها التي جرى تعليق الكثير منها جراء ضيق ذات اليد. وقيل بحق تلك الفترة ان الصندوق كان يعاني من المديونية، وكان عاجزاً حتى عن شراء الاسلحة.
لذا كانت حيازة الاسلحة مشكلة مزمنة عويصة لازمت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين دهراً مديداً وأعياها حلها، وقبل تشكيل قيادة الفدائيين المشتركة للكفاح المسلح الفلسطيني في فبراير/ شباط من عام 1969 التي سمحت للجبهة الشعبية الديمقراطية من خلالها أن تشتري بعض الاسلحة لفترة وجيزة، اضطرت الجبهة الشعبية الديمقراطية الى تكبد كلفة باهظة لشراء الأسلحة من السوق السوداء في الأردن. وفي يونيو/ حزيران من عام 1969، أكد أحد قادة الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين أن الجبهة تواجه تارة اخرى صعوبات في الحصول على الاسلحة لأنه لم تكن هناك حكومة عربية واحدة تمدها بها. (هامش: كانت علاقات الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين سيئة مع معظم الدول العربية، ربما باستثناء سوريا، وأغلقت الجمهورية العربية المتحدة مكتب الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في القاهرة في يونيو/ حزيران عام 1969، لأنه قيل إن الجبهة كانت تقوم بنشاطات تخريبية هدامة ضد الانظمة العربية "البرجوازية".وعندما انشقت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين عن الجبهة الشعبية الديمقراطية التسمت، حسبما أوردت التقارير العون من الكوبيين والصنيين، ولم تعرض كوبا سوى تدريب الفدائيين، وقيل إن الصينيين أيضا رفضوا مد يد العون،. باستثناء توفير بعض التدريب، إلى ان تبدي الجبهة الشعبية الديمقراطية تحولاً نحو ما اعتبرته بكين نهجاً ماركسياً لينينياً أكثر انضباطاً، وكانت بكين تعني بهذا على ما يظهر وبوجه خاص اقامة قاعدة للعمليات داخل المناطق المحتلة وانهاء العمليات الارهابية، التي كانت تنعت من قبل الصينيين بأنها "نزعة مغامرة" وفي يونيو/ حزيران من عام 1969 صرح أحد قادة الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، واسمه محمد كشلي انه في التحليل النهائي لم يكن الصينيون قادرين على مساعدة العرب، في حين كان بإمكان الاتحاد السوفييتي القيام بذلك، حتى ولو أن السوفييت كانوا يعارضون الحل العسكري للقضية الفلسطينية.كان تصريح كشلي يمثل بداية تحوّل تدريجي في توجهات الجبهة الشعبية الديمقراطية وما تركز عليه من أولويات، ويكشف عن تباعد مذهل ما بين مواقف الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين النظرية (التي تميل نحو الصين) وموقفها العملي (إذ ابتغت العون من الاتحاد السوفييتي).
وفي مارس/آذار من عام 1970 قال حواتمة إنه رفض دعوة وجهتها اليه الصين لزيارة بكين لأنه كان يأمل بتلقي عون سوفييتي. (هامش: في مارس من عام 1970 كان هناك وفد من الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في موسكو في محاولة للتفاوض من أجل شحن مباشر للأسلحة عبر ميناء اللاذقية السوري، إلا ان الجبهة لم تتلق مثل هذه الشحنة في صيف عام 1970)، ولم يضم وفد منظمة التحرير الفلسطينية الذي زار الصين في مارس/آذار من عام 1970 الجبهة الديمقراطية.
في أواخر يونيو/حزيران من عام 1970 صرّح مصدر في الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين بأن منظمته كانت تعارض في الأصل زيارة وفد منظمة التحرير الفلسطينية لموسكو في فبراير/شباط لأن الجبهة الديمقراطية كانت تعتبر السوفييت "يمينيين"، لكنها تحولت بعد ذلك إلى "موقف مستقل" ينادي بقبول العون من أي مصدر كان. وترجحت بهذا الصدد نظرية أن هذا التحول إنما أملاه الأمل الذي راود الجبهة الديمقراطية بأن يؤمن الاتحاد السوفييتي مثل هذا الدعم إلا ان العديد من المصادر أكدت أنه ومنذ يونيو/حزيران من عام 1970 لم يتم استلام اي عون سوفييتي، وأشار مصدر في الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين إلى أنه على الرغم من تغيير التكتيكات التي طرأت فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ظلت معارضة للاتحاد السوفييتي من حيث المبدأ لأسباب شتى، بما فيها مواقف السوفييت فيما يتصل بالتسوية السلمية ووجود "اسرائيل"، وأشارت مصادر أخرى في الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين الى الاستياء من استعداد الاتحاد السوفييتي لتقديم العون لفتح "الرجعية"، وأكدت ان السوفييت لا يسعهم تلقين أعضاء الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين وتدريبهم سياسياً لأن هذه المنظمة كانت تعتبر نفسها أكثر لينينية وماركسية من السوفييت أنفسهم.
وتلقت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين بعض الدعم والمساعدة من فتح في بداية انطلاقتها. وجاء هذا التحالف غير المألوف أو المتوقع ثمرة لرغبة عرفات بتقويض زعامة حبش، الذي كان من الجلي أنه أكبر منافس له على قيادة حركة الفدائيين. وكانت فتح والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين على طرفي نقيض على أية حال، وتباعد بينهما اختلافات جذرية كبرى تستعصي الحفاظ على علاقات ودية وطيدة. وفي أواسط عام 1969 قال مصدر في الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين إن علاقات منظمته مع منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد حميمة وإن قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني التي تسيطر عليها فتح قد توقفت عن إمدادها بالسلاح وأنها منعت أعضاء الجبهة الشعبية الديمقراطية من النقاش الايديولوجي أثناء اجتماعات قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، لأن هذه القيادة لم تكن تريد ان يرتبط اسمها بالبرنامج والمنهج الايديولوجي والسياسي الراديكالي للجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكانت تبتغي النأي بنفسها عن تلك المناخات الجدلية الفكرية.
هامش: "جمدت" أي علّقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين علاقاتها مع قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني في ديسمبر/كانون الاول من عام 1969.
فيما أشاحت الجبهة الشعبية الديمقراطية بوجهها، وتحولت عن فتح بعد أن تدهورت العلاقات واحتدم الخلاف، أقامت تحالفاً قصير الأجل مع منظمة الصاعقة الفدائية السورية وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 1969 التقى في دمشق زعيم الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة ومحسن ابراهيم بصلاح جديد الأمين العام لحزب البعث الحاكم في سوريا، الذي وعدهما بتقديم العون إذا أوقفت صحيفة الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين "الحرية" انتقادها لسوريا. ولم يتم التثبت مما إذا كان السوريون قد قدموا الدعم أم لا، إلا أن هذا التودد كانت النتيجة المنطقية للتحالف الوجيز للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، منافسة الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين مع منافس سوريا، البعث العراقي.
وفي اكتوبر/ تشرين الأول من عام 1968 انسحب أحمد جبريل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وترجح الافتراض بأنه جر معه في غمرة انسحابه العناصر ذاتها التي كان أتى بها إلى الجبهة الشعبية الديمقراطية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1967. وأطلق جبريل على جماعته الجديدة المنشقة اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. وكانت حجته ووجهة نظره التي دفعته للإقدام على هذه الخطوة أن حركة القوميين العرب قد أخلّت باتفاقها الأصلي بألا تسعى لفرض أيديولوجيتها على جماعة من الفدائيين، وزاد جبريل بأن اتهم حركة القوميين العرب بأنها جعلت شغلها الشاغل التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى بدل أن يكون قتال "اسرائيل" هو همها الأكبر.
والقيادة العامة هذه جماعة صغيرة جداً (ربما لم يكن عدد أعضائها يربو على المائة)، إلا أنهم كانوا على مستوى عال من التدريب العسكري، كما أوردت التقارير أنهم على درجة رفيعة من الاقتدار التقني والمهارة والكفاءة، ولا سيما عام 1969، كانت "القيادة العامة" ثلاثة أقسام، الجناح العسكري برئاسة جبريل، والجناح السياسي برئاسة فضل شرورو، والجناح المالي برئاسة زكي الشهابي، الذي أنيطت به مهمة جمع التمويل.
ونفت القيادة العامة وجود أي نية لديها أو رغبة بالاطاحة بالحكومات العربية أو التعدي على أو تقويض سيادة تلك الدول.
وكان من المعتاد أن تتخذ القيادة العامة مواقف معتدلة نسبياً تجاه حكومة الأردن. ومن ناحية أخرى، كانت هذه القيادة عضواً في قيادة الفدائيين الموحدة التي أنشئت في فبراير/ شباط عام 1970 لمقاومة الضغوط الأردنية. وعلاوة على ذلك، تبنى جبريل والقيادة العامة موقفاً معانداً ومتصلباً جداً خلال حرب سبتمبر/ أيلول 1970 في الأردن. وكانت هذه المنظمة الناشئة تمانع في وقف إطلاق النار وترفضه.
ويقال إن القيادة العامة تكبدت خسائر فادحة خلال حرب الأردن الأهلية، وقررت في نهاية المطاف مترددة بعد أزمة، الموافقة على الالتزام بشروط وقف اطلاق النار وهي تضمر امتعاضاً شديداً، وذلك كي تحاول إعادة بناء قواتها. ولدى القيادة العامة خطة طوارئ تتحول بمقتضاها إلى العمل السري تحت الأرض إذا ما حاول الأردنيون تصيفتها.
ولطالما عانت القيادة العامة من مشكلة مالية عويصة مزمنة، وتقدمت بطلبات عدة لجهات شتى التماساً للعون. وزار جبريل العراق في عام 1969 في محاولة للحصول على أسلحة. وأوردت التقارير أن القوات العراقية في الأردن وافقت في أوائل عام 1968 على تزويد القيادة ببعض الأسلحة. وأوردت التقارير أن الجمهورية العربية المتحدة قامت في أعقاب انفصال جبريل عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مباشرة في عام 1968 بإمداد جماعته بحوالي 150 قطعة سلاح. ورغم ما راج من تكهنات في تلك الآونة حول أن جبريل كان يحظى بدعم السوريين، لم تظهر إشارات وبينات لاحقة تؤيد مزاعم دعم السوريين لجماعته. وفي أغسطس/ آب من عام 1970 زار ممثل عن القيادة العامة دمشق التماساً للعون، إلا أنه عاد، حسبما قيل بخفي حنين، وأخبره السوريون بأنهم لن يسمحوا أبداً بانطلاق أي عمل فدائي ضد "اسرائيل" تقوم به أي جماعة من الأراضي السورية.
كما زار وفدان من القيادة العامة المملكة العربية السعودية في أواسط عام 1969 في محاولة غير ناجحة للحصول على تمويل. وقيل إن جبريل كان يفكر بمسعى آخر في أغسطس/ آب عام 1969، وخطط كي يقوم التماسه الجديد على أساس ما دعاه بالنهج المحافظ الجديد للقيادة العامة (أي الاتجاه الأكثر مسايرة وموالاة للسعودية)، في أعقاب الردة عن نهجه التي تولتها الأجنحة الناصرية الميول ضمن جماعته (وهي تحمل الآن اسم منظمة فلسطين العربية). وخطط جبريل أيضاً في تلك الفترة على أية حال للتهديد بتخريب خطوط أنابيب التابلاين إذا رفض السعوديون، موضحاً أن جماعته هي الوحيدة التي تمتلك الخبرة لإنجاز مثل هذه المهمة، وأن القيادة العامة هي التي عملت ودربت الجبهة الشعبية على القيام بنجاح بعملية نسف وتخريب الخطوط في مايو/ أيار من عام 1969. وليس ثمة من دليل يؤكد أن توسلاته وتهديداته أجدت نفعاً مع السعوديين.
وفي عام 1969 استطاعت القيادة العامة تدبر أمر شراء بعض الأسلحة من أوروبا الشرقية. وعندما انهارت المفاوضات مع بلغاريا، جرى شراء 150 بندقية كلاشنكوف من البولنديين، وكان نائب جبريل محمد بوشناق هو من نجح في إبرام الصفقة. وتم الاتفاق على شحن البنادق إلى القيادة العامة عبر العراق.



45. منظمة العمل لتحرير فلسطين

جماعات الفدائيين المستقلة الصغيرة

في أوائل عام 1969 انشقت جماعة يقودها عصام السرطاوي عن فتح. (هامش: تعرف هذه الجماعة أيضاً باسم الهيئة العاملة لتحرير فلسطين). وجاء هذا الانشقاق، حسبما راجت الأقاويل، ردة فعل غاضبة تجاه ممارسات عزيت إلى عرفات. (هامش: في صيف عام 1969 أدلت فتح بالعديد من التصريحات التي هاجمت فيها إنشاء منظمات جديدة، وشجبت منظمة العمل لتحرير فلسطين هذه التهجمات، قائلة إن فتح كانت تحاول تصفية جماعتها). وبين السرطاوي أن سبب غضبه هو ما اعتبره رفض عرفات تعيين كل من لم يكن عضواً في جماعة الاخوان المسلمين في منصب قيادي في فتح. وربما انطوى هذا الاتهام على قدر لا بأس به من الحقيقة، فنشأة عرفات ومشاربه ومذاهبه الأولى اخوانية، وفتح ترجع في أصولها إلى جماعة الاخوان المسلمين، وحافظ الكثير من قادة فتح على صلاتهم بالاخوان. وأشار مصدر آخر إلى أن السرطاوي كان عروبي النظرة، وكان يعتقد أنه ينبغي تجنيد العرب الثوريين من كافة البلدان وعدم الاقتصار على الفلسطينيين، إذ أن قضية فلسطين تهم العرب جميعاً.
ومن بين الأسباب الأخرى لإنشقاق السرطاوي رغبته في توحيد أولئك الفلسطينيين الذين يناصرون إما البعث السوري أو العراقي ويؤيدونه. وأورد أحد المصادر في تقرير له أن "منظمة العمل لتحرير فلسطين" أقامت علاقات حميمة إلى حد ما مع العراق، وأنها أصبحت تابعة للقوات العراقية في الأردن، في حين ذهب مصدر آخر إلى أنه منذ ديسمبر/ كانون الأول 1969 ظلت "منظمة العمل لتحرير فلسطين" مستقلة عن سوريا والعراق كليهما وربما كانت هذه التقارير جميعها، على تناقضها الظاهري، صحيحة. ففي منتصف مايو/ أيار من عام 1970 قال السرطاوي إنه قد حصل سوء تفاهم مع العراق الذي كان وعد بتقديم دعم مالي لمنظمة العمل لتحرير فلسطين، ونظراً إلى أن هذه المنظمة رفضت الرضوخ للهيمنة العراقية، وأنه يخشى أن يرجع العراق في كلامه ويحنث بالوعد الذي قطعه على نفسه. وعلاوة على ذلك كان العراقيون قد أنشأوا في تلك الفترة فصيلهم الفدائي المسمى "جبهة التحرير العربية" الذي أصبح تابعاً لهم ويشكل قوة تنتهج أسلوب حرب العصابات، فلم يعودوا بحاجة إلى منظمة العمل لتحرير فلسطين، وفي صيف عام 1970 بدت منظمة العمل لتحرير فلسطين وكأنها أخذت تتخذ مواقف موالية إلى حد ما للجمهورية العربية المتحدة، إذ راحت تدافع عن القبول المصري بمبادرة روجرز لوقف اطلاق النار.
ودعت منظمة العمل لتحرير فلسطين في كتيب نشرته في ربيع عام 1969، إلى شن حرب تحرير شعبية يشارك فيها العرب قاطبة شريطة أن تلعب القضية الفلسطينية الدور المحوري الرائد في هذا المعترك. كما دعت إلى توحيد العمل الفدائي والتصدي لكل محاولات تصفية الفدائيين ومقاومتها.
وفي أواسط مايو/ أيار من عام 1969 زعم السرطاوي أن عديد هذه الجماعة يصل إلى 400 رجل، إلا أن هذا يحتمل أن يكون مبالغة من قبله، ومن المشكوك فيه أن يكون عدد أفراد هذا الفصيل يزيد على مائة عنصر. وصرح السرطاوي أن "منظمة العمل لتحرير فلسطين" قد قامت ب 13 عملية فدائية في الأراضي المحتلة. وأعلنت منظمة العمل لتحرير فلسطين أيضاً مسؤوليتها عن هجوم على شركة الطيران "الاسرائيلية" "إلعال" في ميونيخ في فبراير/ شباط من عام 1970، وفي مقابلة له مع مجلة "شتيرن" في مارس/ آذار صرح السرطاوي بأن منظمة العمل لتحرير فلسطين قد أخذت على نفسها عهداً بملاحقة العدو "الاسرائيلي" حيثما استطاعت مطاردته وحيثما وجدت إلى ضربه سبيلاً.


46. جبهة النضال الشعبي


(يشار إليها في بعض الأحيان جبهة النضال الشعبي الفلسطيني)

تأسست جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بعد حرب 1967، كمجموعة صغيرة مستقلة من القوميين العرب، وكانت تدار في المرحلة الأولى من الضفة الغربية المحتلة. وفي ظل الضغوط المتزايدة من قبل "الاسرائيليين"، أجبر معظم أعضائها على الهروب باتجاه الضفة الشرقية في منتصف عام 1968، حيث اندمجوا لفترة مؤقتة مع منظمة فتح. وبعد بعضة أشهر، انفصلت المجموعة عن فتح وبدأت في تنسيق نشاطاتها مع قوات التحرير الفلسطينية (جناح الفدائيين في منظمة التحرير الفلسطينية)، وباتت تعتمد على المنظمة في الحصول على السلاح والمؤن. (هامش: في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1968 أصدرت المجموعة أول بيان لها أعلنت فيه مسؤوليتها عن الحريق في مطار اللد، وأصدرت بيانين مشتركين مع منظمة التحرير الفلسطينية حتى تاريخ 8 فبراير/ شباط).
يقع المكتب الرئيسي لجبهة النضال الشعبي في عمّان، وكان يرأسه خالد مرعي في أوائل 1969. ووفقا لأحد التقارير، بلغ إجمالي عدد رجال الجبهة في كافة قواعدها حوالي 200 في فبراير/ شباط 1970، فيما أفاد تقرير آخر بنفس العدد في أبريل/ نيسان 1970.
في فبراير/ شباط 1969، أصبح بهجت أبو غربية قائد جبهة النضال الشعبي. (هامش: قيل إن الدكتور سامي غوشه، وخليل سفيان وخليل مرعي كانوا من بين القادة السابقين للمجموعة). وأفاد تقرير بأن بهجت أبو غربية، العضو السابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد استقال في فبراير احتجاجا على تولي فتح زمام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وقال أحد المصادر، إن بهجت أبو غربية ماركسي ولا تتوفر معلومات كثيرة عنه.
في سبتمبر/ أيلول 1969، انضمت جبهة الكفاح الشعبي إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، ولكنها في مارس/ آذار 1970 أصدرت مذكرة تدعو فيها إلى تعزيز القيادة الموحدة للفدائيين، وإلغاء قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني. وعلى غرار المجموعات الفدائية الصغيرة الأخرى، كانت جبهة النضال الشعبي تخشى من خطط منظمة فتح الرامية إلى تصفيتها، وعليه كانت ترغب في تقويض قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني الخاضعة لمنظمة فتح.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 1969، أعلنت جبهة النضال الشعبي مسؤوليتها عن تفجير مكتب شركة طيران العال في أثينا، وفي أبريل/ نيسان 1970، صرح أبو غربية بأن الجبهة مسؤولة عن تفجير مكتب العال في اسطنبول، ومكتب شركة بان أميريكان في إزمير. وفي تلك المرحلة لخص أبو غربية استراتيجية جبهة النضال الشعبي على الشكل التالي:
"في هذه المرحلة.... نحن مجبرون على توجيه عملياتنا إلى أقصى حد ممكن، وفقاً للخطة المدروسة، بشكل خاص ضد أمريكا، زعيمة الإمبريالية". وقال "إن ضرب العدو في المناطق البعيدة سيساعد في تصعيد العمل العسكري داخل المناطق المحتلة".
في يوليو/ تموز 1970، قام ستة أعضاء من جبهة النضال الشعبي بخطف إحدى طائرات شركة الخطوط الأولمبية المتجهة من بيروت إلى أثينا واحتجزوا أفراد الطاقم والركاب رهائن وطالبوا بالإفراج عن سبعة فدائيين مسجونين في اليونان. وتم التفاوض على عملية التبادل عبر وسطاء من الصليب الأحمر، وبذلك أصبحت جهة النضال الشعبي أول مجموعة مسلحة عربية تنجح في تحرير معتقلين مدانين ومحتجزين.

47. منظمة فلسطين العربية

(تسمى أيضا منظمة تحرير فلسطين العربية)

في أغسطس/ آب 1969، أعلن ناطق رسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية أن قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني قد قبلت في صفوفها مجموعة تطلق على نفسها اسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة جناح المستقلين". ونشأت هذه المجموعة التي كان يقودها أحمد زعرور، كفصيل معارض في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، وموال لعبد الناصر. ولم تنجح محاولة زعرور في الاحتفاظ باسم القيادة العامة عندما هدد القائد العام أحمد جبريل بمحق مجموعة زعرور إن لم يتم تغيير الاسم، وعليه تم اعتماد اسم "منظمة فلسطين العربية". وبعد ذلك بفترة قصيرة، أشار جبريل إلى أن زعرور وجماعته قد انسلخوا قبل بضعة أشهر، موضحا أن "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة" أصبحت أكثر تماسكا على الصعيد السياسي (بمعنى اقترابها أكثر من السعودية) بغياب فصيل زعرور اليساري. وفي صيف عام 1970، دعمت منظمة فلسطين العربية باقتضاب، قبول عبد الناصر للاقتراح الأمريكي بوقف إطلاق النار.
من الواضح أن منظمة فلسطين العربية صغيرة الحجم جدا (أقل من 50 عضوا)، ولم تقم بأعمال تذكر. وفي أغسطس/ آب 1969 تبنت المنظمة تفجير الجناح "الاسرائيلي" في المعرض الدولي بمدينة إزمير التركية.

48. المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين

(تسمى أيضا منظمة الشعب العربي لتحرير فلسطين)

لا تتوفر معلومات كثيرة عن هذا المجموعة باستثناء أنها كما يقال، متعصبة للشيوعية وتدعم الخط الصيني. وأشار تقرير في عام 1970، إلى أنه قد تم تأسيس هذه المجموعة تحت رعاية سورية في عام 1967، وأنها انضمت إلى الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في يونيو/ حزيران 1969. وفي فبراير/ شباط 1970، أكد تقرير خاص بدمشق ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا أن المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين كانت منضوية تحت لواء الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، ولكنه كشف أيضا أنها فسخت هذا التحالف. وقيل إن قائدي المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين (محمد فياض وابراهيم خريشه) هما شيوعيان سابقان، وفي ربيع عام 1970 أفيد بأنها تستقطب شيوعيين انفصاليين موالين للسوفييت، وغيرهم من، الفلسطينيين المصدومين إلى جانب شيوعيين موالين للصين.
وقيل إن المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين تتخذ من عمّان مقرا لها، وفي فبراير/ شباط 1970، انضمت المجموعة إلى قيادة الفدائيين الموحدة. ولم تقم المجموعة بأي نشاطات "إرهابية".


49. هكذا ولدت "الصاعقة" و"جبهة التحرير العربية" و"الأنصار"

طلائع حرب التحرير الشعبية "الصاعقة"

باعتباره أحد مساندي النشاطات ضد "اسرائيل" قدم نظام البعث السوري الدعم المتواصل للعمل الفدائي، وعلى أية حال حرص السوريون على وضع حد لانطلاق العمليات الفدائية من الأراضي السورية، وشجعوا على القيام بعمليات فدائية انطلاقاً من الأردن ولبنان.
وفي أعقاب حرب يونيو/حزيران عام 1967 بدأ السوريون يدربون مجموعة من جندهم على أساليب ومناهج حرب العصابات. وفي خريف عام 1967، ذكرت التقارير أنهم رتبوا لعدد من الضباط الصينيين كي يقدموا إلى سوريا للإشراف على مثل هذه الدورات التدريبية، وابتعث السوريون علاوة على ذلك مجموعة من السوريين توجهت إلى الصين للانخراط في دورة تدريبية تستغرق 30 يوماً. (هامش: في يوليو من عام 1970 زار وفد من الصاعقة بكين إضافة إلى فيتنام الشمالية ورأس الوفد محمود المعايطة قائد تنظيم الصاعقة والقيادة القومية لحزب البعث).
في هذه الفترة المبكرة اثر حرب يونيو 1967 كان السوريون لايزالون يقدمون كذلك دعماً ضخماً لفتح إلا أنه وابتداء من عام 1968 ثمة جفوة بدأت تتعمق بين فتح والنظام السوري، وفيما أخذت فتح تنأى بنفسها عن سوريا لنفورها من فكرة تسليم زمام أمورها، ومفاتيح قراراتها لهيمنة دمشق، وانتهج السوريون سبيلاً آخر في التعامل مع فتح بعد أن أدركوا ضرورة التفتيش عن بدائل فبدأوا يكثفون تركيزهم واهتمامهم فبسطوا رعايتهم وأغدقوا دعمهم على مجموعة جديدة من الفدائيين تكونت من فلسطينيين مقيمين في سوريا وتهيمن عليها سوريا هيمنة كاملة. وهكذا ولد تنظيم الصاعقة. وأجازت سوريا جمع التمويل والتبرعات للصاعقة (كانت الغالبية العظمى منها تأتي من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا). وفي أواسط عام 1968 ذكرت التقارير أنه كان للصاعقة ثلاثة معسكرات تدريب في دمشق ولم يلبث حضور الصاعقة ان امتد إلى الأردن، وبحلول ربيع عام 1968 سرت أقاويل بأن ثمة 150 عنصراً مسلحاً مقاتلاً من الصاعقة كانوا في وادي الأردن الشمالي ومنطقة اربد وفي حين أوعز السوريون لهؤلاء الرجال بأن يتعاونوا ابتداء من الحكومة الأردنية ومع الجماعات الفدائية الأخرى، لا سيما فتح، روت التقارير أيضاً أنهم كانوا على يقين من أن هدفهم النهائي إنما هو اختراق هذه الفصائل وأمثالها والهيمنة عليها.
وفي خريف عام 1968 حدث انشقاق في منظمة الصاعقة وشكل قائدها الأصلي طاهر دبلان، وهو بعثي متقد الحماس وعقيد سابق في الجيش السوري، جماعة جديدة اطلق عليها اسم "فرق النصر" وسبب هذا التصدع لم يتضح حتى الآن، إذ ذهب أحد التقارير إلى أن دبلان شعر بأن السوريين خذلوه لذا يمم وجهه شطر الجمهورية العربية المتحدة ملتمساً الدعم. وأنحى مصدر آخر باللائمة في هذا الانشقاق على صراع على السلطة نشب بين دبلان ونمير حافظ. فعندما شرعت جماعة دبلان بالقيام بعملياتها في منطقة محصورة محددة جنوبي البحر الميت سرعان ما هب الجيش الأردني لوقف عمليات دبلان، ثم وقع من بعدها صدام مفتوح ومواجهة بين دبلان والسلطات الأردنية في نوفمبر من عام 1968. واصطفت منظمة التحرير الفلسطينية وفتح مع الأردن فدمرت جماعة دبلان.
ولحق بمنظمة الصاعقة أذى بالغ جراء هذا الانشقاق، بيد أن النظام السوري سرعان ما بادر إلى تعزيز معسكرات "الصاعقة" التي كانت منتشرة إلى الشمال من اربد في الأردن وواصل دعمها بشكل مضطرد، وبحلول بداية عام 1969 تحدث المراقبون الذين يعدون التقارير عن أن "الصاعقة" دربت نحو ألف ضابط وجندي، غير أن هذه التقارير أكدت كذلك أنه على الرغم من العديد من البيانات التي صدرت عن دمشق فإن الصاعقة لم تنشط قط للقيام بعمليات ضد "اسرائيل" وأعرب العديد من ضباط قوات التحرير الفلسطينية عن خوفهم من أن الصاعقة لم تزرع في الأردن إلا لتدمير الملك حسين في المقام الأول، ودعم هذا الاستنتاج تقرير ل "ثمة حذف هنا" في أواخر عام 1969 يفيد بأن سوريا دأبت على تكديس الأسلحة (التي كان السوفييت مصدر معظمها) في قواعد "الصاعقة" وتوزيعها من ثم على عناصر حزب البعث في المدن الأردنية، وفوق ذلك قيل إن الصاعقة كانت تدرب أعضاء محليين في حزب البعث على استخدام هذه الأسلحة.
وأشار تقرير آخر أعده (ثمة حذف هنا) في أواخر عام 1969 إلى أن قائد قوات الصاعقة العسكري في الأردن كان دافع جمعاني (المشهور بكنية أبوموسى)، وأن التنظيم العسكري ينقسم إلى قطاع شمالي (تحت قيادة حاجم هنداوي، المكنى بأبي مروان) وقطاع أوسط (يرأسه محمود المعايطة، المكنى بأبي الوليد) وقطاع جنوبي (بقيادة علي الطراونة).
وكان لكل قطاع قاعدة (أو عدّة قواعد) جرى بعدها بزمن تجزئتها إلى زمر صغيرة وأرهاط يتكون الرهط منها من خمسة عناصر.
وقال الناطق باسم "الصاعقة" في خريف عام 1969 إن لمنظمته قيادة متحركة كانت ترابط أغلب الأحيان في الأردن وفي أوقات أخرى في سوريا، وإن لها أيضاً قيادات محلية وأجنحة سياسية في البلدان العربية. (هامش: كانت مجلة الصاعقة التي تحمل اسم "الطلائع" تنشر في دمشق) وأضاف ان غاية الصاعقة تحرير فلسطين، ومن ثم انتهاج السبيل الاشتراكي، واتباع تعاليم الاشتراكية". وفي حين لم تشارك الصاعقة ذاتها في أي عملية فدائية ضد "اسرائيل" انبرى الناطق باسمها لامتداح بعض العمليات مثل اختطاف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة تابعة لخطوط TWA قائلاً إن مثل هذا العمل كان جيداً لأنه يضرب المصالح الأمريكية، ويتيح للعرب فرصة تبادل الأسرى مع "اسرائيل".
وفي حين تجمع التقارير على الجزم بالرأي الذي يذهب إلى أن تنظيم الصاعقة من إنتاج البعث السوري يقيناً، يثور سؤال بخصوص أي من أجنحة البعث المتناحرة في سوريا كان يهيمن على منظمة الصاعقة وكان اثنان من أكبر قادة "الصاعقة" في عام 1969، وهما رئيف علواني، وإبراهيم العلي، حسبما شاع القول، من أخلص الضباط الداعمين لصلاح جديد، رأس القيادة القومية لحزب البعث التي كانت تناوئ الجناح الذي يقوده وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد (هامش: ذكرت التقارير أن حافظ الأسد طرد كلاً من علواني والعلي من الجيش السوري).
والذي تسنى له ترجيح كفة هيمنته قليلاً في سوريا في أوائل عام 1969 إلى أن استطاع حسم الأمر واستتب له الوضع وسيطر على الحكم في أكتوبر من عام 1970. كما انغمس رئيس الوزراء السابق يوسف زعيّن وهو عضو في الجناح الذي كان يقوده صلاح جديد في شؤون الصاعقة بصورة متعمقة.
ويوحي تقرير أعد في ربيع عام 1969 بأنه كانت هناك خلافات حادة وخطيرة داخل سوريا بشأن النهج الذي ينبغي للصاعقة أن تسير عليه، وبين هذا المصدر (ثمة حذف هنا) أن الاضطرابات والقلاقل التي أقضت مضجع لبنان في ربيع عام 1969إنما رسم خططها وصممها جناح صلاح جديد لإثارة المتاعب وتعقيد المشاكل وتأزيم الأمور بين الحكومتين السورية واللبنانية، وحسب تقرير ل"ثمة حذف هنا" فقد تحدث رئيس الأركان العامة السوري، الظاظا، وهو أحد مؤيدي الأسد، إلى علواني، والذي كان وقتها مسؤولاً عن الصاعقة في لبنان وقال له: "لم نتفق على ما تقومون به في لبنان وينبغي أن تدركوا هذا". وحظيت هذه التقارير والأنباء عن هذه الثنائية وهذا الانقسام بمزيد من التأكيد والتوثيق لاحقاً في مارس من عام 1970 على لسان ياسر عمرو، وهو أحد أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي قال إن الصاعقة لا يتم إمدادها ودعمها من قبل الجيش السوري بإمرة وزير الدفاع، الذي أجهض في كثير من الأحيان نشاطات الصاعقة لأن الوزير حافظ الأسد معادٍ للصاعقة، وبين عمرو أن الصاعقة تعتمد في دعمها وإمدادها على صلاح جديد ويوسف زعين.
وفي بداية يونيو من عام 1970 جرى تعيين الرائد عزيز خضورة نائباً لقائد قوات الصاعقة في لبنان، ربما عكست هذه الخطوة تحركاً لحافظ الأسد لبسط هيمنة كاملة على الصاعقة، إذ قيل إن خضورة كان من مؤيديه في حين كان النائب الآخر مصطفى دن حسبما ذكرت تقارير يدعم صلاح جديد. وكذلك اشتمل القرار الذي أعلن عن هذا التغيير على تنمية المسؤول علواني، الذي كان يناوئ الأسد على ما يظهر، عن قيادة قوات الصاعقة في لبنان، وتم في نهاية المطاف استبداله بزهير محسن الذي لم يعرف حتى الآن ولاؤه ولا مع من يتعاطف، وتؤكد تقارير أخرى في عام 1970 ان عملية الغربلة والتطهير كانت تجري على قدم وساق في صفوف كوادر الصاعقة القيادية في لبنان، وأوحت هذه التقارير بأن تلك الخضة التي نالت من قيادة الصاعقة إنما كانت تعكس الصراعات المحتدمة ضمن نظام البعث السوري.
وبغض حافظ الأسد المتأصل للصاعقة، الذي غالباً ما تحدثت عنه التقارير (والذي ربما كان ينبع جزئياً من التهديد المحتمل الذي يمكن أن تمثله هذه القوات سواء للجيش النظامي أو لشخص حافظ ووضعه ومنصبه) ظهر جلياً في أواخر أكتوبر من عام 1970 فأثناء انعقاد المؤتمر القومي لحزب البعث السوري الذي أوردت التقارير أنه تزامن مع قرار اتخذ حينها بطرد الأسد، وقال ان الأسد سارع يومها بالرد باستبدال حرس المؤتمر من عناصر الصاعقة برجاله المختارين من الجيش النظامي، ومن ثم استولى على السلطة وبسط هيمنته الكاملة. وذكرت التقارير أنه أبقى كلاً من رئيس الدولة آنذاك نور الدين الأتاسي ورئيس الوزراء السابق يوسف زعين تحت الإقامة الجبرية. وكان زعين ضليعاً في أمور الصاعقة متعمقاً في شؤونها ويحيط علماً بنشاطاتها وعملياتها وأما مستقبل هذه المنظمة فيكتنف آفاقه ضباب كثيف في الآونة الراهنة بعد تتابع هذه الأحداث.


50. جبهة التحرير العربية

أسس حزب البعث العراقي منظمة "جبهة التحرير العربية" في منتصف عام 1969 لتنافس نظيرتها منظمة الصاعقة السورية، التي كان نظام البعث السوري هو الوصي عليها والحامي والداعم لها، وكانت المنظمتان على طرفي نقيض وتجمع بينهما عداوة رغم اعتناقهما الأهداف البعثية العامة ذاتها في الأساس والجوهر. وفي أواخر عام 1969 اتهمت جبهة التحرير العربية سوريا بالسعي لاختراقها وشق صفوفها، وسرعان ما أقامت جبهة التحرير العربية عدداً من مناطق التدريب خارج بغداد لفدائيي جبهة التحرير العربية، الذين تلقوا المزيد من التدريب في الأردن. وجرى حينها نشرهم، إما في الأردن أو في لبنان حيث رابطوا بشكل دائم، ووفقاً لأحد التقارير تم ابتعاث كثير من الناس إلى الصين أيضاً، أو إلى فيتنام الشمالية للتدريب.
وبحلول أواسط عام 1970 كانت جبهة التحرير العربية قد أصبحت نشطة تماماً في لبنان، وفي أواخر يونيو/حزيران من ذلك العام اعترضت السلطات اللبنانية شحنة أسلحة مكونة من 600 بندقية كلاشينكوف، وقنابل يدوية كانت مرسلة إلى جبهة التحرير العربية، (هامش: ربما كان يراد بجزء من هذه الشحنة أن يذهب إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين). في لبنان من قبل قوات القادسية (الفرقة من جيش التحرير الفلسطيني الملحقة بالقوات العراقية) في الأردن، إلا أنه سمح لها بنهاية المطاف بمتابعة سيرها إلى مقصدها (ثمة حذف هنا) كشف عن زيادة كبيرة في نشاطات جبهة التحرير العربية في تلك الآونة وأوردت تقارير عن افتتاح العديد من المكاتب وعن تزايد عدد المقاتلين وازدياد ما يردهم من كميات الأسلحة، وحتى ذلك الحين كانت "جبهة التحرير العربية" منظمة خاملة نسبياً وليس لها نشاطات تذكر سواء ضد "اسرائيل" أو في لبنان والأردن.

51. قوات الأنصار

تغيّر موقف الأحزاب الشيوعية العربية من النشاط الفدائي في عام 1969، إذ تحول من المعارضة إلى الدعم أولاً، ومن ثم ارتدت الأحزاب الشيوعية العربية بزة العمل الفدائي وانتقلت إلى التأسيس الفعلي لمنظمة فدائية شيوعية وعكس هذا التحول صعود نجم الفدائيين وتعاظم شعبيتهم وتنامي مخاوف الحركات الشيوعية من العزل والتهميش من قبل القوى الراديكالية الأخرى في العالم العربي، وهذا إضافة إلى التطور الذي طرأ بشكل متزامن على السياسة السوفييتية. وكانت الأحزاب العربية وفيةً بدرجات متفاوتة للنهج السوفييتي والخط الذي سارت عليه السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط، والتي لم تكن مقبولة بالنسبة للفلسطينيين، ألا وهي مساندة الحل السلمي الذي لم يكن يعني لهم سوى الاستسلام والقبول بحق "اسرائيل" في الوجود، أي مجرد دعم مطلب استرداد العرب للأراضي التي احتلتها "اسرائيل" في عام 1967 وليس تحرير العرب لفلسطين كاملة واستعادتها برمتها وفيما اقترب الشيوعيون العرب من تبني موقف مناصر للحركة الفدائية الفلسطينية مراعاة للمناخ المحلي وللمشاعر العربية، حاولوا جاهدين من دون أن يفلحوا، اقحام لون من التوفيق القسري وإيجاد قدر من الانسجام بين موقفين متناقضين في الصميم، موقفهم هم، وموقف الفدائيين. (هامش: سوف نناقش في هذا الجزء من الوثائق أحزاب الأردن ولبنان وسوريا والعراق إلى حد ما، فمع أنه لم يكن يشكل حزباً في حالة تصادمية، إلا أن الحزب العراقي شارك في إنشاء تنظيم الأنصار، وأما حزب الجمهورية العربية المتحدة فلم يكن له وجود فعلي).
وفي اجتماع عقد في منتصف عام 1968 مع الشيوعيين العرب في موسكو، وفي مؤتمر آخر عقدته لاحقاً الأحزاب العربية أفلح ضغط السوفييت في حمل هذه الأحزاب على النأي بنفسها والتبرؤ من سياسة الغارات الفدائية المعادية ل"اسرائيل" وعلى امتداد سنة 1968 عارضت معظم الكتابات الشيوعية التي تناولت هذا الموضوع مثل هذه النشاطات التي جرى تصويرها على أنها تلحق بالقضية العربية بأسرها ضرراً بالغاً وكان الحزب الشيوعي اللبناني أول من حاد عن هذا النهج، وتنصل من هذا الخط وأسس لعلاقات ذات مغزى مع الجماعات الفدائية. (سبق أن وردت تقارير شتى عن نوايا مزعومة تضمرها هذه الأحزاب لدعم الفدائيين، إلا أن هذه النوايا لم يتم الإفصاح عنها أبداً، ولم تتبلور قط وفي ابريل من عام 1968 ذكرت التقارير أن الحزب الشيوعي الأردني أصدر تعليمات لجماعته بأن تكثف الجهود جميعها وأن تذهب جميع التبرعات التي تجمع في السعودية لدعم القضية الفلسطينية الآن، وفي أوائل عام 1969). وبعد أن بدأت كفة هيمنة وزير الدفاع السوري حافظ الأسد على النظام السوري ترجح، وبدأ يستولي على مقاليد الحكم في سوريا أخذ ضرب من التوتر الشديد يستفحل بين الحزب الشيوعي السوري والنظام وظهر في هذه الآونة ذاتها تقرير يفيد بأن الحزب كان يحاول إنشاء جماعة فدائية لن تكون مرتبطة بالحزب بصورة مكشوفة، على أن تكون غاية هذه الجماعة الحقيقية دعم الحزب في سوريا إذا أصبح هذا ضرورياً ووفقاً لهذا التقرير، كانت السفارة السوفييتية في دمشق تدعم تشكيل الجماعة هذه، كما أن اتحاد الشيوعيين اللبنانيين المنشق كان قد قضى فترة من الزمن تعامل خلالها مع فتح والصاعقة والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكان يفكر بإقامة منظمة فدائية خاصة به، وثمة كذلك حزب ثالث شيوعي لبناني، وهو حزب موال للحزب الماركسي اللينيني- الصيني وكان يفكر بالتعاون مع الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في أوائل عام 1969 وصرح زعيمه كمال شاتيلا في فبراير/ شباط من عام 1969 بأن هذا التوجه سيعتمد على ما إذا كان الجناح الماركسي من حركة القوميين العرب (أي بمعنى آخر، الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين) قد رفض الخط السوفييتي الذي يحبذ حلاً سلمياً. وفي فبراير/ شباط من عام 1969 التقى ممثلون عن فتح بالحزب الشيوعي اللبناني ممثلاً أبرز قادته الذين التمسوا المشاركة في نشاطات فتح السياسية وفي جمع التمويل في لبنان. وقال رئيس وفد فتح صلاح خلف إن اللجنة اللبنانية لدعم النشاط الفلسطيني والفدائي كانت أداة فتح وسبيلها للظفر بالدعم السياسي في لبنان، وأنه ينبغي أن ينضم الحزب الشيوعي اللبناني إلى تلك الجماعة واشتكى، خلف من أن دعم الحزب الشيوعي اللبناني للفلسطينيين كان محدوداً جداً ومقصوراً على تبني سياسة "إزالة آثار عدوان حزيران 67" (وهي العبارة التي طالما ظل السوفييت يستخدمونها لتعني استعادة الأراضي التي احتلت في عام 1967). وردّ الناطق باسم الحزب الشيوعي اللبناني كريم مروة (وهو الذي كان ينشر أيضاً جريدة النداء الشيوعية) قائلاً إن هذا لم يعد صحيحاً الآن، وأن النهج قد تغير، وأن الحزب الشيوعي اللبناني ينادي حالياً بتصفية دولة "اسرائيل" وإقامة دولة فلسطينية ثنائية القومية وأرادت فتح أن يبرز لها الحزب برهاناً على حدوث هذا التغيير، وقال مروّة إن الحزب الشيوعي اللبناني سوف يصدر بياناً عمّا قريب يوضح فيه أبعاد هذا التغيير. إلا أن هذا لم يحدث على أية حال.
وعوضاً عن ذلك اجتمع الحزب الشيوعي اللبناني في أوائل ابريل من عام 1969، وأكد بعبارات يكتنفها الغموض وتشوبها العموميات دعم الحزب للمقاومة الفلسطينية وللعمل الفدائي شريطة ألا يقود هذا إلى تفجير أزمات لبنانية داخلية، وفي مايو/أيار قال ناطق باسم الحزب الشيوعي اللبناني، ان الخط الذي كان ينتهجه حزبه يختلف عن خط الحزب الشيوعي الأردني. (هامش: فيما يتعلق بهذه القضية، في حين كان الحزب الشيوعي الأردني يؤيد قرار مجلس الأمن الدولي، فإنه كان يدعم في الوقت ذاته الكفاح المسلح الفلسطيني لاسترداد الحقوق المشروعة، غير أنه لم يشرح ولم يعرف هذه الحقوق، وأظهرت النتائج التي تمخض عنها العديد من الاجتماعات الأخرى بين الحزب الشيوعي اللبناني وممثلي فتح في النصف الأول من عام 1969 ان الحزب الشيوعي اللبناني لم يجلّ موقفه بوضوح، لكن فتح ظلت حريصة على محاولة حملة على الإقدام على هذه الخطوة. ولطالما ظل هناك تقارب على وجه العموم بين الحزبين الشيوعيين اللبناني والأردني في المواقف، إذا كان كلاهما يلتزم بخط الاتحاد السوفييتي المؤيد لناصر.
وذكرت التقارير أن فتح التمست خلال اجتماع عقد في مارس/آذار المساعدة في جمع الأموال، وتأمين المأوى لمقاتلي فتح ولدعم المجهود الإعلامي والدعائي كما التمست أن يمارس الحزب الشيوعي اللبناني ضغطاً على الحزب الشيوعي الأردن لتغيير بعض مواقفه المتشددة في ولائه للخط السوفييتي، وعرضت فتح مقابل هذا قبول متدربين من الحزب الشيوعي اللبناني في صفوفها، ولم يتضح مدى ما بلغه الاتفاق الفعلي وما هي آفاقه، إلا أن العديد من أعضاء الحزب الشيوعي اللبناني بينوا أنه بحلول الأيام الأولى من شهر ابريل/نيسان كان الحزب يجمع بعض التمويل لفتح. وفي اجتماع عقد في يوليو/تموز أوردت التقارير أن الحزب الشيوعي عرض تعاوناً أكبر مع فتح شريطة أن تقطع علاقاتها مع اتحاد الشيوعيين اللبنانيين المنشق غير أن فتح رفضت هذه الرشوة.
ويوحي أحدث هذه التقارير أن العلاقات بين الجماعتين كانت لاتزال سلسلة وتدعم تقارير أخرى هذا الاستنتاج.
ووفقاً لإحدى الروايات فإن مروّة التقى أيضاً بزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش في ربيع عام 1969 ووافق على البدء بالتعاون مع جماعته طامعاً من خلال هذا بتحييد مكائد عرفات وإجهاض ما يتفتق عنه دهاؤه في يوليو أوردت التقارير أن قراراً للحزب الشيوعي اللبناني دعا للتعاون مع الصاعقة وجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية الديمقراطية غير أنه ناشد الجميع توخي أقصى درجات الحذر في التعامل مع فتح.


52. الاتحاد السوفييتي يغير موقفه تجاه الفدائيين ويقرر دعمهم

في خريف عام 1969 طرأ تحول على الموقف السوفييتي من الفدائيين، فلم يلبث ان انعكس هذا التغيير في الحال على النهج الذي كانت الأحزاب الشيوعية العربية قد اتخذته سبيلاً وارتضته سياسة. ويبدو أن السوفييت قد تبنوا أخيراً الخط السياسي الذي كان ينتهجه الحزب الشيوعي اللبناني على مدى أشهر عدة، ألا وهو التأييد الصريح لحق الفلسطينيين في المقاومة وممارسة الكفاح المسلح. (هامش: قال مسؤولو الحزب الشيوعي اللبناني إنهم في الحقيقة أقنعوا السوفييت بأن الحزب أخذ يتحول إلى جماعة منعزلة وأنه ينبغي ان يدعم الفدائيين، وأنهم هم الذين طرحوا مبادرة الحوار بين السوفييت والفدائيين التي أسفرت عن زيارة وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى موسكو في عام 1970. وفي أوائل سبتمبر/أيلول ذكرت التقارير أن المسؤولين في السفارة السوفييتية في بيروت ابلغوا المسؤولين في الحزب الشيوعي اللبناني ان السوفييت قرروا دعم الفدائيين الذين يقاتلون من أجل التحرير الوطني، وأن الدعم السوفييتي لقرار الأمم المتحدة لن يعيق تأمين الدعم لمثل هذه القضايا.
وفيما تحول السوفييت واقتربوا كثيراً من موقف الحزب الشيوعي اللبناني، قرر هذا الحزب تطوير خطه وتعديل مساره وعدم الاقتصار على دعم الكفاح المسلح بالكلمة والتحرك باتجاه المشاركة الفعلية في ذلك الكفاح. وفي سبتمبر/أيلول أرسل الحزب الشيوعي اللبناني بوفود إلى كل من الاردن وسوريا يقترح على الحزبين الشيوعيين الاردني والسوري تأسيس لجنة تنسيق لدراسة وتدبّر أمر المشاركة الشيوعية في حركة المقاومة. وتظاهر السكرتير الأول في الحزب الشيوعي الأردني فؤاد نصار بالترحيب بهذا الاقتراح وصرّح بذلك علناً، إلا أنه استدرك فقال: إن حزبه ينبغي ان يدرس هذه القضية. وساند السوريون اللبنانيين ووافقوهم على كل النقاط محل النقاش، وقال مسؤولو الحزب الشيوعي اللبناني لاحقاً إنهم شعروا بأن الحزب الشيوعي السوري، الذي عهد عنه واشتهر بالتزامه المتزمت بالخط السوفييتي بحذافيره دون ان يبدي أي مرونة، قد تلقى للتو موافقة السوفييت على الاقتراح، وأثناء زيارة وفد الحزب الشيوعي اللبناني لسوريا استقبل السفير السوفييتي في دمشق موخيتدنوف مسؤولي الوفد وأكد حصول هذا التغير في اتجاه السياسة السوفييتية.
وبحلول خريف عام 1969 شرع أعضاء الحزب الشيوعي اللبناني بتلقي تدريب على العمل الفدائي في سوريا. وأتم العديد من الجماعات التي تتكون الواحدة منها من رجال يتراوح عددهم بين 80 إلى 100 شخص دورات تدريبية في سوريا تستغرق الواحدة منها ثلاثة أسابيع في فترة نهاية العام، وأوردت التقارير ان أعضاء من الحزب الشيوعي اللبناني جرى إرسالهم في جماعات صغيرة الى الاردن للتدرب على أيدي "مجموعة فدائية من الجناح اليساري". وكانت هذه المجموعة المشار إليها (حذف هنا) هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقيل أيضاً إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تتعاون كذلك مع الحزب الشيوعي اللبناني اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول 1969 لتأسيس قواعد في جنوب لبنان.
وثمة تقارير أيضاً تفيد بأن مسؤولي الحزب الشيوعي اللبناني قد التقوا حبش في مطلع الخريف ووافقوا على التعاون، حيث ارتضى الحزب الشيوعي اللبناني القيام بدور الوسيط لحساب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع السوفييت لتدبير زيارة لحبش إلى موسكو.
هامش: في خريف عام 1969 كان هناك تقرير واحد يفيد بأن السوفييت كانوا قد شرعوا بالفعل بإجراء محادثات مع حبش عبر وسيط في دمشق، وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تأمل في ذلك الوقت بأن يتمكن حبش من زيارة موسكو، إلا أن هذا لم يتطور ولم يبلغ درجة النضج.
وفي خريف عام 1969، وردت تقارير عن أن الحزب الشيوعي كان يسعى أيضا للحصول على كمية من الأسلحة الخفيفة، بعضها من سوريا، وقيل، حسبما ذكرت التقارير، إن بعضها الآخر من فتح. (هامش: بحلول شهر سبتمبر تحسنت على ما يبدو العلاقات بين فتح والحزب الشيوعي اللبناني مرة أخرى، وكان الحزب الشيوعي اللبناني قد جمع في الحقيقة بعض الأموال ليقدمها لفتح مقايضة ليحظى بدورات تدريبية عسكرية لكوادره في معسكرات تدريب فتح في الأردن. وذكرت التقارير أيضاً ان فتح وافقت من جهتها على تقديم أسلحة لبعض شيوعيي لبنان، وجاءت هذه الموافقة ثمرة لإبداء الشيوعيين مقاومة عسكرية لهجوم "اسرائيلي" على قرية عيترون اللبنانية. إلا انه أواخر اكتوبر، ذكرت التقارير أن مسؤولي الحزب الشيوعي اللبناني لم يحرزوا سوى تقدم طفيف في مفاوضاتهم للحصول على الأسلحة سواء من سوريا أو من فتح، مع انهم حصلوا بالفعل على بعض الأسلحة من فتح لقاء تزويدها ببعض المؤن وبعض المرشدين اللبنانيين الخبراء بتضاريس جنوب لبنان ومداخله ومخارجه. ثم ظهرت تقارير أخرى تؤكد ان فتح عادت فقدمت المزيد من الأسلحة للحزب الشيوعي اللبناني.
في اواخر نوفمبر/تشرين الثاني قال مسؤول في الحزب الشيوعي اللبناني إن حزبه منهمك في تنظيم وإعداد وتدريب ميليشيا مسلحة مؤلفة من أناس سيتم إمدادهم بالأسلحة (وسيدفع كل عضو منهم ثمن ما يحصل عليه من سلاح) وتدريبهم على استخدامها.
وفي غضون ذلك، ذكرت التقارير أن الحزب الشيوعي السوري عقد سلسلة اجتماعات في اكتوبر/تشرين الأول لمناقشة الخط السوفييتي "الجديد" والموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفييتي تجاه الفدائيين. (هامش: قال رشيدات في اكتوبر/تشرين الأول إن الاتحاد السوفييتي قد غيّر موقفه أخيراً تجاه الفدائيين وأنه أصبح على استعداد لدعمهم.
وفي جولة محادثات (حذف هنا) عقدت في منتصف اكتوبر/تشرين الأول قال الأمين العام للحزب الشيوعي السوري خالد بكداش إن حزبه شرع بتوفير دورات تدريبية عسكرية لبعض أعضائه ليتمرسوا في العمليات القتالية الفدائية، آخذاً بعين الاعتبار تأسيس وحداته الخاصة به، إلا أنه أحجم الإعلان عن ذلك لأنه لم يشأ استثارة شكوك النظام السوري الذي تربطه به علاقة ودية حميمة.
وفي بداية نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1969 ذكرت التقارير أن الحزب الشيوعي الأردني قرر هو الآخر أيضاً تأسيس المنظمة الفدائية الخاصة به، وأنه تلقى تطمينات بأن السوفييت سوف يمدونه بالسلاح والمال. وكان لهذه النقلة أهمية كبيرة لا سميا وأن الحزب الشيوعي الأردني ظل من الناحية التقليدية أشد معارضة للنشاطات الفدائية من أي حزب شيوعي عربي آخر، الأمر الذي كان يثير آنذاك الكثير من التساؤلات والشكوك حول حقيقة توجهاته ومنطلقاته، وبخاصة أن الساحة كانت تضج بقعقعة سلاح الفدائيين ودعواتهم للقتال من أجل التحرير. وكان الحزب الشيوعي الأردني قد عانى على ما يبدو من انقسام بل وانشقاق حول هذا الموضوع لأشهر عدة بسبب موقفه الأساسي المتصلب. (هامش: (ثمة حذف كبير هنا) وكان الحزب الشيوعي الأردني قد شهد انشقاقاً في أوائل عام 1969، حيث نادى جناح من الحزب يقوده كل من السلفيتي ونصار بحل سلمي للقضية الفلسطينية، في حين دعا فصيل آخر يقوده الزيادين والمدانات الى استخدام أساليب أقرب إلى انتهاج الكفاح المسلح والقتال. في أوائل يوليو/تموز شكّلت مجموعة من الحزب موالية للصين منظمة فدائية، وفي أول بيان لهم هاجموا نصار والسلفيتي لالتقائهما مع السوفييت في مسألة الاعتراف ب "اسرائيل" والموافقة على قرار الأمم المتحدة. ولم يكن لهذه المجموعة أي أثر على الإطلاق. وفي أواخر اكتوبر/تشرين الأول أصبحت مكانة زيادين وموقفه مهيمناً، حسبما ذكرت التقارير، فرضخ الحزب وأسس ذراعاً عسكرية له)، وفي نهاية المطاف استقر رأي الحزب على ان سياسته المعهودة بالنأي بنفسه عن الانخراط في العمل العسكري والاحجام عن قتال "اسرائيل" قد ألحقت به ضرراً بالغاً على صعيد انتشاره الشعبي وقبول الناس له وأنه يجب ان يشارك في الكفاح لينقذ وضعه المتردي وإلا اندثر.
غير أن هدفه سيكون من الآن فصاعداً "إزالة العدوان "الاسرائيلي" وليس تدمير دولة "اسرائيل". وقالت تقارير وقتها إن تدريب عناصر الحزب الشيوعي الأردني على فنون القتال الفدائي وعملياته قد شرع بالتبلور وينحو نحو اتخاذ خطوات عملية في نوفمبر/تشرين الثاني.

53. قرار تشكيل قوات الأنصار

ذكرت تقارير ان ممثلي الاحزاب الشيوعية في العراق وسوريا والاردن ولبنان اجتمعوا في نوفمبر/تشرين الثاني 1969 واتفقوا على تأسيس منظمة قوات انصار مشتركة، على ألا يتم هذا العمل رسمياً أو علنياً حتى ربيع 1970. واتفق الممثلون على انهم سيقومون في هذه الاثناء بتعزيز العلاقات مع المنظمات الفدائية القائمة، وتجنيد عناصر من المقاتلين الشيوعيين في تلك المجموعات، وعندما يتم الاعلان عن "منظمة الانصار" الشيوعية، سوف يتخذ قرار بسحب هؤلاء المقاتلين أو ابقائهم في المنظمات التي انضموا اليها.
وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول اجتمع ممثلو الاحزاب الاربعة في موسكو مع سوسلوف وبونوماريف، وقيل انهم تلقوا وعداً بالدعم. وفي منتصف فبراير/شباط 1970، قيل ان ترتيبات كانت جارية ليرسل كل حزب عناصر منه إلى موسكو ليتلقوا برنامج تدريب على حرب العصابات.
وفي حين بقي تشكيل القوة المشتركة معلقاً، واصلت الاحزاب المختلفة عملياتها الخاصة بها. وقيل ان الحزب الشيوعي اللبناني أخذ في بداية يناير/كانون الثاني يحرك مصادره في جنوب لبنان لتشكيل جماعة مسلحة. وفي منتصف يناير وزع الحزب منشوراً يدعو الشيوعيين في الجنوب اللبناني للمسارعة الى الدفاع عن القرى والى تنظيم لجان مقاومة شعبية. وفي ابريل/نيسان 1970 أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني تحليلاً للاحداث الاخيرة قال فيه ان أحد أهم هذه الاحداث تمثل في تشكيل الحرس الشعبي. وذكر انه من اجل تمويل هذه القوات فإن ضريبة إلزامية سيتم فرضها بنسبة خمسة في المائة على دخل كل عضو في الحزب.
هامش: في بداية ابريل/نيسان طلب من اعضاء خلايا الحزب الشيوعي اللبناني التبرع لدعم عائلات الذين التحقوا بالفدائيين في جنوب لبنان، وقيل ان اعضاء خلايا الحزب الشيوعي اللبناني أخبروا في يوليو/تموز أنه يتوجب عليهم جميعاً الخضوع لتدريب كوماندوز في جنوب لبنان. وقيل ان برنامج التدريب هذا سيبدأ في الأول من يوليو/تموز ويتوقع ان يستمر ستة أشهر، حيث يتلقى كل واحد من الاعضاء تدريباً لمدة خمسة عشر يوما. وكان الحزب الشيوعي اللبناني يعاني، حسبما قيل، من مصاعب مالية في يوليو/تموز 1970 نتيجة لعبء دعم كل من الميليشيات الشعبية في جنوب لبنان، وقوات الانصار في الاردن.
في أواسط مارس/ آذار ميّز أحد المصادر من الناحية من النظرية بين قوات الأنصار، التي كان هدفها المعلن هجومي (أن تهاجم العدو وتقاتله) وبين وحدات الحرس الشعبي التابعة للحزب الشيوعي اللبناني، التي كانت مهامها ووظائفها دفاعية (لحماية لبنان من هجوم "اسرائيلي").
وكان الحزب الشيوعي اللبناني يواصل في تلك الآونة الحفاظ على علاقات مع شتى جماعات الفدائيين. وفي تحليله الذي نشره في ابريل قال المكتب السياسي إن العلاقات تحسنت مع منظمة الصاعقة وفتح وجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويقال إن جبهة التحرير العربية وافقت على تدريب أعضاء الحزب الشيوعي اللبناني، ووافقت فتح على انضمام عناصر غير فلسطينية إلى صفوفها، بل وعلى قبول شخصيات غير فلسطينية في قيادتها العليا، وأن تقبل بشيوعيين باعتبارهم من أعضائها، وقال المكتب السياسي إن هؤلاء الشيوعيين وقد حصلوا على موافقة الحزب الشيوعي اللبناني على الانضمام إلى جماعة فدائية حزبية شيوعية منفصلة لتلقي التدريب سوف تستمر طاعتهم لقيادة حزبهم "ولن يشكلوا تنظيمات فدائية حزبية شيوعية منفصلة عن الحزب".


54. الحزب الشيوعي الأردني يشكل "الأنصار"

في السابع من مارس/ آذار من عام 1970 باغت الحزب الشيوعي الأردني الجميع بإعلانه عن تشكيل قوات الأنصار، وبيّن الحزب أن هذه القوات ستنضم إلى الكفاح المسلح، وقال إنها تستجيب بذلك لطموحات ونداءات أتباعه الداعية للتعاون مع الفدائيين ودعم تنظيماتهم، كما بيّن الحزب الأردني أن قوات الأنصار سوف تدافع عن حق الشعب بتحقيق ما أطلق عليه الغاية الوطنية العظمى لحركة المقاومة، والمتمثلة بتحرير فلسطين، وكان هذا تصرفاً أحادياً أقدم عليه الحزب الشيوعي الأردني، وذكرت التقارير أن هذه الخطوة أذهلت حتى الحزب الشيوعي اللبناني، ويقال إن الحزب الشيوعي الأردني شعر بأنه وبنتيجة أزمة فبراير/ شباط في الأردن، ينبغي عليه إما أن يتخذ موقفاً قوياً، في دعم المقاومة، أو أن يخسر مكانته وينحسر، وهكذا بدا هذا التنظيم الوليد (قوات الأنصار) لبرهة من الزمن وكأنه نتاج استأثر الحزب الشيوعي الأردني بصناعته ولم يكن مشروعاً مشتركاً ساهمت الأحزاب الأربعة الأخرى بإنتاجه. (هامش: ظل الحزب الشيوعي الأردني يعاني من الانقسامات بشأن هذا التنظيم الذي أقامه وأعلن عن إنشائه، إذ ذهبت مجموعة إلى القول إنه ينبغي أن يكون مفتوحاً ينضم إليه أي شخص يؤمن بالماركسية اللينينية، فيما ارتأت أخرى أنه ينبغي أن يقتصر على أعضاء الحزب الشيوعي الأردني وأن تنحصر مهامه في حماية الوضع الداخلي للحزب الشيوعي الأردني في الأردن.

55. رفض طلب "الأنصار"

في نهاية مارس/ آذار 1970 تم رفض طلب قوات الأنصار للانضمام لعضوية القيادة الموحدة للفدائيين بسبب الفيتو الذي صدر عن فتح، وكان السبب الذي اعلنته فتح أن قوات الانصار غير مقبولة لأنها تحبذ الحل السلمي.
وفي بداية مايو/ أيار قال عرفات ان فتح لن تعترف بالانصار إلى أن تعلن الجماعة عن سياساتها، وأضاف أنه إذا كان هدف الجماعة الرئيسي هو فقط "ازالة آثار عدوان الخامس من يونيو/ حزيران 1967، فمن الافضل لها ان تبقى حيث هي، لأننا لسنا على استعداد لقبول حل غير متكامل".
واكد اعضاء فتح في مجالسهم السرية أن "الانصار" ربما يحاولون استخدام الحركة لدعم سياسات السوفييت في الشرق الأوسط، وركزوا على حقيقة خضوع الانصار لموسكو. (هامش: شجع الصينيون على وجهة النظر هذه التي تعتبر الانصار دمى لموسكو أنشئت لدوافع خفية، وطبقاً لأحد التقارير فإن الصينين ارسلوا حمولة من الاسلحة لفتح في ربيع 1970 امتناناً للفيتو الذي اصدرته فتح لمنح عضوية الأنصار في القيادة الموحدة للفدائيين). وفي 17 مارس/ آذار قدمت وكالة الأنباء اليوغسلافية "تانيوغ" دعماً للانتقادات الصادرة عن فتح، بالاشارة إلى أن قوات الأنصار لا تدعم شعارات المنظمات الفدائية الاخرى الداعية لتدمير "دولة اسرائيل" واقامة الدولة الفلسطينية.. فالأحزاب الشيوعية العربية دائما لديها موقف متطابق مع السياسة السوفييتية في الشرق الأدنى، وهي تدعم خطة تقسيم فلسطين في عام 1948.
باستثناء فتح، فإن جبهة النضال الشعبي، والهيئة العاملة لتحرير فلسطين، وجميع الأعضاء الآخرين في القيادة الموحدة للفدائيين دعموا قبول الانصار في تلك القيادة، وذكر تقرير داخلي للانصار في بداية ابريل/ نيسان إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت الأكثر دعماً للجماعة، حيث قدمت المساعدات والتدريب، وان الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين قدمت أيضاً دعماً لا يستهان به. (هامش: يذكر ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين دعمت الانصار لانها اعتقدت انهم لا يختلفون كثيراً عنها من الناحية الايديولوجية، والاهم تشكيل كتلة لمواجهة فتح. وفي نهاية مارس/ آذار قال بلال الحسن أحد زعماء الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ان الجبهة تريد تشكيل جبهة يسار فلسطينية مع الانصار، وستقدم هذا الاقتراح للحزب الشيوعي الاردني، واضاف ان الجبهة الديمقراطية قبلت مجموعة ثانية من الحزب الشيوعي السوري للتدريب في قواعدها). وتدل الوقائع على أن الجبهتين الشعبية والديمقراطية كان يحدوهما الأمل بتشكيل تحالف مع الانصار ضد فتح، وربما كان يراودهما أمل في ان ذلك سوف يكسبهما دعم السوفييت وقدمت الصاعقة الدعم أيضاً، وكذلك أبدت جبهة التحرير العربية استعداداً لفعل ذلك، وفي منتصف يونيو/ حزيران علق زعيم في الحزب الشيوعي اللبناني (نديم عبدالصمد) قائلا: طالما أن فتح ضد الشيوعية أساساً، فليس بالإمكان ان يعمل الحزب الكثير مع فتح على قاعدة ثابتة، واعرب عن أسفه لذلك معترفاً بأن فتح اهم المنظمات الفدائية، وقال عبدالصمد ان علاقة الحزب الشيوعي اللبناني مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أقوى من علاقته مع أي من المنظمات الفدائية الاخرى.


56. الأحزاب الشيوعية تختار الأردن مركزاً سياسياً ولبنان قاعدة إعلامية

في أوائل ابريل/نيسان من عام 1970 التقى ممثلو الأحزاب الشيوعية الأربعة المشاركة مرة أخرى في العراق لمناقشة الخطوات التي ينبغي اتخاذها لاحقاً في خضم عملية تشكيل قوات الأنصار والتي تشمل تقوية القواعد والتخطيط للعمليات وجمع التمويل. (هامش: في ذلك الوقت لم يكن لقوات الأنصار سوى قاعدتين صغيرتين في الأردن. وفي اوائل ابريل/نيسان شوهدت مجموعة جديدة من الفدائيين تنتمي إلى قوات الأنصار في مخيمات اللاجئين في صيدا، وأشارت التقارير إلى أن بروزهم هذا وصمودهم ربما كانا بسبب أسلحتهم الحديثة وانضباطهم) وكان هناك جدل عريض ثار بشأن الخط السياسي الذي ينبغي انتهاجه، إلا أنه جرى الاتفاق على ان البيان الذي أصدره الحزب الشيوعي الاردني في مارس/آذار ينبغي ان يكون الأساس في تحديد معالم السياسة وتعريفها، وأنه يجب ان يلتقوا مرة أخرى في مايو/أيار للتحضير لبيان سياسي. واتفق على أن عمان ينبغي ان تكون مركزاً سياسياً لقوات الأنصار، في حين تخدم بيروت الأنصار بصفتها قاعدة إعلامية، كما اتفق على اقامة مكتب في كل واحدة من العواصم العربية الأربع. وقررت الجماعة ألّا ترفع طلبات قبولها في قيادة الفدائيين الموحدة في ذلك الوقت حتى لا تظهر بذلك بمظهر الطرف الضعيف.
واتخذت بعض الخطوات على ما يبدو في شهر ابريل/نيسان لتعزيز قوى الانصار. وطلب الى أعضاء الأحزاب الأربعة والمناصرين لهم والمتعاطفين معهم بأن يدخروا جزءاً من مرتباتهم الشهرية (5% وفقاً لأحد التقارير) وان يبعثوا بهذه الإسهامات الى لجنة الادارة في عمان. وقيل إن تنظيم الحزب الشيوعي الاردني برمته انهمك في التفتيش عن قواعد ومكاتب لقوات الأنصار وكانت أربعة مكاتب اقليمية قد افتتحت في الاردن (هامش: تمركزت المكاتب في مخيم الوحدات في عمان، ومأدبا ومخيم البقعة وفي إربد)، وانشئت القواعد لقوات الأنصار بالتدريج، حيث أقيمت على أساس انتاجي وعلى مبدأ ان تدعم نفسها بنفسها.
عندما اتجتمع ممثلو الاحزاب الشيوعية الأربعة مرة أخرى في عمان في أواخر مايو/أيار لوضع برنامج سياسي وصياغة خطاب عام يفصح عن ماهية هذا البرنامج ويحدد معالمه لم يكن أحد منهم قدأعد مسودة باستثناء الوفد السوري، الذي كان قد اعد بياناً يدعو الى "تحرير فلسطين". فإما ان الممثلين لم تكن لديهم توجيهات واضحة صريحة من قياداتهم الحزبية. أو أنهم شطحوا فتجاوزوا تلك الإرشادات، وذلك لأن القرار الذي جرى تبنيه من قبلهم بأن يعبروا بصياغة ولغة لا لبس فيها عن موقف قوات الأنصار السياسي. ولم يكن أي من الأحزاب ذاتها قد ذهب إلى هذا المدى في خروجه عن الخط الشيوعي السوفييتي، ولم يكن اي منها مستعداً للقيام بهذه الخطوة في هذه الآونة.
ولا شك أن السوفييت كانوا منزعجين من هذا الحدث فعقب هذا الاجتماع بوقت قصير ذكرت التقارير ان السفارة السوفييتية أخّرت إرسال رسالة كان الحزب الشيوعي اللبناني قد أعدها بشأن الأنصار. وكان من المقرر توزيع هذا الخطاب على الأحزاب الشيوعية في جميع أنحاء العالم.
وتقول الرسالة إن الانصار يقاتلون مع المنظمات الفدائية الأخرى لتمكين الفلسطينيين من ممارسة حقهم المشروع في حكم أنفسهم بأنفسهم وتقرير مصيرهم". وفي حين لم تناقض هذه الصياغة بحد ذاتها موقف الاتحاد السوفييتي من الحقوق الفلسطينية، فإن السوفييت قرروا على الأرجح أنه ينبغي عليهم إعادة النظر في ارتباطهم المباشر بجماعة شيوعية سجلت رقماً قياسياً في دعمها ل "تحرير فلسطين".
وجاء المزيد من التأكيد على جنوح السوفييت إلى التهدئة فيما يتصل بقوات الأنصار من خلال ردة الفعل التي أبدوها تجاه الوفد الحزبي الرباعي الذي سافر إلى أوروبا الشرقية التماساً للعون في أواخر يوليو/تموز، وقبل ان تغادر هذه المجموعة، تلقى الحزب الشيوعي اللبناني رسالة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي تقول فيها إنها لا تستطيع استقبال وفد في عز الصيف، إذ ان سوسلوف وستة قادة آخرين كانوا غائبين، وانه ينبغي على الوفد أن يزور جميع البلدان الأوروبية الشرقية الأخرى قبل زيارة الاتحاد السوفييتي، وأنه لم يكن هناك دليل حتى الآن على ان الأنصار كانوا يقومون بنشاطات مهما كان نوعها. ويبدو من الواضح أن الأسباب المعطاة كانت خداعة ومقبولة ظاهراً وأن السوفييت كانوا وببساطة مترددين يجرجرون أقدامهم ويتحاملون على أنفسهم بخصوص مساعدة الأنصار.


57. التنظيم والعمليات


قدرت الحكومة الأردنية أعضاء قوات الأنصار في الأردن بنحو 120 حتى أواخر مايو/أيار، في حين قدرتها "النيويورك تايمز" ب 300 مقاتل مسلح في سبتمبر/إيلول. (هامش: تبعا لما قاله ممثل العراق في مقر قوات الأنصار في عمان، خلال حديث له في أواخر يونيو، فإن قوات الأنصار في تلك المرحلة لم تزل غير فعالة لأن الحزب الشيوعي الأردني لم يكن مقتنعا تماما بجاهزية القوات كحركة جماهيرية، والسوريون لم يرسلوا حتى الآن أي مقاتلين، والحزب الشيوعي اللبناني كان يرسل أعضاء للتدريب فقط، ومن ثم يقوم بسحبهم إلى جنوب البنان مرة أخرى لتشكيل قاعدة للأنصار هناك). وكان لقوات الأنصار عدد من المكاتب في منطقة عمّان للتجنيد ونشر الدعاية وغير ذلك. وتبعا لصحيفة "التايمز"، فإن قائد قوات الأنصار هو أبو موسى، فلسطيني عاش في العراق لسنوات عديدة قبل أن يأتي إلى الأردن ليتولى مسؤولية المجموعة الجديدة. وفي غضون ذلك، كان جيش التحرير الفلسطيني يجري تدريبات وفقا للاتفاقية التي وقعت بين المنظمة وقادة جيش التحرير الفلسطيني الموالين للشيوعيين، بمن فيهم عبدالرزاق اليحيى ووديع حداد. (هامش: في منتصف يوليو (يوجد حذف) قال إن هناك قاعدة تدريب في وادي الأردن قامت بتخريج أول دفعة مكونة من 100 عنصر. وقال إن قوات الأنصار تعكف على تشكيل ميليشيا شعبية في بلدات أردنية ومخيمات اللاجئين لحماية الصفوف الخلفية للثورة الفلسطينية) وبالتنسيق مع جيش التحرير الفلسطيني، قيل إن قوات الأنصار كانت خلال الربيع تحاول الحصول على شحنة من الأسلحة الخفيفة من مصدر في أوروبا الشرقية، عبر سوريا، ولكن فتح سعت بوضوح إلى منع ومصادرة هذه الشحنة، ونجحت في ذلك بعض الشيء.(هامش: في أواخر أبريل/نيسان، قيل إن فتح علمت أن 43 طنا من الأسلحة الخفيفة قد وصلت إلى اللاذقية وكانت مخصصة لقوات الأنصار في عمان. وذكرت التقارير أن عرفات طلب من الحكومة السورية مصادرة الشحنة، وفي منتصف مايو/أيار علمت سلطات الأمن الأردنية أن السوريين قاموا بمصادرة شحنة كبيرة من الأسلحة كانت تنقل عبر سوريا وزعموا أنه كان سيتم تهريبها إلى الأردن.(يوجد حذف) سوريا بمساعدة جيش التحرير الفلسطيني اعترضت طريق تلك الأسلحة (حذف) اعتقادا بأن وديع حداد كان يحاول إخفاء حقيقة أنه كان متورطا في خطة تهريب تلك الأسلحة، وهي عملية كانوا يعرفون أن عرفات لن يوافق عليها. وسابقا، قامت فتح بعملية مداهمة لمنزل يحتوي على كمية من الأسلحة التابعة لقوات الأنصار وصادرتها بالكامل، وقد حدث ذلك خلال أزمة فبراير/شباط 1970 في الأردن، وظلت قوات الأنصار لأشهر تحاول معرفة المسؤول عن ذلك).
وعلى كل حال، في الصيف اتضحت الصورة حول مؤونة قوات الأنصار. في منتصف يونيو/حزيران 1970، قال عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني لصديق إن بلغاريا كانت تزود قوات الأنصار بالسلاح والعربات وغيرها من المعدات، وإن الأسلحة وصلت من بلغاريا والاتحاد السوفييتي وتم توزيعها على قوات الأنصار بواسطة جيش التحرير الفلسطيني في الأردن ولبنان. وقال أيضا إن قوات الأنصار خضعت لدورات تدريب في بلغاريا لمدة تراوحت بين 3 و6 أشهر، وإن أول دفعة من المتدربين عادت سلفا إلى لبنان والتحقت بميليشيا الحزب الشيوعي اللبناني في جنوب لبنان. وذكرت التقارير أن وفد قوات الأنصار الذي قام بجولة في أوروبا الشرقية في أوائل أغسطس/آب، قد عاد بوعود غامضة بالمساعدة من قبل جميع البلدان التي زارها باستثناء ألمانيا الشرقية التي وعدت بألف بندقية كلاشينكوف (يتم إرسالها عبر سوريا)، ومواد طبية وخيام، وأغذية سيتم إرسالها عبر لبنان، وسوف تكون جاهزة للنقل بحلول الأول من سبتمبر/أيلول. وفي أوائل سبتمبر/أيلول قيل إن قوات الأنصار تلقت في بيروت شحنة من الأسلحة قادمة من بولندا.
وحتى يوليو/تموز 1970، لم تكن هناك أي معلومات عن انخراط قوات الأنصار في أي عمليات مضادة ل "اسرائيل". (هامش: (حذف) أفاد أنه في يونيو شارك خمسة شيوعيين في هجوم في وسط الطريق بين "اسرائيل" وجنوب لبنان، في حين أفادت تقارير صحفية أن قوات الصاعقة والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هما فقط اللتان شاركتا في الهجوم). (يوجد حذف) لم تكن سياسة قوات الأنصار تهدف إلى القيام بعمليات في المناطق المحتلة، وقال إن السفارة السوفييتية في عمّان كانت تعارض قيام قوات الأنصار بعمليات في الضفة الغربية، ربما لأن المجموعة لم تكن قوية كفاية. وقوات الأنصار حتى هذه المرحلة التزمت بمبدأ عدم المشاركة في نشاطات مسلحة. واشترطت اتفاقية وقعت في أواخر مايو/أيار، بين الحزب الشيوعي اللبناني وقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، أنهما لن يقوما بأعمال تخريبية ضد المصالح الأمريكية في لبنان، على اعتبار أن ذلك قد يتسبب في طلب المساعدة الأمريكية، ولن يلجأ الطرفان إلى العنف إلا في حال تعرض لبنان للاحتلال أو الغزو من قبل "اسرائيل".
على كل حال، كان هذا المبدأ محل تساؤل بين صفوف جيش التحرير الفلسطيني في صيف عام 1970 وفي يونيو/حزيران قال أحد قادة الحزب الشيوعي اللبناني، وهو نديم عبدالصمد، إن النفط كان أحد الأسباب الرئيسية المحتملة للوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وإن الحزب الشيوعي اللبناني يعتقد جدياً (في ضوء تحليل حبش) أنه إذا ما باعت الولايات المتحدة المزيد من طائرات الفانتوم ل "اسرائيل"، فيجب تجريد الولايات المتحدة من سيطرتها على النفط، مشيرا إلى تفكير في استهداف شحنات النفط. وعلق مسؤول آخر في الحزب الشيوعي اللبناني في أوائل يوليو/حزيران أنه في الوقت الذي لا يوافق فيه الحزب الشيوعي اللبناني على ضرب المصالح الأمريكية لأن ذلك سيؤدي إلى تدخل الولايات المتحدة، فقد يتعرض الحزب للعزل إن لم يوافق. وقال إن الحزب الشيوعي اللبناني قد يتعرض لتهم من قبل الفدائيين بأنه يتعاون مع الأمريكان على صعيد التوصل لحل سلمي، وعليه فإن التحليل الأخير الذي توصل إليه الحزب يقضي بضرورة الموافقة على فكرة استهداف المصالح الأمريكية من أجل ضمان استمرارية الحزب.
وكانت الأحزاب العربية تواجه معضلة أخرى في أغسطس/آب مع قبول الجمهورية العربية المتحدة والأردن (وأيضا لبنان) بالعرض الأمريكي لوقف إطلاق النار. وباتباع الخط السوفييتي في الموافقة على العرض، غامرت الأحزاب بعلاقاتها من الفدائيين وخصوصا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. (يوجد حذف) في هذه المرحلة شعر الحزب الشيوعي اللبناني أنه سيواصل محاولة التعاون مع الفدائيين، في الوقت الذي سيحاول فيه أن يشرح لهم عروض السلام. وقال إن الحزب الشيوعي اللبناني سيبذل جهدا أكبر لتطوير علاقات جيدة مع الفدائيين، ولكن إذا أمرت موسكو في قطع هذه العلاقات، فإنه سوف يستجيب. وفي سبتمبر/أيلول 1970، قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني عدم مواصلة التعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لأن المنظمة تبنت موقفا عدائيا جديدا من الشيوعيين العرب الذين دعموا موسكو. وخلصت قيادة الحزب الشيوعي اللبناني إلى أنه لا بد من اتخاذ إجراءات ضد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بما في ذلك وقف المساعدات المادية، وإطلاق حملة إعلامية مناهضة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وتبعا ل (يوجد حذف)، خرجت قوات الأنصار من الحرب الأهلية الأردنية في سبتمبر/أيلول 1970، أشد قوة بعد أن أثبت أفرادها جدارتهم في قتال عمّان. وعلى كل حال، فقد أشار أحد التقارير إلى أن قوات الأنصار لم تشارك في القتال إلا بعد انطلاقه بثلاثة أيام لأنها لم تتلق التعليمات بالمشاركة من جميع القيادات الشيوعية، ولم يأت الأمر النهائي بالمشاركة من السوفييت إلا في وقت متأخر بعض الشيء. وحسب التقارير، خسرت قوات الأنصار في القتال نحو 28 مقاتلا، كما جرح نحو 100 آخرين من أفرادها. وعليه، فإنها أصبحت ضعيفة من حيث عدد القوات، برغم أن مكانتها قد ارتفعت بسبب هذه المشاركة.


58. المجلس الوطني الفلسطيني.. خلافات ومساومات


قبل أن تسيطر فتح على منظمة التحرير الفلسطينية في فبراير/ شباط 1969، كانت هناك محاولات فاشلة من قبل منظمات مختلفة لتحقيق شيء من الوحدة داخل الحركة الفلسطينية. وكان البيان المشترك لمنظمة التحرير الفلسطينية وفتح من جهة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من جهة أخرى في 8 مارس/ آذار 1968، قد أظهر بعض التقدم من خلال التركيز على توحيد النضال، و الدعوة إلى اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني لمناقشة القضية. وفي مايو/ أيار 1968، اختارت المنظمات الثلاث ممثلين لحضور اجتماع المجلس الذي تقرر في يوليو/ تموز.
وعلى كل حال، سرعان ما عادت حالة العداء بين تلك المجموعات وخصوصا بين فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وأشارت السفارة العراقية إلى تأجيل الإعلان عن أسماء أعضاء المجلس إلى مطلع يوليو/ تموز، لأن فتح رفضت اختيار حبش ليكون ممثلا عن الجبهة، نظرا لصدور حكم بالسجن بحقه في ليبيا، وكونه كان مسجونا في سوريا. وفي المقابل، اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فتح بفرض ممثلين محددين وأعلنت أنها لن تشارك في اجتماع المجلس. وعندما اجتمع المجلس فعليا في يوليو/ تموز فإنه لم يتمكن من الاتفاق سوى على طلب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها حمودة (رئيس سابق لمنظمة التحرير الفلسطينية) مواصلة مهامها لمدة 6 أشهر أخرى. وأوكلت للجبهة مهمة تشكيل مجلس جديد. وبين أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني ومطلع ديسمبر/ كانون الأول 1968، عقدت اللجنة اجتماعا في عمّان لهذا الغرض.
(هامش: بالتزامن مع المشاورات، كانت هناك محاولات للتنسيق. ففي اكتوبر/ تشرين الأول، اجتمع ممثلون من قوات التحرير الفلسطينية، وفتح، والصاعقة في عمّان لمناقشة تأسيس مجلس عسكري لتنسيق العمليات. وبينما شعرت منظمة التحرير الفلسطينية في البداية، بأن تلك الجهود لا تكفي، قامت كل من فتح وقوات التحرير الفلسطينية بإرسال ممثلين رفيعي المستوى. وتبعا لأحد المصادر، تم تأسيس مكتب تنسيق في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني في عمّان للعمل على جمع الأموال لمصلحة المنظمات الثلاث. وفي ديسمبر/ كانون الأول أسست هذه المجموعات مجلس الطوارئ للرد على أي تهديد محتمل من الأردن، وقيل إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سعت إلى الحصول على تمثيل فيه).
وخلال جلسة المساومات هذه، قيل إن ياسر عرفات طالب بأن تعطى فتح 50 مقعدا في المجلس الجديد الذي يبلغ إجمالي عدد مقاعده 105 وقد تم رفض هذا الطلب كما رفضت مطالبة عرفات لاحقا ب 40 مقعدا. وعلى كل حال، فإنه في ظل غياب ممثلين عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي قاطعت الاجتماع، استطاعت فتح أن تحصل على 33 مقعدا (حصل كل من الصاعقة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على 12 مقعدا، والموافقة على قائمة أخرى مستقلة تضم ممثلين عديدين من فتح وموالين لحزب البعث السوري). وكان ذلك بمثابة حجر الأساس في سيطرة فتح على المجلس. وأبدى بهجت أبو غربية، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، معارضته لهيمنة فتح ومن ثم استقال ليصبح قائد جبهة النضال الشعبي، وهي عبارة عن مجموعة صغيرة من الفدائيين.
وعندما انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في فبراير/ شباط 1969، كانت فتح تهيمن عليه بنسبة تتجاوز حصتها المقترحة من المقاعد، نظرا لأن جيش التحرير الفلسطيني وجناح الفدائيين التابع له (قوات التحرير الفلسطينية) قاطعت الاجتماع. (هامش: أشار البديري، قائد جيش التحرير الفلسطيني، بعد الاجتماع بقليل إلى أن جيش التحرير الفلسطيني سوف يلتزم بتوجيهات اللجنة التنفيذية شرط أن تكون منسجمة مع قرارات المجلس). ونجحت فتح في الحصول على 4 أعضاء في اللجنة التنفيذية التي تتكون من 11 عضوا، فيما حصلت الصاعقة على عضوين، ومنظمة التحرير الفلسطينية على عضوين، في حين كان هناك ثلاثة أعضاء مستقلين.


59. قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني

أنشأت اللجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية هيئة للتنسيق العسكري أطلقت عليها اسم قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني وتضم فتح وقوات التحرير الفلسطينية والصاعقة. وفي سبتمبر/ ايلول 1969، قال رئيس قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، عبد الرزاق يحيى (أيضا قائد جيش التحرير الفلسطيني) إن قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني تتكون من هيئتين هما المجلس الأعلى برئاسة عرفات، واللجنة العسكرية برئاسة يحيى نفسه. ومن المفترض أن تتولى الهيئة الأولى القضايا ذات الطبيعة السياسية بشكل أساسي، ولكنها حتى سبتمبر/ ايلول لم تكن قد عقدت أي اجتماع. أما الهيئة الثانية فقد كانت تضم قادة من مختلف المنظمات الفدائية وحاولت تنسيق العمليات، وحل الخلافات وغير ذلك. وقال يحيى إن عرفات كان بالاسم القائد الأعلى لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، وكان هو(يحيى) قائد الأركان الرسمي، ولكنه كان في الحقيقة يزعم أنه رئيس المنظمة. وكانت المهمة الأولى لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني هي توحيد الدوريات الأمنية في شوارع عمّان. وكانت المجموعة مسؤولة أيضا عن إصدار البيانات. (هامش: في يونيو/ تموز 1969 وصف "يوجد حذف" آليات إصدار البيانات العسكرية لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني. وقال إن كل عضو يقدم بيانا في مغلف مختوم حول العمليات المخططة، وعندما يتم تنفيذ العملية، يجري فتح المغلف، ويتم الإعلان بعد موافقة قيادة الكفاح الفلسطيني المسلح. وقد أصدرت قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني عدة بيانات تنفي تورط المنظمات الأعضاء في أعمال معينة).
وتمثلت إحدى المهام الرئيسية للقيادة في توسيع عضويتها، وقد حققت نجاحا معتبرا في إقناع عدد من المجموعات الصغيرة بالانضمام، والسبب في ذلك يعود بشكل رئيسي إلى خشية تلك المجموعات من أن تقضي عليها السلطات الأردنية إن لم تتوفر لها الحماية. وفي ربيع 1969، انضمت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطيني إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، ومن ثم انضمت جبهة التحرير العربية، وجبهة النضال الشعبي، والمنظمة العربية الفلسطينية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. (لم تنضم الهيئة العاملة لتحرير فلسطين لأن زعيمها، عصام سرطاوي كان يخشى من هيمنة فتح أكثر مما كان يخشى القمع الأردني. وقد تردد أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، في الانضمام لأنه كان يخشى من هيمنة عرفات، وطالب في البداية أن تتم إعادة تنظيم قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، بما يتيح التمثيل المناسب لكل منظمة، غير أن خشيته من أن تشن القوات الأردنية هجموما ضد مجموعته في حال لم يكن محميا من القيادة، قد تغلبت على عدم حماسته للانضمام إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، فخضع للأمر الواقع في النهاية).
وبينما كانت هذه المنظمات الفدائية الصغيرة تنضم إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، ظلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مترددة. ففي بيانها في عدد يوليو من مجلتها "الهدف"، طرحت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين شروطها للانضمام إلى القيادة، ومشاركتها في المجلس الوطني الفلسطيني. ودعت إلى تشكيل جبهة وطنية جديدة تضم المنظمات الفلسطينية من مختلف الأطياف، وطالبت بتعزيز الطبيعة الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية.


60. المجلس الوطني الفلسطيني أيلول 1969

كان المجلس الذي اجتمع أعضاؤه مرة أخرى في سبتمبر/ أيلول عام 1969 مشابهاً من حيث تكوينه لذلك الذي اجتمع في فبراير/ شباط، ما عدا تخصيص 24 مقعداً جديداً تسعة منها للجبهة الشعبية الديمقراطية وثلاثة للجبهة لتحرير فلسطين القيادة العامة ومقعدين لمنظمة فلسطين العربية، والبقية لمجموعات فلسطينية غير فدائية شتى، وتميزت الجلسات بالشقاق الحزبي والانقسامات في وجهات النظر والمزيد من الخلافات، وزعم قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة لاحقاً أنه كان أحرز نجاحاً باهراً في تقديمه للقضايا وطرحه للمسائل وعرضه للمطالب أمام اللجنة العسكرية للمجلس الوطني الفلسطيني، وطالب جبريل بتعاون ميداني كامل في ساحة المعارك بين شتى فصائل الفدائيين، كما طالب بأن تمد منظمة التحرير يد المساعدة المالية لجميع "المقاتلين"، وقال جبريل إن المطالب حظيت بقبول حسن، مع أنه كان شبه متأكد من أن عرفات سيرى في هذه المطالب تحدياً لسيطرته وسوف يحاول الحيلولة دون تبني المجلس لها.
وتفجر العديد من الخلافات الأخرى أثناء انعقاد جلسات المجلس الوطني، وانتهت إحدى هذه الخلافات باستقالة ابراهيم بكر بصفته نائباً لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وروت التقارير أن بكر ألقى خطبة حماسية رنانة هاجم فيها كل الدول العربية وأنظمتها، وحض فيها على الثورة التي رأى أنها يجب أن تمتد إلى جميع البلدان العربية كي تكتسب دعماً عاملاً لفلسطين، واستثار خطاب بكر جدلاً حمي وطيسه واحتدم، وتحداه في لجته رجال من فتح في حين دعمته وأيدت موقفه الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين. وخلال نقاش ساخن آخر اكثر أهمية أثار قائد جبهة الكفاح الشعبي أبوغربية تساؤلات متشككة بشأن حقيقة دعم فتح لقيام فلسطين علمانية تمنح العرب واليهود حقوقاً متساوية، على أساس أنه سيكون هناك عدد هائل من اليهود في فلسطين المستقبل، الأمر الذي يتعذر معه إنفاذ هذا بشكل علمي. وكان الاجماع الذي تم التوصل إليه في ختام المؤتمر أن العدد الاساسي لسكان فلسطين من اليهود يجب أن ينحصر إما بهؤلاء اليهود الذين كانوا في فلسطين اعتباراً من عام ،1948 أو اليهود الفلسطينيين الذين كانوا في "اسرائيل" حتى عام ،1948 وهذا الموقف الذي اتخذه المجلس والذي تم التوصل إليه في المجالس الخاصة لم يكن ليتماشى أو ينسجم مع موقف فتح العام المعلن من هذه القضية، والذي يؤيد حقوقاً متساوية لجميع اليهود في "اسرائيل" الآن، باستثناء أولئك "الصهاينة" الذين لا يرغبون في البقاء في فلسطين.


61. قيادة الفدائيين الموحدة فبراير 1970

في ديسمبر/ كانون الأول عام 1969 وجهت سهام الانتقاد إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني وتهجمت عليها كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، وذكرت التقارير أن جورج حبش التقى ممثل فتح صلاح خلف تحت إصرار ليبي ووافق على الانضمام إلى القيادة، إلا أن الاتفاق مالبث أن انهار، وانتقدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني لأنها لم تكن موحدة حقيقية، ودعت مرة أخرى إلى إقامة جبهة وطنية واسعة. وكذلك أعلنت الجبهة الشعبية الديمقراطية في ديسمبر/ كانون الأول أنها شرعت "بتجميد" علاقاتها مع قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني إلى أن يتم تحديد التنظيمات الداخلية لتلك المنظمة، لكنها مازالت تعتبر نفسها عضواً في كافة هيئات العمل المشترك، بما فيها قيادة الكفاح المسلح، وحسبما ذكر زهير محسن (نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، وقائد تنظيم الصاعقة) فإن الجبهة الشعبية الديمقراطية لم تقرر تجميد علاقاتها وتجميد موقفها إلا أنها كانت آنذاك عاجزة عن لعب دور قيادي داخل تلك المنظمة، لكن الجبهة الشعبية الديمقراطية كانت ما تزال ترغب في الحفاظ على الحماية التي توفرها لها مظلة قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني من غوائل النظام الأردني.
في العاشر من فبراير/ شباط من عام 1970 أصدرت الحكومة الأردنية تعليمات الالتزام بالقانون وحفظ النظام التي أريد منها حقيقة إحكام السيطرة على الفدائيين وتضييق الخناق عليهم، وأقلقت هذه الاشارة الاستفزازية، الفصائل الفدائية، فسارعت عشرة تنظيمات منها إلى مضافرة جهودها، وكثفت تعاونها، ولم تلبث، في ردها على هذه الخطوة ولربما في محاولة منها أيضاً لتشكيل جماعة "جبهة وطنية" التي كانت دعت لانشائها الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن أصدرت بيانا باسم هيئة جديدة مشتركة تدعى قيادة الفدائيين الموحدة. (هامش: في أواخر يناير/ كانون الأول من عام 1969 التقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في جلسة استثنائية في عمّان ووافقت على اقامة قيادة موحدة في الأردن لتوجيه الكفاح المسلح في المناطق المحتلة ولحماية العمل الفدائي، ولم تكن هذه المجموعة بوجه خاص نشطه إلى أن جرى بعثها من رقادها وخمولها في فبراير/ شباط من عام 1970، في مواجهة تهديد أردني آخر ومن الملك حسين بالذات) وذلك للتأكيد على وحدة الصف في مواجهة السلطات الأردنية، وأنضمت لاحقاً في شهر فبراير/ شباط ذاته جماعة أخرى إلى العشرة (هامش: وقعت على البيان الصاعقة وفتح والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقوات تحرير فلسطين، ومنظمة فلسطين العربية، وجبهة الكفاح الشعبي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، ومنظمة العمل لتحرير فلسطين، ثم ما انضمت إلى هذه المنظمات المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين بتاريخ 22 فبراير/ شباط.
وفي نشرة إذاعية بثها صوت فلسطين في 11 فبراير/ شباط قال المتحدث إن هذه "القيادة الموحدة" التي تتخذ من المقر الرئيسي لقيادة لكفاح المسلح الفلسطيني مركزاً ترابط فيه سوف تتولى الإشراف على، وإدارة العمليات إذا ما تحرّكت قوات عدوة ضد الفدائيين، وسوف تصدر أوامر لجميع وحدات الفدائيين العسكرية "ليضعوا أنفسهم تحت تصرف قيادة الفدائيين الموحدة لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني" وبعدها بيومين أعلن صوت فتح أن للقيادة الموحدة الحق في إصدار تعليمات لجميع المنظمات الأعضاء، وأن تتخذ كافة الاجراءات الضرورية للحفاظ على الأمن وللحيلولة دون وقوع الاحتكاكات التي تفضي إلى النزاع. (هامش: في 17 فبراير/شباط أعلنت القيادة الموحدة أن جميع فصائل المقاومة ينبغي ان تراعي إلى الحد الأقصى التعليمات السياسية والعسكرية وقواعد الضبط والربط، وأنه ينبغي ان تحاط علماً بجميع الخروقات والانتهاكات بحيث تتمكن من فضّ النزاعات وإنهاء الخلافات. وفي 18 فبراير/ شباط أصدرت القيادة الموحدة المنظومة الخاصة بها من تعليمات "القانون والنظام"، التي كانت مشابهة لتلك التي كان الحسين قد أصدرها في 10 فبراير/ شباط، وكان الاختلاف الرئيسي ها هنا هو أن الفدائيين وليس الأردنيين هم من سيفرض القانون والنظام. وأوكلت القيادة الموحدة إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني مهمة تنفيذ هذه التعليمات.
وبدأت على الفور الهرولة والمناورات والتحايل لاقتناص منصب ما ضمن هذه الجماعة الجديدة، وفي 18 فبراير/شباط أوردت وكالة رويترز تقريراً فحواه أن حبش قد جرى تعيينه رئيساً للجنة السياسية للقيادة الموحدة. إلا أنه صدر نفي لهذه المعلومة عن المتحدث باسم القيادة الموحدة، وفي 20 فبراير/شباط تم تعيين الناطق باسم منظمة التحرير الفلسطينية كمال ناصر متحدثاً باسم المنظمة الجديدة كذلك.
وشكّل تأسيس القيادة الموحدة تحدياً لقيادة فتح، لأن وضع فتح ومكانتها في هذه المنظمة كانت أقل هيمنة بكثير من سيطرتها وسطوتها على قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني. وكان إنشاء القيادة الموحدة أثناء زيارة عرفات لموسكو، ولم يعد وقتها إلى عمان حتى 21 فبراير/شباط، ويبدو من الواضح أن عرفات قد غلب على أمره في جولة المناورات هذه. (هامش: جرى حذف كل ما ورد في هذا الهامش من كلام (المترجم). لكن عرفات تقبل وجود هذه النظمة الجديدة، وصرح في 23 فبراير/شباط بأنها ينبغي ان تستمر بالقيام بمهامها وأداء دورها. وحين سئل عرفات في اليوم التالي عن العلاقة بين القيادة الموحدة وقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني قال: إنهما يكملان بعضهما بعضاً ولا تناقض بينهما. (هامش: كان من بين أولى الخطوات التي اتخذتها القيادة الموحدة إنكارها أن أياً من أعضائها قد شارك في تفجيرات 22 فبراير/شباط لمكاتب الخطوط الجوية السويسرية والنمساوية، مع ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة كانت قد نسبت هذه العملية لنفسها. وبعدها بأيام عدة (ثمة حذف هنا) بينت ان عرفات كان يرغب في توحيد العمليات الفدائية وان تتم مراجعة ودرس كل العمليات التي خطط للقيام بها خارج فلسطين).


62. اتفاق الوحدة الوطنية - مايو 1970

رغبة منها في استدامة وجودها وترسيخ أقدامها اتخذت القيادة الموحدة بعض الخطوات. ففي العاشر من مارس/ آذار أعلنت تشكيل لجنة وحدة وطنية وبدأت تدير نقاشات حول سبل تنظيم جماعة فدائية فلسطينية موحدة. وفي 15 مارس/ آذار أعلن صوت فتح ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كانت تعقد اجتماعات في عمّان للإشراف على عمل هذه اللجنة. وعكس هذا التصريح ما كان يساور فتح من قلق حيال مسألة الحفاظ على القيادة الموحدة وأي منظمة فدائيين مشتركة أخرى تحت حماية وعباءة منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تستطيع فتح الإبقاء على هيمنتها.
وتواصلت على ما يبدو المحادثات بين شتى الجماعات الفدائية على امتداد شهر ابريل/ نيسان. وقيل ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تحرض على تصفية منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها وتهيج الأجواء وتؤلب الفصائل، في حين أصرت فتح والصاعقة على الإبقاء على منظمة التحرير الفلسطينية. وإذ توقفت النقاشات، طلب الى عبدالرزاق اليحيى أن يوضح موقف جيش التحرير الفلسطيني. وفي 4 مايو/ أيار قدّم اليحيى مذكرة مطولة استفاض فيها وحدد الخطوط العريضة لهذا الموقف وهدد "بتصفية" المنظمات الفدائية الأصغر حجماً والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ما لم يتم التوصل الى اتفاق بالفعل، وتماشياً مع الخطوط العامة العريضة التي رسمها جيش التحرير الفلسطيني.
وبسط جيش التحرير الفلسطيني حججه معرباً عن وجهة نظره التي ترى في منظمة التحرير الفلسطينية السبب الجوهري والمبرر الأكبر الذي ولدت الثورة من رحمه، لذا كان من الواجب استبقاؤها. (هامش: بما أن وجود جيش التحرير الفلسطيني الرسمي مرتبط بوجود منظمة التحرير الفلسطينية كان رفض جيش التحرير الفلسطيني لأي خطة لإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية حتمياً ولا جدال فيه). وكان من الحجج التي أوردها جيش التحرير الفلسطيني كذلك أن المجلس الوطني كان هو الهيئة التشريعية الرسمية للثورة، واللجنة التنفيذية هي لجنتها التنفيذية العليا. ولم يعترض جيش التحرير الفلسطيني، على أي حال، على تحويل قيادة الفدائيين الموحدة الى لجنة مركزية إذا استوفى شرط أن يتم إلغاء وجودها في غضون ستة أشهر لمصلحة قيام "مجلس وطني" يجسد "الوحدة الوطنية الحقيقية". وستكون مهمة اللجنة التخطيط لتوحيد الصفوف، وصهر القوى في بوتقة واحدة وتوحيد الشؤون المالية والإعلامية والبرامج السياسية. وطالب جيش التحرير الفلسطيني بأنه في حال إنشاء اللجنة المركزية، فلا بد أن تتألف من أعضاء في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، وممثل رفيع المستوى عن كل فصيل عضو في هذه المنظمة، ومن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، ومن قائد جيش التحرير الفلسطيني، ومن مسؤولين آخرين من جهات عدة.
وفي مايو من عام 1970 أصدرت قيادة الفدائيين الموحدة "اتفاقية وحدة وطنية" تتضمن الخطوط العريضة التي ترشد الى تشكيل لجنة مركزية تحل محل القيادة الموحدة وتكون مسؤولة أمام المجلس الوطني الفلسطيني. وسوف تتألف اللجنة المقترحة بالشكل والطريقة التي طالب بها جيش التحرير الفلسطيني، وستضم 27 رجلاً، كا دعا البيان الى إقامة لجنة عسكرية موحدة. وأكد الاتفاق أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار العريض للوحدة الوطنية. واشترط كذلك أن تكون القضايا التي يتم الاتفاق بشأنها جماعية ملزمة، إلا أنه في حال تعذر الوصول الى اتفاق "تحتكم كل جماعة الى منطقها واجتهادها في تلك المسألة". كي تكون هذه ضمانات لهذه المنظمات (يفترض أن تكون هذه المشار اليها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) التي خشيت محاولة فتح فرض إرادتها.
وكانت هذه هي العناصر الوحيدة من الاتفاقية التي تم نشرها، إلا أنه كان هناك بعض المؤشرات إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد وعدت بتعليق "عملياتها الإرهابية الدولية". (هامش: اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لاحقاً عندما علقت اللجنة المركزية عضوية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يوم 12 سبتمبر، بأنها اتخذت خطوة بصورة أحادية (عمليات الاختطاف في سبتمبر) رغم حقيقة أنه في 6 مايو من عام 1970 تبنت اللجنة المركزية قراراً يمنع مثل هذه الأعمال. وفي 15 سبتمبر أعيد قبول الجبهة الشعبية). وعلى الرغم من حقيقة أن قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واصلوا في بياناتهم التأكيد على حقهم بالعمل بصورة مستقلة في ما يتعلق بالقضايا التي لم يتم التوصل الى اتفاق بشأنها. ومن المحتمل أن تكون كل جماعة قد اختارت أن تفسر الاتفاقية حسبما يوائمها ويصب في مصلحتها.

63. المجلس الوطني الفلسطيني - يونيو 1970

عقد المجلس الوطني الفلسطيني اجتماعاته مرة أخرى من 30 مايو/ أيار ولغاية 4 يونيو/ حزيران. (هامش: قالت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في هذا الاجتماع ان اجمالي ما التزمت به الدول العربية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية بلغ نحو 13 مليون جنيه استرلينيني، حيث خصص حوالي أربعة ملايين منها لميزانية منظمة التحرير، وأما الملايين التسعة الباقية فقد رصدت للحفاظ على جيش التحرير الفلسطيني). وأرسلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هذه المرة "ممثلاً رمزياً" (أحمد يماني، المشهور بأبي ماهر) رافضة المقاعد الثمانية المخصصة لها باعتبارها، من وجهة نظرها، غير كافية. ومنح جيش التحرير الفلسطيني ستة مقاعد، لكن عبدالرزاق اليحيى برز بصفته الممثل الوحيد للجماعة. وحضرت المؤتمر لأول مرة كل من جبهة التحرير العربية ومنظمة العمل لتحرير فلسطين، والمنظمة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث أرسلت كل منها مندوباً واحداً. وشكل المجلس لجنتين، تشتغل الأولى منهما على مسألة اللجنة المركزية المقترحة، في حين تناقش الأخرى، وهي لجنة عسكرية، قضية توحيد القوى العسكرية.
وقبل المجلس الوطني الفلسطيني التوصية التي تحث على أن تعتبر اللجنة المركزية هي القيادة العليا للكفاح الفلسطيني، وأن تكون قراراتها ملزمة للمنظمات الفدائية، وستكون مهامها: متابعة قرارات المجلس، وتبني إجراءات ترمي الى تعزيز العمل الفدائي، وتبت في كل القضايا التي يحيلها إليها المجلس الوطني الفلسطيني أو اللجنة التنفيذية. وهكذا، وكما جرى تعريفه وتبيانه هنا، فإن اللجنة المركزية كانت عليا، إلا أنها مع ذلك، والى حد ما تأخذ بتوجيهات المجلس واللجنة المركزية وتستجيب لنهجهما، وهو موقف ملتبس يكتنفه الغموض ترك مسألة التسلسل القيادي الحقيقي تتسربل بضبابية كثيفة لا تتيح على الإطلاق حسم الأمور.
وأوصت اللجنة العسكرية برئاسة عبدالرزاق اليحيى بتشكيل قيادة عسكرية عليا لتحل محل قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، وأن تخوّل صلاحية تدريب وتوجيه وإدارة وتحريك قوات الفدائيين والتنسيق مع نشاطاتهم، وقبل المجلس هذه التوصية. وسوف تتألف هذه القيادة من مجلس عسكري مكون من أكبر قادة الفدائيين، ورئاسة أركان عامة يعينها المجلس. والوحدات المشتركة ستكون رسمية في القطاعات الجغرافية، على أن تتولى الأركان العامة اختيار قادة القطاع. (هامش: ثمة تشابه كبير بين توصيات اللجنة والتوصيات التي كانت فتح قد اقترحتها، اللهم باستثناء تلك الرغبة التي أبدتها فتح بأن توكل قيادة القطاع الى المنظمة الفدائية التي تتمتع بأكبر قوة في القطاع. في الحقيقة، وحين تطبيق هذا المبدأ سوف يتمخض الأمر عن تولي فتح القيادة في القطاعات كافة، لأنها كانت هي الأكبر على الدوام). كما سوف تصدر الأركان العامة مذكرات. وأما توصية اللجنة بأن تأتمر القيادة بأوامر اللجنة التنفيذية، كما تصنع مع القيادة العليا فلم يتم تبنيها. (هامش: ذكرت التقارير أن المجلس أنشأ أيضاً لجنة فدائية أردنية لتتعامل بشكل أساسي مع تجمع سليمان النابلسي الوطني، ولجنة فدائية لبنانية، لتتعامل مع الأحزاب اللبنانية اليسارية). رغم أن عرفات جرت تسميته ليترأس كلاً من اللجنة المركزية والقيادة العسكرية العليا، فإن إقامة هذه التنظيمات الجديدة أضعفت هيمنة فتح على جهاز العمل الفدائي وسلبتها الكثير من عوامل القوة، ويكمن السبب وببساطة في أن العضوية في الهيئتين كانت أوسع بكثير من العضوية في اللجنة التنفيذية، لذا كان هذا الاتجاه لا ينسجم ورغبات فتح وتطلعاتها المباشرة، وأوردت التقاير أن فتح وافقت على هذه الخطوة على مضض تحت وطأة الضغوط الهائلة التي مارستها عليها الدول العربية. (هامش: ثمة حذف هنا) كانت كل من الجمهورية العربية المتحدة وليبيا والجزائر والعراق والسودان والأردن وسوريا، قد مارست ضغطاً على عرفات وفتح، وكانوا جميعاً يريدون أن تمنح منظمة التحرير الفلسطينية، بهيئاتها الرسمية الحرية في إدارة شؤون الفلسطينيين المدنية والعسكرية، كما كانوا يريدون الحفاظ على عرفات بصفته قائداً، ذكرت التقارير أن السوفييت أيضاً كانوا يدعمون هذه الأهداف. وكان هناك تقرير عن أن السعودية وليبيا قد هددتا أيضاً بقطع الدعم المالي لفتح إن لم يكن خطوة رسمية لتوحيد الحركة، وحتى بعد أن اتخذ هذا القرار، بين الليبيون بوضوح أنهم لن يستأنفوا مدّ يدّ العون للفدائيين، ما لم يتم اتخاذ المزيد من الخطوات باتجاه توحيد الحركة).
إلا أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لم تغتبط كثيراً بهذه التطورات، ولم تسر بهذا الوضع، وحاول الممثل "الرمزي" للجبهة الشعبية أحمد يماني، الذي انتدب لحضور جلسات المجلس الوطني الفلسطيني الاحتفاظ بحق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالقيام بعمليات مستقلة، إلا أن هذا جوبه بمعارضة من قبل الأغلبية وفي أعقاب الاجتماعات قال ناطق باسم اللجنة المركزية إن القيادة العسكرية الجديدة سوف تخول سلطة فرض انضباط الأعضاء الذين يقومون بأعمال غير مرخص بها، وتعتبر ضارة بالقضية، وعلى النقيض من ذلك، عرف أحمد اليماني، في مؤتمر صحافي، المهمة التي تضطلع بها القيادة العسكرية بأنها ذات طبيعة "تقنية" مقللاً بذلك من أهميتها إلى حد كبير، وهكذا تمخض الأمر عن أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت على حق، فالجبهة التي طردت من اللجنة المركزية في سبتمبر من عام 1970 لأنها تجاهلت أمراً أصدرته اللجنة المركزية بالامتناع عن تدمير الطائرات التي اختطفتها، أعيد النظر بشأنها وقبلت من جديد بعد عدة أيام، وإضافة إلى ذلك وصفت اللجنة المركزية عملية الاختطاف ذاتها بأنها "رائعة ومدهشة وناجحة" على الرغم من معارضة منظمة التحرير الفلسطينية التقليدية لمثل هذه العمليات.


64. اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية

في أعقاب إنشاء المجلس الوطني الفلسطيني لها مباشرة أصبحت اللجنة المركزية ضالعة بشكل شبه كامل في المواجهة الفدائية مع النظام الأردني، فسرعان ما أشعل صدام وقع بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجيش الأردني يوم 6 يونيو التوتر حتى وصل ذروته وأدى إلى الانفجار والمواجهة الخطرة بين الطرفين، إذ ان كلاً من متطرفي الفدائيين (وهم في الأساس تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) والمتشددين في الجيش الأردني قاوموا المحاولات التي قامت بها الحكومة والمنظمات الفدائية المعتدلة لتهدئة الوضع وإخماد الفتنة. والتقى الملك حسين وعرفات في عدة مناسبات يومي 10 و11 واتفقا على سلسلة من عمليات وقف إطلاق النار، إلا أن اتفاقيات وقف إطلاق النار كانت سرعان ما تنهار حيث واصل الجيش الأردني قصفه العنيف لعمان بكل أنواع المدفعية، وأخذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 32 رهينة أجنبية، ورفعت سلسلة مطالب مقابل إطلاق سراحهم وعشية الحادي عشر من يونيو رضخ الملك حسين للعديد من المطالب الرئيسية وقامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اليوم التالي بإطلاق سراح الرهائن (هامش: "ثمة حذف هنا" عدلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من مطالبها إلى حد ما بعد تهديد عرفات وقادة آخرين باستخدام القوة ضد عناصرها).
وأصبحت اللجنة المركزية الجهة التي لها الصوت النافذ المسموع الذي يتحدث باسم الفدائيين خلال هذه الأزمة. وفي 18 يونيو أعلنت أنها تضطلع بصلاحيات قيادات الفدائيين المشتركة كافة على اختلافها (أي القيادة الموحدة وقيادة القوات المسلحة الفلسطينية) وأنها تضع قوات هذه الجماعات تحت امرتها وإشرافها المباشر. (ثمة حذف هنا).
(حذف آخر هنا) إلا أنه في أوائل سبتمبر قال صلاح خلف إن "مكتباً تنفيذياً" مكوناً من سبعة أشخاص كان يدير دفة الثورة الفلسطينية الآن، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي. وفي يونيو أناطت اللجنة المركزية بنفسها عدداً من المهام، بما فيها الحفاظ على الأمن الداخلي للمنظمات الفدائية وتنظيم علاقاتها مع السلطات، ومحاربة التهريب والحفاظ على انضباط الفدائيين بشكل كامل. (هامش: تم الإعلان يوم 2 يوليو عن خطوة إضافية ترمي إلى توحيد عمليات الفدائيين، إذ ستوقف كافة الجماعات اعتباراً من أول يوليو جمع التمويل بشكل منفرد وتشكل لجاناً مالية مشتركة في الأردن لجمع التمويل).
وأدارت اللجنة المركزية عملية المفاوضات مع السلطات الأردنية ومع لجنة الوساطة الرباعية التي كلفها بهذه المهمة مؤتمر قمة الرؤساء العرب في أواخر يونيو والمكونة من مسؤولي أربع دول عربية ورشحت اللجنة المركزية فريقاً من ستة رجال ليمثلها، بمن فيهم عرفات وحبش وحواتمة والسرطاوي والجمعاني من الصاعقة وكمال ناصر وأخيراً تم التوصل إلى اتفاق وقع في 10 يوليو (هامش: اشترط الاتفاق عدم ظهور الفدائيين وهم مسلحون في الأماكن العامة، وألا يقوموا بمظاهرات في المدن، ولا يطلقوا النار في المناطق المأهولة بالسكان، وألا يستفزوا الجيش أو قوات الأمن، وألا يجروا مناورات بالذخيرة الحية في المناطق المأهولة بالسكان، وألا يحتفظوا بقواعد لهم في المدن والبلدات ولا يكدسوا الذخيرة والأسلحة الثقيلة في المدن والبلدات الكبرى).
واعترف باللجنة المركزية باعتبارها ممثلاً مسؤولاً عن الفدائيين لذا فسلامة الفدائيين كانت مضمونة. وكان على الحكومة أن تستأصل "المواقف السلبية" تجاه المقاومة الفلسطينية وأن تحل أي منظمة "تتناقض أساليبها" مع المقاومة (هامش: في تصريح له أدلى به يوم 13 يوليو، بيّن حبش أنه في حين أنه لم يكن يوافق موافقة تامة على ما توصلت إليه لجنة الدول الأربع من نتائج فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سوف تلتزم بمقررات اللجنة المركزية "بغض النظر عن وجهات نظرها الخاصة وتحفظاتها إزاء عدد من القضايا". وأعرب حبش عن رغبته وعن تفاؤله بشأن توطيد العلاقات بين فصائل المقاومة وعن أمله ببناء علاقات حسنة سليمة بين فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) ولم تلبث الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي غضون ساعات، حسبما أوردت التقارير أن استخفت بالحظر الذي فرض على مناورات الفدائيين داخل المدن وضربت به عرض الحائط. وفي اليوم التالي أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بياناً طرحت فيه عدة تساؤلات بشأن شتى جوانب الاتفاق. وفي 15 يوليو اختارت اللجنة المركزية فريقاً ليشارك في تنفيذ بنود الاتفاقية وتكون هذا الفريق من الرجال الستة، ماعدا اليحيى الذي جرى استبداله بالسرطاوي.
والأزمة التالية التي واجهت اللجنة المركزية الجديدة جاءت مع أواخر يوليو عندما وافقت الجمهورية العربية المتحدة على مبادرة روجرز الأمريكية لوقف إطلاق النار مع "اسرائيل". وشاعت أقوال بشأن الحيرة التي انتابت الفدائيين الذين باغتتهم موافقة عبد الناصر هذه فلم يعرفوا كيف يتصرفون حيالها وما السياسة التي ينبغي عليهم انتهاجها في هذا الوضع المربك لأن الانقسامات والانشقاقات في صفوف الحركة من جهة والخشية من المواجهة الضارية مع القوى الموالية لناصر من جهة أخرى جعلت الوضع ملتبساً بعد أن تلبدت آفاق المشهد بسحب كثيفة.
وفي 28 أغسطس أصدر المجلس الوطني الفلسطيني قراراً بشجب مبادرة روجرز ويبين أن حركة المقاومة الفلسطينية، الممثلة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة المركزية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وأن أي شخص أو طرف يحاول التحدث باسم الفلسطينيين خارج هذا الإطار سوف يعتبر خائناً. وشجب القرار الدعوات الزائفة التي انطلقت مؤخراً والمنادية للحكم الذاتي، ورفض الخطط الرامية إلى بث الفرقة وشق الصفوف وتقويض وحدة الشعب الفلسطيني وتجزئة البلاد إلى دويلات فلسطينية وأردنية ضئيلة مهينة. وقرر المجلس الوطني الفلسطيني كذلك أنه يجب تدعيم اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية وتقويتها، وأنه ينبغي أن تتخذ هذه اللجنة كل الإجراءات الضرورية للحيلولة دون استمرار المفاوضات الجارية حالياً. (هامش: وناشد القرار أيضاً اللجنة المركزية بأن تتبنى كل خطوة في الأردن تبتغي "ضمان حماية المقاومة ضد العدوان "الاسرائيلي" وضد الخطط التي تحاك حالياً، والتي ترمي إلى تصفية المقاومة").
وطلب المجلس الوطني الفلسطيني إلى الدول العربية والتمس من حكوماتها أن تحرّر جيش التحرير الفلسطيني وأن تضعه تحت تصرف منظمة التحرير الفلسطينية.


65. أزمة الأردن- سبتمبر 1970
تصاعد التوتر في الأردن بين فصائل المقاومة الفلسطينية والحكومة الأردنية حتى قبل بداية عام 1970 إلا أن الأحداث التي قادت في نهاية المطاف إلى تفجر الأزمة تسارعت بشكل مذهل، مما يوحي بأن ثمة خطة ما، وفي 31 أغسطس من ذلك العام، وفي مواجهة الصدامات المتجددة مع السلطات الأردنية منحت اللجنة المركزية عرفات صلاحية كاملة وسلطات واسعة النطاق للإشراف على جميع العناصر الفدائية وإدارة دفة المقاومة واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية الفدائيين. وخلال فترة القتال الذي اندلع في الأردن في سبتمبر من عام 1970 انتخبت اللجنة المركزية (لمنظمة التحرير الفلسطينية) عرفات ليكون القائد الأعلى لجميع القوات الفدائية.
وسيكون للجيشين الأشبه بالزلزال الذي أحدثته الحرب الأهلية في الأردن في سبتمبر من عام 1970 آثار بالغة الأهمية وانعكاسات خطيرة على بنية وهيكل الحركة الفدائية برمتها. ويبدو أن النتيجة المباشرة كانت تقوية موقف عرفات وفتح. وأما الجماعات الأشد تطرفاً (لا سيما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين) فقد تكبدت أفدح الخسائر سواء في الرجال أو العتاد، كما وصمت السلطات الأردنية زعماء هذه المنظمات بأنهم خارجون على القانون، بل زادت على ذلك بأن صرح الملك حسين بأنه لن يتعامل مع أحد منهم بل سيتعامل مع عرفات فحسب.
وحاولت فتح بعد أزمة سبتمبر الاستفادة من قوتها المتزايدة قياساً على قوى الجماعات الراديكالية وذلك بالدفع باتجاه تشكيل جبهة موحدة (وستحاول فتح بالطبع جهدها للهيمنة عليها) تمارس سيطرة أوسع وأعمق على كل منظمة منفردة على حدة. وتعرض نهج عرفات هذا الذي يسعى للتسلط والسيطرة لانتقاد شديد من قبل عصام السرطاوي قائد منظمة العمل لتحرير فلسطين في أواخر أكتوبر، وكان السرطاوي على خصام دائم مع فتح وهيمنتها على باقي التنظيمات. واشتكى السرطاوي من أن عرفات كان يستأثر باتخاذ كل القرارات باسم الحركة الفدائية الفلسطينية من دون استشارة أحد، ومن أن اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية لم تجتمع حتى ولو مرة واحدة على امتداد أسابيع. والنجاح الظاهر (رغم كونه مؤقتاً) لمساعي عرفات ومناوراته اتضح في منتصف نوفمبر من خلال إعلان اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية بأن الفدائيين خططوا لاندماج رسمي بين كافة تنظيماتهم العسكرية والسياسية في "جبهة تحرير فلسطينية" واحدة. ومما يوحي كذلك بتنامي قوة فتح ما ورد من تقارير حول أن جماعة السرطاوي (منظمة العمل لتحرير فلسطين) قد احتوتها فتح واستوعبتها في صفوفها، وربما كان هذا بالقوة أو بالتهديد باستخدام القوة، حسبما افترض المراقبون. ومثل هذه التصرفات، إضافة الى أي اتفاقية تبرمها الجماعات الأصغر حجماً من أجل اندماج رسمي لن تتصف بالديمومة والاستمرارية إلا لفترة وجيزة، وذلك بالنظر الى تقلب أهواء هذه الجماعات وتعرّض قادتها لشتى أنواع الضغوط من كافة الجهات ونزوعها الى اتخاذ نهج مستقل ينأى بها عن هيمنة فتح.
* * *



تمت بحمد الله
ارجو ان اكون افدت واستفدت

 
 

 

عرض البوم صور dr_e   رد مع اقتباس
قديم 23-07-08, 10:08 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 63944
المشاركات: 2,445
الجنس أنثى
معدل التقييم: روح مظلومه عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 32

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
روح مظلومه غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 



موضوع متميز

معلومات رائعة

مجهود مبذول

تسلم يديك

شكرا لك

 
 

 

عرض البوم صور روح مظلومه   رد مع اقتباس
قديم 29-07-08, 07:41 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مطرود

البيانات
التسجيل: Jul 2008
العضوية: 88452
المشاركات: 66
الجنس ذكر
معدل التقييم: mhhe79 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mhhe79 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dr_e المنتدى : المخابرات والجاسوسية
افتراضي

 

قراءه الموضوع اخذ مني نصف يوم كامل لكن في الحقيقة هو مفيد جداً لما يلقية من ضوء على فترة سوداء من تاريخ العروبة والامه السلامية

 
 

 

عرض البوم صور mhhe79   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أجهزة المخابرات العالمية, محكمة أمن الدولة, أسرار المخابرات المصرية, المخابرات الألمانية, المخابرات المصرية, المخابرات المغربية, المخابرات الباكستانية, المخابرات العامة الروسية, المخابرات العامة الفرنسية, المخابرات الإسرائيلية, الموساد, البوليس السري النازي, الجستابو, السيكوريتاتيا, جاسوس, جهاز المخابرات الأمريكي, جهاز المخابرات البريطانية, جهاز المخابرات السوفيتية, جواسيس, حقيقة المخابرات المصرية
facebook




جديد مواضيع قسم المخابرات والجاسوسية
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:27 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية