كاتب الموضوع :
وداد التميمي
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
- يمكن ان تنظري من خلالها للاستمتاع بتفاصيل هذا المشهد الفريد
- نعم...شكرا
واستغرق ضبط النظاره عده دقائق ثم ظهر امامها المنظر المبهر برمته..كان كل شيء هادئا ساكنا..لا حيوان ولا حتى طير..انها اينما وجهت نظرها لا ترى الا الغابات التي تبدو خاليه من كل كائن حي..ولكن تجمدت حركه يدها فجأه, ظهرت امامها ساحات شاسعه تجردت تماما من كل عشب...كانت صحراء قاحله جرداء..كانت تشغل الاف الكيلو مترات وارتعدت اوصالها بشده وناولته النظاره المكبره وهي تهمس بصوت مخنوق :
- هذا فظيع
- انت تعرفين الوع الان
- لقد لاحظت ذلك من قبل ولكني كنت اعتقد انها كارثه محدوده لم تصب غير عدد محدود من الكيلومترات المربعه...كان العشب الاصفر الجاف والاشجار الضامره تبدو مريضه.
لقد كانت الخضره تكسو كل مكان في الماضي..كانت غنيه وكأنها غابه استوائيه...ماذا حدث يا راف؟
- انه الجفاف..!
- يا الهي!!
- لابد انك سمعت من يتحدث عن ذلك حتى في مدينتك البعيده...الجفاف في افريقيا اسوأ ما حدث منذ بدايه هذا القرن.
- الى هذه الدرجه...يخيل لي انه اعتصر الارض كما يعتصر المرء ليمونه ليحصل منها على كل ما تحتوي من عصير.
- وكانت هناك اوقات اسوأ من ذلك بكثير.
- الم تمطر السماء مؤخرا؟
- هناك مساحات شاسعه من الارض لم تلها مياه الامطار..هناك الاف الكيلومترات المربعه من الاراضي لم تعد تصلح لشيء.
- وآبار المياه؟ لقد رأيت بعضا منها بالامس..هل تجد الحيوانات ما يكفيها من الماء؟
- الماء نادر ومحصور في اماكن محدده..ويكتفي المرشدون بهذه الاراضي التي تصلها المياه عندما يصطحبون السياح في جولاتهم.
- وما الموقف بالنسبه للحيوانات؟
- انها كارثه يا عزيزتي تيري اننا نفعل ما يمكننا عمله..نحفر بعض الابار ولكن الماء شحيح..عندما نفكر في......
- في ماذا؟...اريد ان اعرف ل شيء.
- لا...لا ينبغي ان اقول اكثر من ذلك.
- بل يجب ان اعرف..يجب ان ارى كل شيء.
- ليس المنظر بهيجا صدقيني.
- اريد ان ارى كل شيء يا راف وكذلك جدي يرد ان يعرف بدوره.
وخفض راف عينه ولم يجب. وتمتمت تيري وقد فهمت اخيرا كل شيء :
- انه لا يعرف شيئا...اليس كذلك؟؟
وابتعد راف دون ان يتكلم كشبح يلقي بظله على المشهد الذي لا يمكن ان يظهر الا في الكوابيس. وقد تقلص وجهه وازدادات التجاعيد التي تحيط بفمه عمقا وبرزت عيناه وانطفأ بريقهما.
- وماذا يفيد ذلك؟
ونظرت اليه تيري قد هالها مظهره..لم يسبق لها ان رأت مثل هذا الكم من الاحزان في عيني رجل.
- هذا صحيح..ماذا في امكانه ان يفعل..ولكني سوف اساعدكما ما دمت هنا.
- انت؟ وماذا يمكنك ان تفعلي؟ انت هنا كسائحه.
- هذا ليس عدلا....
- ومن يتحدث عن العدل؟
- دعني اساعدك يا راف
ضحك الرجل بمراره..ان تيري لم تعد تعرفه..من الذي غير راف الى هذا الرجل الساخر القاسي..هذا الرجل الغريب.
- لا فائده من وراء هذا الحوار يا تيري فلنعد الى المعسكر.
وظل الاثنان صامتان طوال رحله العوده وكأن الحياه قد غادرتهما بدورها. وفتحت تيري زجاج نافذه السياره وصافح سمعها صوت طنين الحشرات. وادلت المرأه بساعدها خارج باب السياره وراحت تحدق في المشاهد التي تمر بها وهي مشوشه الفكر غير قادره على التركيز. وعند احد منحنيات الطرق استيقظت الذكريات التي كانت نائمه في ذاكرتها.
- كان هناك مستنقع صغير في هذا المكان يا راف..اريد ان اراه.
- صدقيني يا تيري من الافضل الا تفعلي ذلك.
- لقد كان جميلا
- اذا كنت مكانك لكتفيت بذكراه.
- ارجوك يا راف...اريد ان اراه.
وهز راف كتفيه وخيل لـتيري خلال ثوان انه تجاهل طلبها. ولكنه استدار بالسياره فجأه وتوقف عن المسير بعد عده لحظات في طريق ضاعت معالمه.
وتجهم وجه تيري امام المشهد المهجور الذي يمتد امامها الى اقصى ما يمكن ان يدركه بصرها...منذ ثمان سنوات كانت هذه البقعه تحوي مستنقعا تحيط به الاشجار الباسقه والحشائش البريه وتؤمه مختلف الحيوانات التي تجيء لتطفئ ظمأها..اما الان فلا يوجد غير خضره جرداء مليئه بالاحجار والحصى..اما الاراضي من حولها فكانت الحياه تتسرب منها تحت اشعه الشمس الحارقه.
واستبد التأثير بـتيري ودفنت وجهها بين يديها وراحت تبكي دون انقطاع.
وادار راف محرك السياره وبدأ المسير دون ان ينطق ببنت شفه ولكن سرعان ما اوقف السياره واحاط كتف الفتاه بذراعه وهي لا تزال منخرطه في البكاء. وقالت بعد ان هدأت ثائرتها قليلا :
- انا آسفه يا راف
- لا داعي للاعتذار..انا اعرف كيف تكون الصدمه.
كم كانت تشعر بالراحه وهي قابعه كالطفله الصغيره فوق صدره...وتدافعت ذكريات الماضي كالامواج العاتيه المتلاحقه على ذاكرتها.
- هل تتذكر عندما كنت تواسيني يا راف؟
- نعم
- في احد المرات خطفت القرده مني دميتي المفضله.
- لا يمكنني ان انسى هذا ما حييت..لقد تمزق ثوب الدميه الذي امضيت اياما طويله في صنعه...لقد كانت مأساه بحق.
- يمكن اذا ان تتذكر ايضا المره الاخيره حيث...
توقفت يد راف التي كانت تتحسس شعرها الطويل فجأه واشتد ضغط ذراعه الذي كان يطوق صدرها...وراحت تتساءل: ماذا قالت لكي تثير غضبه من جديد؟ ولكنها تجرأت وقالت :
- لقد تظاهرت بالامس انك نسيت كل شيء!
- لا احب ان اخوض في هذا الحديث. ، ولكن تيري لم تستطع التوقف عن اجتراء ذكرياتها
- في ذلك اليوم احتويتني بين ذراعيك..انا اذكر ذلك تماما..وكنت اعلم انك انت ايضا..........
- كفاك...لا اريد ان اسمع شيئا.
- وقبلتني...لا تكذب..انا اعلم انك تذكر كل شيء.
- فليكن ذلك صحيحا..وماذا بعد؟ نعم انا اتذكر..كيف يمكنني ان انسى..لقد احتويتك بين ذراعي وقبلتك..ولكني مع ذلك لم افقد رأسي..لقد كنت صغيره..كم كنت اود ان تكوني اكبر سنا..اطلب منك البقاء في ليلاني..ولكن انت..هل تذكرين وعدك؟
- نعم..جيدا
- لقد قلت ان ستعودين عندما تنتهين من اتمام دراستك.
- انا هنا الان !
- لماذا تأخرت كل هذا الوقت؟ ثمان سنوات بالتمام والكمال..لقد كان يمكنك اذا اردت حقا.
ما اصعب ان تفي بالوعد الذي عاهدت امها على الحفاظ عليه...لا يمكنها ان تبوح بشيء ولكن راف....
- لم يكن في مقدوري ان احضر قبل ذلك.
- انا لا اصدقك.
- لماذا تكرهني الى هذه الدرجه..لماذا لا تصدقني..
- انا لا اكرهك ولكن....
وبحركه غير متوقعه اخذها مره ثانيه بين ذراعيه..وباغتتها هذه الحركه ولم تدر ماذا يجب عليها ان تفعل. وتقلصت يداها عل ذراعي راف واحست كأنها تعيش حلما جميلا ورديا عندما اطبق راف شفتيه على شفتيها واستسلمت لهذه القبله المجنونه واحست بدوار وعدم توازن..لم تكن القبله رقيقه حانيه..لقد وضع فيها راف كل اشتياق السنوات الثماني الماضيه وتراجع الى الخلف كحيوان جريح وهو يلهث وكأنه يريد ان يهرب من عدو يترقب منه لحظه ضعف.
-راف!
ان تيري لم تفهم اقباله المندفع وتراجعه المفاجئ
- عودي الى المنزل
- راف ماذا تريد ان تقول؟
- عودي الى الولايات المتحده
- لا
- انسي كل هذا..كأنه لم يحدث.
- ولكنه حدث بالفعل
- ما كان يجب ان يحدث على كل حال..
وادار محرك السياره بيد ما الت ترتعش وسار في طريق العوده
حاولت تيري في الايام التاليه ان تتجنب لقاء راف..ولم يكن الامر صعبا فهو بدوره يبذل اقصى جهد لكيلا يجد نفسه في طريقها..وكان عندما يجد نفسه مظطرا لتوجيه الحديث اليها يكتفي ببعض كلمات المجامله.
وكانت تيري تمضي اكبر قد ممكن من وقتها الى جانب سرير جدها..وكان سعيدا جدا وهو يحادثها عن الماضي..عن مغامراته وبيث و توم وهو ما زال طفلا. ولكن سرعان ما كان يصاب بالاجهاد ويغلق عينيه..وعندئذ تجد تيري نفسها وحيده مهجوره مع افكارها وذكرياتها.
ولهذا شعرت بالفرح عندما حضر اشقاء بيث ، ليلي , بروس , وآمي...لقد كانوا في نفس عمر تيري
- يا لها من مفاجأه ساره.
واسرعت تيري الى سيارتهم سعيده برؤيتها لهم. وراحت ليلي التي كانت السياره تحدق فيها ببرود ولم يبدي بروس ولا ايمي اي حماس تجاهها وهما يغادران السياره وشعرت تيري بالحزن والحرج.
- الا تشعرون بالرضى لرؤيتي بعد هذه السنوات لطويله.
- ما اعظم جرأتك للظهور هنا من جديد.....!
وادركت تيري على الفور ان علاقتها بهم لن تكون خيرا من علاقتها بـراف ..وانها تخطئ اشد الخطأ لو تخيلت غير ذلك...لقد تجاهلوها تماما واقتصر حديثهم مع ستيوارت وحده.
وعلى العكس كان لقاء "اليك مارلو" محامي ليلاني اكثر ذوقا ورقه..انه رجل القانون الذي تولى قضايا الضيعه منذ سنوات طويله. وبعد ان امضى عده ساعات مع ستيوارت انظم لـتيري وامضيا لحظات سعيده بالقرب من الفسقيه المليئه بالاسماك الملونه في فناء المنزل الخارجي.
ومع ذلك فقد مرت الايام بطيئه وزاد من بطئها ووحشتها تلك العزله التي وجدت فيها تيري نفسها..فقد كان جدها كثيرا ما ينام وهو يحدثها وقبل ان يكمل ما كان يريد ان يقوله ويظل في سباته هذا طوال فتره بعد الظهر. وبدأت تيري تخرج مع السائحين في السياره الجيب التي يقودها احد المرشدين ويطوفون بارجاء المحميه وهكذا اصحت تعرف كل شبر من ارض الضيعه.
وفي احد الايام عادت الجيب الى ارض المعسكر عندما شاهدت تيري حيوانا غيرا مختفيا بين الحشائش والاشواك
- جوشوا...قف!
واطاع السائق.
- انه قرد صغير...ولكني لا ارى امه
كان الحيوان الصغير يرتعد خوفا.
- لابد ان احد الاسود قريبا من هنا..وهرب القطيع بكل تأكيد. على كل حال يجب ان نعود ادراجنا الان لقد بدا الليل يسدل ستاره وهو يخيم بسرعه في هذا الفصل من السنه.
- على الرغم من عدم احتاجها فانها لم تنسى الحيوان الوليد..يا له من يتيم مسكين..ان احتمالات بقائه حيا ضئيله جدا.
ولم تقل شيئا لجدها الذي اعتادت ان تقص عليه كل الاحداث المشابه عن الحيونات الصغيره.. لقد اتخذت قرارها خلال ثواني معدوده. كان جدها قد سمح لها ياستعمال السياره كيفما يحلو لها. واسرعت بالجلوس خلف عجله القياد وسارعت في طريقها دون ان تخطر احدا.
وساعدتها ذكرى الحادث في العثور على المكان...كان الحيوان الصغير لا يزال في مكانه بين الحشائش..كان الظلام بدأ يخيم على المكان وكان عليها الا تضيع ثانيه واحده.
ونزلت من السياره بسرعه واسرعت حيث يرقد الحيوان الذي لم يحاول افرار. وحاولت ان ترفعه ولم يكن الامر سهلا فقد تشبثت مخالبه بالارض .
- لا تخف..انا لا اريد بك سوءا.
وكانت مشغوله في نقل الحيوان الى السياره فلم تسمع صوت ضوضاء تنبعث من خلفها واحست فجأه بشيء يقبض ذراعها بقوه ووحشيه...وصاحت بفزع.
|