كاتب الموضوع :
وداد التميمي
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ولمع في عينيه بريق خاطف وراح يحدق في لحظات في المرأة الشابة ذات الشفتين اللتين ارتعشتا بنفس الطريقة في يوم بعيد تحت شفتيه .
لقد كانت لحظة حنان وحب عاشتها ... كم من مرة استعادت ذكراها بعد نفيها في كاليفورنيا .
- ماذا تريدين ان اقول لك يا تيري ؟
- لا تتعب نفسك يا راف .
وداهمتها المرارة فجأة :
-إني اكره ان اراك تنطق بما لا تحب ان تنطق به وحولت رأسها عنه .
انه لن يدرك أبدا مقدار الألم الشديد الذي سببه لها ... وتلك الدموع التي تتبلور في عينيها وتجاهد هي حتى لا تنهمر على خديها ... وأشارت بحدة الى حيث توجد حقائبها :
- نعم ... هذه هي حقائبي ...
ورفعها راف بدون عناء واتجه دون ان ينطق بكلمة واحدة صوب السيارة الجيب التي كانت تنتظر على مقربة من مدخل المحطة ... ولم تنتظر تيري ان يفتح لها الباب وجلست على المقعد الأمامي :
- هل سنذهب مباشرة الى ليلاني ؟
- نعم ... الا اذا رغبت في الذهاب الى مكان آخر .
- لا بكل تأكيد فأنا اريد ان ارى جدي بأسرع وقت ممكن .
- آه ! وترددت اصداء لكنته بسخرية وغموض في اذنيها
- إنه يعلم انني قادمة ... اليس كذلك ؟
- إنه لا يفكر الا في هذا منذ تسلم خطابك .
- وهل هو مسرور ؟
- انه يتفجر بهجة . وكان راف يركز في قيادته اكثر من اللازم
- لا يبدو عليك انك مسرور برؤيتي .
- لم اقل شيئا من هذا القبيل .
لم يكن هناك مايدعو لإلقاء هذا السؤال ... ان كل شيء واضح تمام الوضوح . واشاحت تيري بوجهها بعيدا وهي حزينة ثقيلة القلب ... اهذا هو الرجل الذي كانت تعتقد انه مدله بحبها ؟
وبدأت الغابات تفرض وجودها في كل مكان واصبحت الارض اكثر توحشا واقل مدنية وتركت الحقول المزروعة مكانها للأرض الجافة الجرداء التي تلهبها سياط الرياح الساخنة . وتوقفت تيري على بوابة الضيعة الكبيرة عندما رأت قطيعا من الاغنام يرعى في هدوء على جانبي الطريق وارادت ان تطلب من راف ان يقف قليلا ولكنها غيرت رأيها مع انها لم تكن لتفعل ذلك مع راف في الأيام الخوالي .. ولكن راف الذي يجلس بجانبها الآن هو رجل اخر ... رجل غريب عنها تماما ...
وظلت السيارة تقطع بها الطريق ساعة كاملة دون ان يتبادلا كلمة واحدة . وكان راف قد ادار مذياع السيارة وغطت الموسيقى الفولكلورية على غيرها من ضوضاء الطبيعة واسندت تيري ظهرها على المقعد في عصبية ظاهرة .
ولم تدر تيري رأسها صوب راف الا عندما ظهرت لها الجدران الحجرية التي تحيط بباب الضيعة الرئيسي .. ولم تنجح في اخفاء سعادتها .
- لا استطيع ان اصدق عيني .. اني هنا .. في المنزل .
- نعم .
كانت تريد ان تمسك به وتهزه بعنف وتخرجه عن تحفظه غير المفهوم.. ماذا به ؟.. لماذا هذا السلوك الجامد .. الجارح ؟ ولكنها لم تقل شيئا . وأبطأت السيارة عند المدخل ثم توقفت تماما . واختفى راف من افكارها ... وانحنت من النافذة وهي ترتعد تاثرا وتحدق في اركان المكان الأربعة .
- سأعطي دولارا لأول من يشاهد فيلا .
- لا احد يتعامل مع النقود الامريكية هنا يا عزيزتي .
- آسفة ... كنت اعتقد انك لا تزال تتذكر لعبتنا .
ولم يكترث راف بالرد . واخذت تيري التي كانت لا تريد ان تفسد لحظات عودتها الأولى الى ارض طفولتها - تحدق في الأفق البعيد للبحث عن فيلها ... لقد كانت الحيوانات هناك بالفعل ... إنها على الاقل حريصة لاستقبالها ! كانت قليلة العدد ... ولكن كل منها ادخل على قلبها السرورد بعد هذه السنوات الطويلة ...
كانت جماعات من القردة مختلفة الأحجام تتأرجح فوق اغصان الاشجار القريبة من السيارة وانفجرت تيري ضاحكة وقد نسيت همومها .
- ان شيئا لم يتغير .
- ستكونين ساذجة حقا اذا اعتقدت ذلك .
- هذا صحيح .. فانت مثلا لم تعد كما كنت .
- ربما ...
- اريد ان اعرف لماذا ؟
كانت تريد ان تفاجئه بهذا السؤال ولكنها باءت بالفشل . فقد ظل وجهه جامدا لا يعبر عن شيء وكذلك نظراته .. وقالت تيري لنفسها : من الأفضل ان توجه اهتمامها للغابة : كانت الاشجار والحشائش والحيوانات تمثل باليها قديما خالدا مثل افريقيا نفسها ... ما اجمل هذه الفيلة الصغيرة التي لا تكاد اقدامها تتحمل ثقل اجسامها ...وهذه الطيور المختلفة الالوان والاشكال التي تتميز بها الادغال في هذه البقعة من الارض .
- ما اكثر الذكريات التي تغزو ذاكرتي يا راف .
- اي نوع من الذكريات ؟
- كلها .
- أهذا صحيح ؟ ولأول مرة ارتسم ظل ابتسامة على شفتيه ... هل خانتك ذكريات السبع عشرة سنة الماضية ؟ وابتسمت تيري بدورها ... انه لا يزال على جاذبيته القديمة .. ولكن لماذا هذا التباعد وعدم المبالاة ؟
- سوف اثبت لك ذلك ! هناك في الجنوب غير البعيد محجر مهجور .
- انت على حق من غير شك . ، وضحك راف ... الأمر الذي جعل اوصالها ترتعد فرحاً
- وعلى بعد ميلين توجد اشجار الاشباح .
- بالضبط .
- هل مازالت على حالها .
- لقد ازداد عددها .
- وهل موطن الفيلة لا يزال غير بعيد من هنا ؟
وضحك من جديد :
- لم يكن موجودا ابدا يا تيري انها قصة من بنات خيالاتك كنت تحبين ان تكرريها دائما .
- لن تنقنعني بذلك ابدا .
لقد صممت الآن وقد نجحت في مبادلته الحوار ولابد الا تدع هذه الفرصة تمر :
- بمناسبة الكلام عن الفيلة اعتقد ان "يونج راسكال " مازال يقبع كعادته الى جانب ابار المياه .
- لقد تقدم به العمر الآن .. هاجمه صيادو العاج ولم يعد ابداً كما كان .
- هذا فضيع .. هل مازال صيد الفيلة شائعا كما كان في الماضي .
- بل اكثر من قبل .
- اريد ان اعرف كل شيء .
- لا اعتقد ان الوقت سوف يسعفك لذلك . ولا حتى الرغبة اذ لم يطل بقاؤك هنا اكثر من شهر .
- ارجوك يا راف انا لا افهم لماذا تعاملني هكذا .. اريدك الا تعتبرني مجرد سائحة عابرة .
وساد الصمت بينهما مرة اخرى اكثر ثقلا من المرة السابقة ثم قطعه راف اخيرا قائلا :
- انظري يا تيري هذا هو مكانك المفضل .
وتدفقت نظراته في دهشة وظهرت امامها معالم المحجر المهجور الذي اشارت اليه فيما سبق ولكن القردة التي كانت لا تكف عن اللعب والحركة لم تعد تثير اهتمامها .
- انك لم تقل لي شيئا عن جدي .
- انك لم تسأليني عن اخباره .
- كنت اظن انه سيأتي لاستقبالي في المحطة .
- لا يا تيري ليس هذا ممكنا ابدا .
- ولماذا ؟ وادهشتها نبرة صوته العميق . وظل راف صامتا برهة :
- لقد اخترت الوقت المناسب لزيارته .
- ماذا تعني بذلك ؟
- ستفهمين كل شيء عندما ترينه ... انك ، مثلك في ذلك مثل بقية افراد اسرتك تتلهفين فجأة على اعادة علاقتك به .
وتسلل الخوف الى نفسها
|