كاتب الموضوع :
ميثان
المنتدى :
القصص المكتمله
الهروب
يوم الاحد 19 ابريل 1987
اليوم التالي لاغلاقنا النفق ,كنت افترش أرض الزنزانة معرضة وجهي لأشعة الشمس الربيعية
كنا نشعر بالرضا بالرغم من كل ماكانت تحفل به هذه الأشهر الاخيرة من الانتظار
ان لدينا مايدفعنا الى التأمل والرجاء
اخيرا اوشكنا على الخروج من هذا القبر
كانت ميمي تنام في سريرها بينما كانت سكينه وماريا ترقدان بجانبي وكنا نثرثر باسترخاء
فجأة تناهى الى اسماعي صوت ((الحركة التحذيرة )) الصادرة من زنزانة أمي
التي همست قائلة لي :
_ اسمعي يامليكة , سمعتهم وهم يتحدثون . لقد تلقوا امرا ً ببناء محراس وبرج مراقبة فوق
سطح الزنزانة التي تقع فوق النفق وان الكوخ سيبنى تماما ً فوق مخرج النفق وسيكون
هنالك كشافات ضوئية .
_ ماذا عسانا ان نفعل ؟؟
أجابتني بتمزق وحيرة :
_ مامن خيار اخر , سينتهون من ذلك خلال ثمان وعشرون ساعة . هذا يعني وداعا ً للهروب
يجب عليكم حفر النفق مباشرة الان , والرحيل هذه الليلة
كانت لدي اعتراضات كثيرة , اذ كيف يمكنني أن احفر عموديا ً ثلاثة امتار خلال عدة ساعات ؟؟
كان هذا ضربا ً من المستحيل
اصرت أمي على رأيها قائلة :
_ اما هذا او لاشيء . اذا لم ترحلوا هذه الليلة فانكم لن تخرجوا من هنا أبدا ً أخبري رؤوف حالاً بالامر .
كان رؤوف متوافق مع امي باننا لانملك خيار اخر
وهكذا بدأت الحفر عند الظهيرة لانتهي من حفر المسافة المطلوبة في الساعة السادسة مساءً
كنت اعمل باستماتة , لم تعد الملعقة تكفيني لو تسنى لي ان احفر الارض باسناني لفعلت
كنت احفر وافرغ , تعطل تفكيري وانسلخت عن الوجود غدوت كآلة متحركة احفر التراب وافرغ
واحفر وافرغ التراب . . . . . كطاحونة هوائية لاتتوقف عن الدوران .
وقعت على عشبة لبلاب تضرب بجذورها عميقا ً في الارض
شددتها بكل قوتي خلال عدة ساعات . كنت اناضل كي اقتلعها واجتثها من جذورها . لوهلة بدا
الامر مستحيل
الا انني وضعت كل ما لدي من قوة , كان يجب ان ازيل هذه العقبة باي ثمن
فجأة لاحت السماء امام عيني , كانت خيوط الضوء تشير الى نهاية النهار , شعرت بنسمة ربيعية
تداعب وجهي بنعومة .
_ يالهي , ماروع هذا , ايعقل ان الحياة هنا على قاب قوسين او ادنى من متناول يدي ؟!
لا ادري بعدها كيف تابعت ازالة واقتلاع ماتبقى من اعشاب وانا ابكي والدموع تغطي وجهي ,
ما اجملها من لحظات وما ارهبها ايضا ً !
عدت الى الزنزانة واعلنت لهم اننا انتصرنا .
سارعت ماريا وسكينه لاجتياز النفق و التاكد من جهوزيته بنفسيهما وعادتا وعلامات الرضا ترتسم
على وجهيهما
ثم ارسلنا عبداللطيف للاستكشاف وللاستطلاع
((كانت أمي قد خاطت لنا ثيابا ً خاصة لتلك الليلة ثيابا ً سوداء مفتوحة فقط من عند الفم والعينين
وصنعت من جلد حقائبنا التي كانت فاخرة ذات يوم نعالا ً .
رغم دقة التنظيم للهروب الا اننا لم نتفق على الذين يريدون المشاركة في هذه المغامرة
كان رؤوف يريد الفرار وحده وبلوغ السفارة الفرنسية وذلك لخشيته علينا اما انا فكنت واثقة من مرافقته
اما ماريا أعلنت انها ستنتحر ان لم نأخذها معنا
كان عبداللطيف سيشاركنا المغامرة فهو أكثرنا حرمانا ً اذ انه لم ير من الحياة الا هذا المعتقل
اما الوالدة فكانت تتمنى الفرار الا ان جسدها المتورم لا يسمح لها بدخول النفق
وافقت سكينه على البقاء مع الوالدة مؤكدة نبلها وشجاعتها وهي التي كانت ستقفل النفق بعد
رحيلنا فتربحنا وقتا ً ثمينا ً
وحدها ميمي ولهشاشة صحتها لم تكن قادرة على التفكير بمواكبتنا .
خطتنا الاساسية هي التوجه الى السفارة الفرنسية وطلب اللجوء السياسي
ولبلوغ هدفنا كنا سنحتاج الى وقت كاف ٍ لتأخير اكتشاف الحراس لفرارنا
ويوم هربنا كانت الخطة تقضي بان تسعى أمي الى استبقاء الحراس وقت الطول في زنزانتها ))
مررت لنا أمي الملابس التي خاطتها لنا وبعض المواد الغذائية والسندوتشات
ومع هبوط الليل وصل رؤوف كالعادة متسللا ً من الثغرة وحانت لحظة الوداع
تشابكت يدي مع يد امي عبر الثغرة وتبادلنا رسائل صامته
كان صوتها يرجف عندما تكلمت اخيرا ً لتقول لي :
انني اتمنك ِ على لحمي ودمي , انني أضع بين يديك فلذات كبدي أعرف انك ستكونين كالام لهم .
كانت سكينة ترتعد , كان الدمع يلتمع في عينيها , كانت المسؤلية التي تنتظرها جسيمة
انها هي من سيعيد سد الفتحة بعد ان نمضي لانهم كلما تأخروا في اكتشاف أمرنا كلما كان الامر
في مصلحتنا .
ارتدينا ملابسنا بصمت حمل كل واحد منا جعبته , ومضينا الواحد تلو الاخر عبداللطيف وماريا وانا ورؤوف
كان صعبا ً بالنسبة لنا ان نستوعب أن المرحلة الاولى من خطتنا قد انقضت بسلام
استعدنا رباطة جأشنا وأخذنا نفسا ً عميقا ً قبل أن نبدأ المغامرة الكبرى .. . . . .
|