وفي طريق العودة إلى المنزل , استقلت ليزا سيارتها , لكن والدها تولى القيادة . فلم تستطع أن تبعد عنها ما قاله ساندي بل تذكرت ما نوهت إليه خالتها مود منذ أيام , عندما أشارت إلى علاقة العمل التي تربطها بساندي والتي ستوحي له بالطموح إلى "وضع أفضل " .
هل يا ترى يريد مصارحتها بهذا "الوضع الأفضل " . أي الزواج ؟ فهو يظن نفسه مغرما بها لأنها مدت له يد المساعدة , ويعتقد بالتالي أن لا بديل لها في مصنعه . وبينما هي سارحة في أفكارها كعادتها تحلل , وتحكم على أحداث اليوم , خاطبها والدها قائلا بعفويته المعهودة :
- ساندي رجل لطيف ... لو يجد المساعدة اللازمة له , لحقق نجاحا كبيرا على صعيد عمله .
- ومن برأيك هو الشخص الذي يناسبه .
- ربما تلك الفتاة السمراء التي كانت في المصنع .
- - تقصد أينا ؟
- نعم . طبعا إلا إذا كنت ترغبين أنت بالزواج منه .
- لا , أبد ... فأنا لا أتزوج إلا بدافع الحب .
فقال السيد فرانك مداعبا :
- ولم تجدي بعد الشخص الذي يناسبك . أعرف الصفات التي تحبينها في الرجل , فأنت تريدينه قويا عاشقا , لينجح في إسعادك .
وأضاف والد ليزا بشيء من الجدية :
- الحب شرط أساسي لزواج سعيد . فأنت لم تخطئي في هذا المجال , لكن احذري ميولك الاستقلالية , فلربما حجبت عنك الرجل الذي بلائمك عندما يأتي في الوقت المناسب .
وفجأة لاح لهما جوني على بعد مئة متر وهو يتمشى على قارعة الطريق فقالت ليزا بدهشة :
- هذا جوني لامون ؟
أوقف السيد فرانك السيارة جانبا وفتح الباب لجوني بلطف فلبى جوني الدعوة فرحا وقال :
-آنسة ليزا ... أحمل معي شيئا خاصا لك . تفضلي هذا ما رسمته اليوم في المدرسة من أجلك .
- شكرا لك ياجوني . أين كنت ؟ أرجو ألا تكون قد أثرت عراكا آخر .لماذا ثيابك منبوشة على هذا النحو ؟
فابتسم جوني وأجاب :
- كلا , لم أتعارك مع أحد هذه المرة ,أنما تمرغت على العشب أنا وصديق لي يدعى جايمي يعمل والده في الورشة عند أبي .
استدار فرانك على مقعده الأمامي , ليلقي نظرة خاطفة إلى جوني , ومد يده على سبيل التعارف , قائلا :
- سررت للقائي بك , فأنا أعرف والدك منذ كان صغيرا .
تجاوب جوني مع فرانك , فمد يده مصافحا وقال بفضول :
- كم كان لأبي من العمر عندما عرفته ؟ فأنا اليوم بلغت السابعة .
- كان في الحادية عشر من عمره أو ربما في العاشرة .
- هل ذهبت اليوم لزيارته ؟
- لا لم أفعل بعد , لكنني سأزوره قريبا . أحب أن أرى المركب في مرحلة ترميمها .
- لو تأتي معي الآن , فسأريك كل شيء ؟ وأنت ليزا لو ترافقيننا !
فرفضت ليزا عرض جوني الحماسي والعفوي بهدوء , مجيبة :
- لا ليس الآن ... في وقت آخر أرافقك ... يمكنك الذهاب مع أبي . و أشكرك مرة ثانية للرسم الذي حملته لي .أزهار النرجس التي لونتها جميلة .
وصلت بهم السيارة إلى حوض السفن , فترجل منها جوني يرافقه السيد فرانك . قال جوني وهو يبتعد :
- دعي خالتك مود ترى رسمي !
وأقلعت ليزا بسيارتها متجهة إلى المنزل . لم تشأ مرافقة والدها وجوني إلى حوض السفن , لأنها تخاف اولا أن ترى فرايزر مجددا وثانية لأنها تعرف أن والدها يود محادثته على إنفراد .
وأمضت طوال المسافة التي تفصلها عن بيت خالتها وهي تقنع نفسها أن ما تشعر به تجاه فرايزر وبحضوره خاصة ليس إلا حالة عابرة , مجرد إعجاب بسيط , طبيعي , يزول مع زوال فصل الربيع ... وفي هذه الأثناء فهي تفضل أن تتقيد بالحذر والتعقل . إنما الأمر الوحيد الذي يقلقها هو المحافظة على صداقتها لجوني , دون أن يتذمر والده وبعد ساعات عاد فرانك سميث منشرا ودخل توا إلى غرفة الخالة مود ليطلعها على نتيجة زيارته لفرايزر لامون .
- في الواقع يا عزيزتي مود لا أفهم لماذا تبغضين فرايزر لامون ؟ وجدته ذكيا متعقلا , طموحا ويعرف تماما ماذا يريد , وإلى أين سيؤدي به اندفاعه وحماسه , فهو ليس بحاجة لمن يقويه ويشجعه .
أجابت مود بلهجة قاسية :
- بالعكس !إنه بحاجة لمن يردعه , ويضع حدا لأطماعه في امتلاك أرضي اردمونت .
- لست من رأيك فأنا أعتقد أنه بحاجة لمساحة معينه تسمح له بتوسيع مؤسسته . وعندما يحصل عليها , لن يطلب المزيد !
وحاول فرانك أن يوفر على نفسه مشقة الجدال مع لخالة مود ول موضوع فرايزر لامون , فأشعل غليونه ويبدأ بحشوه من تبغه الخاص .
لكن الخالة مود ,لم تكف بما سمعته من فرانك ولأنها لم تقتنع بالطبع , عادت لتثير الموضوع من جديد
فسألت فرانك بتذمر :
- لا أستغرب أبدا دفاعك عنه , إنما أحب أن أعرف ماذا قال لك بالضبط ؟
- أطلعني على أسلوبه في العمل : فهو يستعمل مادة الزجاج , أنه يعتمد على الأسلوب التقليدي في بناء المراكب . أحد المراكب التي يعمل عليها حاليا , سيشترك في السباق لعبور المحيط الهادئ . إذا أحرز نجاحا , وفاز بالسباق , يكون قد أطلق أسم المؤسسة إطلاقه ممتازة !
- كل هذا الذي تخبرني به لا ينفعني شيئا ... ما هو موقفه الآن من أملاكي وبيتي ؟
تنهد السيد سميث بأسف وأجاب :
- لم أفاتحه بعد بهذا الموضوع . لم أجد الوقت مناسبا للدخول في بحث كهذا ... فقد بدأ منزعجا عندما كشفت له عن هويتي .
وألقى السيد سميث نظرة خاطفة على ليزا فاحمرت وجنتاها دون سبب ظاهر . وأضاف السيد سميث بلهجة مقنعة :
- لا تقلقي يا مود , سأزوره ثانية . ابنه جوني لا مثيل له في اللطف والذكاء لكنه بحاجة ماسة إلى أم تعتني به .
فأجابت مود بقسوة بالغة :
- هنالك الكثير من أمثاله يتولون أمر الإعتناء بأولادهم !
- صحيح ! لكن فرايزر يبدو تعبا من هذه المسؤولية الملقاة على عاتقه .
فسألت ليزا باندفاع :
- لماذا ؟
- لاحظت أنه بدأ يفقد صبره في التعامل مع جوني . ربما هذا يعود لهمومه الكثيرة .
وفي الأسبوع التالي زار فرانك مشغل لامون فرايزر , فكان مندهش للطريفة التي يجري فيها العمل . فرايزر يمضي ساعات طويلة يراقب بدقة وباهتمام , عملية التنفيذ.
وفي اليوم التالي , التقت ليزا بسارة في مصنع الأقمشة , ولم تكف هذه الأخيرة عن ذكر علاقتها الحميمة بعائلة لامون , وكانت تتكلم بلهجة منفعلة , ومضطربة , مما دعا ليزا للتساؤل عن السبب .
ولم يطل تساؤلها , فكان تعليق أينا على تصرف سارة بعد رحيلها كافيا ,إذا قالت أينا :
- سارة منفعلة للغاية اليوم , لأنها أدركت في جلسة التصوير السابقة في منزلها , أن جوني يميل إليك أنت , وهذا يهدد سعيها للزواج من فرايزر ... فإذا كرهها جوني , ستفشل جميع خططها .
ابتسمت ليزا وأجابت بهدوء :
- ما لنا ولها .... ولهذه الحماقات ... أنا لم أرى عائلة لامون منذ وقت طويل .
لكن بالواقع هل كانت ليزا تقول الحقيقة , هل مضى وقت طويل على غيابها عن عائلة لامون ؟
لا يسعها أن تقول لأينا أنها كانت تجد دوما الفرص المناسبة لتلتقي بفرايزر , سواء راقبته من نافذتها ,
أم خرجت لتنزه كلابها .
وفي أحدى المرات تجرأت ومرت بمحاذاة ورشة البناء فلمحته يخاطب العمال على المركب وكأنه شعر بحضورها فاستدار فجأة في مكانه مستغربا , ولكنه ما لبث أن عاد إلى حديثه .
وكأن الدنيا فجأة هبطت بكل ما فيها على رأسها , وأحست بثقل رهيب يطن في صدرها , ويجري في عروقه ووعدت نفسها بأنها لن تعيد الكرة ثانية , ولن تسمح لعواطفها الجياشة أن تخونها , وتعرضها للتجربة .
وأخيرا ... حان الموعد مع ساندي , موعد الشيء المهم . الذي يرغب مصارحتها به , فكان كل همها في هذا النهار هو كيف تمنعه من البوح بأسراره . لذا شرعت تحدثه عن علاقة سارة شيزهولم بفرايزر لامون .
وكانت من وقت لآخر تلقي نظرة خاطفة إليه فتراه سابحا في أفكاره كأنه لا يسمع وعيناه تحدقان بالتلال البعيدة وقالت :
- لا شك أن سارة لا تحسن التعامل مع جوني .
انتفض ساندي فجأة وقال بانفعال :
- لو نتحدث في موضوع آخر ... هناك بعض المارة غيرنا يتقدمون ناحيتنا .
استدارت ليزا في مكانها , لتستطلع هوية المارة , فبان لها فرايزر في البعيد يتنزه برفقة سارة , وجوني يعدو حولهما . ويلهي نفسه برمي الحصى في البحر . ولدى مشاهدته ليزا وساندي يتقدمان نحوهم هرع جوني نحو ليزا , وهو يقفز فرحا , وبدأ يعرض عليها أنواع الأصداف التي جمعها على الشاطئ .
وعندما اقترب منهما فرايزر وسارة , ألقى فرايزر السلام بصوت بارد وأكمل سيره , بينما توقفت سارة لترغم جوني على متابعة النزهة بصحبتهما هي ووالده , فقالت بصوت مصطنع :
- جوني حبيبي , أرجوك لا تزعج الآنسة ليزا بهذه الحماقات . فهي تتنزه برفقة السيد لويس ... تعال واتبعني .
أجاب جوني بتذمر :
- من قال لك أن أصدافي تزعجها ؟ فهي لا تزعجها أبدا .
تأثرت ليزا لجواب جوني الذي كاد أن يشرف على البكاء , لانزعاجه من ملاحظة سارة الخاطئة .
وقالت بتأثر أعمق :
- أنت على حق يا جوني , أصدافك لا تزعجني أبدا , بالعكس .
فألحت سارة عليه لمرافقتها :
- هيا جوني , ولا تتأخر !
اغتاظ جوني , وأجاب بحنق :
- لا لن ألحق بكما ... أريد أن أبقى مع ليزا .
تدخل ساندي بلهجة لطيفة :
- لا يمكنك متابعة النزهة معنا ,فنحن نسير بالاتجاه المعاكس .
أجابت سارة ساندي بسخط :
- عليكما أذن أن تغيرا اتجاهكما , فتحل المشكلة , ويكون جوني راضيا .
- حسنا ! هل من مانع لديك يا ليزا ؟
ابتسمت ليزا موافقة وقالت :
- لا أبدا يمكنكما السير أمامنا , وجوني وأنا سنتبعكما على مهل .
ومشى ساندي إلى جانب سارة , بينما أصبح فرايزر في المقدمة , وجوني وليزا يسيران في المؤخرة ,
ارتاحت ليزا لهذا الحل , إذا وفرت على نفسها مرة ثانية , مشقة الاستماع إلى ساندي وابتهج جوني أيضا , لحضوره معها وقال مبتسما :
- ها أنني ربحتك لي وحدي ! سنستفيد من هذه الفرصة نبحث عن السراطين سويا .
أقنعته ليزا أن الوقت لن يسمح لهما بذلك , وفي موعد آخر سيقومان بنزهة أخرى باكرا .
وفي طريق العودة إلى المنزل , كان فرايزر ينتظرهما وحيدا أمام بيت ساندي لويس ويبدو علية الغضب و الانفعال الشديد :
- تأخرتما في العودة .
لم تشأ ليزا أن تعكر جو هذه المناسبة التي جمعتهما ثانية , فقررت أن تظهر لطفها , وتخبئ انفعالها , فقالت بهدوء :
- أين ساندي وسارة ؟
- يدعوك ساندي لتناول الشاي في منزله . وهو ينتظرك مع سارة هناك .
سأل جوني بحماس بالغ :
- ونحن يا أبي , هل ستوافقهما أيضا ؟
- كلا ! رفضت دعوة ساندي , بسبب تصرفك السيئ بعد ظهر اليوم .
ألتمعت دمعتان على وجنتي جوني , واكتفى بالاحتفاظ بالصمت .
فقالت ليزا برقة بالغة :
- لو نذهب معا , فالسيد لويس وزوجته , سيفرحان لقدومنا , ولحضورك أنت وجوني خصوصا .
أجاب فرايزر بلهجة ساخرة وجافة :
- لا أوافقك الرأي يا آنسة ليزا , في أي حال لا أعتقد أن السيد لويس سيكون راضيا لزيارتنا له . فأنا أذهب حيث يكون قدومي مرغوبا . تصبحين على خير يا آنسة . تعال جوني ... هيا !