لم تصادف ليزا حتى الآن السيد فرايزر لامون و الد جوني الذي حدثها على المركب . ما تعرفه عنه ليس سوى آراء متضاربة , تختلف باختلاف الاشخاص .
فرأي خالتها السيدة مود روي يناقض رأي ساندي لويس , وهذا الامر زادها فضولاً ورغبة في التعرف اليه . فأخذت تتخيله , هل هو قاسي الملامح ؟ قوي البنيه ؟ متسلط ؟ لايأبه بآراء الآخرين به ؟ يشق طريقه بدون ان يكترث بأحد ؟
وذات يوم بعد مرور عيد الميلاد وراس السنة , بينما كانت تنزه كلاب خالتها مود , لفت انتباهها عراك محتوم بين صبيين يتصارعان على ا لشاطئ . وأخذ الكلبان يعويان على الفور ويحاولان الافلات من رسنيهما .
فاقتربت ليزا مع كلبيها وهما في حالة هياج شديد نحو الشاطئ ,فبان لها عن قرب ثلاثة صبية يتعاركون , اثنان منهما يزاحمان الثالث الاصغر سناُ فيما بينهم وهو يتخبط أرضاً محاولاً عبثاً الافلات منهما , وهما ينحيان عليه ويسددان له الضربة تلو الأخرى .
فهرعت ليزا نحوهم , فما كان من الصبيين الأكبر سناً الا ان لاذا بالفرار , فاقتربت من الثالث الذي كان ما زال ارضاً ولا يقوى على الحراك , وكم كانت دهشتها كبيرة لدى تعرفها الى جوني لامون ، فساعدته على ا لوقوف واخذت تمسح من مجهه الرمال التي امتزجت بالعرق المتصبب من جبينه , وبانت لها البقع الزرقاء و الخدش حول عنقه وعلى خديه ,فآلمتها حالته و قالت له وهي تحاول ان تتمالك نفسها من الغيظ :
- من هما هذا الصبيان اللذان اشبعانِكَ ضرباً ؟.
أجابها جوني بعناء :
-دوغلاس بيتغر وجيمي فوكس .
- ولماذا اعتديا عليك ؟.
- انا الذي اعتديت عليهما , كانا يقولان كلاماً بذيئاً عن ابي .
- لكنهما يكبرانِك سناً ولا يمكنك التغلب عليهما .
- اعرف ذلك , ولكن هذا لم يمنعني من تلقينهما درساً قاسياً لئلا يذيعا بعد اليوم كلاماً كاذباً يضر بأبي .
و بدأ جوني فجأةً بالبكاء وهو يحاول اخفاء وجهه بيديه الوسختين من جراء العراك .
شعرت ليزا بألم كبير يحتلها ولم تستطع إلا تهدئة خاطره و التخفيف عنه , فمسحت له دموعه بمنديلها ورافقته حتى منزله .
فقال لها جوني وهما يتجهان ناحية المزل :
-بالتأكيد وكالعادة والدي غائب عن البيت . وأشار باصبعه الى الفيلا الفخمة بجوار مصنع السفن , واضاف جوني بحرارة :
- اسمي جوني و انتِ يا آنسة ما اسمكِ ؟.
- اسمي ليزا .
- اعتقد ان ابي في مكتبه او في احدى العنابر حول المنزل .... سيغضب كثيراً عندما يرى انني تعاركت .
هل يزعجك لو امسكت بيدك ؟
فضغطت ليزا على يد جوني بلطف وقالت :
- لا تزعجني ابداً ! وفكرت باللهجة القاسية التي ستواجه بها لسيد فرايزر لامون ,فهي ستلومه على الطريقة التي يعامل بها ابنه . وبينما كانت تتجه بمعية جوني نحو الفيلا , لاحظت في الحوض سفناً في عنبر خاص يحميها من المطر في فصل الشتاء . ووصلا اخيرا امام بناء خشبي حديث , ففتح جوني الباب و دخلا .
على الجدران امتدت خرائط كثيرة ومختلفة لهياكل سفن , اخذت ليزا تمعن النظر فيها , حتى اطلت عليهما امرأة في الاربعين من عمرها تعمل وراء مكتبها على الآلة الكاتبة . ولدى سماعها خطوات في الداخل , رفعت رأسها نحو الصوت ودهشت وهي تنظر الى جوني :
- عراك جديد اليس كذلك ؟.
اسرعت ليزا واجابت بلهجة متعالية :
- تعارك مع احد صبيان الحي و رافقته الى هنا , هل يمكنني مقابلة السيد لامون ؟
تغيرت لهجة السكرتيرة وقالت بقسوة :
- السيد لامون مرتبط بموعد عمل هام , لا يمكنني التدخل فوراً . اتركي جوني هنا , سوف اتولى امره شخصياً !
- ما سأقوله للسيد لامون مهم بقدر اهمية الاجتماع الذي يربطه بأحدهم الآن !.
فجأة علا صوت خلفها وهي تواجه السكرتيرة ,صوت ملؤه جاذبية مصحوباً بابتسامة خفيفة :
- جانين ! ارجوك استقبلي الآنسة سميث في مكتب آخر , سأوافيها بعد دقائق ! .
واستدارت ليزا لترى مصدر الصوت و صاحبه , فلم تفلح اذ اختفى بسرعة وراء الباب الذي أطلّ منه ,
ورات من نافذة الغرفة التي تقف فيها رجلاً يبتعد و يتجه الى سيارة فخمة و يتحدث الى سائقها مودعاً .
فسارع جوني و قال لها هامساً :
- من المستحسن ان تلبي مشيئة ابي .
واضافت السكرتيرة جانين بتعجرف وهي تتصنع الابستامة :
- تفضلي آنسة سميث المكتب الآخر في هذا الاتجاه .
دخلت ليزا الى المكتب وهي تفكر بالخطوة الجنونية التي اقدمت عليها . لماذا رافقت جوني الى منزله و الحّت على البقاء لمواجهة و الده السيد لامون ؟ . لم تقدم يوماً على عمل كهذا , وها هي الآن أمام وضع حرج . فمن الظاهر ان السيد لامون عرفها وخاطبها باسمها اي بدون ان يرى وجهها . دخوله الى القاعة بهذه الطريقة احرجها خاصة انه لم يوجه الكلام اليها مباشرة . و لفرط تفكيرها بما جرى في هذه اللحظات كادت تنسى جوني , الذي افلت منها و بدأ يلهو بنماذج السفن الصغيرة , كانه نسي ما جرى له ..
وفجأة فتح الباب وخيّل اليها للحظات انها فقدت صوتها و بدات تشعر بالدهشة و بالتعجب يتغلغل فيها ليحلّ محل غيظها و عدائيتها . ها هو فرايزر لامون واقف امامها الآن وجهاً لوجه . كل ما بنته عنه في مخيلتها يعاكس تماماً شخصه . فهو ليس بهذا الرجل المتسلط المتغطرس , ملامح وجهه تدل على الطرافة يخفيها و راء مظهر قاسٍ . وهو لا يزال في لباس العمل و هندامه هذا يظهر قوة وصلابة جسمه .
قامته متوسطة , لكنه يفوقها كثيراً في الطول وعمره لا يزيد عن الثلاثين عاماً .
إتكأ على مقبض الباب و سألها بصوت فرح وهو ينظر اليها بعينيه الزرقاوين :
- آنسة سميث هل استطيع ان اخدمكِ بشئ ؟.
وقبل ان تجاوبه ليزا , لمح جوني واسرع اليه وحمله بين ذراعيه ليتفحص رأسه .
- اراك قمت بعملٍ جيد ! ماذا حدث لك ؟.
- ضربني دوك , تعاركت معه !.
وحاول جوني الامتناع عن البكاء فتدخلت ليزا فوراً لتنقذ الموقف :
-تقاتل جوني وحده ضد اثنين يكبرانه سناً وكان يحاول احدهما ان يرطم رأسه بشدة على الصخر ...
لكنهما لاذا بالفرار فور وصولي .
امتقع وجه فرايزر و نظر الها باكتئاب :
-آنسة ليزا , لماذا تدخلتً في عراك جوني ؟.
وعادت اليها موجة الغضب , ما عليها الآن الا ان تجيب برباطة جأش , فقالت ببروده :
- كان علىّ ان اتدخل لئلا يتعرض جوني للأذى !.
لم يعلق فرايزر على كلامها بل وجه سؤالا آخر الى جوني :
- من الذي افتعل العراك ؟.
اجابه جوني مرتجفاً :
- انا الذي بدات , كانا يقولان كلاما بذيئا عنك فلكمت احدهما .
انفرجت ا سارير فرايزر و قال بهدوء :
- في دفاعك عني انت تقف موقفا شجاعا , لكن اسمع نصيحتي ولا تعرض نفسك بعد اليوم الى اي قتال ان لم تكن انت الأقوى ..... اللذين تعاركت معهما اليوم يفوقانك قوة وكان بامكانهما الحاق الاذى بك .
لا تعيد الكرّة ّ، هيا اذهب الآن الى المنزل و اطلب من السيدة دوبي ان تعد لك حماماً .. انت بامس الحاجة اليه ... هيا ..... هيا !
انفجر جوني باكياً واحتلّ ليزا شعور بالنفور ، وغاب عنها وجهه الوسيم اللطيف و بدا لها سمجاً ,,,
فقال جوني باكياً :
- لا اريد ان اعود الى البيت .... اريد البقاء مع ليزا فهي الطف من السيدة دوبي .
فصاح به فرايزر مؤنباً :
- هذا غير صحيح ! مدام دوبي لطيفة هي ايضاً !.
- اكرهها ! اكرهاا ! عندما تكون غائباً عن المنزل لا تكف عن توبيخي .
صاح به فرايزر من جديد بصرامة :
- هيا عد الى المنزل الآن ! لا اصدق ما تقوله ! هيا... اذ هب !
تردد جوني قليلا في الخروج و استدار الى ليزا وهو يتجه نحو الباب بينما هي لم تفارقه للحظة بنظراتها الحنونة ,وكان هو ايضاً يبادلها النظرات نفسها , كانه يدعوها للقاء آخر . هذه المواجهة مع والده احرجت موقفه , فهي لا تستطيع الدفاع عنه و مخالفة اوامر فرايزر الذي يبدو قاسياً اكتفت في الوقت الحاضر بابتسامة عريضة و قالت له :
- هيا جوني اذهب الآن , سنلتقي قريباً , اليوم بعد الظهر ان شئت , ساخرج لنزهة مع الكلاب .
ابتسم جوني فرحاً وتوقف عن البكاء :
- هل يمكنني مرافقتكِ ؟
- بكل سرور , متى تشاء !
فصاح فرايزر مقاطعاً :
- جوني , عد الى المنزل .
خرج جوني راكضاً وهو يحاول الالتفات ناحية ليزا مرة اخيرة ,,,
بغتةً وجه اليها فرايزر الكلام :
- شكراً لتدخلك آنسة ليزا , لكن ارى انه من واجبي ان القن جوني درساً , اريده ان يتكل على نفسه , كما اريده ان يعرف ايضاً متى يرفض العراك .
ادركت ليزا انه فخور بما حدث , فيكفيها ان تنظر الى عينيه لترى مدى شعوره بالاعتزاز , هذا الامر زادها اقتناعا بالنفور الذي يسود علاقة السيد لامون بخالتها السيدة مود روي . لكنها لم تفهم لماذا على صبي صغير تحمّل نتائج هذا الشعور بالفخر . فوجهت اليه الكلام بشئ من اللوم الرصين :
- افهم كلامك سيد لامون , انه علىّ في المرة المقبلة ان اكمل طريقي ولا اتدخل لافسح مجالا لجوني للدفاع عن اسمك و شهرتك . لكن اسمح لي ان اضيف انك نسيت امراً مهما :
- ابنك جوني ما كان يرعض نفسه للأذى لو شعر ان هنالك من يعتني به ..... اما اذا كان باعتقادك انه بوسعه العراك بمفرده وينجح فانت مخطئ .... فجوني لا يشبهك .لم تتمالك ليزا نفسها لشدة شعورها بالغضب و الاشمئزاز ، ولم تدرك ما قالته الا عندما رات رد فعل فرايزر الذي كتف يديه بغضب مشحون
و اتكأ على الجدار و قال بصوت بعيد :
- انت تعرفينني اذن لهذه الدرجة و هذه اول مرة نتقابل فيها ؟
شعرت ليزا بالخجل , وحاولت عدم اظهار ذلك الواقع انها بنت صورة لشخصيته انطلاقا من الشائعات التي تحاك حوله , لكنها لم تقبل الاعتراف بذلك فصمدت وواجهته قائلة :
- أجل ! هذه اول مرة نتقابل فيها ومع ذلك ناديتني باسمي سيد لامون فور دخولك الى المكتب .
اجابها ضاحكاً :
- رأيت كلبكِ في الخارج ... هل نسيتِ انكِ تركتِ كلبيكِ خارجاً ؟ في القرى الصغيرة عادة , تتسرب الاخبار بسرعه البرق ..... سمعت عنك يا آنسة ليزا كما سمعتِ عني .... لكن من الظاهر انكِ متأثرة بآراء خالتك السيدة مود ؟ .
- كثيرون غير خالتي يوجهون اليك النقد .
قطب فرايزر جبينه و قال فجأة حاولاً ان ينتقل الى موضوع آخر :
- كم ستطول اقامتكِ في اردمونت ؟
- ريثما تتحسن حالة خالتي الصحية .
- لا تتفائلي بالخير بشأن خالتك , فهي تشرف على الموت .
- وما ادراك بصحة خالتي ؟