كاتب الموضوع :
ام عمرو
المنتدى :
روايات زهور
9-الـــــــــــــــــــشــــــــــــــــــــــــاردة
تحول انفعاله إلى إحساس بالندم فقد أحس بأنه أخطا خطا كبير حينما تهور وهم بان يصفعها على هذا النحو
لقد كان هذا جرحا بالغا لشعورها يتعين عليها أن تكرهه من اجله
وقال لنفسه محاولا أن يخفف من إحساسه بالندم:لكنها هي التي دفعتني إلى ذلك أنها تتصرف كما لو كانت تمتلك هذا المكان
لقد أثارت حنقي إلى حد دفعني أن أعاملها بهذه الغلظة خاصة عندما اتهمتني بالغش وأنني قد ضللت أبي كي أبيع المزرعة
وعاد ليقول لنفسه:ولكن أليست هذه هي الحقيقة ؟الم تضلل أباك بالفعل وتوهمه بأنه لا جدوى من علاج أشجار الموالح ؟وان المزرعة في طريقها لإحراز خسائر كبيرة لو لم يعجل في بيعها؟من اجل ذلك المشروع الذي تسعى لتنفيذه
واستمر في محاورة نفسه محاولا تخفيف الوطء على ضميره وهو يقول:لقد كان هدفي هو تحقيق المصلحة العامة فذلك المشروع سيعود بالخير على جميع أفراد الأسرة
وتنهد قائلا:لكن هذا لا يغير من حقيقة الأمر شئ فالحقيقة هي انك خدعت أباك وأختك وحاولت أن تبرر لهما حتمية بيع المزرعة وضرورة التخلص منها قبل أن تلحق بها خسائر كبرى وأنت تعرف مدى حبهما لها ومدى تعلقهما بهذا المكان وفد فعلت ذلك من اجل أنانيتك وحبك ذاتك وحاول أن يسكت صوت ضميره مرة أخرى وهو يقول لنفسه :إن الغاية تبرر الوسيلة وإنا لم أكن الحق يهما أذى بل سعيت لتامين مستقبلنا
وعندما يبدأ المشروع في تحقيق أرباحه في المستقبل سيعرف كل متهما ذلك وسيريان أنى كنت محقا في إصراري على بيع المزرعة
وعاوده الغضب مرة أخرى وهو يقول:ولكن هذه الفتاة لولا تدخلها .لقد بدا راس أبي يلين وهي تسعى لإفساد كل شئ الآن لابد من منعها من التدخل في هذا الأمر والحيلولة بينها وبين إظهار براعتها التي تدعيها لإنقاذ المحاصيل
ولكن كيف يتسنى لي ذلك ؟
وهداه تفكيره إلى القول:الباقة ومحاولة التأثير على مشاعرها نعم لقد عاملتها بخشونة وحماقة وليس هذا هو الأسلوب الامثل للتعامل مع فتاة مثلها
ولكن لو أظهرت لها بعض المشاعر الرقيقة وعاملتها بأسلوب أكثر نعومة
ربما أدى ذلك إلى التأثير عليها وضمها في صفي
********************************************
قامت يسرا بجهد شاق في اليوم التالي وهي تشرف على العمال الزراعيين وتساعدهم في رش الأشجار بالمحاليل الكيمائية المقاومة للآفات
كان العرق يتصبب منها غزير وهي تنتقل من شجرة إلى أخرى وترشد المزارعين إلى الطريقة المثلي للرش ثم تعمل على اخذ عينات من ثمار الأشجار لفحصها بعد ذلك
وعلى مسافة غير بعيدة وقف الحاج عبد الفضيل يرقبها بإعجاب وهي تعمل بهذا الجهد والنشاط اقتربت منه ابنته لتتطلع إلى يسرا وفي عينيها نظرة إعجاب مماثلة قائلة في خبث وشقاوة:ما هذا يا حاج عبد الفضيل لم أكن اعرف انك واقف هنا ترقب تلك الفتاة الجميلة خلسة
قال لها الأب بجدية مصطنعة:تأدبي يا بنت
ثم أردف قائلا:إن هذه الفتاة تملك عزيمة قوية للغاية
إنها تدخل إلى القلب منذ الوهلة الأولى
ولكن هل تظنين أنها ستنجح فيما وعدت به؟
إنني أرى أنها تبذل أقصى جهدها من اجل ذلك
ومع ذلك فان أخاك لا يرحب بوجودها
لأنه يخشى أن تنجح في مساعدتنا على الاحتفاظ بالمزرعة
نعم اننى أدرك ذلك وأتمنى إلا نضطر إلى بيعها فعلا
وأنا أيضا .إنني ذاهبة إلى يسرا
لكن الأب امسك بذراعها ليستوقفها قائلا:تعالي هنا لا تعطليها عن عملها
لكننا لم نلتقي منذ الصباح
حسن ولكن خمسة دقائق فقط فانا أعرفك جيدا ثرثارة وشقية
رفعت نجوى يدها أمام صدرها قائلة:أعدك بذلك خمسة دقائق فقط
واندفعت وسط حديقة البرتقال وهي تلوح ليسرا التي ابتسمت لها ولوحت بدورها
واقتربت منها قائلة:ما كل هذا النشاط والحيوية؟
يتعين علي أن انتهي من هذا الجزء من الحديقة اليوم
ولكن هل سيأتي هذا على حساب الوقت الذي نمضيه معا؟إنني افتقدك كثيرا
ابتسمت يسرا قائلة:وأنا أيضا على كل حال أمامي ثلاث ساعات أخرى وبعدها سنلتقي معا ونتحدث كما تشائين
مازال أمامك ثلاثة ساعات أخرى وبالتأكيد ستكونين بعدها مرهقة وبحاجة للنوم والراحة
أنني ابذل ما في وسعي من اجل العناية بمحصول هذا العام إن هذا يضمن لك الاحتفاظ بالمزرعة التي تحبينها الا ترين أن هذا يستحق أن ابذل من اجله كل هذا الجهد؟
واحتضنتها نجوى في مودة حقيقية قائلة:يا حبيبتي يا يسرا إنني لم اعد ارغب فقط في الإبقاء على هذه المزرعة ولكني أريد أن تبقي معنا فيها
لا ادري لماذا اشعر وكأننا صديقتان قديمتان برغم إننا لم نتعارف إلا من فترة وجيزة؟
هذا نفس إحساسي يا نجوى
إذن ماذا لو فكرت في البقاء معنا هنا لو لم تباع المزرعة؟
اتسمت يسرا قائلة:لا اعتقد إنني أستطيع ذلك
لماذا؟إذا نجحت في زيادة المحصول ستكونين أفضل شخص يمكنه تولي شؤون هذه المزرعة
والعناية بحدائق الموالح وسوف اضمن لك أن يمنحك أبي أجرا جيدا وإجازة يومين في الأسبوع كما أن المسافة قصيرة بين المزرعة والقاهرة وستخصص لك سيارة
اتسعت ابتسامة يسرا وهي تقول ولكني أفضل البقاء في عملي الذي عينت به
مطت نجوى شفتيها قائلة خسارة!
اطمئني إن هذا لن يؤثر على صداقتنا في شئ فسوف يمكننا دائما أن نتراسل ونتحدث هاتفيا كما إنني سآتي لزيارتك ستأتين لزيارتي فالصلة بيننا ستظل قائمة
وما أخبار سامح معك؟
اضطربت يسرا قائلة:ماذا تعنين بذلك؟
أما زال متحفظا بالنسبة لك؟
وماذا تعنين بكلمة متحفظ؟
الم يحاول أن يضايقك؟
قالت يسرا وهي تخفي حزنها:
نعم لم يضايقني
ولم يحاول ان يغازلك؟نظرت اليها يسرا باستنكار قائلة:نجوى!
قالت نجوى بشقاوة:حسن لقد كنت أتساءل فقط على كل حال سيكون أحمق لو حاول أن يضايقك وسيكون أكثر حماقة لو لم يفعل......................
نظرت إليها يسرا شذرا وهي تقول :أحيانا تقولين كلمات تثير حنقي عليك
أنا آسفة سأتركك الآن فهل ترين ذلك الرجل الواقف هناك يتأملك؟
وأشارت إلى أبيها وهي تردف قائلة :انه شديد الإعجاب بك وقد وعدته ألا أثقل عليك لذا أنا مضطرة أن أتركك الآن لأفي بوعدي
وابتعدت عنها قليلا ثم استدركت قائلة في مرح:على فكرة لو لم يستعد أخي بصرة ليرى تلك الفتاة الجميلة التي نزلت في ضيافتنا ويسعى لخطب ودها فربما سبقه أبي إلى ذلك
وهمت يسرا بان تضربها لكنها سارعت بالابتعاد وعادت لترقب المزارعين أثناء استعمالهم لمكنات الرش وقد بدت هذه المرة عاجزة عن التركيز فيما يقومون به من عمل
كانت ساهمة وهي تفكر فيما قالته لها نجوى إنها تظن أن أخاها يمكن أن يبدي اهتماما حقيقيا بها أو يحاول خطب ودها
بينما هو في الحقيقة يكرهها ويتمنى لو رحلت الآن عن هذا المكان بل كان يتمنى لو لم تأتي إلى هنا
ولو استطاع أن يطردها من المزرعة لفعل ولولا وعدها للحاج عبد الفضيل لما بقيت في هذا المكان يوما واحدا بعد ما قاله لها
انه إنسان أناني ومادي لا تعنيه مشاعر الآخرين ولا يهتم بمعاني الأشياء الجميلة التي تربط الإنسان والمكان قدر اهتمامه بتحقيق مصلحته الذاتية ولو باللجوء إلى الغش والخداع
بقدر ما أعجبت به يسرا بقدر ما خاب أملها فيه
ولمحت يسرا الأب وهو يغادر المكان عائدا إلى منزله بعد أن اطمأن على رعايتها لأشجار الموالح
وعاودت شرودها مرة أخرى وهي تستعيد ملامح وجه سامح حينما أتى بها إلى هذا المنزل واخذ يوصي بها أم إبراهيم وقد اخذ يبذل أقصى ما لديه من جهد من اجل راحتها وتوفير الأمان لها الذي كانت تحتاجه في هذه الليلة البائسة
كان يبدو إنسانا نبيلا ورقيقا بكل معنى الكلمة وأحست به وهو يودعها قبل ذهابها إلى غرفتها وكأنها ملاك أرسلته لها السماء ليخفف عنها معاناتها في هذا اليوم
لكن ما ابعد المسافة بين هذا الرجل الذي التقت به في تلك الليلة وبين الرجل الذي حادثها الأمس بكل تلك القسوة التي كانت تقطر من كلماته
والذي كاد أن يصفعها على وجهها ويلقي بها خارج المزرعة
كان الإنسان الذي حدثها باللامس إنسانا همجيا قاسيا مستعدا لفعل أي شئ في سبيل تحقيق مصلحته نعم لقد خاب أملها فيه ولم تكن تتمنى أن تكتشف فيه ما اكتشفته من جوانب مظلمة
وفي تلك اللحظة تنبهت من شرودها على صوت احد المزارعين وهو يقول لها:يا بشمهندسة هل يمكننا أن نحصل على راحة الآن ؟فنحن نعمل منذ الصباح
نظرت يسرى إلى ساعتها قائلة:فلتستريحوا لمدة نصف ساعة فقط بعدها سنواصل العمل
ثم استأنفت سيرها بين أشجار البرتقال واليوسفي وهي تحاول ألا تستسلم لذلك الشرود وألا تفكر في سامح مرة أخرى
وتوقفت وهي مندهشة من نفسها:إنها تقول انه يتعين عليها ألا تفكر في سامح في حين كان من المفروض أن تكون أفكارها منشغلة بصلاح وبالصدمة التي تلقتاها على يديه منذ يومين فقط
بدت وكأنها مستغربة من طريقة تفكيرها
لقد استطاع سامح أن ينسيها صلاح ومشكلتي معة تغلبت على صدمتي التي تلقيتها منذ يومين فقط
نعم لقد حدث هذا بسرعة غريبة وعلى نحو لم تتوقعه
برغم أنها كانت تظن أنها لن تبرا من جراحها قبل مرور فترة طويلة من الزمن
ترى اهو سامح ؟أم الحماس الذي تبديه نحو العمل في المزرعة والذي يكون وسيلة هروب مؤقتة؟
إنها لا تدري .كل ما تدريه هو أنها لا تفكر الآن في صلاح ومشاعرها نحوة وصدمتها فيه على النحو الذي تتصوره
وفيما هي مستغرقة في أفكارها وجدته واقفا أمامها وملامح الخجل مرتسمة على وجهه
التعديل الأخير تم بواسطة ام عمرو ; 19-03-08 الساعة 02:21 AM
|