كاتب الموضوع :
فلسطين
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل الثالث
جاءني صوته مرتجفا هو الآخر ,, في محاولة منه لتمزيق حدة الصمت المسيطر على الموقف ,,
" إنك جميلة جدا يا مرام .. في الواقع أجمل بكثير من الصورة ! "
إطراؤه العفوي هذا جعلني أرسم ابتسامة واهنة على شفتي ,,
و لأني لم أكن لأجد أي تعليق أعقب به على مثل هذه الجملة ,, فقط ابتسمت !!
و استرسل صاحبنا عصام .. " عفوا أقصد زوجي عصام " في مدحي و .. و !!
و فجأة على حين غرة ..
انفتح الباب قاطعا عليه شريط المدح الذي أكاد أجزم أنه قد حفظه من أصدقائه ذوي الخبرة حفظا !
أطلت نور ( ابنة خالتي الصغيرة و التي لا تتجاوز الثلاث سنين من عمرها ) بوجهها البريء علينا من خلف الباب !!
إطلالتها البريئة تلك جعلتني أرسم ابتسامة حقيقية و لأول مرة في هذه الليلة الحافلة ..
تقدمت نور بخطوات غير متوازنة إلى أن تربعت أمامنا على الأرض .. واضعة إحدى يديها على الطاولة الصغيرة الموجودة هناك !
و تسمرت الصغيرة هناك .. دون أي حراك .. فقط فتحت عينيها على آخرهما .. و لكأنها بهذا تشاهد أبطال مسلسل أسطوري .. أو أميرة فلم حقيقية !!
وجود نور معنا قد أراحني كثيرا .. فنور هذه هي معشوقتي الصغيرة بلا أي منافس ..
إلا أن عصام و على ما يبدو .. قد تضايق من تواجدها .. فرسم شيئا من العبوس على وجهه.. ليتعاقد حاجبيه ..
و تعاقد حاجبيه هذا لفت نظري .. فكثيرا ما تمنيت أن يرزقني المولى بزوج ذو حواجب معقودة !!
" صغيرتي ..
أمك تناديك في الخارج .. "
و لم تتحرك الصغيرة البتة !!!
" حبيبتي.. أمك هناك تبحث عنك في الصالة "
و لا جدوى .. و لا حراك.. فما زالت نور متسمرة متأملة ..
إلا أنه و للأسف الشديد.. قد لمحت خالتي ليلى بعد دقائق قليلة ابنتها نور .. و هي متسمرة أمامنا .. لتختطفها منا محرجة معتذرة .. ثم لتنصرف مجددا .. تاركة إياي و عصام لوحدنا مجددا ..!!
طالعت عصام بطرفي ..
" ها عصام .. ها نحن ذا لوحدنا مجددا ً .. هيا أكمل سيمفونية المدح و الإطراء ..!! "
قلتها في أعماقي بصمت ..
و لكم كنت أخشى بالفعل أنه سيبدأ بسرد قصة آدم و حواء علي ّ .. كما فعل صديقه علي .. خطيب صفاء ..
إن فعل عصام هذا .. فإنني سأنام لا محالة ..!! فأنا جد متعبة .. !
كما أن مغزى قصة آدم في مثل هذه الليلة جد قوي ..
أي بما معناه أنه وداعا للحرية .. و يا ألف أهلا و سهلا بالسيطرة و الطاعة المطلقة !!!..
الله يستر !!
انتبهت من تفكيري على سؤال عصام إياي إن كنت أشعر بالسعادة !
و احترت في أمري بما أ ُجيب.. إذ أني و في هذه اللحظة بالذات لا أشعر بأي شيء..
عدى الخوف و الارتباك.. و لا شيء غيرهما سوى التعب و الإرهاق !!
و أنقذتني ريما ( أخت نور ) باقتحامها المجلس علينا دونما سابق إنذار .. من البحث عن جواب لسؤاله ..
تقدمت ريما بكل جرأة و براءة .. لتجلس فيما بيننا .. و ريما هذه تبلغ من العمر ثمان سنين .. و هي جريئة و مشاكسة إلى أقصى درجة !!
وضعت ريما رجلا فوق رجل و هي تبتسم لنا فرحة سعيدة ..
" ما أسمك يا حلوة ؟؟!! "
" ريما .. " و هي تهز كتفيها متفاعلة ,,
" اسم حلو يا ريما .."
و في محاولة للتحايل من عصام على ريما .. و تصريفها قال..
" هناك من يناديك في الخارج.. كأني سمعت أحدهم يصرخ مناديا .. ريما ... ريما .."
" لا .. لا أحد يناديني .. !! "
" أظنها أمك ..
هلا ذهبتي إليها .. فهي تريدك في شيء مهم بلا أدنى شك "
" لا .. قلت لك .. لا أحد يريدني ..
ثم أن أمي قد قالت لي أنها لا ترغب في رؤية وجهي مجددا الليلة .. !! "
و استماتة عصام في طرد ريما بأسلوب لائق .. جعلتني أضحك ..
بل ربما هو عناد ريما .. و جرأتها في الحديث معه .. هو ما جعلني في الواقع أضحك و من أعماق قلبي عليهما ..
أطلت خالتي علينا بعد حين .. لتسحبها من بيننا سحبا ... و ريما تصرخ مطالبة بالبقاء بيننا .. لترى ماذا سنفعل .. و فيما سنتكلم !!
" تفكير الأطفال و براءتهم شيء عجيب .. فلكم تعجبني عفويتهم في التفكير.."
تنهد عصام .. و قد رحلت ريما أخيرا .. و خلى له الجو ..
أما أنا فقد ارتخت أعصابي نوعا ما بإطلالة نور و ريما .. فبدأ أشعر بشيء من الراحة و العفوية ..
أو لنقل أني بدأت أتقبل فكرة أني إنسانة مخطوبة .. و أن هذا الماثل أمامي و المدعو عصام هو زوجي شرعا على سنة الله و رسوله ..
أخبرني عصام في ضمن حديثه المسترسل أن دوامه اليومي في شركة المقاولات الضخمة منذ الساعة السابعة صباحا .. إلى الساعة الرابعة مساءً !
و معنى كلامه هذا أنه لن يتمكن من رؤيتي إلا بعد الرابعة في كل يوم ..
و هذه النقطة أراحتني نوعا ما .. إذ أنني سأتمكن من النوم غدا إلى الساعة الثانية ظهرا .. دون أن أقلق و أنا أنتظر إطلالة عصام علي في كل صباح كما يفعل المخطوبون ..
إلا أن فرحتي لم تكمل .. فقد عقب عصام بعد لحظات قليلة أنه حاليا في إجازة لمدة أسبوعين .. و أنه سيمر عليّ غدا ً في الظهيرة .. لنتناول الغداء في بيت أهله !
" أووه.. لا مفر ..
فلا حرية بعد اليوم.. فقط مزيد من الارتباطات و المسؤوليات .. !! "
هكذا همهمت بين نفسي و نفسي .. و أنا أرقب الساعة المعلقة و عقاربها البطيئة تتأرجح مشيرة إلى ما بعد الثانية صباحا بقليل ,, !!
" متى يا سي عصام ناوي اتروح ..!! فيني النوم يا بيه .. ما تروح بئه !! "
و لكأن عصام قد قرأ أفكاري .. فقد وقف عريسي و هو يستأذن في الانصراف .. واعدا إياي بالقدوم غدا ً
" هل يا تراه سيستأذن في الانصراف فيما بعد .. لو تزوجنا فعليا ً .. و بتنا تحت سقف واحد ..؟؟!! "
و مجرد فكرة الزواج الفعلي .. و كوننا سنكون معا يوما ما .. تحت سقف واحد .. جعلتني أرتجف مجددا ..
لأهرع بعد رحيله ..و بكل ما أوتيته من قوة و خوف .. إلى حيث سريري ,, لأتدثر حينها ب (شرشفي ) .. مسلمة ً نفسي إلى نوم عميق .. هاربة ً به من أحداث اليوم المتسارعة ..!
و نمت بثوبي .. دون أن أغسل وجهي .. أو حتى أن أمسح (المكياج) من عليه !
|