كاتب الموضوع :
فلسطين
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل الثامن عشر ..
شعرت للوهلة بأني سبب كل هذه المشاكل المتراكمة ، و أن في فراق عصام لي و من ثم زواجه من ابنة عمته المعتوهة قد يكمن الحل و انفراج كل هذه الأزمة العنيفة التي تحتوينا جميعا !
و مع أني لا أنكر بتاتا إعجابي الشديد بعصام و ارتياحي له .. إلا أنه قد راودني في تلك اللحظة خاطرا سخيف ..
و هو أن أطلب الانفصال منه إن كان في ذلك يكمن الحل الذي سيريح عصام من كل هذه المصائب المتتالية .. و خصوصا أنه لم يمر أسبوعان على ارتباطنا المقدس ،
و مع أني لم أكن لأعي جيدا النتائج السلبية التي قد تترتب على مثل هذا الخاطر السخيف ، و التي قد أعض أصابعي ندما عليها فيما بعد ،
إلا أن شفتاي قد بدأتا تتحركان ببطء شديد .. لتتفوهان بما دار في خلدي للتو ، و التي قد ظننته الحل المثالي الذي يبحث عنه عصام ..
و لا أنكر أني في تلك اللحظة كنت أعيش صراعا داخليا عميق .. و أنا أحاول جاهدة السيطرة على دموعي، فقط لكي تبقى مختزنة في قلب عيني ، و لكيلا تسيل على خدي .. فتحرجني أو تفضحني ..
إلا أن أصابع عصام كانت الأسرع لردعي ، إذ التصقت بشفتي مانعة إياي من تفوه المزيد من السخافات كما أسماها ..
" مرام.. كفي أرجوك عن مثل هذه السخافات ..
أو لا تعلمين أنه من المحال أن أتركك.. و لو انقلبت الدنيا كلها رأسا على عقب!! "
استدارت عيناي بخجل و ارتباك .. و قد التصقت نظراتي بصفحات عينه تقرأ منهما صدق مشاعره ، أو لكأنني أبحث فيهما عن المزيد و المزيد من المشاعر الفياضة ..
أكمل عصام حديثه قائلا :
" إنها أزمة و ستنفرج قريبا.. أرجوك حبيبتي.. قفي معي .. أنا بأمس الحاجة لتواجدك إلى جنبي .. تخففين عني ..
لا أن تتخلي عني عند أول أزمة حقيقية تواجهنا معا .. فأنا أبدا لن أتخلى عنك.."
كلماته المعاتبة المحبة تلك كانت قد ساهمت في الإفراج عن دموعي المحبوسة في مقلتي ..
لذا فقد سالت دموعي لتغرقنا معا في جو من الرومانسية و الروحانية ..
فكان هذا الموقف من أصعب المواقف العاطفية التي مررت بها في حياتي .. و طبعا كان أبلغ من أن أتحمل حتى وصفه بأي كلمات ،
إلا أني و قبل أن أعي جيدا ملامح هذا الموقف .. و ما يحدث لي فيه.. و أنا معه في خضم كل هذه العواطف الصادقة المتضاربة .. كان أن رفع عصام كفي إلى شفتيه ، ليقبلهما !!
و لم أكن لأستطيع ترجمة ما يحدث فعليا.. لكنني سرعان ما انتبهت لما فعله عصام للتو .. و كانت يداي في تلك اللحظة لا زالتا عالقتان بالقرب من شفتيه..
سحبت يدي و بعنف شديد من كفيه.. و قد صاحبت ردة فعلي هذه بشهقة مكتومة مخنوقة ،
ثم أني بدأت ببكاء عنيف من شدة ارتباكي .. كما أن أوصالي كانت قد بدأت أيضا بالاصطكاك ارتباكا ..
لون وجهي أيضا كان قد أصبح أيضا بلا لون .. و جميع ملامحه كانت قد تجمدت من هول الصدمة !
عصام تجمد في مكانه.. يرقبني بطرفه متعجبا مستنكرا .. و ربما متسائلا عن سبب كل ما طرأ علي .. من انفعالات عنيفة .. سببتها لي قبلته ( البريئة ) تلك!!
و لربما قد شعر عصام بشيء من تأنيب ضمير .. لذا سرعان ما بدأت شفتاه تتحركان ببطء شديد .. و لكأنهما على وشك أن تنطقا بسلسلة طويلة من كلمات اعتذار مرتبكة مقتضبة ..
أما أنا فما زادتني كلمات اعتذار خطيبي إلا ارتباكا .. لذا فقد تكومت على نفسي .. و قد ضممت ركبتي إلى صدري .. و ازدادت نبرة صوتي في البكاء!
كان من الصعب جدا عليّ أن أتقبل ما فعله بي عصام للتو .. ! و هذه هي المرة الأولى في حياتي .. و التي أكون أنا فيها بطلة موقف رومانسي كهذا.. و أكاد أجزم بيني نفسي و نفسي أنها ستكون الأخيرة .. !
لأنه و بكل بساطة .. لو فكر عصام - لا سمح الله - في فعلها مرة أخرى ..
فإنه أما أنه سيتلقى صفعة قوية على مؤخرة رأسه .. ستمنعه من مجرد التفكير في مثل هذا الأمر ..
أو.. أو إنه سيراني جثة هامدة .. لا تقوى على الحراك من شدة عنف تأثير مثل هذه المواقف الرومانسية عليّ ! و هذا الاحتمال هو الأرجح ..!
جلس عصام إلى قربي فترة من الزمن .. في لحظات عويصة من عمره .. و لا زال العجب يضرب وجدانه .. أو لا زال بغير قادر على استيعاب جرمه .. أو سبب انفعالي المفاجئ هذا !
" عزيزتي ..
هل هناك ما تشكين منه ؟! .. هل ترغبين في الذهاب إلى المستشفى ؟!! "
و أكاد أجزم أنه كان يشك في أن مسا من الشيطان قد ركبني في تلك اللحظة .. و إن لم يكن قد صارحني بهذا الخاطر .. ،
لكن هذا هو ما قد يخطر على خاطر أي كان .. و هو يشاهد الانقلاب الفضيع الذي حدث لي للتو ..
كنت أرد على عصام و استفساراته المليئة بعلامات تعجب كبيرة .. بهز رأسي فقط .. و نظرات عميقة من عيناي .. ملؤها العتاب و الخوف .. و الارتباك ،
و لكأن لسان حالي يقول ..
" إياك .. ثم إياك و فعلها مرة أخرى ! "
متناسية تماما أن الماثل بين يدي الآن .. ما هو إلا زوجي شرعا .. و أنه له حقوقا تخوله لفعل ما يريد .. دون أن يخرج عن إطار الشرع !
ارتفعت عدة طرقات أنيقة على باب المجلس .. لينفتح بعد لحظات بهدوء شديد و ليطل منه أغلى وجه في الوجود على الإطلاق ..! و قد كانت قد أقبلت هذه الملاك .. محملة بصينية ( القدوع) !
ما أن رأيت وجهها الملائكي .. حتى قفزت من مكاني و رميت بنفسي في حضنها .. و واصلت بين ذراعيها البكاء ..
احتوتني أمي بعاطفتها .. و قد تفهمت الموقف تماما .. حتى دون أن أنبس ببنة شفة .. !!
لذا كان من الأفضل لي أن أنسحب إلى غرفتي .. خوفا من أن أزيد الموقف تعقيدا ..
و لكني و قبل أن أصعد إلى حيث يمكنني مواراة اضطراب عاطفتي و ارتباكي..
سمعت أمي و هي تهمس لعصام بعد أن شرح لها بشيء من التفصيل ما حدث بيننا ..
" بأن ما حدث لي .. هو ردة فعل طبيعية جدا لأي أنثى يحاول زوجها التودد لها لأول مرة .. و لكنني سأعتاد على ذلك .. مع تكرار الأمر .. ! "
" تكرار الأمر ؟!!!
مستحيل .. و لا حتى في الأحلام !! "
هكذا همهمت بيني و بين نفسي .. و أنا أتوارى عن الأنظار إلى حيث يمكنني تفجير المزيد من العبرات ..
نصيحة أخوية إلى كل خاطب جديد..
" فكر ألف مرة .. قبل أن تُقبل يدي خطيبتك ! "
|