كاتب الموضوع :
فلسطين
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل السادس عشر ..
عندما عدت إلى المنزل في ذاك اليوم .. كانت بانتظاري رسالة شفوية من عصام .. لدى أمي ..
يخبرني بها بضرورة الاتصال إليه حال ما أرجع .. فهناك ما يود مفاتحتي فيه على ما يبدو .. و أنه كلما كان يتصل على تلفوني المحمول .. كان الخط عندي دونما إرسال أو مغلق على ما يبدو ..
حاولت استشفاء الخبر الذي يحمله لي عصام من نظرات أمي أو ملامح وجهها .. لكنه كان جامدا .. مما طمأنني أنه و على أسوء الأحوال .. لن يكون خبرا سيئا كالمتوقع في مخيلتي ..
جاءني صوت عصام حانيا عبر أسلاك الهاتف .. و بعد تحية طويلة .. كما تحايا المشتاقين ..
بشرني عصام بأن أبوه قد تحسن حاله قليلا ... و أنه قد تجاوز مرحلة الخطر .. لكنه لا يزال في المستشفى ..
و مهما استطعت أن أعبر .. فإن كلماتي تخونني في التعبير عن مدى الراحة التي تسللت لي بعد زوال ذاك الهم من على صدري .. بسماع مثل هذه البشرى السارة ..
" أحمدك ربي و أشكرك .. "
ثم تحولت نبرة عصام بعد ذلك إلى شيئا من العتاب الحاني و هو يخبرني أنه حاول الاتصال بي مرارا .. لكن لا من مجيب ..
" أووه حقا ؟! لا أدري.. .. و لكن ربما لأني كنت في المجمع لذا لم يكن هناك إرسال جيد .. ! "
" المجمع ؟؟؟؟ !! "
" نعم .. و هل هناك خطأ في التسوق ؟! "
هكذا سألته.. بكلمات مبتورة .. و نبرة مرتبكة .. و قد هالني التغير في لهجة عصام .. من الحانية جدا .. إلى المعاتبة جدا .. أو العنيفة جدا !
" لا ..
و لكن من المفروض على اعتبار أن زوجك ..
كان يجب أن تستأذني مني قبل خروجك إلى أي مكان .. و خصوصا إلى السوق .. ! "
" نعم ..!!!
أستأذنك .. و إلى أي مكان .. !! لماذا !! "
" مرام .. ألست زوجك؟! و مسئولا عنك ؟! "
" و الزوجة يتحتم عليها إطاعة زوجها ؟؟!! "
" طبعا ..! "
طبعا هذه التي أردف بها عصام .. جعلت الدنيا تدور بي .. و أنا ألحظ بوضوح سمات الرجل الشرقي واضحة جدا في عصام ..
ماذا يظن عصام هذا نفسه ..!!
هل يظن مثلا أنه بزواجه مني .. قد أصبح يمتلكني .. فبات له مطلق الحرية في التحكم بي ..
يمين يمين .. يسار يسار !!
و أصبح أيضا يملك زمام أمري .. لذا يتحكم بي في أين أذهب .. و مع من ؟؟!!
و صلاحيته هذه أيضا مفعلة في جميع الأحوال .. حتى و لو كان بعيدا لظروف طارئة كالتي كان يتعذر بها عصام مؤخرا و بالتالي كان بالكاد يعرف أخباري..
و لربما ارتفعت نبرة صوتي .. مصحوبة بالدموع .. و أنا أرى سيطرة الرجل الشرقي تتجسد أمامي و بوضوح .. و في الأسابيع الأولى لحياتي معه ..
و لسبب داخلي قوي .. كان أقوى مني ,, رميت بالتلفون على السرير .. دون أي كلمة وداع .. و شرعت في بكاء عنيف ..
ربما بكائي هذا كان نتيجة لتراكم كل هذا الأمور المستجدة في حياتي..
و ربما هو من دور (سي السيد) الواضح في حياتي .. مع عصام و من بداية خطوبتنا ..
أو ربما هو لخوفي الشديد .. مما قد يحدث في القريب العاجل .. مما يخفيه لنا القدر ..
بعد نوبة البكاء الحادة تلك .. و قد بدأت أهدئ نفسي بنفسي..
حاولت أن ألجأ إلى ألواني كما العادة ..
فقد كانت من عادتي أني و منذ صغري أحاول رسم مشاعري .. و أحاسيسي..
فمتى شعرت بأني منزعجة أو مهمومة .. أو حتى في مشكلة عويصة ..
فإن ألواني دائما بانتظاري .. تصبرني .. و تحاول معي حل مشاكلي .. و التخفيف عني ..
بدأت أحاول و بخطوط و انحناءات شديدة أن أعبر عما كان يجول في خاطري في تلك اللحظة من هموم و أحزان ..
بدأت برسم مثلثات مبتورة متكسرة .. متراكمة فوق بعضها البعض.. و قد شبكت بثوب خليجي .. و ( عقال ) .. رمزت بهما إلى شخصية الرجل الشرقي المستبد .. و بتعبير آخر إلى ( عصام ) ..
ثم توجت الأرضية بسلاسل كثيرة .. مبعثرة .. ترتبط من جهة بالمثلثات و الثوب ..
و من جهة أخرى بكتلة دموية متكورة على نفسها .. تكاد تخفي ملامح شخصيتها .. رامزة بالتأكيد إلى المرأة المسكينة المستضعفة في مجتمعنا الشرقي ..
و في لحظة انسجامي مع الألوان .. كنت أتمتم بين الحين و الآخر ..
أن سحقا لسي السيد ..
و أن الحياة كانت ستكون جميلة جدا .. فقط لو اختفى سي السيد من الوجود .. و .. و .. و اختفى عصام أيضا ..
عاجلت إلى الرجوع من مثل هذه الفكرة سريعا ..
و قد أرعبتني فكرة اختفائه فجأة من حياتي .. و قد صار محورا رئيسيا فيها ..
" لا .. الله يخلي إلي عصام .. بس يحنن قلبه علي اشوي .. "
و قبل أن أضع الرتوشات الأخيرة على الرسمة .. ارتفعت دقات صوفيا على باب غرفتي ..
" نعم صوفيا .. ماذا تريدين ؟!!"
" ماما .. هذا في زوج مال إنت .. في صالة تحت !! "
" عصام ؟؟!! .. تحت !!! "
هكذا سألت صوفي و قد اعتلتني الدهشة و الارتباك .. و عدم التصديق ..
و لم أكن لأعرف كيف أتصرف .. و الألوان متناثرة في كل مكان .. و أنا لازلت في ملابس البيت العادية .. !!
" حسنا.. أخبريه أني سأنزل بعد دقائق قليلة .. عشر دقائق فقط .."
هكذا أخبرت صوفي .. و أنا بالكاد أستطيع التقاط أنفاسي .. من شدة ارتباكي ..
غسلت يدي من بقايا الألوان بسرعة .. ثم أسرعت أبحث عن شيء أرتديه .. لأقابل به خطيبي سي السيد..
و من بين كل الثياب التي عندي .. وقعت عيناي على الثوب الأحمر .. الذي شريته للتو ..!
لا تسألوني لماذا هذا الثوب بالذات .. فقد كنت أسير دونما حواس .. و نسيت تماما أني أكره اللون الأحمر ..
و من شدة ارتباكي .. ارتديت أول ما وقعت عليه عيني .. دونما أي تركيز ..
و قد كنت لا أزال واقعة تحت تأثير صدمة قدومه المفاجئ هذا دونما أي اتصال أو اتفاق مسبق ..
" أنا ( زعلانة ..) "
هكذا حدثت نفسي و أنا أنزل عتبات الدرج في طريقي إلى الصالة ..
مذكرة إياها بكوني لا أزال (زعلانة ).. لأتمكن من أن أرسم ملامح ( الزعل) الجاد على وجهي ..
على الرغم من أن ابتسامة رضا خفيفة .. كانت تكاد لا تفارق وجهي ..
و حيث كان عصام بانتظاري .. في الصالة ..
وقفت للحظات على باب الصالة .. أفكر في طريقة ( الزعل ) و الدلال الذي سأقحم نفسي فيه ..
ثم أني أخذت نفسا عميقا .. و ولجت إلى داخل الصالة ..
|