كاتب الموضوع :
فلسطين
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل التاسع
ضحكات هازئة كانت ترتفع بشدة ،، و قد التف حولي حشد كبير من الناس بملامح مرعبة ..
بعضهم بأنوف معقوفة .. و آخرون بآذان كبيرة جدا .. و البعض الآخر كان لهم أنياب حادة بارزة .. أو عيون حمراء ثاقبة !
كان الجميع يدور حولي و هو يقهقه بشدة ..
و إذ بتلك العمة و الابنة تظهران فجأة من بين الزحام .. و معهم كان عصام أيضا !!
العمة كانت تمسك بدلو كبير من الفخار ..
اقتربت صوبي و هي تحمل تلك الآنية الفخارية بين يديها .. و ابتسامة هازئة مخيفة كانت عالقة على شفتيها ..
و بدأت تسكب و هي تضحك بشدة محتويات الآنية على رجلي ..
و إذ بعقارب لاسعة بدأت تزحف على قدمي .. !!
ثم لكأن لكل عقرب من تلك العقارب كان يحمل اسما معينا ..
فعقرب مثلا يختص بابتساماتي و لكأنه يحاسبني على كم الابتسامات التي وزعتها في أيام حياتي .. و آخر يختص بنظراتي .. و ذاك بحركاتي !
عصام و الحشد كلهم بدأوا يضحكون لمنظري المرعب .. و هم يرون العقارب جميعها تزحف علي ببطء شديد ..
إلا أن لا أحد منهم هب لنجدتي .. حتى ذاك المدعو عصام !
ابنة عمة عصام اقتربت مني و هي تسحب عصام من يده.. ثم أتت إلي لتسحبني من شعري ..
و ترميني بعدها على الأرض و قد أنشلت جميع أطرافي فجأة من سم العقارب الذي كان قد استشرى في جسدي .. و من هول الموقف أيضا !!
و عند هذا الحد ..
ارتفع أنين تلفوني المحمول .. لينبهني من نوم مزعج ..!!
دار بصري في أنحاء الغرفة باحثة عن بقايا الكابوس فيها .. و قد وضعت كفي على صدري .. أحاول ضبط لهاثه المتسارع !!
" يا ألله .. الحمد لله إنه كان حلما ليس إلا ..
يا كافي الشر .. كابوس و لا أفضع .. "
و لم يكن عصام المتصل كما تتوقعون ..
فتلك كانت ابنة خالتي صفاء .. تطمئن علي و قد اتصلت لها في الليلة السابقة أبكي لها حالي و تصرفات عصام اللا مسئولة .. و عمته و ابنتها ..
و لأني حال ما سمعت صوتها شرعت في البكاء مجددا .. و لم أكن لأتوقف عنه أصلا طوال الليلة المنصرمة .. أصرت علي صفاء بالخروج معها إلى أي مكان لتغيير الجو .. و الترويح عن النفس ..
و لأني كنت لا أزال لست أدري ما هو وضعي مع المدعو خطيبي .. و إن كان سيتصل بي اليوم أو سيمر علي ..
أو أنه و كما على الأرجح قد نساني تماما و علقني على رف النسيان في ثالث أيام الخطوبة ..
طلبت منها تأجيل الطلعة إلى يوم آخر .. و لتأتي اليوم عوضا عن الطلعة بهدف الزيارة ليس إلا و تناول الغداء معنا .. !
بعد حين .. قررت النزول إلى الطابق الأسفل ..
و قد قررت أن أجرب نصيحة صفاء لي بأن أمارس اليوم حياتي الطبيعية كما كنت أفعل سابقا .. و أتناسى عصام .. و هجرانه لي .. !
لذا انطلقت أحتك بالناس مجددا .. بعد أن حبست نفسي في غرفتي بسبب إنسان لم يفكر فيّ أصلا .. فلما أفكر أنا فيه و أحبس نفسي لأجله !
سأعيش كما كنت أعيش حياتي سابقا .. أي قبل ثلاث أيام بالضبط .. و سأحاول العودة إلى حياة العزوبية مجددا و إلى الحرية المطلقة !
ابتسمت لمثل هذا التفكير الذي قد راق لي كثيرا .. لذا أسرعت إلى مائدة الإفطار .. حيث استقبلني أخي محمد بتحية الصباح المعهودة .. في حين أن أسماء كانت لا تزال نائمة .. و أمي في المطبخ ..
طلبت من محمد أن يقوم من الكرسي المجاور إلى كرسي والدتي .. إلا أنه أبى أن يتحرك من مكانه !!
و مع أني لم أكن أبدا في مزاج للتعارك .. إلا أنه و كما يقال أنه و في بعض الأحيان يكون الإنسان بحاجة ماسة إلى تفريغ الشحنات المضطربة في أعماقه على من يحب .. لذا أصررت على موقفي و على كرسي !
و إذ بنظرة عناد طويلة رمقني محمد بها أججت غضبي عليه .. لترتفع نبرة صوتي مطالبة بالكرسي ..
و مع سخف الموقف و الذي لا يستدعي أبدا العراك أو حتى الشجار .. أصررت أنا و أصر هو .. و اشتد العراك بيننا .. لأبدأ في بكاء لا مبرر له !
جاءت أمي مسرعة على صوت بكائي ..
و بدأتنا ترويضنا فنهرت محمد و عنفته بشدة قبل حتى أن تدرك ما هي المعضلة و المشكلة الكبيرة جدا و التي سببت لي هذا البكاء ,،
فقد كنت أنا ابنتها المدللة في جميع الحالات .. و كانت تميزني أمي على باقي إخوتي بشيء من الدلال ..
و هذا ما حز كثيرا في نفس محمد .. الذي ارتسمت علامات الغضب و الاستياء الشديد من موقفها اتجاهه .. وتفضيل أمي إياي عليه ..
" لم أفعل بها شيئا .. !! عروس لم و لن تكبر .. أنانية ,, و مستبدة !! "
هكذا رد محمد على تعنيف أمي له .. و ترك بعدها مائدة الطعام ساخطا هو الآخر و غاضبا أشد الغضب من موقف أمي السلبي منه دون أن يكون له أي ضلع في بكائي ..!!
" عذرا محمد ..
أنا جد آسفة .. "
هكذا همست في نفسي و أنا أرقب غضبه الطفولي مني ..
" يا ألله ..
ما لي متوترة و عصبية المزاج اليوم .. كل هذا لأجل عصام ..
خير .. لم كل هذا يحصل لي !! "
أريد استرجاع حريتي ..
أريد أن أرجع إلى طبيعتي السابقة .. دون أن أشعر بأن مصيري مرتبط بإنسان ما .. أو أن إنسان ما قد ملك حياتي كلها ..
هل ترى الخطوبة سجن و قيد كما أشعر بها ..
أم أنها فترة وردية حالمة كما وصفوها لي بعض الكاذبين !! "
و اشتدت نبرة بكائي و أنا لا زلت بين ذراعي أمي .. لألمح على أعتاب الباب وجها ملائكيا حانيا ..
لا ليس عصام ..
كفوا أرجوكم عن التفكير به و ربطي به في كل مرة ..
فتلك الملائكية الواقفة على الباب كانت هي صفاء .. أغلى و أعز و أحلى ابنة خالة و صديقة لي ,,
أسرعت لي صفاء .. و عيناها تتقدان بوميض الخوف الشديد المزدان بالمحبة الصادقة ..
" مرام .. حبيبتي .. ما بك .."
"عصام .."
" ما به ؟؟ "
" سأنفصل عنه .. "
" و ماذا سيقول عنك الناس يا مرام .. انفصلت عن زوجها في الأسبوع الأول لزواجها !! "
" و ليقولوا ما يقولون !! فلست ذا أكترث !
من تابع الناس مات هما .. "
" مرام .. أرجوك أعطيه فرصة .. البداية دوما صعبة .. لكنك مع العشرة ستحبينه .. صدقيني ! "
" لا .. لن أحب رجلا يتناسى خطيبته و وعوده و يؤثر عليها عمله و وظيفته!"
" أعطيه فرصة أرجوك .. و أنا مستعدة للسعي في تطليقك منه إن أثبت عدم جدارته بك .. "
صمت ..
إذ لم أجد أي عبارة أرد بها عليها ..
فهل في رأيكم أن عصام يستحق فرصة ليثبت لي أنه نعم الزوج الصالح و الذي قد ارتضيت دينه و خلقه عندما تقدم لي ..
أم أن عصام واحدا من الرجال ..
و .. و الرجال جميعهم في نظري سواسية .. أي عديمي المشاعر و المسؤولية !
" عذرا أخوتي الرجال .. فتلك هي مجرد وجهة نظر ! "
|