كاتب الموضوع :
فلسطين
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء السابع
لم يكن عصام ليعطيني أية فرصة لأن أقلق و هو يطمئنني مبتسما بين حين و آخر و نحن في سيارته.. بأني سأحب أهله كثيرا ..
و ما طفق عصام يمدح أهله.. و يتفاخر بطيبهم .. حتى ارتحت لكلامه و اطمأنت نفسي نوعا ما ..
" تفضلي يا عروسي الحلوة .. "
كذا همس لي عصام و هو يقودني إلى داخل بيتهم .. و قد وضع يده على كتفي .. مما أشعرني بحرارة شديدة تنبع من موضع كفه ..
استقبلنا والده الهرم عند المدخل .. و الذي كان بالكاد يستطيع الوقوف ..
ثم عانق عصام عناقا أبويا حارا .. أشعرني للوهلة بحنين جارف إلى والدي المتوفى منذ سنين طويلة ..
ثم دار أبو عصام لي مرحبا مصافحا ..
و يا ألله لكم شعرت برجفة خفية تتسلل إلي و أنا أبداله المصافحة ..
بل أن ما لفت نظري في الحقيقة و أنا أغرس يدي الناعمة في أحضان كفه الخشنة .. و التي أرهقتها السنون بلا شك .. و زحفت عليها تجاعيد الزمان المرة ..
هو الفرق الكبير جدا بين يدي الناعمة جدا .. و يد عمي أبو عصام .. الضخمة جدا .. الخشنة جدا .. و كذلك الهرمة جدا ..
" هل ستصبح يدي مثل يده يوما ؟! ..
حفر الزمن عليها أثاره المرة .. لتتعمق التجاعيد عليها .. كعمق هموم هذا الهرم المسكين .. ! "
تنبهت من تفكيري هذا على صوت أم عصام و التي أسرعت باتجاهنا حال ما لمحتنا ..
أم عصام امرأة كبيرة في السن أيضا ..إلا أنها لا تزال تحتفظ بشيء من شبابها و قواها ,, و الأهم من هذا أن ابتسامة رائعة تكاد لا تفارق وجهها الحاني أبدا ً!
انحنى عصام ليقبل يدها .. في حين أنها أسرعت إلى ضمه إلى صدرها بكل قوة .. و طال عناقهما.. و قد تخلل إليه بشيء من الدموع و العبرات ..
" مشهد درامي مؤثر .. أليس كذلك ؟! ..
هييي.. يلا جففوا دموعكم .. و بلاش دموع ..! "
قادتني أم عصام و هي تزغرد فرحة بي .. إلى حيث مجلس النساء .. بينما ودعني عصام بنظرة حانية منه .. و هو يتبع أباه إلى حيث مجلس الرجال ,,
" و يا ألله !!!! ..
لم أكن أبدا أتوقع كل هذا العدد من الوجوه تنتظرني في صالة النساء .."
قفزت من بين المتواجدين هناك أخت عصام الوحيدة و من كانت تدعى سلمى .. لتقبلني مرحبة بي ..
و سلمى هذه تكاد تقاربني في العمر ..أو هكذا خمنت .. لذا ارتحت لها كثيرا ..
ثم بدأت سلمى معي مراسيم التعارف المعهودة في مثل هذه المناسبات..
" هذه خالتي منى .. و ابنتيها أحلام و منال .. و هنا عمتي .. و تلك ابنتها .. و تلك خالة أمي .. و هذه إحدى جاراتنا .. "
" و لا تسألوني أرجوكم عن مدى معاناتي و أنا أتعرف على كل هذا الكم من الناس و الوجوه الجديدة .. تخيلوا معي جميع معارفهم و أهلهم في مرة !! "
كنت أكرر اسم كل وجه أسلم عليه في أعماقي على أمل أنه سيتركز في أعماقي ,, لكن مستحيل أن أحفظهم جميعا ..
حفظت ما حفظت من أسماء .. و تركت الباقي للزمن .. إذ لابد أني مع الأيام .. سأحفظهم يوما !!
مرت مراسيم التعارف على خير .. و لله الحمد فإن جميع من سلمت عليهم و سلم علي كان لطيفا معي .. مرحبا بوجه بشوش .. ما عدا تلك المرأة ذات الثوب الأزرق الداكن .. و الجالسة في تلك الزاوية .. و ابنتها تلك .. !!
لست أتذكر ما صلة قرابتهن بعصام ..
أمم .. أظنها خالته ..
لا .. لا .. بل عمته..
نعم عمته .. أم .. أم سلمان ..
و ابنتها ما اسمها ..
سهى .. منى .. أو ربما عـُلا !
لست أستطيع في الواقع تذكر اسم ابنتها .. ليس مهما .. !
و لسبب خفي انقبض قلبي لمرآهما .. بل في الواقع أن هم من بدأوا حرب النظرات ،، فعاملوني بنظراتهم بشيء من الجفاء .. أجهل كنهه !
" لا يهمني أبدا هدف نظراتهم الغريبة تلك و سرها .. فالجميع عداهما رحب بي و أيما ترحيب ! .. لذا لا يهمني أسلوبهم القاسي الجاف هذا !! "
هكذا حدثت نفسي و أنا أقنع نفسي تهميش عمة عصام و ابنتها ..!
فأنا قد حزت على رضا و قبول الجميع سواهما .. و الأهم من الجميع هو عصام .. خطيبي !
و لكن ما أعاد تفكيري إليهما مجددا بعد حين .. هو تلك النظرة الهازئة التي رمتني بها ابنة عمة عصام .. و هي تشير لي بإصبعها محدثة أمها بصوت أبعد من أن يصل إلى أذني .. لتنفجر ضاحكة هازئة في الدقيقة التالية ..
أشعرني ضحكها هذا بأن هناك شيئا خاطئا في مظهري .. لذا رفعت يدي أعدل بها خصلات شعري المتموجة ..
و حركتي البريئة هذه زادت من ضحكها الهازئ .. و زاد بالطبع من توتر أعصابي ..
" ما بال هذه المرأة !! هل جنت ؟؟
أم أن بي شيئا مثيرا للضحك و السخرية إلى تلك الدرجة !! "
و أنقذتني سلمى من توتري .. إذ تنبهت على ما يبدو لما يجري .. فتقدمت لتجلس إلى جواري هامسة لي ..
" دعك منها عزيزتي مرام .. فهي تغار منك .. !! "
( تغار مني ؟؟!! )
عبارة سلمى هذه دارت في خلدي كثيرا و عصفت بوجداني ..
فلما تغار مثلها مني .. و هي بالكاد تعرفت على للتو .. !!
هكذا حدثت نفسي و أنا أشرد بنظراتي متسللة إلى حيث كانت هي .. مراقبة تصرفاتها و حركاتها الاستفزازية بطرف خفي ..
" لا أهتم بها .. أنا لا أهتم .. "
هكذا صرخت في أعماقي .. مؤكدة على تهميش التفكير في أمثالها !
و أنقذتني منها سلمى و هي تحيطني بصديقاتها الرائعات ..
ليتجاذبن معي شتى الأحاديث الراقية .. فقد تحدثنا في كل شيء بدءا من الخطوبة و مسؤوليتها .. و انتهاءا بالدراسة و مصائبها ..
و وجود مثل هذه الثلة الرائعة التي تحيط بي .. أراحني نفسيا و صرف تفكيري عن ابنة عمة عصام .. و تصرفاتها السخيفة !
امتدت بعد حين سفرة الغداء العامرة بكل ما لذا وطاب .. بل أن كل ما تتخيلونه من طعام كان هناك ..
" و يا ألله .. كل هذا الطعام على شرفي أنا و عصام ! "
و مع أن عمتي أم عصام و سلمى قد اهتمتا بي كثيرا و أحاطتاني برعايتهما ,, و قد أجلساني إلى جوارهما على مائدة الغداء الممتدة ..
إلا أني فقدت شهيتي إلى الطعام و أنا ألاحظ نظرات تلك العمة و ابنتها تحتويني متفرسة مراقبة .. و قد تعمدتا الجلوس أمامي ..
كانت نظراتهما تحتويني و ترصد علي كل حركة أقوم بها .. ربما ليسجلوها في تقرير سيرفعونه عني إلى من لست أدري فيما بعد ..
و مع توتري الشديد .. إلا أني حاولت قدر الامكان أن أضبط زمام أعصابي ..و أن لا أهتم لمثل هذه التصرفات ..
و ما أثار ضحكي الصامت هو انقلاب الموقف عليهما ..
إذ أنني و بنظرة صارمة عميقة مني .. احتويتهما و قد أثارت تصرفاتهما سخطي و حنقي ..
ارتبكت الابنة كثيرا ..
لدرجة أن كأس العصير الذي كان في يدها قد اضطرب لاضطرابها .. لينسكب محتواه على ثوبها القصير و الذي كان في الواقع يكشف أكثر مما يستر !
اعذروني لمثل هذا الوصف ..
فمنظر كليهما مثيرا للسخرية .. بل ربما الشفقة
|