كاتب الموضوع :
فلسطين
المنتدى :
القصص المكتمله
الج ـزء (28)
أنزلتني صفاء عند باب البيت ، و انطلقت بسيارتها باتجاه بيت خطيبها و قد كانت معزومة على عشاء عندهم كما أخبرتني .. دخلت البيت تعتلي وجهي ابتسامة انتصار و فرح ، و كلي أمل بأن أرمي بنفسي سريعا في أحضان والدتي .. لأخبرها بأني قد تخلصت اليوم من عقبة مؤلمة كانت تقف أمام سعادتي مع عصام ..و لم أكن لأتجاوز هذه العقبة إلا لأني قد تمسكت بمبادئي ، و كلي إيمان و ثقة بأن الخير هو دوما أقوى وسيلة لمواجهة الشر .. و أن في أعماق كل منا يقبع إنسان الخير.. لذا فإني في تعاملي مع الآخرين.. مهما كانوا سيئين .. أعمل جاهدة ، أما بابتسامة مني أو زيارة أو مصالحة .. على إيقاظ هذا السابت في أعماقهم .. إلا أني فوجئت بوجوه من كانوا في الصالة !
الجميع كانت وجوههم بائسة.. شاحبة .. بنظرات باردة .. بل أنهم لم يردوا حتى السلام علي.. كما هو المفروض !
" خير يا جماعة ! .. ما بكم !! و لكأن على روؤسكم الطير! ماذا حدث ! "
أطلت علي ّ خالتي من الصالة الأخرى و هي تحمل بين ذراعيها نور ، و التي كانت شبه نائمة ،، و يعتلي وجهها عرق بارد، تجمع ليسيل على جانبي خدها!
" لا أدري يا مرام .. نور محمومة جدا ! و لا تكاد تستيقظ من النوم !
إنها في حالة يرثى لها .. ! المسكنات و الضمادات لم تعطي أية نتيجة ! "
أسرعت أحمل نور من بين يدي خالتي ، و أضمها إلى صدري بقوة !
" نور ،، نور ..حبيبتي .. صغيرتي .. جاوبيني ! "
تلمست جبينها لأتحسس درجة حرارتها ! و يا الله .. فقد تراجعت يدي لا إراديا من شدة وهج حرارتها ..
" يا إلهي .. إنها محمومة ! لا بد من أخذها إلى الطوارئ فورا ! "
أسرعت أدير رقم صفاء ، على أمل أنها لم تبتعد بعد كثيرا .. لتعود أدراجها و نأخذ معا نور إلى المستشفى .. !
لكن يا للكارثة .. فقد نسيت تلفونها المحمول عندي .. مذ أن كنا في السيارة !
أدرت رقم أخي عادل .. لكن هو الآخر .. تلفونه كان مقفلا !
" يا إلهي .. ما العمل .. فزوج خالتي لا يزال في العمل ! ..
" عصام !! "
هكذا قفز اسمه فجأة إلى مخيلتي .. لينصب عليه الأمل في انقاذ نور المسكينة .. من الحمى الشديدة التي آلمت بها !
أدرت رقم عصام فورا دون أدني تردد .. ليجيئني صوته بعد دقيقة واحدة أو أقل ..
" هلا مرام "
" عصام أنقذنا .. يجب أن تأتي حالا.. و بسرعة .. نور ليست بخير .. ستموت! "
ثواني صمت مرت قبل أن ينطق متكاسلا .. و لابد أنه كان فيها يستوعب الأمر ..
" نعم عزيزتي .. و لكن .. "
قاطعته بشيء من العصبية ..
" عصاااااام !!! "
" حسنا .. حسنا عزيزتي .. هدئي من روعك !
دقائق قليلة و أنا عندكم !! "
مضى الوقت بطيئا و أنا أذرع الصالة جيئة و ذهابا .. بانتظار قدوم عصام .. أحمل بين ذراعي نور المحمومة .. و أتمتم تارة بآيات الشفاء .. و تارة أخرى أرقب عقارب الزمن .. و لكأن الوقت يداهمنا !
عشر دقائق كاملة كانت قد مرت.. قبل أن يرتفع أخيرا جرس الباب.. منبئا عن قدوم عصام ..
و لم يكن بالطبع هناك أي داع لأن يدخل عصام.. و نور حبيبتي بين الحياة و الموت .. !
لذا وافيته و بسرعة إلى داخل سيارته .. إلا أني و ما أن ركبت إلى جواره ، حتى بدأ أنفي يتحسس رائحة غريبة !!
و لكأنها رائحة .. رائحة دخان !! جكـاير !
و يا إلهي ,, إنها تنبعث و بقوة من ثياب عصام !
" عصام .. هل كنت تدخن ! إني أشتم رائحة جكـاير ؟! "
" لا بالطبع عزيزتي ، لكني كنت في صحبة بعض المدخنين اليوم ! "
حدسي أخبرني بأن الموضوع أكبر من مجرد صحبة بعض المدخنين !
كما يقول لي عصام ، لذا عاجلته بسؤال آخر !
" و أشم رائحة ( معَسّل ) أيضا ً ! "
" حسنا.. لقد جلسنا في مقهى أبو محمد قليلا .. !
ما بك عزيزتي ؟ .. لكن لما هذه النبرة ! "
" يا لهوي !
فزوجي ممن يرتادون المقاهي الشعبية .. و يصاحبون ثلة من المدخنين .. و يستمتعون بتدخين الشيشة .. !!! "
دارت بي الدنيا و أنا أدرك هذه الحقيقة المرة ,, فلكم كنت سابقا أسخط على هؤلاء الشباب .. مرتادي المقاهي .. و أعتبرهم شبابا فارغا !
بل أني كنت حتى أكره سماع كلمة ( الشيشة ) أو ( القهوى ) !
و ها هو زوجي اليوم ، و بأعصاب باردة .. يخبرني و ببساطة أنه منهم !
و أن هناك من تحتل قلبه غيري .. إلا و هي الشيشة اللعينة !!
" لكن هيّين يا عصامووو .. يا أنا .. يا هي !! "
بالطبع أقصد الشيشية بكلمة هي !
و شردت بنظراتي بعيدا عن عصام ..مركزة إياها على نور المسكينة و التي كانت بين ذراعي .. تلهث بشدة .. و قد أخذ صدرها يعلو و يهبط.. بصورة ملفتة للنظر ..!!
" نور حبيبتي تماسكي .. دقائق و نصل المستشفى ! "
يا رب.. ارحمها و شافها .. و أبعد عن صغيرتي ، و حبيبة قلبي أي مكروه و سوء ..
.. للحديث بقيه .
|