اهلا بك لم السؤال مشكور على الرد , وهذا هو الجزء , و سموحه على التأخير:)
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثالث:
( لا أصدق)
الوقت توقف بنسبة لعمر الذي لازال يعشي لحظة لقاءه بعبير , لم تتحرك عقارب الزمن بنسبة له , كل شيء من حوله يتحرك و يعيش حياته اليومية , إلا عمر الذي رغم أنه يقود سيارته , لكنه تفكيره معلق بتلك الثانية , الدقيقة , الساعة التي رآها فيها , بعد فراق طال زمن طويل, كان بنسبة لغيره بضع سنوات لا غير , لكن بنسبة له كان قرنا من الزمن ولى , ( آههههههههه يا حبي لا أزال لا اصدق عيني و أوذنا يا اللتين أالتقطا وجهك الأبيض كالحليب و صوتك الذي مثل تغريد العصافير , آهههههههههههه لم تتغيري لم يغيرك الزمن لم يضع بصمته عليك , لم يأخذ من عمرك , ويبقي لك خطوط تكتسي وجهك مثلي , لم تعودي طفلة ذات جدايل تزينها , أصبحت امرأة ناضجة , أصبحت أما مسألة, تغير كل شيء حولك , وتغير عمرك , وتغير أسلوب حياتك , وتغير طريقة كلامك , لكن لازلت ملامحك الطفو لي مرسومة على وجهك البيضاوي ناصع البياض, وعيناك السوداويين البراقتان, وفمك الأحمر كالكرز)
تسلل إلى أذنه صوت مزعج , قطع عليه سلسلة أفكاره , و أيقظه من حلمه المخملي.
هاي أنت هل سوف تتحرك أم ماذا ؟ ( صوت ثائر غاضب اكتفى من يومه الطويل)
ما أن سمع عمر صراخ الرجل الواقف بسيارته وراءه تمام , تحرك بسرعة بدون توقف , حتى وصل إلى بيته , لكنه لازال منتشيا بلقائه بعبير , بضم عبير له في أحضانها الدافئة, و الأهم من كل ذلك أنها تحبه و ليست تكرهه كما كان يعتقد طوال تلك السنين كان يصرخ في داخله وهو يقول( يلهو من يوم, أعيدت فيه الحياة لي , أعيد فيه الأمل , أعيد فيه حبي الضائع)
كل هذه السعادة , و الاحتفال الذي يعيشه عمر , انتهى بمجرد دخول صوت مريم إلى طبلة أذني عمر وهي تقول: هل عدت يا حب؟, صوت فتح عليه باب الواقع المرير , باب الذي لا يريد الدخول فيه , ليس منذ 11 عاما , و ليس الآن , باب جعلته الظروف يسلكه رغما عنه , باب الأحزان , الهموم, والحب الضائع , جميع هذه الصدمات التي حلت على عمر على مر هذه السنين , جميع هذه المآسي التي مرة على عمر, و لحظة تخليه عن حبه الحقيقي , بسبب ضعفه , عجزة , هوانه عن النضال في سبيل الظفر به , جميعها مرة كشريط فيديو أمام عيني عمر , الواقف من هول الحقيقة ,
و الواقع المرير الذي يعيشه بعيدا عن حبه.
عندما رأت مريم عمر واقفا بلا حراك , فاتح عينيه على مصراعيهما, لا يجيب على أسألتها, تسلل الخوف إلى قلبها , فاقتربت منه , بدأت تصرخ في وجهه , لا رد يبدر منه , لجأت لهزه من كتفه, هنا بدر من عمر ردت فعل, كأنه كان نائما , وستتيقظ أخيرا, أخذت عيناه تعود إلى و ضعهما الطبيعي , ولسانه ينطق بسؤال يخرج ما في صدره من ضيق , و كبت , و عدم القدرة على تحمل المزيد من الحياة التي حتى الآن لم تنصفه : ماذا تريدي مني؟( قالها بضيق , بعصبية )
مريم التي وقفة عاجزة عن التصرف , والرد على سؤاله الغريب , و ردة فعله التي ليس لها أي تبرير.
عمر لم يجعل لها مجالا لتستوعب الذي جرى , و حتى أن ترد عليه, فقد اندفع ناحية غرفته , و صفق الباب من خلفه بكل قوته , حتى أن صوت الباب هز أرجاء المنزل بأكمله.
في خضم الذهول , عدم التصديق, الاستغراب , كان هناك سؤال واحد وجد مكان له في رأس مريم: ( ماذا جرى لعمر؟!!!)
أم عمر الذي أخيرا أستوعب الذي فعله منذ قليل , أخذ يقول لنفسه: ماذا فعلت , ما الذي جرى لي, لماذا انفجرت هكذا على مريم المسكينة , هي ليس لها أي ذنب بالذي جرى؟!! ( اتكئ برأسه على الباب , و أحاط رأسه بكلى يديه )
ابعد يديه من رأسه , ومن ثم أخذ نفسا عميقا , وما أن أخرجه من صدره , قرر أن يخرج لكي يعتذر من مريم على تصرفه الأحمق, الذي ليس له معنى, كانت يده على مقبض الباب , كان على وشك أن يفتحه , لكن شيء أوقفه عن فتحه , صوت رنين هاتفه النقال, أدخل يده في جيبه ليخرج هاتفه النقال , وما أن أخرجه , و تعين الرقم الظاهر على شاشته , قال: هذا رقم غريب!!!
لكنه رغم عدم تعرفه على الرقم الظاهر على شاشة هاتفه ضغط على زر الاستقبال : ألو.
ليصل إلى مسامعه من الخط الثاني آخر شخص يتوقع أن يكلمه , خاص بعد الذي جرى : ألو عمر , يبدوا أنك لم تعجبك ضيافتنا, أليس كذلك؟
عمر الذي أجبرته الصدمة , على النطق بكلام غير مفهوم: لا , نعم .. .........عبير.
كأن شيء لم يحدث منذ نصف ساعة . منذ أن خرج عمر من بيتها تاركا لها في حيرة , في وضعية محرجة , حيث أنها اعترفت له بحبها , فما كان منه إلا أن ركض تاركا لها لوحدها , كل هذه الأمور كأنها لم تلقي بظلالها عليها , كانت هادئة الأعصاب , كأن أعصابها موضوعة في الثلاجة , عكس عمر المرتبك , المصدوم , غير المصدق لما يسمع.
عبير: هههههههههههه, ماذا بك , أصوت يخيف لهذه الدرجة.
عمر: لا , لكن ضننت أنك.......................
بترت عبير جملة عمر : أني ماذا عمر , أني متضايقة مما فعلته لي منذ قليل, هههههههههههههههه, لا أبدا بالعكس أنا سعيدة بأنك ذكرتني بأني متزوجة , وأن لي أبن أحبه و أعشقه , و أنك متزوج من أمراء واضح أنك تحبها, أرجو أن تنسى الذي جرى فقد اندفعت قليلا , و تصرفت بدون تفكير , مثل المراهقين, فسامحني أرجوك.
عمر: لا بأس , لا تتضايق , لم يحصل شيء.
( لم يحصل شيء , تقولها بكل هذه البساطة عمر , ربما لم يحصل شيء بنسبة لك , لكن هناك شيء كبير حصل لي , شيء أيقضني من سباتي , و جعلني أترك تلك الأوهام , و أدرك أنك رجل لعوب , لا تكترث بالآخرين)
عمر: عبير هل لازلت معي على الخط؟
عبير: نعم أنا معك , اسمع عمر إن اتصال هذا لم يكن فقط للاعتذار بل أيضا لكي أسألك إذا لازلت ترغب في العمل معي , أقصد كمدرس لرامي.
عمر المتردد قال: أ......... , لا أدري , لا أضنوها فكرة سديدة.
عبير: لماذا تقول هذا , عمر أنت قمت بتعليمي , و جعلتني أحب الرياضيات , لهذا أنا متأكدة أنك سوف تفعل المثل مع رامي, لقد جربت العديد من الأساتذة بلا فائدة , الجميع لم يروقوا لرامي , و لم يجعلوه يحب الرياضيات , أنت الملائم لهذه المهم , أرجوك عمر أقبلها.
عمر: عبير لا أضنها فكرة سديدة أن أعمل معك بعد التاريخ.........
قاطعته عبير: سوف أدفع المبلغ الذي تريد , مهما كان , لن أناقشك به , و لن أعاتبك على التأخير , أو أي شيء آخر , سوف أجعل لك الصلاحية المطلقة بالتعامل مع رامي, لن أتدخل , فقد أقبل.
عمر: لكن ........... أنا
عبير: اسمع عمر خذ وقتك في التفكير , لا تعطي قرارا متسرعا , أنا سوف أكون في الأسفل في انتظارك , إذا وافقت فنزل إلي إلى أسفل , وسوف نتناقش بكل شيء, أما إذا لم تنزل سوف أعرف أن ردك هو الرفض , سوف أنتظر نصف ساعة , إلى اللقاء.
أغلقت الخط قبل أن يرد عمر , الذي كان ضائع لا يعلم ماذا يختار, إذا وافق سوف يستطيع أن يغطي تكاليف علاج أمه , لكن من جهة أخرى سوف يرى عبير كل يوم , وسوف يرى زوجها و ابنها , و يتذكر أنها أصبحت لغيرة , هذا شيء لا يستطيع تحمله , و إذا رفض سوف يقتل أمه بيديه , فهي محتاج للعلاج بأسرع وقت ممكن , وهو لا يملك المال الكافي لذلك. ( يا الله ما الحل؟) صرخة استنجاد دوت في ذهن عمر.
بخطى متثاقلة تقدم عمر ناحية النافذة , ليبعد الستارة عنها , لينكشف له منظر عبير وهي تنتظره, كانت واقفة أمام سيارتها , شيء لم يشعر به عمر منذ زمن أجتاحه , عندما رأى عبير, كأنه يراها لأول مرة , أول مرة ترى عيناه هذا الملاك, أول مرة ترى عيناه هذه البراءة, أول مرة يحتل قلبه شخص على هذا الكون, كأن الماضي يعود من جديد , كأنه يرى عبير ذات الخمسة عشر عاما و هي جالسة تنتظره في الحديقة بلهفة و شوق, وهو كان يتعمد التأخير ليراقبها, ليرى ردت فعلها و لهفتها للقاء من بعيد, ( آههههههههه, يا لهى من أيام , يا لهى من ذكريات , يا لهى من مشاعر) بدل من ملامح الحيرة , حلت مكانها ابتسامة عريضة , تدل على أن عمر قد أختار , بخطى سريعة تقدم عمر ناحية باب غرفته , وما أن فتحه صدم بنظرة مريم الموجهة له , نظرة كلها تساؤل و استغراب من تصرفه و كلامه الذي ألقاهما عليها وتركها بدون تفسير, هذه النظرة جعلت عمر يتذكر فعلته , و ثوران على مريم الذي لم يكون له أي معنى, من الخجل أنزل عمر عينيه إلى الأرض هربا من نظرتها , فهو نفسه لا يملك تفسيرا لما جرى , لردت فعله , لانفجاره على مريم التي لم تفعل له أي شيء , سوى أنها أحبته , رغم هربه من نظرت عينيها , ضل يشعر بضيق بعدم الارتياح فنظرتها مصوبة عليه تلاحقه , فما كان منه إلا أن يلوذ بالفرار إلى باب الشقة ليخرج إلى الخارج و يتحرر من نظرة مريم له.
فتح عمر الباب , وما أن خطى خطوته الأول إلى الخارج , أستوقفه صوت مريم : إلى أين أنت ذاهب؟ أليس هناك شيء تريد أن تحدثني به ؟
عمر الذي كان معطي مريم ظهره , قال: لا , لا يوجد شيء. ( وهم بالخروج , لكنه لم يقدر أن يكمل طريقه , فصوت مريم المتضايق أستوقفه مرة أخرى)
مريم: لا شيء , تقول لا شيء, ماذا تسمي الذي جرى منذ قليل , صراخك في وجهه , وقولك ماذا تريدين مني بعد , أأنا أمثل عبء عليك عمر , قول , قول لماذا صرخت علي , لماذا؟ ( كانت تعابير وجهها تنذر بأن دموعها على وشك النزول , لتعبر عن الحزن الذي في داخلها , فهي لم ترى عمر في هذه الحالة من قبل , و لم تسمعه يقول ذلك الكلام من قبل, ما الذي جرى ؟, ما الذي جد؟ تساؤلات تدور , و تدور في خلد مريم بحثان عن جواب لها )
( لا جواب , لا رد , لماذا صمتك يا عمر, لماذا ؟ )
صرخت مريم بأعلى صوتها : لماذا لا تجيب , لماذا لا تبرر تصرفك , لماذا؟ ( ومع صرخاتها التي كانت مكبوتة في صدرها , و أخرجتها , أخرجت دموعها كذلك)
عمر الذي كان هو نفسه لا يعلم لماذا انفعل و ثار عليها , و قال لهى ذلك الكلام, كان هو نفسه يبحث عن أجابت لتصرفه , وقف عاجزا , حائرا , لا يملك إلا أن يقول لمريم: لا أدري. ( وأكمل طريقه هربا من المزيد من الأسئلة التي لا يملك لها جوابا)
أغلق الباب ورائه , تارك مريم في ذهول , وعدم تصديق , لما يجري , ( ماذا الذي جرى لك عمر؟ )
............................................................ ............................................................ ...........
أوهههههههههه , كم الجو حار اليوم ( قالتها عبير و هي تمسح العرق المتصبب على وجهها بالمنديل)
لماذا لم تنتظري في داخل السيارة ألم يكون أفضل لك , من الجلوس في الحر.( استدارت عبير جهة صاحب الصوت , لترى عمر مقبل إليها , ومنذرا بانتهاء فترة الانتظار).
بابتسامة زينت وجهها ,قالت عبير: لأني كنت اعلم انه لن يطول انتظاري.
ضحك عمر , و أعقبها قائلا: أنك حقا عنيد , دائما تجبرين على فعل ما تريدين . ( وضربها ضربة خفيفة على رأسها)
عبير: ماذا بك عمر , أتراني طفلة صغيرة تضربني.
عمر الذي وعى على فعلته , قال بارتباك: أنا آسف , يبدوا أني لا زلت أعيش الماضي , لم أتعود على ..........., أنت تعلمين , اعذريني.
انفجرت عبير ضاحكت , وقالت: ماذا بك هكذا مرتبك , كنت امزح معك , أنا لازلت تلميذتك , فلا داعي للاعتذار, فتصرفك هذا يذكرني بالماضي الجميل( وسكتت , كان واضحا أنها تذكرت شيء , أجبرها أن تسرح فيه, و تطلق تنهيدة منها)
عمر الذي فهم , واستوعب انه ذكرها بالجرح , بالفراق الذي أجبرا معا عليه , حاول أن يغير الموضوع : حسنا , إلى أين سوف نذهب؟
عبير: إلى أحد المطاعم الذي يقع في آخر الشارع, لك نتحدث براحتنا .
عمر الذي رسم على وجهه ابتسامة مصطنعة , حتى يلطف الجو: لماذا الانتظار , هيا بنا.
بادلته عبير الابتسامة , التي كانت بدورها مصطنعة : هيا .
كل هذا كان يحدث تحت ناظري أحدهم , لم يعجبه الذي رائه , و جعل الشك يتسلل إلى قلبه .
نهاية الجزء الثالث...................................................... ................................ و للحكاية بقية