بسم الله الرحمن الرحيم
كثير من الأحيان نطر على فعل أشياء لا نريد فعلها , أو نلعب أدوارا لا نريد أن نؤديها على مسرح الحياة , لكن
الظروف التي من حولنا تجبرنا على أن نفعلها رغما عنا , حتى لو كان الثمن أن ندوس على مشاعرنا و نخسر أحبائنا.
فمتى سوف تكون الحياة منصفة معنى و تسمح لنا بأن نمثل الأدوار التي نريد على مسرحها, متــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى؟
(( مصيرنا واحد))
الجزء الأول:
( الفراق)
مرة نسمة هواء عليلة , أجبرت شعر عبير على أن يتطاير بشكل عشوائي مع نسمة الهواء , وتتناثر خصلات شعرها البنية اللون على وجهها الطفو لي,(لا أستطيع أن أقول لها , كلا لا أستطيع, سوف أغمض عيني و أخبرها , لأني سوف أضعف إذا استمرية في النظر إلى عينيها السوداويين , وسوف أضيع في بحرهما وأنسى السبب الذي من أجله طلبة مقابلتها في الحديقة, آههههههههههههههه, هذه الحديقة التي شهدت مولد حبنا و هذه الحديقة التي سوف تشهد موته, أعيني يا الله)
عبير :عمر , عمر أأنت معي؟!
عمر: نعم , أنا معك .
عبير: إذا لماذا لم تجبني عن سؤالي؟!!
عمر : أي سؤال!!!!!!!
عبير:عمر ماذا بك, لقد سألتك عن سبب دعوتك لي إلى هنا.
(ماذا أقول لك يا عبير, أأقول لك أني لم أعد أحبك, أأقول لك أني مجبر على تركك, أأقول لك, آهههههههههههه,لا لا أستطيع )
عبير: لا تستطيع ماذا؟!
(يا ألاهي أسمعت كلام , أكنت أتكلم أم أفكر, لم أعد أدرك ما أفعل)
عبير: عمر لقد بدأت أشعر بالقلق , أفهمني ماذا هناك , أرجوك.
(الأفضل أن أغمض عيني , و أبوح بكل شيء, فتردد في هذه اللحظة لن ينفع , لن ينفع, فقصة حبنا لم يكتب لها النجاح , كان يجب أن أدرك هذا منذ البداية , فمن المستحيل أن تكون عبير لي , فهي لا تزال في الخامسة عشرة و أنا في الثلاثين من عمري, هناك فرق شاسع في العمر, ومن ثم ربما الذي تشعر به عبير جهة هو حب مراهقين ليس غير , ومع مرور الوقت سوف تكتشف ذلك , كل الأبواب تؤدي إلى نهاية واحده ألا وهي أن عبير ليست لي وأنا لست لها, فلأستجمع قوتي وأنهي هذا الحــــــــــــب, أو بالأحرى أقتله)
أغلق عمر عينيه , ومن ثم أخذ نفسا عميقا تأهبا لإلقاء القنبلة على عبير, وما أن أخرج جميع الهواء الذي أدخله في صدره , رمى القنبلة: عبير أنا سوف أتزوج.
تهلل وجه عبير بالفرح : أحقا أخير سوف تطلب يدي.( المسكينة لم تصلها الرسالة بعد)
زادت كلمات عبير من صعوبة مهمة عمر, فأخذ يغمض عينيه أكثر, ( لا يا عبير أنك تصعبين علي الأمر, أصمد عمر, أصمد , يجب أن تكمل , يجب ,فإذا لم تتكلم الآن فلن تتكلم أبدا ): لا عبير لست أنت التي سوف أتزوجها , بل( وأخذ نفسا عميقا آخر) بل ابنة خالتي.
كأن صاعقة ضربت عبير, ( ما الذي أسمعه , أنا في حلم أم علم , مستحيل عمر , أنت تحبني , فكيف تتزوج غيري , كيف!!!!!!!!لا أفهم),( يا الله , لم أعد أستطيع التنفس , أشعر بضيق في صدري , أين الأكسجين؟)
رفعة عبير يديها و أخذت تفتح أزرار قبة قميصها, محاولات أن تسهل عملية تنفسها.
( ماذا بها لا تتكلم , لماذا لا ترد , هل هي لا زالت هنا أم رحلت )
فتح عمر عينيه , ليفاجئ بمظهر عبير.
عمر: عبير ماذا بك , أأنت يخير تكلم ؟
قالت عبير بصوت واهي ضعيف: لماذا سوف تتزوجها , وأنت تحبني , لماذا؟!
شاح عمر بوجهه بعيدا عن عبير وعن عيني عبير البريئتين,وأمسك ببنطاله من كلى الجهتين, بكلى يديه اليمنى و اليسرى بكل قوته , ربما لأنه أراد أن يلتمس منهما القوة لكي يصمد ويستمر في الكلام.
عمر: لأني....................لأني ( وسكت لم يكن قلبه يطاوعه على قولها),( تحرك أيه اللسان اللعين , أنطقها , أنطقها أرجوك , وأنهي عذابي)لأني ( وتوقف ليبتلع ريقه و أكمل قائلا) لأني لا أحبك.( رماها دفعتا واحدة بدون مقدمات)
نزلت على عبير صاعقة أخرى , لكن هذه المرة كانت أشد و أوجع من سابقتها, هذه المرة لم تجد عبير صعوبتا في التنفس , بل توقفت عن التنفس , لقد توقف كل عضو عن عمله في جسم عبير , حتى قلبها الذي ينبض بحب عمر على وشك أن يتوقف , لأن مصدر طاقته ألا وهو حب عمر بدأ يتلاشى شيئا فشيئا : لا تحبني , ماذا كنت تسمي الذي كان بيننا إذا!!( قالتها بصوت مملوء بالحرقة و الأسى)
أعاد عمر بصره إلى عبير, وقال لها وهو في معركة طاحنة مع دموعه التي تريد أن تخرج إلى الحياة: أسميه لعب .
( وشدت قبضت يديه على بنطا له)
أتسعة حدقة عيني عبير : لعب, كل ذلك الوقت كنت تلعب بمشاعري؟!
عمر : نعم , ومن ثم أنت لازلت صغير وهذه المشاعر التي تعتقدين أنها حب , هي مجرد مشاعر مؤقتة , الزمان كفيل بمسحها .
( أنا لم أعد أستوعب شيء, عقلي توقف عن العمل, أصحيح الذي أسمعه , أم أن أذني تخدعانني, مستحيل , مستحيل, مستحيل هذا الكلام يخرج من فم عمر!)
مستحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل ( قالتها عبير بأعلى صوتها)
وقف عمر عاجزا أمام صرخة عبير , لم يعرف ماذا يفعل , أو ماذا يقول.
اندفعت عبير جهة عمر , و أمسكت بكلى كتفيه ,وأخذت تهز عمر بطريقة هسترية وهي تقول: مستحيل هذا الكلام يخرج منك عمر , أنت تمزح معي صحيح , أهذا صحيح , أرجوك لا تمزح في هذا الموضوع , أرجوك قولي أنك تمزح أرجوك.
بصعوبة رفع عمر يديه جهة يدي عبير , و أمسك بهما و أبعدهما عن كتفيه, و قال:كفى أرجوك عبير , كفى , يكفي تصرفات الأطفال هذه, فالناس بدءوا ينظرون إلينا.
أفلتت عبير يديها من قبضتي يدي عمر , و أخذت تضحك , وفجأة تحولت ضحكاتها إلى بكاء : الناس, أتهتم بكلام الناس , و لا تهتم بما فعلته بي , وبالكلام الذي قلته لي ( توقفت لكي تسمح لدموعها الساخنة بأن تنزل فعينيها لم تعد تستطيع تحمل سخونتهما أكثر من ذلك).
( لا ,لا أستطيع تحمل رأيت دموعك يا حبي , أرجوك توقفي , أرجوك, فدموعك سوف تجعلني أنهار ), ( رفع عمر يده اليمنى المترددة جهة عبير لكي يمسح دموعها الغالية على قلبه, لكنه في اللحظة الأخيرة عدل عن رأيه و أعادها إلى مكانها)
عمر: عبير لقد أنتها الأمر , فلا داعي للبكاء.
هنا توقفت عبير عن البكاء , وصوبت بصرها جهة عمر , وهي لا تصدق برود الأعصاب الذي يعيش فيه عمر: أنتها الأمر تقولها بهذه البساطة!!
عمر: وكيف تري.....................
قاطعته عبير , وصرخة في وجهه و هي تقول: أنا أكرهك , أكرهك يا عمر. ( وركضت مبتعدة عنه بأسرع قوتها)
( لا أريد رأيتك أيه المخادع , لا أريد سماع صوتك , لا أريدك في هذا العالم , أتمنى أن تموت أيه المخادع)
كانت قطرات دموعها تتطاير مع نسمات الهواء التي كانت تهب , وتتسلل إلى عينيها وتحمل معها ما تستطيع حمله من دموع عبير المرة , التي تترجم المرارة التي تشعر بها عبير في داخلها.
أما عمر فقد ضل متسمرا في مكانه , وهو جالس يندب حضه العاثر,( أكرهك , أكرهك , يا الله , هذا آخر شيء أريد أن أسمعه من الشخص الذي أحبه , أكرهك , عبير ليتك تعلمين كم أنا أتألم و أتقطع من الداخل,ليتك تسمعين قلبي الذي يصرخ بأعلى صوته أحبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــك, يا الله , هذا كله بسبب جابر و بسبب فعلته الشنيعة , هو الذي يجب أن تقولي له هذه الكلمة أكرهك و لست أنا , أنا مجبور يا عبير, مجبور, فأنت لن و لن تصبحي لي , فأنت أصبحت في ذمة رجل آخر غير, آهههههههههههههههههه) , و أغمض عينيه ليحرر أخيرا دموعه المحبوسة في مقلتيه.
نهاية الجزء الأول........................................... وللحكاية بقيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثاني:
( اللقاء)
...........: عمر , عمر .
عمر: نعم ,ماذا هناك مريم.
مريم: اتصال لك .
عمر: ممن ؟
مريم: لا أعلم , خذ.( ومدت يدها التي تحمل السماعة الهاتف جهة عمر, فتناولها عمر )
عمر: ألو.
لم يصل إلى مسامع عمر أي رد , لكنه التقطت أذنه أنفاس متسارع من الجانب الأخر من الخط, أستغرب عمر من هذا , فقرر أن ينادي مرة أخره , حتى يتأكد أنه يوجد أحد معه على الخط الأخر: ألو , هل هناك أحد معي؟
هذه المرة وصله رد , كان صوت أنثوي ناعم : نعم . ( كان بالكاد يسمع )
عمر: عذرا من معي؟
كأنه بدا لعمر أنه يسمع من جهة الطرف الأخر من الخط نفسا عميقا يأخذ, ومن ثم عاد إليه الصوت الأنثوي , وهذه المرة بصوت اعلي من قبل: أنا أم رامي , لقد سمعت أنك معلم رياضيات بارع , لهذا أتصل بك لأطلب منك أن تعطي أبني رامي دروسا خصوصية , إذا أمكن .
تهلل وجه عمر بالفرح , وقال بنبرة تترجم الفرحة التي يشعر بها: بطبع ممكن جدا , هو أبنك كم يبلغ من العمر؟
أم رامي: 10سنوات , وهو في الصف الخامس الابتدائي.
عمر: هذا جميل .
أم رامي: إذا أفهم من كلامك أنك موافق على تعليم أبني دروسا خصوصية.
عمر: نعم بطبع , متى تريدين أن أحظر لكي نناقش هذا الأمر؟
أم رامي: غدا في الساعة السابعة مساءا إذا أمكن.
عمر: أممممممممممم, السابعة وقت مناسب , إذا أراك غدا في تمام الساعة السابعة أنشاء الله سيدتي.
أم رامي: أنشاء الله, عنواني هو شارع التحرير فليه رقم 55 , هل حفظة العنوان؟
أغمض عمر عينيه وأخذ يردد العنوان بصوت منخفض, ومن ثم قال : نعم حفظته , سوف أكون هناك في الساعة السابعة مساءا أنشاء الله.
أم رامي: سوف أكون في انتظارك , مع السلامة.
عمر: مع السلامة سيدتي .
ما أن أغلق عمر سماعة الهاتف , حتى أنطلق من فمه صرخت : نعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم , مريم , مريم ( و أخذ يركض جهة المطبخ حيث توجد هناك مريم, فوجد مريم منهمكة في تقطيع البطاطس , عندما سمعة مريم نداء عمر لها , توقفت عما كانت تفعله و لتفتت جهة الصوت , لتفاجأ بعمر وراءها مباشرة , و الابتسامة تشق وجهه , قبل أن تلفظ مريم أي كلمة , أمسك بها عمر من خصرها , ورفعها, وأخذ يدور بها, أخذت مريم تصرخ : توقف , توقف عمر , أنك تشعرني بدوار.
عمر: دعيني أحتفل .
مريم : تحتفل بماذا؟!
توقف عمر عن الدوران , وأنزل مريم إلى بر الأمان ( على الأرض)وقال و الابتسامة لا تزال تعتلي وجهه: لقد حصلت على عمل.
بصوت محتار من كلام عمر قالت مريم: عمل , لكنك عمر أنت لديك عمل !
انفجر عمر ضاحكا من كلام مريم , التي ازدادت حيرتا و تعجبا : لماذا تضحك , هل قلت نكتة و أنا لا أعلم!!
عمر: نعم قلت نكتة , لكنك معذورة لا تعرفين الذي جرى. ( وعاد عمر إلى موجة الضحك )
ضربته مريم على كتفه اليسرى بقبضة يدها اليمنى وقالت : أسوف تخبرني بالذي يجري أم ماذا؟
عمر: سوف أخبرك , سوف أخبرك , هيئ نفسك لهذا الخبر, هل أنت مستعدة له؟
مريم: عمر كفى مزاحا تكلم فأنا لم أعد أستحمل أكثر من ذلك.
عمر : حسنا , لقد تلقيت طلب لكي أقوم بإعطاء دروس خصوصية .
ارتسمت في وجهه مريم ابتسامة واسعة و قالت : أتقول الصدق عمر؟
عمر : نعم , أقسم لك.
ألقت مريم بجسدها الهزيل جهة عمر , وضمته بكل قوتها: الحمد لله , أخيرا سوف تنحل مشاكلنا كلها , الحمد لله .
رفع عمر رأسه إلى أعلى وقال : الحمد لله , الحمد لله , وأخيرا سوف أستطيع أن أعالج أمي . ( وأغمض عينيه , وخرجت منه زفرت ارتياح, كأن جبل عن كاهله أنزاح)
............................................................ ............................................................ ........................
...................:مساء الخير .
.................: مساء الخير سيدي.
.................: هل هذا بيت أم رامي.
.................: نعم سيد, من حضرتك؟
..................: أنا المدرس الخصوصي , لدي موعد معها الآن.
..................: نعم ,،نعم , سيدتي في انتظارك, تفضل. ( وأشارت بيدها لعمر بدخول, استجاب عمر لإشارتها ودخل)
ضل عمر يتبع الخادمة التي كانت تمشي أمامه لكي تدله إلى مكان الذي سوف يقابل أم رامي فيه, وطول تلك الرحلة من وجهة نظر عمر , كانت عيناه لم ترتح ولا لثانية وهي تقفز من زاوية إلى أخرى وهما تتأملان المنزل , و البذخ , و الخير الذي يوجد في هذا الفيلة , أو إذا صح التعبير القصر ( واو يلهو من منزل , الملوك فقط يعيشون في مثل هذه الأماكن) ( قال عمر في سره , وهو مصدوم مما رأى)
أخيرا استطاعة عيني عمر أن تنالا قصدا من الراحة, فقد انتهت رحلة عمر في هذه الفيلة , فقد وصلوا إلى وجهتهم المبتغاة , ألا وهي غرفة الضيوف , قالت الخادمة : تفضل سيدي , أستريح .( وأشارت له إلى مجموعة من الكنبات الفاخرة المطرزة بخيوط ذهبية , رسمت نقوشا خلابة زينة الكنبات ذات اللون الأحمر الدموي , توجه عمر جهتها و جلس عليها , وما أن جلس حتى قالت الخادمة : هل تريد أن تشرب شيء سيدي؟
عمر: ها .........., لا شكرا لا أريد شيء , هل يمكنك أن تنادي سيده أم رامي.
ابتسمت له الخادمة وقالت : بتأكيد , ثواني فقط, عن إذنك سيدي.
بادلها عمر الابتسامة وقال: تفضلي.
لم تدم راحت عيني عمر طويا , إذ أنه عاود إلى تفقد وتأمل ما يوجد من حوله من بذخ و ثراء , وأشياء لم يرها من قبل, وأخذ يفكر: يبدوا أنها عائلة ميسورة , هذا شيء جيد , هكذا سوف أحصل على أجر مرتفع يمكنني منه أن أدخل أمي مستشفى خصوصي يعالجها كما يجب. ( وأخذ نفسا عميقا )
قطع حبل أفكار عمر , وتفحصه للغرفة , صوت باب الغرفة وهو يفتح, ليظهر من خلفه الخادمة إياها , وهي تحمل في يديها وعاءا , موضوعا عليه كأسا من العصير, ما أن أصبحت الخادمة أمام عمر , تناولت كأس العصير ووضعته في الطاولة التي تقع أمام عمر وقالت و البسمة على محياها : تفضل سيدي.
استغرب عمر من الخادمة , فهو لم يطلب عصير الليمون: لكن أنا لم أطلب شيء.
الخادمة : السيدة أمرة بأن أحضر لك عصير الليمون.
ارتسمت على وجهه عمر علامة استفهام كبيرة: السيدة!!!!!!!!!!!!
فجأة ومن العدم تناهى إلى مسامع عمر و الخادمة صوت قادم من جهة الباب : ألم يكون عصير الليمون عصيرك المفضل؟
ما أن سمع عمر هذا الصوت ألتفة إلى مصدره ليجد ظل , وهذا الظل كلما يكبر شيء فشيء , تتبعت عيني عمر أثر صاحب الظل , لتصل إلى مصدره , وتخرج من مكانهما من شدت الصدمة , كان ذقن عمر ترتعش وهو يقول: عبير!!!
كأن شاحنتا التطمت به ( مستحيل , أهذه أنت عبير , لا أصدق عيني , أنا في حلم أم علم , عبير , 11 عاما , مستحيل هذه عبير , بتأكيد أني أتخيل , أتوهم , من كثر ما أفكر بها , وأتخيلها في ذهني , بدأ السراب يختلط بالواقع , بتأكيد أني أتوهم)
كانت المرأة تقترب من عمر و هي تقول شيء ( لكن ماذا هي تقول لا أفهم , أنا أرى فمها يتحرك , لكن لا أسمع شيء ,ماذا يجري لي , عبير , أنت حقيقة أم خيال؟)
............. : عمر .
( أحد يناديني , أنها , أنها ) والتفة جهة مصدر الصوت الذي يناديه وقال: عبير.
ابتسمت المرأة , لتحفر على خديها الأيمن و الأيسر غمازتين .
( هذه هي غمزتا عبير , أنهما التين أذابتا و جعلتاني أقع في حفرت الحب , هذه عينيها السوداويين التين كانتا تجعلاني أبحر في بحرهما و أغوص في بحر حبها أكثر فأكثر, هذا هو نفس الوجه البيضاوي ذو الملامح الطفو لي الذي أنطبع في ذاكرتي , ولم ينفع أي دواء , أو مزيل لكي يمحوها من ذاكرتي ويزيلها إلى الأبد, لا, لا , أنا في حقيقة أم خيال , يا الله أنجدني)
ونهار عمر , وهوا بجسده الضخم بكل ثقله على الكنبة , ووضع يده اليسرى على جبينه , وأخذت أنفاسه تتسارع , ومن ثم أغمض عينيه .
وهلع كل من كان في تلك الغرفة , وقفزة المرأة إلى جهة عمر وأخذت تناديه باسمه , وعندما لم تجد ردا منه , بدأت تصرخ في وجه الخادمة وهي تقول : أحضري لي كأسا من الماء حالا , أسرعي.
الخادمة التي كانت مصدومة مما حدث أمامها قالت : نعم سيدتي نعم حالا.
وأعادت بصرها جهة عمر, وعاودت تناديه باسمه : عمر , عمر , أستيقظ أرجوك , عمر . ( وعندما لم تجد استجابة منه , أمسكت برأسه ووضعته على فخذيها ,و أخذت تصفعه على خده بضربات خفيفة , لعلها تيقظه مما هو فيه)
........................: عمر أرجوك لا ترحل عني مرة أخرا , فأنا لم أصدق أني وجدك من جديد , أرجوك.
( أهي تمطر , كأن هناك قطرات من المطر تنهمر على وجهي)
أخذ عمر يفتح عينيه ببطء, وتدرجيا كانت يرتسم أمامه وجه عبير التي كان وجهها غارقا بدموعها ,و بصوت واهي : أهذه أنت عبير؟
هزت المرأة رأسها بالا جاب.
كأن عمر لازال لم يصدق عينيه فأراد أن يتأكد أكثر أن التي أمامه عبير حقا , و ليس خيالها الذي يلاحقه منذ 11 عاما , فرفع يده اليمنى و أخذ يتحسس وجهها الطفولي, شاءا فشاءا بدأت تتشكل ابتسامة على فمه , كأنه بدأ يستوعب أن التي أمامه عبير , حبه الأوحد, الذي أجبر على التخلي عنه.
عبير أنها أنت ( قالها عمر بصوته الضعيف )
بدورها عبير ابتسمت لعمر , على رغم دموعها التي لازالت تنساب من عينيها: نعم عمر , هذه أنا , أنا عبير, التي كانت تحبك , ولا زالت تحبك.
( عبير أخيرا اللتقيتك , لا أصدق) ورما بنفسه إلى حضنها الذي طالما حلم به , وتمنى أن يلمسه ويحس بدفئه, وبدورها عبير طوقته بكلى يديها وضمته بكل ما أوتيت من قوة .
(آهههههههه, ليتك تعلمين كم أردت أن أكون بين أحضانك , كم حلمة به , كم تخيلته , لكن الحقيقة أجمل من الخيال بألف مرة , فدفأ و الحنان الذي ينبع منه لا يستطيع الخيال أن يشعرني بهما)
فجأة أبعد عمر رأسه من بين يدي عبير , التي تعجبت من فعلته و سألته : لماذا, لماذا يا عمر ...........
قاطعها عمر قائلا : لا, لا يجوز الذي نفعله , هذا خطأ . ( وشاح بوجهه في الجهة الأخرى بعيدا عن عبير)
عبير الضائعة بين كلمات جملة عمر الأخيرة: خطأ , لا يجوز , ماذا تقول, ماذا تقصد بكلامك هذا؟! تكلم عمر.
وقف عمر بسرعة , وهو لازال ينظر إلى الجهة الأخرى من الغرفة , لعله لم يستطع أن ينظر إلى عبير فيضعف فيرتمي إلى حضنها مرة أخرى ,وهو متأكد أنه لن يستطيع أن يفلت منها هذه المرة: أنه خطأ , فأنت متزوجة , و أنا متزوج , لا ,لا يجوز , لا يجوز الذي نفعله. ( وأغمض عينيه , وندفع بكل قوته مسرعا إلى باب الغرفة , تاركا عبير في حيرت , لم يردعه نداء عبير باسمه عن الاستمرار في الركض , ولما ارتأت عبير عدم جدوى النداء , ركضت ورائه لكي تلحق به , حاولت عبير اللحاق به , لكن للأسف لم تستطع فقد أنطلق عمر بسيارته كصاروخ).
عبير: عمر لماذا تفعل بي هكذا .؟( وأخذت نفسا عميقا ومن ثم أخرجت أللهواء الذي أدخلته إلى صدرها مصحوبا بدموعها السخية).
سيدتي أنا آسفة على التأخير , فقد أنكسر عليه كأس الماء من التوتر , فعدت فملئت كوبا آخر .( كانت هذه الخادمة المسكينة)
ألتفة إليها عبير , ورمقتها بنظرة تقدح شررا , وانفجرت في وجه الخادمة المسكينة , التي كانت هي ضحية : أيته الحمقاء أغربي عن وجهي, أغربي .( قالتها بصوت هز البيت كله)
صدمة الخادمة من ردة فعل سيدتها, لم ترفع سيدتها صوتها عليها من قبل , كانت هذه أول مرة تراها بهذا شكل, الصدمة قيدت لسان الخادمة , لكن لم تقيد رجليها التين ركضتا بأسرع قوتهما جهة المطبخ هربا من هذا الوحش الذي تجسد في سيدتها.
عبير: حسنا عمر , كنت أريد أن أعطيك فرصة أخرى حتى تكفر عن ذنبك ,لكن يبدوا أنك مصر على أن تعذبني , وتؤلمني , وتتلاعب بمشاعري, إذا الحرب يا عمر, الحرب , أنت أعلنتها بنفسك.
نهاية الجزء الثاني...................................................... ...................و للحكاية بقية