كاتب الموضوع :
MiSs nonnah
المنتدى :
الطفولة
16
سيدنا ذو الكفل عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وبعد:
هو نبي الله بِشر بن أيوب عليهما السلام، الذي لقب (ذو الكفل) واشتهر به، وسار لقبه مثلا بين الناس لاسباب سنذكرها في هذه القصة. إلى جنب شهرته بالصلاح والحكم العادل. سمي بـ (ذو الكفل) لانه كان يتكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بيهم بالعدل فسمى بذلك. ويروى أنه تكفل ببعض الطاعات فوفي بها.
وإليكم نادرة واحدة عنه عليه السلام: لمأ كبر نبي الله اليسع عليه السلام وهو إبن عم ذي الكفل، جمع الناس حوله وقال: أيها الناس، لقد رأيت لو أني استخلفت رجلا منكم حاكما بالعدل، يعمل عليكم بالقسط في حياتي قبل أن أموت لكي أنظر كيف يعمل، فإن كانت سيرته كسيرتي فيكم على الوجه الذي يرضى الله تعالى أبقيته وإن زاغ عن الحق استبدلته بخير منه. فمن يتقبل من عبد الله اليسع، هذا العهد المشروط بثلاثة أعمال صالحة يرضاها الله تعالى؟ فقال الناس: ماهي يانبي الله؟ فقال: يصوم النهار، ويقوم الليل ولايغضب. لأن الصوم يجعل المرء صبورا ويجمله بالتقوى، ولأن قيام الله أي الصلاة والناس نيام، يعلم الإنسان الإخلاص ويطهره من الرياء والمفاخرة والمباهاة. ولأن الغضب خلق سيء يقضى على نور القلب فيصير الرجل الغضوب مظلما، وترك الغضب قوة حقيقية، فالذي لايغضب قوي لأنه: ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). وبعد أن أخبر نبي الله اليسع بما يريد أن يعهد به لرجل صالح منهم مع شروط ذلك العهد، قام رجل تزدريه العين لشدة فقره وسوء حاله. قام وقال: تريد يانبي الله من يحكم الناس بالعدل مع مواضبته على الصيام بالنهار والقيام بالليل وأن لايغضب، قال: نعم، فقال له: أنا. فكرر عليه: أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولاتغضب؟ قال: نعم، لكن اليسع لم يقره ولم يستخلفه طردا للشبه لأنه ابن عمه، ومضى ذلك اليوم وجاء اليوم التالي، فلما أصبح الناس ناداهم اليسع وتجمعوا وقال لهم مثلما قال في اليوم السابق. فسكت الناس وقام ذلك الرجل الذي ازدراه الناس وقال: أنا، فلم يستخلفه. وجاء يوم ثالث، ففعل مثلما فعله في اليومين الماضيين، وقام إليه ذلك الرجل، وقال: أنا، فاستخلفه لأنه صالح، والصدق يتقاطر من وجهه وعزيمته ماضية على الوفاء بما كفل على نفسه. ومضى هذا الرجل عاملا بالعهد ومنفذا للشروط ومتكفلا بجميع ذلك، وكلما مضى عليه مدة شكره الناس ومدحوه على حسن صنيعه، وصاروا يشيرون إليه بالأصابع ويقتدون به في المأكل والمشرب والملبس والمنام، وفي القول والفعل والسلوك. وكان كل امرئ يعظ أخاه الإنسان قائلا: كن مثل بشر بن أيوب، كن مثل ذي الكفل. وإذا رأى شخص آخر يسلك طريقا معوجا ويعمل سيئا كان يقول له: لِم لاتكون مثل ذي الكفل الصالح ابن عم اليسع، وإذا سمع أحد برجل سيرته حسنة، كان يقول: أرأيتم إلى فلان فإن صاحبكم مثل ذي الكفل كلاما، وحالا، وفعالا وسلوكا.
............................................................ .
فانغاظ الشيطان مما يجري ، فلقد تحول الناس إلى أشباه ملائكة ، عابدين صالحين ،وهو لا يريد الصلاح للعباد . فآلمه حُسن حالهم ، فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بذي الكفل ، فتجند جميع الشياطين للوسوسة في صدره وتعكير صفوه وإشغال نفسه ونزغها عن الحق . ولكنهم لم يفلحوا ، بفضل تمسك ذو الكفل بالحق وتحصنه بالله العظيم .
عندئذ ، قال إبليس : دعوني وإياه .
فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، وذو الكفل متمدد لنومة الظهيرة ، عاملا بالأمر الحكيم : ( اسـتعينوا بقيلولة النهار على قيام الليل ) ، فدق إبليس الباب ، فقال ذو الكفل : من بالباب ؟ قال إبليس : شـيخ كبير مظلوم .
فهب إليه ذو الكفل ، لأنه يكره الظلم ويحب العدل كافلاً لإقامة العدل في بلاده وبين الناس .
قام إليه ففتح الباب ، فجعل الشـيخ الهرم المسـن يقص عليه بأن بينه وبين قومه خصومة وأنهم ظلموه وفعلوا به كذا وكذا ، وفعلوا به كيت وكيت و ........... وجعل يطول عليه الكلام حتى حضر المساء ، وذهبت القائلة ( وقت النوم في وسط النهار ) ، فأجابه ذو الكفل : إذا رحت إلى قومك فإنني – بعون الله تعالى – آخذ لك بحقك ، فتعالَ عند الأصيل – قبيل الغروب – وتجدني في مجلس القضاء ونذهب معك لإحقاق الحق .
فانطلق ذو الكفل إلى مجلسه المعهود ، وجعل ينظر بين الناس ، هل يرى الشيخ المظلوم ؟ فلم يره . فقام يبحث عنه في البلدة عله يجده ، ظاناً به أنه ضل المكان ، فلم يهتدِ إليه ولم يجده .
وبذلك انشغل ذو الكفل بعض الشيء عن متابعة قضايا بعض الناس .
ولما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه. فلما رجع إلى القائلة وأخذ مضجعه أتاه فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال: الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له. فقال له: ألم أقل لك إذا قعدت في مجلس القضاء فأتني؟ فقال: إنهم أخبث قوم إذا ذهبت جحدوني وأنكروني. فقاله له ذو الكفل: إذا رحت فأتني (أي إذا جاء المساء) وقعدت في مجلس القضاء فتعال ولا تخش هذا الأمر فإن حله بيدي وسأحق الحق بفضل الله تعالى المهم أن تأتي. وظل إبليس اللعين يناقشه حتى فاتت القائلة وذو الكفل حليم صبور يستمع إليه ويجيبه.
ثم راح إلى مجلس العدل وجعل ينظر يمينا وشمالا فلم ير الشيخ المدعي أنه مظلوم. ونعس ذو الكفل وشق عليه النعاس فقال لبعض أهله: لا تدعنّ أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فأني نعسان. فلما كانت تلك الساعة التي يبتغي فيها ذو الكفل الراحة جاء الشيخ المتظلم عنده فقال له الرجل المأمور بمنع كل من يريد إقلاق راحة بال القاضي العادل: وراءك، وراءك، ارجع، بأمر من سيدنا ذو الكفل، أمرنا أن لاندع أحدا يقرب. وانصرف وهو ينظر في سور الدار عساه أن يرى منفذاً غير محروس فيدخل منه. فإذا به يرى كوة في السور توصل من أدخل نفسه منها إلى بيت القيلولة، فتسور منها فدخل إلى البيت دون أن يراه أحد ويمنعه، ودق الباب الداخلي فاستيقظ ذو الكفلا مذهولا من الدقات فرآه على الباب متمسكنا ولكنه لم يخاطبه وانطلق إلى الحارس وقال له: ألم آمرك ألا تدخل أحد علي في هذه الساعة؟ فقال: أما من قبلي فوالله لم تؤت، فانظر ياسيدي من أين أُتيت؟ فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه هو وإذا المتظلم في الداخل دون فتح الباب وتفحص سور الدار فوجد كوة لا يمر منها الهر إلا بصعوبة فقال: أمن هذا دخلت؟ قال: منعني الرجل فدخلت منها، فقال: عملك عمل الشياطين لأن الإنسان المحق إذا قيل له إرجع يرجع، وإذا طلب منه أمر فعل، وإذا وعد أحدا أوفى بوعده، وإذا رأى الوقت مناسبا تصرف حسب مايناسب. فأنت إبليس لعنك الله لم تفعل ماتحمد عليه فلماذا فعلت ذلك ياعدو الله؟! عندئذ وجد إبليس أنه لامهرب من التصريح، فقال: إن مهمتي إغوء الصالحين وإفساد الخير وإبطال المعروف وأن يفشو الكذب ويكثر الظلم وأن يقتل الناس بعضهم بعضا، وأنت أفشلت كل محاولاتنا ولقد أعييتنا بصومك وصلواتك وبحلمك وصبرك وصلابتك في تنفيذ شرع الله تعالى، وقد فعلت ذلك لاغضبك، فقال له ذو الكفل عليه السلام: إخسأ ياعدو الله نعوذ بالله منك أيها الشيطان الطريد من رحمة الله تعالى لن يكون لك علينا سلطان ولن تسيطر علينا أبدا لأننا متمسكون بدين الله سبحانه وتعالى وبما شرع الله لنا وبما أتانا به أنبياء الله سبحانه، فانحسر إبليس واختفى.
ماذا تعلمنا من قصة ذو الكفل عليه السلام:
1. من أخلاق الانبياء التي يجب علينا أن نتحلى بها: صيام النهار، وقيام الليل، والحلم والصبر.
2. الغضب خلق سيء يقضي على نور القلب فيصبح الغاضب ظالما.
3. إبليس يغضبه عبادة الصالحين الطيبين لأنه لايريد الصلاح للعباد ولا يريدهم أن يعبدوا الله.
4. فشل إبليس وشياطينه في إغواء سيدنا ذو الكفل هو تمسك نبينا الكريم بصبره وصلابته في تنفيذ شرع الله.
5. قال الله تعالى: ( هذا ذكر، وإن للمتقين لحسن مئآب، جنات عدن مفتحة لهم الأبواب، متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب) سورة ص/49-51.
|