كاتب الموضوع :
MiSs nonnah
المنتدى :
الطفولة
12
قصـة سـيدنا يوسف عليه السـلام
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وآلـهِ وصحبهِ ومن
اتبع سـنتـه إلى يوم الدين ، وبـعــد :
سأقص عليكم الآن قصة : " يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم " عليهم السلام . الذي قال عنهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) - الكريم ابن الكريم ابن الكريم - .
كما علمنا أن يعقوب عليه السلام كان له من البنين ، اثنا عشر ولداً ذكراً ، وإليهم تـنسـب أسـباط بني إسرائيل . وكان أشرفهم وأجلهم " يوسف " ، لأن الله تعالى اختصه بالنبوة والرسالة من بين أخوته ، وقد بـشِّـر بها منذ الصغر .. عندما رأى وهو صغير رؤيا ، كأن أحد عشـر كوكباً – إشارة إلى أخوته - والشمس والقمر – إشارة إلى أبويه – قد سجدوا له . وهذه تحيتهم فيما بينهم ذلك الوقت . فلما اسـتيقظ ، قصها على أبيه يعقوب ، فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية فأمره بكتمانها وألا يقصها علي إخوته خوفاً من حسـدهم وكيدهم له .
ورأى أبناء يعقوب محبة أبيهم ليوسف ، مما أغاظهم فأضمروا ليوسف الشر واتفقوا فيما بينهم عليه .. وقال قائل منهم : لا تقتلوا يوسف ، وألقوه في الجب – البئر – ثم توبوا إلى الله تعالى . وظنوا أنهم بهذا العمل يفوزون بحب أبيهم دون منافس . وذهبوا إلى أبيهم يحتالون لأخذ يوسف معهم ، وقد شعروا أن أباهم يبعد يوسف عنهم خوفاً منهم .. فقالوا : يا أبانا ما الذي خوّفك منا حتى لاتطمئن على يوسف معنا ؟ أرسله معنا إلى المراعي غداً ليلعب ويتمتع بالأكل والشرب مثلنا ، وأقسموا لأبيهم بأنه لن يحصل له مكروه ، ولئن أصابه سـيكونون أول من يلحقهم العار بذلك ، وأنهم حريصون عليه مثل حرصه .. وأخذوا يلحون حتى أذن لهم باصطحابه معهم ، ولكنه كان قلقاً عليه .
وفعلوا فعلتهم بيوسف بأن ألقوه في البئر بعد أن وبخوه وأهانوه . ورجعوا لأبيهم يبكون وقالوا له : ياأبانا ذهبنا نسـتبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ، ونحن نعرف أنك لن تصدقنا ، ولكن هذا قميصه وعليه دمه ( وجاءوا على قميصه بدم كذب ، قال بل سـوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) يوسف / 97- 98 .
وفي منتصف البئر – وهو عميق – صخرة كالشرفة وصل إليها يوسف فجلس عليها ينتظر فرج الله تعالى . فجاءت قافلة مسافرين انطلقت من الشام قاصدة ديار مصر ، التي كان يسـكنها الهكسوس ... ووصلوا في طريقهم إلى جب يوسف ، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف .
فلما رآه ذلك الرجل استبشر به وأخذه ليبيعه ويستفيد من ثمنه . وكان الذي اشتراه وزير الملك الذي يقوم على خزائن مصر ، فأرسله إلى بيته وأوصى امرأته " زليخة " به خيراً ، وقال لها : أحسني معاملته وأكرميه ، لعله ينفعنا أو نتخذه ولدا ً .
وبدأت " زليخة " تتعلق به شيئاً فشيئأً إذ كان جميل الصورة ولطيف النفس ويتميز بروح شفافة مما أوقعت امرأة العزيز في غرامه ، وأخذت تغريه ولكنه قال لها : بأن الله أحسن خلقه ولا يريد أن يجاريها بمرادها .. ولكنها لم تبالي بكلامه غلب عليها الهوى والحب ، فجرى منها ناحية الباب ليهرب منها فركضت ورآءه فجذبته من ثوبه ، فتمزق الثوب من خلف ظهره ، وهما في هذه الحال كان قد دخل زوجها .. وعندما رأته أخذت تتهم يوسف وحرضت زوجها على سجنه . وصار يوسف يدافع عن نفسه التهمة ... وأخذ كل منهما يتهم الآخر ، حينها أنطق الله تعالى رضيعاً كان ملفوفاً في مهده قد شهد الحادث ، بهذا الحكم : " إن كان ثوبه ممزقاً من الأمام فقد صدقت ، لأن هذا يعني أنه كان مندفعاً إليها وهي تبعده . وإن كان ثوبه ممزقاً من الخلف فهذا يعني أنه كان يحاول الخلاص والهرب وهي تجذبه ، فقد كذبت وهو صادق . تفحصوا الثوب فرأوا أنه قد تمزق من الخلف ، فقال الزوج : إن هذا من كيد النساء ومكرهن ، إن كيدهن عظيم . ولكي لا تنتشر الفضيحة عزم الزوج على إخمادها فقال ليوسف : إنسَ ما جرى واكتمه ، وقال لزوجته : اسـتغفري الله لذنبك .
ولكن سرية هذه الحادثة لم تتم وتناقلتها وشاع في المدينة فعلمت زليخة اغتيابهن لها فقررت تبرير عشقها له، فاستضافتهم يوما وأعطت كل امرآة سكينة لتقشير التفاح وهن يتبادلن الحديث في سرور وضحك، وفي هذه الأثناء أمرت زليخة يوسف أن يدخل عليهن، ولما دخل بهرهن بجماله فجرحن أيديهن ولم يشعرن لأنهن أخذن بحسنه، وقلن بذهول: ماهذا بشر، إن هو إلا ملك كريم، عند إذن قالت زليخة: هذا هو الفتى الذي لمتنني على ولهي به. وأصرت على معاقبته بالسجن إن لم يفعل ماتؤمره وكان يوسف يسمع ماقالت للنسوة، ودعا ربه أن يصرف عنه شر مكرهن. وملأ أرجاء المدينة هذا الخبر، فرأى العزيز أن خلاصه من هذا العار لايكون إلا بسجن يوسف.
............................................................ ......
وأدخل يوسف السجن وهو في حالة فرح لخلاصه من الفتنة ، ولكنه كان حزين لأنه مسجون ظلماً . وصادف دخوله السجن ، أن سجن معه رجلان من خدم الملِك بتهمة المآمرة على الملك . وذات ليلة رأى أحدهما في نومه مناماً قصّه على يوسف . وأخبره الآخر عن منامه أيضاً وطلب من يوسف تفسيره ، واغتنم يوسف فرصة احترامهم له وأخذ يعِظهم ويدعوهم إلى دين الله الواحد .... وبعد أن وعظهم وأدخل بذور الإيمان إلى قلوبهم ، فسر لما منامهما ، فقال : أما أنت يا رئيس السقاة ستظهر براءتك وسيفرج عنك وترجع فتسقي الملك شرابه كما كنت .
وإذا خرجت وصرت على مقربة من الملك حاول أن لا تنساني وأذكر له بأنني مظلوم عسى ينظر في قضيتي ويفرج عني .
وأما أنت يا رئيس الخبازين فالمعذرة من صراحتي ، سيحكم عليك بالإعدام وسـتصلب وتأكل الطيور من جسدك . وهذا ما علمني ربي من تأويل الأحاديث وتعبير الرؤى .
وأفرج عن رئيس السُقاة ونسي صديقه في السجن يوسف لشدة فرحه وكثرة مشاغله بخدمة الملك . ومضى على يوسف عدة سنوات في السجن وهو منسي . وبعد بضع سنين حدث أمر أفزع الملك .. فقد رأى في منامه رؤيا مفزعة جمع لها العلماء والأحبار والكهان وقص عليهم رؤياه ، ولكنهم عجزوا عن تفسيرها . وقالوا أضغاث أحلام .
سمع رئيس السقاة سؤال الملك وجواب الكهنة فتذكر صاحبه يوسف الذي فسر له رؤياه يوماً فأصاب . فأخبر الملك عن يوسف ،
فأذن له الملك بسؤاله عسى أن يجد تفسيراً لرؤياه .
فسر يوسف الرؤيا وكانت تنبيء بحلول كوارث ، ولم يكتفي بالتفسير بل وصف الحل والخطة للنجاة من الكوارث . فقال :
إن مصر سيأتي عليها سبع سنوات خصبة فعليكم أن تزرعوا أرضكم قمحاً ، وتواظبوا على زرعها عاماً بعد عام ، فما تحصدونه ادّخروه في سـنابله ، ولا تخرجوا منه إلا حاجتكم . لأنه سـيأتي بعد هذه السبع الخصيبة سبع سنين ماحلة ، سـتسـتهلكون فيها جميع ما ادّخرتم ، ثم يأتي بعد ذلك سـنة خصبة يغاث فيها الناس بالمطر ويكثر الخير . حمل الساقي تعبير الرؤيا إلى الملك ، فَسُرَّ الملك بها سروراً دلَّ على علم مفسِّرها فأمر بإحضاره ، فذهب الرسول يبلِّغه رغبة الملك ، فقال يوسف : قل للملك ليس عندي رغبة بالخروج حتى تحقق بالمؤامرة التي سجنتموني بسـببها .
فأمر الملك في التحقيق في التهمة وقال : ما بال النسوة اللآئي راودنَّ يوسف ؟ فقلن : حاشا لله ، ما علمنا عليه من سـوء ، واعترفت امرأة العزيز وقالت : أنا راوته عن نفسه ، وأن النفس لأمارة بالسـوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم .
فوقف الملك والناس على براءة يوسف وعفته ، وكلمه الملك وقال له : سـتكون عندنا ذا مكانة عالية .
شعر يوسف بهذه المنزلة الكريمة وصار يتصور ما سيحدث لأهل مصر أن جاءهم المحل والقحط ، وأن الأغنياء كيف
يضطهدون الفقراء ويستغلونهم . فطلب من الملك أن يوظفه خازناً على الأموال والتموين ، فوافق الملك وتولى يوسف اقتصاد مصر كلها .
وتوالت سنين الخصب السبع ويوسف يرعى تمويلها، وابتكر وقت ذاك الإنفاق وفقاً للبطاقة العائلية، فامتلأت المخازن بالحبوب المحفوظة في سنابلها كي لاتسوس. ثم جاءت السنين المجدبة، فكانت خطة يوسف لأهل مصرحمتهم من الجوع، بينما الأقاليم المجاورة لم يعرفوا بهذه الخطة فأجدبت بلادهم، وكان الجوع يهلك الناس وخاصا البلدان المجاورة لمصر كفلسطين، وكان يعقوب وأولاده قد صابهم الجوع في فلسطين مثل غيرهم، وذاع صيت عزيز مصر (يوسف)، الذي استطاع أن يحاصر الكارثة قبل وقوعها، فصار الناس يقصدون مصر لينالوا نصيبا من القمح. كذلك طلب يعقوب من أولاده السفر إلى مصر ليشتروا الطعام، وعندما وصل الأخوة العشرة إلى عزيز مصر يوسف عليه السلام عرفهم وهم لم يعرفوه، وكال العمال القمح لهم كيلا زائدا عن عددهم، وانطلقوا بعد أن قال لهم يوسف أحضروا لي أخا لكم فأن لم تحضروه لا كيل لكم عندي حينما تأتون العامل المقبل، ولما هبوا بالرحيل أمر يوسف خدمه أن يدسوا الثمن الذي أحضروه معهم وأن يضعوه في أمتعتهم دون أن يشعروا. فعاد أخوة يوسف إلى أبيهم وقصوا عليه ماجرى عليهم مع وزير المال (يوسف) وكيف أكرمهم وأنذرهم إذا عادوا ثانية دون أخيهم (بنيامين).
ولما حان السفر ثانية طلبوا أخاهم من أبيهم يعقوب فثارت في نفسه ذكريات الماضي وتحسر على فقدان يوسف، ومع ذلك وافق على إرسال بنيامين معهم. وصل الأخوة إلى مصر ودخلوا على يوسف في ديوانه فاستضافهم وانفرد بشقيقه بنيامين وصارحه بأنه هو يوسف، فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير أنكم لسارقون، فقالوا الأخوة: ماذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك، فقالوا: ماجئنا لنفسد في الأرض، وماكنا سارقين، فقالوا: ماجزاء المكذبين؟ قالوا جزاؤه العقاب، فبدأ يوسف يفتش بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه فأخجل أخوة يوسف وأخذوا يعتذرون واسترحموه وطلبوا العفو منه أو يسجن واحد منهم غيره، وصورا له أبيهم الذي طعن في السن وقد أهمه فقدان أخوه يوسف، وإنها لكارثة إن عادوا إلى أبيهم وليس بنيامين معهم، فقال يوسف: معاذ الله أن نعاقب البريء ونطلق السارق. فتشاورا مع بعضهم فقال كبيرهم: سأبقى بمصر ولن أفارقها حتى يعلم أبي حقيقة الأمر ويسمح لي بالرجوع، ورجع الأخوة الباقي إلى أبيهم وأخبروه بما حدث، فلم يصدقهم وحزن حزنا شديدا. وطلب منهم أن يعودوا إلى مصر ليبحثوا عن يوسف وأخيه، ولما دخلوا على يوسف قالوا له: أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر (المجاعة) وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين، فقال يسوف: هل علمتم عظم مارتكبتم في حق يوسف وأخيه؟ هل تذكرون كيف شردتم يوسف عن أبيه عندما ألقيتموه في ظلام الجب؟ فنظروا عليه مدققين فيه لأنه يسألهم عن أشياء لايعلهما غيرهم، فقالوا: هل أنت يوسف؟ فقال: نعم، أنا يوسف وبنيامين شقيقي، فنكسوا رؤوسهم خجلا بما اقترفت أيديهم سابقا، فسامحهم يوسف واستغفر لهم واستفسر عن أبيه، فلما علم أنه قد فقد البصر من شدة البكاء والحزن، أعطاه قميصه وأمرهم بأن يضعوه على وجهه فيرتد إليه بصره، وطلب منهم أن يأتوا به إليه، ويأتي بأهلهم جميعا إلى مصر.
وقبل أن يصلوا إلى أبيهم صار يعقوب يحدث أهله هناك قائلا: إني أشعر برائحة يوسف، وأنه حي واقترب موعد لقائي به، فقالوا له: إنا نراك تهذي. ووصل الأخوة إلى أبيهم وبشروه بيوسف وبنيامين وأن العزيز هو يوسف وتجهزوا جميعا للسفر، يعقوب وأولاده وأحفاده وقد بلغوا سبعين فردا، فاستقبلهم يوسف وضم إليه والديه وأنزل أهله منزلة كريمة في مصر.
العبرة من القصة:
1. كيد الشيطان ووسوسته لأخوة يوسف للتخلص منه.
2. أخلاق سيدنا يوسف عليه السلام العزيزة ومقدرته بضبط النفس عن الهوى بإذن ربه.
3. الظلم له نهاية بانتصار الخير عليه.
4. الرؤيا في المنام صادقة، ومعجزة سيدنا يوسف عليه السلام في تفسير الأحلام.
5. باب التوبة مفتوح عندما تاب على أخوة يوسف بعد الذي عملوه مع اخويهم.
|