كاتب الموضوع :
كوكا الحلوه
المنتدى :
أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
* * *
بينما نظرت مس بنيت الى الحديقة وقالت :
- تعال ، تعال يا جان وكفى مضايقة ..
فدخل جان من باب الشرفة ببطء . وفي عينيه نظرة تجمع بين التمرد والانتصار ..
وسألته مس بنيت وهي تشير الى المسدس الذي بيده :
- كيف حصلت على هذا ؟
فأجاب وهو يبتس بدهاء :
- هل ظننت انك كنت بارعة حين اغلقت الدولاب؟ فقد وجدت مفتاحا يفتحه واخذت هذا المسدس
، وسوف استعمله في اطلاق الرصاص كما كان يفعل ريتشارد .
قال ذك وصوب المسدس نحوها فجأة واردف :
- حذار يا مس بنيت ، فقد اطلقه عليك ..
فأجفلت ..
ولكنها قالت في هدوء :
- لا شك انك لن تفعل هذا يا جان .. أنا واثقة من انك لن تفعل ..
فظل يصوب المسدس نحوها لحظة ..
ثم خفصه ..
وتنهدت المرأة واطمأنت قليلا ..
وقال جان بلطف :
- كلا يا مس بنيت ، لن افعل هذا ..
- هذا لانك اصبحت رجلا الان ، ولن تتصرف كالصغار .. اليس كذلك ؟
فأجاب وهو يجلس امام المكتب :
- نعم انا رجل الان ، وبعد موت ريتشارد اصبحت الرجل الوحيد في الاسرة ..
- ولهذا كنت على يقين من انك لن تطلق الرصاص علي ، انك لن تطلقه الا على العدو ..
- طبعا ،،
فقالت وهي تقترب من المكتب بحذر :
- خلال الحرب كان رجال المقاومة اذا قتل واحدا من الاعداء حفر علامة في ماسورة مسدسه ..
فنظر جان الى ماسورة المسدس وقال :
- أحقا؟ هل كانت على مسدساتهم علامات كثيرة ؟
- نعم ، بعضهم كانت على مسدساتهم علامات كثيرة
- يا لها من لعبة مسلية
- وطبعا كان بعضهم ينفر من القتل ، بينما كان البعض الاخر يستطيبه ويتلذذ به ..
- مثل ريتشارد
- نعم ، كان ريتشارد يحب قتل الحيوان والطير ، فهل انت كذلك يا جان ؟
فاخرج جان من جيبه مطواة ، وراح يحفر بها علامة على فوهة المسدس ..
وقال ببساطة :
- ان القتل متعة
فقالت مس بنيت :
- انك لم تشأ ان يبعث بك ريتشارد الى احد المصحات .. اليس كذلك ؟
فقال جان :
- كان دائما يهدد بابعادي من هنا ، فقد كان وحشا
فقالت مس بنيت وهي تدور حوله ببطء :
- اذكر انك قلت له مرة بانك ستقتله اذا حاول ابعادك
- هل قلت له ذلك حقا !
فقالت مس بنيت :
- ولكنك لم تقتله
- كلا .. انا لم اقتله
- كان ذلك ضعفا منك
فقال جان :
- أحقا ..
- نعم .. لانك هددته بالقتل ولم تنف تهديدك ، اذا حاول انسان ان يسجنني في مصحة فاني لن
اتردد في قتله ..
فرد جان :
- أنا ايضا افعل ذلك
فقالت في دهاء :
- هذا مجرد كلام ، لانك لم تقتله ، بل قتله ضخص اخر
فسأل جان :
- من قال ان شخصا اخر قتله ، ربما اكون انا الذي قتلته ..
فقالت مس بنيت :
- كلا ، لا يمكن ان تكون قد قتلته .. لانك كنت مراهقا صغيرا ولا تجرؤ على القتل ..
فوثب من مقعده وصاح :
- اتظننين اني لم اكن اجرؤ ؟ اهذا ما تظنينه ؟
- طلعا لم تكن تجرؤ على قتل ريتئارد ، كان لا بد ان تكون كبيرا وشجاعا لكي تفعل ذلك ..
فقال وهو يضحك :
- انك لا تعرفين شيئا يا مس بنيت
- هل هناك شيء لا اعرفه ؟ اتضحك مني يا جان ؟
فقال جان :
- نعم ، اضحك منك لاني ابرع منك
ثم استدار اليها فجأة وقال :
- اني اعرف اشياء لا تعرفينها ..
فأجابت مس بنيت :
- مالذي تعرفه ولا اعرفه؟
فارتسمت على شفتيه ابتسامة غامضة وجلس دون ان يجيب ..
فقالت وهي تقترب منه :
- الا تريد ان تحبرني ؟ الا تثق بي .. ؟
فأجاب في مرارة :
- لا يجب ان يثق الانسان في احد ..
- لقد بدأت الان اشعر بأنك بارع ، وان هناك أشياء لا اعرفها
- هل بدأت تدركين مدى براعتي؟
فتمتمت مس بنيت :
- نعم ، هل هناك اشياء كثرة اخرى لا اعرفها عنك ؟
فرد جان بهدوء :
- أشياء كثيرة جدا ، ثم اني اعرف اشياء كثيرة عن كل واحد هنا ، ولكني لا اتكلم ، اني في بعض
الاحيان استيقظ ليلا واتجول في البيت فأرى واسمع غير اني لا اتكلم ..
- لابد انك تعرف الان كثيرا من الاسرار الخطيرة ..
فضحك وقال :
- أعرف اسرارا سيقف شعر راسك ذعرا اذا حدثتك عنها ..
فردت وهي تتفرس في وجهه :
- ذعرا منك يا جان
فقال جان متمهلا :
- نعم مني أنا ..
- انني لم اكن اعرفك على حقيقتك يا جان ، اما الان فانني بدأت افهمك ..
فقال وقد اثمله الاطراء :
- لا أحد يعرفني على حقيقتي او يعرف ما استطيع عمله .. مسكين ريتشارد ، كان يجلس هنا
كالابله ويطلق الرصاص على الارانب الحمقاء ..
ثم انثنتى الى مس بنيت قائلا :
- ترى ، هل خطر بباله ان شخصا ما قد يطلق عليه الرصاص هو ايضا ؟
- طبعا لا ، وقد اخطأ اذ لم يفعل في ذلك .
- نعم ، انه اخطأ كثيرا ، وكان اكبر اخطائه انه اراد ان يبعدني غير اني عرفت كيف امنعه ،،
- احقا . ؟ ماذا فعلت كي تمنعه
فنظر اليها بخبث ودهاء . .
ثم هز كتفيه واجاب :
- لن اخبر احدا
- ربما كنت على حق ، اني اعرف ماذا فعلت كي تمنعه ، ولكني لن اقول لاحد ، كي يظل سرك
في حرز امين ..
- نعم انه سري وحدي ..
ثم تألقت عيناه وقال :
- لا أحد يعرفني على حقيقتي .. اني خطير .. ويحسن بالجميع ان يحذروني ...
- ان ريتشارد لم يكن يعرف مدى خطورتك ، ولا شك انه دهش ..
- دهش؟ وايه دهشة ! فقد امتقع وجهه ، ثم سقط رأسه فوق صدره ، وسال الدم على قميصه ولم
يتحرك بعدئذ ، فقد منعته من تهديدي ، فلن يهددني احد بعد الان ..
ثم اقترب من مس بنيت ..
وقال وهو يعرض المسدس امامها :
- انظري ، لقد وضعت علامة على ماسورة المسدس ..
- هذا امر مثير ، دعني أرى ..
ومدت يدها لتتناول المسدس ، ولكنه كان اسرع منها فتراجع خطوة وقال :
كلا ، لن اسمح لاحد بأن يأخذ مسدس ، واذا حاول رجال البوليس ان يقبضوا علي فسأطلق عليهم
الرصاص ..
فردت مس بنيت :
- لا ضرورة لذلك ، لا ضرورة اطلاقا ، فأنت ماهر جدا ، فلن يساورهم شك في امرك ..
فضحك وقال :
- انهم بلهاء ، بلهاء جدا ، بل واكثر بلاهة من ريتشارد ..
وصوب المسدس نحو المقعد المتحرك الذي كان يجلس عليه اخوه ،،
وفي هذه اللحظة ، فتح الباب ودخل المفتش والرقيب ..
وما أن رآهما جان حتى دار على عقبيه .. ووثب نحو الشرفة ، بينما ارتمت مس بنيت على احد
المقاعد واجهشت بالبكاء .
وصاح المفتش بالرقيب :
- اسرع خلفه ، ولا تدعه يفلت منك ..
فانطلق الرقيب في اثر جان ..
ودخل ستارك ولورا ..
وتبعهما انجل ..
ثم ظهرت مس واريك على عتبة الباب بقامتها الطويلة المستقيمة ، ووجها الجامد الذي لا يعبر
عن شيء ..
واقبل المفتش على مس بنيت .. وقال لها بلطف وهو يربت على كفتها :
- خيرا ما فعلت يا مس بنيت .. هدئي اعصابك ورفهي عنك ، ولا تحزني ..
فقالت بصوت متهدج :
- كنت اعلم منذ البداية ، اني اعرف جان كما لا يعرفه احد سواي ، كان ريتشارد يتحداه ويثيره
بلا هواده ، وقد لاحظت في الفترة الاخيرة ان جان اصبح انسانا خطرا ..
فهافا لورا في حزن وجزع:
- جان .. مستحيل !
- وارتمت على مقعد امام المكتب ..
ونظرت مسز واريك الى مس بنيت مؤنبة ..
وقالت تعاتبها :
- لماذا فعلت هذا يا مس بنيت ؟ لماذ؟ ظننت انك ستكونين مخلصة على الاقل .
فقالت مس بنيت بلهجة التحدي :
- هناك ظروف تكون فيها الحقيقة أهم من الاخلاص ، انك لم تلاحظي ولا احد لاحظ انه يزداد
خطورة يوما بعد يوم ، انه شاب لطيف ولكن ..
وغلبها الحزن ..
فلم تكمل عبارتها ..
وتقدمت مسز واريك ببطء وحزن وجلست على أحد المقاعد ..
فقال المفتش :
- ان امثاله يصبحون خطرا على انفسهم وعلى سواهم عندما يصلون الى سن معينه ، انهم يفقدون
الادراك والتمييز والسيطرة على انفسهم ، وعلى تصرفاتهم ..
ثم التفت الى مسز واريك وقال :
- لا تبتئسي يا سيدتي .. فانني اعدك بانه سوف يعامل برفق وعطف .. ان موقفه واضح ، شاب
متخلف عقليا وغير مسؤل عما يفعل ..
وهذا معناه انه سوف يحجز في مكان تتوفر فيه اسباب الراحة ووسائل العلاج ، وهو ما كنتم
ستفعلونه به على اي حال ان عاجلا او آجلا ..
فقالت مسز واريك :
- نعم .. نعم .. انك على حق ..
ثم التفتت الى مس بنيت وقالت :
- أنا آسفة يا مس بنيت .. انك قلت ان لا أحد كان يعرف انه اصبح خطرا . أنا كنت أعرف ،
ولكن لم يكن في استطاعتي ان افعل شيئا ..
فقالت مس بنيت :
- كان لابد ان يفعل احد شيئا...
وهنا سمعوا صوت طلق ناري فوجموا ، وجمدوا في أماكنهم لحظة ..
ونظر بعضهم الى بعض ..
ثم اندفع الرجال نحو الشرفة ..
ولكنهم ما كادو يبلغونها حتى سمعوا صوت طلق اخر ..
وصرخة مخيفة ...
كصرخة وحش جريح ..
جعلت الدم يجمد في عروقهم ....!
قبل ان يتبين المفتش والحاضرون مصدر الطلقين والصرخة ، برز الرقيب من بين اشجار
الحديقة وهو يترنح ..
كان ممسكا بيده اليسرى ، والدم ينزف منها بغزارة ..
فصاح به المفتس :
- ماذا حدث؟
ولم يجب الرقيب على الفور ، ورأى المفتش من تقلص وجهه انه يتألم ، فخف اليه ، وأحاطه
بساعده ، وعاونه على ارتقاء درج السلم المؤدي الى الشرفة ..
ثم اجلسه على أحد المقاعد وقال لانجل :
- علي بضمادة اعصب بها جرحه ..
فغادر الخادم الغرفة مسرعا ..
بينما قال ستارك :
- هل ادعو سيارة الاسعاف؟
فقال الرقيب وهو لا يزال يتألم :
- كلا .. لا ضرورة لذلك ، انه جرح بسيط !
فسأله المفتش :
- ماذا حدث؟
وتعلقت الانظار بشفتي ارقيب..
فقال هذا :
- اني عدوت خلفه ، وكان الضباب قد بدأ ينتشر ، فراح يحاورني بين اشجار الحديقة ، ثم اطلق
علي رصاصة اصابت يدي ، ولكني واصلت مطاردته وانقضضت عليه لانتزع المسدس من يده
فانطلقت من المسدس رصاصة اصابت قلبه وقتلته ..
فوضعت لورا يدها على فمها لتمنع صرخة كادت ان تفلت منها ، ثم سارت مترنحه حتى تهالكت
على مقعد امام المكتب ...
أما مس بنيت ، فانها اجهشت بالبكاء بصوت مسموع ..
وعاد انجل بالضماده ..
فتناولها المفتش وقال وهو يعصب يد الرقيب :
- هل أنت واثق من انه مات ؟
- نعم يا سيدي ..
ثم هز رأسه في أسى وقال :
- مسكين هذا الصبي ، كان يحاورني بين أشجار الحديقة ويضحك كما لو كان الامر كله مجرد
مزحة .
- وأين هو ؟
- تعال أدلك على مكانه ..
- كلا ، خير لك ان تبقى هنا
- اني احسن حالا الان ..
ونهض واقفا ، ومشى الى الشرفة ..
ونظر المفتش الى من جوله وقال :
- اني جد آسف على ما حدث ، ولكن لعل ذلك هو أفضل الحلول !
وغادر المكان في أثر الرقيب ..
وهزت مسز واريك رأسها في حزن .. تمتمت قائلة :
- أفضل الحلول ..!
فصاحت مس بنيت :
- نعم .. نعم .. ذلك أفضل الحلول ، انه جنبي الصبي كثيرا من المتاعب ..
ثم اسرعت الى مسز واريك ، وقاتل وهي تأبط ذراعها لتساعدها على السير :
- هلمي ايتها العزيزة ، كفا ما عانيت اليوم .
وقبل ان تغادر مسز واريك الغرفة ، لحق بها ستارك وقال وهو يخرج المظروف من جيبه :
- اظم انه يحسن بك الان ان تستردي هذا ..
- نعم ، نعم ... لم تبق له ضرورة الان ..
وانصرفت مسز ورايك ومس بنيت ، ولم يبق بالغرفة سوى ستارك وانجل ، ولورا .. التي دفنت
وجهها بين كفيها ، وقد برح بها الحزم والاسى ..
ووقف انجل مترددا لحظة ، ثم اقترب من المكتب حيث كانت تجلس لورا وقال :
- لا أعرف كيف اعبر لك عن اسفي وحزني سيدتي ، فاذا كان هناك ما استطيع عمله ..
فقاطعته بأن قالت دون ان ترفع رأسها :
- نحن لم نعد بحاجة الى خدماتك يا أنجل ، سأعد لك شيكا بمستحقاتك وعليك ان تغادر هذا البيت
اليوم ..
- شكرا يا سيدتي ..
ودار على عقبيه ، وغادر الغرفة ..
فأغلق ستارك الباب وراءه وقال يحدث لورا :
- ألا تريدين اتهامه بالابتزاز؟
- كلا
- هذا أمر يؤسف له
ثم أردف بعد قليل :
- أظن انه يحسن بي الان ان اودعك وارحل ..
فملم ترفع لورا رأسها ، ولم تتكلم .
قال :
- لا يجب ان تحزني ..
فأجابت بشعور صادق :
- اني حزينة
- من أجل ذلك الصبي ؟
فنظرت اليه وقالت :
- نعم ، ولاني كنت السبب ، فقد كان ريتشارد على حق ، وكان يجب ارسال جان الى احدى
المصحات حيث لا يستطيع ان يؤذي احدا ، ولكني عارضت في ذلم بقوة ، ولهذا كنت السبب في
مقتل زوجي ..
فقال ستارك بشيء من الخشونة :
- دعي هذه الحساسيات يا لورا ، ولنكن واقعيين ، فقد لقي زوجك حتفه بطبعه وحفر قبره بنفسه
.. كان بوسعه ان يعامل الصبي بشيء من الرفق والحنان ، اليس كذلك ؟ لا ينبغي ان تنحي
باللائمة على نفسك ، ان من حقك الان ان تكوني سعيدة ، وان تنعمي بالراحة والاستقرار ..
فاجابت بمرارة :
- مع من؟ مع جوليان؟ انت ترى انه قد تغير كثيرا ولم يعد كالعهد به ..
- لماذا ؟
- عندما ظننت ان جوليان هو الذي قتل زوجي ، لم يؤثر ذلك على شعوري نحوه ، ولم يضعف
حبي له ، بل على العكس ، كنت على استعداد للاعتراف بالجريمة ومواجهة التبعات ..
- أعلم هذا ، وتلك هي الحماقة بكل معانيها ، يا إلهي ، لماذا يطيب للنساء دائما ان يجعلن من
انفسهن شهيدات ؟
فاستطرت لورا قائلة بحنق :
- اما عندما ظن جوليان انني التي ارتكبت الجريمة تغير تمام ، وتبدل شعوره نحوي ، صحيح انه
ابدى شهامة حين التزم الصمت ولم يدل باقوال تزيد من موقفي سوءا ، ولكن هذا كل ما فعله ،
نعم ، نعم ، نعم ، انه تغير كثيرا ..
- اصغي الي يا لورا ، يجب ان تعلمي ان رد الفعل عند الرجال يختلف عنه عند النساء ، والواقع
ان الرجال هم الجنس الاكثر حساسية ، اما النساء فانهن اكثر شراسة واصلب معدنا ، والمرأة
تستطيع ان ترتكب جريمة قتل بمثل البساطة التي تصبغ بها شفتيها .. والنتيجة هي ان المرأة قد
تنظر باكبار الى الرجل الذي يرتكب جريمة قتل من اجلها ، اما الرجل فان شعوره وردة الفعل
عنده يختلفان تماما ..
- ولكن شعورك انت لم يكن كذلك ، عندما ظننت اني قتلت زوجي تقدمت لمساعدتي دون تردد .
.
فأجفل وصمت لحظة .. ثم قال :
- ان موقفي يختلف ، كان لزما علي مساعدتك ..
- ولماذا كان هذا الالتزام بمساعدتي؟
فأجاب بهدوء :
- اني ما زلت اريد مساعدتك ..
فقالت لورا وهي تتفرس في وجهه :
- الا ترى اننا عدنا من حيث بدانا ؟ واني ما زلت المسؤولة عن مصرع ريتشارد .. لانني
عارضت في ارسال جان الى احدى المصحات ؟.
فجلس ستارك من طرف الاريكة وقال :
- هل هذا هو كل ما يزعجك ؟ أيزعجك ان يكون جان هو الذي اطلق الرصاص على زوجك ؟
،... الا يحتمل ان تكون الحقيقة غير ذلك ؟.
فتمتمت لورا :
- كيف تقول كلاما كهذا ؟ اني سمعته ، بل كلنا سمعناه حين اعترف بالجريمة وتفاخر بها ..
فقال مايكل بهدوء :
- أعلم هذا ، ولكن هل تعرفين شيئا عن قوة الايحاء؟ فقد استدجته مس بنيت بلباقة ، وعرفت ككيف
تثير حقده تارة ، وتغذي خيلاءه مرة اخرى ، وكان الصبي تربة صالحة للايحاء ، فراقته كما
تروح أغلب المراهقين فكرة ان يكون قاتلا ...
فقد لوحت له مس بنيت بالطعم فابتلعه ، وتصور انه قتل زوجك ، فوضع علامة على ماسورة
مسدسه ، كما كان يفعل رجال المقاومة وتصور نفسه بطلا ..
ونهض واقفا ، وأخذ يذرع أرض الغرفة..
ثم قال :
- انك لا تعلمين ولا احد يعلم هل قال الحقيقة ام لا
- ولكنه اطلق الرصاص على الرقيب ..
فقال ستارك :
- نعم .. انه انسان خطر ما في ذلك شك ، ويحتمل جديا يكون هو الذي اطلق الرصاص على
زوجك ، غير انك لا تستطيع ان تؤكدي بصفة قاطعة انه فعل هذا ، يحتمل ان يكون من اطلق
الرصاص شخصا اخر ..
- من؟
فأجاب بعد صمت قصير :
- مس بنيت مثلا .. انها تحبك ، انها تحبك فربما ظنت انك ستكونين سعيدة اذا تخلصت من
زوجك . او مسز واريك نفسها ، او صديقك جوليان .. ريما كان جوليان قد اطلق الرصاص على
ريشارد ، ثم زعم بعد ذلك انه ظن انك القاتلة ، وهي لعبة بارعة خدعتك تماما ..
- لا شك انك غير مؤمن بما تقول .. انت تقول هذا فقط لترفه عني وتخلصني من وخز الضمير ..
فصاح ستارك في ضيق :
- يا فتاتي العزيزة ، اي شخص يمكن ان يكون هو الذي اطلق الرصاص على زوجك ، ولا
استثني ماكجريجور نفسه ..
فبهتت وصاحت :
- ماكجريجور؟ ولكن ماكجريرجور مات .
- طبعا .. المفروض انه مات ، اصغي الي ، في مقدوري ان اطرح القضية امامك بطريقة لا تدع
مجالا للشك في ان ماكجريجور هو القاتل ..
هي انه قرر قتل زوجك على سبيل الانتقام ، فماذا يفعل؟ اول شيء يفعله هو ان يتخلص من
شخصيته ، فليس من العسير عليه ان يزيف حادث وفاة في مكان قصي من بلد بعيد مثل الاسكا ،
هذا يكلفه بعض المال ، وشهادة زور ولكنه ممكن ..
ثم ينتحل اسما جديدا ويبني لنفسه شخصية جديدة ، ويزاول مهنة جديدة في بلد آخر .
غير انه يظل بطريقة او باخرى على اتصال بما يجري هنا ، حتى اذا علم انكم غاردتم (
نورفولك ) ، وجئت الى هذا البيت ، شرع في وضع خطته ..
ثم يزيل لحيته ويصبغ شعره ويفعل كل ما من شأنه ان يغير ملامح وجهه ، وفي ليلة كثيفة
الضباب ، يأتي الى هنا ..
وصمت ستارك قليلا .. ثم نهض ووقف أمام الشرفة وقال وهو يطل على الحديقة :
- لنفرض اذن انه جاء الى هنا ، ووجد زوجك في مقعده ولم يشأ ان يقتله غدرا فقال له : ان معي
مسدسي ، ومعك مسدسك ، سأعد من واحد الى ثلاثة ثم يطلق كل منا مسدسه على الاخر ، اني
جئت لانتقم لولدي كما تعلم ..
ومضى في حديثه ، فقال :
- لنفرض ايضا ان زوجك ليس شخصا رياضيا بكل معنى الكلمة كما تتوهمين ، وانه ينتظر
غريمه حتى يفرغ من العد ..
واذكر انك قلت عن زوجك انه كان بارعا في اصابة الهدف ..
فلنفترض انه اخطأ الهدف هذه المرة، وطاشت رصاصته في الحديقة ..
حيث يوجد كثير من الرصاصات التي سبق ان اطلقها ..
بينما لم يخطئ ماكجريجور واصابت رصاصته الهدف ، وقتلت زوجك ..
ولنتصور بعد ذلك ان ماكجريجور وضع مسدسه بقرب الجثة ، واخذ مسدس زوجك ، وغادر
البيت عن طريق الحديقة ، ثم عاد بعد قليل .
- عاد؟ لماذا ؟
- لنفرض ان سيارته وقعت في حفرة ، فلم تستطع الابتعاد ، فناذا يفعل؟ انه يفعل الشيء الطبيعي
الوحيد ، وهو ان يدخل البيت ويكتشف وجود الجثة ..
فقالت في دهشة :
- انك تتكلم كما لو كنت تعرف ما حدث تماما ..
فقال ستارك بحدة :
- انا اعرف ما حدث .. ألم تفهمي .. أنا ما كجريجور .!
ولم تصدق لورا اذنيها ..
ونهضت من مقعدها وهي تغمغم :
- أنت ..
وحملقت نحوه بعينين مفعمتين بالدهشة والذهول ..
فقال بصوت اجش :
- وداعا يا لورا ..
وخرج الى الشرفة ..
واختفى بين أشجار الحديقة ..
وعندما افاقت من دهشتها ..
أسرعت تعدو خلفه وتصيح :
- صبرا يا مايكل .. صبرا ..
ووقفت في الشرفة تهتف :
- مايكل .. عد يا مايكل ..
ولكن صوتها ضاع في زئير النفير ، الذي دوى في تلك اللحظة ليحذر الصيادين من كثافة
الضباب ...
النهايه
|