كاتب الموضوع :
sam4ever
المنتدى :
كتب الأدب واللغة والفكر
بحثا عن اليقين... لا ضده..
"ما هي إذن الحقيقة؟ كثرة متحركة من الاستعارات والكنايات وكلمات المشابهة (anthropomorphisme)، أي باختصار مجموعة من العلاقات البشرية رُفعت وعظمت وبدلت وزينت شعريا وبلاغيا فبدت لشعبها، بعد طول استعمال، ثابتة، صحيحة وملزمة: إن الحقائق هي أوهام نسينا أنها كذلك، واستعارات استهلكت وفقدت قوتها الحسية، قطع عملة فقدت نقشها، ولم يعد يمكن اعتبارها كقطع عملة، ولكن كقطع معدنية"
من دراسة نيتشه بعنوان: "الحقيقة والكذب بالمعنى الخارج عن الأخلاق"، منشورة ضمن كتاب:
Ecrits posthumes 1870-1873, direction de G. Colli & M. Montinari, Gallimard, Paris, tome I, Vol. 2, pp. 182-183
بأي معنى يمكن أن نعتبر بأ الإيمان واليقين هو المستهدف هنا؟ ما دام أن اليقين قد أصابه الاختزال المجازي المشار إليه في النص السابق. وكما كان شك ديكارت يخرج من عدم القدرة على التمييز بين الحلم واليقظة، فإن شك نيتشه ينبثق من عدم التمييز بين الكذب والصدق.
إن الشك النيتشوي هجوم ضد الإيمان الوضعي الوثوقي ؛ فحين تقول الوضعية بأنه ليست هناك سوى وقائع، فإن نيتشه يقول: الوقائع هي ما هو غير موجود، هناك فقط تأويلات.
صحيح أن نيتشه دفع بعملية الشك إلى حدها الأقصى، وقلبها ضد اليقين نفسه الذي ظن ديكارت أنه قد جعله خارج الشك، ولكنه لم يفعل ذلك بشكل دوغمائي، بل لنقض الادعاء بإطلاقية الذات المالكة للحقيقة وتقويض الصفة الاستثنائية التي يضفيها كل واحد منا على تجربته الداخلية الحميمية.. والحال أن الذات ليست واحدة بل هي تعددية وتتصارع فيما بينها داخل الجسد الواحد كما لو كانت خلايا تتمرد ضد سلطة القيادة والانقياد في آن واحد.
لا يجب أن ننكر بأن خطاب نيتشه عند التأمل لا يفضي إلى نقض الإيمان (ما مدى صلاحية هذا الإيمان وحقيقته إذا كان معرضا للاهتزاز عند أول قراءة؟؟ ببساطة ليس إيمانا بل مجرد دوغما dogma)، إنه خطاب بتعزيز الحاسة النقدية.. خطاب ضد السيطرة والهيمنة.. خطاب يكشف تناقضات اللغة في ادعائها بالصلة بالواقع وامتلاك الحقيقة..
باختصار لا خوف من التساؤل.. لا خوف من الشك.. وواجب أن يجيب كل واحد منا في أية قضية، خاصة قضايا الاعتقاد الشخصي، عن سؤال: ما هي الذات التي تفكر الآن داخلي؟
|