كاتب الموضوع :
شذى وردة
المنتدى :
القصص المكتمله
- لم قلتِ له أنني من أريدُ ذلك؟!
- لم يكن ليأبه بي لو طلبته بإسمي، ثم ألم تقولي أنكِ لا تملكين قطعاً سوداء كافية في خزانتك!!
- أنتِ مستحيلة!!
- كفي عن الثرثرة، إنه ينتظرنا.
وتناولت "ندى" حقيبتها وهي تدفع "غدير" أمامها...
لم يكن "المجمع" بعيداً فسرعان ما وفدوا هناك...
سارت الفتاتان معاً يتبعهما "عمر" بصبر...
كانت "ندى" تقفز من محل لآخر وهي تجر "غدير" من يدها و تلقي عليها محاضرة عن الموضة وخطوط الأزياء!!!
- "ندى" لقد تعبت، فلنسترح هنا..
لكن الأخيرة لم تكن تسمعها، كانت تصوب عينيها بدهشة في زاوية ما...
- ماذا بك؟!
- تصوري من هنا!!!
- من؟!
- المدير!!! قالتها بصوتٍ عال.
- أخفضي صوتك، "عمر" وراءنا، ثم أين هو لا أراه.
- ذاك الذي يحتسي القهوة في "لاميزون دي كافيه".
- يوجد عشرات الأشخاص هناك، كيف لي أن أعرفه!!
- تعالي سأريكِ إياه عن كثب...
- ماذا عن "عمر"؟
استدارت "ندى" إلى ذاك الأخير وهي تشير إليه بأن يأتي:
- أخي العزيز سنذهب إلى ذاك المحل، صدقني هذا آخر مكان سندخله.
- كم مرة قلتِ ذلك!!
- عمر!!
- لقد تأخر الوقت، هي 5 دقائق إن لم تنتهي أخذتُ زوجتي وتركتك هنا..
- هي من تريد أن تذهب إلى هناك وليس أنا.
لكزتها "غدير" في ذراعها وهي تخاطبه بخجل:
- إنها تكذب، لم أقل ذلك.
ونظر إليها وعلى شفتيه وميض إبتسامة صغيرة لكن "ندى" قطعت عليهما المشهد وسحبتها معها وهي تخاطبه من بعيد:
- انتظرنا هنا، لن نتأخر.
و اختبئتا خلف عمودٍ كبير، قالت بصوتٍ منخفض:
- ذاك هو، الذي يعبث بـ"اللاب توب"، حتى في المجمع لا ينفك عن العمل!!
- آه، هذا هو المدير إذن، لا بأس به!!
- لأنكِ لا ذوق لكِ، هذا أفظع وأسمج رجل عرفته بعد "براد بيت"!!
- من هذا براد بيت؟!
- جارنا الذي يسكن في البيت المجاور!!
- هيا لقد تأخرنا، "عمر" سيغضب.
- لا عليكِ منه، ما دمتِ معي فلن يقول شيئاً...
واستدارت "غدير" إلى حيثُ تركاه، كان مندمجاً في حديثه مع أحد الأشخاص...
أحقاً ما تقول؟!!
وتأملته في وقفته تلك وقد نست ما حولها
بالفعل هو لا يرد لها أي طلب، ليتهُ يبقى لطيفاً هكذا للأبد!!
- انظري...
وضحكت "ندى" بخفوت:
- يبدو أنها أفلتت من شرطة الآداب..
ونظرت "غدير" إلى حيثُ التفًّ الناس حول شقراء طويلة، ملابسها كانت حدِّث ولا حرج!!
- كأني قرأتُ مرة قانوناً ينص بالحد الأقصى لطول "التنورة"... علقت "ندى".
- إنها فاتنة جداً..
- أنا أحلى منها!!!!
ثم أردفت:
- اسمعي دعينا نذهب لأحد حراس الأمن ونبلِّغ عنها..
- هذا أحدهم، قد انضمّ مع المتفرجين!! ربما كانت نجمةً سينمائية؟!
- ليست كذلك، أنا أعرفهم كلهم.
وصدت للجانب الآخر وما لبثت أن شهقت بصوتٍ عالٍ:
- انظري كيف يطالعها قليلُ الأدب، عديم التربية..
- من؟!
- ومن غيره!! المدير...
- وما شأنكِ أنتِ؟!
- ما شأني؟! أهذا سؤال تسأليني إياه، هذا مديري، مديري أنا ألا تفهمين؟!
وتابعت بحرارة:
- ثم، أنسيتِ نحنُ نعمل معه ومعظمنا فتيات، إذا تفتحت عيناهُ الآن على هذه المرأة فربما ستتفتح عيناهُ علي وهذا هو الاحتمال الأكبر!! ثم على بقية الفتيات!!!!
- !!!!!!!
- سأفضحه، سأخبر كل من معنا في العمل عن سلوكه المشين!!
- أين ستذهبين أيتها المجنونة؟!
- ألا ترينه، يكادُ يقفُ لها كلما مرت بجانبه، اتركيني سؤأدبه، سأريه من هي "ندى"..
وأفلتت من قبضة "غدير" وهي تمشي كالسيل الهادر...
و وصلت إلى طاولته وهي تدقُّ الأرض بقدمها اليمنى، قالت بصوتٍ مصرور:
- ألا تخجل من نفسك؟! رجل في مركزك وسنك ينظر لهذه الأشكال...
وأجفل من وجودها المفاجئ أمامه هكذا...
ضربت يداً بيد وهي تردد:
- رجال آخر زمن، آخر زمن، تتظاهرون أمامنا بالشرف والأدب وحين نغفل عنكم ولو لثانية أظهرتم وجهكم الحقيقي..
- ......................
- وأنا أتعب نفسي يومياً أمام المرآة ولم تقل لي شيئاً مرةً واحدة حتى لم تكن تنظر إلي!!!
- .....................
- أتعرف كم أتكبد في بداية كل شهر وأنا أتبضع في السوق كي أشتري شالاً بلون حذائي..
ورفعت قدمها قليلاً لتريه حذائها الزهري:
- ألا تراه جميلاً؟!! ألا يعجبك ذوقي؟!
أخذ يطالعها مصعوقاً دون أن توقف لسانها...
- ثم ماذا بها كي تنظر إليها دوني أقصد دون الفتيات المحترمات، أتعتقد أن عينيها فعلاً زرقاوان، كذابة، كذابة، ثم كذابة، تلك عدسات ملونة، كلها صناعية محقونة بـ"البوتكس" و "الكيلاكوجين"، أما أنا فمحلية مائة بالمائة...
ثم استدركت وكأنها تذكرت شيئاً ما:
- ماعدا رموشي، فلقد سقطت من العقص واستخدام الماسكرا والسبب أنت!!!
وصاحت بصوتٍ عال:
- أجل أنت، لا تنظر إليًّ هكذا، قالوا رموش العين تذبح وسقطت رموشي كلها وأنت كالجمل في مكانك...
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- أرجوك لا تبرر ولا تكلمني، ما بيننا قد انتهى والسبب عيناك الفارغتان، أرجوك يكفي لا تحاول معي..
ولوت شفتيها بقرف وهي تعطيه ظهرها وبقيت هكذا برهة ثم عادت لتستدر وعيناها نصف مغمضتان:
- وداعاً..
وسارت عنه كما جاءت وآلالاف الشياطين تتراقص أمام عينيها حتى أنها تجاوزت "غدير" دون أن تشعر....
ولم تنتبه لها "غدير" هي الأخرى، كانت عيناها شاردتان في "عمر" الذي يبدو أنه تناسى وجودها ووجود أخته وأخذ يحدق في تلك المرأة الشقراء كبقية الرجال...
وغاص قلبها، شعرت بأنها تهوي وتعود لتطفو مرةً أخرى على رمالٍ لا قرار لها...
وأشتعل شئ في صدرها، شئ غريب، غريب ومهين في آنٍ واحد!!
وتمنت لو أنها لم تأتي إلى هنا، بل الأسوأ أنها تمنت لو أن زوجها لا يملك عينان!!!!
وقبضت على حقيبتها بقوة وهي تقاوم الاضطراب الذي يعتمل بداخلها، حزينة وغاضبة، ثائرة وخامدة، كنبعٍ فوار في بركةٍ آسنة كانت هي تلك اللحظة....
وسمعت صوتاً يناديها فالتفتت لندى:
- أنتِ هنا وأنا أبحثُ عنكِ في كل مكان...
- .....................
- لم تسأليني ماذا فعلتُ به!! لقد أدبته!!
"يا لحظك، ماذا عن ذاك؟!!"
- تصوري لم ينبس ببنت شفه، يبدو أنهُ خجل من نفسه...
- ....................
- أتعتقدين أنهُ سيقول لي شيئاً في الغد عما فعلتهُ اليوم، لا أتصور سيفضح نفسه حينها..
ثم أردفت بقلق:
- لقد صرختُ عليه، ولكن إذا واجهني سأنفي كل شئ، سأنفي حتى أنني رأيته بالمرة!!
- ما رأيك يا "غدير"؟!
- لم لا تتكلمين؟! أين عمر؟!!
"إنهُ هناك لم يخفض عينيه عن تلك المرأة ولو لبرهة، نسيني منذُ أن رآها"..
- لقد رأيته، هيا تأخرنا فلنذهب بسرعة قبل أن يحدث شئ لا تُحمد عقباه..
"ماذا بعد ذلك؟!"...
وسارت معها بإنكسار و بشئ من خفي حنين ووصلوا إليه دون أن ينتبه، مسّت "ندى" كتفه وهي تقول بعجل:
- هيا، لقد انتهينا من الشراء..
- لا أرى في أيديكما شيئاً..
- سنأتي يوماً آخر، لم تعجبنا بضاعتهم!!!
والتفت إلى "غدير"، كانت تطالع الأرض دون أن تسمع ما يقولا..
خاطبها بقلق:
- ما بك؟!
- ..........
- غدير!!
ورفعت رأسها وهي تنظر لعينيه الخضراوين بألم:
- لا شيء..
- هيا بنا إذن..
وركب الثلاثة السيارة صامتين، كلٌّ سارح في خطى أفكاره....
وما أن نزلت "ندى" حتى عاد ليخاطبها من جديد:
- ما بك؟!
- قلتُ لك ليس بي شيء. صاحت بعصبية.
رفع حاجبيه بدهشة ثم هزّ رأسه وهو يتابع القيادة..
و مدّ يده ليضغط على زر المسجل وكانت نشرة الأخبار...
وانقطت النشرة فجأة فطالعته بحدة وهي تقول:
- رأسي يؤلمني، لا أريدُ أن أسمع شيئاً!!!
وما أن وصلا حتى خرجت بسرعة دون أن تغلق الباب، لحقها وكانت بإنتظاره!!!
ألقت بحقيبتها على الأرض، فسألها بإستنكار:
- ماذا جرى لكِ هذا المساء!!
- ماذا جرى لي أم ماذا جرى لك أيها المحترم!!!
- أنا لا أفهم شيئاً مما تقولين..
انفجرت في وجهه وهي تنظر له بإزدراء:
- تخالني لم أرك كيف تنظر إليها؟!
- عمن تتكلمين؟!
- عن تلك المرأة التي لم تبعد ناظريك عنها منذُ أن دخلت..
- أنا لم أرى أحداً ولم التفت لأحد.
- لا تكذب..
- انتبهي للسانك..
- بالطبع ستنكر، فهذا طبعكم دوماً، الغش والخداع يجري بدمائكم..
- لا يهمني إن صدقتني أم لا... ردّ بنفاذ صبر.
- لم لم تذهب إليها أو ربما أخذت رقمها دون أن أدري!! وغطت وجهها وهي تبكي بصمت.
وأمسكها من ذراعها وهو يصرخ بشراسة:
- قلتُ لكِ لم أفعل شيئاً.
- أنت كاذب..
- اخرسي..
وانكمشت في مكانها وهي تغمض عينيها بقوة...
أردف وهو يصيح:
- وحتى لو كنتُ أنظر إليها فعلاً فهذا من حقي!!
فتحت عيناها وهي تردد كلامه بإستنكار:
- من حقك؟!
- أجل من حقي..
- أنسيت أنك متزوج؟!
- حقاً، لم يخبرني أحد بذلك من قبل!! قالها بسخرية.
وهدأت ثائرتها قليلاً وهي تفرُّ بنظراتها للأرض...
وأردف وهو يتأمل تعابير وجهها بإنتباه شديد:
- وليكن بمعلومك أنني أفكر جاداً بالزواج بأخرى.
ورفعت وجهها الذي أحتقن فجأة وهي تردد دون تصديق:
- ماذا؟!
- ما سمعته يا عزيزتي..
- كلا، لن تتزوج، لن تتزوج. صاحت بجنون.
- آسف، لم تتركي لي خياراً آخر، لا تقلقي لن أطلقك، سأبقيكِ على ذمتي معززة ومكرمة هنا أو عند والدي إذا شئتِ!!
أسمعت عن الدجاجة التي ترقص ألماً؟!
وكأنّ مسّاً أصابها من كلماته التي رنّت في أذنيها كالسندان، أخذت تضربه على صدره بما تبقى لها من قوة، كانت تشهق بتقطع وهو واقف بلا حراك ينظر لها بإهتمام...
أمسكت ياقة قميصه بكلتا يديها وبكاءها يرتفع:
- لن تتزوج أسمعت!!
- أمنعيني إن استطعتِ. ردّ بهدوء.
مسحت أنفها وهي تقول بتهديد:
- سأخبر خالي، سأخبره بما تودُّ فعله.
وبرقت عيناه بغضب:
- أتخالينني طفلاً كي تهددينني بوالدي؟! لا تضطرني أن أفعلها والآن!!
- لن تقدر، لن تجرؤ... صرخت.
ورفع أصبعه في الهواء بتصميم:
- والله العــ....
وضعت يدها بسرعة على فمه بإرتياع قبل أن يكمل...
نظرت إلى عينيه بتوسل ودموعها تذرف بملوحة وبمرارة تمرغ بها قلبها...
لكن عيناه قالتا شيئاً آخر، لا زالتا صلبتان، لم تستجيبا لتوسلها الصامت...
وتهاوت يدها إلى جانبها بضعف وكادت أن تهوي هي الأخرى لكنهُ أمسكها فدفنت وجهها في صدره وهي تنشج بصوتٍ خافت كنشيج الميازيب في مواسم المطر!!
حينها فقط أطبق عينيه بألم...
"سامحيني يا عزيزتي، كان لا بد أن أقول هذا، ليس من أجلي فقط بل لأجلك، لا زلتِ صغيرة ولا تفهمين!!"..
==========
|