كاتب الموضوع :
شذى وردة
المنتدى :
القصص المكتمله
4)
استيقظت من النوم بصعوبة على هزات "ندى"...- هاا، ماذا تريدين؟
- انهضي أيتها الكسولة، "عمر" يستعجلك.قفزت مذعورة من اسمه، لا تريد أن تذكر ما حدث البارحة..- لماذا؟ضحكت "ندى" من منظرها ثم عادت للمرآة لتضبط حجابها:- أيُّ ذاكرةٍ تمتلكين!! ألم تتفقا على أن يوصلك إلى منزلك اليوم لتجلبي أغراضك.
"في الحقيقة أعتقدتُ بأنهُ سيلغي ما اتفقنا عليه بعد ما قلتهُ له البارحة".- حسناً، سأجهز بسرعة.
نهضت إلى الحمام بتثاقل، ففكرة العودة إلى المنزل مرةً أخرى تُثير فيها الرهبة والخوف، ومع من؟! معه!!
كانوا يتناولون الإفطار، الأب وندى وعمر، ألقت التحية عليهم، تجنبت النظر في وجه هذا الأخير، قضمت شطيرتها دون شهية، قرب خالها طبق البيض المقلي بجانبها فأبعدته وهي تشكره...رائحته تثير فيّ الغثيان في الصباح الباكر!!!نظرتُ إلى خالي بشعره الذي غزاه الشيب، لم يتغير كثيراً...بلى تغير، باتت ملامح وجهه أكثر ليناً وضعفاً، بعض الرجال حين يكبرون يصبحون شفافين جداً لدرجة الكسر، أقول البعض وليس الكل!!انطلقنا في سيارته، جلستُ في المقعد الخلفي، و "ندى" في الأمام بجانبه...- عمر اضغط على موجة "إمارات FM".
-
- أصبحنا وأصبح الملك لله، أرحمي أذناكِ، سنستمع للقرآن الكريم أفضل.صمتت "ندى" ومن يقدر أن يحتج؟!انسابت آيات الذكر الحكيم عذبة كعذوبة قطرات المطر، شفافة كإشراقة الشمس قُبيل الفجر....نظرت غدير إلى الطريق من خلال النافذة، تتأمل المارة وتنصت لسورة "يوسف"...لا أملُّ سماعها...
أوقف "عمر" سيارته عند صرح الجامعة بمنطقة "الصخير"، صرحٌ كبير، أتراني سأدخله يوماً...هل سيقبل "حميد" بذلك؟! لاأعتقد، هو بالكاد سمح لي بإكمال الثانوية، فما بالك بالجامعة ومصاريفها التي سيتحجج بها....همهُ الوحيد أن يحرمني من الأشياء التي أحبها..ترجلت "ندى" من السيارة وهي تلوّح لكلانا، لتنضم إلى هذا الصرح..- مع السلامة..
- مع السلامة. همست.عدتُ لأراقبها من خلال النافذة وهي تلتحق بمجموعة من الفتيات اللاتي يضممن كتبهن إلى صدورهن بشدة...
ليتني كنتُ معكم...لم نتحرك، نظرتُ إلى الأمام، التقت عيناي بعيناه في المرآة...هل قلتُ لكم أنها خضراء بلون الزبرجد؟!!كانت المرة الأولى منذُ البارحة، رفعتُ حاجباي بتعجب أما هو فظل ينظر لي بثبات:- ماذا تنتظر؟! سألتهُ ببرود.
- اركبي في المقعد الأمامي.فتحتُ فمي وأنا مصدومة:- لماذا؟!
- لا أريد أن يظن الناس أني أعمل سائقاً..- وبماذا سيضرك هذا الظن، أتحسب نفسك عنتر بن شداد أو قيس بن الملوح.. قلتها بسخرية.- أنتِ لا مذهب لكِ.
- وهل مذهبك يقول أن تجلس فتاة أجنبية بجوارك؟!- مذهبي لا يقول هذا، بل أنا أقولُ هذا...- إذن أنت لا مذهب لك أيضاً..
- متساويان أليس كذلك؟! قالها بقسوة.- الثرى لا يتساوى مع الثريا أبداً...قلتُ هذا وأنا أشير بإبهامي الأيسر إلى صدري...زمّ شفتيه، وعيناه تتقدان شرراً، دار بجذعه تجاهي، أما أنا فالتفتُّ إلى النافذة بسرعة، أخفي عيني الخائفتين...- اشكري جنسك، لو لم تكوني أنثى لحطمتك...
كانت يدي اليسرى ترتجف، لساني ينزلق بي في مواقف سخيفة حقاً..وضعتها في حجري كي لا يلاحظ ارتجافها...صاح بقوة أجفلتني وجعلت قلبي يهوي بعيداً، بعيداً إلى أدنى بقعة....- ترجلي هيا إلى الأمام، وإلا قسماً لن أتحرك من هنا...
ثم عاد إلى موضعه، أما أنا فبقيتُ صامتة...
أوقف محرك السيارة ورغم أن الجو حار إلا أنه لم يفتح نافذتي!!!!
مرت 10 دقائق ربما ونحنُ على هذا الحال...
أخيراً فتحتُ الباب بصعوبة واستسلام، كان بودي أن أصفقه بقوة لكن يدي اليسرى لم تكن بجودة الأولى...ركبتُ بجانبه، شغل محرك السيارة ولم ينبس ببنت شفه، لم يعلق ويسخر مني، لديه أخلاق عالية هذا الأخ!!!المسافة التي تفصل بيننا صغيرة جداً، لا تتعدى الشبران....لم أرتح في جلستي، هو أيضاً يبدو غير مرتاح، يداهُ اليمنى تتحرك كثيراً!!!نظرتُ إلى النافذة لألهي نفسي، لم يسألني حتى عن الطريق إلى منزلي...أتراهُ يعرفه؟! ربما وصفهُ خالي له...أجل ربما!!!!
أودُّ لو أفتح باب سرك
لأستطيع فهم سرّ شركفأنت لا تضرُّ من يسعى إلى
أذاك يا راعي الندى وضُركلكل من سقاك كل شهدهِ
في كأسه تصبُّ كل مرك (الرائع مانع سعيد العتيبة)
===========
لم تنم "شيماء" البارحة جيداً، تقلبت في فراشها وهي تتذكر ما قالته لها أمها:- دعينا نذهب إلى الطبيب لنتأكد.- لقد أجريت اختبار الحمل في المنزل والنتيجة كانت لا شيء.- لقد مرّ على زواجكم ثلاثة أشهر وهو وقتٌ كافٍ، ابنة عمك "ليلى" حملت منذُ الشهر الأول.امتقع وجه "شيماء" وهي تردد بصوتٍ متباكٍ:- لم يمضِ على زواجنا الكثير يا أمي، إنها 3 أشهر فقط...أحياناً يحدث الحمل بعد مرور سنة على الزواج.شهقت الأم وهي تضرب بيدها على صدرها:- أجننتِ يا "شيووم"، ستنتظرين سنة كاملة؟!! أتريدين أن يتزوج "ناصر" بأخرى!!- أنا لم أقل هذا، أنا قلتُ لازال الوقتُ مبكراً على الحمل و كل شئ بيد الله..مطت الأم شفتيها المجعدتين وهي تتمتم:- ونعم بالله، ولكن اعلمي أن ما يربط الرجل بالمرأة هو الولد، هو من يقوي شوكتها ويصونُ بيتها...
تنهدت "شيماء" بحرقة، سالت الدموعُ بحرارة على وجنتيها، شدت اللحاف وهي تبكي:- لم تريدين أن تفسدي فرحتي يا أمي....
===========
- هذا هو بيتكم.- أجل.أوقف مكابح سيارته.....شيء يشدني إلى مقعدي، يمنعني من التحرك، قدماي ثقيلتان كأنهما خُدرتا....- إلى متى سأنتظر؟!!لم أرد عليه، جررتُ نفسي وهو يتفحصني وكأنني وكأنني....
لا شيء!!!
يا لقلبك الأسود، حدجتهُ بنظرة وتركتُ سيارته دون أن أغلق بابها حتى...
فلينفجر في مكانه..لايهم..
دخلتُ المنزل دون أن أدق الجرس، لم يدخل معي، الحمد لله...
في الحقيقة خجلتُ أن يشاهد المكان الذي أعيشُ فيه..
البيتُ هادئ، لا توجد حركة إنسية في هذا المكان، التلفاز مغلق على غير العادة، أين ذهبوا؟!!
ولجت إلى المطبخ بخفة، كانت تمسك بالملعقة الكبيرة وتديرُ ما بالوعاء...رائحة الطهو لذيذة، مميزة، بيتية من الدرجة الأولى، تقفُ ساهمة، شاردة، يا تُرى فيمَ تفكر؟!!تنحنحتُ في بادئ الأمر كي لا تجفل:- احم، احم... السلامُ عليكم.التفتت نحوي وقد ألقت ما بيدها، مسحت يديها بثوبها بعجل، وهي تنظر لي بتلك النظرة التي تُثير الشفقة، أراهن بأنها ستسكب دموعاً جديدة الآن...لم يخب ظني، هرعت إلي تحتضنني، تمسك بيدي المجبرة وتبكي، تركتُ لها المجال لتعبر عن مشاعرها دون أن أتحرك أو أنبس ببنت شفه...
أخذت تتلمس قسمات وجهي غير مصدقةٍ وجودي، هالتني الهالات السوداء التي أحاطت بعينيها الغائرتين في أفول، لكني لم أعلق....
- كيف حالكِ يا ابنتي، هل أنتي مرتاحة هناك؟ هل يعاملونكِ جيداً، لقد اشتقتُ لكِ كثيراً، البيت لا طعم له من دونك..
"الآن، الآن يا أمي؟!"...- أنا بخير والحمد لله. قلتها بجمود، وأنا أنزع نفسي منها. ثم أردفت:- سآخذ بعض حاجياتي..سألتني بتلهف والحسرة ترتسم في عينيها الذاويتين:- أستذهبين؟ ألن تبقي هنا؟!!- وهل أصبتُ بالجنون لأفعل ذلك..تريدين منه أن يُجهز علي، لا ترتاحين إلا بعد أن يشبعني ضرباً، أليس كذلك؟!
شهقت وهي تضع يدها على فمي بسرعة مانعةً فمي من إطلاق سيل كلماتي الحاقدة:- سامحكِ الله يا ابنتي، أنا لا أتمنى لكِ إلا الخير، لكني..لكني ، لا حول لي ولا قوة.."لو حاولتِ ردعه يوماً لما استمرّ في تعذيبي"...
أبعدتُ يدها عن فمي، أدرتُ لها ظهري وأنا أقول بصوتٍ خافت:
- لقد تأخرت، سأجمع أغراضي.... وداعاً ياا أمــ......
دلفتُ دون أن أكمل، انتابتني غصة، أعلم أني قاسية في معاملتي لها، لكنها هي السبب، هي السبب في كل شئ....
هي السبب وكفى، ثم قلبي لم يعد به مجالاً لأن يحب، الحقد ملأه، أعماه وأدماه، صيرهُ شوكاً يجرح فقط، لأنهُ لم يعرف في حياته إلا الجرح...
انطلقت "غدير" إلى غرفتها والغصة تخنقها، تلسع صدرها، فتحت غرفتها، وتوقفت فجأة....لقد رتبتها، وضعت كل شئ في مكانه كالسابق...تنفست بعمق...ولكن هل سيبقى شئ كالسابق؟!!
جثت على الأرض، رفعت حافة سجادتها الحمراء وأخرجت مفتاحاً صغيراً، توجهت لخزانة ملابسها، فتحت درجها السري أولاً، مدت يدها لتتناول دفترها...ذاك الذي رافقها طوال سنين عمرها الثامنة عشر، في كل ورقة وكل سطر جزء من حياتها...جزء من سرها، جزءٌ منها، هي وهو سيان، إن فُتح هو اختفت هي!!ضمتهُ إلى صدرها بيدها اليسرى بقوة بأصابع مرتجفة، أغمضت عينيها والصور تتلاحق، تومض وتنطفئ كبروق سماوية...حين تولد النجوم وتموت....ويغيبُ القمر....لا يبقى إلا السراب، والحقيقة أين محلها؟!!إنها لا تعرف ولا تدري أفي يومٍ ما ستعرف!!!!
ضغطت بأظافرها على جلده الأسود لعلها توقف الاهتزاز الذي يعتريها كلما أمسكته..قلبها يغوص، يتماوج مع الرمال المتحركة، ها هو يوشك على أن يُدفن، نتوءٌ يطفو، يعلو وينخفض، تعبث به الرياح، تقلبهُ كيفما تشاء رغماً عنها....- ماذا تفعلين؟!قفزت من مكانها مذعورة، التفتت لصاحب الصوت المستنكر، الواقف بجانب الباب بغطرسة...ذكرت الرحمن في سرها لعلها تهدأ الإنقلاب في نبضاتها...قالت بعد دقيقتن، بعد أن تمالكت نفسها..- أنت، لقد أجفلتني، ألا تعرف أن تتحدث بصوتٍ هادئ كباقي البشر..
رمقها بإبتسامة هازئة بات لا يفتأ أن يصوبها تجاهها....- عذراً إن قطعتُ عليكِ أحلامك الوردية...نظرت إليه بشزر ثم قالت:- من سمح لك أن تدخل غرفتي؟!- أهذا كل ما تعرفينه من آداب الضيافة؟"ربما كان يقصد أنني لم أدعوه لدخول منزل عمته!!"...عادت لتخرج باقي حاجياتها من درجها دون أن تهتم لمغزى كلماته:- أريد فقط أن أرتب ملابسي، لو سمحت.- أمكِ تبكي.
- أعرف.- أقول لكِ تبكي، وتقولين أعرف!!
- ماذا تريد مني أن أفعل؟! قالت ببرود.تطلع إليها بإستنكار، لكنهُ ردّ بهدوء:- المرء لا يجد لديه بين الفين والأخرى أماً، انتبهي فلا يحس الإنسان بقيمة الشئ إلا بعد أن يفقده.
تركت ما بيدها فجأة لكأنها تفجأت ما قاله، في عينيه بريقٌ حزين سرعان ما أخفاه، وغلّف تعابيره بقناعٍ جامد:- إذا انتهيتِ من جمع ما يلزم، ناديني لأحمل الحقائب ولكن بسرعة، ليس لدي وقتٌ لأضيعهُ أكثر.
وانصرف تاركاً إياها في حالة فوضى...فوضى مشاعر...عادت لتضم دفترها إلى صدرها، أبحرت بها الخيالات بعيداً، بعيداً...تنهدت ثم أكملت جمع أغراضها...لم تأخذ معها الكثير، فقط ما يكفي لمدة شهرٍ واحد!!!
تناول منها حقيبتها الصغيرة، كان حينها واقفاً مع أمها، التفتت لها الأخيرة، وقد بانت الهالات أكثر سواداً والعينان أكثر ضيقاً....تهدج صوتها وهي تقترب منها لتصافحها:- انتبهي لنفسك..الصوت يختنق بحنجرتها، يجاهد ليلامس الهواء وينطلق...كعصفورٍ كسيرٍ هو، ها هو يبزغ بخفوت، بصوتٍ أقرب للهمس:- مع السلامة.كان ينظر لها، يشير إليها بشئ، لكنها لم تفهم...لكن الأم فهمت ما يعنيه، بادرت هي بعناقها، وغدير تشعر بالضياع، بالفوضى...لملمت نفسها بصعوبة...وفي الحياة دوماً....لقاء ووداع....ويخسر فقط من يفقد الأمل!!!!
- قلتُ لك يا "ناصر" لا تقف أمام هذه النافذة.ابتسم في وجهها وهو يهمس:- تخافين علي؟!تورد وجهها، لكنها سرعان ما قطبت جبينها بعبوس وهي تردف:- هذة النافذة خطيرة، انظر ليس بها قضبان، الحمد لله لا يوجد في هذا المنزل أطفال..- لكن قريباً سيفدون مثنى وثلاث ورباع...قالها وهو يفرد أصابعه للعد، ثم أردف متسائلاً بابتسامة:- أم نكتفي باثنين، أعتقد أن هذا الزمن تصعب فيه تربية أطفال كثيرون
- لكن لو كانوا يشبهونك فلا مانع أن يكونوا 10، حتى إن رأيتُ أحداً منهم في الشارع تذكرتك...أخذ ناصر يضحك بأريحية و "شيماء" تحاول أن تخفي امتقاع وجهها، وصوت أمها يتردد صداه في أذنيها:أتريدين أن يتزوج أخرى...لا يربط الرجل بالمرأة إلا الولد...إلا الولد...
هي تحبه، بل تعشق ذرات الهواء التي يتنسمها...صحيح أن زواجهم تم بطريقة تقليدية، ولكن من قال أن الحب قبل الزواج هو الأساس، بل كثيراً ما يولّد الزواج حباً أقوى وأسمى من الحب الذي يتفوه به أخونا روميو وأختنا جولييت!!!
نظرت إلى زوجها بكثير من الحب، وإن شابته حسرة وألم، صحيح أنهُ لا يذكر الأطفال إلا مازحاً، ولم يحادثها قط بالموضوع بجدية أو بشكل مباشر، لكن توقه للأطفال يلوح دوماً في عينيه حين يرى أحداً منهم، فيردد لها هامساً بود:
- سننجب طفلاً مثله، لا بل أحلى منه، أريده مثلك..
- وإن كانت طفلة؟!- سيكون هذا أروع، سأسميها شيماء2 ، واحدة في قلبي والأخرى في سويداءه...عضت على شفتيها بقسوة حتى كادت تدميها لعلها توقف هذه الانفعالات المحتدة بجنون داخل أعماقها...
"لماذا يا أمي، لماذا؟..."أخذت نفساً، ثم مست كتفه ليلتفت لها:- ناصر، فلنبتعد عن هذه النافذة...التفت لها بحنو، أمسك يديها حين فاجئتهم دمدمة "ندى"...
- أنا منحوسة، أعرف ذلك، مكتوب على جبيني "ندى" المنحوسة..أطلت عليهم بوجهها المنتفخ من الغيظ، ألقت الكتب التي بيدها وهما يرمقانها بتعجب.- ماذا بك؟! ماذا حدث؟ سألتها ندى.
- لم يجدوا غيري لأتدرب في شركته.- عمن تتكلمين؟- ما من أحد يتدرب معه إلا و أعاد فصل التدريب مرة أخرى..
- من هذا؟ سألها ناصر هذه المرة.تطلعت إليهما بنفاذ صبر، زمت يديها معاً عدة مرات ثم تركتهما وعلامات الاستفهام على وجهيهما وانصرفت...فتحت باب غرفتها بقوة، كانت "غدير" مستلقية على الفراش وبيدها دفترها تنظر إليه بشرود...
- أرأيتِ أين سيلقوني؟!التفتت إليها "غدير"، وقد علق بأهدابها شئٌ من الندى، مسحته بسرعة قبل أن ينتثر...- ماذا هناك، لم تصرخين؟! حاولت أن تسأل بصوتٍ طبيعي.خلعت "ندى" خمارها وهي تجلس على السرير الآخر.- سأتدرب..
- وماذا في ذلك؟
- سأتدرب في شركة ".......".رفعت غدير كتفيها وكأنها لم تفهم بعد.- كثير من صديقاتي تدربن هناك، من تحمّلن منهن للنهاية أعدن الفصل من جديد، أما الأغلبية فتركوا العمل هناك...- ولم كل هذا؟- من مديرها، يقولون أنهُ قاسٍ في عمله و مصابٌ بمسٍ في عقله..رفعت غدير حاجبيها بإستنكار، ثم ما لبثت أن ابتسمت:- مدير ومجنون ولديه شركة؟!! كيف هذا....
- هذا ما يقولونه..- لا عليكِ منهن، إنها إشاعات...
- أقولُ لكِ صديقاتي أكدن لي ذلك..- حتى وإن كان كذلك، اعتبريها مغامرة أن تتعاملي مع هذه الفئة...
- تضحكين علي..ووقفت وهي تكادُ تنفجر....- على العموم أنا سأرى الوضع هناك ليومِ واحد، وإن كان مثل ما قالوا سأنسحب من هذا الفصل..- لن تتخرجي إذن، اسمحي لي أنتِ المجنونة إن فعلتِ ذلك...
سكتت "ندى" وقد أعتلتها حيرة وخوف....
.
.
.القادم يزحف ببطء....في يديه زهرة وكومة حشائش....ونقطة في السماء تضيُ من بعيد...تمنح للسائلين أماني....فهل تتحقق؟!!
(5)
عيناك للبعيدِ تنظران
لذا فأنت لم ولن ترانيأنا القريبُ منك تلك محنتي
ومحنتي أساسها أمرانفأولاً أرى خطايا سيدي
وثانياً أمنحها غفراني(العتيبة)
واقفة هي وخمارها يتطاير، تواجه الريح وتحدق في ذلك القرص كعادتها، لعلها تنجح مرة واحدة وتطول فترة تحديقها!! ولم لا؟! سرت في جسدها رعدة بفعل نسيم الهواء، التفتت لندى التي كانت تقفز، ضحكت في سرها من منظرها، أحياناً تخالها فتاة خارج هذا الزمن....- انظري يا "غدير"، شهاب، شهاب...- هذا شهاب؟! خلتهُ دخان طائرة!! تساءلت بتعجب.- كلا، كلا أنا أعرفهُ، هيا تمني.. صاحت بإنفعال.- أتمنى ماذا؟!- تمني أي شئ، ولكن بسرعة قبل أن يختفي...
تطلعت حينها إلى ندى، كانت قد أغمضت عينيها و مسّت بأناملها شفتيها كأنها تهمهم بشئٍ ما..صدت "غدير" للشهاب، تتبّع خياله الذي يذوي بخفوت وتتلاشى ذراته كلما ابتعد..تتمنى أمنية؟!
أيُّ أمنية!! إنها لا تعرف أيها تختار، أن ترتاح من "حميد" أو تعود لمقاعد الدراسة من جديد، أو.....
الوقتُ ضيق والشهاب يأفل مودعاً، يمنحُ الناظرين أماني، منهم من لحق ومنهم لا بد أن يقطع تذكرة القطار الثانية، إنها مسألة وقت فقط...الوقت؟!!
عادت لتتطلع لصاحبتها، إنها تكاد تحزر ما تمنتهُ منذُ لحظات..أن ينقلوها إلى شركة أخرى، أو يقيلوا مديرها الذي لا تفتأ أن تذكر اسمه بكره...
تناهى إلى مسمعهما صوتٌ رجالي ينادي...- ندى، والدي يريدك أسفل...
استدارت هذه الأخيرة لأخيها، مطت شفتيها وهي تسأله:- لماذا؟!- اذهبي وانظري ما الأمر..هزت كتفيها بإستسلام، ثم خاطبت "غدير":- أستنزلين معي؟هزت هذه الأخيرة رأسها نفياً، وبقيت تتابع ذلك الخيط الأبيض الرفيع.....
أين سيصل؟!!
تقدم بمحاذاتها، قطع وجوده حالة السكينة التي كانت تعيشها منذُ لحظات...
ما تراه الآن يبدو هلامياً، سراباً!!!
نظر إلى حيثُ تتطلع، وقال بصوتٍ ساهم:- أتؤمنين مثلها بهذه الترهات؟!لم تجب فوراً، بقيت صامتة ثم قالت بهدوء:- أن تؤمن بشيءٍ ما ليس بترهات..- أنتن الفتياتِ هكذا دوماً رؤوسكن فارغة.- قد أقولُ الشئ نفسه عنكم..
التفت إليها فاشتبكت بتلك العينين الخضراوين، في عينيه بريق وفي عينيها تحدي أشم..بقيا هكذا لبضع دقائق، لكن سرعان ما أشاحت "غدير" وجهها بإرتباك وقد علا وجنتيها حمرةً خفيفة...
ابتسم مغيراً الموضوع:- كيف هي يدك الآن؟!تطلعت إلى ذراعها الذي فُكت جبيرتها منذُ يومين...- بخير..- غداً تكملين شهراً هنا..- وغداً أذهب هناك.. قالتها بهمس.- أخائفة أنتِ؟ سألها بحنان.هربت من عينيه وهي تطأطأ رأسها للأرض...خائفة؟!!!إنها تكادُ تموتُ رعباً، لياليها الأخيرة كانت كابوساً، صورته المخيفة سلبت عينيها الكرى، وبات الليلُ طويلاً طويلاً، و أينما قلبت رأسها على وسادتها الخالية ، لاح لها طيفه مهدداً...
يا رب لطفك، لطفك فقط....النسيم يهوي يرتع بحرية مع تقلبات الجو، ولم يتبقى من الشهاب شئ، ها هو نقطة صغيرة تجثو بهدوء، وتتماهى مع السحاب...
لم تشعر إلا بوقع أصابعٍ ثقيلة تمسكُ يدها، تطلعت إلى كفها المرتجف الذي احتواهُ بين كفه الكبير...بدت ذاهلة وهي تنقل بصرها بين يده و سحنته التي كانت هادئة...سكنت هي لبرهة وإن كان الذهول لازال عالقاً بمحياها الذي شحب فجأة....وما أن ضغط على يدها مهدئاً حتى انتبهت لنفسها، وعادت تنظر إلى يده...وكأنها فاقت من ذهولها، فنزعت يدها من يده بحدة وتراجعت إلى الوراء وهي تحدجهُ بنظرةٍ ما...
قالت بصوت بعيد، تعدى حنجرتها ومرّ خاطفاً على أوتار أحبالها الصوتية، ولكن هذا الخطف كان كافياً ليهزه، ليبعثره، ليجعل هذه الخيوط متشابكة فتتكوم بشكلِ عقدة....
أيمكن الفكاك منها؟!!
صدى الصوت يتردد، رغم بعده، رغم لحنه المتكسر، رغم تشابك أوتاره!!!
- تظنني سهلة، تستطيعُ خداعي..رفع حاجبيه متسائلاً ثم أجاب بجفاف:- عقلك يقفز بكِ إلى البعيد جداً..- كلكم متساوون، كلكم...
قاطعها وهو يجيبها بخشونة ساخرة:- عزيزتي لا تتوهمي بنفسك الشئ الكثير..نظرت إليه بحقد، وقد تداعت النظرة الخجولة التي كست عينيها منذُ قليل...- أتعلم، أنا أكرهك أكرهك، أكرهكم جميعاً..
تطلع إليها من رأسها إلى أخمص قدميها وكأنه يحدج ذبابة، ثم قال ببرود:
- أنتِ لا تستحقين الشفقة أبداً..- لم أطلب شفقتك.. صرخت بوجهه بغضب.- انتظري.. صاح وهو يقف أمامها معترضاً.- ابتعد عن وجهي. - خاطبيني باحترام، لا تنسي أنتِ ضيفة في بيتي. وأشار بأصبعه إلى الأرض مهدداً.- حسناً، سأترك لك بيتك، ليس غداً بل اليوم والآن..- أيُّ لسانٍ تملكين؟!- قلتُ لك ألف مرة، لا تحادثني...
- اسمعي، لم يولد بعد من يملي علي طريقة حديثي، وإن كنتُ متساهلاً معك في أشياء فهذا لأني لا أريد أن أضع عقلي بعقل طفلة لم تتعدى الثامنة عشر، معقدة وحمقاء....
- أتقيس العقل بالعمر؟! أنا لستُ بطفلة أتفهم...أنت لم تعش مثلي، لم ترى ما رأيتهُ أنا، أنا لستُ بطفلة لأني لم أعش الطفولة حتى...لست من تكسر ألعابك، لست أنت من يقول لك أخوك الصغير: أنت حشرة أنت لا شئ.. لست أنت من يضرب في اليوم عشرات المرات، لست أنت عندما حرقت ثــ....
وتوقفت عن الحديث فجأة وكأنها انتبهت لسيل كلماتها، وضعت أناملها المرتجفة على شفتيها، وعيناها تزدادُ اتساعاً، والرعب يغطي القسمات، يسري في حنايا الوجه كالتيار...الصور تتزاحم، تومض وتنطفئ، وذيل الشريط قد بدأ يتزحلق، يفلت من رباطه الذي ربط فيه يوماً ما بإحكام..اقترب منها وهو يسألها متلهفاً:- أنتِ ماذا؟! اكملي...هزت رأسها نفياً وهي تبتعد للوراء ببطء..- لا، لا، لم يحدث شئ، لم يحدث شئ، صح؟!!كررتها بذهول وهي تضم يديها لصدرها لعلها توقف خفقانها المجنون...
- غدير، ماذا بكِ؟! سألها بقلق.عادت لتهز رأسها من جديد وقد بدأت الدموع تطفو في عينيها السوداوين...- أريد أن أعود..أعود لغرفتي..أرجوك.
تأملها للحظات وهي تطأطأ رأسها محاولةً أن تخفي الندى...الريح، لازالت تعبث، تجولُ المكان بخفة، ولم يبقى من الشهاب إلا ذرة، حاملةً آخر الأماني...
ابتعد عن الباب الذي كان حاجباً إياه بقامته الطويلة...مرت بسرعة بجانبه، وأخذت تعدو من على السلم...راقبها إلى أن اختفى طيفها تماماً...
تنهد "عمر" وعاد يتصفح وجه السماء، كتف ذراعيه وبقى هكذا زمناً مفكراً....
ثم انصرف............الحزنُ لا يزالُ لي مُعلّماً
تسمعهُ أذناي إن تكلمتراهُ في سود الليالي أذني
إن ضحك الحبيبُ أو تألمالحزنُ أعطاني حبيبي أحرفي
وأحرفي كانت إليك سلم
(6)
حنت "ندى" جذعها، وإحدى يديها مرتكزة على طاولة العمل..- أين هذه الفردة اللعينة؟!
مالت أكثر وهي تتلمس الأرضية بيديها كلما أمكن، اصطادت يدها شيئاً، كانت إحداها...سمعت دقاً مزعجاً على طاولتها، فأخذت تتأفف بين انهماكها:- لو سمحتِ ....- لحظة، لحظة، لن أهرب من هنا، سأرى أين ذهبت فردتي أولاً!!
وفجأة أطلقت تنهيدة ارتياح طويلة وهي ترفع رأسها وعلى وجهها ابتسامة كبيرة، ويدها اليمنى حاملةً كعبها العالي بظفر..- أخيـــ ....و وأدت جملتها قبل أن تكتمل، غابت الابتسامة من على الشفتين، تطلعت إلى حذائها ذو الكعب العالي المرفوع وإلى الواقف أمامها عاقداً حاجبيه بإستهجان...
ألقت ما بيدها بخوف وهي تقف بسرعة، تلعثمت:- أ..أعتذر، لم أكن أعلم أنه..أنهُ أنت أستاذ.
وضع كفيه على طاولتها وهو يحدجها بغضب:- أهكذا تعاملون من يفد إليكم لحاجة؟!! تستصغرون خلق الله، وحين يأتي المدير ينقلب وجهكم ولسانكم وكأن على رؤوسكم الطير، أليس كذلك يا آنسة..
صمتت "ندى" وهي تسبُ نفسها ونعالها وذاك الواقف أمامها يزأر كوحش.
- ماذا بك؟! لم لا تردين، أتخالينني لا أعلم ما يدور في هذه الغرفة، أو بما تقولينه أنتِ وزميلاتك الموظفات عني..- أنا أنا..- أصمتي..
أطرقت "ندى" للأرض وهي تود لو أن الأرض تُشق فجأة وتبلعها، لا بد أنها "جميلة"، أجل و من غيرها تلك الجاسوسة الفتانة، انتظري علي و سأُريكِ؟!ضرب على طاولته فأجفلت وتبعثرت خواطرها المحمومة:- والآن خذي هذه الحسابات وراجعيها...وألقى الملف، تبعثرت بعض أوراقه على الطاولة، نظرت إليها بنقمة، وصوبت إليه نظرة تماثلها وفمها مقفل بشدة مانعةً إياه أن ينفتح وتنطلق كل أنواع الشتائم التي سمعتها في حياتها...
رفع حاجبيه وكأنهُ يقول بتحدٍ:- نعم؟!! ردي إن استطعتِ..
وتركها وبركان من الغضب يحتدُ بداخلها...جلست على كرسيها وهي تحاول أن ترتدي حذائها بلا شعور....
لكنها لم تجده، فعادت تبحث عنهُ من جديد!!!
جالسة هي في الصالة والتلفاز مفتوح، كانت ترى ولا ترى، تسمع ولا تسمع، وجهها شاحب وقد علتهُ صفرة...
ضمت الوسادة الصغيرة إلى حجرها، ثم قربتها إلى صدرها، ثم تركتها على الأريكة....
زفرت، وهي تضع يدها على جبينها، حرارة تشتعل بجسدها منذُ الأمس، وهمدان يلفها، يمنحها الخمول والتعب، كل شئ معطل إلا الخافقين، ينبض بجنون كطبول غجرية حارماً إياها من الراحة أو التنفس بحرية...
ساعة الصفر أقتربت، وحتفها بات قريباً ومؤكداً!!!
الانتظار متعب، مرهق للأعصاب، بل هو سفرٌ طويل هائم في تراتيل الزمن،،،
آلالامٌ قوية اجتاحت معدتها، قطعت أمعاءها، لا تدري كم مرة تقيأت هذا الصباح...
أغمضت عينيها بعجز فانحدرت دموعها سخية دون خجل، دون قيود، دون عيون متطفلة...
تركت لها العنان، لعلها ترتاح، تأخذ نفساً، فالساعات القادمة تبدو مخيفة، كئيبة...
آه، ما أصعب الانتظار!!!
ها هي تجلس هنا وكأنها على أهبة الاستعداد لتلاقيه، لتلاقي حتفها...
لا تريد أن تبدو أكثر ضعفاً، أكثر خوفاً، على الأقل ليس أمامهم، ليس أمامهُ هو خصوصاً!!!
وسمعت جرس الباب، لا بد أنهم قدموا، أمها اتصلت لخالها وقالوا سيأتون بعد قليل...
لم يحددوا الساعة بالضبط؟! يا له من بارع في تحطيم الأعصاب...
دق الجرس، وقريباً سيُفتح الباب وينخلع قلبها للأبد...
أحنت رأسها والدموع لا زالت تنزل بإستسلام، بضعف، جسدها لا تشعر به، فقط روحها التي تتعذّب، تتقلب بين شفا حفرة من الجحيم الأسود...
النبض بات خافتاً، ضعيفاً، والدماء في رأسها تضخ بقوة، بسرعة، تكادُ تسمعها، والعِرق، العِرق كأن أصابهُ مس، يضغط على بقاياها، يخنقها، يطوق رقبتها...لاح لها خالها وبجانبه "عمر"، لم تستطع أن تنظر لأياً منهما، دفنت وجهها في تلك الوسادة التي ألقتها منذُ قليل، وأجهشت بالبكاء بصوتٍ مرتفع...
شعرت بيدين على كتفيها، تربتان عليها، أتاها صوته مطمئناً أبوياً ذكرها بالغائب منذُ زمن، بيتمها الأول:
- لا تخافي يا ابنتي، ثقي برحمة الله...
لم ترفع رأسها لكنها قبضت على يده، ضغطت عليها بقوة دون أن تفلتها.- عمر، افتح الباب يا ابني..
اليدُ تزيد من ضغطها، والروحُ تفلت، تهيم على وجهها، تكادُ تلفظ آخر أنفاسها...
لطفك يا ربُّ لطفك...
الريحُ تحمل السلام والتحايا، والهودج، هودج الموت يفتح ذراعيه لها، يدعوها لتستقله وتلحق بالركاب...
ندّت من فمها صرخة ملتاعة بترتها فوراً...
اليد الآن ترتجف، خفت من قبضتها، ترى أين وصلت الروح الآن؟!!
هبت إليها والدتها تعانقها، لكنها لا تقبل، لا زالت تعانق وسادتها، ترفض أن تراه...
الصمت خيم حول المكان ما خلا الشجن الذي ينبعث من ذلك الرأس...
- أكلُّ هذا البكاء شوقاً لوالدتك؟! ما كان عليكِ إذن أن تفاريقها منذُ البداية.. ردد "حميد" ساخراً.
حدجه "عمر" بنظرة غاضبة، لكن ذلك لم يمنعه من يبتسم ابتسامتهُ الصفراء القبيحة:- هيا لا بد أن نذهب الآن، فلنترك هذه المشاعر الجياشة بعد العودة للمنزل.- انتظر "غدير" لن تذهب إلى أي مكان. - ماذا تعني؟!- أعني أنها ستبقى هنا..- هه، وبأي حقٍ تبقيها هنا؟!- هذا بيتُ خالها..- وذاك منزل والدتها.. ألا تخافون ربكم، تريدون أن تحرموا هذه اليتيمة من أمها..لا حول ولا قوة إلا بالله...- وهي ترفض الذهاب إليه ما دمت أيها الحقير موجوداً هناك..عادت أوداجه لتنتفخ من جديد، وقد انمحى القناع المتزلف الذي كان يرتديه:- مالحقيرُ إلا أنت..
تقدم منهُ "عمر" لكن الأب أوقفه:- عمر، توقف، لا تنسى أنهُ ضيفٌ في بيتي، وزوج عمتك أولاً وأخيراً.
ثم التفت إلى هذا الأخير وهو يخاطبه:- لكن هذا لا يمنع أن ما يقولهُ ابني هو الذي سيحدث بالفعل...- يبدو أنك جننت أنت وابنك..- احترم نفسك أيها الدنيء.- اسمع، بل اسمعا كلاكما، ستأتي رغماً عنها وعن أنفيكما، وإن لم تدَعوها تأتي بهدوء معنا، فسنضطر أن نأخذها بالقوة، وتحملوا أنتم الشرطة والفضائح..
- بل اسمعني أنت، غدير لن تخرج من هنا، وافعل ما تريد، وبابُ بيتنا مفتوحٌ دوماً للشرطة وغيرها، لذا تهديدك هذا أكتبهُ في ورقة وألقه في ماء البحر...هيا تفضل، أخرج من هنا.
والتفت لأخته:- اعذريني يا أختي، أنتِ محشومة عن كل ما يحدث..سكتت الأم ولم تحر جواباً، وبقيت تتطلع لابنتها التي لا تفتأ أن تشهق بين الفينة والأخرى دون أن تفلت زمام وسادتها..
- هيا، هيا فلنخرج من هنا، بأس العائلة التي ناسبتها، ولكنكم لن تفرحوا كثيراً، بيننا وبينكم المحاكم، وسنرى كلام من الذي سيُلقى في البحر..
و دفع زوجته وهو يسب ويلعن، التقت بهم "ندى" في الطريق....ابتسمت لعمتها:- عمتي هنا؟! مرحباً كيف...- لا بارك اللهُ فيك ولا في والدك ولا في عمتك..سيري بسرعة أنتِ الأخرى، هيا...
تطلعت "ندى" إليه دهشة وقد عقد لسانها، وما أن ولجت بالداخل ورأت "غدير" بهذه الحالة، حتى هرولت إليها مسرعة وهي تتساءل:
- ماذا حدث؟! بالله عليكم أخبروني..التفت الأب لابنه دون أن يجيبها:- عمر، تعال معي المكتب..
وانطلق الرجلان معاً...- غدير....
أحاطتها بذراعيها، كان جسدها يرتجف، يدها متشنجتان، كلما حاولت أن تبعدها عن الوسادة المتشبثة بها، كانت تلهث والأصابع تنثني وتعود لتقبض عليها من جديد...
أخذت "ندى" تقرأ عليها ما تيسر من آية "الكرسي" والمعوذتين، حتى هدأت أنفاسها المتقطعة شيئاً فشيئاً....تراخت اليدين...- هيا، ارفعي رأسك..
الجسد يرتفع، ينوء بحمله، بدت عيناها صغيرتان حمراوان، أمسكتها "ندى" لتستند على الأريكة، لكن صوت الأب المنادي قطع عليها ذلك.- غدير يا ابنتي، تعالي هنا ، أريدك قليلاً..- أتستطيعين النهوض؟ سألتها ندى.
هزت "غدير" رأسها بإيجاب وهي تنهض بتعب، ساعدتها "ندى"، لكنها عادت لتأخذ الوسادة من جديد...
لا تدري، حسستها بالأمان!!!
- ادخلي يا ابنتي..دخلت "غدير" تسبقها "ندى".- أنا قلتُ غدير فقط وليس أنتِ.ابتسمت "ندى" ببلاهة لأبيها وهي ترد:- ربما تحتاجون لشيء.
صدّ الأب لغدير، كانت مطأطأةً رأسها وهي تمسح عينيها اللتان لا تتوقفان عن الذرف.
- ارفعي رأسكِ يا ابنتي، ما دمتِ معنا فأنتِ بأمان...
رفعت رأسها ببطء فاشتبكت بتلك العينين الخضراوين...
كان مكتفاً ذراعيه وقد استند على طاولة المكتب....
لكنهُ سرعان ما أشاح بوجهه لكأنهُ يتهرب من نظراتها!!!!
نقل الأب بصره بين الاثنين، تقدم منها فالتفتت إليه:- اسمعي يا ابنتي بعد الذي حدث اليوم لا بد أن نجد حلاً.
ردت عليه بتقطع وشهقاتها تخنقها:- كيف؟! سيأخذني معه، لن يقبل بأن أبقى هنا.- بل سيقبل رغماً عنه إذا نفذتِ ما قلته أو بالأحرى نفذتما ما سأقوله الآن..
تطلعت لخالها بخوف وقد بدا الشك يدبُّ في أعماقها خصوصاً بعد نظرات ذاك الواقف ليس ببعيد.أخذ نفساً طويلاً ثم أردف بهدوء:- تتزوجان أنتِ وعمر، وبالتالي تخرجين من وصاية الكل إلا زوجك.
الأصابع لا ترحم الوسادة القطنية، والمفاجأة أكبر من أن تُحتمل، أمسكت بتلابيب صاحبتها لعلها توقف رجفتها، تمنع نفسها من أن تهوي، من السقوط!!!
الضخ، الضخ يعود بقوة وهناك في الحنجرة، حشرجة، الصوت يودُ لو يغادر الجسد...هزت رأسها نفياً وهي تردد بصوت مبحوح :
- لا لا... لا لا أريد أن أتزوج...سأعود... سأعود إلى هناك من جديد.
تطلع لها بدهشة متسائلاً:- لماذا يا ابنتي، في زواجك نجاتك!!- لا أريد لأن.. لأن...واشتبكت بتلك العينين من جديد، فيهما قسوة وغضبٌ مفاجئ انعكس على لونهما فبات أخضراً قاتماً...
أخذت تتطلعُ إلى الأرضِ بحيرة، ماذا تقول بالضبط!!!
- لأن ماذا؟! سألها الخال بلين.
عادت لتنظر إليه، عيناهُ معلقتان على شفتيها تنتظران الإجابة...
ارتبكت أكثر، قربت الوسادة من صدرها كأنها في حالة دفاع عن النفس:- لأن لأن كلانا من مذهب مختلف...- وماذا في ذلك؟! سألها "عمر" بتصلب.
- أجل يا ابنتي، ماذا في ذلك، كلنا أولاد آدم وحواء، أبناء دين واحد..
- أأأ.. تعرف.. تعرف أنت يا خالي، نحنُ.. أنا، لدينا طواف النساء، أما أنتم فلا، فإذا لم يطف الزوج أكون..أقصد تكون محرمةً عليه..
أخذت شهيقاً طويلاً متقطعاً، ثم أردفت دون أن تنظر لأحدهم:- ثم الزواج ليس... ليس شيئاً بين اثنين فقط، سيكون هناك أطـ..أطفال، والأطفال دائماً يتبعون مذهب الأب عادةً، مثلما أنا تبعتُ مذهب والدي، وتبع أخي "مجيد" مذهب والده..
تطلع إليها "عمر" بدهشة وعلى وجهه علامات الاستفهام:
- والداك كانا أيضاً من مذهبين مختلفين، أفهميني إذن كيف تزوجا بالرغم من ذلك وأنجباكِ. وأكمل:- أما بالنسبة لمذهب الأطفال فأعتقد أن هذا الأمر سابق لأوانه..
صمتت دون أن تحر جواباً، وعادت أصابعها لتتشنج من جديد، تطلعت إلى "ندى" بحيرة كأنها تستعطفها، أن تفهمها، أن تساعدها وتقول شئ أي شئ، ولكن أنّى لها أن تفهم هي الأخرى..
لكنها لا بد أن ترفض أليس كذلك، لا بد لها أن تصمد وألا تضعف، لابد!!!
- أنا لا أريد أن أتزوج، لا أريد...أرجوكم.و تركت وسادتها لتهوي كي لا تهوي!! وغطت وجهها وهي تجهش بالبكاء.
- قلتُ لك يا أبي مثلها لا يستحق، لا فائدة منها أبداً..ثم وجه خطابه لها:- ليكن في معلومك أنني لم أرغب بالزواج منك لشخصكِ أنتِ، ولكن احتراماً لطلب والدي، لخالك الذي لم أشأ أن أراه يستعطفني لأتزوج فتاةً حمقاء مثلك.
- عمر!!!تنهد "عمر" وهو يستعيذ من الشيطان الرجيم.
- أنا لدي فكرة.
نظر الجميع إلى "ندى" التي ارتبكت من تسلط العيون عليها وقالت بخفة لتلطف الجو:- يتزوج عمر وغدير على الورق كما في الأفلام..كل ما يهمنا هو ورقة الإثبات الذي سنواجه بها زوج أمها..أليس كذلك؟!!
صمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، حتى "غدير" أوقفت بكاءها.- فكرة لا بأس بها.. ردد الأب مفكراً وإن شابه ضيق.لكزت ندى صاحبتها وهي تخاطبها:- اقبلي، إنهُ على الورق فقط...
على الورق!!!كان ينظر لها تلك اللحظة، في عينيه حديثٌ طويل، فيه عتاب، برود، ظلمة!!!
عيناهُ تقولان الكثير، لكنهُ لم يتح لها الفرصة لأن تقرأ أكثر!!!
غلف وجهه بتعبيرٍ جامد، ولم يبدِ حماسه أو رفضه للموضوع، بل همهم موافقاً وكأن الأمر لا يعنيه...وافقت هي الأخرى...وهل لديها خيارٌ آخر!!! وشئ أفضل من لا شئ....
على الورق!!!!
لا تدري لم قلبها منقبضٌ هكذا...ربما وجهه الذي قسى فجأة...ربما عيناه!!!أجل..أجل عيناه هي السبب...
- أجهزا بسرعة كي نذهب للمحكمة بعد قليل، لا بد أن نغتنم كل دقيقة متاحة لنا قبل أن يتحرك ذلك المعتوه...ثم أردف الأب:- سأتصل بناصر ليكون شاهداً على العقد، والآن سأترككما لتتفاهمان..ندى تعالي معي.- لكن يا أبي... قالتها بإستعطاف.- هيا..
خلا المكان إلا منهما وبدا الصمتُ السيد الآمر في هذا الجو المشحون بالتوتر....
أحست بنظراته مصوبة عليها، أرادت أن تلحق بخالها و "ندى" وتهرب من أمامه...لا تدري ما الذي تشعر به الآن..ليتني لم ألقي الوسادة!! رددت في نفسها.
- هل أنتِ سعيدة الآن؟! أتاها صوته ساخراً بارداً.- ...................- هيا، أطلقي رصاصاتك، أبي ليس هنا..أخلعي رداء البراءة وقولي ما بجعبتك...- ...............- ما بك، لم لا تتكلمين؟! ألا تريدين أن تضيفي شيئاً آخر غير المذهب والأطفال أم أن جميع حججك قد نفذت!!!- ..................تحرك من مكانه فرفعت رأسها بخوف، مرّ بجانبها وما أن وصل للباب حتى قال شيئاً جعلها تلتفت إليه وهي تشهق!!!!!!
- أتعتقد أن زواجهما سينجح؟!غمغم "ناصر" بعبوس وهو مندمجٌ في القراءة:- اممم، ما فهمته من والدي أنهُ زواج صوري ليس إلا.- أعلم ذلك، ولكن الابتسامة لم تفارق وجه أخيك طيلة اليوم...
ابتسم "ناصر" وهو يذكر شكل أخيه الأكبر، ووجه "غدير" المرعوب التي ما فتأت أن أوقفت الإجراءات عدة مرات لولا إلحاح والده و"ندى".
- لا أدري، الله وحده يعلم ما إذا كان هذا الزواج سيستمر أم لا...- ونعم بالله.
وعاد ليكمل قراءته، أما هي فأخذت تتطلع لخيطِ نشز من فستانها، محاولةً قطعه..
لكنهُ كان أملساً والخيط قصير أصعب من أن يُقطع هكذا!!!ارتجفت أناماها لخاطرٍ مر عليها، خاطراً بات هاجساً بالنسبةِ لها..
تركت الخيط كما هو ونادت زوجها بصوتٍ هامس:- ناصر...
- نعم..تشجعت من ابتسامته الهادئة، اقتربت منه بإرتباك دون أن تنظر إليه مباشرةً:- ما رأيك، أن..أن نذهب للمستشفى. ترك ناصر الكتاب الذي بيده وهو يتطلع لها بتعجب:- لماذا؟- لـ..لإجراء فحص.
الدهشة تتسع في عينيه، لكنهُ سرعان ما فهمها، هو قد بدأ يلاحظ تلميحاتها لهذا الموضوع في الآونة الأخيرة.- لا داعي لذلك..لازلنا في البداية.- أعلم..لكن "ليلى" ابنة عـ...- أعرف، قلتها لي من قبل، ولكن ما شأننا والآخرين، هذا الأمر بيد الله، وخوفك هذا لا مبرر له، حتى الطبيب سيقول لكِ ذلك.
نكست رأسها بأسى وانكسار.... تنهد من مرآها...اقترب منها وهو يخاطبها بحنان:- لا تبتأسي يا عزيزتي، اسمعي سننتظر شهراً آخر، إذا لم يحدث شئ، سنراجع الطبيب، هل ارتحتي الآن؟!
رفعت رأسها وقد تهلل وجهها وبان الفرحُ في عينيها، تطلعت إليه بحبٍ كبير، حبٍ جارف....
يا رب احفظ لهم سعادتهم!!!
الخروج الآن لوحدها بات خطيراً، في المرة المقبلة ستأخذ معها "ندى" أينما أرادت شيئاً، فالدنيا الآن لا أمان لها، لا أمان لها إطلاقاً!!!!
- لماذا تنظر إليّ هكذا..- وكيف أنظر إليكِ؟!- لاأدري..لكن..المهم نظراتك لا تعجبني.- سأنظر كما يحلو لي، أتفهمين.
قالها بهدوء وهو يقترب منها شيئاً فشيئاً. تراجعت هي إلى الوراء بخوف حاولت أن تخفيه.أجابت بحزم:- لا أريد أن أفهم، وإذا كررتها سأضطر لأن أخبر خالي.
تطلع لها برهة بإستغراب ثم ضحك بقوة، سألها بإستهزاء:- ستخبرينه بماذا؟! أن زوجك ينظر إليكِ!!!!!- أنت لست زوجي...ألا تفهم. صاحت بحدة.
قبض على يدها وقد تلاشت تباشير الضحك من وجهه:- بل زوجك رغماً عنكِ والورقة تؤكد ذلك.
حاولت أن تنزع تلك الأصابع القابضة على ذراعها ولكن دون جدوى.
صاحت بتقطع وقد خُطفت أنفاسها:- قلتها بنفسك "على الورق" الورقة فقط من تجمع بيننا، لا شئ أكثر.
قرب وجهه من وجهها، حتى كادت أن ترى انعكاس صورتها في عينيه، رد بهدوء، بصوتٍ واطئ:- هذا ما تتمنينه أنتِ أليس كذلك؟! لكن الوضع لن يبقى هكذا للأبد.
أنفاسه تحرق خديها، الاحمرار يتصاعد ليعمّ رقبتها، رمشت عينيها مراراً وتكراراً لعلّ الصورة تتضح، وبعد جهد أطلق سراحها فجأة..
ترنحت إلى الخلف وصدرها يعلو ويهبط من حدة الانفعالات التي اجتاحتها تلك اللحظة.
سألته بتقطع وهي تحاول أن تمسك بجمام نفسها:- ماذا..ماذا تقصد؟!!لم يجب واكتفى بالنظر إليها من جديد ولكن ببرود.صاحت في وجهه:- طلقني، أتسمع، طلقني.
قهقهته الجافة ترتفع، تتصاعد ولا تلبث أن تهوي، لكن أين؟!!
في أعماقها هي..هي وحدها...نطق متشدقاً:- وهل تزوجتك يا صغيرتي حتى أطلقك...
وقفت مشدوهة من عبارته للحظات، وكأن الزمن تجمد، كل شئ توقف، إلا صداه.وحين فاقت من بهتانها، واستيقظت من خيالاتها، أخذت تنادي عليه...
لكنه كان قد سار عنها إلى غرفته، خياله تلاشى بين الأزقة، ضربت الأرض بقدميها لعلّ الدق يخفف دقات قلبها المرتاعة.....
القادم يبدو مخيفاً، غامضاً، مليئاً بالشوك، وقد بدأت أزهار الياسمين تبزغ من بين الحشائش!!!!!
ماذا لدينا غير الاستسلام
وغير عزف نغمةِ السلامالحربُ طالت بيننا حبيبتي
وآن أن أنام أو تناميعودي إلى طفولةٍ مُحتاجةٍ
للنوم في الهدوء والظلام
(7)
استندت على الباب مغمضةً عينيها بقوة، الأصوات ترتفع وتعلو، وصوت صراخه يصمُّ الآذان....
عادت لتتحسس إكرة الباب كالعمياء لتستوثق من أنهُ قد قُفل بإحكام..- كيف زوجتهما هكذا؟! هذا الزواج باطل..- أبطله أنت إذا استطعت...
الحروف لا تُسمع الآن بوضوح، همهمة غير مفهومة هي التي طغت حول المكان، حيثُ اجتمع الرجال وأشباه الرجال!!!
أخيراً هدئت الجلبة، ربما خرج، لكن لا، ها هو صوته القبيح يعود من جديد:- إن كنتُ قد قلتُ ذلك فمن خوفي أنا وأمها عليها ليس إلا، مسكينة لقد تركتها في البيت تبكي، ابنتها الوحيدة ولا تحضر عقد قرانها، لذا كان علي أن أتأكد...
ثم التفت إلى "عمر" وهو يبتسم له ابتسامته الصفراء اللزجة:- مباركٌ عليك يا "عمر" عرفت أن تختار، انتبه لها!!!!
أيها الحقير!!!
أرادت أن تصيغ السمع أكثر، أن تعرف ما رد عليه هذا الأخير، لكن صدى صوته لم يصل إليها بعد...
تنهدت وهي تسمعُ الأبواب تُصفق...
لقد انتهى كابوس!!
و بدأ كابوسٌ من نوعٍ آخر، أتراها تتخلصُ منه هو الآخر؟!!
ستحاول وبشتى الطرق، ولن تعدم أي وسيلة لذلك..
سمعت طرقاً خافتاً على الباب فاعتدلت في وقفتها، تساءلت:- من؟- هذا أنا.- ماذا تُريد؟!- أريد أن أحادثك قليلاً.- قل، أنا أسمعك.- افتحي الباب، ليس لائقاً أن أقف هكذا.- ندى ليست هنا، و لن أفتح، أسمعت، لذا قل وخلصني.
صرّ على أسنانه، وهو يردّ عليها بصوتٍ كظيم:- افتحي الباب وإلا كسرته على رأسك الفارغ.- ما الفارغ إلا أنت، وإن كنت تجرؤ اكسره، سيأتي خالي وسيكسر رأسك...
- أخفتيني أنتِ بخالك..أم نسيتي أنهُ أبي أيضاً، ثم يا "حبوبة" أبي خرج هو الآخر..صمتت وهي تسمع صوت تنفسه الغاضب، مرت ثواني قبل أن ترد بخوف:- أنت تكذب، خالي لن يتركني مع...مع مثلك!!صاح بإستنكارٍ أفزعها:- مثلي؟!!
ثم أردف بغضب:- حسابنا ليس الآن يا "غدير" سأجعلك تدفعين ثمن كل كلمة، كل عنادٍ عاندتيني إياه، كل شئ والأيامُ بيننا، أقسم بذلك.
ضربت الباب بقبضتها لعلها توقف الارتجاف الذي سرى في جسدها:- طلقني ... طلقني، لا أريدُ أي شئ يربطني بك، أتسمع..- هذا أبعدُ إليكِ من طيل السحاب...
وصفق هو الآخر باب غرفته المجاورة....
طلقني...أخذت ترددها بهمس، وهي تنزلق لتصل إلى الأرض، إلى أدنى بقعة....وضعت رأسها في حجرها و بكت بصمت....
ولكن من قال أن المصائب لا تأتي فُرادى؟!
غديـــــر..ماذا أقولُ لكِ؟!!
لا تعليق!!!
|