كاتب الموضوع :
شذى وردة
المنتدى :
القصص المكتمله
(13)
ومد هذه الكلمة بتفكير، فأخذت تتلفت حولها وما أن صدت للأمام حتى رأتهُ قادماً باتجاهها...
ابتسمت له بارتياح لكنها سرعان ما وأدت ابتسامتها...
كانت عيناهُ تشتعلان وقد بدا وجهه مظلم، منطفأ، ومسحة من الإجرام تلوحُ في حناياه وهو ينقل بصرهُ بينهما...
تراجعت إلى الخلف بفزع وهي تهزُّ رأسها نافيةً كي لا يفسر ما يراهُ خطأ...
ها هو يقترب بثبات، بقوة...
أخذ صدرها يعلو ويهبط وشفتاها ترتجفان، وأفلتت من فمها صرخة ذعر:
- كلاااااااااااااااااااااااااا
لكن الصرخة اختنقت قبل أن يتردد صداها!!!!
أحاط خصرها بذراعه وهو يشدها إليه بقوة، نظر إلى الواقف أمامه وهو يسأله بجمود:
- نعم!!
- لا...لا شئ يا أخي.
وابتعد الرجل وهو يغمغم معتذراً...
أما هي فبقيت جامدة في وقفتها تطالع الفراغ بعينين لا تريان وذراعه لا تزال تطوقها...
صرّ على أسنانه، وبصوتٍ كظيم همس:
- سيري أمامي فوراً وبهدوء.
وأفلتها بإزدراء دون أن تنبس ببنت شفه، دون أن تتحرك، بصرها ينظر للبعيد، إلى الأمام، إلى لا شئ!!!
وانتبهت لأصابع يدها التي أخذت ترتجف دون توقف....
روحها معلقة بين جنبيها، فوق فوهة زجاجة مهشمة، وقدماها ثقيلتان لا تتزحزان ولا تستجيبان لنداءه المتكرر لها....
أخذت تطالعه وتطالع يديها لكأنه تستفهمه وتستفهمهما معاً عمّا حدث!!!
تُرى ماذا حدث؟!
عاد ليدمدم وهو يسحبها من ذراعها بفظاظة....
هوى قلبها، ماج تحت الأقدام الثقيلة وانزوى هناك في زاوية مظلمة، غير مرئية...
لازالت عاجزة عن الحراك لوحدها، عن النطق، فقط زخات الدماء التي تنبض في عروقها بقوة، بسرعة شلت باقي الحواس...
ووجدت نفسها داخل السيارة دون أن تشعر، ها هي تسمع هدير محركها ينطلق....
الهدير يعلو، يطغى على الأسماع، والأشياء تتماهى أمام عينيها، تبدو صغيرة، صغيرة جداً، كتلك النقط المتوهجة التي نراها على قمم الموج قُبيل الغروب...
وأدار مقود السيارة حول "الدوار" فجأة فارتطم كتفها بالباب، أمسكته بيدها الأخرى وهي تغمض عينيها بتعب...
الدموع تنساب حارة، دفينة على الوجنتين، ها هي تصل لأسفل الذقن وتتجمع بتؤدة...
"ليت الطريق إلى المنزل بعيداً، بعيداً". رددت في نفسها.
الصمتُ قاتل، مخيف، ملئٌ بالرعود والمطر!!!
الكلام أفضل، أفضل بكثير، تحدث وقل شيئاً، أي شئ...
والتفتت إليه في نصفِ التفاتة ويدها تقبض على صدغها...
بدت عضلات وجهه مشدودة وفمه مزموم، وعيناه، إنها لا ترى عيناه!! بهما تستشفان حالته، بماذا يفكر الآن؟!!
عضت على نواجذها لتمنع صرخة ارتياع انطلقت من الداخل، إنها تخافه، تخافه أحياناً!!!
تشابكت أناملها معاً في عقدة، كتلك العقدة التي تعتمل بصدرها تلك اللحظة، أخذت تنظر بزيغ إلى النافذة والعقدة تكبر وتكبر لتصبح بحجم كرة الثلج....
لم تستطع الصبر أكثر، الصمت أصعب من أن يُحتمل، وقد بانت معالم شقتهما عن كثب..
نادتهُ بإرتجاف، بصوتٍ لا يكادُ يُسمع:
- عمر!!
- صه، أصمتي.
انخلع قلبها، إنه يأبى أن يعود ليستقر، لا يلبث أن يتردى، يهوي إلى الأعماق، حيثُ لا تدري!!
بكت بصوتٍ متقطع، بصوتٍ مسموع علّها تنفس عما بداخلها أو ربما لتستعطفهُ منذُ الآن!!!
ولكن لا حياة لمن تنادي، أليس كذلك؟!
توقف الهدير وتوقفت السيارة وتوقف خافقها هو الآخر!!!
أمسكت بمقبض الباب لكأنها تسميت في منعه من أن يُفتح، لكن يدها أوهن من أن تمنع أو تحتج...
نظرت بعجز إلى الباب المفتوح وإلى ذاك الواقف أمامها بعينيه الداكنتين!!
وسارت دون أن تنتبه لخطواتها، بدا الطريق وعراً أو ربما خالياً من الوجود أو ربما كانت هي بلا قدمين!!
وما أن ولج إلى الداخل حتى تجمدت هي عند الباب لكنهُ قبض على يدها رغم صياحها.
صرخ وهو يدنو من وجهها وهي تحاول الابتعاد:
- من هذا، تكلمي؟!
- لا أحد، لا أعرفه، لا أعرفه. ردت بجنون.
وأجهشت بالبكاء لكنهُ لم يرحمها ولم يرحم دموعها، هزها بعنف لتنظر إليه من جديد:
- بكاءك لن يجدي نفعاً معي لذا أتركي ألاعيبك بعيداً عني وخاطبيني جيداً وإلا حطمتك..
- يدي.. يدي تؤلمني. صاحت بألم.
- لم تري شيئاً بعد يا غدير!!
توسلته بصوتٍ ضعيف من بين شهقاتها:
- لا أعرفه أقسمُ لك، لقد سقط منديلي وناولني إياه.
نظر إليها بإستهزاء وعلى فمه ابتسامة قاسية:
- يا للشهامة، ولم أنتِ دون بقية النساء؟!
- لم يكن هناك أحدٌ غيري. ردت بإندفاع.
- وبالطبع لم تشاءا أن تضيعا هذه الفرصة الثمينة أيتها ال.....
- كلا، أرجوك لا تقلها، أنا لستُ هكذا، لستُ هكذا.
وأخذت تنتحبُ بين يديه بحرقة وهي تردد بصوتٍ مبحوح.
أتاها صوته بارداً، بعيداً، بلون الرماد...
- تريدين أن أصدقك بعد الذي رأيتهُ بأمّ عيني!!
- قلتُ لك لم أفعل شيئاً، هو من أتى و...
وصرخ في وجهها فخانتها قدماها:
- ماذا؟! كنتِ تريدنني أن أتأخر أكثر، أن أنتظركما حتى تنهيان أحاديثكم الحقيرة!!
- قلتُ لك لا أعرفه، صدقني.
وارتمت تحت قدميه وهي تمرغ وجهها ودموعها في يده بلا توقف...
ومرّ زمنٌ طويل سادهُ أنينها المتقطع، كساهُ بثوبه، بلونهـ بترابه، بزمهريره!!!
حدجها من علو وهو يخاطبها ببرود:
- تريدين أن أصدقكِ؟
- أجل، أجل. رددت بإستعطاف.
- إذن وافقي..
- أوافق على ماذا؟! سألتهُ بلهفة.
- لا أخالك ساذجة لهذه الدرجة!!
ورمقها بنظرة ما فأخذت تطالعه بإستفهام وقد نسيت ألمها...
بقيت تنظر إليه هكذا لبرهة حسبتها دهراً دون أن تتغير تعابير وجهه...
و لكن سرعان ما أن تغيرت تعابير وجهها هي بإمتقاع...
ابتعدت عنه لا إرادياً بفزع وهي تتمسك بظهر الأريكة:
- كلا، أنا، أنا...
وطأطأت رأسها للأرض ودموعها تتساقط بغزارة دون أن تحر جواباً.
- لقد صدق ظني إذن!!
رفعت بصرها إليه بإرتياع وأناملها على شفتيها المرتعشتين تمنعاها من الصراخ.
"ماذا!!"
- تحافظين على نفسك من أجله أليس كذلك؟!!
- .........................
واسودّ وجهه فجأة وهو يقول:
- أقسم وأنا لا أقسم إلا لماما أن ما تتمنينه لن يحصل، هي مجرد أيام يا "غدير" أيام فقطٌ بيننا..
شعرت بالدوار ينتابها، كانت على الهاوية، على شفا حفرة من الجحيم...
استندت بجذعها على الأريكة لعل الرعدة تتوقف وتتوقف أنفاسها التي انتفضت...
وبعد جهد استنفرت حواسها وهي تضغط على مخارح ألفاظها بصعوبة:
- ط..طلقني، هذا أفضل لي و...لك أرجوك!!
وعادت لتبكي بتقطع...
عقد حاجبيه فبانت عيناه أكثر حدة، أشدّ قسوة:
- أتخالينني سأطلقك أو شيئاً من هذا القبيل يوماً ما؟!
- ...............................
ضرب كفاً بكف وهو يعلق بجفاء:
- أنتِ واهمة يا عزيزتي، فهذا من آخر المستحيلات.
- ....................
- يبدو أنكِ لا تعين ما أقولهُ أبداً، حبكِ له أفقدكِ صوابك وحكمتك، تعالي واقتربي هنا لأسمعك!!
ترنحت في وقفتها وهي تهز رأسها بضعف...
- أنتِ لا تسهلين الأمر على نفسك!!! لا تضطرني إلى فعل شئٍ لا أريده. صرخ بتهديد.
- ع...ع-مر، عمر. نادته بألم.
- لا تنطقي اسمي على لسانك مرةً أخرى، أنتِ تثيرين اشمئزازي.
- ع..مـــر. وأخذت تشهق وهي تغطي وجهها بكفيها وقد جثت على الأرض.
وأراد أن يخطو للأمام ليقول شيئاً لكنهُ عاد ونكص وخرج من البيت بأكمله!!!
وغاب القمر تلك الليلة......
=========
دخلت "ندى" إلى المكتب وهي تسب وتشتم وتمسح جبينها المتصفد عرقاً، وما أن رأتها "أشجان" حتى هرعت إليها وهي تصيح:
- لماذا فعلتِ ذلك يا "ندى"؟!
- أف، ماذا فعلت!! ردت بنفاذ صبر وهي تلقي بنفسها على الكرسي وتغمض عينيها بقوة.
- المدير قلب المكتب على رأسي بحثاً عنكِ وقد اتصلتُ بكِ عدة مرات لكن دون جدوى.
- أوه نسيت أن أشحن البطارية. وضربت على جبينها بخفة وهي تردف بسرعة:
- ألديكِ شاحن الآن؟!
- أنتِ في مصيبة وتسألين عن الشاحن؟! سألتها بإستنكار.
- مصيبة!! أعوذُ بالله، ما هذا الفأل السئ، أنا لا أحب التشاؤم في....
ولم تكمل عبارتها إذ سرعان ما حولت بصرها إلى تلك الأصابع التي تدق على سطح الطاولة من الخلف بغطرسة.
رمشت عينيها ببراءة وهي تقول:
- السلام عليكم يا أستاذ..
- .............
- أنا ألقيت السلام فلي 69 حسنة، وإذا رددت أنت تحصل على حسنة واحدة فقط، ألا تريد حسنات!!!
قاطعها وهو يزمجر في وجهها بغضب:
- كيف تركتها لوحدها في الطريق؟!
ازدردت ريقها وقد جفلت من نبرة صوته:
- من تقصد؟!
- أقصد "جميلة" فلا تتغابي..
"أنا غبية!!! ماذا عن اختبار "وكسلر" الذي طبقته على نفسي ونتج أني ذكية، من منهما الصادق؟! بالطبع الاختبار، إنهُ يريد أن يشكك في ذكائي ليس إلا هذا الغبي!!"
واستجمعت شجاعتها وهي ترد عليه بإندفاع وقد لوت فمها:
- لقد كذبت علي، قلتُ لها منذُ البداية ادفعي ديناراً واحداً ثمن البنزين ووافقت، وحين أتممنا العمل أخرجت لي 500 فلس، تصور!! قالت لي إن هذا ما تملكه فقط تلك الكاذبة البخيلة...
- أتتركينها في الشارع وفي عز الظهيرة من أجل 500 فلس؟!!
شهقت بصوتٍ عالٍ وهي تقول:
- وهل تعتبرها قليلة!! من أين لي ثمن البنزين كل يوم؟! أنت لا تعطيني راتباً رغم كل ما أبذله من جهد ومشقة في العمل حتى أنكسر ظهري، ووالدي فقير، نحنُ فقراء، لا نملك مالاً كثيراً كالذي في محفظتك!! تريدني أن أسرق؟!!
تطلع إليها بصدمة ثم ما لبث أن أخرج محفظته من جيب بنطاله وهي تراقبه:
- خذي هذه الـ 500 فلس المتبقية.
صاحت بإستنكار:
- 500 فلس!! أريد ديناراً كاملاً، تخالني أخذتُ منها شيئاً، لقد ألقيتُ حفنة النقود التي أعطتني إياها من النافذة!!
وبان على وجهه عدم التصديق فردت بمراوغة:
- أ..أ سأعطيها إياها بعد أن تعود، فمهما كان النقود نعمة من عند الله.
وتناولت منه الورقة الحمراء لتدسها في حقيبتها وهي تدافع عن نفسها بإيمان:
- لا تخالني مادية، أنا أكره النقود، إنها تحرق يدي!!
وابتسمت ابتسامةً عريضة...
نظر إليها من رأسها لأخمص قدميها وكأنهُ يقيم بعوضة فشعرت بالمهانة وابتلعت ابتسامتها.
- أين هي الآن؟!
ردت عليه والحقد يشعُ من عينيها:
- إنها بجانب محطة البنزين في منطقة "........" تشم رائحة البترول!!!
لم تبالي بنظرة الاستهجان التي اتسمت على وجهه وأردفت وعيناها تضيقان:
- ماذا أفعل لها؟! هي قالت لي أنها تحبُّ رائحته، أنت لا تعرفها مثلي، إنها من ذلك النوع المدمن على هذه الروائح، أحياناً أراها تجلب صمغاً وتشمّه وهي جالسة تحت الطاولة، أنا أخافُ منها، خذها مني نصيحة: أطردها وارتح منها.
- حقاً!!! لقد قالت لي كلاماً آخر، قالت أنكِ هددتها إن لم تدفع ستلقينها إما في "الصخير" حيثُ لا أحد هناك أو ستلقين بها في المحطة المليئة بالعمال الهنود.
- أنا خفتُ على الجمال الموجودة في "الصخير" أن تموت عندما تركبها تلك السمينة ثم هي كاذبة فلا تسمع لها بل صدقني أنا. ردت بإنفعال.
- أنتِ لا جدوى منكِ إطلاقاً في أي شئ، هيا قومي معي لنجلبها.
- من؟! أنا!!
- أجل أنتِ.
ضربت على صدرها وهي تصيح:
- تريدني أن أذهب معك في السيارة لوحدنا؟!! لو علم والدي سيذبحني لا محالة، و "عمر" و "وليد" سيسلخان جلدي وسأصبح مشوهة...
وأخذت تتخيل شكلها بعد الذبح والسلخ فصرخت بلا شعور:
- كلا، كلا مستحيل، ليس أنا، ليس أنا.
وانتبهت لنفسها وهي تصرخ، وأخذت تتلفت حول المكان فرأت "أشجان" وهي تغطي وجهها بالملف المهتز بين يديها..
تطلعت بإرتباك إلى المدير الذي كان يحدجها بنظرة شك وارتياب، فابتسمت له ببلاهة وهي تعلل بصوتٍ منخفض:
- كنتُ أقصد من هذا الكلام أنني من عائلة محافظة ليس إلا..
- بإمكانك أن تلحقيني بسيارتك.
- سيارتي نفذ منها البنزين، كم مرة قلتُ لك ذلك.
وأطبقت فمها وهي ترى وجهه يظلم فجأة فأطرقت للأرض بإستكانة...
- سأنتظرك بالأسفل. ردّ بحسم.
مطت شفتيها لفترة طويلة ثم زمته وهي تتابع طيفه الذي اختفى بسرعة..
تنهدت وهي تخاطب "أشجان":
- يا له من رجلٍ مريع!! الناس الآن باتت لا تبالي بالأخلاق!!
- وهل ستذهبين معه فعلاً؟!
- سأذهب، أتحسبينني أخافُ منه!! ردت بلا مبالاة.
ثم أخرجت مرآتها الصغيرة من حقيبتها وبعد أن استوثقت من منظرها زفرت وهمت بالإنصراف لكنها توقفت بعد بضع خطوات:
- أشجان..
- نعم!!
- لديكِ رقم هاتفي؟!
- أجل.
- وتعرفين الطريق إلى منزلنا؟!
- أجل أعرف.
- أنا أرتدي الآن سلسلة فضية بإسمي في حال قُطعت جثتي.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم بدأ صوتها يتهدج:
- "أشجان" سلمي على أبي وأخوتي وقولي لهم أنني من حرقتُ القفص وهرّبتُ طيور الكناري!!!
وبكت الفتاتان وهما تتعانقان وقد اندمجتا في تلك اللحظة المأساوية.
وتركتها "ندى" بعد أن حملتها الأمانات الثقال!!! وحين نزلت وجدتهُ ينتظرها، فركبت في المقعد الخلفي.
أدار محرك سيارته مع أنغام "بحرين أف أم" فانتابها الذعر فصاحت:
- هيه أنت، أنا لا أسمع الأغاني الآن، لقد قاطعتها، من يسمعها لا يسمع ريح الجنة، لا أسمعها، لا أسمعهاااااااااااااااااا.
واستدار إلى الخلف وهو ينظر لها بإستنكار من هذا الزعيق المفاجئ..
وتمتم بشئٍ ما لم تسمعه وهو يوقف المسجل، فعادت لتستند على مقعدها وهي تتنهد بإرتياح، لكن السكون سرعان ما خيم حول المكان فاستفز حواسها، أخذت تتلفت في مكانها وهي تفتش عن جريدة، قصاصة ورق، أي شئ لكنها لم تجد أياً منهم، كانت السيارة نظيفة تماماً!!!
حنت بجذعها إلى الأمام وهي تصيح بالقرب من أذنيه:
- حر، حر،حرررررررر، أنا لا أستحمل الحر، شغل المكيف، الكريمات التي وضعتها على وجهي قد سالت.
وأوقف مكابح سيارته فجأة حتى كادا يصطدمان بالسيارة التي تسير أمامهم..
تراجعت إلى الوراء بسرعة وهي تسمع صوت سبابه وكلماتٍ لم تسمعها قط في حياتها من قبل...
أغلقت إحدى عينيها وهي تتلقى صراخه كالرشاش:
- أنتِ ماذا أيتها الحمقاء الغبية؟! لقد كدتُ أرتكبُ حادثاً بسببك، ألا تعرفين أن تتحدثي بهدوء!!
مدت فمها بإستياء وهي تتأفف بصوتٍ منخفض:
- ماذا كلامي لا يعجبكِ؟!
ردت بتذمر:
- بل يعجبني، كل شئ يعجبني، العمل يعجبني، سيارتك تعجبني، "جميلة" تعجبني، الطريق يعجبني، كل شئ!!!
وهزّ رأسه بإستنكار وهو ينظر إليها من مرآة سيارته...
فتحت حقيبتها وأخرجت لها "علكة" مضغتها بتأنٍ لعلها تهدأ، لكن العلكة تلكأت بين أسنانها وهي تتذكر حوادث اختطاف فتيات قرأتها في الجريدة عن أرباب العمل وبقي مصيرهن مجهولاً حتى اليوم...
اختلست النظر إليه من المرآة لتستوثق من منظره، أيبدو من هؤلاء؟!
وتخيلته بلحية كثة وشارب طويل ذكرها بمجرمي الأفلام الهندية التي تُدمن على مشاهدتها ليالي الخميس فارتاعت..
أخذت بلا شعور تدق زجاج النافذة بقوة بأصابعها وهي تصيح:
- افتح النافذة، لا يجوز، سيدخل لنا الشيطان.
وبهت الرجل في مكانه، واستدار لها دون أن يوقف محرك سيارته وقد بدا وجهه محتقناً...
رد بصوتٍ مصرور وقد طفح الكيل منه:
- أنا الآن من سيفتح النافذة ولكن لألقيكِ منها أيتها الشيطانة المجنونة!!
- أنت "شِيطان سنداباد" الذي أراد قتل "شاروخان".... لا... مستحيل...
وأخذت تصيح بإنفعال فأوقف سيارته في زاويةٍ ما وهو في حيرةٍ كبيرةٍ من أمره..
"عمن تتحدث هذه المجنونة!!"
- تريدين أن أوقف لكِ سيارة "أجرة" كي تطمئني ؟!
- كلا.
- تريدين أن تخرجي من السيارة؟
- كلا.
- تريدين أن أتصل بذويكِ؟!
- كلا.
- ماذا تريدين إذاً؟!
- سُق بسرعة كي نصل.
قالت ذلك وهي تمسح دموعها بطرف خمارها، فعاد ليقود والصدمة تعلو وجهه من تصرفاتها الغريبة، إنها ليست طبيعية البتة!!!
- هيه، أنت!! نادته بحدة.
وشعر بالخوف لأول مرة منذ أن ركبت معه.
- إذا وصلنا إلى هناك فلا أريدها أن تجلس بجانبي، دعها تجلس بجانبك أنت!!
وزمت فمها بتكبر وهي تعقد ذراعيها وتنظر للنافذة وكأن شيئاً لم يكن...
"غير معقول..غير معقول!!!!!" ردد في نفسه.
==========
|