كاتب الموضوع :
شذى وردة
المنتدى :
القصص المكتمله
(11)
أمالت بكرسيها إلى الجدار وهي مندمجة في قراءة الرواية التي بين يديها....
كانت "أشجان" تثرثر في أشياء كثيرة لكن أذنيها لم تكن لتعمل تلك اللحظة، فقط عيناها اللتان تكادان تلتهمان تلك الحروف الصغيرة المنحوتة على الورق الباهت....
ودخل بعد أن ألقى التحية حاملاً معه حقيبته السوداء:
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام. ردّ الجميع.
رفعت عينيها عن القصة لترد هي الأخرى بخفوت ثم عادت من جديد لتتبع السطر الذي توقفت عنده.
ومرّ خاطفاً أمامها لكنهُ سرعان ما عاد أدراجه ووقف أمام مكتبها يدقه بأصابعه.
الظل الواقف يمنعها من الإكمال والدق يحدث بلبلة في ذهنها، وضعت القصة في حجرها ونظرت له بتساؤل، فلا تدري أي تهمة سيلقي عليها اليوم!!!
- ماذا تقرأين؟!
- قصة. ردت ببراءة.
- أريني إياها.
ومدتها إليه وهل تستطيع أن ترفض؟!
وقبل أن تصل إلى أصابعه أرجعتها بسرعة إلى الخلف وهي تبتسم له بإرتباك وقد انتبهت لنفسها وللقصة!!!
- إنها لا تناسبك، أنصحك ألا تقرأها. ضحكت بغباء.
وأطبقت فمها بعد أن رأت تلك النظرة المجرمة على وجهه.
- هاتيها. قال بصوتٍ آمر.
فوضت أمرها لله وأعطتها إياه وسط نظرات "أشجان" الراثية لحالها..
وما أن وقعت عيناه على الغلاف حتى رفعها عالياً وهو يصيح:
- أهذا ما تقرأينه؟! قصص مراهقين!!
رمشت عينيها عدة مرات وهي تتمنى أن يخفض القصة كي لا يروا الصورة أو عنوانها..
"غرام وانتقام"!!!!
لمَ لم تختار عنوان آخر "محترم" بعض الشئ، لكن المشكلة أن كل روايات "عبير" هكذا، أليس كذلك!!!
"فضحتني يا رب تنفضح بين خلقه"...
- كم عمرك؟! صرخ في وجهها.
"ولم هذا السؤال المحرج؟!"..
- أ..أ.. ثمانية عشر عاماً.
وانطلقت ضحكة صغيرة من فم "أشجان" لكنها سرعان ما دفنتها بين الأوراق.
نظرت إليه من طرف عينيها...
آه، لم يصدقها هو الآخر!!
فتحت فمها لتعلل بتلعثم:
- أتصدق، كثيراً ما يخالونني في الإعدادية، انظر لوجهي أبدو صغيرة أليس كذلك؟!
قالت ذلك وهي تشير بيديها لوجهها وهي تكاد تخرج المرآة من حقيبيتها لتستوثق من نفسها وتُريه!!
تحركت عضلة صغيرة أسفل فمه وهو يصرُّ على أسنانه:
- سألتكِ سؤالاً محدداً فأجيبي عليه.
- عمري اثنان وعشرون عاماً. ردت وهي تلوي فمها بعبوس.
وقبل أن يفتح شفتيه قاطعتهُ مستدركة بسرعة:
- هذا بالتاريخ الانجليزي، لكن بالعربي لم أكمل بعد اثنان وعشرون، لازلتُ واحد وعشرون عاماً..
وعادت لتبتسم بزهو لأنها صغرت عاماً لكن ابتسامتها لم تكتمل، يكفي نظرة واحدة إلى وجهه لتجعلك تُصاب بالمغص.
أخذ يضرب بالقصة الذي ثناها على الطاولة بنفاذ صبر، قال:
- ألا تخجلين من نفسك في هذا السن وتقرأين هذه السخافات.
"لااااا هذا كثير، ماذا يخالني هذا الأحمق، ثم ما قصدك في هذا السن؟! تخالني بعمر جدتك؟!"..
- هذه حرية شخصية. ردت وقد وضعت كلتا يديها على خصرها بعصبية.
تطلع إليها من علو وقد ارتسمت على وجهه الدهشة من حركتها، لكنه سرعان ما صاح:
- حرية شخصية في بيتكِ هناك وليس هنا، هذا المكان للعمل وليس لقراءة القصص الفاسقة!!
- كنتُ أقرأها في وقت فراغي، لم يحن بعد وقت بدأ العمل. زمت فمها.
تطلع إلى ساعته ثم نظر لها بشزر:
- الساعة الآن التاسعة والربع يا آنسة.
- كانت التاسعة إلا عشراً، لكنك من ضيعت وقتي كنتُ سأُنهيها في العشر دقائق المتبقية.
- ضيعتُ وقتك؟! سألها بغضب.
وكأنها انتبهت لكلامها الذي تمادت فيه، فأسبلت رموشها بذل بسرعة محاولةً أن تُنزل أي شئ من عينيها، لكن يا لعناد عينيها!!
نكست رأسها وهي تقول بإستعطاف:
- أستاذ، البارحة..البارحة أخي تزوج ابنة عمتي، وكانت تنام معي في الغرفة والآن ذهبت، وأنا فتاة صغيرة تعرف ذلك والكل يشهدُ بهذا!!!
ثم أكملت وهي تزدرد ريقها وتلون من نبرة صوتها:
- و..و رومانسية والطبيب الذي أخذت منه العذر بذلك اليوم قال لي ليس جيداً أن أكبت مشاعري فأنا صغيرة، قلتُ لك ذلك من قبل أليس كذلك؟!
ورفعت رأسها قليلاً ليؤكد أو يفند سؤالها، لكنه كان يطالعها وعيناه مفتوحتان على أوسعهما...
عادت لترمش عينيها ببراءة وأردفت:
- وهذه القصص تفيدني، فمثلاً أبكي بعد قراءة القصة، تعرفني حساسة ورومانسية، وابنة عمتي تزوجت البارخة بأخي و....
- يكفييييييييييي.
وصرخ فجأة فأجفلت في مكانها وهي لا تعرفه سبب صراخه، وضعت أصبعها الأيسر في فمها وهي تطالعه بتعجب.
"يبدو أنه جنّ!!"
- لم أطلب منكِ أن تحكي لي قصة حياتك التافهة كقصتك.
وأردف وهو يلقي بالقصة في القمامة المجاورة لطاولتها بتهديد:
- هذا سيكون مكانها الحقيقي، وسأمر كل يوم لأتفقدها وإن تحركت شبراً واحداً سأُلقيكِ بدلاً منها، أتسمعين؟!
"ستلقيني أنا في القمامة؟! أنا "ندى" بنت "محمد" ألقى في القمامة؟! ماذا عنك يا "عنتر"؟! المحرقة تناسبك أليس كذلك؟!"
ودخل إلى مكتبه وهي تتابع طيفه وتتخيل أنها تخنقهُ بأصابعها، التفتت للفتاتين إحداهما تبتسم بتشمت والأخرى تبتسم أيضاً!!!
قالت وهي تحركُ كتفيها بلا مبالاة:
- كنتُ سأردُّ عليه لولا أنه ذهب، تعرفون..يخافُ مني!!
"الآن نحنُ في الصباح، لازال الوقتُ مبكراً على الأحلام!!"..
وجلست على كرسيها تطالع قصتها بحسرة!!
تُرى ماذا حدث بجاكلين الآن؟!!
===========
فتحت عينيها بإضطراب وهي تحاول أن تتجنب الضوء الشارد الذي انسلّ إلى هذا المكان عُنوةً من زجاج النافذة الكبيرة....
حركت أصابعها بتعثر لتصل إلى نحرها وتقبض عليها...
الإحساس بالضيق، بالإختناق يتصاعد، والوجود أسود رغم شعاع النهار!!!
كانت مستلقية على الأرض بفستانها الأبيض، مررت عينيها الذاويتين على حاشيته فعادت إليها ذكرى ليلة البارحة...
صدرها بدأ يرتفع ويهبط بسرعة وهي تجول ببصرها حول المكان، حول الفراغ، حول السكون المطبق وهي تطالع باب تلك الغرفة حيثُ يقبع ذاك الذي في يديه مصيرها...
وضعت كفها بوهن على جبينها، أزيزٌ قوي يطنّ برأسها، جسدها متهالك من شدة التعب، ومن كثرة البكاء..
لكنها لا بد أن تقوم، أن تُنهض نفسها قبل أن ينهض!!!
و عاد الإختناق ليغلفها من جديد، ليزيدها تقريحاً ويشلّ حواسها رعباً...
استندت بيديها بتثاقل على البلاط لكن قواها الخائرة لم تسعفها، ربما كان ذلك بسبب ثقل الفستان أو ثقل أثمها أو خيال يده الثقيلة التي تلوحُ لها كل حين!!
أفلتت يديها وهي تشعر بالعجز...
العجز!!!
شعور مقيت، مميت، يحطمك، يحيلك إلى هشيم، إلى لاشئ....
ولكن منذُ متى كنّا شيئاً حتى نتحول إلى لاشئ؟!
أسندت رأسها على الأريكة القريبة منها وهي تغمض عينيها بقوة، فهذا أقصى ما تستطيعُ فعله حتى الآن!!
وسمعت حركة خافتة، كان هذا صوت إكرة بابٍ يُفتح...
انتفضت في جلستها تلك فعادت لتنكمش وودت تلك اللحظة لو تختفي خلف الأريكة أو تتحول إلى جماد، إلى سراب، إلى ذرة غبار لا تكاد تبين!!!
آه، ليت المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غُلابا....
لاح لها طيفه بقامته الطويلة واقفاً عند الباب وبصره مصوب نحو البقعةِ التي افترشتها دثاراً على الأرض...
أخفضت رأسها، لا تريد أن ترى وجهه، ملامحه، عيناه!!!
نحنُ في البعيدِ أفضل، أفضل بكثير...
آه لكنهُ لا يرضى بالبُعد ولا بالسلام...
في أيِّ عالمٍ نحنُ نعيش وفي أي زمن؟!
أليس بزمن الموت والورود؟!
في الزمن الذي تعانق فيه الياسمينة أشواك "الورد المُحمدي"؟!
دنا منها شيئاً فشيئاً وهامتهُ عالية أما هي فلا تزال تطأطأ، لازالت تلامسُ الأرض والطين!!!
أيُّ مسافةٍ تلك التي تفصلُ بينهما الآن؟!
بحجم الثرى وطول الثريا!!!
نظر إليها من علو، بحدة وقدمه تدوسُ على تلابيب فستانها الأبيض...
الصوتُ ينطلق بارداً، ساخراً، مليئاً بالقسوة والإزدراء:
- ما بالُ العروس العاشقة نائمة هنا؟!
- .......................
- أنمتي جيداً أم أن خيالاتك حوله سرقت عينيكِ لذة النوم؟!
- .....................
- ما بك لا تنطقين، أكلُّ هذا خجلاً من حبك الفياض؟!!
ونزل بمحاذاتها فأخذت ترتجف وهي تدفن رأسها في الأريكة....
لكن صوته عاد أكثر بروداً، السم يجري في أوتاره، والسم ينفذ، يخترق الروح والقلب معاً، فما أقسى الكلمات، ما أقساها...
- هذه الدموع والنظرات المرعوبة ما عادت تؤثر في، لذا لا تمثلي المزيد.
- .................
- الآن فهمتُ لم كان زوج أمك يضربك، لا بد أنهُ عرف بإنحلالك الأخلاقي، ربما لهذا قال لي ذلك اليوم المشؤوم حين أخذتك: انتبه لها، وأنا الأحمق كنتُ في خبر كان..
- ..................
- ويبدو أنهُ فشل في ذلك، وقد حان دوري يا عزيزتي لأسيرك على الصراط، ألا توافقيني الرأي؟!
رفعت رأسها والألم يعتصر وجهها من كلماته، من قطرات السم!!
تطلع هو إلى سحنتها المبللة، إلى عينيها الذابلتين، وتوقف كثيراً عند فمها المتورم في نهاية زاويته اليسرى.
تجهم وجهه فجأة ثم قال بعد برهة بتوتر:
- اذهبي وغيري ملابسك..
عادت لتنكس رأسها فتهدل شعرها المبعثر على كتفيها...
مرت لحظة صمت ودون شعور مرر أصابعه في تلك الخصلات الطويلة ليزيحها عن وجهها، التفتت إليه بسرعة فانتبه لنفسه ويده!!!
سحب يده وهو يدير وجهه بعيداً عنها وقال بصوتٍ مصرور:
- اغربي عن وجهي فوراً..
وحاولت أن تنهض باضطراب لكن محاولاتها باءت بالفشل من جديد، إن استمرت على هذا الحال ستتحطم بلاشك...
وقف وعادت نظرة السخرية ترتسم في عينيه الخضراوين، مدّ يده إليها، أخذت تطالعه بتردد لكنها ما لبثت أن مدت يدها النحيلة لتستند عليه وأخيراً وقفت على قدميها..
وترك يدها بإمتهان وهو يخاطبها :
- حقيبتك في الغرفة الأخرى..
أسرعت الخطى إلى حيثُ أشار، استندت على الباب وهي تتنفس بعمق، أوصدته خلفها ثم تحركت للسرير....
كان بودها أن تستلقي، أن تغفو، لكنها عادت وفتحت تلك الحقيبة الكبيرة واستخرجت لها شيئاً لترتديه، لتتحرر من هذا الثقل...
غسلت وجهها بالماء وهي تربت بخفة على جلدها علّ لون الحياة يعود إليه من جديد....
وأخيراً أمسكت بدثارها وهي تقبض عليه بتعب، وقبل أن تضع رأسها على الوسادة وترتاح، سمعت طرقاً على الباب.
ردت بوهن:
- من؟!
- من تعتقدين؟! حبيب القلب!!
غطت رأسها بدثارها، لا تريد أن تسمع المزيد، كفاك...
- أعدي لي شيئاً أنا جائع.
- أنا متعبة، أريدُ أن أنام..
- صحيح؟! ألم يكفك نوم البارحة بأكمله!! سألها بإستهزاء.
وطفرت الدموع من عينيها بعجز، إنه يتقصد تعذيبها، إهانتها، جرحها...
لكنها من بدأت وعليها أن تُكمل...
انتشلت نفسها بصعوبة وهي تبعد دثارها وتهمهم بخفوت بأنها ستأتي...
وسمعت صوت شخصه يبتعد ففتحت الباب، لكنها لم تعرف أين تذهب...
أين هو المطبخ؟!
أطلت برأسها للصالة فلم تره فقررت أن تبحث عن المطبخ لوحدها...
وما أن استدارت على عقبيها حتى لقته أمامها!!!!
شهقت وهي تضع يدها على صدرها و تتراجع إلى الوراء من رؤيته المباغتة..
- ماذا؟! أخفتك؟! لم أكن أعلم بأني مخيفٌ لهذه الدرجة!! قالها بتأسف زائف.
ثم صمت وهو يتأملها ببطء من رأسها لأخمص قدميها، ناداها آمراً:
- تعالي إلى هنا...
لكنها بقيت مستندة على الجدار وهي تهزُّ رأسها ببطء، عيناهُ تبدوان غامضتان، مخيفتان أحياناً!!
وما أن شرع بالإقتراب حتى حاولت الهرب لغرفتها لكنهُ كان أسرع منها، أمسكها من زندها وهو يضغط عليه، صاح في وجهها بغضب:
- أنا لا أحب أن أكرر كلامي مرتين، حين أقول شيئاً تنفذينه مباشرةً أتفهمين؟!
هزت رأسها بجنون بالإيجاب لكنهُ زاد من ضغطه فصرخت من الألم:
- أريد أن أسمع الإجابة أم أن لسانك لا يعرف إلا أن ينطق الحقارة فقط.
- ح..حسناً، فقط..أترك..أترك يدي..
أردف بتساؤل وهو عاقدٌ حاجبيه:
- والآن ما هذا الذي ترتدينه؟!
تطلعت إلى نفسها بحيرة وشفتها ترتجف:
- مـ...ماذا؟!
- اللون الأزرق لا أحبه، وما لا أحبه أنا لا تحبينه أنتِ!!!
تطلعت إليه بشرود دون تصديق فهزها لتنتبه له وهو يردد:
- لم أسمعك، قولي لا أحبه.
- لكنني أحبه. صاحت بهمس مرتعش.
أطبق على عنقها وهو يقرب وجهها من وجه حتى كادت أن ترى صورتها المرتجفة في عينيه المشتعلتين، قال بتهديد، بموتٍ زاحف:
- أنتِ لا تريدين أن تستثيري شياطيني اللعينة هذه اللحظة أليس كذلك؟!
هزت رأسها بخوف وهي تردد:
- لا...لا أحبه، لا أحب هذا اللون.
وترك عنقها فهمّت بالدخول لغرفتها من جديد، صاح فتجمدت في مكانها:
- أين تذهبين؟!
تطلعت إليه إرتباك وهي تشير لنفسها:
- سأغير ملابسي...
- ليس الآن، اذهبي واصنعي لي "فطوراً" أولاً..
- أين المطبخ؟ سألته بوجل.
- هناك.
وما أن وصلت هناك حتى استندت على الباب وصدرها يعلو ويهبط بهلع..
لقد فقد صوابه هذا الرجل!!
أكان يقصد اللون فعلاً؟!
وانصرفت لتصنع الشاي وهي تسقط كل الأشياء من يديها من شدة التوتر...
فتشت في الثلاجة عن أطعمة جاهزة، أخرجت جبناً وشرعت في قلي البيض...
وضعت الإفطار في "صينية" متوسطة الحجم....
كان جالساً في الصالة واضعاً قدماً على أخرى فوق الطاولة، وبيده جهاز التحكم عن بعد، يقلب القنوات...
ودون أن يلتفت إليها قال:
- ضعيه على الطاولة.
لكنها لم تتحرك وبقيت تنظر له بتساؤل، وحين أطالت في وقفتها، رفع بصره إليها وهو يحدجها:
- ماذا؟! ألا تسمعين؟ أأصبتِ بالصمم أيضاً؟!
- كيف أضعها وأنت..أنت قدميك على الطاولة..
- أعتقد أن هذا الأمر لا يحتاج إلى ذكاء خارق، أبعدي قدمي..
و كادت "الصينية" أن تسقط من يديها، لولا أن تشبثت بها جيداً في اللحظة الأخيرة...
أن تُجرح، تُسب، تُضرب، أمرٌ أعتادتهُ من صغرها ولكن فليقف عند هذا الحد، فهي لا تسمح لأحد، أي أحد أن يمتهن كرامتها.
وعادت كبرياءها لتعود للصدارة وتدوسُ على الألم، على الخوف...
ردت بشموخ:
- أنا لستُ خادمتك..
وحنت جذعها لتضعه على الأرض لكنها توقفت في نصف حركتها بعد أن رأت ساقيه الطويلين أمامها، أرخت يديها وأكملت إلى أن وضعتها على الأرض بتصميم...
ودارت دون أن تلقي عليه نظرةً حتى...
وبقيا هكذا واقفان بلا حركة، بلا صوت....
الهواء يرفلُ بالغبار، بشرارٍ متطاير والصمت أبلغ من الكلمات أحياناً!!
أتاها صوته من الخلف بعد أن أخذ قسطاً من الزمن:
- أنتِ محقة أنتِ لستِ بخادمة...أنتِ لا شئ...
و غاب البريق الشامخ من عينيها، أنطفأ، وحل محله الإنكسار، بقايا الحطام...
كم من السهل أن تكسرنا الكلمات، تشطرنا شطراً، فيبقى الجرح نازفاً ويد الجراح عاجزة عن تضميده....
- خذي هذا الإفطار أو كليه فأنا لا أريده!!!
النجمة تأفل، تهوي إلى القاع، تتعفر في التراب وتفقد بريقها، ضياءها الأزلي...
تأملت "الصينية" بعينين لا تريان، فقدتا بريقهما هما الأخرتين، ها هما تغيمان الآن، سحقهما ذاك الأخير وذهب..
آه ما أقسى الكلمات....
عادت لتنحني من جديد، حملت "الصينية" ووضعتها على الطاولة ثم توجهت إلى غرفتها...
القلق يكتسحها، والتعب يحطم بقايا خلاياها...
ما تعيشه الآن هو كابوس، كابوس كريه، لكنها ستحاول أن تتخلص منه...
أجل ستفعل ذلك...
أخذت تمسح على جبينها وهي تضغط عليه بأصابعها بقوة:
أحقاً سأنجح!!
قولوا بلى، أرجوكم..
أرجوكم...
وألقت نفسها على الوسادة وهي تجهش بالبكاء بصمت...
==========
النهار لا يلبث أن ينطوي سريعاً...
كصفحةٍ من الجريد هو....
ويأتي الليل بغيومه، بنجومه، برعوده!!!
|