لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-03-07, 04:50 PM   المشاركة رقم: 51
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
امير المسابقات


البيانات
التسجيل: May 2006
العضوية: 5144
المشاركات: 301
الجنس أنثى
معدل التقييم: حسين السريعي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 32

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
حسين السريعي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شذى وردة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

لم تنم البارحة مطلقاً، كانت ممسكةً بالمفتاح تشهد المعركة القائمة في السماء!!


تلك التي ينتصر فيها نور الدُّجى على لُجج الظلام..


ها هو الصباح ينبلج و العينان مسهدتان، تتثاقلان كل حين لكأنهما تنوءان بوطأة الليل و تعاقب النهار!!!



كلاهما ثقيل، كلاهما يحمل في بزوغه شجن و في هباته ذكريات، ذكريات مبعثرة!!



استدارت ببطء لتلك الراقدة بسلام..


أتراها نائمة فعلاً؟!


أنهضت "غدير" نفسها و فتحت الباب بهدوء....


و جدت خالها جالساً لوحده على مائدة الإفطار الذي لم يُمس بعد...



كان شارداً هو الآخر...



يا تُرى فيمَ يفكر!!



أخذت نفساً عميقاً قبل أن تنطق و هي تصطنع الابتسام:



- صباح الخير يا خالي..



التفت إليها و نظرة حنونة ارتسمت في مقلتيه..


- صباح النور يا ابنتي، تعالي و اجلسي معي..



اقتربت منه وأصابعها لازالت منقبضة..


- كيف حالك؟!


سألها و هو يمعن النظر فيها..


- بخير. ردت بإقتضاب.


صمت كلاهما بعد ذلك ربما ليفكرا فيما يقولانه!!



و يبدو أنها لم تجد شيئاً إلا هذا!! سألته مجاملةً:



- أتريد أن أسكب لك شاي؟!



خاطبها بحماس:


- بشرط أن تشاركيني طعامي..


- لستُ جائعة يا خالي، لا أشتهي شيئاً..


و أطرقت للأرض..



تنهد بأسى فأردفت بحنان لتداوي جرحه:


- الآن سيستيقظون ويفدون جميعهم..



أجاب بإنكسارٍ أبوي:


- من "جميعهم"؟! "ناصر" هو من يستيقظ في الصباح فقط و ها قد خرج و كأنه لا يراني!!!




آه، ناصر خرج!!



من سيأخذني إلى هناك إذن!!




لا يمكنني أن أطلب من خالي، مستحيل!!




- كل من في هذا البيت تغير، انقلب حاله لا أدري كيف؟! زوجته "شيماء" بتُّ لا أراها مطلقاً و "ندى" لم تعد الفتاة المرحة التي عهدتها منذُ الصغر و أنتِ، أنتِ تحبسين نفسك في الغرفة و لا تخرجين إلا حين أناديكِ...



ردت و الألم يجتاحها من كل ناحية:


- ليس الأمر هكذا يا خالي، أنا...


- أنتِ ماذا؟! انظري لنفسك، أأنتِ غدير فعلاً!!


- ......................


- الحياة تستمر يا ابنتي ستهلكين نفسك بسببه!!



انتفضت في جلستها و كأن أفعى لدغتها، من يعني بحديثه هذا!!!



رفعت رأسها و أنفاسها تتهدج:



- ليس بسببه، لم يعد يعني لي شيئاً...



و بترت جملتها و هي تنظر لخالها الذي كان يهزُّ رأسه..



قالت بغصة:


- سأذهب إلى غرفتي..



و حثت الخطى إلى هناك و ما أن وصلت حتى أوصدت الباب خلفها بقوة علّ صداه يحجب انفعالاتها، يُخرس أصواته التي تلاحقها...



حتى أنت يا خالي..



لمَ لا يصدقني أحد!!



لم لا تصدقوني...


رفعت رأسها بتحدي..


لا يهمني إن صدقتموني أم لا، أنتم لا شيء بالنسبةِ لي، أنتم وهم، سراب و هو أكبر كذبة في حياتي...


هو!! و تذكرت..



ماذا أفعل الآن!!


لا بد أن أذهب قبل أن يعود من عمله...


من سيأخذني إلى هناك؟!




كل الطرق تؤدي إلى روما أليس كذلك؟!!



و سحبت عباءتها...


==========




فتحت خزانتها تتفقد محتوياتها...



أخرجت علبةً متوسطة الحجم، زهرية اللون، مخملية الملمس....



جلست على الأرض تفترشها و فكت الشريط الحريري بتؤدة...



تناولت ألبوم الصور و أخذت تتصفح صور زواجهما بشوق و هي تمعن النظر فيها عن كثب لكأنها تراها للمرةِ الأولى...



ابتسمت ثم ضحكت و هي تتذكر مواقف حدثت لهما أثناء التصوير..



كل صورة تمثّل حياة، حياة كاملة بالنسبة لها...



انظروا إليه!!



هذا الرجل زوجي..



زوجي أنا!!



مررت أناملها على وجهه لتتأكد من وجوده أو ربما لتحفر ملامحه في ذاكرتها للأبد!!



أغلقته ببطء و هي تشهد آخر اللحظات، آخر صورة جمعتهما معاً....



وضعت الألبوم جانباً ثم أخرجت رزمةً من الرسائل رُبطت بعناية و بترتيب...



كانت هذه رسائله لها أبان أيام الخطوبة...



منذُ أن عرفته و هو جاد و عملي، كان يجلس معها لساعات و يتحدث في شتى المواضيع من الأدب إلى الدين حتى السياسة دون أن يتكلم عنها هي...


دون أن يعلق على تسريحة شعرها مثلاً أو مكياجها أو ما كانت تتكبده حين تعلم بقدومه...


وكم ودت أن تخنقه في تلك اللحظات و تصرخ في وجهه يكفي!!


لكنها تعود لتمسك نفسها و تستمع مجبورة لمحاضراته الثقافية!!


لكن لا، لا تظلموه، لا تحنقوا عليه كما فعلتُ في البداية...


كان قبل أن ينصرف يدسُ في يدي رسالة!!


أي حروف حبٍّ تلك التي يسطرها...


و أي أبيات شعرٍ هائمة يقرضها لي...


لي وحدي...



ليست من أبيات "نزار" التي يسترقها العشاق...



كانت أبياته هو، من وحي قلمه، من دقاتِ قلبه!!!



لي وحدي كتبها فقط...



كنتُ أغرق في بحرها، وأظل أقرأ و أقرأ وأعيد قراءتها كل يوم بل كل لحظة حتى تبلى الورقة من يدي فأضطر لأن أضعها في الصندوق كي لا تهترئ وتختفي باقي الحروف...



و كم اشتقت للحظة انصرافه تلك و بتُ أتلهف خروجه، صدقوني ليس لأني أنفرُ من شخصه...



كلا فمثله لم يُخلق إلا ليُحب لطيبه و حنانه...



لكنهُ لم يُجد آنذاك تلك اللغة التي باتت تُستخدم الآن بإسفاف، بإبتذال لا متناهي!!



كان من هؤلاء الذين يخبروك كل شيء بصمت، تكفي نظرة واحدة لعينيه لتعرف ما يجول في خاطره، لتعرف مكنون صدره...



ذاك كان زوجي أنا...



أرأيتم مثله!!!



و قربت الرسائل من وجهها و هي تتنسم عبيرها بعمق، عبير تلك الأيام الجميلة..



ما أطيبها من ذكرى و ما أحلاها من أيام...



و تحركت الأوراق فجأة ، اهتزّت من يدها...



ما عادت ذكرى طيبة يا "شيماء"...


لقد لوثتها، دنستِ طيبها، عبثتِ بطهارتها..


ماذا تبقى منها؟!!


أو ماذا ستُبقين؟!



تحركت شفتيها ببطء و هي تخاطب نفسها بإختناق...


لكني لم أقصد.....



فقط شربتُ ماء...


أفي شربِ الماء جريمة!!


أغمضت عينيها بقوة و هي تصرُّ على نواجذها....



أجل جريمة، جريمة كالتي تستقرُّ في بطني الآن!!!



و سالت الدموع بصمت من عينيها، أطلقت لها العنان...



سامحني يا "ناصر" سامحني...



احتفظ بالصندوق، احتفظ به وبذكرياتنا الجميلة معاً..



و رسائلك يا "ناصر" لا تلقها، لا تقطّعها، بل دعها كما هي..



أنا حفظتها عن ظهرِ قلب، حفظتُ كل كلمة، كل حرف...



لكن أنت...



لا تنساني، إياك أن تنساني...



نااااصر أرجوك!!!!



==========




توقفت سيارة الأجرة ليس ببعيدٍ عن الشقة...


أسرعت في خطاها و هي تتلفت حولها...


اصطدمت بالباب فارتجّت من الأعماق...



و أحست بقدميها تخونانها...



ما تُقدم عليه حماقة، بل هو الجنون نفسه!!!



لا يهم، لا شيء يهم!!




أدخلت المفتاح بقلبٍ راجف و أمسكت إكرة الباب لتدفعه....



كان المكان غارقاً في سكونه، في هدوءه، في غباره!!



شهران، زمنٌ طويل أليس كذلك!!



هزت رأسها بقوة ثم صوبت بصرها نحو غرفتها فقط...


فقط لا غير!!



إنها لا تريد أن تذكر شيئاً، طيفه سيتراءى لها حينها، في كل بقعة و زاوية، بل في كل مكان...



تلكأت عند بابها، تجول ببصرها بألم في أرجاءها، في أغراضها المبعثرة...



لم تأخذ معها أيّاً منها رغم إصرار خالها...



لا تريدُ شيئاً منه، من ماله، لا شيء!!



كيف نسته!!!



كلا لم تنسه، ومن ينسى شهادة وفاته!!!



لكنها لم تتوقع عودته بهذه السرعة أو ربما خافت من العودة هنا من جديد...



تقدمت و هي تدوسُ على بقاياها، على روحها الهائمة بلا هدى...



لا مجال للوقوف أكثر، لا وقت للبكاء على الأطلال...



النزف يتحلل، يقطر من ضلوعها، يخرج من مخبأه و الجروح تُنكأ، لا تلبث أن تنكأ، كيف لا وكل الشواهد أمام عينيها!!



يكفي، قلتُ لكم يكفي!!!



جثت على ركبتيها الواهنتين و هي تفتش في أدراجها لكن يدها لم تصل إلى شيء...


تلفتت بشرود...


أين وضعته!!


وابتسمت بلا روح...



إنها تنسى، لطالما كانت تنسى أشياءها...



ليتها تنساه فقط، ليتنا كنا مخيرين في سحق ذاكرتنا!!



أبعدت الوسادة و كانت خالية بالفعل!!!



أزاحت الدثار بعجل عن فراشها بأكمله فانتفض قلبها بعنف...



ليس هنا!!



عادت لتجثو من جديد مادةً يدها أسفل السرير...



أصابعها لا تقبض إلا الهواء..


ها هو يتسرب، يتيه، ثم يتخبط بين يديها و يُفلت!!



أين هو؟!




- عمّ تبحثين؟! عن هذا؟!!




واستدارت بإرتياع نحو مصدر الصوت...



كان واقفاً عند الباب بملابس الأمس وبيده شيء ما...



بدا وجهه منطفئاً، مُتعباً، و قد بان زغبٌ أسود على ذقنه بإهمال...




- عن هذا؟! كرر بصوتٍ غائب.



رفعت بصرها غير مصدقة و هي تحاول أن تُنهض نفسها....



لكن إحساس العجز كان أقوى منها، فبقيت بلا حراك...



أخذ صدرها يعلو و يهبط بإضطراب و أنفاسها تتضاءل:



- اعطنيه!!


- .............



رفعت أناملها النحيلة ببطء و هي تشير لنفسها بإرتجاف:



- اعطني دفتري، هذا دفتري!!


- .....................


- قلتُ لك اعطنيه.. صرخت بهستيرية.



و بدا كما لو كان قد سمعها للتو، تقدم قليلاً فسقط ظلّه عليها....



- خذيه.



و اختطفته بسرعة، دفنته في صدرها و شدّت عليه بقوة لكأنها تخشى بأن يقتلعه أحدٌ منها...



خاطبها بصوتٍ باهت، قديم، كحنجرة الأمس و هو يوجه حديثه للهواء:



- لمَ لم تخبريني من قبل؟!


- ..............



- لمَ لم تقولي لي؟! و احتدّ صوته.




رفعت رأسها و هي تنظر له و لا ترى!!!



ماذا يقول هذا الرجل؟!!



وضعت باطن كفها الأخرى على الأرض لتُسند نفسها بإجهاد و ما كادت تفعل حتى وجدت ذراعه تقبض على ساعدها لتساعدها على النهوض...



نزعت يدها منه بسرعة و هي تتراجع للوراء بتعثر...




- لمَ لم تخبريني؟! صاح مكرراً بنفاذ صبر.



- أخبرك بماذا؟! صرخت بصوتٍ مبحوح.




ثم أردفت فجأة بخفوت، بأدنى طبقةٍ صوتية و هي تسأله بذهول:



- ماذا تريدني أن أخبرك؟! أأقولُ لك أنا لا أعرف إن كنتُ عذراء أم لا؟!



وضحكت بمرارة و الدموع تطفر من عينيها....



تابعت و صوتها يزدادُ اختناقاً:



- أم أقولُ لك عن شعوري حين فهمت ما جرى لي، حين سمعتُ الفتيات في المدرسة يتحدثن...



- ....................



- أأقولُ لك أني وأدتُ حلم الزواج من حياتي للأبد و أنا لم أتخطى بعد أعتاب المراهقة!!


- ..........................





- ماذا كنتُ ستقول عني حينها حتى لو أخبرتك!!



- ............................




و ضعت يدها على صدغها و أنفاسها تتهدج:



- أكنت ستصدقني، ستصدقني وأنا في ليلة زفافي؟!!



- .................



هزت رأسها ببطء كأنها تجيب عن نفسها:



- لم تكن لتصدقني، من سيصدق شيء حدث منذُ سنين، أمي لم تعرف، لم تفهمني وأنا ابنتها ستأتي أنت و تفهمني!!



- ...........................



و أحنت جذعها و هي تغطي وجهها بدفترها و شهقاتها ترتفع...



تنهد بألم و هو يخاطبها بلا حياة:



- ما كان عليكِ أن تستبقي النتائج، كان عليكِ أن تري ردة فعلي أولاً.


- .............................


- لم جعلتني أظلمك، لمَ عذبتني و عذبتِ نفسك!!




رفعت رأسها بتثاقل و هي تجيبه بصوتٍ مبحوح كأنها تخاطب سراب:



- أنت لم ترضى أن تسمعني حتى، أتذكر تلك الليلة حين توسلتك، حين جثيت تحت قدميك كي تسمعني ولو قليلاً لكنك رفضت....


- ......................


- أذللتني بلا رحمة، عاملتني كأني لا شيء!!


- إن كنتُ قد أخطأت فأنتِ أخطأت أيضاً، كلانا أخطأ يا "غدير" و أنتِ السبب..


- أنا السبب!! صاحت بإختناق.


- أجل، ما كان عليكِ أن تسكتي، أنا زوجك كان عليكِ أن تخبريني، بالله عليكِ كنتُ سأعرف!!


- حاولتُ إبعادك عني، لا تنكر!! صرخت في وجهه.


- هذا ليس حلاً أبداً. علّق بيأس.



- لا تبرر لنفسك، أنت صيرت حياتي إلى شقاء، أنت ظالم، قاسي القلب...


- ألا تفهمين، أيُّ رجلٍ بمكاني كان سيفعل الشيء نفسه بل أسوأ من ذلك..



- أنت مثله، مثل كل الرجال، كلكم متشابهون، كلكم.. صاحت بجنون و هي تقبضُ على دفترها..



- أنا لستُ مثله، أنا "عمر"..


- ابتعد عن طريقي أرجوك، أريد أن أعود لمنزلي..



تقدم منها بغضب و هو يهزها من كتفيها لعلها تفيق:


- هذا منزلكِ أيضاً، أنسيتي؟!



- لا مكان لي في أرضٍ وطأتها قدماك، لن أعود إلى الجحيم من جديد...



أبعد يده و هو يخفض من صوته:



- أنا لا أقوى على العيش دونك، ليس بعدما عرفت..



- أجل، قولها، كي تذلني، كي تذكرني بذلك كلما تشاجرنا أو اختلفنا، تخالني لا أعرفك!!


- أنتِ لا تعرفيني حقاً!! خاطبها بغضب.



- و لا أريدُ أن أعرفك.. ردت بتهدج.




- لقد أعطيتك فرصة، آن لكِ أن ترديها وتمنحيني فرصةً من جديد.



- أنت لم تعطني شيئاً، أنت رفضت أن تسمعني حتى.


- سأسمعك، سأسمعك الآن وغداً و كل لحظة!!


- ليس لدي شيء لأقوله لك الآن، لأن لا شيء بيننا، لم يعد يربطني بك شيء..


- أنتِ لازلتِ زوجتي!!


- أنا لا أريدك، ألا تفهم!!


- اخرسي..


- لن أخرس و لن تسمع مني إلا هذا الكلام..



و أردفت بهستيرية و هي تغرز أظافرها بلا شعور في الجلد الأسود:


- و لا تظن لأنك عرفت سأسمح لك بإذلالي كما يفعل هو، لن أسمح لك ولا لأحدٍ بذلك أبداً...


- ماذا تقولين؟! سألها بذهول.




و التفتت إليه بغصة و هي تتابع:



- أجل، لن أسمح لك...



ثم هزت رأسها بألم:



- أنا لستُ بأفضل من أمي، لستُ بأفضل منها!!!



و تجاوزته و هي تشيح بوجهها بعيداً، بعيداً...



و ما أن لامست الهواء حتى انفجرت في البكاء بصوتٍ مخنوق...



ضمت الدفتر لجانبها و هي تختبأ في الأزقة، في طريقٍ آخر لا يمتدُّ بصلةٍ إلى هناك...



رفعت رأسها لمرآة السماء، قطرات المطر تنسابُ على وجهها، تختلط بدموعها و تتحد معها في صورة شفافة لا متناهية...



مطر!!


مطر!!



رددت بهمس و هي تترنح في سيرها..



الطريقُ يبدو طويلاً، بعيداً، خالياً إلا من سواها...



و المطر يسقط بغزارة، بحباته الكبيرة، يبلل التراب و يمنحه شيئاً من عبقه الأثيري، شيئاً من الطفولة، حين نرتعُ في برك الماء، نتسابق مع الأطفال و ننزلق على الأرض، على التراب، على المطر!!!



و لاحت طيفُ ابتسامة مخنوقة على شفتيها...



كانت مع والدها، تختبىء أسفل سترته، يحيطها بذراعيه كي لا يبتلُ شعرها، كي لا تفسد جدلتاها!!!



غابت الابتسامة و حلّت محلها رعشة على الشفتين...



عادت لتحتضن دفترها والرعدة تسري في جسدها النحيل...




الطريق لازال بعيداً....




تُرى إلى أين يصل مداه!!!



أوَ تعرفين...



أيُّ حزنٍ يبعثُ المطر!!!




>>> يتبــــــــــــــع

 
 

 

عرض البوم صور حسين السريعي   رد مع اقتباس
قديم 24-03-07, 04:52 PM   المشاركة رقم: 52
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
امير المسابقات


البيانات
التسجيل: May 2006
العضوية: 5144
المشاركات: 301
الجنس أنثى
معدل التقييم: حسين السريعي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 32

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
حسين السريعي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شذى وردة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

كانت جالسة أمام الجهاز، تضغطُ على أزرار لوحة المفاتيح بقوة و هي تتمتم بغيظ....



سأبحث لي عن وظيفة بدلاً من البكاء على ذلك الأحمق!!



من يظنُ نفسه؟! مثله أدوسه بقدمي دون أن أبالي..



عرفتُ الآن لمَ لم يتزوج بعد!! و من هي تلك العوراء التي ستقبل به!!



فليشكر ربه لأني نظرتُ في وجهه، ليس في رأسه إلا ثلاثُ شعرات و يرفع أنفه!!



لا شك، كلها سقطت من التفكير في المال!!



ألم أخبركم؟!



اتصلت بي "أشجان" اليوم، أخبرتني بأنها ستنتقل لشركةٍ أخرى، بالطبع ومن يقدر أن يستمر مع ذلك التمساح!!!



تلك الأشكال تحتاج إلى أصناف من الوزن الثقيل تُشبهها...



مثلي تماماً...



لا أقصد وزن جسمي، تعرفوني رشيقة!! بل أقصد قوة الشخصية والحكمة والرزانة، وكلها ولله الحمد تتوفر لدي!!!



تقول أنه بات أكثر عصبية، يهبُّ صارخاً في وجه الجميع!!



كم شعرتُ بالسعادة حينها و شمتُ فيهم، كلهم دون استثناء!!



لا تحملقوا فيّ هكذا، أنا لستُ منافقة!!



فاليذوقوا شيئاً مما ذقته، لقد أذاقني الويل!!!



ذلك الكريه، الحمدُ لله ارتحتُ منه!!



أجل ارتحتُ منه، و إن لم يعجبكم حديثي هذا فاضربوا رؤوسكم في الحائط!!




ثم نظرت إلى ساعتها فجأة و هي تطالع العقارب بتململ:



- و أين ذهبت هذه الغدير، لم تعد بعد، و هاتفها لازال مغلقاً!!



=========




جبان، جبان، جبان...



كيف فعلتُ ذلك؟! كيف عاملتها هكذا؟!



كان عليّ أن أسمعكِ حين أردتِ الكلام، أن أُمنحك الفرصة لتدافعي عن نفسك، لكنهُ الشيطان من أعمى بصيرتي، هو من أفقدني صوابي!!



سامحيني، أرجوكِ سامحيني....


أعلم بأني ظلمتك، بأني أهنتك و أسأتُ إليكِ...


كان رغماً عني صدقيني، ليس بيدي..


بالله عليكِ ماذا كنتِ تريدين أن أفعل؟!


أن أصمت و أنا أخالك على علاقةٍ برجل...


أيبقى في العقلِ شيء حينئذٍ؟!


أجيبوني!!



لكنها لا تعرف، إنها لا تفهم، لا تزنُ الأمور أبداً!!



و ضرب بقبضته على الطاولة فاهتزّ الكأس الزجاجي بإرتعاش...


صه!!






كُفّ عن لومها يا "عمر" و جادل نفسك، أخرج خباياها...



ماذا عنك؟!


لقد باتت تخافك، تخشى لقياك، إنها تفضل الجحيم على أن تعود إليك!!



أسمعتم ما قالته!!!


أسمعتم بالنار التي صلت جوفي؟!



تخالني سأعايرها!!



أأنا سأُعايركِ!!



أأنا أقدرُ على ذلك!!




أيُّ كلماتٍ تلك التي صفّتها و خنقتني..


كل كلمة، كل حرف خنجرٌ مسموم انغرز في صدري بلا رحمة...



كلا، لن أعايركِ، لن أذلّك، هذا ليس ذنبك البتة، بل ذنبُ ذلك الحقير، ذلك القذر...



و اعتصر الكأس في يده بقوة..


تهشم...


و سال الدمُ أحمراً لاذعاً..



بقوة زخات المطر، بإنسياب ذراته...



تطلع ليده بغور، بعمق و هو يراقب تلك القطرات النازفة...



كلا، لن أدعها، لن أتركها..



"غدير" ستعود إلي، سأردها شاءت ذلك أم أبت حتى و لو ضغطتُ عليها بالقوة...



حتى و لو اضطررت لإخافتها!!



إنها لا تعرف مصلحتها أبداً، مصلحتها معي أنا أتسمعون!!!



سأُنسيها، ستنسى الماضي كل الماضي معي أنا..



سأصبر، لن أيأس أبداً، و ستعرف أني أحبها هي لشخصها، لا لإعتباراتٍ خرقاء أخرى!!



لكن لا بد من فعلِ شيءٍ أولاً!!



لا بد من تصفية بعض الأمور!!



و نهض بتصميم!!



========




كانت أنفاسها الساخنة تلفحُ وجهها رغم البرودة التي سرت في عظامها...



- أين كنتِ؟!



قطرات المطر قد بلّت ملابسها و ها هي تبلل الأرضية أيضاً، تصنعُ بقعةً صغيرة...



تطلعت إلى الوجوه المحدقة بها، تلك التي تنتظر إجابتها...



أخذت تنظر لهم بشرود، بحواس غائبة، دون أن تفقه شيئاً...



أردف صائحاً:



- أتعرفين كم الساعة الآن يا فتاة؟!


- .................


- الساعة الآن السادسة مساءاً، أين كنتِ منذُ الصباح؟! أردف "الأب" بغضب..



و تحركت شفتاها حينها بإرتعاش...



ليس من البرد، كلا!!!



بل لأنها المرة الأولى التي يصرخُ عليها خالها...



نظرت إليه بعينين غائمتين، خاويتين من كل شيء و لا شيء!!



لانت ملامح وجهه قليلاً، لكن نبرته لم تتغير....


عاد ليسألها بغضبٍ أبوي:


- أجيبي!!



أحاطت دفترها بيديها بقوة ربما لتستمد منهُ شيئاً من الدفء أو الأمان....


الأمان!!!


ردت بصوتٍ مرتجف:


- لم أذهب لمكان!!


- .................


همست بتقطع:


- لقد نسيتُ...نسيتُ دفتري و ذهبتُ لآخذه..


- ...................



ثم أردفت و هي تهزُّ رأسها نافيةً:



- لم يكن أحدٌ هناك، لم أرى أحداً!!


- ..................



و رفعت أناملها المرتجفة إلى وجهها و هي تصيح بإختناق:



- لمَ تنظرون إليّ هكذا؟!

- .................


- أنا لم أفعل شيئاً، لم أفعل شيئاً..


- ..................


- اسألوا أمي، اسألوها هي ستخبركم...



وشهقت بغصة و هي تهرع لغرفتها...



تنهد الأب بألم و هو يضع يده على رأسه فبدا كما لو كان قد كبر عشر سنين أخرى...




أمسكه "ناصر" و أجلسه على الأريكة...



قال بإجهاد:



- أنا لم أقصد ما ظنّته...


- أعلم يا والدي، لا عليك..


- كنتُ خائفاً عليها، هي الآن في عهدتي، إنها أمانة من والدتها رحمها الله..



ثم ضغط على جبهته:


- لا أدري ماذا أفعل، حاولتُ معها بشتى الطرق، لكن لم أتوصل لشيء..


- لا تقلق عليها، "غدير" قادرة على الاعتناء بنفسها...



- أتمنى ذلك..



و رفع ا رأسه فجأة و كأنهُ تذكر شيئاً ما:


- كيف حال "شيماء" الآن؟!


- بخير. ردّ بإقتضاب.



ثم أضاف مُزيداً:


- لقد باتت أكثر هدوءاً.


- ألم تخذها إلى المستشفى!!


- إنها ترفض..


- ربما كانت حاملاً!!



ابتسم "ناصر" ابتسامةً باهتة و هو يرد:


- كلا، ليست كذلك..



ثم قال مغيراً دفة الموضوع:



- سأصعد الآن، أتريدُ شيئاً!!


- انتبه لها و لنفسك..


- إن شاء الله.



و صعد تاركاً إياه يغرق من جديد في همومه لوحده!!



==========




مررت أناملها النحيلة على حروف اسمها المحفورة على جلده الأسود...



فتحت الدفتر المبتل و أنفاسها الحارة تجثو ببطء كخفوت نبضات قلبها...



كُتبَ بخطٍ أسود باهت....



مولودة في العام 1987




موؤدة في العام 1997!!




كنتُ في العاشرة من عمري، أسابق الحياة، أتلفت يمنةً و يسرى فتطاير معي جدلتاي و أظل أتابعهما و أنا أضحك، دائماً أضحك!!!



كنتُ في غرفتي، والوقت ظلام، ظلام قد غاب القمر فيه!!



سمعتُ طرقاً خافتاً على الباب فهرعتُ لأفتحه...



رفعتُ رأسي لأعلى..



كان طويلاً جداً، قد جاوز مرمى بصري...



- ماذا تفعلين يا حلوتي؟!


- أنا لستُ حلوتك!! و عبست في وجهه.



أخفض رأسه و هو يبتسم لها ابتسامةً صفراء:



- لقد أحضرتُ لكِ شيئاً!!


- ماذا؟!


- دمية جميلة مثلك..



وأخرجها من خلفه، بجلادتها الزاهية اللامعة..



مدت يدها لأعلى لتطالها بلهفة، فعاد ليرفعها أكثر بمكر...



- ما رأيك أن نلعب معاً؟!!


- أنت كبير، ستلعب بدمية!! و ضحكت عليه ببراءة بصوتٍ مرتفع.



و ضع يده على فمها محذراً:


- صه، اسكتي، أتريدين من والدتك أن تأتي و تأخذها!!


هزت رأسها نافيةً، ثم قالت و هي تبعد يده بقرف:


- رائحتك كريهة يا "عمي"..


- لا تجعليني أغضبُ منكِ، سآخذ اللعبة..


- كلا، كلا.



و عادت لتقفز لأعلى علها تصل إليها و هي تزدادُ ارتفاعاً...



- حسناً و لكن لا تخبري أحداً، إياكِ!!


هزت رأسها بالإيجاب و هي تقبضُ على العلبة الزاهية بسرعة...


و خرج بعد أن لعب لعبته الأخرى!!!



انسابت دموعها الساخنة على خديها، وصلت حتى نهاية الذقن إلى أن استقرت على الورق البالي...



ها هي تمتزج مع الحبر، تُمحي بقايا الحروف!!!



تراءت لها صورته تتراقص بين السطور مُحذراً بصوتٍ أقرب لفحيح الأفعى:




- لا تخبري أحداً!!



لم أخبر أحداً، لم أخبر أحداً أيها الحقير....



عادت لتغوص في أعماق الورق...



لتمعن النظر أكثر في الحروف المتلاشية!!!



الوجه يبتسم و الابتسامة الصفراء تعلو الشفتين كلما التقى بها غامزاً بعينيه...



ليتك تموت، ليتك!!



إن أخبرتُ والدي سيقتلك، سيمزقك إلى أشلاء!!!


هو ليس هنا الآن، لقد ذهب ليستقبل والدتي!!



أمي تخاف، تخاف أن تبقى لوحدها في الظلام...



ما أسعدها، ستكونُ معه...



حتى النهاية، حتى نهاية النهاية!!




و هو!!


ماذا عنه؟!!



أنا لستُ بحاجةٍ له و لا لأحد..


أنا أستطيع العيش بمفردي...


أستطيعُ العيش في الظلام!!!



و مدت أصابعها لتمزقه، لتقطعه و تُمحي صورته للأبد...



لقد انتهى، انتهى كل شيء..



صرخت بصوتٍ مرتفع حتى تردد صداها في الغرفة...



- لم يعد لي ماضي، لقد مزقته، مزقته، لم يحدث لي شيء قط، لم يحدث..



و انتحبت بمرارة و هي تنظر لأشلاءها المتبعثرة في كل مكان!!



=======

 
 

 

عرض البوم صور حسين السريعي   رد مع اقتباس
قديم 24-03-07, 04:53 PM   المشاركة رقم: 53
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
امير المسابقات


البيانات
التسجيل: May 2006
العضوية: 5144
المشاركات: 301
الجنس أنثى
معدل التقييم: حسين السريعي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 32

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
حسين السريعي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شذى وردة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

كانت تطالعه بنظرةٍ هائمة، شفافة، تراقب حركاته، لفتتاته، إيماءاته و كلَّ خليةٍ فيه...



رفع رأسه عن الكتاب فجأة و كأنهُ شعر بعينين ترصدانه...



ابتسم في وجهها متسائلاً:


- استيقظتي؟!


هزت رأسها بإيجاب دون أن تفارقهُ عيناها...



ترك ما بيده و اتجه نحوها جالساً بجانبها....



خاطبها بحنان و هو يشير للكيس بجانبها:


- لقد أحضرتُ لكِ أكلةً صينية كالتي تُحبين..


أجابت بصوتٍ خافت:


- تعرفني لا أجيد استعمال أعوادهم..


- نحنُ لسنا في المطعم الآن.. علّق مازحاً.


- أنت تسخرُ مني. نظرت له بعبوسٍ مصطنع.


- حاشاي أن أسخر منك، من روحي!! و ابتسم بصدق.


روحك!!!


عادت لتتأمله بشوق، بوله، و حزنٍ دفين!!



و شرع بفتح الكيس لكنها أمسكته و هي تهزّ رأسها:



- لا أريد، ليس الآن..


- لا ترديني....


- سآكل فيما بعد، صدقني..



و همّ بقولِ شيٍء ما، لكن اهتزاز الهاتف قطعه، قال موجهاً لها الخطاب:



- هاتفك لم يتوقف عن اهتزازه منذُ الصباح!!


و حاولت أن تنهض لترى لكنه استوقفها:


- سأحضره، لا تتحركي..



و أحضره....


تطلعت إلى الرقم لمدةٍ طويلة و ملامح وجهها تتقلص بضيق....



- من؟! سألها مستفسراً.



لمَ تسرقون من سعادتي حتى اللحظات، ألا تعلمون بأني بأمس الحاجة لها!!


أجابت بعد جهد:


- لا أحد، لا شيء مهم.. و أغلقت هاتفها و الألم يعتصرها عصراً..



وصمتت بغصة و هي تطالعه بضياع...



- ماذا بك؟!


التفتت إليه بنظرةٍ ساهمة:


- "ناصر" عدني بشيء..


- قولي ما تشائين..



- عدني بأنك ستسامحني يا "ناصر"، عدني بذلك!! كررت بلهفة.


- أنتِ لم تفعلي شيئاً لأسامحكِ عليه..



- أرجوك قلها فقط، ستسامحني، ستغفر لي يوماً، أتوسلُ إليك!!



- أعدكِ بذلك.. ردّ بإنقباض.



و أراد الاستفسار لكن صوتاً آخر كبحه من جديد..


- هذا صوت عمي يناديك.. علقت "شيماء" بقلق.


- سأذهب لأرى...



و قام من مكانه بعد أن وصاها...



هزت رأسها بشرود دون أن تسمع..



سيسامحني، قال أنهُ سيسامحني!!



=======




كان جسدها يشتعل حرارة رغم البلل التي يسري في جسدها كقُطر الندى!!



فتحت عينيها ببطء لتجد "ندى" بجوارها و بيدها شيء..


حركت رأسها بضيق لتتجنبه..


عللت "ندى" مُعاتبة:


- هذه كمادات، أنتِ محمومة من بقاءك في المطر لساعات..


ثم أردفت بصوتٍ أكثر حدة:



- تلك كانت قمة الغباء..


- ليتني مُت و ارتحت..


- ماذا تقولين؟! صاحت بإستنكار.



أشاحت وجهها و لم تحر جواباً، وإن كان صدرها يعلو و يهبط بإنفعال...



سألتها بتعب:


- منذُ متى و أنا على الفراش؟!


- منذُ يومان..


- يومان!!



و أزاحت الغطاء عنها قليلاً لكن "ندى" أمسكتها بسرعة:



- أين ستذهبين، لازلتِ مريضة!!


- أنا بخير الآن، أريدُ أن أخرج سأختنق!!


- كلا، خروج لا!! صاحت بإندفاع.


- لماذا؟!


- ............


- لماذا؟!


نظرت لها "ندى" بإرتباك دون أن تنبس ببنت شفه.....


أخذت "غدير" تحدق فيها بشك....


خاطبتها بصوتٍ متهدج:


- خالي هو من قال هذا!! لم يعد يثق بي أليس كذلك؟!!


- .......................


- أليس كذلك؟! كررت بصياح.



و قلبت وجهها للجانب الآخر و هي تضغطُ بالوسادة على فمها علها تكتم شهقاتها...



" ليس هكذا، فقط لو تعلمين!!"...

=======



جدار!!!



أيّ قاصمِ ظهرٍ وضعوه ليحولوا بيني و بينها؟!!



إنها هنا بجواري، أكادُ أسمع صوتها....


لم أنم البارحة قط، ليس من الألم و لكن بسببها!!



يبدو أنها كانت تهذي، كانت تصرخ!!


كدتُ أفزُّ لها، أرى ما بها، أملأ عيني بمرآها...


لكنهم لم يسمحوا لي، قالوا لي لا يجوز!!


لا يجوز أن أرى زوجتي!!!



زوجتك؟!!



زوجتك أم طليقتك!!



بلى زوجتي أتسمعون، زوجتي مهما فعلت!!



و إن لم أرها اليوم سأراها غداً و بعد غد و متى ما شئت!!




فقط ابتعد يا "عمر" ابتعد قليلاً و ستدنو منك...



الطيور هكذا مهما فرّت، لا بد أن تعود يوماً لأعشاشها...



و أنت ملاذها يا "عمر"، ملاذها و إن طال انتظارك...


جرب و لن تخسر، ماذا لديك لتخسره بعدها؟!!



و شعر بوخزٍ مفاجئ فتحسس جبهته...



لازال الدمُ ندياً و الجرح لم يلتأم بعد...



لا يهم لو نفذ بأكمله، المهم أني حطمتُ أضلاعه، هشمتُ لذاك السكير وجهه!!!



لا أدري أما زال حيّاً!!


أما زال به رمق!!



الحثالة مقرها السجون حيثُ تقبع الحثالة التي تشابهها...



و ابتسم بقسوة...



الواسطة تنفع أحياناً!!




===========



تسلل نور الصباح خلسةً خلف الزجاج....


نهضت بهدوء كي لا تحدث أي ضوضاء فيستيقظ...


فاليوم عطلته، و من حقه أن يرتاح خصوصاً بعد حادثة اليومين الماضيين!!



شعرت بنشاطٍ غير عادي و هي تتلفت حولها!!!


مررت ببصرها حول المكان بحب...


هذه المرة الأولى التي تكتشف فيها جمال حجرتها...


أخذت تلمُّ ما تبعثر و تضعهُ في مكانه الأصلي...


اليوم، ليس ككل الأيام...


اليوم لا بد أن يعود كل شيء لمكانه، لحجمه الطبيعي و أولهم بطنها!!



و لاح طيفُ ابتسامةٍ شاحبة على شفتيها...



==========



شدّت على أصابعها بعصبية و هي تصيح:


- لم لم يخبرني أحدكم؟!


- كنتِ مريضة آنذاك..



أخفضت صوتها فجأة و هي تسألها بصوتٍ متوتر:



- كــ..كيف حاله؟!


- بخير، ناصر و أبي لم يتركاه لحظةً واحدة.


- جيد. ردت بغصة.



طالعتها "ندى"بطرف عينيها مُعلقةً:


- إنهُ في غرفة الجلوس الآن!!



رفعت "غدير" رأسها بعدائية:



- لم تخبريني ها؟!



- ...............


- لم أقل لكِ أني أريدُ أن أراه. صاحت بإنفعال.



هزت "ندى" كتفيها و مطّت شفتيها بلا مبالاة:


- كما تشائين!!



خرجت "غدير" من فورها و هي تصفق الباب خلفها بغضب..



ولجت إلى الصالة، و جلست على الأريكة ضاغطةً على جهاز "الريموت كنترول"...



رفعت الصوت عالياً، عالياً دون أن تفقه شيئاً مما يُنطق!!


الصور تبدو غائمة و العينان ترمشان، ترمشان بسرعة...



هو هنا الآن!!


تقول أنهم غرزوا جبينه، غرزوه؟!


هذا يعني أن الجرح بليغ..


مطواة!! استخدم مطواة!!


ذاك المجرم يفعلُ أي شيء..



و انقبض صدرها و قلبها يكادُ يخرج من ضلوعه، من قفصه الصدري..



لا تنظروا إليّ هكذا!!



لن أذهب إليه، أتسمعون!!



هو بخير، قالت أنهُ بخير الآن....



عادت لتشدُ على الأريكه، لتقبض عليها بأصابعها علّها تخفف تلك النار المشبوبة في جوفها...



تراخت أصابعها بعد برهة، أفلتتها و نهضت من فورها بلا شعور..



طرقت الباب بخفوت و دفعته ببطء دون أن تنتظر الإذن بالدخول...



كان وجهه محمرّاً و هو يشعل سجارته بلا مبالاة...



و رغم أنهُ أحسّ بوجودها إلا أنهُ لم يرفع رأسه بل لازال بصره مصوباً ناحية النافذة..



و لازالت هي واقفة عند الباب تُطالع كل شيء إلاه!!!



تحركت و هي تجرُّ قدميها جرّاً ناحيته علّها ترى شيئاً أو تتضح لها الرؤية و لو قليلاً، قليلاً فقط....



وضعت يدها على صدرها و عيناها معلقتان على ذقنه الذي لم يشذبه بعد، إنها لا تريد أن تشرأبًّ أكثر، لا تريد أن تنظر لأعلى، لذاك الامتداد!!!


و سقط بصرها سهواً!!


الحروف تتعثر، تنحبس بجوفها، تصارعُ لوعةً اجتاحتها ببطء، بقوة، بحرقان!!



هتفت غير مصدقة:


- ماذا فعلت بنفسك!!


- ....................



كان خطاً طويلاً، مائلاً على الجانب الأيسر من وجهه بالقرب من حاجبه...



- أأنت أحمق؟! صاحت بغصة و هي تقبض على صدغها بإختناق.




التفت حينها إليها بشزر ثم سحق سجارته و عاد لينظر إلى النافذة...



- أقلتُ لك اذهب إليه!! من خوّلك بذلك، كم مرة قلتُ لك لا شأن لك بي؟!!


- .................


- ثم، ثم منذُ متى تدخن!! ألا تعرف أن التدخين ضار بصحتك!!


- منذُ أن عرفتك، ارتحتي!! صاح فيها بنفاذ الصبر.


تطلعت إليه بعينين دامعتين و هي تعضُ على شفتيها...


- منذُ أن عرفتني!! ماذا فعلتُ لك؟! سألته بصوتٍ مبحوح.



- ألا تعرفين!! و أشاح وجهه بسرعة كي لا يرى نظرتها تلك..


- تريد أن تحملني مسؤولية ما حدث لك؟!


- أنا لم أقل هذا؟! صاح بغضب و هو ينهض من مكانه..


- أنت تتحدث كما لو كنت البريء و أنا من أخطأ!! صرخت.


- اعتذر، أنا المخطئ الأول و الأخير، ارتحتي الآن!!


- ...................


و انقطع ذلك الخيط من الصبر الذي يشده، انفلت من بكرته و تقطعت أسبابه..



- ماذا تريدين أكثر؟! اعتذار واعتذرتُ لك، تريدين أن أجثو تحت قدميك كي تعلمي بأني نادم أشدّ الندم..


- لا أريدُ منك شيئاً..



- كلانا أخطأ يا "غدير"، لستُ وحدي المذنب..


- لا تفتأ أن تلومني، كأنني السبب في ذلك!!


- لمَ تعقدين الأمور، لم تؤولين كلامي كما تريدين، لم تفعلين بي ذلك!!


- كي ترتاح، صدقني ذلك أفضل لي و لك...


- أنا لا أريد أن أرتاح، أنا أريدكِ أنتِ..


- و أنا لا أريدك!! صاحت بصوتٍ متهدج..


تقدم منها بغضب فانكمشت و هي تتراجع للوراء و تمسك بالجدار..


- لا تحاولي أن تستفزيني، أتسمعين!!


- لا تصرخ علي..


- لا تُملي عليّ ما أفعله، أنا أصرخ كما يحلو بي و أفعل ما يحلو لي...


- ستبقى ظالماً، لطالما كنتُ كذلك..


- ماذا عنكِ ها، أنتِ مجردة من الرحمة، أنتِ لا قلب لكِ..


- أجل أنا لا قلب لي، أنا أكرهك، اذهب من هنا، لا أريدُ أن أراك.. صاحت بإنفعال و جسدها يرتعد..



خطف مفتاح سيارته الموضوع بجانب المنفضة..



- أجل، اذهب، اذهب كما تذهب دائماً..



التفت لها بيأس و قد ارتسم الألم بحدّة في عينيه...



- أنا لا أفهمك، تريدينني أن أذهب أم أبقى؟!




- اذهب أو..ابقى هذا بيتكم وليس بيتي..



- كلا هذا بيتك وأنا من عليه الخروج، لا ينبغي عليّ الحضور هنا من جديد...


و قطعت حديثها و هي تراه يدلك جبهته بضيق...


- أراجعت الطبيب؟! سألتهُ بقلق.



أخفض يدهُ بسرعة و هو ينظر لعينيها بثبات، يغوصُ في أعماقها، في ذلك الليل الطويل!!


علّق ببرود:


- لمَ تسألين؟! لا شأن لكِ بي!! متساويان أليس كذلك؟!



صاحت من بروده، من لا مبالاته، من قسوته:


- خالي قلقٌ على صحتك ليس إلا، أنا لا يهمني ما تفعله بنفسك!!



و غطت وجهها بكفيها الصغيرين و هي تجهشُ بالبكاء...



الجو متوتر، مكهرب، مشحون بشتى الشحنات الإنفعالية...
اقترب منها أكثر حتى بات في مواجهتها...


- "غدير"!! ناداها بهمس...


- ................


- أنا آسف.


- ...............


- أرجوكِ..




رفعت رأسها لتراهُ أمامها، لترى عيناه...


كانتا تنضحان بشيءٍ قديم، شيءٍ لطالما رأته إبان زواجهما، حين كانا هنا معاً في البيت..



ذلك الشوق، تلك اللهفة، ذلك الحب الدفين...


ارتجفت أهدافها الذابلة و هي تخاطبه بغصة:



- كنت ستسجن للأبد لو مات!!


و صمتت و هي تتأمل جرحه...


لقد دافع عني يا أبي، دافع عني...


لقد أخذ حقي منه!!


ضرب على صدره بقوة، بإتجاه الوجيب، ذاك الذي يخفق بين الضلوع...



صاح بعذاب:


- أتخالينني حيّاً، أنا أموت في الثانية ألف مرة لكنكِ لا ترحمين!!




ماذا عني يا "عمر"، أنا لا أستطيع العيش بدونك..


لا أقوى على فراقك...


من منا من لا يرحم ها؟!



أجل، أنا كاذبة لا تُجيد الكذب...



أحبك يا "عمر" أقلتها لك مرّة!!




مسحت عينيها بسرعة و هي تنكس رأسها من جديد :


- سأنادي لك "ندى" لتعيد تضميد جرحك..


- لا تتعبي نفسك.. و تنهد بألم.


ثم أردف و هو يبتسم لها ابتسامةً حزينة:



- حسناً، سأذهب الآن..


- ....................


- انتبه لنفسك. و ارتجف صوتها بهمس و هي تشيح بوجهها..

لكنه لم يتحرك وقتها بل بقي يتأملها، يحتويها بعينيه...


النبضات تخفت، تتضاءل، تتوارى وراء الحُجب...



تناهى إلى مسمعها تباعد خطواته كطرقات المطرقة على المسمار!!


الأزيز مزعج، مؤذي للسمع، موجع للقلب!!!



صاحت بجزع:


- انتظر..


- ماذا؟


و التفت نحوها...


ردت بتلعثم دون أن تنظر إليه:


- أ..أ..


- ............


- أنا، أأ.. "ندى" تريدك!!


- .................



- لا تذهب، انتظر قليلاً..



و نظر لوجهها، كان قد احمرّ فجأة و بعنف...


أشاحت بسرعة و هي توصد الباب خلفها بخفوت...



ثم هرعت لغرفتها...



كان الجدال على أحدّه مع تلك الأخيرة..



- كلا لن أقول له ذلك، قولي له بنفسك..


- أنا أخجل، لا أستطيع لكن أنتِ لا...


- ماذا تعنين؟! أني عديمة الحياء!! صاحت بإستنكار.


وضعت "غدير" يدها على فمها و هي ترد:


- اخفضي صوتك، لم أعني ذلك، أنت مهذبة جداً، هيا أرجوكِ قبل أن يذهب...


- ماذا أقولُ له بالضبط؟!


- قولي له أيّ شيء، أي شيء قبل أن يذهب..


- حسناً، حسناً لقد حطمتي كتفي!!



و نهضت و هي تزفر و إن شابها ابتسامة شيطانية...



أما تلك فوقفت خلف الباب و يدها على قلبها الذي كان يدقُ بجنون...


أتراها تهورت...


أتُراها على صواب!!!


و لم تكن بحاجة لأن ترهف السمع، كان الصوتُ عالياً!!!



- "عمر" تقول لك "غدير" أنها خلف الباب تسمعنا!!



ندت من فمها شهقة مكتومة..



و انفتح الباب لترى زوجان من العيون مصوبة ناحيتها....


أشارت لها "ندى" بإصبعها الإبهام و هي تخاطب "عمر":



- أرأيت؟!


- ...........


- لقد قالت لي كما قلتُ لك بالضبط!!



تضرج وجه "غدير" و هي تضع يديها على خدها الذي التهب:


- أ..أ... أنا لم أقل شيئاً..



- بلى، تريدك أن تردّها الآن إن أمكن!!



رفعت "غدير" نظرها بصدمة لندى و هي تصيح فيها بإنفعال:


- أيتها الكاذبة!!


- ............



شهقت و هي تضربُ على صدرها:


- أنا كاذبة؟! ألم تتوسلي لي للتو لأخبره بأن يتزوجك..


- لا تصدقها!! و لكزتها بقوة بذراعها..



أخذت "ندى" تفركُ يدها و هي تهرب مبتعدةً عن قرصاتها:


- قلتُ لها لم أسمع قط بأن الفتاة تخطب، قالت لي بلى يحدث ذلك في الهند!!!



- أنا..أنا لم أقل ذلك أبداً.. خاطبته مطرقةً و هي تكاد تبكي.


- أجل، أعرف!!



- ...................



- "غدير"!! نادها بصوتٍ مخملي.



و دقّ قلبها بعنف..



- أتقبلين بي زوجاً؟!



رفعت رأسها إليه لثانية فضاع الأمسُ و اليوم و الغد!!!



ارتحلَ من روزنامة الزمن و لم يتبقَ إلا هو، هو فقط!!!



أطرقت بإستحياء..


- ماذا قلتِ؟!



تحركت شفتاها بإرتعاش، بهمس، بصوتٍ لا يكاد يُسمع:



- لا أعلم، اسأل خالي أولاً..


- سأحادثه الآن..


- كلا، ليس اليوم!!





و رفعت رأسها نحوه ببطء..



- بل غداً أو بعد الغد، أو انتظر، انتظر قليلاً..



أخذ يطالعها بحيرة....



كانت قد غابت نظرتها الخجولة وحل محلها نظرة خوف و قلق...



إنها لازالت خائفة ربما منه، أو من عودة الذكريات من جديد...


لا بأس سأنتظر، سأصبر، صبرتُ شهوراً ألن أصبر أياماً!!



ستعود، الطيور لا بدُ أن تعود لملاذها...



و حبيبتي ليست كأي عصفور...


تلك كانت حبيبة عمر!!


أليس كذلك؟!!


========

 
 

 

عرض البوم صور حسين السريعي   رد مع اقتباس
قديم 24-03-07, 04:55 PM   المشاركة رقم: 54
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
امير المسابقات


البيانات
التسجيل: May 2006
العضوية: 5144
المشاركات: 301
الجنس أنثى
معدل التقييم: حسين السريعي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 32

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
حسين السريعي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شذى وردة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

أنا أشتهي توتاً، اشتر لي توت!!



وابتسمت ابتسامةً مضيئة في وجهه...


سألها بدهشة:


- توت!!


- أجل، توت!!


عقد حاجبيه باستفهام و هو يمرر أصابعه في شعره:


- توت في هذا الفصل من السنة، من أين!!


- يوجد في البقالة الكبيرة عند تقاطع الشارع الأخير... ناشدتهُ بلهفة.



ابتسم، بل شعر بغبطة و هو يتأملها...


هذه المرة الأولى منذُ زمن تطلبُ منه شيء...


و ماذا؟! طعام!!


تطور ملحوظ....



- كما تريدين يا سيدتي، تريدين شيئاً آخر؟!



- كلا، فقط توت!!



و شيعته حتى الباب..


و عادت لتبتسم من جديد!!



========




الصمت يجوبُ المكان...


لا أحد هنا، كلهم ذهبوا، و لم تبقَ إلا هي...



ها قد عاودها الملل من جديد، لن تجد من يسامرها الآن، من تتشاجر معه، من تخاطبه حتى!!!



لقد عادت "غدير" لعمر هذا الصباح.....



و رغم أنها كانت مترددة إلا أنّ الفرحة كانت تتراقصُ في عينيها السوداوان كل حين...


و تذكرت منظرها و هي تسحبها من الغرفة و هي تمتنع ضاحكة..


- اخرجي من غرفتي لا أريدك..


- هذه ليست غرفتك لوحدك، لي قسمٌ منها..


- من قال ذلك؟!


- خالي قال ذلك.


- لا تجبريني لإستعمال العنف!! شمرت "ندى" عن ساعديها..


- أأهونُ عليكِ هكذا، أنسيتِ ليالينا معاً!! و عبست "غدير" في وجهها.


- طبعاً و كيف أنسى!! هذا هو دافعي الأكبر لطردك..


- ماذا فعلتُ لك؟!


- أنتِ تشخرين، شخيرك المزعج يمنعني من أن أنام بهدوء!!


- أنا أشخر!! شهقت و هي تتمسك بعمود السرير بقوة و الأخيرة تدفعها.



- أجل لكني لم أخبرك من قبل، خفتُ أن أجرح مشاعرك!!


- أنتِ كاذبة..


و سمعتا نحنحة بالقربِ منهما....


تركت "غدير" العمود و أخذت تنظر لنفسها بتعثر...


"لم أنظر لنفسي في المرآة، يا إلهي كيف أبدو الآن!!"..


التفت له "ندى" بظفر و كأنها وجدت غنيمة...


صاحت بإنفعال:


- ها قد جئت في وقتك، "عمر" قل الحقيقة، زوجتك تشخر أم لا؟!


و التقت عيناها به تلك اللحظة....


بقيا هكذا مدةً طويلة و كأن الزمن نفذ هو الآخر...


و لم يتبقَ الآن إلا هو و هي فقط!!!



وضعت "ندى" يديها على خصرها و هي تنقل البصر بينهما بإستنكار...


- أنت..أنتِ!!



و انتبه لنفسه، فنظر لأخته بعينين ضيقتين و هو يخاطبها بصوتٍ مصرور:



- كفي عن التلفيق عن زوجتي..


- أنا من يلفق أم أنت!! لا تضطرني لأن أخبرها بمَ اتفقت به معي ذلك اليوم!!


وأشارت له بغيظ مهددةً..


- عمّ اتفقتما؟!


- لا عليكِ منها، هيا تأخرنا.


و سحبها من يدها بسرعة دون أن يترك لها المجال لتسأل أكثر و هي تخاطبه بأنفاسٍ متقطعة:


- انتظر، أغراضي لم آخذها..


- سنأخذها مرةً أخرى..


توقفت فجأة بشك:


- عمّا اتفقتما؟!


- لا شيء، لا شيء، إنها تهلوس، ألا تعرفينها!!



و لم تسمع بعد ذلك بقية حوارهما...



و قطع سرحانها الدق المتواصل على باب غرفتها..


- من؟!


- أنا ماما.


- ماذا تريدين؟!


- رجل هنا، يريد بابا.


- قولي له أنهُ غير موجود.


- قلتُ ذلك ماما، قال يريد أنت يكلمك..

فتحت "ندى" عينيها على اتساعهما و هي تفتح الباب لــ "أوميني" الخادمة...


- هو قال يريدني؟!


- يس ماما.


- ماذا قال بالضبط؟!


- قال يريد آنسة "ندى"!!


فغرت فاهها...


من ذا الذي يريدها!!


آنسة "ندى"!!


أتراه هو!!


معقول؟!!


التفتت للخادمة و هي تسألها:


- كيف شكله، أهو أصلع من الأمام؟!


- أجل ماما..


"هذا هو إذن"..


- ماذا أقول له؟!


- امممم قولي له ستأتي في الحال..


وأوصدت الباب في وجهها بعنف....


أسرعت للمرآة، وضعت "بلاش" و أحمر شفاه طبيعي و هي تربت على خديها...


فتحت خزانتها بوجل و هي تسحب لها شالاً من المنتصف فتناثرت ملابسها بأكملها على الأرض!!


هذا ما كان ينقصني!! و ركلتها بقدمها.



تطلعت لنفسها من شتى الزواية و حين استوثقت من نفسها خرجت...


و مشت بوقار!!!



فتحت باب غرفة الضيوف و هي تتنحنح بصوتٍ خافت...


و لم يلتفت، كان مُعطياً ظهرهُ لها و هو يتأمل محتويات المكتبة..


عادت لتتنحنح من جديد لكن لا حياة لمن تُنادي...




صاحت بنفاذ صبر:


- حتى متى!! أحبالي الصوتية تقطعت!


و استدار لها مبتسماً...


- أوه معذرةً، لم انتبه...



قالب ثلج، قالب ثلج!!!


لا فائدة منه إطلاقاً...


خاطبته بعجرفة من طرف أنفها:


- نعم ماذا تريد؟! والدي ليس هنا و أخوتي ليسوا هنا، لا أحد هنا إلاي، قل ما لديك بسرعة و خلصني..


لم يُجب بل جلس على أحد المقاعد بأريحية دون أن يعبأ بصياحها..


قال بهدوء:


- ألن تقدمي لي شيئاً؟!


- ليس لدينا شيء لنعطيك إياه، ثلاجتنا خالية!!


- حتى ماء!!


- بلى لدينا، لكن خادمتنا مريضة والمطبخ بعيد!!


- ....................


- لا تنظر إلي هكذا، إذا ماتت لا سمح الله من سيعمل لنا بعد ذلك!! ستأتي أنت لتطبخ؟!


تطلع لها بشزر:


- انتبهي لحديثك أم نسيتي أني المدير!!



- المدير هناك في شركتك المقرفة و ليس في بيتي...




ثم وضعت ساقاً على أخرى و هي تنظر له بفمٍ مزموم..



- اجلسي جيداً و تحدثي جيداً!! صاح بغضب.


عدلت من وضعها بسرعة و هي تجلس بخوف كتلميذة في المدرسة...



هزّ رأسه أسفاً و هو يتمتم:


- لا أدري متى ستهذبين ألفاظك؟!


عبست في وجهه لكن دون أن تنبس ببنت شفه...


ثم زفر و هو يردف بصوتٍ أكثر جدية و إن شابه توتر:


- اسمعي يا "ندى"..


حملقت فيه بدهشة، دون أن تستوعب ما سمعته...


ندى!!


أسمعتموه، قال "ندى"!!


هذه المرة التي يناديني بإسمي المجرد!!



- أأنتِ معي؟!

- ...........


- أأنتِ معي؟! كرر.



انتبهت لنظراتها، فعقدت ذراعيها على حجرها و هي تجيب بعدائية:



- أجل، تخالني أسرحُ بك!!


- قبل أن أقولُ لكِ ما أريد، أريدُ أن أحدثك عن نفسي قليلاً..


- ماذا، تفضل؟! سألته بفضول..


أطرق قليلاً و هو يقول:


- والدتي توفيت منذُ أن كنتُ في الثالة من عمري، كنتُ البكر، وبالرغم من ذلك إلا أن والدي لم يتزوج مرةً أخرى...


و صمت برهة ثم أردف:


- و قد عشنا معاً لوحدنا فلم أعرف النساء في حياتي قط..


- .....................


- لم أكن لأنتبه لهن، فقد كنّ في رأيي شيئاً هامشياً، شيئاً لم أعتد على وجوده بعد، لم أتعايش معه، أتفهميني؟!


هزت رأسها بإيجاب..


أجل فهمت....


يا إلهي أنت معقد!!!



و تغيرت نبرة صوته و بدا عليه الإرتباك للمرةِ الأولى منذُ أن عرفته...


- حتى جئتِ أنتي..


أنا!!


و استيقظت حواسها و هي تنظر له مشدوهة...


- كنتِ نوعاً آخر من النساء، ليس من النوع الذين اعتدتُ على التعامل معه بلا وجود في العمل، اقتحمتِ حياتي فجأة بحيوتيك، بنشاطك و جنونك اللامتناهي!!


- !!!!!!!!!!!


- و حين أحضرتكِ إلى مكتبي علمتُ أني كنتُ أجازف، أني سأكشفُ لكِ نفسي، كنتُ أريدكِ بجانبي، أن تلطفي حياتي الجافة التي تشبه حياة المعسكرات..


- .........................


- لكني فكرتُ كثيراً و وجدتُ نفسي أسوأ من يتعامل مع النساء، أنا لا أجيد التعامل معهم البتة و خفتُ أن أظلمك...


- ....................


- و حاولتُ إبعادك بعدها لكن لم أقدر، كنتُ أماطل نفسي حتى اللحظة الأخيرة..


- ....................


- قلتُ لنفسي أنكِ نزوة في حياتي ستنتهي بإنتهاء ضوضائها، لكني كنتُ أخادعُ نفسي..


و رفع رأسه و هو ينظر لها بثبات:


- أتتزوجيني يا "ندى"؟!


و انعقد لسانها فجأة و هي تمسك الأريكة كي لا تسقط من عليها...



- أتتزوجيني؟! أتقبليني بعيوبي؟!


لازال فمها مفغوراً...


لا بد أني أحلم، لا شك في ذلك!!


تطلعت إليه من جديد و هي تخاطبه بذهول:


- تريد أن تتزوجني؟!


- أجل..


- تتزوجني أنا!!


و هبت من مكانها واقفة دون تصديق، اقتربت منه فنظر لها بقلق:


- أنا لا مانع عندي أبداً..


- ..............


- و إذا شئت منذُ اليوم، لا داعي للحفلات و الشكليات!!!


- اليوم؟! في المرة القادمة بإذن الله.. ردّ بخوف.


- كلا، ربما تُغير رأيك!! صاحت في وجهه.


ثم وضعت يدها على فمها بصدمة....


ماذا تقولين؟!


سيهرب هكذا!!!


اثقلي يا "ندى" اثقلي!


لا بد أن تخجلي، لا فائدة منكِ، لن تتعلمي أبداً السلوك القويم!!



أسبلت عينيها و هي تقول بعتاب:


- ما بالك مستعجل هكذا، الدنيا لن تطير!!


- !!!!!!!



- صحيح أنّ الخطاب لا يتوقفون عند باب البيت لكني لا أقبلُ أيّ أحدٍ..


- لابد من أن تتوفر فيه شروط و أهمها السينما!!


و رفعت رأسها و هي تطالعه بعينين نصف مغمضتين:


- أتذهب للسينما؟!


- لا، ليس لدي وقت لهذه التفاهات..


- اها.. و مدتها و هي تطالعِ السقف.


- .................


- أنت مثلي تماماً، أنا لا أحب السينما أيضاً، كثيراً ما يدعوني الآخرين إلى هناك خصوصاً أخوتي "عمر" و "ناصر" لكني أرفض!!


- ........................


- أقول لهم لا يجوز!! نحنُ فتيات ما الداعي للذهاب للسينما التلفازُ موجود، لكن ماذا نقولُ عن شباب اليوم!!


وابتسمت له ابتسامةً واسعة و هي تسبلُ أهدابها من جديد...


"ستذهب رغماً عن أنفك!!!"


و خيم الصمت بينهما لكنها قطعته و هي تحمحم:


- احم، اذهب الآن و عُد مساءاً، في الساعة السابعة تقريباً!!


- لماذا؟!


نظرت إليه بغضب و هي تضع يديها على خصرها:



- كي تخطبني من والدي رسمياً، أم غيرت رأيك!!



- كلا، سآتي بالطبع!!


- جيد، سأذهب الآن إلى غرفتي، لا تنسى!!!


و استدارت بعد أن حدجته بتهديد!!




=========

 
 

 

عرض البوم صور حسين السريعي   رد مع اقتباس
قديم 24-03-07, 04:56 PM   المشاركة رقم: 55
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
امير المسابقات


البيانات
التسجيل: May 2006
العضوية: 5144
المشاركات: 301
الجنس أنثى
معدل التقييم: حسين السريعي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 32

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
حسين السريعي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شذى وردة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

جثت على التراب و هي تضع "المشموم" بعناية على القبر....



قرأت سورة الفاتحة في سرها ثم أغمضت عيناها و هي تتنهد..


الصور تمرُّ بطيئة، ثقيلة، ترزءُ بأوجامها....


حين كانت تسرح شعرها، حين كانت تغني لها قبل أن تنام، حين كانت تقول لها:


- كان يا مكان، في سالف العصر و الزمان، كان هناك فتاةٌ جميلة، تشبه البدر...


- ما اسمها؟! سألتها بطفولية.


- غدير!!


- مثل اسمي أنا!! وضحكت و هي تُشير لنفسها.

- أجل، دعيني فقط أُكمل..


- أكملي ماما..


- كان والدها تاجر كبير، يملك صناديق كبيرة مليئة بالذهب والفضة و ....


- كلا، كلا.. قاطعتها و هي تضرب بيديها على الفراش.


- ماذا يا ابنتي؟!


- هذا ليس والدي، أبي ليس تاجراً..


- أعلم و لكن هذه قصة!!


- كلا، كلا، لا أريدها، أريدُ أن أسمع قصتي أنا، "غدير" في المدرسة الإبتدائية و لديها أب يعمل سائقاً و أم لا تعرف صنع الحلويات كأمهات صديقاتي!!


- أنا!! قالت "الأم" بعتاب..


- أجل، أنتِ!!


و هكذا دواليك....



قبضت على حفنةٍ من التراب فتخللت أصابعها، تطايرت مع هبات النسيم..



لمَ نحسُ بقيمة الشيء بعد أن نفقده!!



رحمكِ الله يا أماه!!!



مسًّ كتفها فهزت رأسها و نهضت بعد فترة و هي تلملمُ نفسها...



مشيا صامتين ربما احتراماً لصمتِ أصحاب القبور...


صمتهم الأبدي!!!


و ما أن تجاوزاها حتى خاطبته بشرود:


- أتخالها سامحتني؟!


- بالطبع..



و عادت لصمتها من جديد و هي تركب السيارة بجواره..



- غدير!!


رفعت رأسها إليه بإستفهام...


عبث بجيب بنطاله ثم أخرج شيئاً...


- خذي.


و تطلعت إلى النقود التي دسها في يدها و أثنى أصابعها عليها..



- ما هذا؟!


- المكتوب!!


- المكتوب؟! كررت بتساءل.


- أجل أنتِ من قال إذا تحقق لك ما تريد، لا بد أن تدفع شيئاً...


- ...................



- أنسيتي!!


و ما أن استوعبت حتى نظرت إليه بدهشة:


- أستشيعت؟!



هزّ رأسه نافياً و هو يبتسم بهدوء:


- كلا.


أرخت قبضتها و هي تطالع النقود المرصوصة في كفها..


رفعت رأسها إليه و هي تبادله بإبتسامة:


- امممم وماذا تمنيت؟!


- لن أخبرك.. ردّ بعناد.


- أرجوك!!


- آسف، أشياء خاصة!! و أدار محرك السيارة.



ضربته على كتفه بخفة و هي تقول:


- و منذُ متى لديك أشياء خاصة لا أعلمها؟!


- ماذا الآن؟! أراكِ بدأتي تتصرفين كالزوجات الفضوليات، أنا لا أحبُ هذا الطبع أبداً!!


- هذا طبعي و لن أغيره، ماذا ستفعل؟! نظرت إليه بتحدي.


- ماذا أفعل؟! قال مفكراً و كأنهُ يحل معضلة..


- أجل، ماذا ستفعل!!


و التفت لها حينها بثبات...


أجاب بشغف، و عيناهُ تهيمان بوجهها:


- سأسجد لله شاكراً، يكفيني أن عدتِ لي..


و تفاجئت من رده..


أخذت تطالعه بحب، بشوقٍ دفين، ليس منذُ اليوم و لا حتى الأمس...


بل منذُ سنين، أبعد من السنين!!




- عمر.. نادته بهمس.


- نعم؟!



- .............



- ماذا تريدين؟! كرر بإهتمام.



- كنتُ أريد أن أسألك..


و تطلعت إلى عينيه، إلى السؤال الذي كان يلحُّ عليها دائماً..


- ماذا؟!


- امممم لاشيء..


و أردفت و هي تزمُّ شفتيها بلؤه:


- أشياء خاصة!!




ثم أمالت برأسها على كتفه و هي تضحك بخفوت من دمدمته...



========





- قلتُ لك يا "ناصر" لا تقف أمام هذه النافذة.


ابتسم في وجهها وهو يهمس:


- تخافين علي؟!


تورد وجهها، لكنها سرعان ما قطبت جبينها بعبوس وهي تردف:


- هذة النافذة خطيرة، انظر ليس بها قضبان، الحمد لله لا يوجد في هذا المنزل أطفال..


- لكن قريباً سيفدون مثنى وثلاث ورباع...


قالها وهو يفرد أصابعه للعد، ثم أردف متسائلاً بابتسامة:


- أم نكتفي باثنين، أعتقد أن هذا الزمن تصعب فيه تربية أطفال كثيرين...


- ..........................


- لكن لو كانوا يشبهونك فلا مانع أن يكونوا عشرة، حتى إذا رأيتُ أحداً منهم في الشارع تذكرتك...




ثم عاد ليردد لها هامساً:


- سننجب طفلاً، طفلاً جميلاً..


- وإن كانت طفلة؟!


- سيكون هذا أروع، سأسميها شيماء2 ، واحدة في قلبي والأخرى في سويداءه...






و أفاقت من ذكرياتها، ذكرياتِ الأمس البعيد...



قال سيسميها بإسمي، لقد وعدني بذلك...



و أغمضت عينيها بقوة و هي تعضُ على شفتيها الذي بللها مجرى الدموع المالح...



سامحني يا "ناصر"...



سامحني...





و في بقعةٍ ليست ببعيدة، على الشارع المقابل....



و قف هناك مشرأباً بعنقه حيثُ جمهرة الناس..




الريحُ عاصفة، زمهريرة، تلقفُ ما أمامها، تقتلعهُ من الجذور!!!!




الرؤوس تبتعد، تتركُ المجال للآخرين لكي يروا بعد أن ملّوا هم الرؤية!!


فتناثرت محتويات الكيس...





أكان دمها ذاك أم بقع التوت!!!!









انتهى!!!








.
.
.
.
.
.
.
.
.
.






تمت في 5/10/2006



لاأناام..

 
 

 

عرض البوم صور حسين السريعي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:02 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية