كاتب الموضوع :
سحر الكلمه
المنتدى :
الارشيف
-5-
سيــدة الربيـع
أفاقت حنين من نومها صباح اليوم التالي قرابة الخامسة صباحا ً قبل بزوغ الشمس, 7 ساعات من النوم العميق المتواصل كان كافيا ً بالنسبة لها رغم أنها تعجبت قليلا ً إذ لم يراودها أي كابوس ليلة البارحة و اعتبرت هذه علامة جيدة لبدء يوم ٍ جديد.
جلست في مكانها بينما كان كتابها لا يزال في حضنها عندما نامت. وضعته على الطاولة و نهضت لتأخذ حماما ً باردا ً كعادتها في كل صباح.
عندما انتهت من حمامها المنعش فكرت أن اليوم عطلة إنها فرصتها الوحيدة لتتحرر من اللباس الرسمي, فتحت دولابها و أخذت تنظر إلى الملابس التي نشيت و علقت بعناية بالغه و لم تطل التفكير عندما وقعت عيناها على فستان قرمزي ربيعي طويل بعض الشيء, أخذته و هي تبتسم و تقول في داخلها " القرمزي يلاءم مزاجي هذا اليوم ".
و أمام المرآة أخذت تمشط شعرها الطويل ثم فكرت أن تبعد الخصلات المتناثرة على وجهها بشريط حريري و لكنها لم ترغب في ربطه إلى الخلف لذا أكتفت بعقد الشريط على رأسها ثم مسحت شفتيها بشي من البلسم الشفاف و لم تكن تحتاج لأكثر من ذلك لتبدو جميلة و لم ترتدي من الحلي سوى سلسلة من الذهب الأبيض علق في طرفها برسيم الحظ بأوراقه الأربعة مرصع بالألماس.
وضعت قليلا ً من العطر على مرفقيها و رقبتها و استخدمت كريما ً للبشرة معطر بنفس الرائحة, رائحة الفل النفاذة. و من ثم حملت كتابها و أخذت وشاحها القرمزي بدرجة أفتح من فستانها من باب الحيطة ففي مثل هذا الوقت المبكر لابد أن رياح الليل الباردة لم تتلاشى من الأجواء بعد.
كانت تغادر غرفتها في الخامسة و خمسة و أربعين دقيقه, تفكر فيما ترغب بتناوله هذا الصباح و حتى هذا الوقت كانت قد نسيت تماما ً موعدها مع السيد إدوارد و لكنها تذكرته الآن و لحسن الحظ أن الوقت لا يزال مبكرا ً.
تمتمت لنفسها و هي تنزل السلالم بحركة سريعة بعض الشيء : - من يدري إن كنت تأخرت أو لا, السيد إدوارد هذا لدية أطباعه الغريبة عوضا ً عن توقيته الخاص به أيضا ً.
أخذ منها الوصول إلى هناك بعض الوقت إذ اضطرت للاستعانة باللافتات المعلقة فهي لم تحفظ هذا المكان عن ظهر قلب بعد.
و عندما وصلت فكرت أن تقف عند مدخل الحديقة قليلا ً لتلتقط أنفاسها ثم دخلت بهدوء و تروي.
لم تتجول بنظرها في المكان بحثا ً عن السيد إدوارد إنما توجهت للنبع مباشرة ً و كان هو يجلس هناك في الجهة الأخرى لهذا لم تره عندما دخلت.
بُهِرَ السيد إدوارد كثيرا ً عند رؤيتها و كادت الكلمات تهرب منه, حاول بكل ما يملك من جدية أن يتمالك نفسه أمامها.
وقف يحيّيها تحية الصباح و لكن للأسف خذلته رصانته فلم تخرج منه الكلمات بسهولة كما توقع.
السيد إدوارد : - مرحبا ً, صباح الـ ... صباح.. صباح الخير آنسة حنين.
ردت حنين تحيته بابتسامة عذبه : - صباح الخير سيد إدوارد, أرجو أنك لم تضطر لانتظاري طويلا ً؟
السيد إدوارد : - لا على الإطلاق لقد وصلت للتو.
( و الحقيقة أنه كان ينتظرها منذ ما يزيد على النصف ساعة (
ثم تابع حديثة : - ذوق ٌ جميل, اللون القرمزي يبرز جمال عينيك ِ. لم أعهدهما بهذه الخضرة من قبل! تبدين كسيدة الربيع.
أجابت حنين و قد توردت وجنتاها بشكل ملحوظ: - شكرا ً لك. لطالما كان لونهما أخضر.
شعر السيد إدوارد بأنه أرتكب حماقة و حاول أن يغير مجرى الحديث : - أرى أنك ِ أحضرتي كتابك ِ.
حنين : - أجل, من حديثنا ليلة البارحة فكرت أنك قد ترغب في مشاركتي قراءة و لو القليل منه.
السيد إدوارد : - ليس هناك أجمل من قراءة الشعر لشخص ٍ آخر غيرك.
مضت لحظه صمت قبل أن يفكر السيد إدوارد بما قاله للتو و أسرع يحاول إيضاح فكرته : - أعني أن تقرأ لشخص ٍ أخر غير نفسك.
حاولت حنين كبت ضحكتها و هي تقول : - أجل, فهمت قصدك. كان بابلو يقرأ لي أشعارا ً كثيرة عندما كنا صغار.
السيد إدوارد : - صديقك ِ؟
حنين : - صديق الطفولة, كان أول جار و أول صديق حظيت به.
السيد إدوارد : - و أين هو الآن ؟
بدا أن فكر حنين ذهب بعيدا ً و سكتت للحظات قبل أن تجيب بسرحان : - لا أعرف.
شعر السيد إدوارد أن الحديث عن بابلو سيقلب أوجاعا ً كثيرة في ذاكرة حنين لذا فضل أن يقتصر حديثهما على الكتاب الموجود بين أيديهما الآن.
مد يده و هو يقول: - هل لي بالكتاب من فضلك ِ؟
أجابت حنين بلا تردد: - أجل تفضل.
قلّب بين صفحات الكتاب ثم سرعان ما توقف عند إحداها.
وقف واضعا ً إحدى قدميه على قاعدة النبع و بدأ بالقراءة بصوت مرتفع.
العزلة
نحن على يقين من دنو الأجل
لكثرة التأكيدات الصادقة للغبار،
نطيل البقاء ونخفض الصوت
بين صفوف المدافن البطيئة،
ذات الترهات من ظل ومن رخام
نُعَلِّل النفس أو نزين المبتغى
بسمو الموت.
شعرت حنين أن بدنها يقشعر عندما ربطت هذه الكلام بالفكرة التي راودتها ليلة البارحة عن تراب البرازيل و والديها.
نظر إليها السيد إدوارد معلقا ً: - تبدو عميقة المعاني, ما رأيك ِ؟
حنين: - إنها تدل بوضوح على أن الشاعر بدأ يشعر بالملل يتسلل إلى حياته كقاتل صامت و هو يرى أن المظاهر التي تجمل بها المقابر من شواهد رخامية و مكلفه ما هي إلا ترهات يحاول الناس من خلالها أن يهونوا من فكرة الموت أو ربما يزينوها.
أردف السيد إدوارد بإعجاب: - تحليل جميل.
ثم أكمل قراءته.
جميلة هي القبور..
التمثال العاري والتواريخ المسجلة الحتمية،
التقاء المرمر مع الزهر
والساحات الصغيرة ذات الفناء البارد
والبارحات الكثيرات من التاريخ
موقوفة اليوم و وحيدة.
علق على هذا المقطع قائلا ً: - إن الزمن توقف عنده في هذه النقطة بالتأكيد.
ثم أكمل حين لم يجد من حنين أي تعليق.
نخطئ هذا السلام مع الموت
ونصدق التوق إلى نهايتنا
ونصبو نحو الحلم واللامبالاة.
اهتزاز في السيوف وفي العاطفة
ونوم في اللبلاب،
الحياة فقط موجودة.
الفراغ والزمن شكلان لها،
وهما أداتان ساحرتان للرئة،
وعندما تكون
ينطفئ الفراغ والزمن والموت،
كما ينطفئ الضوء
يزول طيف المرايا
حيث كانت تتلاشى الظهيرة.
حنين: - يخطئ الناس في اعتقادهم أن الموت يجلب السلام و السكينة معه. نحن نسعى خلف الموت و نعلن أننا نطلبه و لكنه حالما يأتي فإننا لا نتعرف عليه لأننا لم نره من قبل.
السيد إدوارد: - أختصَر وجود الحياة في شكلين فقط و أنا أعتقد أن الفراغ ثقب كبير يسبح في داخله الزمن على غير هدى.
حنين: - و لكن الموت يلغى كل معنى للحياة و يستطيع الغوص في دائرة الفراغ باحثا ً عن الزمن و هو يصطاده في النهاية بنجاح.
أبتسم السيد إدوارد ثم تابع قراءته.
ظل الأشجار لطيف..
ريح وعصافير تموج على الأغصان،
رئة تتنفس من رئات أخريات،
معجزة واحدة، ذات مرة، ابتعدت عن التحول
إلى معجزة غامضة،
على الرغم من تكرارها التخيلي
فظيعة ومرعبة أيامنا.
علق السيد إدوارد هذه المرة: - إنه و بلا شك يرى خلف تلك اللوحة الجميلة التي هي ظل الأشجار و العصافير المغردة كابوس ٌ مرعب يرتدي هذه اللوحة كقناع.
حنين: - يبدو أنه لا ينخدع بهكذا لوحات لأن وجه الحياة الحقيقي أبشع من ذلك.
السيد إدوارد: - معك ِ حق, لنتابع.
هذه الأشياء فكرت بها في العزلة.
في المكان الذي فيه رمادي.
شارع المخزن الوردي
العيون تأتيه عندما يهبط الليل على كل مدخل
ومثل أرض قاحلة تشتم المطر.
كل الطرق قريبة،
وحتى طريق المعجزة.
حنين: - هل هذا يعني أنه لا يفكر بهذه الأشياء سوى عقل إنسان ٍ مريض؟
السيد إدوارد: - إن العزلة ليست بالأمر البسيط أبدا ً, العزلة تفقد الإنسان صوابه و تسلب أشجع الرجال رباطة جأشهم. سمعت كثيرا ً عن رجال قاموا بفعل أشياء لا توصف و لا يقبلها عقل عندما كانوا في عزلة تامة عن البشرية.
حنين: - أتقصد الحملة التي كانت تتسلق قمة إيفيرست و أضطر قائد الحملة لأكل جثث من ماتوا منهم؟
السيد إدوارد: - أجل, هي و غيرها من الحوادث المشابهة.
حنين: - ولكن بعض الأمل ينبثق من اللا مكان في العزلة, أسمع لما يقوله بورخيس هنا ( كل الطرق قريبة و حتى طريق المعجزة ) أي أنه يؤمن بأن هناك من يمكن أن ينتشله من عزلته, أتراه يمنـّي نفسه بهذه الفكرة؟
السيد إدوارد: - هذا يجوز و لكن يبدو لي أنه يؤمن بوجود من ينقذه فعلا ً, لنتابع.
الريح تأتي بالفجر مخدراً.
الفجر يخفينا أن نعمل أشياء مختلفة ومع ذلك يأتينا من فوق.
مشيت طوال الليل
وقلقي أبقاني
في هذا الشارع العادي.
مرة أخرى هنا أمان السهل في الأفق
والأرض البور التي أفسدتها الأعشاب الخبيثة والأسلاك
والمخزنُ المضيءُ
مثل قمرٍ جديدٍ في مساءِ البارحةِ.
حنين: - إنه يتحدث عن ذلك الإغراء الفطري في سكون الفجر لا شك.
السيد إدوارد: - يبدو لي قلقا ً من الوتيرة السريعة لإيقاع حياتهم التي ظهرت مع ظهور المدنية. أنظري هنا كيف يصفها بالخبيثة. و يصف السهل الذي عرفه طيلة حياته بأنه الأمان ذاته.
الزاويةَ أليفةٌ مثل ذكرى
بهذه الساحات السخيّة ووعد إحداها.
كم هو جميلٌ أنْ أشهِّدكَ أيُّها الشارعُ الذي قليلاً ما تراهُ أيامي!
الضوءُ يلّونُ الهواء.
سنواتي جالتْ طرقَ الأرضِ والماء
وفقط أشعر بكَ، أيُّها الشارعُ الهادئ والورديّ.
أُفكر إذا كانتْ جدرانك قد حَبلَتْ بالفجر،
أيُّها المخزنُ مضيءٌ أنتَ بطرف الليل.
السيد إدوارد: - إنه يرى الحياة من زاويته التي أتخذها مسكنا ً له في عزلته. لهذا لا يرى أبعد من الطريق الذي أصبح يمثل له مسار الحياة و ذلك المخزن البعيد الذي هو بمثابة القمر عنده بما أن حدود عزلته لا تسمح له برؤية السماء.
قالت حنين متسائلة: - أو أنه ببساطة يألف البقاء في إحدى زوايا الحياة على البقاء في ساحة الأحداث التي قد لا تحمل أحداثا ً سوى الخيبات المتتالية.
السيد إدوارد: - على الرغم من سنوات عمره التي جاب فيها أماكن كثيرة إلا أنه أختار العودة إلى زاويته هذه أيا ً كانت حرفيه أو معنوية فهي بداية معرفته بالحياة و ما تنطوي عليه من علاقات بين البشر.
ثم أكمل يقول.
أفكر ويبدو لي صوتٌ أمام الأشياء
اعتراف فقري,
لم أنظر إلى الأنهار ولا إلى البحر ولا إلى الجبل،
لكن ضوء بوينيس أيريس ارتبط معي بصداقة
وأنا أصوغ أشعار حياتي وموتي
على ضوء هذا الشارع
الشارع الكبير والصابر..
حنين: - نعم, إنه الحنين إلى الوطن, هو الذي أعمى عينه عن رؤية جمال الحياة التي تجلت واضحة في معالم البلدان التي سافر إليها سابقا ً. تجربته الأولى في العلاقات كانت مع وطنه و مسقط رأسه و هاهو يقولها بصريح العبارة أنه أرتبط بصداقه مع وطنه, الأرجنتين.
السيد إدوارد: - تحليل منطقي, لا أجد ما أضيفه عليه. لنتابع.
إنك الموسيقى الوحيدة التي تعرفها حياتي
وداع
متأخراً جاء وداعنا
متأخراً.. صلباً ولذيذاً ورهيباً مثل ملك معتم.
تدفقَ الوقتُ المحتوم
على العناق الغير مفيد.
وسخينا بالغرامِ معاً. ليس لنا وإنما للعزلةِ الآتية.
الضوءُ صدنا؛ وجاء الليلُ على جناح السرعة.
رحنا حتى للشباك المعدنية في خطورة الظِّل هذا
إلى أن هدأت نجمة الصبح.
سكت السيد إدوارد يتأمل قليلا ً قبل أن يقول: - إنه يشبّه علاقته بوطنه كعلاقة حبيب بمحبوبتة. إن أصعب وداع على وجه هذه الأرض هو وداع بين حبيبين.
حنين: - و هو لا يحاول إخفاء شيء من مشاعره لأنه يعلم أنه مقبل على عزله.
السيد إدوارد: - هذا صحيح, حتى أنه لم يحسب للمخاطر أي حساب في سبيل اللقاء بحبيبته قبل موعد الرحيل. سأكمل الآن.
كمن يعود من فردوس مفقود عدتُ من عناقك.
كمن يعود من بلد السيوف عدتُ من دموعك.
توثبٌ متأخرٌ بقي مثل حلمٍ بين تلك المساءات.
ثم رحتُ أُدرك الليالي.
والانكسارات.
حنين: - يبدو محطم الفؤاد.
السيد إدوارد: - و لكنه مرغم على الرحيل و لم يدع تلك الدموع أو ذلك العناق يحتضنه للأبد.
و تابع يقول .
الليلة الجديدة هي مثل جناح على أرصفتك.
أنت بوينيس أيريس التي كنا بها، التي ابتعدتْ في السنوات بهدوء.
إنّكِ، لنا. متهتكةً مثلما يضاعف الماء النجمة.
ميناء مزيف في الزمن، شوارعك تنظر إلى الماضي بخفة أكثر.
ضياء من حيث الصباح يأتينا، على الماء الحلو العكر.
قبل إنارة الستارة المعدنية للنافذة تنزلين الشمس السعيدة
على قصورك.
المدينة التي ترن مثل بيت شعر
شوارعَ وأضواءَ ساحة.
السيد إدوارد: - إنه كما ذكرت سابقا ً لا تعجبه الوتيرة السريعة للحياة التي هبطت على وطنه و مدينته بالأخص, أنظري كيف يرى أن مدينته التي عرفها رحلت برحيل هويتها تدريجيا ً مع مرور السنوات و تطور الحضارة فيها شيئا ً فشيئا ً.
حنين: - أنت محق, و لكنه يصر على أنها مدينته رغم أن هويتها الحقيقية أصبحت ضعيفة و تكاد لا ترى تماما ً كخيال نجمة على صفحات الماء. إنما الماء لا يشوه هوية مدينته فقط فهو يظهرها بحجمها الكبير الذي يقارب حجمها الحقيقي.
السيد إدوارد: - ثم إنه يتحدث بشكل غير واضح عن أمجاد الأرجنتين في الماضي أيام المكتشفين الأوائل عندما كانت بوينيس آيريس ميناءا ً مهما ً وقف عنده التاريخ أكثر من مرة.
حنين: - ألا ترى أنه ختم قصيدته ببيتين رائعين.
قال السيد إدوارد بإعجاب بالغ بكل ما قرأه: بلى.
حنين: - هلاّ أعدت قراءة القصيدة كاملة هذه المرة من فضلك؟
السيد إدوارد: - لا مانع لدي الآن بعد هذه الجولة الممتعة في التحليل.
بدأ السيد إدوارد في قراءة القصيدة من جديد بدون توقف بينما وضعت حنين وشاحها جانبا ً و اتكأت على راحتي يديها.
عندما انتهى السيد إدوارد من قراءته أقفل الكتاب و وضعه على حافة النبع ثم جلس.
السيد إدوارد: - أرى أنك ِ ترتدين زهرة الحظ, هل تؤمنين بها فعلا ً ؟
أمسكت حنين بالزهرة و رفعتها و هي تقول: مطلقا ً, لا أحتاج إلى زهرة لأحصل على الحظ الجيد. إنها هدية من والدتي هذا كل ما في الأمر.
السيد إدوارد: - ما لذي يجلب الحظ الجيد في اعتقادك ِ أذن ؟
نظرت إليه مباشرة ً و ابتسامة ماكرة تعلو وجهها: - العمل الجيد.
وقف السيد إدوارد و نفض القليل من الغبار عن ملابسه و هو يقول: - من الجيد أن يكون لديك ِ تفكير عملي في هذه السن, إنك تختلفين عن الكثير من الفتيات المراهقات في سنك.
حنين: - و كيف ذلك؟
السيد إدوارد: - لا أعرف تبدين أكثر نضجا ً, أعني فكريا ً.
حنين: - تعلمت في أفضل مدرسة, الحياة.
السيد إدوارد: - معك ِ حق, إنها أفضل مدرسة قطعا ً.
ثم مد يده لها و هو يقول: - و الآن أسمحي لي آنستي أن أدعوك ِ لإفطار إنجليزي محترم.
حنين: - شكرا ً سيد إدوارد و لكن أعتقد أنه من الأفضل أن أعود لغرفتي الآن.
جذبها السيد إدوارد من ذراعها و هو يقول: - في الواقع إن لم نسرع فإن المطعم سيقفل أبوابه بعد نصف ساعة استعدادا ً لوجبة الغداء كما أنني لا أصدق أنك ِ ستحبسين نفسك ِ في يوم ٍ جميل كهذا.
لم تجد حنين بدا ً من مجاراته و الذهاب معه و فكرت في نفسها " معلومة جديدة يجب أن أضيفها عن هذا الرجل, إنه ليس فقط غريب الأطوار بل و عنيد أيضا ً "
طلب السيد إدوارد فطورا ً إنجليزيا ً تقليديا ً مكونا ً من عصير البرتقال الطازج و الكرواسون بالزبد المحشي بقطع من الفراولة الطازجة و كأسا ً آخر من الحليب الطازج البارد.
خلال الفطور لم يتبادلوا الكثير من الأحاديث و لكن عند مغادرتهم للمطعم سألها السيد إدوارد: - ألن تخرجي من المدرسة اليوم؟ إنه يوم عطلة.
حنين: - لا أعرف أحدا ً لأخرج معه سوى كاثرين و هي تقيم عند عمتها في كل عطلة أسبوع.
قال السيد إدوارد بحماسة بالغه: - أستعدي إذا ً, سأمر لاصطحابك ِ بعد الظهيرة و لا تتناولي شيئا ً لأننا سنتناول غدائنا في أفخم مطاعم يورك.
حاولت حنين بيأس أن تعارض هذا الاقتراح: - سيد إدوارد إنك لم تترك لي فرصة لأقرر ما إذا كنت أرغب في الذهاب أو لا.
أجاب السيد إدوارد بتحذلق: - هل زرتي يورك من قبل؟
حنين: - لا.
السيد إدوارد: - هذا ما توقعته لأنك ِ لو زرتِها سابقا ً لما ترددت ِ بزيارتها الآن. جربي أن تزوريها هذه المرة فقط. أعطي لنفسك ِ فرصة للعيش قليلا ً و أنا أعدك ِ بأنك ِ ستحصلين على أفضل دليل على الإطلاق.
فكرت حنين قليلا ً " كنت أعتقد أن كاثرين هي أفضل دليل على الإطلاق"
ثم سألته بشيء من التشكك: - و من هو هذا الدليل؟
أجاب السيد إدوارد بابتسامة صفراء: - أنا بالطبع.
قالت حنين بصوت غير مسموع: - هذا ما كنت أخشاه.
السيد إدوارد: - هل كانت هذه موافقة؟
حنين: - لا أجد بدا ً من ذلك إنك لحوح و لابد أنك تعرف ذلك.
السيد إدوارد: - في الواقع أنت ِ أول من يخبرني بذلك الآن.
حنين: - حسنا ً تستطيع المرور بي في الثالثة.
السيد إدوارد: - ما رأيك ِ في الثانية؟
أجابت حنين بإصرار: - لا, الثالثة أكثر ملائمة.
حاول السيد إدوارد مماطلتها: - أنا الدليل و أنا من يقرر أفضل وقت للذهاب.
نظرت إليه حنين بجدية و هي تقول: - أفعل ما يحلو لك و لكن إن حضرت في الثانية فسوف تضطر للانتظار ساعة كاملة.
و أخيرا ً بدا أنه أستسلم حيث قال: - حسنا ً كما تريدين, سأذهب لإنجاز بعض الأعمال الآن إلى اللقاء.
حنين: - إلى اللقاء.
عادت حنين إلى غرفتها لوحدها مع كتابها و هي تفكر " يا إلهي, إنه يبدو صبيانيا ً جدا ً. أرجو أن تثبت لي النزهة في يورك اليوم أنه عكس ذلك ".
|