المنتدى :
الارشيف
رحلة غربة على أرض الوطن
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه الرواية كتبتها بقلمي, حرصت على أن يكون مسرح الأحداث واقعيا ً بينما تكون الأحداث من مخيلتي كما اضفت صورا ً حقيقيه من مسرح الأحداث قدر ما استطعت لإضفاء طابـ ع مميز و لمساعدة القاريء على الإندماج في جو الرواية قدر المستطاع.
على أمل أن يعجبكمـ ما تقرأون .
°ˆ~*¤®§(*§*)§®¤*~ˆ°ˆ~*¤®§(*§*) §®¤*~ˆ°
-1-
بداية الرحلة
كانت ملامح الحيرة متجلية على وجهها الذي اختلطت فيه ملامح الشرق بعيون الغرب .
استلمت حقائبها بعد برهة من الانتظار في صالة مطار لندن ثم توجهت نحو مجموعه من الفتيان و الفتيات الذين بدئوا بالتجمهر حول بعضهم البعض .
اقتربت منهم لتستطلع الأمر فوجدت رجل يبدو عليه أنه في العقد الثالث من العمر يرتدي بدله رسميه عليها شعار مدرسة كوين إيثيلبيرجا , عرفت الآن أنها قد وصلت إلى وجهتها المنشودة.
انضمت إلى المجموعة التي لم تأخذ وقتا ً طويلا ً حتى أكتمل عددها ثم توجه الجميع إلى الحافلات المخصصة لنقلهم إلى أرض المدرسة.
استرخت في مقعدها بجانب النافذة , أغمضت عينيها و أرجعت رأسها للخف بهدوء . لحظات قليلة حتى انطلقت الحافلة و بدأت الأصوات الكثيرة الممتزجة ببعضها البعض في الاضمحلال حتى لم يعد هناك سوى صوت فحيح الهواء .
بعد حوالي خمس دقائق فتحت عينيها . ألتفتت بوجهها ناحية النافذة , اتكأت بذقنها على راحة يدها و غاصت في خيالها إلى مكان ٍ بعيد و زمن ٍ مختلف و عالم لا يسكنه بشر .
- إنه لمنظر يسر العين و يذهب عن الإنسان هموم العالم .
كانت هذه الفتاة الصهباء الجالسة بجانبها تخاطب حنين ظنا ً منها أنها تتأمل الطبيعة الخلابة في الخارج . لم تكن لديها أدنى فكرة أنها لم تعد معهم على ارض الواقع بتاتا ً.
أخذت الفتاة تتحدث القليل عن ضيعه ثورب اندروود هول التي يقع فيها مبنى المدرسة و الكثير عن مقاطعه يوركشاير و كان من الواضح أنها تتحدث بزهو .
أصبحت الوقفات في حديثها طويلة بعض الشيء, بدا التردد واضحا ً في نبرة صوتها حتى سكتت في نهاية الأمر.
شعرت حنين بذلك فنظرت ناحية الفتاة التي كانت بدورها تنظر إلى حنين و فوق رأسها علامة استفهام كبيرة. قالت لها حنين و الابتسامة تعلو وجهها : - أعذري تصرفي اللامبالي فأنا لم أصل إنجلترا سوى منذ بضع دقائق و ها قد أستبد بي الحنين إلى الوطن, أسمي حنين .
أجابت الفتاة و قد انفرجت أساريرها : - و أنا كاثرين سررت بلقائك ِ حنين .
ثم أردفت و كأنها تخاطب نفسها : همممم , حنين . أسم ٌ جميل لم أسمع به من قبل و لكنه مميز.
حنين : - شكرا ً, سررت بلقائك ِ أنا أيضا ً, و الآن أرجوك ِ تابعي ما كنت ِ تقولينه عن مدرستنا فأنا قد أصغيت إلى البعض من حديثك و أحب أن أعرف عنها أكثر قبل أن نصل إلى هناك .
تعجبت كاثرين و سألتها بدهشة : - هل تقولين لي أنك ِ قطعت كل تلك المسافة في الجو لتأتي إلى مكان ما و تمضي فيه بضعه سنين و لم تهتمي بمعرفه أي شيء عن ما ستقابلينه !؟
تبدلت نظرة الفرح التي كانت في عينيّ حنين منذ قليل و أنطفأ البريق الذي لمع فيهما منذ لحظات و قالت : - إن لم أتي إلى هنا كنت سأذهب إلى مكان ٍ بعيد آخر, كل الأماكن تشابهت بالنسبة لي الآن . كاثرين , إن المغترب لا يهتم بالسؤال " أين أنا ؟ " بقدر اهتمامه بالسؤال " متى سأعود ".
كاثرين : - قد تكون هذه غربه بالنسبة لك ِ و لكنها عودة إلى الوطن بالنسبة لي.
حنين : - كيف ؟
كاثرين : - لقد سكن أجدادي في مدينه يورك و هي عاصمة مقاطعه يوركشاير كما تعلمين و مدينه الفايكنج منذ القدم .
و غمزت لحنين عند هذه العبارة بسرور .
حنين : - أهذا يعني أن أصلك ِ يعود إلى الفايكينج !؟
أجابتها كاثرين بكل فخر و إعتزاز : - أجل تماما ً . و لكن والدي سافر بنا إلى لندن في رحلة عمل قبل عشرة سنوات و أستلم منصبا ً مرموقا ً في فرع لندن و لم نعد إلى هنا من حينها .
إنما في السنة الماضية ألححت عليه أن أكمل ما تبقى من دراستي هنا, كان مترددا ً في البداية و لكنه وافق آخر الأمر.
و كما ترين فإن لي معرفه بهذه المقاطعة و مدنها أكثر من أي طالب آخر هنا برغم أن الكثير من الطلاب إنجليز إلا أنهم ليسوا من يوركشاير .
حنين : - و في أي سنة أنـتي الآن ؟
كاثرين : - عمري سبعة عشر سنه, أي في المستوى السادس في السنة الثانية عشر بالتحديد.
حنين : - و أنا كذلك .
كاثرين : - لِمَ كل هذا البؤس إذن , إنها سنتين و تعودين إلى ديارك ِ .
عادت حنين تنظر إلى النافذة و أمواج من الدمع بدأت تتشكل في مقلتيها الخضراوين و هي تقول بصوت ٍ خفيض : - أنت ِ مخطئه , لأنني هنا للأبد .
لم تفهم كاثرين شيئا ً مما كانت تعنيه حنين إلا أنها شعرت بأن في الأمر ما هو أكبر من مجرد رحلة دراسية و هذا هو ما يحزن حنين بالفعل .
أدركت أن لا شيء ستقوله الآن قادر على إبهاج هذه الفتاة المحبطة, أخرجت جهاز صغير من حقيبة يدها و قبل أن تضعه في أذنها قالت مخاطبة حنين: - أنتي هنا الآن و لا تستطيعين تغيير ذلك فحاولي الاستمتاع بوقتك ِ على الأقل. أفعلي مثلي.
و أخذت تهز سماعات صغيرة في يدها ثم تابعت: - لم تمضي سوى 15 دقيقة منذ انطلاقنا هذا يعني أنه تبقى من مسافة الطريق حوالي ساعة و نصف بعدها سأكون دليلك ِ في جولة استطلاعيه للمدرسة و مرافقها. ستسرين كثيرا ً ثقي بي.
نظرت حنين إلى الفتاة التي أسندت رأسها و أغمضت عينيها و رسمت ابتسامة رضا كبيرة على وجهها و فكرت أن تفعل نفس الشيء.
و هكذا فعلت .
في الحقيقة لم تهتم حنين بمشاهدة الكثير من المناظر الخلابة التي تأسر العقل و القلب معا ً في ذلك الريف الساحر الذي عبروه, كانت قد رأت من العالم أكثر مما يمكنها أن ترى.
و للحظه قررت الغوص في أعماق نغمات ياني الساحرة و ألحانه العجيبة و رحلت أخيرا ً في نغمات رائعته Aria إلى أسعد مكان يمكنها أن تذهب إليه في أحلامها .
الوطن.
هكذا كانت ترى نفسها كلما استمعت إلى هذه المقطوعة الفريدة في كل مرة .
على مشارف الوطن .
.. يتبـ ع ..
|