-2-
جولة في أرجاء المدرسة
بعد مضي 95 دقيقة دخلت حافلة الطلاب إلى أرض المدرسة , تماما ً كما قالت كاثرين .
نزل الجميع إلى ساحة كبيرة و كان نفس الرجل الذي رأته حنين في المطار يقف الآن أمام الطلاب يتحدث إليهم , فكرت في نفسها ربما يكون المرشد الطلابي للطلاب الجدد .
أخذ يتحدث حوالي خمسة دقائق ثم أخذهم إلى داخل الحرم المدرسي و قام بتزويدهم بالمعلومات التي يحتاجونها حاليا ً.
أمسكت كاثرين بيد حنين و سارت بها على جانب المجموعة متجهة إلى مبنى كبير على بعد مسافة بعيدة نسبيا ً من المبنى الرئيسي .
حنين : - إلى أين نحن ذاهبات ؟
كاثرين : - إلى سكن الطالبات , لم تكن لديك ِ نية في الاستماع إلى محاضرة السيد إدوارد بالتأكيد .
حنين : - لست أدري , يبدو أنه سيزود الطلاب الجدد بما يحتاجونه للتعرف على البيئة الدراسية هنا.
كاثرين : - هل تقولين أنك ِ تفضلين هذا المتأنق على صديقتك ِ الصهباء كدليل.
حنين : - قطعا ً لا , يبدو أنه لا مجال للمقارنة.
ضحكت الفتاتان بصوت مسموع و أخذتا تسرعان الخطى نحو مبنى الطالبات.
و هناك في الطابق الثاني أمام الغرفة B6 وقفت الفتاتان. قالت كاثرين و هي تجاهد للبحث عن المفتاح المطلوب في سلسلتها التي أثقلتها كثرة المفاتيح : - هذه هي غرفتي , و لكن انتظري لحظه لا استطيع إيجاد مفتاحها ؟
تعجبت حنين عندما لاحظت أن أغلب مفاتيحها متشابهه : - بالله عليك ِ كيف تنوين العثور عليه وسط هذا الكم الهائل من المفاتيح , إنها لا تحتوي حتى على ملصق صغير لتميزيها عن بعضها !
أجابتها كاثرين و هي ترفع المفتاح بانتصار : - آها هاهو وجدته , إنها مسألة تعود يا عزيزتي , أنا أحفظ أشكالها عن ظهر قلب .
حنين : - و لكن بعضها متطابق تماما ً !
كاثرين : - إنهم كأطفالي , لدي القدرة على التمييز بينهم تماما ً كما تستطيع الأم أن تميز بين أولادها التوأم , و الآن هيا دعينا ندخل لن نقف هنا طوال النهار .
عندما دخلت حنين إلى الغرفة كانت أول فكرة راودتها هي " يا إلهي , إنها تحلم بالأخضر ! "
كان كل شيء في الغرفة يمتزج ما بين الأخضر الفاتح و الأبيض مطعّم بقليل من الأصفر الهادئ.
في الواقع أعجبتها الغرفة و شعرت بارتياح كبير للهدوء الذي يخيم عليها.
كاثرين : - حسنا ً ما رأيك ِ هل أعجبتك ِ ؟
حنين : - إن اختيارك للألوان موفق تماما ً على الرغم من أن كل شيء يكاد يكتسي باللون الأخضر .
قاطعتها كاثرين بمرح : - حسنا ً لقد كشفتني , أنا أكبر معجبة بهذا اللون .
حنين : - و لكن هذه الألوان متداخلة مع بعضها بطريقة تعطي المكان حجما ً أكبر .
كاثرين : اضطررت للجوء إلى هذه الخدعة , كما ترين حجم الغرفة مترين في مترين تقريبا ً.
حنين : - إن هذه اللوحة المعلقة تشعرني بالجوع .
و أشارت إلى لوحه صغيرة ذات إطار خشبي فاتح علقت فوق السرير تضم في داخلها مجسمات لتفاحات خضراء صغيرة .
كاثرين : أنتي محقه , أنا لم آكل شيئا ً في الطائرة ما رأيك ِ أن نتوجه إلى المطعم ثم نباشر جولتنا .
وافقتها حنين بالرأي و مضتا في طريقهما إلى المطعم .
عند دخولهما للمطعم سألتها كاثرين : - هل أنتي نباتيه ؟
حنين : - لا , و أنتي ؟
كاثرين : قطعا ً لا , إن الطعام من متع الحياة و أنا لن أحرم نفسي من هذه المتعة .
ضحكت حنين على وصف كاثرين للطعام بالمتعة ثم أردفت تقول : - لِمَ إذن هذا السؤال ؟
كاثرين : أنتي رقيقة جدا ً بحيث ظننتك ِ لا تأكلين اللحم .
ضحكت بصوت مسموع ثم قالت : - في الواقع يوجد هنا قسم مخصص للنباتيين لذا كان لابد أن أسألك ِ .
و الآن هل تريدين غداء ً محترما ً أم بيتزا ؟
حنين : - أريد مأدبة لو كان لديهم واحدة , إني أتضور جوعا ً .
مضت 45 دقيقه قبل أن تفرغ الفتاتان من الطعام .
كاثرين : - هذا سيضرني كثيرا ً لقد أكلت بسرعة كبيرة .
حنين : - أشعر بالتخمة .
كاثرين : - أصدقك ِ القول عندما أقول أني لا أستطيع النهوض من مكاني الآن !
حنين : - و ماذا عن جولتنا ؟
فكرت كاثرين قليلا ً ثم لمعت في رأسها فكرة : - ما رأيك ِ أن نتبادل أطراف الحديث هنا لنصف ساعة على الأقل ثم نبدأ بالجولة ؟
حنين : - لا بأس , تبدو لي فكرة جيدة .
كاثرين : - أنا سأبدأ , أسمي كاثرين ويلي لوكهارت و لدي من الأخوة شقيقين فقط مارك في العاشرة من عمره و جيمس في العشرون .
والدي يعمل في شركة تكنولوجيا كبرى و والدتي معلمه للصفوف الابتدائية.
و أخبرتك ِ من قبل أن هذه المنطقة بالتحديد هي مسقط رأسي.
حنين : - و الآن حان دوري , أسمي حنين صابر العطار و أنا طفلة وحيدة والدي عالم آثار و والدتي عالمة نباتات أما عن مسقط رأسي فقد ولدت في البرازيل .
صاحت كاثرين بإعجاب : واو , يبدو والداك ِ مهمان.
ثم استطردت بحيرة : لا تبدين لي أجنبية , هناك شيء ٌ مختلف بخصوصك ِ .
ابتسمت حنين نصف ابتسامه و هي تقول :- لدي جذور في كل بلد تقريبا ً .
كاثرين : - و كيف هذا ؟
حنين : - ركزي قليلا ً فيما سأقوله الآن لأنني أخشى أن تتوه أفكارك ِ عند نقطة ٍ ما.
كاثرين : - تكلمي كلي آذان مصغية .
حنين : - والدتي إنجليزية و والدي مصري , بينما جدتي لأمي فرنسية و جدتي لأبي إسبانية .
سكتت قليلا ً لتتأكد ما إذا كانت صديقتها قد فهمت الأمر من كل جوانبه .
بعد برهة تكلمت كاثرين : - دعيني أحلل الأمر قليلا ً , هذا يعني أن رجلا ً إنجليزي تزوج بفرنسية و أنجبا بنتا ً و في الجهة الأخرى رجلا ً مصري تزوج بإسبانية و أنجبا صبيا ً ثم تزوج الصبي بالفتاة و هما الآن والداك ِ .
حنين : - أجل تماما ً , و لكنك ِ عقدتي الأمور قليلا ً ألا ترين هذا !
ضحكت الفتاتان قليلا ً ثم سألتها كاثرين : - و لكن الأمر مربك حقا ً , أي جنسية تحملين على أية حال ؟
حنين : - لدي العديد من جوازات السفر الملونة . لدي الجنسية المصرية و الإنجليزية و البرازيلية و الفرنسية و الإسبانية .
كاثرين : - و لكن كيف استطعت ِ الحصول عليها كلها , بعضها يتطلب وقتا ً طويلا ً ؟
حنين : - بعضها امتيازات يحصل عليها والديّ من بعض البلدان أسهل من غيرهم.
فوالدي عمل في بعثات فرنسية كثيرة و والدتي أيضا ً عملت لبعض البلدان الأخرى و كلها كانت في بداية مشوارهم تقريبا ً فهم الآن يفضلون العمل لصالح بلد واحد فقط أو العمل لصالح أنفسهم .
كاثرين : - أخبريني كيف هي حياة العلماء ؟
حنين : - العلماء بشر مثلنا يا كاثرين , لا تعتقدي أنهم منزهون عن الأخطاء .
كاثرين : - لطالما كنت أنظر إليهم بإعجاب شديد , و لكن أليست حياتهم تنطوي على مخاطر جمّة .
حنين : - بلى , إنما عندما تعيشين وسط تلك الحياة لا تشعرين بأنك تتجهين للمصاعب بقدميك ِ كما يفعلون دوما ً .
كاثرين : - و أنت ِ ماذا عنك ِ , هل تنوين أن تكوني عالمة أيضا ً ؟
حنين : - ليس في نيتي ذلك أبدا ً .
كاثرين : - هذا سيكون خيبة أمل كبيرة بالنسبة لوالديك ِ .
حنين : - على العكس , إنهم يتفهمون حاجتي للاستقرار.
كاثرين : - هذا أمر جيد , والدي يضغط علي بطرق غير مباشرة لأحوز على شهادة في برمجة الحاسب و أنا لا أشعر بميل لها .
حنين : - لكل منا معركة لابد أن يخوضها و هذه معركتك ِ , أتمنى لك ِ الفوز فيها .
و وضعت يدها في يد صديقتها تصافحها ثم نهضت كاثرين من مكانها و هي تعلن : - و الآن حان الوقت لنبدأ جولتنا , هيا بنا.
خرجت الفتاتان من المطعم و توجهتا إلى مبنى قريب .
كاثرين : - هذا هو مركز الكمبيوتر و الأعمال و الإعلام كما ترين يحتوي على أجهزة حاسب عديدة متصلة بالإنترنت بأقمار صناعية و هناك مساحة مخصصة للاستخدام الصحفي من تحرير و نشر و إصدار الجرائد و المجلات إذا كان يهمك ِ الأمر.
توجد أيضا ً مساحة مخصصة للتعرف على المهن و الوظائف سوف تساعدنا كثيرا ً.
خرجوا من الغرفة الكبيرة و توجهوا عبر الممر إلى قاعه جلوس أكبر.
كاثرين : - هذه القاعة محصورة على طلاب المستوى السادس " أي نحن " و رفعت رأسها في حركة تمثيلية .
كما ترين فهي تحتوي على كل شيء من أجهزة التلفاز إلى غسالة الصحون .
ثم توجهوا عبر باب من الجانب الأيمن للقاعة وصولا ً إلى المكتبة و هناك أعجبها ما رأت من فخامة فالمكتبة مزينة بألواح من خشب السنديان تضفي على المكان هيبة.
كاثرين : - توجد هنا قاعه للمذاكرة أيضا ً محصورة لطلاب المستوى السادس .
حنين : - إنها جميلة جدا ً .
كاثرين : - يبدو أن الأعمدة تعجبك ِ لنذهب إذا ً إلى قاعه الطعام الرسمية .
عندما وصلوا إليها كان أول شيء قالته كاثرين : - إنها محصورة على طلاب المستوى السادس أيضا ً .
تعجبت حنين بعض الشيء : - هل كل شيء هنا محصور على طلاب المستوى السادس , ألا توجد مستويات أخرى في هذه المدرسة ؟
كاثرين : - بلى يوجد و لكن أنا تعمدت أن أركز في جولتنا على ما يخصنا فقط , لن تحتاجي لمعرفة أكثر من هذه الأماكن فأنتي لن تجلسي مع طلاب المستويات الأخرى على كل حال.
حنين : - هذه الفضيات غاية في الجمال .
كاثرين : - لقد صممت هذه القاعة للاستخدامات الخاصة فقط كالمؤتمرات و الأمسيات الثقافية.
أمسكت كاثرين بيد صديقتها و أخذت تهرول بها و هي تقول : - و الآن إلى مكاني المفضل , المسرح.
كان المسرح بعيدا ً بعض الشيء و كانت الفتاتان تلهثان قليلا ً عندما وصلتا.
وقفت كاثرين عند المدخل قليلا ً لتلتقط أنفاسها ثم أخذت نفسا ً عميقا ً و قالت : - إلى الداخل.
و في الداخل شاهدت حنين أفضل تجهيزات يمكن أن يتمتع بها أرقى مسرح.
كاثرين : - هذا هو مركز الدراما , تسمى قاعة برونتي . لا أستطيع أن أصفها أكثر لنأخذ جولة خلف المسرح و تشاهدين كل شيء بنفسك ِ .
تجولوا بعض الوقت في المسرح و عندما خرجوا منه توجهوا نحو النادي الصحي.
كاثرين : - هذه البركة ذات درجة حرارة ثابتة إنها دافئة طوال الوقت.
أشارت بيدها إلى مكان قريب و هي تقول :
- هذا هو حمام السونا و هو محصور على طلاب المستوى السادس أيضا ً . و يوجد حمامان تجاريان لمن يرغب في أخذ حمام شمسي و لكنك ِ تحتاجين أذنا ً من والديك ِ لاستخدامه.
و الآن إلى النادي الرياضي.
حنين : - لا , لا أستطيع لقد تعبت. إننا نهرول منذ وقت ٍ ليس بقصير.
كاثرين : - لنذهب إلى هناك الآن و سأحاول اختصار الجولة .
كان مركز اللياقة البدنية مجهز بكامل الأجهزة الرياضية و أجهزة أكروبات متكاملة مع قسم مخصص للبالية.
ثم توجهوا بعد ذلك عبر باب جانبي إلى صالة الجمنازيوم .
كاثرين : - في بعض المناسبات تستخدم هذه الصالة كمسرح لأنها أكبر من المسرح كما ترين حوالي الضعف و أكثر بقليل كما أنها مجهزة لأن تتحول إلى مسرح مزود ببلكون أيضا ً.
عندما خرجوا من المبنى عائدين في طريقهم إلى المبنى الرئيسي رأت حنين مبنى أخر أقل حجما ً من معظم المباني.
حنين : - ما هذا المبنى الصغير هناك ؟
كاثرين : - إنه المقر التجاري أو المحل المدرسي كما نحب أن نسميه هنا , تباع فيه مختلف الأزياء المدرسية القديمة منها و الجديدة و توجد فيه أيضا ً قرطاسيه تباع فيها الأدوات الدراسية بسعر مخفض و عدد كبير من الألعاب و الكتب.
أكملت كاثرين حديثها و يبدو أنها تقمصت دور الدليل كثيرا ً : - توجد أيضا ً خمسة ملاعب تنس بأضواء كاشفة و صالحه للاستخدام في كل الأجواء و يمكن استخدامه كملعب لكرة الشبكة.
إنه يقع خلف المبنى الرئيسي سنزوره فيما بعد.
يوجد لدينا أيضا ً مركز صحي و ممرضة و حدائق على الطراز الإنجليزي و الكثير من الأشياء التي ستتعرفين عليها أثناء وجودك ِ هنا و بعضها تاريخي يعود عمرها إلى زمن ٍ غابر كعين الماء الدائرية التاريخية و التي لا تزال موجودة هنا.
حنين : - لا أعرف كيف أشكرك ِ على كل هذا يا كاثرين , كنت ِ خير دليل.
كاثرين : - نحن في الخدمة دوما ً.