المنتدى :
التاريخ والاساطير
الأخطل
هو غياث بن غوث بن طارقة بن عمرو بن سيحان بن الفدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط ، كنيته أبو مالك و لقبه الأخطل و هو اللقب الرئيسي و له ألقابٌ أخرى منها : دوبل ، و ذو العباية ، و ذو الصليب .
و قد تضاربت الآراء حول تسميته بالأخطل ، و لم تتفق حول سبب هذا اللقب و تاريخه و أصله .
فقال الجواليقي : " سمي الأخطل بذلك من قولك : خطل في كلامه يخطل خطللاً ، إذا كان مضطراب الكلام " . و قال الزبيدي : " رجلٌ أخطل اللسان : مضطربه و به لقب الشاعر " . و زعم ابن قتيبة " أن الأخطل مشتق من الخطل و هو استرخاء الأذن ، و منه قيل لكلاب الصيد " و قد عقب البطليوسي على ذلك بقوله : " لا أعلم أحداً ذكر أنَّ الأخطل كان طويل الذنين مسترخيهما فيقال إنه لقب بالأخطل لذلك " . أما الأصمعي فقال أن الباحثين قد توهموا حين ظنوا أن الاضطراب معناه الضعف و الاختلال .
و جاء في لسان العرب : " إنما سمي بذلك لطول لسانه ، و قيل : هو من الخطل في القول لكعب بن جعيل شاعر تغلب قبل الأخطل :
لعمرك ، إنني و إبني جعيلِ و أمهما لأستارٌ لئيم "
و جاء في الأغاني أيضا عن ابن السكيت أن عتبة بن الوغل التغلبي حمل حمالة ، فأتى قومه يطلب عونهم ، فجعل الأخطل يتكلم و هو يومئذ غلام فقال عتبة من هذا الغلام الأخطل ؟ و في الأغاني أيضاً عن أبي عبيدة أن غياث بن غوث هجا رجلاً من قومه ، فقال له : يا غلامُ إنك لأخطلٌ ، فلقب به . و في الأغاني أيضاً أن أبا الشاعر هو الذي لقبه بذلك عندما طرد غنم كعب بن جعيل شاعر تغلب ، فغضب كعب و شتمه و استعان بقومٍ من تغلب فردها إلى الحظيرة ، فارتقب الأخطل غفلته و طردها ثانية ، فغضب كعب و قال : كفوا عني هذا الغلام و إلا هجوتكم . فقال الأخطل : إن هجوتنا هجوناك و كان يومها يقرزم ، فقال كعب صدراً :
شاهدَ هذا الوجهُ غبَّ الحمهْ
فأكمل الأخطل العجز قائلاً :
فناكَ كعبُ بن جعيلٍ أمهْ
ثم إستحكم بينهما الهجاء فقال الأخطل :
و سميت كعباً بشرَّ العظامِ و كانَ أبوك يسمى الجعلْ
و أنتَ مكانكَ منْ وائلٍ مكانَ القرادِ من إست الجملْ
ففزع كعب و قال : قد كنت أقول : لا يقهرني إلا رجلٌ له ذكرٌ و نبأ ، و لكن أبا الأخطل خشيَ عاقبة إبنه فضربه و قال له : أبقرزمتك تريد أن تقاوم إبن جعيل ؟ ! ثم جاء كعب بعدها مستنكراً صنيعَ الغلام فقال له أبوه : لا تحفل به فإنه غلام أخطل . فمن الثابت إذاً أن الرعونة و البذاءة و سلاطة اللسان كانت الدافع لتسمية الأخطل بهذا اللقب .
أما ألقابه الأخرى فإنها تعد ثانوية بالنسبة للقب الذي اشتهر به . فقد ذكر المؤرخون أن أمه لقبته في طفولته " بدوبل " . و الدوبل هو الخنزير أو الحمار القصير الذنب . و يظهر أن جريراً قد تلقف هذا اللقب فهجاه قائلاً :
بكى دوبلٌ ، لا يرقئ الله دمعه ألا إنما يبكي من الذلَّ دوبلُ
و لقبه جريرٌ بذي العباية في قصيدة فيها حين أسر في يوم البشر و كانت عليه عباءة قذرة و في ذلك يقول جرير :
يا ذا العباية ، إنّ بشراً قد قضى ألاّ تجوزَ حكومةُ النسوان
و لقب الشاعر أيضاً بذي الصليب و قد ورد في القاموس المحيط للفيروزابادي :
" ذو الصليب لقب الأخطل التغلبي " . و قال الأب لويس شيخو في كتابه شعراء النصرانية بعد الإسلام أن أمَّ الأخطل علقت على صدره صليباً ، لم ينزعه حتى كهولته ، حتى عند دخوله على الخلفاء ، فعرف لذلك " بذي الصليب "
إلا أن هذه الألقاب الأخيرة لم تجر على ألسنة الرواة و النقاد مجرى اللقب الأول و ظل لقب الأخطل طاغياً على اسمه على مدى العصور الأدبية وصولاً إلى عصرنا الحاضر حيث زيد عليه لفظة " الكبير " للتمييز بينه و بين الأخطل الصغير بشارة الخوري الذي لقب بالأخطل تيمناً به .
و كما اختلف المؤرخون حول سبب لقبه ، فقد أغفلوا تاريخ ولادته و لم يذكروا تاريخاً محدداً لها . إلا أننا نستعين برواية ابن سلام الجمحي في كتابه طبقات فحول الشعراء ، حيث يعطينا طرفاً يدلنا على تاريخ ولادة الأخطل على وجه التقريب فهو يقول : " كان الأخطل أسن أهل طبقته " " و من الثابت أن شعراء هذه الطبقة هم الفرزدق و جرير و االراعي و الأخطل أما الراعي فلا نعرف من تاريخ ميلاده شيئاً ، و أما جرير فقد ولد نحو سنة 28 و أما الفرزدق فقد قيل أن توفي بالبصرة سنة عشر و مائة بعد أن قارب المائة فهو إذاً ولد بين سنة عشرة و سنة خمس عشرة ، و بذلك يكون مولد الأخطل قبيل السنة العارشة من الهجرة ، و لا نبعد عن الحقيقة إذا زعمنا أنه في أواخر السنة الثامنة " .
ليس للأخطل أسرة ذات شأن و تاريخ يفاخر بهما ، فقد كان أبوه غوث بن طارقة رجلاً عادياً و إن ذكر الأب لويس شيخو في كتابه " شعراء النصرانية بعد الإسلام أنه كان من وجوه قومه . أما أمه فاسمها ليلى و هي من قبيلة أياد النصرانية . و كانت تحبه و تحنو عليه ، لكن والده اتخذ عليها ضرة مما يدل أنه كان ضعيفاً في دينه الذي يحرم عليه الزواج من امرأة ثانية على حياة امرأته ، و نستدل من شعر الأخطل أن زوجة أبيه كانت تضنُّ عليه بما تمنحه لأبنائها ، و قد روى أبو الفرج عن رجل من تغلب أن الأخطل لحظ شكوة لأمه لبن ، و جراباً فيه تمر و زينب ، و كان جائعاً و كان يضيق عليه ، فقال لها : يا أمه ، آل فلان يزورونك و يقضون حقك ، و أنتِ لا تأتيهم و عندهم عليل ، فلو أتيتهم لكان أجملُ و أولى بك ، قالت : جزيت خيراً يا بني ، لقد نبهت عليَّ مكرمة ، و قامت فلبست ثيابها و مضت إليهم ، فمضى الأخطل إلى الشكوة ففرغ ما فيها ، و إلى الجواب فأكل التمر و الزبيبَ كله . و جاءت فلحظت موضعها فرأته فارغاً ، فعلمت أنه قد دهاها . و عمدت إلى خشبةٍ لتضربه بها فهرب و قال :
ألمَّ على عنباتِ العجوزِ و سكوتها ، من غياثٍ لمْ
فضلت تنادي ألا و يلهم و تلعن ُ اللعينُ منها أممْ
و من أولاد الأخطل لا نعرف إلاّ مالكاً الذي كنيَّ بإسمه ، و قد أراده أن يكون صاحب ذوق و دراية و كرم . و كان سفيراً متجولا لأبيه يرسله في المعمات الأدبية و يعتمد على ذوقه الفني في هذا المجال . فقد روى أبو الفرج في أغانيه " أنه لما بلغ الأخطل تهاجي جرير و الفرزدق قال لابنه مالك : انحدر إلى العراق ، حتى حتى تسمع منهما و تأتيني بخبرهما ، فانحدر مالك حتى لقيهما و سمع منهما ، ثم أتى أباه ، فقال له : كيف وجدتهما ؟ قال : وجدت جريراً يغرف من بحر ، و وجدت الفرزدق ينحت من صخر ، فقال الأخطل : الذي ينحت من صخر أشعرهما و القول الأخير للأخطل يعطينا دليلا أنه كان متحمسا للفرزدق ، و يظهر ذلك واضحاً في تضاعيف القصائد حيث كان يفخر بالفرزدق و قومه دارم على جرير و رهطه يربوع .
أما عن زواجه فقد ذكر أنه تزوج أكثر من امرأة و لكن زوجته الأولى كانت أشهر نسائه ، فقد تحملت معه ضيق العيش في أوائل حياته ، و كانت الوحيدة التي استعبرت يوم وعد معاوية بن أبي سفيان الأنصار بقطع لسان الأخطل نظرا لهجائه فيهم :
ذهبتْ قريشٌ بالسماحةِ و الندى و اللؤومُ تحت عمائمِ الأنصارِ
فعلع الأخطل لوعد معاوية و هلعت أم مالك أيضاً و في ذلك يقول الأخطل :
و إني غداة استعبرت أم مالكٍ لراضٍ من السلطانِ أنْ يتهددا
و لكن تهتك الأخطل و فجوره أجج نار الخلاف بينهما فطلقها ، ثم تزوج كل منهما ، لكن أم مالك ظلت تكن له الشوق و كان ذلك لسان حاله أيضاًؤ :
كلانا على همَّ يبيتُ كأنما بجنبيهِ ، من مسَّ الفراشِ ، قروحُ
على زوجها الماضي تنوحُ و إنني على زوجتي الأخرى كذاك أنوحُ
أما راية الأخطل فقد سماه جريراً ، و لا نظنن أن جريراً هو الشاعر المعاصر للأخطل ، و هو يصفه أنه يتحدث إلى
الحسان المريبات . فكان إن وصف ملازمته أماكن الفواحش و السوء ، و إعجاب بنات الريبة به ، و مطاردته لهن ، و جزأته في طلب الغانيات و استغراقه في البغاء و الفساد ، حتى أصبح الناس يخافون على أعراضهم منه :
ألهى جريراً عن أبيهِ و أمهِ مكانٌ ، لشبانِ الرجالِ ، أنيقُ
أما قبيلة الشاعر فهي تغلب ، و كانت من قبائل ربيعة ، و لها تاريخ مجيد في الجاهلية حتى قيل فيها " لو أبطأ الإسلام قليلاً لأكلت بنو تغلب الناس " أما ديانة تغلب في الجاهلية فقد كانت الوثنية ، ثم تسربت إليها النصرانية و بعد ظهور الدعوة الإسلامية ، و تنادت قبائل العرب لمبايعة الرسول صلى الله عليه و سلم ، قدم وفدٌ من تغلب إلى المدينة مبايعاً ، فأسلم بعضه على يد النبي و بقي بعضه الآخر على النصرانية و قد عرف من أبناء تغلب شعراء كثيرون نذكر منهم في عصري الجاهلية و صدر الإسلام : المهلهل ، و عمرو بن كلثوم ، و عباد و عبد الله إبنا عمر بن كلثوم و كعب بن جعيل و القطامي ابن أخت الأخطل ، و أبو حنش عصم بن النعمان و غيرهم .
و كانت تغلب على عداء دائم مع قيس خصوصا في أيام الأمويين ، و لا عجب في ذلك إذا عرفنا أن قيساً جاءت إلى الجزيرة موطأ تغلب نفسه فزاحمهم في عقر دارهم ، إضافة إلى بعض القبائل اليمانية التي كانت تناصر الأمويين . و هذا ما دفع معاوية بن أبي سفيان إلى استمالة اليمانيين إليه بعد كانوا يشايعون الإمام علي بن أبي طالب . أراد معاوية استمالة اليمانيين فتزوج من قبيلة كلب امرأة تدعى ميسون بنت بحدل و أنجبت لع يزيد ، ثم استنصرهم لقتال قتلة عثمان حسب زعمه لأن أمه كانت كلبية أيضاً ، و لما توفي معاوية أبت قبيلة قيس مبايعة ابنه يزيد من بعده و قال أهلها : " و الله لا نبايع ابن الكلبية " فوقعت الحرب بين أمية و قيس و كانت تغلب إلى جانب أمية ضد القيسيين و لما آلت الخلافة إلى مروان بن الحكم ، بايعت قبيلة قيس عبد الله بن الزبير . فخرجت إليهم أمية و حلفاؤها من أفناء اليمن و قاتلتهم بمرج راهط فأهلكتهم شر مهلكة ، و قتلت رئيسهم الضحاك بن قيس الفهري مع تسعة مع تسعة آلاف من القيسيين ، ثم وقعت في أيام عبد الملك بن مروان الحرب بين قيس و تغلب فاستعانت تغلب بأحلافها من الأمويين و اليمنيين و كانت موقعة كسرت فيها شوكة القيسيين بموت زعيمهم مصعب ابن الزبير .
|