- الجزء الحادي عشر -
[ 11 - وطن بلا أمل ]
" تدرين أحس أن اليوم مميز والفرحة فيه بتصير ثنتين "
أجابت عمتي مُتعجبة :
" كـيـف ؟ "
قلتُ سَعيدة :
" يعني يمكن رجوع نواف يغيّر الوضع شوي "
أجابت عمتي بتساؤل :
" ما فهمت أي وضع !! "
قـُـلتُ باستياء :
" ما دري بس أحس الأجواء مشحونة بين عماني , وبصراحة أنا ما لاحظت ها لشيء إلا لما عرفت السالفة اللي بين عمي عبد اللطيف وأبوي , وفعلاً لاحظت تطنيشهم لبعض !! "
أجابتْ عَمتي مُستنكرة :
" وش دخل نواف طيب ؟ "
قـُلت :
" ما أدري بس زواجه من بنت فوزية هو اللي قلب الدنيا فوق عَقب "
وأضفتُ بتردد:
" يعني لو مثلا يرجع كل شي لحاله "
أعتلا صوت عمتي بقولها:
" هيفاؤه تكلمي بالعدّال ما فهمت منك ولا حرف !! "
قــُـــلت غير مكترثـــة :
" يعني قصدي أن أنهار ترجع لنواف "
صَرختْ عمتي أمل في وجهي كالمجنونة :
" مجنونه أنتي وش ها لأفكار ؟ "
قــُلت :
" أنا قلت مجرد تخمين بس ! "
اعتقد بأنها غَضِبتْ لحَماقتي فقالت بـِـغضب :
" هيفوووه لا تخليني اقلب عليك, و الخرابيط اللي قلتيها قبل شوي أقص لسانك إن سمعتها منك مرّة ثانيه فاهمه "
أجبتُ بضيق:
" أف أموولتي زعلت .. افا بس والله امزح "
أجابتني بحدة :
" الأمور الجدية ما فيها مزاح يا هيفاء , ورجاء خاص مني خلي نواف و لمى على جانبك الأيسر , يعني فكي يدينك منهم لا تتدخلين بأمورهم, أما انهار فخلاص نصيبها مع نواف انتهى ومستحيل يأخذها على ذمة إنسانه ثانيه "
قـُلت :
" آسفة طيب "
* * * * * * *
[.. لمى ..]
وصلنا و أخيراً إلى أسوأ منزل صَادفتـــه عيني والذي مؤكداً ستكون نهايتي بداخله
وصلتْ السيارة إلى مقدمة القصر
تنبهت على صوت نَواف يأمرني بالنزول ففعلتْ
اتجهنا حيث الباب الرئيسي لمنزل أم نواف
فــَــتح الباب من المقبض ودخل
المكان هادئ جداً ومُظلم !!
الساعة تشير تقريبا إلى الحادية عشر والنصف مساءاً
تقدم نواف بخطواته للداخل وقد صوّت لأحدى الخادمات
" تيناااااااااااااااااااااااااااا .. تيناااااااااااااااااااااااااااااااا .. يا تينا "
" نعم بابا "
"وين مدام ؟ "
" مدام فوق "
" أوكي خذي الأغراض لغرفتي "
أمرها بجلب الحقائب ووضعها في الأعلى حيث الغـُـرفة
أما أنا فقد تسمرت بمكاني لا حِراك.. ولا هَمس
جاءنا صوت وقع خطوات تجري
رفعتُ بصري لأرى أم نواف وقد ضمّت أبنها بحنان
لقد كان مشهداً مؤلماً بالنسبة لي !
فبرغم من وجود أمي على قيد الحياة ألا إنني لم أبادلها لحظاتً حميمة كتلك !
أَحبَّ قلبي الحب النابع من قلبْ أم نواف اتجاه ابنها, وتمناه !
فحياتي القاسية هي ما أشعل مشاعري تجاه تلك العاطفة.......................
أفقت من شُرودي حينما أدركت بأنهم تجاهلوني
توقعت أن أبادل بــ نفس ما تلقى نواف من الحُب والحنان
إلا أن التجاهل كان نصيبي !
صُدمت لذلك !!
فأحسست بالقهر والألم !
أبداً لم يراعوا شعوري, بل تجاهلوني كإحدى قطعهم الباليه
أخذتْ السيدة ابنها وذهبا إلى حيث لا اعلم
بينما أنا واقفة كالجدار بجوار الباب
هذه المرة لم أضعُف بل وقفت بصمود و وقوه بالرغم من تزلزلي من الداخل
بعد مرور بضعا من الوقت - تقريبا عشر دقائق - من وقوفي لوحدي
فوجئت بمن يفتح الباب خلفي !
لمْ التفتْ بل وقفت بثقة و صمود
جاءني صوتاً لطالما تمنيت سماعه
ولا يسعني وصف مدى شوقي إليه بالرغم من أني لمْ اغب عنه سوى أربعة ليال فقط
أنها أمل الحبيبة !
قفزتُ إلى أحضَانها كطفلٍ تائه وجد من يحتمي به
طفلاً واجه أيام قاسيه و لمْ يتحملها عاتقيه
استقبلتني بحرارة صادقة , نابعة من قلب كبير
الآن فقط أجزم بأني فعلا أحبها بـِصدق
ولأجلها وحدها أنا متمسكة بالحياة..................
" تعالي يا لغالية يا بنت الغالي شلونك ؟ وش أخبارك عساك طيبه !! "
أخذتني للأعلى بسعادة صادقة نابعة من قلب طاهر
آه ما أروعها !!
بوجودها فقط يُغرس في قلبي شعور الراحة والطمأنينة
شعوراً حياتي لم تذِق طعمه
شعوراً افتقدته منذ رحيل والدي
آه .. ألف رحمة عليك يا والدي العزيز
" وش أخبارك حبيبتي , و شو سويتو هناك ؟ "
أنها حتى وبالرغم مما نالته مني في الآونة الأخيرة تسألني عن حالي
أية إنسانة هي !!
أجبتـُـها بابتسامة :
" بخير يا عمه "
ابتسمتْ هي الأخرَى فقالتْ :
" عساه دوم أن شاء الله , طيب وشلون شفتي ماليزيا حلوة ولا يعني ؟! "
ابتسمتُ لها وبنفس الوقتْ أصابتني حيرة عظيمة !
فكيف سأجيبها !!
نعم كيف لي أن أجيبها وأنا لم أذق طعماً للراحة هناك !
اكتفيت بقولي :
" حِلوة "
قالت من جديد :
" ونواف ؟ كيف تشوفيه ؟ عساه ما بهدلك !! قولي لي أوريك فيه الشغل "
ضحِكتُ لها بهدوء فقلتْ :
" لا الحمد لله أحسن من غيره "
أجابتْ مُستنكره :
" أحلى من غيره !! قوية الصراحة "
قلتُ لها مُضيعه للحوار :
" أنتوا كيف أحوالكم ؟ "
وصل الحِزب مقاطعاً حديثنا
نهضت من مكاني كي ألقي سلامي على الأخوات الثلاثْ
تغريد كانت الأولى
سلامها كان بارداً جافاً, حيثُ اكتفتْ بالمصافحة !
بينما مرام و هيفاء بادرني بالسَـــــلامـِ والقــُــبل
" أجل وين نواف ؟ "
هذا ما قالته هيفاء لحظة انتهائها من إلقاء السلام
أجابتها العمة أمل:
" والله مدري لسا ما شفته بس أكيد تلقين أمك مستلمته يا بغرفته يا تحت "
ضحِكت هيفاء قائلة :
" ههههه عاد الوالدة ونواف اجتمعوا عز الله ما شفناهم ابد , المهم إحنا بنروح نسلم تجين معنا عمه "
قالتْ العمة بسرعة :
" ألحقكم بعدين "
أجابتْ هيفاء :
" اوكي "
رحلنْ بهدوء
نظراتْ مرام و تغريد لي تخيفني كثيراً !
هيفاء ارتحتُ لها أكثر ولسبب أجهله !
بالرغم من أني لا اعرفها ...............
* * * * * * * * *
[.. أمْ رنا ..]
" هاه يا بنيتي شو قلتي ؟ "
أجابتْ صغيرتي بقولها :
" I don’t know mom "
قـــُــلتُ مُـقنعة :
" يا بنيتي .. راكان أبداً ما يفوّت ولد رجّال , و سنع وأيده مليانه و كافي أنه ولد عيال سالم "
سألتُ محتارة :
" طيب هو ولد مين بالضبط ؟ عبد اللطيف ولا سلطان !! "
أجبتـُـها موضحة :
" لا ولد عبد اللطيف, اللي أخته أنهار, وعمهم سلطان صغير ما عنده عيال "
أجابت مُستنتجه:
" أهاااا أخو أنهار "
أضافتْ مشمئزة :
" وووووع I don't like her"
قـلتُ مُقنعه :
" يا بنيتي تراه ما يتفوّت "
رنــا :
" إيه يمه بس أخته تلوع كبدي ما حبها I hate her so much "
قـــُـلت :
" وش عليك من أخته مصيرها تتزوج أهم شي الرجل "
رنا :
" ما أدري عطيني فرصة أفكر"
* * * * * * * * *
[.. نواف ..]
" نواف وين زوجتك من جيت ما شفتها ؟ "
سُؤال عمي سُلطان أربكني
فأنا فعلاً لا أدري أين هي ؟
لمْ استطع التفوه بالحقيقة لأني لو فعلت لعاتبني مؤكداً
أجبته بقلق :
" بغرفتها ترتاح "
سلطان : " عسى ما تعبتم بالرحلة ؟ "
نواف : " لا الحمد لله .. بس تعرف يعني ثمان ساعات ما هي بسهله "
سلطان : " أكيد "
نواف : " إلا وش أخبارك مع الأسهم ؟ يقولون ها لأيام السوق طايح "
سلطان : " يا أخي أنا جاي عندك أبي أوسع صدري تجي تذكرني "
قلت بمكر :
" افا العم خسران اجل ؟ "
سلطان : " أعوذ بالله يا أخي تفاءل خير , إن شاء الله إنها فترة وتعدي "
عدّلت جلستي وقلت بعدم اقتناع :
"إيه الله يوفقكم "
بعد فترة اجتمع شمل العائلة بوجود والدي والذي بدت مقابلته لي صارمة كالعادة وقوية
وكذالك عمي عبد اللطيف والذي بدا صامتاً طوال الوقت
كذا أخي ياسر ومرحه المعهود
أما خالتي أم ياسر فبادرتني السلام وأطمئنت على حالي بعدها رحلت
تغريد ومرام و هيفا استلمتني كل واحدة منهن بالأسئلة اللانهائية
قلتُ بعد مدة مستفسراً :
" إلا وين عمتي أمل ما شفتها ؟ "
أجابتني هيفاء بسرعة :
" لاهية مع زوجتك "
قلتُ بتردد :
" وين ؟ "
أجابتني :
" فوق بالصالة "
عندها استأذنتُ الجميع بقولي :
" طيب عن أذنكم بروح ارتاح "
* * * * * * * * *
[.. لمى ..]
" مجنونه أنتي ؟ ليه طيب ؟ نواف ما يعاملك زين ؟ "
قلتُ بتلعثم :
" لأ مو كذا , بس أنا ارتحت هناك وأبي أرجع زي أول "
أجابتني عمتي بحدة :
" لمى حبيبتي أول غير الحين , حاولي تفرقين !! "
وأضافتْ :
" زمان كنتي مش متزوجة , الحين لأ الوضع تغير عندك زوجك ولازم تقعدين بالمكان اللي هو فيه "
ترجيتها بغصة وفقدان أمل :
" عمه ساعديني تكفين, مالي غيرك "
أجابتْ :
" حبيبتي كيف أساعدك ؟ الحل بيدك أنتي , حاولي تغيرين نواف لصالحك , نواف طيب وأنا أبخص الناس فيه , هو صحيح عنيد شوي بس ما عليه أهم شي أن ها لقلب فيه طيبه ويخاف ربه "
قلتُ برجاء أكبر وصوت عالي أشبه بالبكاء :
" عمه ما أقدّر أعيش معه ما أقدّر , حرام عليكم ليه تسون فيني كذا .. دمرتوني ... دمرتو كل شي فيني ..... "
لمْ أستطع أكمال حديثي بل غلبني البكاء, ولمْ أحاول منع نفسي....................
* * * * * * * * * * *
[.. أمل ..]
قــَـلبي يتقطع ألماً لحال تلك المسكينة !
لكن ما بيدي أن أفعل ؟
فأنا مغلوبً على أمري
لم أشأ أن أرُدها , بل أخبرتها بمحاولتي في ذلك
وبالطبع لم أفــســر لها كيف ستكون محاولتي ؟
حسنا إذن .. الأمر يبدو لي صعباً ولكنني سأحاول
فالحل ليس بيدي ولا بيد أخي احمد
بل هو نواف نفسه
لكن كيف سأقنعه ؟ حقيقة لا اعلم ؟
فالأمر يتطلب تدبير وتخطيط , ولابد لـ لمى أن تساعدني في ذلك
قلت بعد برهة من التفكير :
" حبيبتي لمى أنتي عارفه إن خيوط الحل بيدك بس ما أنتي قادرة تلميها "
رفعتْ الفتاة رأسها من بين دموعها, وقالت ساخرة:
" أي حل يا عمه ؟ "
أثارني سخرها مني فقلتُ غاضبه لكن بهدوء:
" شوفي عاد إذا أنتي بتأخذين الموضوع تريقه و طنازه ما راح أتكلم "
صمتتْ لم تتكلم !
قلتُ لها بحنان فمنظرها يوحي بالإيجاب :
" هاه حبيبتي مستغنية عن حلولي "
نهضتْ الفتاة من مكانها ومسحت دمعاتها
قالت لي ويبدو عليها بأنها تذكرت أمرا ما :
" عمة آسفة ما كان له داعي أدخلك بمشاكلي عن أذنك بروح أنام .. إلا وين غرفتي ؟ "
دُهشتُ لتصرفها الغير متوقع !
والذي جاءني بصورة غير طبيعيه
أعتقد بأني الآن اكتشفت أمرا كان غامضاً لي في شخصيتها !!
فقلتُ بسرعة :
" لحظة لمى "
التفتت إلي منتظرة حديثي
فقلتُ لها بجدية وتساؤل صادق :
" ليه تتهربين ؟ "
وأضفتُ بتفكير :
"مو يمكن اقدر أساعدك ؟ "
صُدمتْ الفتاة لجملتي فنظرات الدهشة قد برزت في عينيها
قالت بعد فترة من التفكير والتردد :
" أتهرب ؟ .. أنا ما أتهرب "
صرختُ في وجهها بغضب :
" إلا أنتي تتهربين من الحلول , والظاهر انك تبين تعيشي حياتك على طول كذا "
أجابتني بغضب هي الأخرى :
" صح عليك بعيشها كذا على طول .. مش هذا نصيبي اللي يبيه لي عمي ؟ "
أجبتـُـها :
" آآآه لو أفهمك ؟؟؟؟؟؟ "
وأضفتْ :
"الحين بعد كل هذا تحطين اللوم على اخوي.. ما كنك أنتي اللي قبلتي واستعجلني ها لشيء , كان بوسعك ترفضين وتوقفين بوجهه زي ما وقفتي بوجهه بالبداية , ليه تراجعتي في النهاية ؟ "
أجابتني بغضبْ أشدّ وصوتاً اقربُ للصراخ :
" لأني مجبورة "
أجبتـُـها بسرعة :
" عذر ما يبرر لك أنك تكرهي زوجك بها لطريقه "
قاطعنا صوت إحدى التحف بسقوطها !
فصدمنا معاً عندما أدرنا وجوهنا للجهة الأخرى
لقد كان نواف !!
يا الهي الأمور ستزداد سوءاً الآن !
فحوارنا الساخن الأخير لابد وانه سمعه و لا أظنه سيفهمه من الناحية المطلوبة
اقترب نواف منّا
فكرتُ أن أغير الموضوع ريثما تهدأ الفتاة وتلين
لم أجد سوى أن اُسلم عليه وأسأله عن أحواله
وبالفعل نجحت خـُـطتي
حيث استأذنت لمى بشكل سريع للراحة
حاولت أن استغل وقتي معه لصالح لمى
فقلت :
" نواف أمش معي المكتب أبي أكلمك بموضوع مهم "
أجابني بلا مبالاة وهو يقّلب إحدى القنينات بيده :
" قوليه هنا ما يحتاج الغلبة "
أجبتـُـه بغضب :
" نواف الموضوع خاص و ما أبي احد يسمعني "
نهض من مكانه وقال :
" أذا بتكلميني عن لمى فأنا يا عمه آسف توني واصل وتعبان "
يا ألهي ما أدراه ؟!
قلتُ له حائرة :
" ياربي !!!! انتم شسالفتكم ؟ وش صاير بينكم ؟ كل واحد يتهرب من الثاني ومو راضين حتى ولا تفاتحوني فيه "
قال لي ساخراً وغير مُصدقاً :
" تبين تفهميني إنها ما قالت لك شي ؟ "
قلتُ له بصدق :
" بس فعلاً هذا اللي صار لا البنت ولا أنت راضين تقولون "
نواف :
" عمه أنا تعبان و أبي أنام عن إذنك "
ذهبْ ولم يترك لي مجالا ولا حتى أن أتـَابع حديثي
يا الهي.. ما حكايتهم ؟
كل منهم يتهرب من الآخر بشكل مثير !!
اعتقد بأن الجو بينهم قد تكهرب
وإلا لما رفضا خوض الحديث معي في هذا الخصوص
وأن يكن فأنا أمل وحتماً سيأتي الغـــد لأعرف !!!!!!!!!!!!!
[.. أنهار ..]
" ما شاء الله وأنا آخر من يعلم "
أجَابتني والدتي بـِبُرود وعدم اِكتراث :
" كل شيء صار بسرعة "
قـُلتُ مغتاظة :
" وإذا !! أنا بنتكم .. و المفروض أكون عارفه قبل ع الأقل أقدر أمنعكم "
كانت جملتي على وصول والدي
" وش فيكم ؟! "
صمت لم أتكلم فا لغيض تمكن مني
كررّ والدي سؤاله :
" وش فيكم !! "
أجابت والدتي متلعثمة :
" ما فيه شي يا بو راكان بس بنتك تدلع "
أجاب والدي مُبتسماً بحنان غير مدركاً لمحتوى ما نتكلم به :
" خليها تتدلع دامها بنت عبد اللطيف سالم "
لمْ أبادله التـَـبــسُم بل كُـنتُ مغتاظة لما يحصل
أنها رنا البغيضة !!
لا يسعني أن أتخيل يوماً بأنها ستشاركني أخي
حتماً أنه يوم بؤس علي
" يبه صدق راكان بيتزوج هذي اللي أسمها رنا "
أعتقد بأن والدي لم تعجبه نبرة حديثي معه
قال حانقاً :
" أنا قلت لكم موضوع راكان منتهي ولا أحد يتكلم فيه "
قـُلتُ مُدافعه :
" أيه يبه ميخالف ما نتدخل بس إذا المسألة فيها رنا وأنها تأخذ أخوي فالسالفة ما تستحمل سكوت "
صرخ والدي :
" أنهار ! "
أوطأت رأسي بأسى وقلتْ :
" آسفة يبه "
أضفت :
" بس البنت ماهي زينه "
أجاب والدي حانقا وبحده :
" الموضوع منتهي "
* * * * * * * * * * *
[.. أم فيصل ..]
كنتُ جالسة اُقلب بتلك القنوات الفضائية
لعلي أجد ما يسليني ويسرق وقتي
وصلتني خادمتي المصرية [أم أيمن] لاهثة
" مدام مكالمة ضرورية أوي "
أجبتـُها بكسل :
" قولي مشغولة "
أجابت :
" ايوه بس ده راقل "
قلتُ متعجبة :
" رجل !! وش يبي فيني ؟ "
أوجعني قلبي !
أمسكت بالسماعة مباشرة
وصلني صوتاً بلكنة غريبة :
" ألو "
آه .. أنه هو !!
صغيري ومن عانقت روحه روحي
لساني شلُ
عيني دمعت !!
صرختُ فيه بلا وعي مني !!
فأنا أم مجروحة عانت من فراق أعز ما ملكت
" فيصل بعد عمري وليدي.. كذا تسوي في أمك .. كذا تخليني وتروح ؟ .. ابد ما هقيتها منك "
جاءني صوته العذب مريباً :
" شلوووونك يمه ؟ "
ام فيصل :
" ماني بخير دام عيني ما تشوفك "
فيصل :
" يمه أنا آسف "
لم اُجبه فقلبي يتقطع ألماً لفراقه
وشوقاً لرأياه
جاءني صوته مكرراً وبألم:
" يمه أنا آسف "
لمْ أستطع أن أجافيه أكثر فأنا مهما حدث أظل أم ولن يقوى قلبي على ذلك
أجبتُ بمقاومه :
" متى ترجع يا وليدي ؟ "
أجابني بصوت ثقيل :
" قريب يمه قريب "
بعدها اختفى صوته
حلماً جميلاً داهمني واختفى
صرخت :
" فيصل .. فيصل "
لمْ أصدق حينما أبلغتني الخادمة بأن هناك مكالمة من رجل
أسرعت إليه كالمجنونة إلا أنني فوجئت بجفائي معه
لربما حنقي وغضبي على غيابه هو السبب !
فكم مرّ من الوقت على رحيله
ومع ذلك لم يحس ولم يشعر بي !
بل تجاهلني ولم يكلف نفسه ولا حتى أن يكلمني ويطمئن قلبي المفزوع
* * * * * * * * *
[.. ياسر ..]
أجابَني راكان المِسكين راجياً :
" ياسر تكفى قول وش صار ؟ "
أجبتـُـه ببرود ومكر :
" قـِلتْ لك طلعت لي وحده "
أجابني مُصدقا :
" أحلف "
ياسر:
" والله إذا ما صدقتن بكيفك "
قال مُحتاراً :
" طيب وش تبي ؟ "
قلتُ بمكر:
" أسأل نفسك ؟ "
أجابَ مستنكراً :
" وش قصدكـ !! "
ياسر :
" ما أدري عنك يا ما تحت السواهي دواهي "
راكان :
" ياسر لا تفهم غلط والله العظيم ما عرفها !! يمكن غلطانة !! "
ياسر :
" لا البنت تقول أبي راكان بالحرف الواحد"
راكان :
" ياسر والله العظيم ما عرفها "
قلتُ بمكر :
" راكانوه تراي يسوور يعني عادي ما علم احد !! "
صرخ :
" أقسم لك بالله العظيم أني ما اعرفها ما عرفها "
قـُـلت بمكر :
" يعني حلال علي !! "
أجابني بلا تفكير :
" حلالين عليك "
أضاف مستنتجاً :
" لحظة وش قلت ؟ "
أضاف مَرة أخرى مُشككاً :
" يسوووورووه لحظة أحـلف أنها طلعت بنت "
اِنفجرتُ تلك اللحظة ضاحكاً على براءته و سذاجته
صرَخ المسكين في وجهي حانقاً
" زين يسور زين, مردودة يا لتعبان "
لمْ أستطع إيقافْ ضحكي على نجاح خـُدعي على أبن عمي المسكين
أستمر ضحكي وأشتد غيضه هو الآخر
لم يستحملني فضرب بالمخدة في وجهي ورحل
* * * * * * * * * *
[.. هيفاء ..]
" دريتي أن أبوي بيسوي عزيمة يوم الخميس الجاي "
أجابت مرام ببرود وهي تفتح العلبة أمامها :
" يا قدمك .. داريه قبلك "
وضعتُ يدي على خصري فقلت :
" لا صرتي داريه قبلي ليش ما قلتي يا آنسة ؟ "
أجابتني وهي تأكل أول قطعه من تلك ’الشيكولاه البلجيكية’ :
" لأني مالي خلق "
قلتُ باشمئزاز :
" الله يحوم كبدك , لا عمرك تتكلمي وأنتي تأكلين "
قالتْ بلذة :
" ما حد قال لك راقبين "
هيفاء :
" خبله أنتي, كيف افهم إذا ما طالعتك "
دخلتْ علينا في هذه اللحظة من لا نتوقع أبدا تواجدها بيننا
إنها لمى !
كلانا أصابنا الذهول !
كنا جالستين في غرفة الجلوس السفلى في منزلنا
لم يكن هناك سواي أنا و أختي مرام والتي جاءت إلي لأشاركها تناول الشيكولاه البلجيكية المستوردة
صُدمنا نحن الاثنتان لحظة دخولها علينا !
كما أنها الأخرى بدت خائفة منا
" السلام عليكم "
لم نـُــجبها سلامها بل ضللنا صامتتين لبرهة
فهذه الأولى بالنسبة لنا و التي نقف بها أمام ابنة فوزية لوحدنا
قالتْ مرام وهي تمضغ الشيكولاه :
" احم أنا بروح عند تغريد عن إذنكم "
تباً لها ستتركني لوحدي معها !
لا لن تفعل
استوقفتها بقولي المتردد :
" مرام لحظة , اقعدي أصلا تغريد الحين بتجي "
كانت واقفة بصمت وأظنُ بأنها غاضبه
مرام قاومت توسلاتي و هربت
بقيتُ معها والرعب قد تمكن مني
قلتُ لها بخوف وصوت متلعثم :
" اجلسي "
رمقتني بنظرة غريبة فتقدمت نحوي وقالت:
" خربت عليكم الجلسة ؟ "
أجبتـُـها بتلعثم :
" لا عادي .. تفضلي "
بعد قليل وصلتْ تغريد ومعها مرام
ويبدو أن الأخيرة هي من استدعاها
جلسنا معاً بصمتْ
كسرتْ تغريد حاجز الصمت بقولها:
" أنتي بأي صف ؟ "
أجابت الفتاة بحده وعدم مبالاة :
" ما درس "
قالت تغريد بجفاء:
" ليه ما دخلتي الجامعة أكيد مجموعك يفشل"
أجابتها بتوضيح اكبر:
" لأ ما درست بالأصل لا جامعه ولا غيره "
صُدمنا جميعا بهذا الخبر الغير متوقع
قالت أختي تغريد ساخرة ومشمئزة وتؤشر عليها بأصبعها :
" يعني أنتي جاهلة ؟ "
نهضت لمى من مكانها غاضبه فأضافتْ :
" إذا أنا جاهلة بنظرك فهذا شي راجع لك "
أجابت تغريد بغرور :
" أنتي قلتي بنفسك انك ما درستي معناها انك جاهلة , الحقيقة ما تزعل "
أجابت الفتاة بقوة عجيبة :
" ومن قال لك إن كلامك ضايقني أو مس شعره وحده مني , بالعكس أنا ماخذه الأمور بساطه , و مو معناة إني ما دخلت مدرسه ماني قادرة اثقف نفسي , يكون بعلمك العلم اللي أنتي تعلمتيه وأخذتي عليه شهادات و سنين, ما يحصل ولا عُشر اللي عندي "
نهضتْ تغريد من مكانها غاضبه :
" أنتي على ايش شايفه حالك ؟ "
رفعت لمى حاجبها وقالت :
" أنتي تشوفين إني شايفه نفسي ؟ إذا مفهوم الثقة بالنفس عندك غرور وشــوفــة نــفــس فهذا كمان شي راجع لك "
لمْ تستطع أختي تغريد الردْ عليها
خرجت من الغرفة من بعد ما أفسدت الأجواء بيننا
قالت لمى بعد مدة :
" عن أذنكم بشوف نواف أذا هو صحى أو لا "
* * * * * * * * * * *
[.. لمى ..]
مقابلة الأخوات الثلاث تطلبتْ مني جهداً أكبر مما توقعت
بدت لي تغريد صعبه
كذلك مرام والتي تهربت مني فور مجيئي
أما هيفاء فتلعثمها معي وترددها يثير مخاوفي
تعللتُ في النهاية بأني سأوقظ زوجي المزعوم
لا اعرف كيف تملكتني الجرأة لقول ذلك !
فأنا بطبعي أكره أن أصدق الحقيقة المزيفة
فأنا أعلم تماما ما خلف هذا الزواج المدّبر
فعمي أحمد يودّ القضاء علي والانتقام كما فعل بوالدي
وأنا أبداً لن أسمح له بذلك
ولكن ؟
نواف ما ذنبه ؟
لربما يختلف عن والده ؟
كلا انه نسخه مصغره من والده وهذا ما تضح لي من خلال أيامي السابقة معه
ولربما قد خططا ودّبرا لأيامنا المقبلة بحيّل دنيئة
شيء ما بداخلي يرفض ذلك
لكني للأسف مقتنعة بما أنا فاعله
وصلتُ للغرفة ودخلت
وجدته يعد نفسه للخروج
جلست على السرير بصمت
رمقني لفترة بعدها أشاح ببصره عني وخرج
حسناً إذن .. انه يتعمد تجاهلي
ولكن لماذا ؟ الست أنا من يحق لها أن تغضب ؟
أنه يهينني ويحتقرني أمام والدته أليس هذا ذنبا كافياً !!
يا له من شخص بليد
آه لو تعرف مدى كرهي لك !
لما جلست معي ولا دقيقه
ولكن ؟
أ أنا فعلاً أكرهه ؟
سؤال لم يسبق لي أن طرحته على نفسي
فأنا حتماً لا اكرهه وكذلك لا أحبه
انه شعور مختلف تماماً
لربما لو كان زواجنا في ظروف أفضل من هذه لعشنا بسلام
فـــ نواف لم يسئ لي في بادئ الأمر بل أنا من جعلته يفقد أعصابه
كم أنا غبية !!
كيف لي أن أفسد حياتي بهذه الطريقة
لربما أعيش معه بسلام من يدري !!
إنه حتى يحاول التحكك والتقرب إلي
بينما أنا أصده
ولكن ماذا لو كان هذا هو مخطط عمي احمد
يجعلني أتعلق به بعدها ينفذ بي مآربه
كلا لا أعتقد بأن خسته ستصل إلى هذا المستوى الحقير
ولكن ماذا لو فعلاً هذا ما خطط له !!
حتما سأضيع...................
* * * * * * * * * * * *
[.. فيصل ..]
ليتني شخص بلا مشاعر !
أو ليتني إنسان بلا إحساس
ليتني بحر أو بر..أرض أو سماء
أي شيء عدا أن أكون إنسان
يبكي ويتألم..يندم ويتحسر
ويذكر كل ما فات
مواقفً كانت أم ذكريات
يتحسس جروحها وآلامها
فيجد الجرح في اتساع
والألم في ازدياد
والنفس في انكسار
ومع كل هذا وذاك تزداد التساؤلات
وتكثر معها الاستفهامات
أتجرد جميع من في الأرض من مشاعرهم ؟
وتجاهلوا كل أحاسيسهم !!
وأطلقوا لألسنتهم العنان
كي يصيبوا سهام الكلمات ويقذفوها في وجوه الضعفاء دون أدنى محاسبة منهم أو اكتراث
لما قد يلحقوه من أضرار
أتراهم بصراخهم يرضون غرور ذواتهم القاصرة !!
يظنون أن باختيارهم الكلمات الساخرة وتفننهم في قذفها وإلقائها
أمرا يستلزم شخصياتهم الطاغية !!
ما بالهم يجرحون نفوساً !!
ويدمون قلوباً ؟
ويبكون عيوناً ؟
ثم يخرجون , وقد ارتسمت على شفاهم ابتسامة غرور بغيضة
وكأنهم يضيفون بذلك نصراً جديداً إلى سِجل انتصاراتهم الدنيئة
أتراهم لم يعرفوا يوماً فن الحديث ؟!
أم لم يسمعوا بالمشاعر و الأحاسيس ؟!
فيأتون بعدها ويسألون
عما تغير .. أو حدث
وما سر ذاك الجرح الذي ظهر ؟!
متصنعين براءة ولطفا لا يليقان بما عهدنا منهم
متجاهلين أنهم كانوا طرفا في معركة جرح الشعور وتحطيم النفوس
فلا يأتي الرد من النفس الجريحة والعين الدامعة الكسيرة
إلا صمتاً يدل على عمق الألم
وصدمة بواقع البشر
فكيف للنفس أن تبوح وللقلب أن يشتكي ويقول
لشخص قد فقد معنى الإنسانية
وتجرد من مشاعره وأحاسيسه لحظات عده
ولكن تعود الأيام وتجبرنا على أن نبتسم لذاك الإنسان
الذي مازال الجرح الذي أورثته كلماته إلى الآن
ويزداد الألم حين تتلاقى العينان
صحيح أن الحياة طويلة
ومواقفنا عديدة كثيرة
تنسي بعضها بعضا
أو تجبرنا على النسيان
أو يتوجب علينا أن نقنع أنفسنا الجريحة
بأنها ذكريات من الماضي
علينا أن نطوي بها صفحة الأحزان
ولكن منها ما يدمي القلوب
ويجرح النفوس
فنعجز بعدها عن النسيان
أو تغاضي الجروح والآلام
لنكتشف بعدها
أن هناك أشخاص يحيون بلا مشاعر
ويعيشون بلا إحساس !!
[.. نواف ..]
اتجهتُ إلى مقر عملي وهي شركة للاتصالات من أملاك جدي وأنا منْ يديرها
الجميع استغرب تواجدي بالعمل !
فأنا متزوج حديثاً ولا يحق لي المجيء
وعدا ذلك فانا مُستأنف من العمل كوني في إجازة زواج
شرحت للجميع ظروفي الوهمية وحبي للعمل ولا أظنهم تقبلوا الأمر
لكنني لم اكترث بهم
فصدقوا أمْ لم يصدقوا هذا أمر لا يعنيني
انتهيت من عملي في حدود الساعة الحادية عشر ليلاً
خرجتُ من هناك مباشرةً إلى صديق عمري وطفولتي سلمان
لم أحسُ بالوقت يمضي كوني بعيداً عن مشاكل أبي و تلك الزوجة النكدية
صُدمت حينما اكتشفت بأنها الرابعة فجراً
استأذنت سلمان بعجله و أسرعت إلى السيارة ومن ثم إلى المنزل
حينما دخلتُ بسيارتي إلى داخل القصر فوجئتُ بالنور الموقد في حديقة خالتي أم ياسر !!
ترجلّت سيارتي واتجهت إليه
فوجئت بعمتي أمل جالسة وأظنها تنتظر شخصا ما !
* * * * * * * * * * * * *
[.. أمل ..]
هاقد وصل أخيراً
نهضت من كرسيي
" تو الناس "
أجابني ببُرود واِبتسامه :
" هلا عمه .. شكلك تنتظرين أحد ولا أنا غلطان !! "
أجبتـُـه غائضة:
" كويس انك عارفك .. أمش معاي أبيك بموضوع مهم "
أجابني غير مكترث :
" ملزمه يا عمه ؟ تراني تعبان وراسي بينفجر "
أمسكتُ بذراعه قبل أن يذهب وقلت بقليل من الرجاء :
" نوافوووه بتجي معي .. يعني بتجي معي .. وإذا تهربت مني هالمره ترى بجد بزعل عليك "
أجابني بابتسامته المَعهودة :
" افا كلش ولا زعل العمة عاد .. وبعدين من قال لك إني أتهرب .. كل ما في الموضوع إن أوقاتك معي دايم غلط .. وأنتي ما يجيك الكلام إلا بالوقت اللي أنا تعبان فيه "
وضعتُ يديّ على خصري متعجبة :
" بالله .... وين تبيني أشوفك وأنت يا نايم يا طالع ؟ "
أجابَ مُختصرا :
" طيب يا عمه وين تحبين نتكلم ؟ "
قـُلت :
" هنا كويس بما أن الكل نايم "
أجاب :
" اوكي "
جلسَ نواف في الكرسيّ المقابل لي
وبالمقابل جلستُ أنا
احترت في البداية كيف سأفاتحه في الموضوع
فتلعثمت كثيراً قبل أن أقول:
" نواف قبل كل شيء أبيك تعطيني عهد انكْ تفتح لي قلبك "
ضحِكَ نواف لكلامي وأظنه يستهزئ بي , قال :
" اوكي يا عمه عهد مني ما تلقين إلا اللي يسرك "
أجبتـُـه سَعيدة :
" حلو "
أضفتُ بعد تفكير :
" أول شي وش صار بينك وبين لمى ؟ "
وقبل أن يُقاطعني رفعتُ يدي في وجهه وأكملتْ :
" نواف ما أبيك تقول إني ملقوفة ! أنا عارفه إنها حياتك الخاصة , والمفروض مني ما أتدخل , بس حرام البنت يتيمة ومسكينة , وما فيه احد غيري ممكن يساعدها من اللي هي فيه ! فالله يعافيك استحملني ليما اخلص كلامي وجاوبني بكل صراحة "
تنهد نوّاف وقال :
" هي اشتكت لك !! "
وأضَافْ :
" بما انك تطالبيني بالصراحة فكوني أنتي بعد صريحة معي "
أجبتـُـه بصدق :
" وإن قلت لك أنها ما قالت لي شي بتصدقني ؟ "
أجابني مُـقتنعاً :
" أذا هذي الحقيقة ليش لأ "
أدرتُ له ظهري
وقـــُـلتْ :
" نواف... لمى إنسانه غريبة وصدقني بالرغم من إني عــاشــــرتــــها ثلاث شهور إلا إني للحين مش قادرة افهمها !! "
و أضفت :
" أحسّ بقلبها ألم و حزن , صحيح هي ما كد اشتكت من حاجه بس عيونها تنطق وتتكلم "
وأضَفتْ :
" أمس يوم جيتوا البنت كانت كاتمه وصابرة وبس شافتني ما قدرت انهارت قدامي زي المجنونة , لمى خايفه من شي ! ما أدري وش هو ؟!! ولا ظنتي بيوم راح اعرف !! لأنها ما تتكلم عن أي شي يخص حياتها الخاصة, فما بالك عن زوجها !! "
وأضَفتْ مستاءة :
" نواف أنا ماني قادرة استحمل أشوف بنت محمد تذبل قدامي وأسكت ! عطني محاوله ولو وحده أني أصلح بينكم "
أعتقد ما أباحه قلبي قبل لساني جاء بنتيجة
فبدا لي نواف متقبلاً كلامي
أجابني مُحتاراً :
" عمه ما أدري وش أقولك بس هي معقدتها من كل النواحي "
أجبتـُـه بحماس :
" قلتْ لك خلني وسيط بينكم مش يمكن أقدر بشي أنت ما قدرت تسويه "
نواف :
" طيب وش تبيني أسوي ؟ "
أخذت أفكر بخطوتي القادمة
فحديثي مع نواف قد أبدى نتائج ايجابيه
قلتُ له بعد طول تفكير :
" أسمع .. أنتم الحين وش اللي مكدركم من بعض ؟ "
أجابني ببساطة :
" ولا شي "
أجبتـُـه متعجبة :
" كيف ولاشي !! وأنا أشوف الشرار بعيونكم "
أخبرني بعدها بتفاصيل أحداث ليال ِ ماليزيا خصوصاً غرابة تصرفها ليلة ركوب الباخرة
استأت كثيراً لعلمي بسوء التفاهم المتبادل والصراعات العنيفة بينهما
وبخته كثيراً على تسرع لسانه وعدم ترجله
لكن جوابه الغاضب كان حتماً مُقنعاً:
" إيه وش تبيني أسوي له , أشوفها تهزئني وتهيني واسكت, أذا هي نفــسـها ما احترمتني كيف تبيني أحترمها !! "
* * * * * * * * *
[.. أنهار ..]
قــُــلت محاوله :
" راكان البنت ما هي من ثوبك , أسألني عنها أنا أبخص الناس فيها "
أجابني وهو يعدّل "شماغه" غير مكترث:
" أنهار الموضوع انتهى خلاص وبعدين أنا مستخير ربي وأحس أني أبيها "
قـُلت :
" أيه بس .... "
قاطعني بهدوء قائلاً:
" أنهار خلاص "
قال جملته وخرج
أكاد أموت غيضاً لبرودة أعصابه
فليذهب إلى الجحيم !
لقد فعلتُ ما بوسعي ونصحته
لكنه رافضاً فتحُ أذنيه
منصاعاً وراء صفقات عائلتي بكل سعادة !!
* * * * * * * * * * *
[.. نواف ..]
دخلتُ غرفتي مُرتاح البال
فعمتي أمل استطاعت أن تحمل جزءاً مما وُضع على عاتقي
لمى لمْ أستطع أن أفهم طريقة تفكيرها ؟
وما أنا بالنسبة لها !!
حدة طباعها تمنعني من ذلك
أسلوبها دائماً قوي بالرغم من أني موقن بأنها تخافني
فاهتزاز يديها أمامي لأكبر دليل على ذلك
ولكن لمَ تتداعى بالقوة أمامي !
ألستُ زوجها ؟
ألا يجب أن نكون كتابان مفتوحان لبعضنا البعض ؟
إنها لـ لغز غامض يحيرني
فمن بمكانها لتفخر أشد الفخر بزواجها من أبن أحمد بن سالم وخصوصا أن هذا الأحمد هو عمها
يا تـُـرى هل للماضي علاقة بهذا ؟
أخبرتني والدتي بأن لوالدة هذه الفتاة ماضي سيء للغاية
لكن ما ذنبها ؟
ولمَ الجميع يحتقرها بتلك الطريقة الهمجية ؟
حقيقة بدأت أحس بالضياع
فـ قلبي يجبرني على الابتعاد بينما عقلي العكس
قــَــطع شرودي صوتها :
" نواف أنت هنا ؟ "
يا الهي لأول مرة أسمعها تنطق باسمي
وما أجمله بلسانها !
فتحتُ الإضاءة فوراً وقلت بهدوء :
" آسف إذا أزعجتك "
ألتفتُ إلى السرير لأفاجأ به فارغاً
أذن من أين كلمتني ؟
أدرتُ ظهري للجهة الأخرى فوجدتها جالسة على الأريكة
خجـِـلت من نفسي قليلا فلربما الفتاة تنظرني بينما أنا سعيد بلهوي مع سلمان !
قلتُ لها بهدوء :
" وش مسهرك لها لحزة ؟ "
أجابتني بحدتها المعتادة :
" سؤال المفروض توجهه لنفسكـــ "
أعترف بغلطتي حقاً
لكني أبداً لن انطق بهذا فــكبريائي يمنعني
قلتُ بعد فترة :
" لمى عندك استعداد ندردش شوي ؟ "
أوطأتْ رأسها و أجابت بأدبٍ لم أعهده عليها سابقاً :
" خذ راحتك "
قلتُ بمرح :
" حلو .. طيب سؤال آخر ممكن ؟ "
أجابت بحدة :
" أيش بعد ؟ "
قلتُ بمكر :
" أش تعرفين عني يا لمى ؟ "
ضحكت الفتاة لجملتي مع أني لا أجدها تثير الضحك
بعدها قالتْ بابتسامه :
" ببساطه ولا شي "
بدت لي سعيدة , وما أجمل سعادتها
أحساس لم أعهده من قبل !!
قلتُ لها راداً ابتسامتها :
" اوكي اسأليني أنتي "
قالتْ بـِحده مُفاجئة :
" وليه أسأل ؟ إذا أنت ما تهمني "
يا لها من فتاة متناقضة !!
حاولت أن أتغاضى عنها وأكتم غضبي
فقلتُ ماكرا :
" أوكي أنا بتكلم , شكل زوجتي مستحيه تسألني "
عضت الفتاة شفتيها , وتوردت وجنتيها
استغليت هذه الفرصة فأخذت أحدثها عن نفسي
بدت متحمسة أكثر للسماع
وهذا ما أسعدني
أخبرتها بدراستي ومقر عملي والمصاعب التي واجهتني
أنها حتماً مستمعه جيده
أخذت أشرح لها حياتنا في المنزل أكثر
والمشاكل التي واجهتنا
لا اعرف حقيقة كيف تفتح لها قلبي بهذه السرعة
لكنني اعترف بأني اكتشفت شيئاً مخيفاً للغاية
فأنا مهتماً بها وبشده ......................................
* * * * * * * * * *
[.. لمى ..]
اكتشفت معلومات هائلة جداً عن زوجي لمْ أكن أعرفها سابقا
تحديه لي أشعل في قلبي ناراً لمْ أعهدها من قبل
أثناء حديثه معي لم أعي بنفسي إلا وقد بنيت جبلاً من الأحلام الوردية
جبلاً شاهقاً مليئا بالحب والسلام
مليئا بأشياء رائعة حُرمت منها ولم أذق طعمها
العاطفة شي رائع وجميل
لكني أبداً لم أبادلها مع والدتي ولا أختي
بالرغم من حبي الكبير لهما إلا أنني لم أذق طعماً للسعادة بل ذقتُ صنوفاً هائلة من العذاب
أختي نجود تغلبها الأنانية والغيرة
وبالرغم من ذلك فأنا أحبها رغما عني
حبي لها لم يكن بالشكل العلني
بل كان على شكل سيل من الصراعات المستمرة
في هذا المنزل بالذات تعلمتُ أشياء كثيرة لم أكن في يوما ما قد فكرت بها
حنان أم نواف لأبنها
عطف عمتي علي بالرغم من نفور أعمامي الصبية مني
كلها أشياء تجعلني أفكر بالأمور أكثر
لغز هرب والدي بدا لي غامضا أكثر
فما فهمته منه بأن عمي أحمد وقف في وجهه مانعاً لزواجه
وما أراه الآن لا أتوقع أطلاقاً أن يكون بسبب تافه كــ ذاك
أعتقد أن هناك أمورا مخفيه ولن أستطع الحصول عليها سوى من عمي أحمد بذاته
لحظة !!
كيف لي لم أفكر في الأمر ؟
فــ نواف لابد وأنه يعرف بكل شيء
نعم حتما سيخبرني بكل ما يحيرني
و وقتي الآن ســ يساعدني في ذلك
ولكن كيف سأفاتحه الموضوع ؟
هذا ما أفكر به ؟
فأمر كهذا يتطلب مني عزيمة أقوى
قاطع نواف شرودي بقوله :
" هاه لمى ما كلمتيني عن نفسك ؟ "
أجبت بشرود :
" هااااه "
جاءني سؤاله :
" ما قلتي لي ليه ما دخلتي الجامعة ؟ "
حسناً أذن .. هاهو سؤال أخته يتكرر
وهذا ما خشيته طوال فترة وجودي معه
كيف سأجيب ؟
هل سيستحقرني كما فعلت تغريد ؟
وأن يكن فــ نواف لا يعني لي شيئاً
ولكن .. أحقا نواف لا يعني لي شيئاً ؟؟؟
حتماً لا أعرف .....
" لــمــــى أكلمك !!!! "
قــُــلت:
" آسفة ما سمعتك .. أش كنت تقول ؟ "
كرر سؤاله وهو يرمقني بحيرة :
" كنت أقول لك ليه ما دخلتي الجامعة ؟ "
أجبته بثقة و حده :
" بالأساس أنا ما أدرس كيف تبيني أدخل الجامعة ؟ "
دُهش وأعتقد بأنه لم يستوعب ما قلته جيداً :
" ما تدرسين !! .. قصدك ما خذتي الثانوية ؟؟ "
أجبته بفخر :
" ما خذت شهادة خير شر "
ضحك باصطناع فقال بــ جِد :
" لمى أنتي تمزحين ولا شلون ؟ "
أجبته بثقة أكبر :
" ليه أمزح ؟ أنا بطبعي جديه وما عندي وقت لا للمزح ولا لغيره "
و أضفتُ بــ سخريه :
" أما أذا أنت ما أنت مصدق أن حرمك بتكون جاهلة فحقيقي شيء مؤسف "
أجابني بهدوء :
" ليه طيب ؟ "
أجبته ببرود و تحفظ :
" آسفة ما عندي جواب لسؤالك ؟ "
قال بغضب :
" لمى أنا زوجك متى تفهمين ها لشيء ؟ "
تداركت نفسي قبل أن أسيء إليه أكثر
فكم أنا غبية ؟
فـــ قد نسيت تماماً نيتي في استدراجه للحديث عن الماضي
حسناً أذن يجب أن أهدأ وأن أتحاشى أثارة غضبه من جديد
قلت بهدوء وتلعثم خفيف محاولة امتصاص غضبه :
" السبب مو مني يا نواف "
أعتقد بأني أثرت دهشته من جديد , فقال مستفهماً وقد بدا عليه الهدوء :
" قصدك إن عمي منعك ؟ "
أجبتـُـه بأسى :
" للأسف هذا اللي صار أبوي كان متمسك بقراره بشكل فضيع, كِـنتْ صغيره ما دري شالسالفه ؟! .. بس بعدين لما كبرت وفهمت حسيت بخسارة كبيره "
نواف :
" شي غريب والله .. طيب ليه ؟ "
أضاف :
" ما سألتيه ؟ "
وأضاف بحيرة :
" نادراً ما أشوف إنسانه مش متعلمة , خصوصا البنات إقبالهن على العلم أكثر من العيال, أكيد لـــعـــمي محمد سبب !! "
أجبتـُـه بأسى أكبر :
" كان يقول لي ما أبي أدخلك أي مدرسه أنتي لازم تدخلين أحسن مدرسة وطبعاً أموره المادية أبداً ما تسمح له بها لشيء , فــ مرت السنوات ورى السنوات لحد ما ضاع الحلم "
بعد فترة من كلامي الأخير, سألت نواف بتردد :
" نواف أنت وش تعرف عن الماضي ؟؟ "
رفع حاجبه متعجباً لسؤالي .. فقال :
" وش يهمك الماضي فيه ؟ "
قلت بخوف :
" يعني من باب العلم فقط "
ظل يرمقني بنظرات استكشافيه , بعدها قال :
" اللي اعرفه تعرفينه "
لمى :
" بس أنا ما أعرف أي شي "
أجابني وهو يتفحص وجهي ولا أعتقد بأنه صدّق كلامي :
" ما هو بلازم تعرفين, والأفضل تقومين تنامين الظاهر الكلام أخذنا وما حسينا بالوقت .. النور طلع "
نهض من مكانه وقد أتضح لي بأنه يتهرب من إجابتي
تملكني الغضب والقهر معاً
إلا أنني لم أستطع مقاومة النوم فالشمس فعلاً أشرقت ومازلنا مستيقظين........................................
< نهاية الجزء>