إن هذا ليس صحيحاً تماماً بالنسبة إلى آنا , فالناس مثل اي مال وفانيسا يعرفون فحسب نفس المقدار من المعرفة الذي تتمتع به هي توجيه الأسئلة . كما انه ليس ثمة مايخشاه القوم على الجزيرة , إن معدل ارتكاب الجريمة ههنا منخفض. أذ انني لم اسمع عن اية عمليات سطو خطيرة فيها او حول مدينة ماهون طوال فصل الصيف.منتديات ليلاس
لم يجب عليها لوران . وجلس في صمت وسكون , فيما يبدو واضحاً وكأنه يفكر ويتدبر بماقالته. إذن هو يعيد لم شتات نفسه, ثم اخذ يتوهج الفؤاد , قال:
- أنا آسف لم اقصد ان اسبب الانزعاج لك. هل واتتك فرصة القاء نظرة على قائمة الطعام؟ ام سوف نسأل النادي ان يوصي بأي طعام اليوم؟
استقر الرأي لدى لوسي على ان يكون الأمر الأخير هو المأخوذ له وهي لم تكن تسعى للحصول على اية تفسيرات , او اسرار , وكل ماكانت تريده هو اعتذار بهيج مرح عما سببه لها من توتر عصبي. وإذ ذاك تحتاج إلى ملء برميل من السحر واليقين لكي تغسل وتزيل اقذار الشكوك تماماً بمثل مافعل لدى تناول طعام الغذاء في الفيلا. وفيما عدا تلك المرة, وقد تعمقت شكوكها وضربت بجذورها في الأعماق اكثر فأكثر . ولن يكون بمقدوره ان يمسحها ويلقي بها بعيداً عنه, حتى يقدم لها تفسيراً مقبولاً.
إن هذا الأمر لم يضايقه ويتعذر عليه القيام به, كما هو واضح. ولماذا يتعذر عليه؟ فماهي إلا احدى المعارف العابرة ليس اكثر من ذلك, بالنسبة إليه , راحت لوسي تتفكر في ذلك. وهي ليست ايضاً اكثر من تكون رواية عاطفية رومانسية وقعت احداثها ذات اجازة. إنها لم تتلق منه اية مجاملات , او اية قبلات . لقد قام بتأدية الواجب حين اخذ يسليها ويبهجها عقب سقوطها من القارب ودخولها الفيلا الخاصة به , ولم يدعها لتناول العشاء إلا مرة واحدة , يالها من صفقة كبرى!
وبناء عليه , لسوف تعامله فحسب معاملة سطحية بمثل ما عاملها هو, وتركز على طعام العشاء. وعلى الأقل , يمثل الأمر تسلية , إذ انها لا تقدر على مصاريف المطاعم الفاخرة الواقعة على جانب الميناء , بنفسها , وكذلك لا يقدر عليها معظم فانيسا , فانهمكت شاغلة نفسها بقائمة الطعام.ريحانة
وبالمثل فعل لوران. وما ان كلفا النادل باحضار الطلبات, غير الكلام متحدثاً عن الموضوعات غير الشخصية . لقد تحدثا عن مطاعم سيوداديلا, تلك المدينة الكائنة على الجانب الآخر للجزيرة. لقد تحدثا عن الآثار التاريخية الأثرية على الجزيرة, وتناقشا بشأن افضل خلجان صغيرة صالحة للسباحة تحت الماء.
كان لوران ساحراً فاتناً, لا ريب في ذلك, اعترفت بذلك لوسي على مضض. ولم يتظاهر بأنه يعرف مينوركا معرفة وثيقة بنفسه, وبدا حقاً وكأنه مهتم بكل شيء تخبره به عن الجزيرة . لقد كان في الواقع ملماً بالتاريخ القديم , وكان قادراً على شرح الاسباب التي اقيمت من اجلها بعض الآثار الحجرية, التي كانت حتى ذلك الحين, وتلك اللحظة, ليس اكثر من اشياء غامضة مبهمة بالنسبة إليها. وعلى الرغم من انه قد استخدم خبرته , لم يكن عسيراً اكتشاف انه سباح وغطاس ذو خبرة جيدة جداً. لقد كان جذاباً بطريقة لا تقاوم. وهي اخذت تلاحظ نفسها وقد تباطأت وتكاسلت عيناها على يديه الطويلتين الأنيقتين, والخطوط الظريفة لوجهه, والطريقة الجعدة التي تماوجت بها خصلات شعره القصير البني على اذنيه. وفي كل مرة تضبط نفسها متلبسة بفعل ذلك, كانت توبخ نفسها عقلياً وتلوم ذاتها, وحاولت ان تضاعف من تركيزها على المحادثة.منتديات ليلاس
تناول طعام جازياكو على الطريقة الاسبانية , وشوربة عصير الطماطم الباردة, وسمك اوسيف طويل المنقار, وهو الطعام الذي اوصى به النادل. وكلا النوعين من الطعام كان ممتازاً. اما الآن فقد جاء دور الآيس كريم . ثم بعد ذلك يصطبحها عائدين إلى المنزل . اما بعد فقد بقيت غير عارفة أي شيء مما يفترض انها كانت تسعى إلى معرفته .

إن صوفي لن تكون مستقرة ولن يهدأ لها بال , برغم ذلك. انها سوف تظن فيما هو اكثر سوءاً , إذا عادت لوسي بدون حتى اكتشاف ما إذا كان لوران حقاً فرنسي الجنسية ام لا. وعما إذا كان متزوجاً ام لا . وبطبيعة الحال, هو غير متزوج , كما ظنت لوسي في نفسها , بينما كانت تحدق وترمق يده اليسرى الخالية من الدبلة .
ثم تذكرت يسر وسهولة تناوله للطفلة كارا, وعلمت انها سوف تكون في حاجة إلى معرفة اوثق بماضي حياته إذا ما ارادت ان ترضي صوفي وهي قد لا تراه مرة ثانية او قد تراه كثيراً, إلا انها لم ترد لصوفي ان تعتقد ان ... تساءل لوران قائلاً:
- ظريف؟
احدقت لوسي عبر المنضدة ناظرة إليه. اوه , انه الآيس كريم.
قالت :
- اجل, انه لذيذ . إنه مثل اكل الشيكولاتة. لقد كنت ابحث عن الآيس كريم منذ وصلت إلى مينوركا , وتجرأت وعودت نفسي على محاولة واحدة من تلك الاشياء الخاصة.
ابتسم لوران لها ابتسامة مداعبة , وقال:
- ولم لا؟ انت رشيقة, ومقدورك ان تطلقي العنان لنفسك وتتناولي ماتشائين احياناً.
- ليس كثيراً. منتديات ليلاس
ترددت لوسي وهي تقول ذلك, فالآن بوسعها ان تنفرد بالآيس كريم , وقالت:
- انت تأكل الكثير في باريس , أليس كذلك؟
- معظم الباريسيين يفعلون ذلك. إنهم لا يقومون بالتسلية واللهو في بيوتهم كما يفعل الانجليز في معظم عاداتهم , إن الحياة في باريس تدور حول المقاهي والمطاعم. انا عادة لدي الكثير من العمل , فاتناول الطعام خارج البيت غالباً, وانا لمغرم بأطايب ومشهيات المطعم الفرنسي وللأسف , ليس على جزيرة مينوركا ماهو كفيل بأن يضاهي مفاخر مطاعم باريس.منتديات ليلاس
راحت تفكر لوسي , وقد استقر في رأيها , ان قول لوران ينطوي على إحجاف بطعام سمك ابوسيف الذي اكلاه , ولكنها افترضت انه ذلك يمثل نوعاً بسيطاً من انواع الطعام, بالمقارنة بما اعتاد هو عليه في مطاعم باريس.
- وهل زوجتك تطهو الطعام جيداً, هل هي خبيرة في إعداد الطعام؟
انشد وجه لوران لحظة دون ضياع فتنته , وقال :
- زوجتي ؟ في الواقع إن زوجتي ليست طباخة ماهرة. إنني فحسب افتقد عجة البيض التي اعتادت على صنعها لي , لقد انفصلنا بالطلاق منذ مايشارف العام.
قالت لوسي بتأثر واضح :
- انا آسفة . أكان ذلك اختيارها ام باختيارك انت؟
الآن وقد صار واقعاً تحت المراقبة , لم يصدر عنه رد فعل محدد قال بخفة:
- إنها باختيارها هي , ولكن كان خطأ فادحاً مني . إذ يؤسفني انني كنت اركن إلى العمل لساعات طويلة , فشعرت كاترين انها مهملة.منتديات ليلاس
- هل كانت تعمل؟
- ليس خارج المنزل, لقد رزقنا بولد اسمه جيل وهو الآن في السادسة من عمره.
قالت لوسي في نفسها إنه من عمر مانويل . فلا بأس ان يكون مستشعراً الأبوة نحوه, حينما جاء الى البيت لزيارة عائلة صوفي, قالت :
- ربما كان يناسبك الزواج من امرأة عاملة.
وافق لوران رأي لوسي, واوضح قائلاً:
- ربما كان ذلك صحيحاً. ولكن لقد ازفت الآزفة الآن, ولم اعد انوي الزواج مرة ثانية. اما أنت ؟ هل لديك صديق في انجلترا؟

راحت لوسي تفكر في ان مثل هذا الموضوع مرفوض الخوض فيه من جانبها. ولكن كان لديها على الاقل إجابة من نفس نوع الإجابات التقليدية, غير انها كانت تفضل عدم اخباره بتفاصيل ذلك. كما انه بدوره لم يكن مهتماً بحياتها الغرامية. استشعرت لوسي القلق , وكانت ترغب في اية بادرة تمكنها من تغيير ذلك الموضوع. فهي لم تخبره بموضوع وحكاية حوف. وبدلاً من ذلك راحت تصف له قصة ربطت بينها وبين اثنين من اصدقائها الجامعيين, من المعارف لديها , بأكثر من ان يكونوا احبة, وهما ممن تستطيع التحدث والمزاح معه بشأنهم بدون ان اخشى الاعتراف والإفضاء بشيء معهم إليه . داعبها لوران بدوره , ولكنه بخفة وسلاسة , وسرعان ماغيرا الموضوع للمرة الثانية.
توانى كلاهما وهما يشربان القهوة. فقد كان جميلاً ان يجلسا على المكان المطل على الميناء , الكامن بين الاضواء الباهرة المنبعثة من المطعم , وظلام الميناء . كان جميلاً الجلوس في قبالة واتجاه لوران . إن سحره ربما يكون وهمياً او خيالاً, ولكن احب به من خيال , استغرقت لوسي تتدبر ذلك في احلامها . إنها ربما لا تراه مرة ثانية , غير انها كذلك, لن تترك هذه الامسية تمضي دون ان تطيلها بقدر ماتستطيع .ريحانة
بدا لوران كما لو كان يفكر على نفس المنوال . واثناء وقوفهما على الرصيف خارج المطعم , تردد وهو يقول :
- بوسعنا الذهاب إلى احد النوادي الليلية .
احد النوادي الليلية. هذا يعني ان ارقص معه. وهذا يعني انها سوف تستشعر بذراعيه القويين حولها, وان تشم عطر الصنوبر المنبعث منه, وفوق ذلك النظر في عينيه. وهذا كفيل بأن .. كلا ليس كفيلاً بأن يؤدي إلى شيء البتة.
- في الواقع لست رائداً من رواد الملاهي الليلية, ولقد كنت قد وعدت خوان بأنني سأعود بحلول منتصف الليل, في حين ان الملاهي الليلية لا تبدأ في العمل واقعياً قبل ذلك.
- نتوجه إلى احد البارات إذن؟ بمقدورنا الذهاب إلى كاليس فونس , او إلى أي مكان آخر في ماهون إذا مافضلت ذلك؟ او حتى إلى بار السيد مال؟
إنها إن ارادت ان تكون بعيدة عن الانظار , يكون بار السيد مال هو الأفضل والأكثر ترجيحاً وطلباً من أي من الملاهي الأخرى الصاخبة المزدحمة.
- إن بار السيد مال لهو الأطيب. إنه الأفضل في الواقع. إن بارات وحانات كاليس فونس جميعها تضج بالجلبة والضوضاء , إلا انه بار كالا كوب يتصف بدوام بهدوائه, هل سمعت عن عزف بيدرو؟ وغناء وطرب مال؟
- لقد جئت لأرى بيدرو في المساء الذي رأيتك فيه اول مرة هناك. ولم اعلم ان مال يطرب طرباً شجياً بالمثل.
- في وقت متأخر من الليل عادة. ولكن بمقدورنا اقناعه بالغناء مبكراً إذا كان مزاجه حسناً.
قاد لوران السيارة عائدين إلى فيلا كارلوس في صمت. ووجدت لوسي نفسها تفكر في كاترين , وتتخيل زواجها من لوران, ثم الطلاق منه, ليس الطلاق فحسب , بل والرحيل . هل اكتشفت كاترين سره الغامض؟ ام كانت تتخيله فحسب ؟ هل هناك حقاً سر يدعوه إلى الشعور بالإثم؟ هل كانت هناك اسباب اخرى ادت الى الطلاق بخلاف ماذكره لوران, من انه اهمل زوجته فترة طويلة , فكان عليه ان يدفع الثمن؟
هل كاترين شقراء, راحت تتساءل لوسي. هل كانت كاترين جميلة؟ او .. كفي عن هذا لوسي. لا يمكنك ان تكوني غيورة من الزوجة السابقة لرجل لن تريه مرة ثانية.ريحانة
احدقت في وجه لوران الوسيم ذي الملامح الواضحة, بينما كان ينظر امامه إلى الطريق المظلم, وتمنت لو لم يكن لديه اسرار . إذا كان حقاً في حقيقة امره كما يبدو في الظاهر , لا اكثر . إذا ماكان .. وإذا ماكان ...

ركن السيارة في احد الشوارع الهادئة الجانبية فوق كالاكورب , والذي يسمح للوسي بالخروج واخذ بذراعها. فدفعها حافز مفاجئ إلى ان تقوده , ليس إلى المنحدر الاسمنتي الواسع , والذي يؤدي إلى اسفل الخليج الصغير , ولكن إلى طريقة مؤدي إلى المكان الواسع الطلق الذي يطلق عليه ميراندا كالاكورب.
توقفا هناك, لدى السياج الذي يقطع الإنحدار الشاهق نحو الانحدار لأسفل. كان الخليج طويلاً في امتداده من تحتهما. وعلى حافة القمة في الجانب الآخر, سطعت انوار فندق الدون كارلوس باهرة في كبد السماء الداكنة السوداء. وكان زوج من الزوارق يتحركان بعيداً في عرض الميناء الكبير الرئيسي , بينما كان القمر بلونه الأصفر معلقاً فوق الهضاب وكانت اصوات آلة الجيتار المتفرقة تداعب في موسيقيتها اسماعهما, وهما ينحرفان عن البارات متوجهين ادناه ناحية رصيف الميناء.
تحرك لوران مقترباً منها أكثر فأكثر , وزلق ذراعاً حول خصر لوسي . إنها تستطيع ان تستشعر اصابعه , الدافئة عبر النسيج الرقيق لثوبها الحريري وكان كتفه على ارتفاع مناسب تماماً لها كي تريح رأسها عليه. واخذ تنتابها الأفكار المغرية.ريحانة
لقد كانا يتبارزان مع بعضهما طوال المساء , ذكرت لوسي نفسها بذلك. والآن, , إذا كان يتصرفان كعاشقان, فإن الأمر لا يعدو ان يكون إلا وهماً وسراباً, فما الذي تعرفه حقاً عنه , حتى الآن؟ الكلام الذي قاله قد لا يرضي صوفي , ولا يكفي لإرضائها هي.
انهى عازفو الجيتار في إيللا بلانا اغنيتهم , وانبعث عبر الظلمات اصوات متفرقة من التصفيق تشجيعاً لهم. آنذاك جذب لوران ذراعيها بعيداً.
- أي طريق ؟
- هنا . بعد تلك الخطوات . إنها اماكن لا تعرفها انت واعرفها أنا جيداً.
كان يتعين عليها ان تأخذ بيده , لأن الدرج كان سيئ الإضاءة. وعندما وصلا إلى القاع حملها لوران بلطف. وجلسا هناك بين الظلال الملونة. وكانت انوار وضجيج البارات , على مبعدة قليل من البارات, وحتى تلك اللحظة, بدا الجو كما لو كان عالماً مختلفاً.
- ليس بمقدورنا ان نمشيء حول هذا الجانب من الخليج الصغير , أليس كذلك؟
راح لوران يتساءل:
- كلا, على الجانب الآخر, بمقدورنا الوصول إلى المكان الذي نريده , لابد ان ذلك احد الصيادين , يصطاد السمك هناك.
-ألا تمانعين في المشيء في الظلمات؟
لقد كان ذلك هو ماتبتغيه تماماً, علمت ذلك لوسي على حين غرة. إذا لم تشأ ان تتوجه إلى بار السيد مال , حتى لا يكون عينه عليها هي ولوران, ثم يأخذ يتساءل ويتعجب ويستفسر عن مدى مايربطهما من علاقة. إنها لم ترد ان تتركه بعد, كل ما ارادته ان تكون بصحبته , في الظلام , تستمتع بالأوهام والخيال , وجذبت يده بلطف في اتجاه الطريق.منتديات ليلاس
واقتربا من حول الماء حيث يرسو زورق سان فيليب , ويدنو بار السيد مال , وإيللا بلانا , بمجموعة عازفي الجيتار الضيئلة بها. وسارا مارين كذلك بالطريق الأسمنتي الطويل الذي يفضي إلى الصخور.
كان ثمة ضوء خافت , يسطع من منتصف الطريق فوق الدرج المؤدي إلى فندق الدون كارلوس الفاخر. عندئذ دلجا إلى المكان, الذي كان يستهدفا الوصول إليه , وصار في ظلام مطبق.منتديات ليلاس

وذلك احد صيادي السمك , يصطاد من بين الصخور الواقعة على اقصى حافة ذلك المكان. ولايكاد القمر يضيئ طرف عود الصيد, وكان يصطحب بطارية حتى يتحاشى يد في حاجياته, تبعث وترسل الضوء ساطعاً من الماء, وذلك حتى يتحاشى المارة فلا يطأون عدة الصيد من طعم وخلافه من قوارير, ولقد مرا عليه وتجاوزاه. وفي تلك البقعة انحنى الجرف للوراء قليلاً, صانعاً منخفضاً ضحلاً, غاب عن بصريهما كلاهما, منزوياً وراء الخليج الصغير والفندق على قمة الجرف. ولقد صدت الصخرة ضوضاء البارات. اما الصوت الوحيد المسموع فقد كان ذلك المنبعث من ارتطام الماء بالصخور الفائتة من حافة الميناء.
ارسل لوران يد لوسي, وتحرك نحو الأمام مقترباً من حافة الماء. وتراجعت لوسي خطوة إلى الوراء. فأعادتها مباشرة إلى قبالة الصخر الأملس الذي هو على سطح الجرف. فاتئنت إلى الوراء نحو الصخر وراحت تراقب لوران . وبوسعها ان ترى تقاطيع جسمه بوضوح وسط الظلام, طويلاً رشيقاً , مستقيماً , وقد رسم القمر بعد صورة ظليلة له عبر ضوئه الباهت الخافت. وطرأ على خاطرها ان الفيلا الخاصة به تكاد تقع في الجهة المضادة .منتديات ليلاس
رأته وهو يعود راجعاً إليها. تحرك متباطئاً إلى الظلال التي كانت تقف في اكتافها . وراح يقترب ويدنو منها حتى اوشك ان يلامسها . وآنذاك امتدت يده ليمسك بكتفيها , واخذ يجذبها نحوه برقة ولطف.
وعلى مدار برهة من الوقت, شعرت وكأنها وقت سرمدي خالد لا ينتهي, كان ثمة لا شيء سوى صوت انفاسه, عالياً يشق جدار الصمت والسكون. وحينئذ دنا ثغره مقترباً ليجد طريقه إلى ثغرها.
احدثت الشقاق بينهما طوال المساء وقد اذابها وصهرها ضوء القمر .
واحسا بأن هذا ماهو إلا وفاء اولى لوعد غير مصرح به صنعاه لدى اول لحظة , رأى فيه كلاهما الآخر في بار السيد مال الخالي.
وبعد لحظة ابتعد لوران وجافى ثغره ثغرها . اما يداه فقد هجرتا جسدها. فتراجعت لوسي إلى الوراء . واستحوذ عليها الجرف ببرودته . قال لوران :
- الأفضل لنا ان نذهب إلى البار . إذا اردت ان تشربي احد المشروبات قبل ان اوصلك إلى بيتك عند حلول منتصف الليل. احذري الصخور , إنها تبدو لي كما لو كانت زلقة ملساء.
كان صوته منخفضاً ذا نبرة مميزة. وبدا كما لو كان , بدون كلمة او نظرة , ينكر الأحاسيس التي شاركاها سوياً. ماكنة تلك الأحاسيس ؟ راحت لوسي توبخ نفسها. إن هي إلا كيمياء صرفة بحتة, والانجذاب البدني , ولا شيء اكثر من ذلك اطلاقاً. وذلك مصدره رجل لا تثق هي به مقدار بوصة واحدة , ولا تتوقع ان تراه مرة ثانية. قالت بحدة , وتحركت في إثره تتبعه:
- إنها جافة جداً.
في حقيقة الأمر كانت الصخور مخادعة دقيقة تحتاج إلى البراعة والحذر على الاسطح الغير مستوية للصندال ذي الكعب العالي الذي كانت ترتديه, بيد انها تفضل الإنزلاق على ان يأخذ هو بيدها, وصلا إلى بار مال بدون وقع اية احداث . وبد الضوء فوق المناضد صارخاً على نحو مؤلم. وكانت المناضد مزدحمة بالسياح. اما رحلة ماتشيستر الجوية, وكذا رحلة لوتون, فقد وردا على خاطر لوسي , بينما كانت تشرع بالدخول إلى عتمة الكهف.ريحانة
هل كان شعرها فوضوياً في غير تزيين؟ واحمر الشفاه, هل اصبح منتطفاً؟ إذا كان كذلك , فإن السيد مال لن يعلق, ولحسن الحظ لن يكن هناك شخص آخر تعرفه في البار. وكان زوجان من الكراسي لدى الطاولة المستطيلة خاليين ممن يشغرهما بالجلوس عليهما. القت لوسي بنفسها على احدهما وقد استشعرت الاحساس بالإمتنان.
كان السيد مال مشغولاً ومنهمكاً في تقديم الطلبات لرواد البار. اعطى لوسي إيماءة ترحيب بوصولها . فردت عليه بإيماءة اخرى, حتى تؤكد له انها سوف ينتظران دورهما . وبعد ان انتهى من طلبات عشرة من السياح جاءهما. سأل لوران لوسي قائلاً: