حدقت لوسي مرة ثانية وقد علا وجهها البشارة :
- حسناً , سيداتي آنساتي, بعد تلك الإثارة اعتقد انكم تفضلون الخليج الهادئ . نحن متوجهون إلى المدخل الجميل المسمى كالا بيدريدا. ربما يعرفه بعضكم سلفاً. انه على مرمى البصر من مركز فيلا كارلوس . إن ذلك الخليج ليس ملائماً للأطفال للسباحة فيه, إلا ان البالغين من هم سباحون ماهرون بوسعهم الغطس هناك ويعبرون صخور الماء , وكذلك هناك بعض البقع والأماكن الطيبة لصيد الاسماك. ثمة مقهى في نهاية الخليج , ايضاً. ولذا تستطيعون ان تستمتعوا بشراب بارد يمتعكم بعد المشيء في المدينة, وإذا تحدثنا عن انواع المشروبات فهي...منتديات ليلاس
ولما تذكرت لوسي بينها وبين نفسها ان تلك تمثل نهاية الرحلة بالزورق , اعتراها بعض الاكتئاب , وراحت تتأمل ذلك, غير ان جميع السياح رحبوا بالرحلة الأخيرة ولم يتأثر خوان من جراء ذلك من بعيد او قريب.منتديات ليلاس
- أتتذكرين , لقد اوضحت لكم معمل تقطير الجّن( الشراب المسكر ), وموقعه عند مقدمة مرفأ ماهون. هل تفتكرونه ام لا ؟ إن معمل التقطير مفتوح لكم لكي تقوموا بزيارته, ومرحبابكم وانتم تأخذون عينات بعض الشراب التي ينتجونها على الجزيرة. وفي هذه القارورة اعددت لكم كوكتيل الجّن , وتلك الزجاجة الخضراء تحتوي على شراب الاعشاب اللذيذ المصنوع من نبات البابونج.
ساعدوا انفسكم بأنفسكم , سيداتي آنساتي . اما انتن سيداتي , فأقدم لكن شراب الموز .
وقدمت لوسي زجاجة من شراب الموز الحو للسيدتين الفرنسيتين المسنتين , بإبتسامة مستحوذة لطيفة , وقالت:
- هل استطيع ان اساعدك يا سيدتي.
ثم التفتت بسرعة, واضافت بصوت عال:
- اما بالنسبة للركاب صغار السن, فقد اعددت ليمونادة لذيذة جداً. انا نخطط للمكوث هنا لعشر دقائق او هذا القبيل. سيداتي آنساتي , وبعدها سوف نأخذكم في زيارة حول لازاريتو , الجزيرة الكبرى الواقعة عند ثغر الميناء, ثم العودة نحو كالا كروب, الخليج الذي شرعنا رحلتنا منه. هلا واظبتم على مناولة تلك الزجاجات لبعضكم , سيداتي آنساتي. دعوني اناول تلك الزجاجة إلى اقصى الطرف, إن هذا الشراب لذيذ جداً مصنوع من النعنع البستاني, واما هذا الشراب الذي ارسله الظريف الجالس في المؤخرة فهو القهوة المحوجة. بوسعكم جميعاً شراء ما يلزمكم بأية كميات من معمل التقطير بطبيعة الحال ومن الكثير من محلات السوبرماركت الواقعة على الجزيرة.
بعد ذلك بدقيقتين , كان جميع السواح يتحدثون بألفة ومحبة عن الكؤوس البلاستيكية الصغيرة التي يحتسون فيها المشروبات القوية . انتزعت لوسي لنفسها فترة راحة قصيرة وسقطت هامدة بجوار خوان, وهي تزدرد وتتجرع ملئ كأس من الليمونادة . كانت سبيلها لتقديمه إلى الاطفال.
كان خوان عادة مايوجه دفة الزورق مباشرة نحو الشاطئ الشمالي الشرقي , عبر القناة الضيق للغاية , الذي يفصل لازاريتو عن اليابسة , ثم يعرج خارجاً باختصار نحو عرض البحر وإلى الخليج التالي, الواقع إلى الاتجاه الغربي, حيث توجد جزيرة كالا سانت استبيان حيث قدمت لوسي المشروبات , لم يستطيعوا ابداً من ان يعتقدوا ان الظروف قد تضطرهم إلى تعبير خططهم في فترة وجيزة للغاية. وكان يعتين على لوسي ان تتفقد بنفسها ان احداً لم يشرب حتى الثمالة , او ان بعض الركاب قد اصابهم دوار البحر, او مرض من جراء متاعب ومشاق الرحلة, وكذا ان نتبين ما إذا كانوا بحاجة إلى إيجاز الرحلة, فلا يزورا الخليج الآخر, إذا ما ارادوا العودة في نفس الزمن المقرر سلفاً.
لقد كان حادث الزورق العملاق امراً غريباً. إنه لم يكن يقاد هكذا على غير هدى, لقد بدا كما لو كان القائد يأتي عمداً إليهم , مربكاً إياهم , ومحذراً, وطاردهم عن خط الشاطئ.

لماذا؟ لم تستطع لوسي ان تفهم. إن خوان الذي يصادق الجميع محبوب, كما ان احداً من اصحاب الزوراق الذين يطلعون بتنظيم رحلات مماثلة من فيلا كارلوس الواقعة على الخليج الآخر, في كاليس فونس يمكن ان يلجأ إلى ذلك النوع من الحيل لترويع زبائنه.ريحانة
وتعجبت عما اذا كان خوان قد ادرك ان الرجل الذي كان يقود الزورق الآخر يعرفه ام لا. وعلمت انه من غير المجدي ان تسأله امام الركاب, على الرغم من انها بدلاً من ذلك, التقطت الميكرفون مرة ثانية , وبدأت في مناولة الحقائب , حيث يستطيع السواح ان يضعوا فيها كؤوسهم الفارغة, وراحت تخبرهم وتقص عليهم تاريخ لازاريتو , مرة باللغة الانجليزية , ومرة باللغة الفرنسية.
بدت الرحلة عادية تقريباً في الوقت الذي احضر فيه خوان زورق سان فيلب مرة ثانية إلى كالا كورب. كان الخليج الصغير هادئاً حالماً. وكان اثنان من الصيادين يتفقدان ويستكشفان شباكهما عند رأس الخليج, بينما كانت مجموعة من السواح الإنجليزية يتسلقون الصخور مقتفين اثر الطريق والخطوات التي ادت بهم إلى الفندق الكبير الدون كارلوس.منتديات ليلاس
قالت لوسي في الميكروفون:
- آمل ان تكونوا قد استمتعم بالرحلة سيداتي آنساتي , وإذا كنتم قد استمتعم بها , هل بوسعي ان اوصيكم بمصاحبتنا في رحلتنا القادمة الاعتيادية , يوم الخميس بعد الظهر, والسبت صباحاً؟ إنا نطلق عليها الرحلة الغامضة, ولكن ذلك بسبب ان الرياح والطقس هما اللذان يقررانه إلى اين نحن ذاهبون.
ففي كل مرة نقوم بزيارة خليجاً آخر, وعادة مايكون خليجاً لا يمكن الوصول إليه عن طريق البر, ونعود لكم ونخصص الوقت للسباحة وتشميس اجسادكم قبل ان نعود ادراجنا بالرحلة مرة ثانية.
هل تعلمون ان ثمة حوالي مائة وعشرين شاطئاً مختلفاً في مينوركا؟ وبناء عليه, مهما كانت اجازتكم طويلة , سوف تكونون قادرين على تجربة احد الشواطئ الجديدة في كل يوم !
اقتحمت لوسي الركاب بلطف لتشق طريقها نحو المؤخرة, وقفزت إلى المرفأ , وألقى بها خوان حبل حبل الرسو. فجذبته , بينما راح هو يقرب الزورق نحو حافة الماء تدريجياً. فدعمت الممر الخشبي المؤقت للعبور, المصنوع من الألواح الخشبية المتينة, والذي ربط بين الزورق والأرض الصلبة المنحدرة . ثم مكنت نفسها بحيث تستطيع معاونة الركاب اثناء هبوطهم , والتأكد من انهم جميعاً قد لاحظوا الطبق الضحل المكتوب عليه عبارة تعليمات للكابتن والمرشد.
وريثما نزل آخر الركاب, وثب خوان من مؤخرة الزورق , بينما كان يحمل حقائب الكؤوس البلاستيكية في احد يديه, فأومأ برأسه لها, مخبراً إياها ان الوقت قد حان للعودة الى الفيلا.
كان خوان عماً للوسي بالزواج, بزواجه من شقيقة امها صوفي. وعندما كانت لوسي تتطلع باحثة عن وظيفة شاغرة لتعمل اثناء اجازة الصيف , قبل ان تبدأ دراستها للسنة النهائية في الجامعة , كتبت صوفي تقترح ان تأتي لوسي إلى مينوركا وتساعدهما بالعمل في الزورق الذي اداره وشغلاه معاً في كل فصل وموسم صيفي.
وكانت هي قد وصلت منذ شهرين وكانا شهرين رائعين , مليئين بالشمس الساطعة والبهجة والضحك. ولقد تممتعت هي بالعمل تمتعاً شيقاً. واحبت الزورق. واحبت البحث في تفصيلات تاريخ مينوركا , من اجل الاستعانة بذلك في تعليقاتها للسواح, كما احبت ممارسة لغاتها والتحدث بها مع السائحين والزوار.ريحانة
وكان اليوم يمضي سلساً سعيداً بدون اية سحب في الأفق, حتى وقع حادث الحماقة في تلك الظهيرة.

إن ذلك كان حقاً , حادثاً منعزلاً احمق. والقته بعيداً عن ذهنها.
كان منزل خوان وصوفي عبارة عن فيلا حديثة واقعة على ضواحي فيلا كارلوي, ذات حوائط بيضاء, وسقوف حمراء, ومشهد مذهل مدهش يطل على اسفل الميناء الرئيسي. وكانت الساعة السابعة تماماً حينما بدأ خوان ولوسي في الوصول إلى البيت, وبالرغم من ان الشمس كانت لا تزال في كبد السماء , كانت هناك نسمة منعشة باردة في الجو.
كانت الفيلا ترفل في الفوضى كالعادة. فقد كان المطبخ يبدو وكأنه مليء بالقنابل او موقع حربي, وكانت الطفلة كارا متعبة ومنهكة القوى, واما مانويل البالغ من العمر ستة سنوات , وماريا البالغة من العمر ثلاث سنوات , فقد ظهرا وكأنما قد وجدا كومة اخرى من الألعاب ليضيفوها إلى المجموعة الدائمة المتناثرة حول الغرفة الأمامية .
تجاهل خوان كل تلك الورطة والفوضى متصنعاً السعادة, وبالمثل فعلت لوسي, وكانت احياناً تتشكك هل صوفي لاحظت تلك المسألة .
كانت صوفي دائماً سعيدة , ودائماً راضية , مهما كانت درجة الفوضى الضارية حولها. وبالرغم من الدمار الواضح الكائن في المطبخ , إلا ان الطعام , سمك الأنقلس المطبوخ بصلصلة الطماطم الكثيفة , كان لذيذاً جداً.منتديات ليلاس
تساءلت صوفي على مائدة العشاء :
- هل ستكونين بالمنزل , الليلة يا لوسي؟
هزت لوسي رأسها وقالت :
- سوف اقابل فانيسا هذه الليلة في الساعة التاسعة مساء.ريحانة
- اذن سوف تعودين في ساعة متأخرة ؟
- ليس في ساعة متأخرة جداً, وكلمة متأخرة في مدينة كارلوس, تعني الساعة الثانية او حتى بعد الثانية , إذ لا يذهب احد إلى الفراش مبكراً, إنهم جميعاً ينامون ظهراً نوم القيلولة, ويستيقظون عندما تغرب.
كانت فانسيا تعمل ممثلة لاحدى الشركات السياحية , ومقرها في فندق دون كارلوس, وهو احد أكبر الفنادق في مدينة كارلوس. وكانت تبيع التذاكر لرحلات زورق سان فيليب, في شتى الفنادق الواقعة في الجانب الشمالي الشرقي من المدينة الصغيرة, وكانت عاداتها ان تمزح وتتسامر وتشرب مع أي شخص يحدث ان يزور المدينة.
وبمرور الوقت وصلت لوسي فندق دون كارلوس , لتجد ان فانيسا قد جففت شعرها الأحمر بعد حمام السباحة المسائي ومشطته وتزينت بأدوات التجميل في وجهها, وارتدت احد فساتينها الأنيقة.
قالت لوسي :
- ياله من فستان أنيق. انت بهذا تغرين الرجال, أليس كذلك؟
وبختها فانيسا قائلة :
- لوسي , لوسي , انت تعرفين القواعد!
ابتسمت لوسي . لقد كان احد الأشياء التي تجذبها إلى صديقتها فانيسا , حقيقة ان الفتاة الأخرى لم تكاد تطارد الرجال بإلحاح , مثل الكثيرات من الفتيات الإنجليزيات في جزيرة مينوركا. لقد كانت لفانيسا قواعدها, التي تلتزم بها. ورقم واحد : هو عدم إعطاء مواعيد لمقابلات غرامية مع السياح. وبدلاً من كثرة التردد على صالات الديسكو , باحثة عن مجموعة من الاصدقاء , بعضهم من الإنجليز , والبعض الآخر من الأسبان , من بين اولئك الذين يتصفون بأنهم شبه مقيمون إقامة دائمة في الجزيرة . وكان يسعد لوسي ان تكون واحدة من اولئك الاصدقاء.
قالت لوسي , مقرة بموافقتها على ماقالت فانيسا:
- اعرف. غير ان لكل قاعدة استثناء , احياناً.
قالت فانيسا بحزم :
- ليس في هذه المرة. على اية حال, ليس ثمة شخص احاول ان اراه مرتين في طائرة مانشستر القادمة هذه الظهيرة. وفي الواقع هذا الشمس.منتديات ليلاس

ألمحت صوفي لمحة تنم عن تقطيب وعبوس وجهها , قائلة :
- إني متأكدة من ان ليز تعتقد انك تقومين بالمزيد من العمل, بأكثر مما انت تعملين فعلاً , يا لوسي.
ليزا هي والدة لوسي , ربة اسرة, اكبر من صوفي شقيقتها بعشر سنوات.
وتلك سحابة ضيئلة اخرى تعبر سماء لوسي الزرقاء, لقد كانت امها عاكفة على كتبها كل يوم لساعات مطولة . غير ان ليزا لم تعرف ماهية الحياة في مينوركا , وكيف ان الجزيرة برمتها غير مؤهلة للقيام بالدراسة والإطلاع . لم تكن لوسي ترغب في ان تتصرف مثل السائح طوال الصيف , فتشرب وترقص كل ليلة وتسهر حتى الفجر, ولكنها صممت على ان ترى الناس , وكان الكثير من الناس هناك يوفرون فرصة ان يراهم الآخرون وان يمدا هم الآخرين, وحتى بعد الساعة الحادية عشر ليلاً. ولقد استقرت على ان تحاول ان تنجر المزيد من ذلك, ولكن ليس في هذه الليلة.منتديات ليلاس
- انا اقوم بعمل اللازم والكافي.
قالت لوسي ذلك بإيجاز ونهضت من على المائدة , وقد شعرت بالقلق من جراء كلام صوفي الذي جعلها تحس بأنها مذنبة . اضافت :
- لدي بعض الوقت كي اصطحب كارا الى الحمام بدلاً منك قبل خروجي.
هزت صوفي رأسها , وقالت :
- لقد اخذت حماماً وغطساً في وقت مبكر من هذا النهار. وسوف اعفيك من ذلك إذا استحببت وقت بالعمل لمدة ساعة .
ابتسمت لوسي ابتسامة متأخرة وقالت :
- اوكيه . سوف اقرأ الفصل التالي في كتاب علم الاقتصاد , واستعد للخروج بسرعة مضاعفة لإنجاز الوقت .
مايجعلني اشعر قليلاً بالإحباط , واحسب انني سأفعل شيئاً لكي اعوض عن ذلك. لقد كان اليوم واحداً من تلك الايام التي تكثر فيها الشكاوي العابثة بشأن اعمال السباكة , واسعار تأجير السيارات , والسؤال الأغبى الذي يتبعه سؤال آخر.
قالت لوسي , وهي توافقها ما قالت :
- إنني اعاني من تلك المشكلات ايضا.
ثم رمقت فانيسا من المرآة المثبتة على باب الدولاب. واعتقدت انها كان يجب عليها ان تتزين هي الأخرى وتستعمل ادوات المكياج, غير انه فات الأوان . لقد كان كتاب علم الاقتصاد جافاً غير مشوق, ولكنها كانت تشعر بالذنب وتأنيب الضمير لأنها استذكرت جدياً فيه لمدة ساعة واحدة فقط, ولم تفرد لنفسها من الوقت سوى عشرة دقائق فحسب لكي تستعد خلالها للخروج.
كان شعرها على مايرام, ولم يكن لديها من الوقت مايعينها على تسريحه , إلا انها كانت قد غسلته في صبيحة هذا اليوم.
وبدا شعرها جميلاً وهو منسدل حراً طليقاً . وقد ادت الشمس إلى تحويل لونه إلى لون اجمل من لونه الأشقر المعتاد اما اللون الأصفر الضارب إلى السمرة , فقد تحول إلى لون بني ذهبي.
وكانت ملامحها متناسقة , برغم من ان المقارنة مع فانيسا لم تسعدها : فقد كانت الفتاة الاخرى تتمتع بوجه حاد لذيذ مفعم بالحيوية والنشاط بعينيها الزرقاوين الواسعتين, وابتسامتها الدائمة, وفي المقابل كانت لوسي بالقليل من المكياج , شعرت بأنها تبدو غير مشوقة. وكان شكلها لعام مقبولاً , ولاتستطيع رؤية الكثير من مفاتنها تحت طقم ملابسها الخضراء الناعمة التي ارتدتها. لقد كان يتعين عليها ان تلبس فساتين اكثر إيحاء بالأنوثة. ولكن لماذا يتعين عليها ذلك؟ إنها لم تكن تسعى متطلعة إلى مصاحبة احد الرجال, مثلما كانت فانيسا كذلك لا تسعى.ريحانة

تساءلت فانيسا , وهي تلتقط حقيبتها وترتدي الصندل الابيض قائلة :
- مال؟
- إنه الأفضل , عالم يسبقنا إليه صحبته مانكيوتيان .منتديات ليلاس
صاحت فانيسا بابتهاج قائلة:
- ليس إلى ذلك من سبيل, حيث إنني امرتهم بالتوجه إلى صالة الديسكو في ليدي هاميلتون.
ثم تحولا معاً عبر الحدائق وبساتين فندق دون كارلوس , وناحية الجنوب من الدرج غير المستوي الذي يؤدي من حافة الفندق وأراضيه إلى الخليج الواطئ تحته. وكانت الساعة تشير إلى تمام التاسعة والربع . وهي ساعة مبكرة طبقا لمعايير جزيرة مينوركا. وفي ذلك الوقت من الصباح يكون بار مال خاوياً. وحينذاك يكون مال نفسه متواجداً هناك . وعند رؤيته لهما لاشك سوف يرحب بهما بشكلا جيد.ريحانة
كان مال يدير كهفاً حوله إلى بار بنصف طباع وأصالة جزيرة مينوركا , وكان يمثل ثاني بار في كالالورب. وكانت المناضد في الخارج لا تزال خالية شاغرة. حينما وطئت المكان لوسي وفانيسا . وكان الاعلان المثبت على احد الجدران يعلن ( عزف موسيقى بالجيتار واغاني يبدأ من الساعة العاشرة والنصف ) وكان ذلك الإعلان يحمل صورة فوتواغرافية للسيد مال , وهو بعد يبدو اصغر سناً بكثير من عمره الحقيقي , وأكثر جاذبية من السيد بيدرو, الشاب الصغير القادم من جزيرة كارلوس, والذي كان يعزف على الجيتار في البار.
إنذاك دخلا إلى وسط البار. وكان الكهف ضيقاً وعميقاً, مليء برائحة الشراب والسردين المطبوخ. وكان ثمة طاولة خشبية طويلة على احد الجانبين , مناضد ومقاعد مغطاة بالفنيل الأحمر بطول الجانب الآخر. وكان هناك اضواء كاشفة, تمتد سلوكها عبر الصخر العاري للسقف , تضيء مشكاوات الحوائط غير المستوية , والتي كانت تحتوي على بعض حطام السفن الطافية على سطح الماء , تلك التي التقطها مال وكان يسعده ان يقول إنها افضل من معروضات محلات الخردة في سيوداديلا .
شاهدت لوسي البار في وقت النهار, وادهشها ان تكتشف كم كان حقيراً في الواقع. ولكن في الليل , عند إضاءة الكاشفة الباهرة , ومحادثات مال , كان ساحراً ومريحاً وبديعاً يضاهي افضل حانات مينوركا.
كانت محادثات مال ضرورية لملئ فراغ البار, لقد اكتشفت لوسي تلك الحقيقة: حيث لم يكن هناك سوى زبون واحد. وكان مال يدير الحانة من منظور الأعمال التجارية, وكان الزبون جالساً على احد المقاعد المواجهة له . فهو رجل ذو شعر داكن, في اوائل الثلاثنيات من العمر , يرتدي بنطلون الجينز , وقميصاً ابيض , وقد شمر عن اكمامه لأعلى الذراع ليظهر ساعدين مسقوعين باللون الأسمر من جراء التعرض للشمس.
استدار كلا الرجلين ملتفتين حينما دخلت الفتاتان , فالتقت عينان بنيتان بعيني لوسي الخضراوين . فاحتفظتا بالتحديق فيهما هنية , ثم نظرت بعيداً , وقد اقلقها استجابتها لنظرة الرجل , واخذت تنظر إلى مال.منتديات ليلاس
- فانيسا , حبيبتي !
اطلق مال صرخة حادة, وهو يخرج من خلف البار كي يستقبلهما بحفاوة, وقد حملها معانقاً إياها عناقاً كريماً, واردف:
- انت تبدين فاتنة للغاية هذه الليلة , صدقيني. وكذلك تبدو لوسي جميلة .
ثم انحنى انحناءة احترام امامها , وصاح:
- ايتها العزيزتان لدي , لقد تغيبتما عن هذا المكان عدة ايام!
ابتسمت فانيسا, وقالت :
- مال, حبيبي , إننا في الخليج كل يوم. ولكن دائماً في غير الأوقات التي تتواجد انت فيها.
- يالخسارتي ايتها العزيزتان, إنها لخسارة كبرى. والآن, ما الذي استطيع ان اقدمه لكما من المشروبات.