كاتب الموضوع :
ماكينو
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: رواية في أروقة القلب إلى أين تسيرين للكاتبة أغاني الشتاء
[..الفصل الـثـــانـي..]
,, حينمـا نُحب من طرف واحد ~
من وراء الأقنعة نُحادثهم .. حتى لا ينكشف يقيننا بهم ..
نتقاسم خِلسةً معهم .. قلبنا .. و ليالينا ..
لنغرق معهم في كلماتٍ مُبهمة .. نتخذها ذريعة لدعم أحلامنا بهم !
نخوض وحدنا حرباً .. بجيشٍ صامت .. بلا أسلحة .. و لا عدو
فهل نرفع رايات البياض ؟ خشية أن لا تساوي تلك المشاعر التي تملأنا شيئاً أمام قلوبهم الغافلة ..
كانت تجلس في الصالة بسكون .. وحيدة .. شاردة .. تعبر ملامحها أشباح بسمات .. و عيناها ترسم بكل زاوية من حولها .. لمحة من لمحاتهم تتذكرها ..
حتى زفرت نفساً ضائقاً .. كم تكره أن تجلس في ذات المكان .. بلا عبق حضورهم الصاخب .. المليء بالفرح .. و الحياة ..
تخاف جداً لحظات السكون .. التي تتركها وحيدة .. مع ذكريات و مخاوف أصبحت إعادتها في خيالها مراراً و تكراراً ..
أقوى من إحتمالها ..
تأملت بأسى الفطور المتواضع بكميته الذي وضعته على السفرة الصغيرة .. لثلاثة أشخاص فقط ..
وحيدين .. منسيين .. خارج تلك الصفحات التي تزخر بالفرح .. و اللمّة .. و المحبة ..
آه من هذه الأيام ..أيام رمضان .. أيام العيد .. العطلات .. المناسبات ..
جميع تلك الإجتماعات السعيدة التي تجمع القريب و البعيد .. حين الكل يجد له مكاناً .. سواها ..
وحدة ..
غربة ..
حزن ..
لطالما رافقوها .. لتفقد في كل مرةٍ غالي .. و تتوغل بوحدتها و أساها أكثر .. فأكثر ..
: السلام عليكم
أفاقت على صوته من شرودها الطويل .. لترفع رأسها .. و ترى عمها الذي وقف يطل عليها قرب الباب .. لتقابله بإبتسامة أتت باهتة .. شحيحة .. و هي تحاول جاهدة أن تخفي بها كآبتها .. عن نظراته المهتمة ..
: وعليكم السلام و الرحمة
راقب جسدها الذي استرخى بوحدة .. و ملل .. ليسأل ..
: كأنك جايبه الفطور بدري...توه الآذان!
تنهدت بملل .. تعترف بفقدانها .. لأصوات بنات عمها في المنزل .. و صخبهم الذي كان يملأ دياجير روحها بالضياء ..
: الوقت طويييل..قلت احضر الفطور عشان يمر الوقت
ابتسم لها بحنان و عطف .. و تراجع عن ذهابه إلى غرفته .. و تقدم ليجلس معها ..
يحادثها .. يستجلب المواقف و الذكريات ليسليها .. و تشفق عليها روحه أكثر ..
وهو يراها تتحمس لكل حديث يخبرها به .. و كأنه يقدم لها الفرح .. و الحياة .. بمجرد ملء جزء شحيح من هذا الفراغ الشاسع بروحها ..
يتيمة أب و أم .. دائماً تفتقد لإبنتيه حين تغيبان ولو لساعات مع والدتهما في بيت جدهما ..
و لا يريد أن يتذكر حالها و تلك الصغيرة .. حين تكون هناك مناسبة تستدعي جلوسهن لعدة أيام في ذاك البيت ..
و ما كاد يطريها في خياله حتى ظهرت .. كأنه كان يستدعيها ..
فرحتهم الصغيرة .. التي يزهو بها البيت .. و الوحيدة القادرة على رسم فرحة حقيقية بعيني والدتها ..
: مــــــامـــــــــا
اقتربت تلك الطفلة الرقيقة .. ذات السنوات الست .. منهما لتقبل رأسه .. ثم تقبل خد والدتها و تجلس بجوارها ..
ليبتسم هو لها بحنو .. و محبة ..
: هاه وتين عسى صايمة؟
لتجيبه الصغيرة بـ فخر ..
: إلى العصر صمت...بعدين ماما قالت خلاص افطر عشان اذوق فطايرها يمكن ما تطلع حلوه تسوي غيرها
بملامح مشرقة كانت تستمع إليها .. أجلت سُحب الحزن التي كانت تقتم وجهها منذ لحظات ..
ابتسمت لصغيرتها حين التفت عليها.. لتشاركها الطفلة الإبتسامة ذاتها .. و لم تكن الإبتسامة فقط ..
كانت هي و كأنها تنظر لنفسها بصغرها !!
ذات البشرة العاجية .. الشاحبة ..
خصلات الشعر الكستنائية .. الكثيفة .. الملتفة الأطراف بنعومة ..
لهما حتى طول الشعر ذاته .. الذي ينسدل بحيوية .. متعدياً أكتافهما بطول قليل ..
ملامحهما تحمل ذات الضعف .. و الرقة ..
و لهما نفس نبرات الصوت الهامسة .. الشجيّة ..
تشبهها تلك الصغيرة جداً .. و تحمل جميع عاداتها .. و تصرفاتها !!
~*~*~*~
اللـــه أكبر .. اللـــه أكبر .. اللــه أكبر .. اللــه أكبر ..
ارتفع صوت الآذان .. لتعلو البسملات و تلهج ألسنة الجمع بذكر الله .. ليبدأو بالإفطار .. في ذاك المجلس الشاسع ..
الذي بدى اليوم و كأنه غرفة معيشة عائلية ضخمة .. امتلأت أجواءه .. بالمودة .. و المحبة .. حيث اجتمعن مع جاراتهن .. كعادة لا تتخلى عنها جدتهم .. في فطور أول يوم من رمضان ..
و في إحدى تلك سفر الطعام الممتدة .. بدأت تتهامس تلك الفتيات اللاتي يتساوين في العمر فيما بينهن..
كانت غزلان كعادتها تسخر من كل شيء حولها .. تتصرف بتعالي إعتادته من تلك الأوساط التي بدأت تختلط فيها مع والدتها من أجل عمل والدها .. فحتى صداقاتها في جامعتها أصبح مفروضٌ عليها .. أن تراعي فيها مستوى مرتفع لا تحيد عنه .. لتتعرف على أيٍ كان ..
لذا رغم أنها كانت تعود هنا لروحها التي تتناسها كثيراً هناك ..
تعود إلى بعضٍ من طبيعتها هنا .. بتلك البساطة .. بين هذه الوجوه المحبة ..
إلا أنها تحدثت معلنة إعتراضها .. و هي تتململ في جلستها .. لتتحدث بدلال .. و تكبر تهوى التصرف به ..
و لم تعد تستغرب .. فهي باتت تعيش حياة .. مزدوجة .. لا تعرف أيهما تفضل .. و إلى أيهما تنتمي حقيقة روحها ؟؟
: مين اللحين يآكل على الأرض؟!
لتجيبها صبا بلا إكتراث .. لنبرة السخرية بصوتها .. فهي اعتادت على هذا الغرور الذي تتصرف به ابنة عمها .. و أصبحت تجده مجالاً للمجادلة بينهما .. و هي التي تهوى الشد و الجذب في أي حديث لها ..
: حنا...و أنتي بعد هذا أنتي جالسه و تاكلين وش حلوك
لتلتفت غزلان لإبنة عمتها سحاب بذات السؤال .. الذي يزعجها ..
: والله أحس رجليني بتتكسر من هالجلسة! و أنتم سحاب...تاكلون على الأرض كذا؟
لتجيبها سحاب مبتسمة ..
: تصدقين من جبنا طاولة الأكل خليناها ديكور ما ناكل عليها إلا قليل..كله على الأرض
مدت صبا يدها .. لتضرب كفها ب كف سحاب ..
:تعجبيني...أصلاً أنا ما احس بطعم الأكل إلا إذا تكيت و تمددت ع الأرض
كشرت بوجهها تلك الأنيقة ..
: مو منك...من أجواء هالبيت!...والله كل ما أدخل الحارة القديمه هذي و أشوف البيوت اللي حواليكم احس إني في الجنادرية..مادري ليه أبوي حماد مو راضي يطلع من هالحارة!
نبهتها صبا مدعية التحذير بملامح معذورة .. و عيناها تشير إلى دانية و رتيل ..
: أووص لا يسمعونك الجيل الأول من حفيدات حمّاد...اليوم عطوا الجيل الثالث محاضرة عن السنع و حب العائلة و التراث العائلي العظيم اللي حنا فيه..خلينا حنا يالجيل الثاني كذا هاديات و غير ملفتات للنظر و الخطر
هزت غزلان رأسها بإستسلام محدثة سحاب ..
: يمه منها هالبنت! أسكت الكل إلا هي...كل ما قلت لها كلمة ترد علي بعشر
:
:
كانت تتحدث مع إحدى جاراتها .. و هي تراقبهن بين لحظة و أخرى .. ينشغلن بتلك الهمهمات و الهمسات .. و ينسين أن يأكلن شيئاً مما أمامهن .. فقطعت جدالهن الساذج بصوتها الدافيء .. الحاني .. المهتم ..
لتعاتبهن بحرص .. و كأنهن مازلن صغاراً لا يتحملن مسئولية أنفسهن .. و هي تقدم منهن الصحن الذي كان أمامها .. بالأخص تلك الصغيرة الهادئة .. قليلة الأكل .. و الكلام أيضاً ..
: أنتن من جلستن و أنتن بس تقرقن! يلا افطرن يمه...سحاب ما شوفك أكلتي شي؟ لايكون تسوين ريجيم !
لتبتسم لها بمحبة .. و تقدير لهذا الإهتمام .. و تأخذ صحن الفطائر من يدها .. لأنها تعلم أن جدتها لن تتركها حتى تراها تأكل ..
: لا يمه يا قلبي هذاي آكل
لتتدخل صبا في كل حوار كعادتها ..
: عاد ما بقى إلا سحاب تسوي ريجيم أنتي لو صغرتي شوي بس شوي جبنا لك رضعة
ضحكت غزلان بإستنكار لحديثها .. و ابتسمت هي بهدؤ لا يشبهها لتعليقات صبا .. مرتاحة لإبعاد إنتباه جدتها عنها ..
لأنها حقاً لم تكن تأكل الكثير .. لم تكن تأكل و لا تتحدث و لا تتصرف بعفويتها كما في بيت والدها على الأقل ..
لا تشبه نفسها الحقيقية أبداً .. هنا في منزل جدها اعتادت أن تكون إنسانة مختلفة .. ساكنة .. هادئة .. حذرة مع الكل ..
فهي دوماً في هذا البيت تشعر بالثقل .. تأكل أقل ما تستطيع .. تضحك بأقل قدر .. تتحدث بإقتضاب ..
تبتعد عنهم لا إرادياً و هي بينهم .. و لا يغيب عن تفكيرها ثلاثة .. تحس بالخيانة إن نستهم بهذه اللحظات ..
والدها .. و يمنى .. و وتين ..
.
.
.
بعد إنتهاء الإفطار .. لأول مرة تختفي رتيل باكراً لتلحق بها دانية ..فلا يبقى إلا ثلاثتهن .. يقفن بطلب من جدتهن ..
يشرفن على الخادمات ..لتجهيز و إرسال تلك الحافظات المليئة بأصناف من الأطعمة .. إلى جميع الجيران الذين لم يحضروا .. حتى من حضر منهن .. كانت جدتها لا تحب أن يغادرن بدون أن يحملن معهن شيئاً من تلك الأطعمة التي كان نصفها مما احضروه معهن ..
مروا بهن الفتيات الأقل سناً .. ديمة و مُزن و أصغرهن بنان .. و هن منشغلات بهواتفهن .. و تصوير تلك المقاطع بلا نهاية .. لترمقهن غزلان بإعتراض ..
: و هالدلوعات ليه ما يساعدونا!!
لتجيبها صبا بمكر ..
: ولا يهمك اللحين أكرفهم..بس ضروري تكتيك يناسب مستوى تفكير المراهقات_لتصيح بصوت عالي_فينقر و شلتها..شخبار التغطية الرمضانية
اقتربن ثلاثتهن .. لتهتف بنان بحماس ..
: صورنا مقاااطع تجننن
لتثير حماسها بإنبهار ..
: واااو وناسة باشوفهم آخر الليل اذا اكتملوا .. و أنا جايبة لك حركات..خوذوا هالحافظات للجيران اللي ماحضروا وصوروا و أنتم رايحين في الحارة...أجواء رمضانية على كيفك
و بلحظة اشتعلن حماس للفكرة .. و صبا ترفع حاجبيها بإنتصار .. لغزلان و سحاب .. اللتان اخفتا ضحكتهما على إنتصارها السريع ..
~*~*~*~
حينما أنهت إفطارها .. و افتقدتها .. بحثت عنها في المطبخ الخارجي .. ظناً منها أنها لا بد أن تكون هناك .. لكنها لم تجدها ..
فذهبت لتبحث عنها داخل المنزل .. و وجدتها أخيراً في غرفتها .. التي كانت مقابلة لجناح جديها في الدور الأرضي .. طرقت الباب بخفة لتدخل قبل أن تأذن لها حتى .. فلطالما كانت غرفة رتيل ملجأ لها هي .. و أخواتها .. كل لحظة ..
:السلام عليكم
ردت بإبتسامتها الحانية .. المهتمة دوماً ..
: و عليكم السلام و الرحمة_لتسألها بإهتمام_خلصوا الخدامات توزيع الأكل الباقي؟
: على وشك...البنات معهم يرتبون كل شيء
أجابتها و هي تتقدم لتجلس على الكنبة الوحيدة في غرفتها .. كنبتها الحمراء التي احتلت الزاوية .. بجانبها تلك الأباجورة الطويلة .. و بالجانب الآخر .. رفوفها الزرقاء المليئة بالكتب ..
و رتيل كعادتها تتحدث معها و هي تروح و تجئ في غرفتها منشغلة .. و تسأل عن كل شيء في المنزل .. و هي تجيبها مطمئنة ..
صمتت للحظات .. و هي تتأملها بمحبة و إعجاب .. لطالما شعرت بالإنبهار حولها .. بتألقها و تميزها .. شكلاً .. و مضموناً ..
كيف لها أن تبدو بهذه القصة الصبيانية غاية في الرقة .. و الأنوثة ..؟
لطالما كانت الفتاة ذات الشعر القصير .. و لطالما لاقت عليها هذه القصة بطفولتها .. لتزيدها أناقة في أنوثتها ..
فملامحها بين تلك الخصلات السوداء الناعمة القصيرة .. تقطر عذوبة .. و حلاوة .. يشكلان مزيجاً متناقضا .. جذاباً .. مع نظرة عينيها القوية الإرادة .. و التصميم ..
كم تحب شخصيتها و تصرفاتها المليئة ثقة و لباقة .. و إعتماداً على النفس لطالما نقصها هي .. و لطالما حسدتها عليه ..
سألتها حين رأتها بدأت تستعد للخروج ..
: بتروحين لأم خالد؟
كانت تجيبها .. و هي بالفعل بدأت ترتدي عبائتها ..
: ايه..بأغير لها الضماد...و اشوف الجرح خايفة تقول تحسه ملتهب
ابتسمت لها بتقدير .. فخورة هي فيها .. فليست فقط مميزة في هيئتها .. بل روعتها الأكثر في شخصيتها .. مذهلة رتيل في إمتداد عطاءها للجميع ..
رغم عملها المنهك كممرضة في قسم الطواريء .. إلا أنها أصبحت حقاً كملاك رحمة ليس في عملها فقط .. بل في كل مكان .. ترفرف أياديها البيضاء .. ليشمل إهتمامها الجميع ..
هنا في منزلهم .. تمد جسور روحها للكل .. جسدياً .. و معنوياً .. ليتعاظم عطاءها فيشمل حتى جيرانهم .. فهي (إبنة الحي) جميعاً .. كما يسمونها ..
تهتم للكل .. و الكل يسألها عن أي عارض صحي يصيبهم .. و يطلب مشورتها .. رغم أنها ممرضة فقط .. لكنها تقدم لهم المساعدة دوماً .. حتى ما لا تعرفه تسأل الأطباء عنه .. لتخبرهم .. تتكفل بهم على كل حال .. لدرجة أنها أنشأت مجموعة لهن في تطبيق (الواتس أب) تجيب على كل أسئلتهم الكثيرة .. المتتالية .. كل يوم ..
رأت معطفها الأبيض .. و حقيبتها الكبيرة مجهزة على السرير .. لتسألها بإستغراب ..
: كأنك تتجهزين للدوام !
رتيل تجيبها .. و هي تكتب كعادتها رسالة .. ترد على إستفسار أحدٍ ما ..
: ايه كنت بأقولك..عندي شِفت ليلي
لتسألها بعدم تصديق .. و قلق ..
: عمي رياض وافق !
كانت تغلق هاتفها .. لتضعه في جيب عبائتها .. و هي تتنهد براحة ..
: ياله سمح لي...بطلعة الروح.. و هذا هو ينتظرني تحت قال بيوديني و بيرجعني بعد
تعلم هذا...لذا سألتها بإستغراب ..
: هههه أنتي احمدي ربك ماقال بأداوم معك..بس أنتي ليه أخذتي شفت ليلي و تدرين إنه ماراح يرضى ؟
أنهت إرتداء طرحتها .. و نقابها .. لتجلس على سريرها .. و هي تخبرها ..
: مشاعل عندها ظرف عائلي و مالقت أحد ياخذ مكانها..و تعرفينها عمرها ما قصرت معي بشيء..حتى انها ماطلبت مني..أنا اللي قلت لها اخذ مكانها..دانو يا قلبي لا تنسيني ارسلي سحوري مع السواق
ابتسمت لها بمحبة .. تحاول إخفاء خيبتها .. لرحيلها هي أيضاً قبل أن تتحدث معها بما يقلقها ..
: من عيوني
لكن عينيها المهتمة .. التقطتا ذاك القلق الذي يملأها ..
:تسلم لي العيون و راعيتها_لتكمل مازحة بضيق و هي تعرف أنها قد أتت لها لتحدثها عنه_يا أختي ما تزعلين من غالب على طول..والله ردت لي الروح يوم رجعتي لنا
و بلحظة تبدلت ملامحها مع ذكره .. فما في قلبها يتصدّر ملامحها بوضوح .. لتختفي إبتسامتها .. و يظلل الحزن .. و الخيبة .. نظرتها ..
: الظاهر خاطرك فيني من قلب...يوم إني عجزت أدخل قلبه
لتجيبها رتيل بصدق .. و غيظ من ذلك المغرور ..
: ما عنده نظر والله
حاولت أن تجاري مزاحها .. فلا تريد إشغالها بمشكلتها .. و هي على إستعجال للذهاب ..
: شفتي الحظ بس! اللحين عندهم عزام وش ملحه ما يزوجوني إلا هالمغرور..لو أخذت عمار أهون
ضحكت رتيل معها ..
:ههههه عزام عليه طلبات كثير عشان كذا أبوي ماراح يعطيه لوحده ويزعل الثانية..و عمار معليش حتى بالشكل ما اتخيلكم سوى! حشى الجميلة و الوحش..خليك على مجنونك أحسن_لتكمل بجدية بعيداً عن مُزاحمها..و هي تقف_و بعدين أنا متأكدة إن لو اللي خطبك واحد غير غالب كان ما وافقتي
رمقتها مطولاً بدون أن تعترض على الحقيقة التي تصرّح بها أمامها .. لأن معها كامل حق .. فهي لطالما كانت تحمل لغالب شعوراً خاصاً في قلبها ..
كان النموذج الأمثل لحب الطفولة .. لتتجسد به أحلام المراهقة أيضاً .. و حين خطبها ظنت أنها النهاية السعيدة لقصتها الرومنسية .. المخفية معه .. لكن كل شيء معه ظل كما كان .. و بقي حبها و سيبقى .. شعوراً من طرف واحد فقط ..
قطع صوت رتيل أفكارها ..
: بتشوفينه الليلة ؟
أجابتها بشرود ..
: إذا تنازل و طلب يشوفني
سألتها بقلق..
: وش بتقولين له ؟
لتجيبها بخيبة .. فهي حقاً لا تعرف كيف ستتصرف معه .. هي حتى لم تختار الإبتعاد عنه .. فقط بقيت تلبية لغضب جدها الذي لمح حزنها و خيبتها منه ..
: خليني أعرف وش بيقول هو أول
تنهدت .. لتتحدث بإعتذار ..
: تأخرت..إذا رجعت نتكلم..مع إني متأكدة إني بأرجع إن شاءالله و ألقاك رايحة لبيتك..و بكلا الحالتين طمنيني وش يصير معاك
خرجت .. لتعود بعد لحظة تنبهها ..
: دانو لا تنسين إبرة السكر لأمي قبل السحور
ابتسمت مطمئنة لها ..
: إن شاء الله
لتستدرك شيئاً آخراً ..
: ايه كنت بأنسى.. و مروان أبوي موصيه على الإضاءات اللي يبون يغيرونها في الحديقة..ذكريه لا ينسى يجيبهم قبل يجون العمال
ضحكت هذه المرة .. و هي تسأل بإستنكار ..
: حتى مروان نشب لك !!
لتجيبها بنبرة مظلومة مازحة ..
: شفتي كيف مستهلكيني! من يوم رحتي و حتى هو تبنيته مع خواته..ههه صايره حتى افطره قبل يروح جامعته
ردت عليها مبتسمة ..
: هههه و ليتك تسلمين من لسانه
لتوافقها برأيها عن ذاك المشاكس الذي لا يكبر ..
: لا والله ما سلمت
كانت تبتسم معها .. لتختفي إبتسامتها حالما خرجت عنها .. تعلم أنها تجاملها حين تخبرها أن شيئاً في هذا البيت قد تغير .. حين خرجت منه !!
و الحقيقة هي غير ذلك .. فهي أيضاً كانت تستهلك حبها .. و رعايتها .. و إهتمامها كالبقية ..
هي بالأخص .. من ترمي عليها بثقل همومها التافهة .. قبل الصعبة .. تتواكل حولها .. و تتكل عليها في كل شيء ..
عادت تبتسم بحزن للذكرى .. كانتا منذ الطفولة عدوتين لدودتين في هذا المنزل .. فهما النقيضين في كل شيء .. في شخصياتهما .. و تصرفاتها ..
و بعدما كبرتا أصبحتا ملتصقتين ببعضهما .. أو قد تكون هي من التصقت برتيل بشدة .. و أصبحت لها ملاذاً من كل شيء ..
فهي دوماً معها و مع غيرها .. الطرف الأضعف .. تأخذ و لا تقوى على العطاء ..
لأن رتيل لم تعتد يوماً إستجداء المشاعر أو الإهتمام من أحد .. دوماً كانت الطرف الأقوى .. الأكثر في عطاءه ..
حتى في عز فقدها .. كانت أقوى منها .. هي التي كان من المفترض أن تكون سندها بذاك الوقت .. لتحميها ..
كانت تذرف الدمع أكثر منها .. كانت تنهار عنها .. تصرخ بدلاً منها بجميع تلك الحسرات التي تراها تملأ قلبها بصمت مرير ..
و مازالت لليوم .. لا تعلم كيف كانت تقوى على ذاك الصمت و السكون ..
~*~*~*~
بعد عودتهم من صلاة التراويح .. اجتمعن الفتيات في المجلس مع جدتها .. و والدتها ...
للسلام على جدها و خوالها الذين سيأتون بالتأكيد برفقة أولادهم الشباب .. ليروا والدتها .. قبل أن يعودون أخيراً إلى بيتهم ..
و هي كانت بالكاد تعي ما تهذر به صبا مع جدتها .. حين بدأ ينبض قلبها بإرتباك .. ها هو يحين لقاء آخر معه ..!!
رغم مرور شهر و ثلاثة أسابيع و عدة أيام على آخر مرة رأته فيها .. مازالت تحس بذاك اللقاء و كأنه بالأمس ..
بل تستطيع إعادته بخيالها و كأنه يحدث الآن .. لأنها كانت دائماً تفكر فيه .. و تعيد أحاسيسه بخيالها ..
نعم هي دائماً على هذا الحال معه .. تحصي بدقة لاشعورياً الأيام التي تفصل بين لقاء .. و لقاء ..
تتذكره بكل وقت و كأنه جزء منها .. لا تغفل عن كلمة له .. نظرة .. إبتسامة شحيحة .. أو حتى اختلاف بسيط بنبرة صوته ..
تعلمت كيف تدرسُه .. تشُرّحه بحضوره .. تلتقط أدق تفاصيله لتنقشه بذاكرة لا تفتأ ترددها عليها كل حين ..
أسطورة إنسانية هو بالنسبة لها .. لطالما كانت مفتونة منذ صغرها بذاك السكون و السلام حوله ..
لطالما كان مثال الثقة .. و الأمان .. و الحماية .. لها منذ طفولتها معهم ..
كانت دوماً معجبةً به .. حتى بدأ يربطها به أكثر .. فضول و إهتمام شدها .. و أيضاً أغضبها .. حين سمعت عن طلاقه !!
أي قلب تحمله تلك الإنسانة لترفض شخصاً مثله ! بالأخص بعدما ضمها معه بيت واحد ؟؟
كيف استطاعت التخلي عنه .. ماذا تريد لنفسها أكثر حين تخسر شخص مثله !!
كيف تجاهلت كل تلك التفاصيل العظيمة التي تملأه .. لتقوى على تركه !!
ليعود ولعها فيه بشكل أقوى .. بإحساس أعمق و أخص هذه المرة .. و ها هي اليوم تغرق فيه بصمت تعشقه .. لا تعلم نهاية له .. و لا حل ..
أحست بضربة في معدتها ما إن سمعت صوته قادم إلى الصالة .. مع خوالها و بقية الشباب ..
و لكن كالعادة .. حواسها الشاردة لم تلتقط إلا إياه .. و رأته ..
تنهدت بهيام خفي .. و هي تتأمله خلسةً .. ملامحه التي لا تغيب عن بالها .. كما عهدتها .. و عيناه السوداوان .. تشعان بذات النظرة الدافئة .. التي أصبحت تكسوها الآن لمعة الحزن .. و الخيبة ..
كانت تجيب على أسئلة جدها و خوالها آلياً .. آملة أن لا تبين تلك الإرتجافة التي تهز صوتها .. إرتباكاً لوجوده ..
كانت حتى شاردة الذهن لا تعي حقيقة عماذا كانوا يتحدثون ..و لا تهتم بأي من الأحاديث التي يضحكون عليها ..
فقط تحاول تهدئة قلبها .. و هي ترى تلك الإبتسامة تشق طريقها لملامحه .. دون أن تصل إلى عينيه .. فلا تقوى على محو ذاك الحزن الذي عاش فيها ..
أبعدت عينيها أخيراً عنه .. ما إن جذب إهتمامها الحديث حينما مر اسمه على سمعها ..و والدتها تسأله ..
: وش أخبار الحلوات يا حاتم ما شفناهم اليوم؟
تبدلت نبرة صوته .. وهو يحاول أن يجيب بحيادية .. بعيداً عن الجرح الذي يملأ قلبه ..
: عند خوالهم..جدهم من شافهم مارضى يطلعون من عنده..و لا حبيت اكسر بخاطره
:الله يحفظهم و يخليهم لك
لتتدخل صبا ..
: والله فقدناهم اليوم...البيت هادي و مو حلو بدونهم..عاد لو يدرون إن سحاب جات و هم مو فيه بيجننونا
اتسعت عيناها بصدمة .. لم تتخيل أن إسمها سيعرض جهراً في حديث خاص يوجه إليه .. و قلبها بدأ يخفق بشدة ..
حين بدأت تلك الأحاديث التي كانت متفرقة من حولها تصمت .. و تبقى جملة صبا تصدح في أسماع الكل .. و سمعه بالأخص !
ليأتي الرد من جدها .. حين وافقها بحنانه و محبته ..
: من طيب قلبها سحاب..ما قد شفت صغير مايحبها ويتعلق فيها
كانت تشعر بوجهها و أذنيها تشتعلان حرجاً .. وهي تمدح لهذه الدرجة أمامهم .. و أمامه ..
و كم تمنت لو تملك الجرأة لترفع عينيها له .. تقرأ ملامحه .. تتوق لرؤية نظرة عينيه .. بعدما عبره إسمها .. لكنها لم تقوى على ذلك ..
كانت تخشى حتى أن تسمع تعليقه على تعلق فتياته بها ..
لذا كانت شاكرة لدخول عزام في هذا الوقت.. و الذي أوقف إنسياق الحديث عنها ..
فحضوره النادر .. و المبهر دائماً .. سيستحوذ كعادته على كل الإنتباه ..
لتركز حتى هي مع همسات الفتيات بجانبها .. نظرها على هالة الجمال كما يفعلن ..
بعيداً عن ملامحه التي تهرب منها عيناها .. بعيداً عن تلك النظرات التي توجع قلبها و لا تجرؤ على لمحها الآن ..
لتشغل إحساسها بإبن العم المنعزل عنهم دائماً ..كم يملك القدرة على لفت الإنتباه بشدة .. وجذب النظرات مطولاً إليه ..
لا تكتفي من نظرة عابرة إليه .. فتلك الهالة الخرافية لقوة حضورة .. يجب أن تجذبك لسحرها بشرود طويل ..
جسده الرياضي .. النحيل .. بدى أنيقاً جداً بهذا القميص الأزرق .. بسمرته الرائعة .. و شعره الكثيف المصفف دائماً بأناقة ..
و ذاك الذقن الخفيف المشذب ..ليتضح حدة فكه ..و وجنتيه البارزتين .. أنفه الشامخ المستقيم .. و عيناه الجريئتان و نظراتها الكسولة .. الفاتنة ..
و إن كانت وسامته المثالية .. أكثر من كافية لينشر ذبذبات التوتر حوله .. لكنها لم تكن السبب الوحيد لتميزه ..
متكامل كل شيء فيه لحد الإفراط .. أناقته .. صوته .. جاذبيته .. نظرته .. عطره .. و ملامحه المرسومة بدقة متناهية .. كل شيء فيه .. يجعله مهيباً .. بعيداً .. غريباً عن هذا المحيط حوله ..
النظر إليه فقط قادر على أن يعبث بنبضات القلب .. وهو يبدو كتحفة فنية عرضت في معرض ..
كتب تحتها تحذير بالخط العريض ..( لا تجرؤي على التفكير في الإقتراب منه )..
: السلام عليكم
تقدم إلى الداخل للسلام على خالته و جدته التي هتفت بمحبة شاسعة .. تخصه بها دائماً .. و ترحيب عميق به ..
: هلا يمه...مادريت إنك فيه محد قالي انك رجعت من السفر
ابتسم بأناقة لها .. وهو يحيط بذراعه كتفيها الذاويتين ليقبل رأسها مرة أخرى ..
: والله يمه...مادخلت البيت إلا قبل الآذان بدقايق
قطع عبارات الشوق .. و الإطمئنان التي راحت تنساب من جدته .. إعتراضات مروان ..
: الله لنا يمه..كل هالترحيب بعزام و أنا اللي ما أصبح إلا على بوسة راسك دخلت مادريتي عني!
ضحكت جدته .. لتستنجد مازحة بوالده ..
:وش يفكني هاللحين من ولدك يا أبوحاتم
ليدافع عنها والده .. تحت طلبها ..
: أنت تآخذ الحب دفعات..هو ياخذه بالجملة مرة وحدة
لكنه استمر في إعتراضاته الحمقاء ..
: ايه دلعيه لين محد يقدر يكلمه..ماتشوفينه ما دخل معنا مسوي له دخول خاص عشان ينفرد بالدلع
ليرد عليه بإستنكار ..
: كنت اكلم .. ليه مانتظرتني و دخلت معي
رمقه بنظرة شك هازلة يهوى على الدوام نغزه بها .. ليجيبه بسخرية .. و تشكيك ..
: آها تكلم! اي خذ راحتك كلم..و ادخل سوي لنا إعلان شامبو مع نفسك
أكملا حديثهما و جدالهما .. و أعين الفتيات الصغيرات جميعهن ترتكز كلها على عزام .. و همساتهن تعلق على كل كلمة له .. و نظرة ..
فقط عيناها هي .. التي حفظت درباً آخراً غيره .. لتستقر نظراتها الولهى عليه .. حين ادركت إنشغال الكل عنها ..
أيضاً .. عينان عاشقتان أخرى في الخفاء .. كانت مثلها لا تهتم لأسطورة الكمال الذي أذهل من حوله ..
فنظراتها هي أيضاً تهيم بعيداً عن تلك الوسامة الساحرة ..
لذاك الذي لا يصمت لحظة .. وهو يشاكس عزام على كل كلمة يتفوه بها .. يتدخل بكل حديث مازحاً و قالباً تلك الأحاديث الجدية بينهم لهزل.. كانت تبتسم جداً لمجرد سماع صوته الصاخب ..تسليها جداً أحاديثه المضحكة التي لم تعتدها .. و ضحكته تجعلها مجبرة أن تضحك معه .. تتأمل بطرف عينها ملامحه المليئة بحماسته .. رؤيته فقط تجلب لها السعادة .. بالأخص عيناه الضاحكتان اللتان تشعان بالفرح و الحياة .. عيناه الجميلة من الظلم أن تكون لشاب و ليست لفتاة .. بتلك الرموش السوداء .. الكثيفة ..
مروان !! شيء مختلف جداً عما تعرفه .. عما اعتادته في شقيقيها غالب و عمار ..
شيء بعيد عن الغرور .. و الغموض .. و البرود .. الذي تعيشه معهما ..
كانت عينيها لا تبتعد عنه .. تضحك على كل كلمة يلقيها .. كانت تستحق أو لا .. حتى همست لها صبا ..
: والله محد منبسط على هالمزعج غيرك!
لتبعد عنها الشكوك .. و هي توجه تركيز صبا لغيرها ..
: والله محد مبسوط و طاير من الفرحة غير هالخبلات...شوفي كيف عيونهم متعلقة بعزام...هههه فرحانين بشوفته أكثر من فرحة أمي اللولو
.
.
بعد مضي ساعة .. كانوا يجلسون في الملحق الخارجي .. الواسع ..حين غادرهم والده سريعاً ... ليلحق بمناسباته الخاصة بعمله ..
و انشغلوا أعمامه الثلاثة مع جده يتحدثون عن المنزل .. و تلك الإصلاحات التي سينفذونها فيه ..
لمح شقيقه و ابن عمه يجلسان على بعد منهم .. يتحدثون بخفوت .. وهو يجلس الآن كالأسير بين أخويها ..
بعد تهديد جده الصريح هذا المساء .. ارتاح مبدئياً حين لم يتحدث معه أحد غيره عنها .. فحين سلّم على عمه .. كانوا قد استقبلوا الناس بالفعل .. فلم توجد له فرصة لعتابه .. أو إعلان غضبه منه .. رغم أن عينيه صرحتا بكل شيء داخله .. كحال هذان الإثنان اللذان بدى حديثهما معه على غير عادتهما .. مثقلاً .. متوارياً ..
كما توارى طيفها عن اللقاء الذي كان سيجمعها به .. و اختفت عنه .. حتى تضطره هو لطلب رؤيتها .. لذا يجب عليه الآن إنهاء هذا الفيلم الدرامي الذي تلعب بطولته بجداره ..فتحدث بثقته المعتادة ..
: أبو وريف...أبي اتكلم مع دانية
أجابه حاتم بتفهم .. و قد تكون احة لطلبه أخيراً .. إنهاء خلافهما السخيف ..
: اللحين اعطيها خبر
رغم ذلك حين اتصل بها .. وهو يجلس بجانبه .. ليصله من تلك المسافة البسيطة بينهما .. صوتها الرقيق ..
: هلا حاتم..آمر
ابتسم بحنانه المعتاد .. وهو يتخيل ردة فعلها عندما يخبرها عن رغبته في لقائها .. ماذا كسر غالب في قلبها الندي .. و ماذا تبقى لإصلاحه ؟؟
:دانية...غالب يبي يشوفك .. تبين تروحين له ؟
أعطاها أمامه الحق بأن ترفض .. أو توافق .. كتنبيه له .. و أماناً لها .. لا يرغب أن تحس أنها مجبرة بالرضا عنه من أجلهم فقط ..
ليرتفع حاجب غالب بضيق و إستنكار على تلك الحدود التي يضعونها أمامه ..
وهو مازال يجاهد إبتلاع ردات فعله .. حتى لا يخسرهم ..
للذا أرهف سمعه متيقضاً .. ليتبين صوتها حين ترد عليه .. رغم تأكده أنها ستوافق .. و بالطبع لم تخيب غروره ..
: إيه..خله ينتظر في المجلس الداخلي
:
:
غادرا كلاهما فقد ذهب معه حاتم ليفسح له الطريق .. فالتفت مروان ينظر للإثنين اللذان جلسا بعيداً يتحدثان بخفوت .. ليرمقهما بنظرة إتهام .. و تشكيك .. و ينهرهما مشاكساً ..
: اتقوا الله ترى اليوم رمضان
قطعا حديثهما .. ليجيبه عزام مبتسماً .. و عمار يلتقط هاتفه ببرود لا يهتم بالرد كعادته ..
: يا خي اتقي الله أنت إن بعض الظن إثم
لكنه مروان .. و لا أحد يغلبه في الكلام حين يريد مشاكسة أحد .. حتى و إن كان هذا الواثق من نفسه .. لذا هتف بفرح مؤثر ..
: ياسلام عزام تديّـن
ليضحك هذه المرة بصوت عالي ..
: لا حول و لا قوة إلا بالله...وش تدين ذي بعد؟ أنت من قايل لك إني كافر!
ليجيبه بخبث .. و نظراته تشير إلى الجوال الذي استكان بين يديه ..
: الحريم اللي بجوالك
ليجاريه مازحاً .. وهو ينظر إليه بإغراء ..
: أهااا ...قول إنك غيران !
كشر في وجهه .. ليرد على هذا الوسيم ..
: لاتطالعني كذا..ترى مب وحده من صديقاتك أنا !
أكمل بغرور و تلاعب .. يستفزه أكثر ..
: هههههه شكلك خقيت
لكنه لم يرد عليه .. و نظره ينتقل لذاك الضخم الصامت حليق الرأس .. الذي لم يشاركهما الكلام .. و لم يعرهما أي من إهتمامه ..
: اوص بس...خلنا نشوف هالولد وش فيه تصنم من يوم طبيت عليكم؟ شكل الحريم عنده؟ عمار ليه ساكت تستغفر ذنوبك
ليجيبه ببرود و تهكم .. و عيناه ترتفع إليه للحظة بنظرة عميقة باردة .. قبل أن يعود إلى شاشة هاتفه .. ليجاري مشاكسته ..
: لا أدعي عليك
رفع يديه بإستسلام .. ممثلاً الخوف ..
: اعوذبالله منك..و من هالعيون! خلنا نرجع لخقتي عزوم أحسن
ليغمز له عزام بإستعلاء..
: هههه قايل لك مالك أحد غيري ياخذك على قد عقلك
~*~*~*~
ذهبت للقائه .. ها قد أتت المواجهة أخيراً .. !!
رغم معرفتها أنها ستقابله اليوم .. إلا أنها للآن تعجز عن ترتيب ما ستقوله له .. و حتى تلك الجمل البسيطة التي كانت قد صفتها بينها و بين نفسها .. تلاشت من ذاكرتها ..
وقفت أمام الباب .. و قبل أن تدخل .. لمحته .. بجلسته المتعالية .. المسترخية .. يعبث بهاتفه بلا مبالاة واضحة .. و كأن لا هم يشغله !!
ألا يسكنه التوتر .. و الترقب .. لمجيئها ؟؟
ألا تعنيه حياتهما التي بدأت تتهتك أرضها .. قبل حتى أن يخطيا خطواتهما الأولى فيها !!
هل يثق هذا المغرور أنها سترجع إليه .. أم أنه لا يهتم ؟؟ أم أنه لا يريد !!
حسناً .. إن كان بهذا الإسترخاء .. و تلك الثقة .. يجب أن تحاول جاهدة أن تزيح عن وجهها تلك النظرة الحزينة .. المخذولة ..
لتحاول على الأقل أن تكون نداً له .. دخلت إلى المجلس .. و انتبه إليها حين اقتربت منه .. لتبادره السلام ..
: السلام عليكم
ليجيبها و عيناه لا تغادرها ..
: و عليكم السلام
راقب مشيتها الهادئة .. تمثيلها للثقة بذاك الذقن الذي ترفعه عالياً ..ليسترخي بجلسته أكثر وهو يتأملها بتملك ..
لا يحبها .. و لم يردها يوماً .. لكنه أدرك الآن أنه حقاً يكره فكرة الإبتعاد عنها .. إذن هل بدأ على الأقل يعتاد عليها ؟
لا يجد فيها شيئاً يكرهه .. فتاته المخملية هذه .. طباعها ملائكية .. و مشاعرها معه مترفة ..
ذنبها الوحيد .. و ما يقف حاجزاً بينه و بينها .. هو أنه أجبر على الزواج منها .. إكراماً لجده ..
وهو الذي ما اعتاد أن يتخذ قراراً إلا وفق رغبته .. و هي لم تكن أبداً رغبته ..
فقط وافقت داخله أهدافاً للإبتعاد عن والده .. و صنع حياة خاصة له بعيدة عن الكل .. و هذا ما لم تحققه له ..
لطالما أراد أنثى بشخصية مغايرة تماماً لشخصيتها .. أراد أنثى قوية .. ذكية .. تملك دهاءً يفوق دهاءه لكي تملكه ..
تملك ما يمكنها من تحطيم جدران غروره العالية .. ليرضخ لها ..
لكن مدللـة أهلها هذه !! .. تعجز حتى أن تبتعد عنهم .. و لا تتقن سوى لجؤها لهم .. و الإحتماء بهم ..
هاهو عقله العنيد كما كان منذ زواجه منها .. يصف سيئاتها أمامه .. و لا يدع مجالاً لقلبه ليعطيي رأيه ..
جلست أمامه .. بعيداً جداً عنه .. و هي التي كانت في الشهرين الماضيين من زواجهما ..
تقتحم حتى ضلوع صدره .. بعذوبة جبرية .. مع كل توعداته .. و إعتراضاته عليها .. عجز أن يبعدها عنه ..
لكنه لا يريد أن يكون مايربطه بزوجته .. و شريكة حياته رغبة جسدية فقط .. و عجز أن يقتنع بهدؤها .. و رقتها .. و حالميتها ..
فهي شفافة جداً بمشاعرها .. و أفكارها .. يقرأ كل ردات فعلها التي لا تحاول حتى أن تخفيها .. أو تواريها ..
مازال ينظر لها .. و هي تراه حيناً بكل ما يغيم نظرتها العذبة من عتب .. و تهرب بنظراتها الحزينة بعيداً حيناً آخر ..
تأمل فستانها الأبيض الطويل .. و تلك النقوش و التطاريز الملونة .. التي زينت صدره ..
و ذاك الشعر البندقي الطويل .. الذي تناثرت خصلاته المترفة بنعومتها .. حول وجهها و رقبتها برقة ..
كل ما وسوست به نفسه له .. جعلته يبقى ساكناً مكانه و لا يقترب منها أكثر ..
حسناً .. لن يتكلف الإقتراب و هي قد تصده .. إكمالاً لخصامها له طوال الأسبوع الماضي ..
: وش أخبارك دانية ؟
:
:
أتى دورها لترفع نظرها بعد وقت طويل له .. أحقاً بعد صمته الطويل ..؟ هذا ما تكلف به !!
منذ إنقضاء شهر عسلها الذي كان أسبوعاً لا أكثر .. و هي تحس بجفاءه .. و تباعده ..
أعطته الكثير من الأعذار .. ظنت أنه ربما لا يعرف كيف يعبر عن مشاعره ..
قد يكون من النوع الصامت .. قد لا يكون اعتاد عليها للآن ..
لكن مع مرور الأيام كان تباعده يزداد .. صمته يطول .. و لا مبالاته بها .. يصبح عليه من الصعب التظاهر بعكسها ..
غضبت منه .. لترى كيف سيهتم؟؟ كيف سيرضيها ؟؟
و لصدمتها أنه لم يهتم .. و كأنها قدمت له هذا الإبتعاد على طبقٍ من ذهب ..
لتبتعد أكثر .. و أكثر .. رغبةً منها لتحريك إهتمامه .. و نبش مالها في قلبه ..
لكن خيبتها أخبرتها .. أنها لا تملك شيئاً في ذاك القلب بعد .. تأكدت من هذا وهو يتركها أسبوع كامل في بيت أهلها .. و لايهتم حتى بالإتصال عليها ..
و الآن تتسائل بقهر لما طلب رؤيتها ؟ جدها أجبره ؟ خجله من والدها و إخوتها أجبره ؟
لأنه لا يبدو أنه يهتم أبداً برضاها .. أو حتى وجودها ..!! وهو لم يتكلف حتى الوقوف للسلام عليها ..
جلست مبتعدة عنه .. تتسائل لو سيقترب منها .. لكنه استرخى بجلسته أكثر و لا رغبة لديه بقربها ..
تخيلت بغبائها ألف شكل للقائه ..
كيف سيرضيها ؟ و إلى أي مدى يجب عليها أن تصل بدلالها قبل أن ترضى !
لكن كل تلك الأوهام تكدست بخيبة قوية و سط ذهنها .. لتجعلها الآن مشتتة .. لا تعرف كيف تتصرف معه ؟
ليكتنف صدرها الضيق .. تفكر بأسى كيف ستكمل هذا الزواج .. الذي مات مستقبله في أوله ؟؟
لن تكمل فقط إكراماً لخجله من أهلها .. أو لإرتباطاتهم العائلية .. يجب أن تعرف حقيقة مشاعر هذا المغرور .. المتباعد ..
و إن كان يتردد في إخبارها .. ستعطيه الفرصة كما فعلت دائماً معه .. لتعرف ماذا يدور في عقله النرجسي ..
: الحمدلله...مرتاحة...وأنت شخبارك؟
كانت نظراته لا تترك وجهها ..
: تمام
قطبت جبينها بغضب .. حين رأت أن تلك النظرة مازالت تربكها .. و تعبث بنبض قلبها .. لتسأله بصراحة .. مدعية القوة ..
: غالب أنت ماكنت تبي هالزواج..صح؟
ابتسم بشرود غريب .. وهو يجيبها بسخرية ..
: مو كأنه متأخر سؤالك !
زفرت بغيض .. ها هو كما كان .. يعاملها بإستخفاف تمقته ..
: يمكن متأخر السؤال..بس الحل مو متأخر!
رفع حاجبه بإستمتاع .. وشفتيه تميل بإستفهام ..
: وش الحل اللي عندك ؟
كادت تصرخ من غيضها .. لكنها همست بحنق ..
: طلقني
لم يهتز له جفن وهو يسمع تلك الكلمة .. ليجيبها بإستخفاف ..
: تبين أطلقك! وش يفكني من أبوي حماد بيذبحني
زاد غضبها .. لتسأله بقهر ..
: يعني ناوي تغصب على روحك و تتحملني بس عشان خاطر جدي! إلى متى ؟
تنهد .. و عيناه تطوف ملامح وجهها ..
: إذا أنتي بهالرقة و عندك إستعداد تتحمليني..أكيد مو صعب علي أنا اتحملك
وقفت بغضب .. حين ادركت حقاً أنه لا يهتم .. كل ما يخاف من هو جدها .. و كل ما يفعله هو الإستهزاء بها .. لذا غادرته و هي تهذر بغضب ..
: لا تتحملني و لا اتحملك....
لكنه وقف بلحظة و أمسك بها حين مرت من أمامه .. ليجلس .. و حين أرادت الإفلات من قبضته .. تفاجأت وهو يشدها ليجلسها فوق رجليه ..
شهقت بقوة .. و هي تحاول النهوض .. و لكن يديه القويتين كانتا تحيطان خصرها .. كأغلال موصدة ..
ليغمرها دفئه .. و تتسرب إليها رائحة عطره القوية .. تملئها بالذكريات .. لتضعف أمام سلطته .. و هيمنته على مشاعرها .. لتهمس برجاء ..
: غالب فكني..إذا كنت تبينا نكمل نقاش
أتاها صوته خفيضاً .. ساحراً ..
: تكلمي..اللحين عندي إستعداد اسمعك للصبح
زفرت بضيق .. و هي تراه غير خطة الحرب التي كانت قد استعدت لها ..
: بعّد خلني اجلس...هذا مو وضع يناسب النقاش
لمحت بطرف عينها .. جانب فمه الذي مال بإبتسامة متسلية .. و نظراته تطوف وجهها القريب بخبث .. وهو يقترب منه أكثر ..
: أجل يناسب إيش؟_ليغمز لها وهو يكمل_و حنا نسويه
زفرت نفساً لخيبتها خرج من صدرها مرتجفاً .. و هي تشيح بوجهها عنه .. لا ترغب بالإلتفات له .. و هي تشعر بوجهه بهذا القرب .. تلفح خدها أنفاسه الهادئة .. في حين تجاهد هي نبضات قلبها .. و أنفاسها المتخبطة من قربه ..
صمتت حتى وصلها صوته الهامس .. العميق ..
: ممكن أعرف قبل القفزة الهائلة اللي نطيتي فيها للطلاق..أنتي من الأساس زعلانة ليه؟
هذه المرة التفتت بغضب إليه .. في رأسها مئات الكلمات التي تريد أن ترميها بوجهه ..
لكن تلك المسافة المتلاشية بين وجهيهما .. بددت كل الكلمات من ذهنها ..
نظرتها التي صوبتها عليه .. ذاب غضبها بتلك النظرات الخادرة التي يخترق قلبها فيها ..
أي قوة تريد أن تتسلح بها أمامه .. و هي بهذا القرب الخطر بين ذراعيه .. و خصلات شعرها تنام على كتفه ..
لكنها لم تحتاج لأكثر من السلاح الذي حاربها به .. لترتد عليه به .. فحين احست به يقترب منها أكثر ..
شعرت بإرتخاء يديه من حولها .. لتفك قيدها سريعاً ..
و تنهض واقفة توليه ظهرها .. لتسيطر على مشاعرها دون تأثير قربه .. لتكمل حربها معه .. التي لا يبدو أن أحداً يجاهد فيها غيرها .. لتعترف بضيقها .. و مخاوفها ..
: أنت ما تحبني و لا تبيني..و لا كلفت على نفسك تخفي هالشيء !
أتاها صوته مثقلاً بالملل ..
: دانية أنتي بنت عمي...و عمري ما كرهتك و لا فيه أي سبب يخليني أكرهك..و أنا اللي من نفسي خاطبك فوشلون ما أبيك..ممكن أفهم؟!
لتلتفت عليه .. ترد عليه بإستنكار .. من خانة إبنة العم .. التي يحشرها فيها ..
: يعني شعورك ناحيتي قبل الزواج و بعده واحد ما تغير !
تنهد .. ليجيبها بكبرياء مستفهم ..
: صرتي زوجتي..و أقرب شخص مني..وش المفروض يتغير أكثر من كذا .. وش درجة الحب اللي المفروض أوصل لها عشان ترضيك!
يالقسوته .. وهو يرمي كلماته بإهمال و لا مبالاة عليها ..
أيخبرها أن الحب من أجلها ترف يجب أن لا تطالب به .. بعد أن حصلت على شرف أن تكون زوجته فقط !!
:لا ترسمين في خيالك أحلام و تلوميني إني ما جيت على مقاسها..أنتي تعرفين شخصيتي و تصرفاتي قبل نتزوج..و وافقتي علي..مو معقول إنك كنتي متخيلة إني بأنقلب قيس ابن الملوح يوم تزوجتك
فجأة أصبحت هي المذنبة !! لم تستطع أن تتحدث ..
إن كان يستكثر عليها الحب بهذه الصراحة !! كيف ستلومه على صمته طوال الوقت معها ؟
كيف تلومه على عدم إهتمامه بما يحدث معها ؟
بعدم إتصاله بها...و إفتقادها حين يخرج طويلاً عنها ؟
بعدم إنتباهه لكل ما تغيره في نفسها...و في بيتها من أجله ؟
كيف تلومه حين لا يصل إلى قلبه كل ما تنثره حوله من مشاعرها...و إهتمامها...و حبها...
: قلتي لأحد عن السبب اللي خلاك تزعلين! تقدرين تقولين لهم السبب اللي خلاك تطلعين من بيتك بدون شوري و لا ترجعين! أكيد لا..أنتي بس سكتي و عارفة إنهم بياخذون صفك..و يتخيلون إني أكيد مخطي عليك..تشوفين هالشي أستاهل تسوينه فيني!
هل أصبح هو صاحب الحق الآن !!
هل كان الخطأ خطأها حين حلمت بحياة مختلفة معه ؟
هل يجب أن تعيش وفق ما يرغب و يناسبه .. و لا تطالب بأي تغيير فيه ..
: دانية أنا عارف إنك تعودتي تكونين محط إهتمام أهلك و كل اللي في البيت..و عارف إن اللي بقلبك يبين على وجهك..بس اتمنى تكون حياتنا شي خاص فينا..بيننا مابي تدخلين أهلك مرة ثانية..ترى مو دائما بأقدر امسك أعصابي و اتحمل أكون أنا الغلطان.....
أعلن لها بكل وضوح أنه لم يحبها .. و أنه حتى لن يحبها ..
يجبرها أن تتقبله كما هو و لا تطمع أن يتغير من أجلها ..
أخبرها بسخافة مشكلتها .. لمّح لها أنها لن تجرؤ أن تخبرها لأحد .. و هذا حقاً ما فعلته ..
و لم ينسى أن ينصّب نفسه الضحية .. أن يلفت إنتباهها لصبره عليها .. و أن يذكرها بنتائج تكرار فعلتها ..
نفث كلماته بكل خبث .. و هدؤ .. وهو يراها بتلك العينين اللتين لا تشيان إلا بما يرغب إظهاره ..
: ليه ساكتة؟ فيه شيء خطأ بكل اللي قلته؟
ردت بهدؤ محاولة بأقصى جهدها منع دمعاتها من الهطول ..
: الخطأ أنا اللي بأصلحه بعد اليوم !
ليسأل بشك هازيء ..
: و ممكن أعرف وش نوع الأفكار اللي طلعت براسك اللحين!!
أجابته بإستخفاف .. و حزن ..
: مو ضروري تعرف...المهم إنك ترتاح
لكنه أصر بعناد ..
: لا ضروري أعرف لأن بعد طلعتك من البيت بدون سبب يستاهل..و بعد الطلاق اللي كنتي تبينه..معليش مو ضامن القنبلة الثالثة اللي بتفجرينها بوجهي المرة الثالثة
حدقت فيه بغضب ..
: و المطلوب!
اقترب قليلاً منها .. ليتكلم بجدية .. و أمر ..
: المطلوب أبي نعيش بهدؤ بدون اكشن ماله داعي تدخل فيه عائلة حماد بكبرها
تساقطت الدمعات التي كانت تحبسها .. فقد تعبت و هي تدعي قوة أمامه لا تملكها ..
: هذا اللي يهمك بس!!
زفر بضيق .. وهو يتأمل تلك الدمعات التي تناثرت على رقة ملامحها .. ليشدها و يأخذها بين ذراعيه ..
: يا كثر اللي يهمني
لم تفهم من تعليقه أي شيء .. و هي تحاول الخلاص منه .. ليشد على إحتضانها أكثر .. فتتسرب الدموع من عينيها أكثر ..
كان يحتضنها بلطف .. يده تداعب شعرها بوداعة لا تشبهه .. حتى كادت تغفو بين ذراعيه .. فهمست بحيرة ..
: اتركني
همس لها مؤنباً ..
: إذا وعدتيني توقفين بكي
أجابت بغيض ..
: خلصت من زمان
احست بالغيض أكثر حين سمعته يضحك .. و كأن كل تلك الأحزان التي تملأها تسليه .. وهو يتعامل معها بهذا الترفع و البرود ..
أطرق برأسه ليدفن وجهه بخصلات شعرها الحريرية .. الغارقة برائحة الياسمين و المسك .. ليطبع قبلة مطولة على رقبتها .. و يبتعد عنها قليلاً ليرى ملامحها ..
: خلينا نرجع البيت
لتحدق بتلك العينين الآسرتين ..
: أي بيت
عقد حاجبيه وهو يجيبها ..
: بيتنا يعني أي بيت
لتجيبه مصححة ..
: ايه قول بيتنا..عشان ما يكون أي بيت! مستكثر تنطق شي يجمعنا مع بعض
تنهد بإستعجاب ..
: يا الله على الدقة اللي تحاسبيني عليها! بتلوميني اللحين على حرف طيرته!
لترد بحزن لا يفهمه ..
: مو الحرف...المعنى اللي وراه
مط شفتيه ساخراً .. وهو يداعب أنفها ..
: أووف على هالفلسفة ..يلا خلينا نروح للبيت عشان تعرفين وش كثر اشتقت و ش كثر مفترية علي بغيابك
خرجت من عنده .. و إحساسها يتوه بدوائر متناقضة ..
لا تحمل تفسيراً أو معنى لكل ما تحس به معه .. أو ما سمعته منه .. أو حقيقة شعوره إتجاهها ..
تهيم هي في عالم بعيد عنه .. و عن ما يهمه .. و لا تعلم كيف سيستمر بهما الحال ..
هل لإبتعاد أو إقتراب سيمضيان ؟؟
~*~*~*~
|