لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


رواية في أروقة القلب إلى أين تسيرين للكاتبة أغاني الشتاء

مساء الخير للمنتدى الأحب للقلب سنين كثير مرت علي و أنا اعيش بين صفحات الروايات أذكر أسماء المتابعات و احب ردودهم و سوالفهم مع كل رواية اقراها على كثر ما

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-05-23, 05:25 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 99255
المشاركات: 11
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماكينو عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماكينو غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
Newsuae2 رواية في أروقة القلب إلى أين تسيرين للكاتبة أغاني الشتاء

 

مساء الخير للمنتدى الأحب للقلب
سنين كثير مرت علي و أنا اعيش بين صفحات الروايات
أذكر أسماء المتابعات و احب ردودهم و سوالفهم مع كل رواية اقراها
على كثر ما أحب الرواية أحب النقاش حولها

و اليوم جايبة لكم رواية رائعة بمعنى الكلمة
فعلياً كل شيء كامل في هالرواية ماشاءالله تبارك الله
شيء ماراح تندمون انكم قريتوه أوعدكم بكذا...لعل وعسى ألقى منكم حماس لمتابعتها و إنعاش المنتدى

لكاتبة ما نزلت شجرة العائلة بس عشان ماتتخربطون في البارتات الاولى مثلي
جبت لكم شجرتي الجميله مع مشاعري و تعليقاتي على الشخصيات عشان تتحمسون و ماتخربطون

الجد حماد. والجدة الولو (شيبان الرواية الجميلين)

عيالهم

الكبير ابوحاتم ساكن هو فوق اهله
له زوجتين أم حاتم عيالها حاتم و دانية(كلهم خايبين بزواجاتهم)
زوجته أم مروان عيالها مروان و صبا و ديما و بنان(العيلة مع أمهم و أبوهم كلهم ملاقيف ولسانهم طويل)


الابن الثاني ابوغالب(الغثيييييييييث هذا أساس البلا في الروايه كلها)
عياله
غالب متزوج بنت عمه دانية
عمار(تنهيييييييدة عشق لهالبني آدم الفخم)
غزلان


الابن الثالث متوفي..له بنت عايشه مع جدها وجدتها اسمها رتيل(حمامة حنان و سلام وحب كل شي حلو فهالبنت)

الابن الرابع متوفي كمان..و له ولد ماينقضب في الارض اسمه عزام(تنهيدة عشق ثاني لهالبني آدم الملكّع المكار)

الابنين الخامس و السادس .. (عزاب )هههه وليتهم بقوا عزاب
النقيضين /رياض العم الاسود - و ليث العم الابيض(مثل ماسمتهم صبا)


الابنة الوحيدة متزوجة
أم فارس و بناتها سحاب و مزن و ولدها فارس
و ساكنة معهم بنت عمهم اليتيمة يمنى(هالبنت بتشبعون معها صياح )

و فيه شخصيات مميزة بتطلع بعدين مابي احرق عليكم
يكفي اللي قلته فوق

 
 

 

عرض البوم صور ماكينو   رد مع اقتباس

قديم 16-05-23, 05:27 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 99255
المشاركات: 11
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماكينو عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماكينو غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماكينو المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية في أروقة القلب إلى أين تسيرين للكاتبة أغاني الشتاء

 



في أروقة القلب .. تعبُرين ..
و ينبت في خُطاك ذكرى .. من زهرٍ و عطر
فتعبقين .. بذاكرتي سنين
أبقى من غيرك نصف لا يكتمل ..!
نصف ليـل ..؟
نصف قلب ..؟
نصف عمرٍ .. لا يمّـر ..!
فلا تكتمل من بعدك الحكاية .. و لا أصل فيك لنهاية
و تقفيـن ...!!
محمّلة بنوايا الرحيل .. على عتبات القلب ....
إلى أين.....تسيرين ؟؟





[..الفصل الأول..]

حينما تعبُرنا الذكريات

نمضي عمراً نتجاوز الأحزان .. نخطو فوق الألم ..
إلى أن تُفاجئُنا الذكرى .. و تصيب القلب على غفلةٍ منّا .. طعنة الحنين !
لتطير أرواحنا إلى زمنٍ جميل غاب معهم ..
فيقرؤهم الدمع الكامن في أعيننا .. السلام و الرحمة ..

*~*~*~

قصرٌ حجريٌ عتيق .. قد طالته أيادي الترميم و التجديد .. لترى فيه فخامة العصر الحديث ..
لكن تصميمه .. جدرانه.. الأشجار المعمّرة التي تحيط به .. توحي لك .. بطول عمر تلك السنوات التي شهدها ..
وقف بشموخٍ لم ينحني .. رغم العصا التي كان يتوكأ عليها .. رغم كل تلك الإنكسارات التي مر بها ..
يتأمل ذاك البناء الذي شهد معه الكثير .. فتتسرب إليه من كل تلك التشققات التي تملأه..
ذكرياتُ فرح .. و أنّات فقدٍ و وجع ..
تغير كثيراً العالم من حوله .. اختلفت حياتهم بمر السنين .. اختلف مستوى معيشتهم ..
و مع كل ذلك رفض مغادرة منزله الذي بناه بأول شبابه .. بناه بآماله .. و أحلامه بهم ..
ملاذه الذي تعب به طوبةً طوبة .. و رصف سنين العمر مع حجارته ..
فـ..هنا بدأ حياته الطويلة معها .. و مع أولاده .. فأحفاده...
لذا لم يرضى أن يترك بيته أبداً .. و لا حارته .. و لا جيرانه .. الذين أصبحوا مثل الأهل بالنسبة له ..
بعدما خسر أقاربه بحماقة أولاده .. !!
تقاعد مبكراً من عمله .. كوكيل وزارة .. ليُنهي بلا إهتمام .. تلك العلاقات العملية التي كانت تجبُرها المظاهر .. و تبادل المصلحة ..
لطالما كان يمتلك عقلاً فطناً .. لديه قدرة عظيمة على إدارة من حوله ..لكنه لم يسعى يوماً لإستغلالها .. أو الإستفادة منها ..
كان يحب العيش بلا هم .. ببساطة .. محاطاً بالناس .. لا بالأموال و الأعمال و المصالح .. و لطالما أحاطته الإنتقادات لهذا السبب .. حتى من أبناءه ..
كثيراً ماكان يسمع أنه لو استعمل هذا العقل الذي لديه .. أو استغل كل تلك الفرص التي فُتحت أمامه ..
لكانت له حياة أفضل بنظرهم من حياته الآن .. و كان معهم حق ..
لكن هو .. لم يكن ليهتم .. راضي هو بكل كسبه القليل أمام الخسارة التي تهمهم و لا تهمه ..
و لم يرث أحداً من أبناءه .. أو أحفاده هذا الزهد بشغف الأعمال .. و الأموال .. إلا حفيده الأصغر ..
فقط هو من يشابهه في بساطته .. و حبه للناس .. و للحياة ..

و ها هو حتى اليوم .. لازال يستقر في هذا البيت العتيق منذ سنوات مع أبنه الأكبر أبوحاتم و زوجتاه ..
و أبنيه الأصغران .. اللذان مازلا عازفان عن الزواج .. رغم تخطيهما لعتبة الثلاثين ..
في حين كما هو متوقع من ابنه الآخر أبوغالب الذي ذهب بعيداً باحثاً عن الافضل ليتقدم بعمله...و بحياته ..
ليبتعد عنهم شيئاً فشيئاً .. و يفقد كل يوم ملامحاً كان قد زرعها به .. ليبدو مختلفاً أكثر فأكثر عن الإبن الذي كان يعرفه..
يُرعبه كل حين تلك الحياة التي يحرص على إبتعاده فيها .. فلا يعلم مالذي قد يقدمه أكثر من تنازلات ليحافظ عليها ..
لم يكن يملك من البنات على شدة حبه لهن .. إلا ابنة واحدة ..ليعوضه الله بتلك الحفيدات ليترفن بحبه .. و دلاله ..
يحب أحفاده جميعاً .. لكن الجميع يعلم أن الفتيات هن المفضلات .. و المدللات لديه ..
و أنّهن مقدمات على الأولاد بكل شيء منذ صغرهن .. و حتى الآن ..

كان كلما يبتعد أكثر عن ذاك القصر يتبينان له بحزن .. المبنيان الصغيران في ذات الباحة الشاسعة .. عن يمين ذاك القصر و أيسره ..
بناهما لمن أراد قربهما .. لكن الموت كان منهما أقرب .. فقد خسر من أبنائه اثنين .. لكن الله عوّضه بخلفٍ لهما ..
و إن كان أسَر أحدهما قريباً لقلبه المحروم .. فالآخر طيرُ مهاجر .. يهوى الإبتعاد طليقاً لا يعرف الإستقرار ..
أبعد عيناه التي ثقلت نظراتها بدمع فقده الجائر .. عن ذاك المبنى المظلم أغلب وقته .. الذي لازال يصدح بالحزن و القهر حتى من بعيد ..
ليراقب بتفقد و إشتياق ذاك البناء الآخر .. العصري .. الأنيق .. الذي بدى بتصميمه غريباً عما حوله .. يشبه غرابة ساكنيه .. اللذان لا يملك منهما سوى لحظات لقاء عشوائية .. متباعدة ..

أدار ظهره لتلك المباني .. التي حملت ملامح كل ما مضى له معهم .. يمشي متكيء على عصاه ..
يراقب من بعيد العاملين الذين كانوا يتحركون في كل مكان .. يفرشون الأبسطة بتلك الباحة الممتدة أمامه ..لـوقف إفطار نذره لإبناه المتوفيان .. يقيمه طوال شهر رمضان .. لعلّه يخفف عليه حرقة خسارته لهما ..
.
.
زفر بعتب يساوي محبته .. وهو يرى خطوات القادم باكراً إليه من بعيد .. ذاك العناد الصلب .. والغرور العاجي .. الذي كان يتمنى أن لا يرثهما من والده .. أدرك اليوم أنهما متأصلان بطبعه .. و بات يخشى أن يتفاقما أكثر .. ليغدو صورةً عن والده .. فيبتعد عما رباه عليه كما ابتعد والده ..
و إن كان ابنه (رياض) شوكة في خاصرته .. يدميه قلقاً كل حين .. فهذا الحفيد بدأ ينافسه بقلقه عليه .. و منه .. ليغزوه الندم إن كان ذاك القرب الذي أراد أن يلين قلبه به .. سيكون سبباً في إبعاده أكثر !!!
اقترب منه مبتسماً بثقة يحاول هزمه فيها .. ليقبل رأسه .. وهو يتحاشى النظر إلى عينيه ..
لكن قبل أن يقترب أكثر .. رفع هو عصاه ليغرس آخره في صدره العريض .. و يوقفه ..
:
كان يعلم أن جده بالتأكيد سيكون غاضب منه .. لكنه وقف مذهولاً يبتلع جرعة خانقة من غضبه .. لم يتخيل أنه سيرفض حتى السلام عليه .. كل هذا من أجلها هي ..!
ليتمالك غيضه .. و يحاول أن يتحدث بلا غطرسة اعتادها .. تتشبع بها دوماً نبرات صوته ..
: يبه! وش دعوة ما تسلم علي...ترى اليوم رمضان !!
من وراء قلبه .. تحدث .. شحن صوته بالغضب و اللوم .. لعل خصامه له يجعله يلين .. على تلك الفتاة التي اختارها له .. فلا يراهن بقيمتها في قلبه مرة أخرى ..
: مابي سلامك...دام مالي قدر عندك
زمّ شفتيه للحظة بضيق .. وهو لا يتخيل نفسه يمر بهذا الموقف .. يتحدث بهذا الإستجداء .. بسببها ..
: يبه...الله يطول لي بعمرك لا تقول هالكلام...ربي يكبر قدرك و يرفعه
أعطاه جانبه .. يصد عنه ..
: الرجال فعله اللي يصدق مب هرجه...و أنت ما حشمت بنت عمك...و تدري إنها عطيتي أنا لك
زفر نفساً خرج حارقاً من صدره .. حتى يتمالك نفسه .. لو كان شخصاً غير جده من يتحدث .. لأخبره أنها مشكلة تخصه هو و لا يرغب بأن يتدخل بينهما أحد .. فهو ما أعتاد أبداً على تبرير نفسه لأحد يوماً .. و لا أن يقف موقف المخطيء يطلب الصفح .. حتى و إن أخطأ ..
لذا كتم ما يرغب بقوله حقاً .. و حاول إسترضاءه .. رغم أن كلماته المليئة بإستعلائه المعتاد .. كانت بعيدة كل البعد عن طلب الرضا ..
: يبه أنا ما اخطيت عليها..و لا زعلتها بكلمة...و لا ظنيت إنها قالت لك إني غلطت عليها...حنا تونا ببداية حياتنا و أكيد بيصير بيننا مشادات لحد ما نتعود على طبع بعض_ليسمح لنفسه بتغيير صوته للعتب_و أنتم من غير حتى ما تشاوروني جلستوها عندكم و قلتوا ما ترجع !
لم يهتم جده .. لكل ما هذر به .. وهو يخبره بتهديدٍ صريح ..
: وجهها يوم تجي منك ما يبغاله مشاور..اسمع يا غالب رضاي و رضا دانية واحد...مابي اكثر الهرج و لا أدخل بين رجال و حرمته..بس لو تجيني ضايقه منك مره ثانية...و الله هالبيت ما تدخله
أغمض عينيه متنهداً بملل .. و رد مجبراً وهو يصرّ على أسنانه ..
: على هالخشم يبه
هذا لقائه مع جده .. بالكاد تحمله .. كيف سيحتمل عتب عمه .. و نظرات أولاد عمه العاتبة !!
لا يرغب بأن يتدخل أحد في حياته أبداً .. لكن الله رزقه بزوجة .. ملامحها لا تخفي ما يجول بداخلها ..
عجزت حتى عن أن تكتم قهرها و خذلانها منه بداخلها ..ليلحظه أهلها .. و يبقونها عندهم بلا إذن منه ..
أهكذا ستكون حياته ؟؟
يعلم كل صغير و كبير حوله .. بما يدور في بيته ..!!
إن أغضبها بيوم و يعلم أنه سيفعل .. عليه أن يرضيها رغماً عنه من أجلهم .. و يرضي والدها .. و أخوتها .. و جده و جدته ..
و القائمة تطول !!
هه زوجوها له رغبةً بأن يحافظ على تلك المدللة .. المترفة .. من الغريب .. و أن تقوى العلاقات بينهم أكثر ..
لكنه يرى أنه من يعبث بها .. و ستُفسد علاقته بأبناء عمه الذين طالما كانوا كالأخوه له .. بسببها ..

~ * ~ * ~ * ~

وقفت على الباب المفتوح لغرفتها .. تطرقه بخفّة .. و عيناها تبحثان عنها بإتساع الغرفة الفارغة ..
: يـُمـنــــــــــى
خرجت من الحمام الصغير الملحق بغرفتها .. و معها كومة من الملابس المتسخة .. لترميها بسلة الغسيل التي ركنتها بجانب الباب .. و تجيبها برقّة ..
: يـا عيون يمنى...وش بغيتي ؟
دخلت إلى وسط غرفتها .. لتجلس على الأريكة بقرب النافذة .. مبتسمة تلك الإبتسامة التي تشرق ملامحها كلها .. لتعاتبها بحزنٍ على حالها تواريه بين كلماتها ..
: وش عندك مع الغسيل هالوقت! خليه بعد الفطور
لتجيبها بلا مبالاة اعتادتها .. فحديثها عن نفسها دوماً ما يكون خالي من الروح .. و المعنى .. و الإهتمام ..
: عادي اشغل نفسي و أضيع الوقت لحد ما يجي وقت الفطور..خلاص بتروحون اللحين؟
لتجيبها .. و صوتها كالعادة يحمل نبرة إعتذار على تركها لوحدها ..
: ايه
لتبتسم من أجلها .. و هي تجلس على سريرها .. تنظر بإعجاب .. و محبة .. إلى ابنة عمها ..
: ياااعيني على الكشخة...تجننين...طالعة حلوة يا بنت
اتسعت ابتسامتها ..
: الحلوة عيونك والله
لتطل عليهما ابنة عمها الصغرى من الباب .. بعد أن التقط سمعها آخر حديثهما .. و تتقدم منهما بشفاة مقلوبة سخرية ..
: مين اللي تجنن؟ _و تشير لأختها بإستخفاف_لا يكون هالبزر! أجل أنا و ش أطلع؟ أنتي..أنتي وش تطلعين!!
نظرت تلك الجالسة إلى أختها شزراً .. هذه الصبية التي بدأت للتو تخطو خطواتها الأولى نحو الأنوثة ..
أصبحت تبدو بهذا الطول الذي تتعداها به .. و ذاك الجسم الأنثوي الفاتن ..
و ملامحها المتحدية تحت هذا المكياج الأنيق .. الذي تتفنن بوضعه .. و كأنها أكبر منها ..
في حين هي من تكبرها حقاً بست سنوات !!
لكنها كما قالت أختها .. رغم أنها في سنتها الجامعية الأخيرة .. إلا أنها مازالت تحمل ملامحها الطفولية .. البريئة ..
التي لا تكبر أبداً .. لترد مازحة و هي تدعي الغضب ..
: فرحانة أنتي و وجهك! أنا شكلي بأعنس منك أنتي و يُمنى.. وحده أصغر مني و وحده أكبر مني و الحريم تتنقى بينكم و سافهيني!!
ردت عليها يمنى بإبتسامتها الذابلة .. و عيناها تخبرها أنها لن ترى يوماً هذا الجمال الذي يسكن ملامحها ..
: إذا سحاب مو حلوه مين الحلو بس! فديت وجهك اللي يجيب العافية..والله ما أمل منه لو اشوفه اليوم كله
اقتربت منها مُزن مؤيدة بسخرية .. و هي ترى وجه أختها بتفحص ..
: هههه أكيد تستفز الأمومة عندك..تصدقين حتى أنا مادري ليه أحياناً تكسر خاطري و احسها بنتي
و لم تكن فقط ملامحها التي تغرق ببرائة الطفولة .. حتى أفعالها .. و ردات فعلها كانت دائماً طفولية .. رغم أنها الأكبر سناً بين إخوتها ..
لترد على سخرية أختها بغيض .. مكشّرة بملامحها .. و تخرج لسانها و هي تتحدث بصوت سخيف ..
: نننن نننني
التفتت مُزن ليمنى لترمقها بإنتصار ..
: شفتي ما تطول مبزرتها لحد ما تطلع _لتعود بأنظارها لأختها و كأنها لم تسخر منها قبل قليل_يلـــه أختي اللي تجننين أمي تقول السواق عند الباب خلينا نروح بيت جدو..يوووه بأروح أنادي فارس بعد_لتستدرك السبب الذي جعلها تأتي إلى غرفتها_اي صح نسيت..يمنى ترى وتين طلعت مع أبوي
أجابتها بإبتسامتها الشاحبة ..
: تمام

كانت ستخرج برفقتها سحاب .. لتقف للحظة عند الباب .. تلتفت إليها .. ترسل لها قبلة على الهواء ..
: يلا مع السلامه هالله هالله بأبوي فطريه فطور معتبر
ابتسمت بكل ما في قلبها له من إمتنان .. و محبة .. و طمأنينة تملأها من مجرد ذكر اسمه .. لتجيبها بعتب ..
: عاد ما وصيتي إلا على عمي!
.
.

و غادرتاها ابنتا عمها .. بتلك الأناقة و البهاء .. و فرحة و حماس أصبحتا تتقنان كيف لا تظهرانهما أمام حرمانها ..
لتنهض تقودها قدماها بتكاسل .. لتجلس أمام مرآة تسريحتها.. تتذكر حديث مُزن و تتأمل ملامحها...
يُقال لها دائماً .. أنها ذات جمال مليء بالأنوثة .. بملامحها العذبة .. و دلالها العفوي الراقي...
تلك الرقة و الدلال اللتا سكنتاها بصباها .. تحولتا لهدؤ ناضج أشد بجاذبيته ..
لكن ملامحها .. جمالها .. دلالها .. كل شيء فيها كان سبباً لما خسرته...لتحفر بكل قسمة منه ذكرى جارحة لها !!
فأصبحت لا ترى ذاك الجمال الذي يتحدثون لها عنه .. و يمتدحونها فيه ..
لا ترى في ملامح وجهها الشاحبة .. سوى عمرٍ مهتريء تعيش على فتات أيامه الباهتة ..
تكبر سحاب بأربع سنوات فقط .. لكن عمر مشاعرها و أساها يتعداها بأعوام ..
حين عبرت صباها و شبابها بلا حق .. لتصبح بهمها و أساها و كأنها أقرب من عمر والدتها أكثر..
زفرت بهمٍ اعتادته و هي تنهض .. تبتعد عن تلك الملامح .. و الذكريات .. و الخسائر الهائلة .. الموجعة ..
لتذهب تشغل وقتها بالغسيل .. لحين وقت تجهيز الإفطار ..
فهكذا تمر أيامها الرتيبة من عمل .. لعمل .. تشغل الوقت بإضاعة جهدها .. بعد أن ضاعت الأحلام .. و الآمال ..
تحيا حياتها لمن حولها .. بعد أن أصبحت حياتها لا تعنيها ..

~*~*~*~

أنهت لف آخر قطعة تبقت من العجين .. لترصها بجانب الأخريات في الصينية الكبيرة .. رفعتها بين يديها بعجل .. لتهتف بصوت عالي ..
: ديآآآآآ...دخلي هذا الفرن و انتبهي له
اقتربت الخادمة بخطوات سريعة لتلتقط الصينية من بين يديها .. و تذهب لما أُمرتها به ..
أما هي فتوجهت إلى المغسلة لتغسل يديها .. و نظراتها ترتفع إلى الساعة الكبيرة التي استقرت فوق باب المطبخ الخارجي .. لتجد عقاربها تشير إلى الخامسة تماماً ..
حمداً لله..ها هي تنتهي من جميع التحضيرات قبل الوقت المحدد .. مسحت حبات العرق الصغيرة .. التي ندت وجنتيها .. و هي تزفر بإرهاق .. بالرغم من أجهزة التكييف .. إلا أنها كانت تشعر بالحر .. أمام تلك المواقد الكثيرة .. المشتعلة و الممتدة أمامها ...
ألقت نظرة أخيرة على الطاولة الكبيرة .. التي صفت عليها حافظات الطعام الضخمة .. تفحصتهم من جديد .. و ألقت على الخادمات ما يجب عليهن فعله قبل أن تغادر ..
:
:
وقفت خارج المطبخ على درجات العتب .. ليستوقفها هذا العصر .. لا يشبه عصر الأمس بشيء ..
تستنشق من عبق الهواء الساخن .. و تزفر مبتسمة .. (سبحان الله حتى ريحة الهواء تقول إن اليوم رمضان)
أرخت الغطاء على وجهها و هي تسدل ذاك (الجلال) على طول جسدها .. خشية أن تصادف أحد أبناء عمها .. و هي تقطع المسافة بين المطبخ الخارجي .. إلى مدخل البيت ..
كانت تمشي على مهل .. رغم حرارة الشمس المسلطة على رأسها .. لكنه رمضان .. وهي تعشق أجواء رمضان و تحب أن تعيش كل لحظاته .. حتى هذا الحر ..
وصلت إلى المدخل الرئيسي .. و إبتسامتها تتسع بصدق لذاك الكبير الواقف أمام الباب ينتظرها .. حين تراه تفيض بروحها السعادة .. الأمان .. التقدير ..
فحين يُرهقها عِظم ما فقدت .. تجد بقربه .. و محبته .. و دلاله لها .. خير عوضٍ لما خسرته ..
صعدت الدرجات الرخامية راكضة .. لتقف قريبةً منه .. مقبلةً جبينه المجعد .. قبلتان كما اعتادت أن تفعل .. قبل أن تنحني لتقبل يده .. التي ضمت يدها و لم تفلتها ..
: مساك الله بالخير...يُبـه
أُثقلت تلك الإبتسامة المجعدة .. بحنان .. و محبة .. و إن كان يغدقه على حفيداته كلهن ..إلا أن لها .. هي .. (رتيل) .. أكبر نصيب منه .. فكفتها ترجح على كفتهن مجتمعات ..
: هلابك يبه...مساء النور و السرور_يعلم أنها آتية من المطبخ الكبير_يعطيك العافية
ابتسمت بحزن ..
: يعافيك ربي و يحفظك لنا...و لا يحرمك الأجر
قطب جبينه بإستنكار ..
: لحالك؟ ما أحد من البنات يساعدك؟
استدركته قائلة ..
: لا...دانية يعطيها العافية من الظهر و هي معي...قلت لها تروح تنادي البنات الصغار يكملون معنا
تنهد مبتسماً .. لذكرهن ..
: الله يهديهن هالصغار فاتنتهم هالدنيا .. ليتهن ياخذن منكن لو نص طبعكن الزين..خلصتم فطور الوقف يبه؟
و بتغير خفيف طرأ على صوتها .. لتهتز حروفه ..
: ايه الحمدلله..كل شي جاهز
و مع كلمة (الوقف) تذكرته .. من يُحرم عليه النسيان مهما مر الزمان .. حتى و هم يغرقونه كما أغرقوها بالعوض ..
لكن كم من التعويض يلزم ؟؟ ليندمل جرحها الغائر .. الموجع !!
إلى متى سوف يستمرون بالعطاء ؟؟ و إلى متى ستأخذ ؟؟
ابتسمت تلك الإبتسامة المغتصبة التي لا تستطيع محو ظلال الحزن و الفقد من عينيها .. ليرفع بكفه الواهن .. و يشد بها على كتفها الرقيقة ..
: يله يبه ماقصرتي روحي ارتاحي...و اذكري ربك
ممنونة هي له لإعطائها مساحةً للحزن .. لأنها ما إن تركته .. حتى أحرق عينيها ذاك الدمع الذي تتجاهله ..
كم مضى على فراقه .. ؟؟ هل يتصور أحد أنها نست .. أو قد تنسى يوماً .. وجع رحيله الجائر عنها ..
لاااا .. مضى على وفاته سبع سنوات ..
سبع سنوات لم تغير ذاك الثقل الذي يستوطن روحها من بعده ..
سبع سنوات .. تعايش النقيض معهم .. الإمتنان و الخذلان .. القهر و التسامح .. اللوم و التقدير ..
نعم .. مر وقت طويل جداً على رحيل والدها ..
لكن تلك الليلة مازالت تنشب مخالبها الدامية بخيالها .. تزور نومها لتفزعه ..
لتنتفض مجدداً حين مرت على بالها الذكرى و ......
: رتييييل
التفتت شبه فزعة لتجد مروان يقف نهاية الدرج نازلاً من شقتهم .. ترتسم على ملامحه علامات تدل على أنه قد حدثها بشيء لم تسمعه .. لتأخذ نفساً عميقاً قبل أن تجيبه بشتات ليس من عادتها .. تاركة لكل تلك الأحزان زوايا متفرقة من روحها .. لتغفو فيها .. و تجد بين كل حين مجالاً لظهورها ..
: هاه وش قلت ؟
رسم تلك الملامح المستنكرة .. القلقة .. لتحس أنها كانت على خطأ .. و أنها لا تعلم مالذي دار حولها ..ليجيبها...
: أنا!! ما قلت شي
احست بالحرج و أكثر .. كانت لا تريد لعينيه الثاقبة أن تنتبه لحزنها .. فتعدته سريعاً ..
: آآ مادري كأني سمعتك تكلمني.........
كانت سوف تبتعد عنه ..تتجه نحو ذاك الممر الذي يحوي غرفتها .. قبل أن يصلها صوته المتهكم من خلفها ..
: كأنك!! الأخ اللي هنا سرد قصة حياته و أنتي موب يمه !
عادت بسرعة لمزاجها اليقض المعتاد .. و هي تلتفت عليه ..
: والله إنك فاضي يا مروان...بأروح وراي شغل
و لكن حين تعدته بقليل .. أوقفها من جديد ..
: الفاضي كان جاي يسألك كيف ترتيب الفطور؟
لم تهتم و هي تجيب دون أن تلتفت إليه ..
: شوي و ارجع...تونا باقي ساعة ونص على الآذان
اكمل مازحاً كعادته ..
: ترى لو ما جيتي اللحين ماراح تلقيني بعدين
لم تكترث له و هي تتركه ..
: لا تخاف اعرف كيف اطلعك
لتصلها تمتماته المعترضة ..
: ما تسمع إلا نفسها! و لا تشوف غير شورها!
ضحكت و هي تحذره ..
: ترى اسمعك...وش تقول؟
أكمل بصوت ساخر .. مرتفع .. حتى يصل إليها .. و هي تختفي في ذاك الممر ..
: يعني اللحين صرتي تسمعين!...-ليشحن صوته بنبرة المظلوم-كنت أسبّح..أذكر الله...فيه اعتراض!!
تركته مبتسمة .. فمازال رغم مرور السنوات .. وحده القادر على رسم البسمة في ملامحها الشاردة دوماً .. رغم إهتمام الكل بها ..
فحين توفيت والدتها .. و هي تلدها .. وُلِدت ليست إبنة لوالدها فقط .. بل ابنة هذا البيت كله منذ صغرها ..
قبل وفاة والدها ..و بعد وفاته أكثر .. في عيشها طوال الوقت في منزل جدها .. أصبحت كالإبنة لأعمامها ..و كالأخت لجميع أبناء أعمامها .. قريبة جداً منهم .. مستشارة خاصة لكل ما يحدث معهم أو بينهم ..
و بالأخص أصغرهم مروان .. فهي منذ طفولتها ختمت معه العهد أن تكون أختاً كبرى له .. و كان دوماً على قدر ذاك العهد بإهتمامه .. و حنانه .. و تقديره لها ..

~*~*ِ~*~

خرجت من غرفتها التي ما ظنت أنها ستعود إليها خائبة بهذه السرعة .. إلى الصالة .. لتلمح بحزن شبيه بحالها .. أخاها الأكبر يغفو على إحدى الكنبات ..
يالخيبة والدتهما بهما .. كلاهما عادا إلى المنزل .. خاسران من زواج فاشل .. و إن كان شقيقها أعلن النهاية منذ سنة ..
فهي مازالت عالقة بخيبتها لا تعلم إن كانت تجرؤ على فعل مماثل ..
لكن لماذا ؟؟
مالخطأ الذي قد يكونا فعلاه .. كي تخيب آمالهما ؟؟
و إن كانت قد تجد خطأً في نفسها يراه غالب .. و إن كانت لا تعلم ما هو ..
فتلك الأنانية مالذي قد تكون كرهته في حاتم حتى تطلب هي الإنفصال عنه !!
كانت منذ الأمس لم تراه بعد إعلان خبر رمضان .. لذا تقدمت إلى الكنبة التي استلقى عليها جسده المديد بتكاسل .. و حقيبته الملقاة على الأرض بجانبه .. تخبرها أنه قد أتى للتو من مكتبه .. ليغفو تعباً .. قبل أن يدخل غرفته حتى ..
تحدثت معه حين رأته يغمض عينيه بغفوة .. اخبرتها بزيفها تلك التنهيدة التي خرجت من صدره ..
: مساء الخير ي أبو وريف...كل عام و أنت بخير
فتح عينيه المغمضتين .. و ابتسم بمودة .. و حنان .. ليقف للسلام عليها .. و يحتضنها و هو يربت على رأسها بلطف ..
: مساء الخير بوجهك الحلو..و أنتي بخير و سلامة
سألته بإهتمام ..
: ليه ما نمت بغرفتك ؟
أجابها بكسل ..
: ما فيه وقت يسوى .. بآخذ لي غفوة هنا .. لو نمت صحيني قبل الآذان بنص ساعة
قطبت جبينها بإستغراب ..
: إن شاء الله...وين البنات؟
أجاب بسكون ..
: وديتهم عند خوالهم..عمي طلب يشوفهم
زفرت بضيق .. و هي تسمعه لا يجرؤ على ذكرها .. هل يتحاشى الحديث عنها .. أم أن تلك الأم الأنانية التي فرطت به .. فرطت أيضاً بإبنتيها و لا تهمها رؤيتهما .. لم تجرؤ أن تسأل .. لذا ردت عليه بإقتضاب ..
: الله يخليه لهم
ابتسمت بمحبة و عطف و هي تراه يعود بسرعة .. ليستلقى على تلك الكنبة .. و يغمض عيناه مجدداً .. و يسترخي و كأنه لم يصحو منذ لحظة ..
لكنها تنهدت و هي تقف للحظات بتردد .. وضيق .. تستغرب عدم حديثه حتى اليوم عن سبب خلافها مع غالب !
ها هو حتى حاتم الذي كان دوماً مهتم .. يرفض التدخل أيضاً .. كحال بقية أهلها الذين و إن رضخوا لأمر جدها بالبقاء ..
لكن لا أحد يرغب بالتدخل .. أو سؤالها عن سبب خلافهما .. لم يهتموا حتى معرفة إن كانت المخطئة أو الضحية ..
لأول مرة يتركونها وحيدة .. لا أحد يدير معها كفة حياتها كما اعتادت .. و هي ما عادت تعرف ماذا تريد منه .. و ماذا تنتظر أن يفعل ! و ماذا ستفعل معه ؟
لطالما كانت بحماية جدها .. ثم والدها ..ثم حاتم من بعدهم ..
و في مراحل دراستها الأولى .. كانت إبنة مديرة المدرسة .. فاعتادت أن تكون مهابة من الجميع .. و لا أحد يجرؤ على التطاول عليها .. من طالبات .. أو معلمات .. لتُحل جميع مشاكلها الدراسية .. و خلافاتها مع صديقاتها .. دون أي جهد منها إكراماً لوالدتها ..
و حين انتقلت في دراستها لمراحل أعلى .. التصقت كالغراء برتيل .. التي كانت تكبرها بسنة .. فكانت رتيل بشخصيتها المهتمة .. القيادية .. عوناً لها في كل أمر ..
كانت دوماً تجد الجميع حولها يحمونها .. يساندونها .. و يدافعون عنها .. إذن .. لما الآن في أكبر مشكلة واجهتها ..
الكل يتحاشى أن يسألها عن الأسباب .. الكل يتحاشى أن يتدخل ..
هل كان زواجها هو الحد الفاصل .. لإهتمامهم ؟؟ ليتركونها في وجه ذاك المدفع لوحدها !
أم هل يهابونه و لا يجرؤون العبور معها .. ليقفوا بوجهه ؟ خشية ردة فعله التي لن تكون هينة !
:
تركته وذهبت لتطل على غرفة والدتها .. فوجدتها تجلس على سجادتها .. بين يديها مصحفها الكبير .. و مستغرقة بالقراءة .. فكرهت مقاطعتها ..
لتخرج من شقتهم التي كانت تشغل نصف الدور الثاني لمنزل جدها .. إلى شقة زوجة أبيها المقابلة لهم .. و التي تشغل النصف الآخر ..
طرقت الباب قبل أن تدخل .. و حين سمعت صوت أبيها في الصالة دخلت إليه .. لتجده يجلس مع زوجته .. اقتربت لتقبل رأسه ..
: مساء الخير يبه
ابتسمت لها تلك الملامح .. الضاحكة .. المسترخية دوماً ..
: مساء النور
التفتت إلى زوجة والدها .. التي كانت منسجمة مع ما تشاهده على هاتفها ..
: هلا خالتي وش أخبارك ؟
أجابت بلا أن ترفع رأسها ..
: الحمدلله بخير
سألتها بإستغراب .. و هي تحس بسكون البيت ..
: البنات صاحيات؟ ما شوفهم!
أجابتها و هي تلتفت نحو غرفتهم ..
: مادري والله ما شفتهن من الظهر تلقينهم في غرفهم ..
رمقها والدها بإستهزاء ..
: ما مريتي عليهن تشوفين لو نايمات تصحينهن يصلن العصر؟
لترد بلا مبالاة .. كعادتها في الحديث معه ..
: في غرفتهم...و صراخهن ما ينقطع أكيد صاحيات
ابتدؤا كعادتهما .. بمناوشاتهما التي لا تنتهي .. فانسحبت بإحراج بعدما كانت هي السبب هذه المرة ..
.
.

دخلت دانية غرفة أختيها الصغيرتين .. لتجد ثالثتهما و أكبرهما تركت غرفتها لتأتي عندهما .. تتمدد على سرير إحداهما تعبث بهاتفها .. رغم أن الفتاتين الأخريتين التهتا عنها ..
فإحداهما أمام المرأة تنشغل بذاك الطلاء الذي تتفنن بوضعه على أظافرها .. و انتشرت رائحته بأرجاء الغرفة ..
و الصغرى تستلقي على سريرها في آخر الغرفة .. توليهم ظهرها و شاشة هاتفها كعادتها .. يأخذ إنتباهها كله..
: السلام عليكم
اعتدلت صبا بجلستها على السرير .. و هي تهتف بترحيب .. و كأنها تلقي قصيدة ..
: هلااااااا بدانية الفتاة الحانية...تونا بذكرك يا بنت الحلال ياللي شوفتك مثل الماء الزلال...كيف الحال عسى يطيب الفال..........
قاطعتها ديمة بإنزعاج .. حين بدى لها أنها لا تنوي أن تصمت ..
: هي هي خلااااااص...بس...أحد يوقفها شاعرة الربابة هاذي !
ضحكت دانية .. و هي تتقدم لتجلس على طرف السرير بجانب صبا التي تمتدحها ..
: لا والله دامها للحين تمدح..ماني موقفتها
أجابتها ديمه ساخرة ..
: ايه خليك...لين تضيق فيها القافية و تبدأ تسب
التقطت صبا إحدى الوسادات .. لتقذفها عليها .. و لم تنتبه لها حتى اصطدمت بيدها .. و افسدت ما كانت تقوم به .. لتصرخ بغضب ..
: ياااااااا العله...عساك للـ.........
قاطعتها دانية قبل أن تكمل دعواتها...
: والله ما تكملين..اذكروا الله ترانا صايمين
تمد لها يدها التي تلطخت أطراف أصابعها بذاك اللون الفيروزي الصارخ .. لتهتف بإنهيار و كأن مكروهاً أصابها ..
: شوفي وش سوت المتخلفة!!
تكلمت صبا من خلف ظهر دانية الذي كانت تحتمي به خوفاً من ديمة .. بالرغم من أنها تصغرها بست سنوات .. إلا أن ديمة بساعات غضبها ترعب الكل ...
: خلاااااص آسفين...ما قصدت كنت ابيها تجي من فوقك بس...لكن الشكوى لله حولاء ما أعرف انشن
ضحكت دانية .. و هي تهمس لصبا ..
: ما عرفتك خوافة!
: من خاف سلم _لترفع صوتها لديمة_خلاص غندور طاح الحطب وش دعوة ترى أختك الكبيره أنا
و لم يقابلها سوى صوت غاضب ..
: ماااالت
همست صبا لدانية ..
: ترى بأنتحر و أروح أعطيها كــف_لتكمل و هي ترفع صوتها_اللهم إني صائمة
رفعت لها ديمه نظرات مازالت حاقدة .. و هي تعيد طلاء أظافرها بعدما مسحت تلك اللطخات ..
: لا والله! كفي شرك يالصايمة
لتبتسم لها صبا بإستعطاف ..
: خلاص بس لا تحمرين عيونك تراي مرهفة أخاف...ما يكفي الرعب اللي مسببه لنا عمك الأسود
ضحكت دانية .. و ارتاحت لهدؤ تلك الضجة بينهما و عدم تماديها .. مضحكات هن تلك الفتيات الصغيرات حين تقوم بينهما حرب كلام و قد تمتد لمشاجرة بالأيدي و مقاطعة الكلام بينهما لأيام.. و الأسباب أكثر من تافهة ..
و التفتت لصبا التي كعادتها تجلب لنفسها المشاكل ..
: وش هالتسميات بعد؟
لتتناسى جدالها مع ديمه .. و تلتفت عليها بمرح ..
: خوذي عندك التحديثات الجديدة...عمي رياض العم الأسود و و عمي ليث جعلني فدا ليث العم الأبيض
ضحكت بإستنكار على تلك الأسماء ..
: حرام عليك عاد رياض أسود مره وحده !
كشرت بملامحها و هي تجيبها ..
: بالله عليك مو لايق عليهم الإسم؟ يعني بالله بالله ليث وش يناسبه من الألوان غير أبيض فديييت الذوق و الجنتله اللي فيه..و العم البعبع وش بيناسبه غير الأسود و أسود غامق بعد
تدخلت ديمه ساخرة ..
: ههههه على أساس فيه أسود فاتح
لتؤكد لها صبا ..
: ايه...أشهب
سألتها دانية بإبتسامة ..
: و على أساس هالألوان أنا وش اطلع من الألوان؟
تحتضنها صبا ..
: يابعدهم أنتي سمااااويه..أنتي نقاء و صفاء و طهر...عاد اشوفك بعد هالمدحه تقولين ادخل المطبخ
تقف .. دانية لتسحب يد صبا معها ..
: الحمدلله اللي ذكرتيني...يله قدامي اشوف كلكم...نعلمكم شي ينفعكم بلا هالجلسة البطالة
تعترض ديمة .. مع أنها كانت تغلق طلائها لتغادر معهم ..
: أبي افهم هالخدم موب مالين عينكم! إلا تكرفونا يعني..صدق ناس ما تعرف تعيش بالخير
أجابتها دانية بعتب حاني ..
: عشان البيت فيه كم خدامة موب ضروري تطلعين اتكالية ماتعرفين تصبين لنفسك كاس ماء..و الـ......
قاطعتها ديمه بملل و هي تنهض .. و تتقدم منهما رافعة يديها بإستسلام ..
: خلاص خلاص هذانا قمنا أنا عارفه كل هالكلام موب منك..هذا كلام ماما اللولو .. اشم ريحة الأصالة و السنع و الأيام القديمة
توقفت دانية لتأمرهن ..
: اتركي عنك القرقه...و البسوا شي ساتر و جيبوا جلالاتكم
لتعترض مرة أخرى ديمة صاحبة الألف إعتراض .. و إعتراض ..
: تو الناس مب جايين بيت عمي اللحين...و عزام أكيد مسافر
لتجيبها صبا مهددة ..
: ايه انزلي بهالبجامة السكيني...عشان يشوفك عمنا الأسود...و يعلمك كيف تشوفين الدنيا بلونه
ردت عليها ساخرة ..
: أنا مادري ليه هالخنقة اللي خانقنا فيها بابا حمادي! يعني في بيت خوالي الشباب لهم قسم خاص ما يعتبون عندنا..و ناخذ راحتنا في اللبس و الكشخة..و هنا إلا لابسة جلابية إلا حاطة هالجلال فوق راسي..كأننا في المدرسة مسوين يوم شعبي!!

كان الجدال قائماً بينهما و هي تشرد في تفكيرها .. محاولة أن تجد فرصة للشرح لهما ..
فالحياة الذي اعتادتها هي و رتيل .. و صبا و غزلان و ابنة عمتها سحاب رغم قلة حضورها .. بدت صعبة و غير مفسرة بل مرهقة و مملة لفتيات هذا الجيل ..
حتى و إن أخبرتها أن جدها و أعمامها ما اعتادوا هذه الفواصل بينهم ..و اعتادوا أن يكونوا أقرب .. ليبدون كالأخوة .. لن يهمهما هذا الشيء ..
فديمه و بنان منشغلتان بعالمهما الخاص .. برفيقاتهما الكثر .. و لا يأبهن بالتقرب منهن هن الفتيات .. حتى تشعر بأهمية أن تكون قريبة من أبناء عمها .. و كأخت لهم ..
قادها هذا التفكير .. إلى القاعدة التي كانت هي شذوذها .. نعم جدها رباهم سويةً كالأخوة .. و لطالما اعتادوا على هذا ..
إذن لما كان عليه أن يزوجها أحد هؤلاء الإخوة !! أو بمعنى أصح ادركته متأخرة .. يفرضها عليه !!
قاطعت أفكارها صبا و هي تجاري إعتراضات ديمة ساخرة .. بعد أن اسدلت (الجلال) على جسدها
: هههههه تبون الجد أنا ما أرحم إلا عزام إذا رجع و شافنا كذا .. هههه أحس تجيه صدمة ثقافية..ما تشوفونه من الروعة ماصار يجلس في البيت و لا يشوفنا
تخرج ديمه عن الموضوع .. لترد عليها بحالمية ..
: تدرين شوفة عزام هي الحسنة الوحيدة بالسلام على عيال عمك..حضوره تغذية بصرية..ليته يجي و نشوفه اليوم
ضحكت دانية على تمنياتها ..
: حنا وين و أنتي وين...يلا روحي بدلي بيجامتك
رضخت لكلامهن مرغمة .. لتفرغ غيضها بأصغرهن بنان .. لتصرخ بها ..
: هيييه أنتي... ترى فيه أوادم هنا سوينا مهرجان ما حسيتي فينا!
أبعدت تلك سماعات (الآيربودز) عن أذنيها .. والتفتت إليهم ..
:وش فيك يا مزعجة قطعتي علي الفلم!
لتتدخل هذه المرة صبا .. و هي تولول ساخرة ..
: أعوذبالله يا فينقر فلم نهار رمضان...لاحقة عليهن بعدين..يبغالك جلسة تأديب عند خالتي أم حاتم_تلتفت على دانية و تهز رأسها بأسف تمثيلي_لزوم نعلم الشيخ بالسالفة
و كأن الحديث لا يعنيها .. تركت السرير و ذهبت لغرفة الملابس لتبدل ما ترتديه .. و هي تسأل ببرود ساخر ..
: وش قلتم مطلوب نلبس؟!

~*~*~*~

 
 

 

عرض البوم صور ماكينو   رد مع اقتباس
قديم 16-05-23, 05:29 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 99255
المشاركات: 11
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماكينو عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماكينو غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماكينو المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية في أروقة القلب إلى أين تسيرين للكاتبة أغاني الشتاء

 

[..الفصل الـثـــانـي..]

,, حينمـا نُحب من طرف واحد ~

من وراء الأقنعة نُحادثهم .. حتى لا ينكشف يقيننا بهم ..
نتقاسم خِلسةً معهم .. قلبنا .. و ليالينا ..
لنغرق معهم في كلماتٍ مُبهمة .. نتخذها ذريعة لدعم أحلامنا بهم !
نخوض وحدنا حرباً .. بجيشٍ صامت .. بلا أسلحة .. و لا عدو
فهل نرفع رايات البياض ؟ خشية أن لا تساوي تلك المشاعر التي تملأنا شيئاً أمام قلوبهم الغافلة ..





كانت تجلس في الصالة بسكون .. وحيدة .. شاردة .. تعبر ملامحها أشباح بسمات .. و عيناها ترسم بكل زاوية من حولها .. لمحة من لمحاتهم تتذكرها ..
حتى زفرت نفساً ضائقاً .. كم تكره أن تجلس في ذات المكان .. بلا عبق حضورهم الصاخب .. المليء بالفرح .. و الحياة ..
تخاف جداً لحظات السكون .. التي تتركها وحيدة .. مع ذكريات و مخاوف أصبحت إعادتها في خيالها مراراً و تكراراً ..
أقوى من إحتمالها ..

تأملت بأسى الفطور المتواضع بكميته الذي وضعته على السفرة الصغيرة .. لثلاثة أشخاص فقط ..
وحيدين .. منسيين .. خارج تلك الصفحات التي تزخر بالفرح .. و اللمّة .. و المحبة ..
آه من هذه الأيام ..أيام رمضان .. أيام العيد .. العطلات .. المناسبات ..
جميع تلك الإجتماعات السعيدة التي تجمع القريب و البعيد .. حين الكل يجد له مكاناً .. سواها ..
وحدة ..
غربة ..
حزن ..
لطالما رافقوها .. لتفقد في كل مرةٍ غالي .. و تتوغل بوحدتها و أساها أكثر .. فأكثر ..
: السلام عليكم

أفاقت على صوته من شرودها الطويل .. لترفع رأسها .. و ترى عمها الذي وقف يطل عليها قرب الباب .. لتقابله بإبتسامة أتت باهتة .. شحيحة .. و هي تحاول جاهدة أن تخفي بها كآبتها .. عن نظراته المهتمة ..
: وعليكم السلام و الرحمة
راقب جسدها الذي استرخى بوحدة .. و ملل .. ليسأل ..
: كأنك جايبه الفطور بدري...توه الآذان!
تنهدت بملل .. تعترف بفقدانها .. لأصوات بنات عمها في المنزل .. و صخبهم الذي كان يملأ دياجير روحها بالضياء ..
: الوقت طويييل..قلت احضر الفطور عشان يمر الوقت
ابتسم لها بحنان و عطف .. و تراجع عن ذهابه إلى غرفته .. و تقدم ليجلس معها ..
يحادثها .. يستجلب المواقف و الذكريات ليسليها .. و تشفق عليها روحه أكثر ..
وهو يراها تتحمس لكل حديث يخبرها به .. و كأنه يقدم لها الفرح .. و الحياة .. بمجرد ملء جزء شحيح من هذا الفراغ الشاسع بروحها ..

يتيمة أب و أم .. دائماً تفتقد لإبنتيه حين تغيبان ولو لساعات مع والدتهما في بيت جدهما ..
و لا يريد أن يتذكر حالها و تلك الصغيرة .. حين تكون هناك مناسبة تستدعي جلوسهن لعدة أيام في ذاك البيت ..
و ما كاد يطريها في خياله حتى ظهرت .. كأنه كان يستدعيها ..
فرحتهم الصغيرة .. التي يزهو بها البيت .. و الوحيدة القادرة على رسم فرحة حقيقية بعيني والدتها ..
: مــــــامـــــــــا

اقتربت تلك الطفلة الرقيقة .. ذات السنوات الست .. منهما لتقبل رأسه .. ثم تقبل خد والدتها و تجلس بجوارها ..
ليبتسم هو لها بحنو .. و محبة ..
: هاه وتين عسى صايمة؟
لتجيبه الصغيرة بـ فخر ..
: إلى العصر صمت...بعدين ماما قالت خلاص افطر عشان اذوق فطايرها يمكن ما تطلع حلوه تسوي غيرها
بملامح مشرقة كانت تستمع إليها .. أجلت سُحب الحزن التي كانت تقتم وجهها منذ لحظات ..
ابتسمت لصغيرتها حين التفت عليها.. لتشاركها الطفلة الإبتسامة ذاتها .. و لم تكن الإبتسامة فقط ..

كانت هي و كأنها تنظر لنفسها بصغرها !!
ذات البشرة العاجية .. الشاحبة ..
خصلات الشعر الكستنائية .. الكثيفة .. الملتفة الأطراف بنعومة ..
لهما حتى طول الشعر ذاته .. الذي ينسدل بحيوية .. متعدياً أكتافهما بطول قليل ..
ملامحهما تحمل ذات الضعف .. و الرقة ..
و لهما نفس نبرات الصوت الهامسة .. الشجيّة ..

تشبهها تلك الصغيرة جداً .. و تحمل جميع عاداتها .. و تصرفاتها !!

~*~*~*~

اللـــه أكبر .. اللـــه أكبر .. اللــه أكبر .. اللــه أكبر ..

ارتفع صوت الآذان .. لتعلو البسملات و تلهج ألسنة الجمع بذكر الله .. ليبدأو بالإفطار .. في ذاك المجلس الشاسع ..
الذي بدى اليوم و كأنه غرفة معيشة عائلية ضخمة .. امتلأت أجواءه .. بالمودة .. و المحبة .. حيث اجتمعن مع جاراتهن .. كعادة لا تتخلى عنها جدتهم .. في فطور أول يوم من رمضان ..

و في إحدى تلك سفر الطعام الممتدة .. بدأت تتهامس تلك الفتيات اللاتي يتساوين في العمر فيما بينهن..

كانت غزلان كعادتها تسخر من كل شيء حولها .. تتصرف بتعالي إعتادته من تلك الأوساط التي بدأت تختلط فيها مع والدتها من أجل عمل والدها .. فحتى صداقاتها في جامعتها أصبح مفروضٌ عليها .. أن تراعي فيها مستوى مرتفع لا تحيد عنه .. لتتعرف على أيٍ كان ..
لذا رغم أنها كانت تعود هنا لروحها التي تتناسها كثيراً هناك ..
تعود إلى بعضٍ من طبيعتها هنا .. بتلك البساطة .. بين هذه الوجوه المحبة ..
إلا أنها تحدثت معلنة إعتراضها .. و هي تتململ في جلستها .. لتتحدث بدلال .. و تكبر تهوى التصرف به ..
و لم تعد تستغرب .. فهي باتت تعيش حياة .. مزدوجة .. لا تعرف أيهما تفضل .. و إلى أيهما تنتمي حقيقة روحها ؟؟
: مين اللحين يآكل على الأرض؟!
لتجيبها صبا بلا إكتراث .. لنبرة السخرية بصوتها .. فهي اعتادت على هذا الغرور الذي تتصرف به ابنة عمها .. و أصبحت تجده مجالاً للمجادلة بينهما .. و هي التي تهوى الشد و الجذب في أي حديث لها ..
: حنا...و أنتي بعد هذا أنتي جالسه و تاكلين وش حلوك
لتلتفت غزلان لإبنة عمتها سحاب بذات السؤال .. الذي يزعجها ..
: والله أحس رجليني بتتكسر من هالجلسة! و أنتم سحاب...تاكلون على الأرض كذا؟
لتجيبها سحاب مبتسمة ..
: تصدقين من جبنا طاولة الأكل خليناها ديكور ما ناكل عليها إلا قليل..كله على الأرض
مدت صبا يدها .. لتضرب كفها ب كف سحاب ..
:تعجبيني...أصلاً أنا ما احس بطعم الأكل إلا إذا تكيت و تمددت ع الأرض
كشرت بوجهها تلك الأنيقة ..
: مو منك...من أجواء هالبيت!...والله كل ما أدخل الحارة القديمه هذي و أشوف البيوت اللي حواليكم احس إني في الجنادرية..مادري ليه أبوي حماد مو راضي يطلع من هالحارة!
نبهتها صبا مدعية التحذير بملامح معذورة .. و عيناها تشير إلى دانية و رتيل ..
: أووص لا يسمعونك الجيل الأول من حفيدات حمّاد...اليوم عطوا الجيل الثالث محاضرة عن السنع و حب العائلة و التراث العائلي العظيم اللي حنا فيه..خلينا حنا يالجيل الثاني كذا هاديات و غير ملفتات للنظر و الخطر
هزت غزلان رأسها بإستسلام محدثة سحاب ..
: يمه منها هالبنت! أسكت الكل إلا هي...كل ما قلت لها كلمة ترد علي بعشر

:
:

كانت تتحدث مع إحدى جاراتها .. و هي تراقبهن بين لحظة و أخرى .. ينشغلن بتلك الهمهمات و الهمسات .. و ينسين أن يأكلن شيئاً مما أمامهن .. فقطعت جدالهن الساذج بصوتها الدافيء .. الحاني .. المهتم ..
لتعاتبهن بحرص .. و كأنهن مازلن صغاراً لا يتحملن مسئولية أنفسهن .. و هي تقدم منهن الصحن الذي كان أمامها .. بالأخص تلك الصغيرة الهادئة .. قليلة الأكل .. و الكلام أيضاً ..
: أنتن من جلستن و أنتن بس تقرقن! يلا افطرن يمه...سحاب ما شوفك أكلتي شي؟ لايكون تسوين ريجيم !
لتبتسم لها بمحبة .. و تقدير لهذا الإهتمام .. و تأخذ صحن الفطائر من يدها .. لأنها تعلم أن جدتها لن تتركها حتى تراها تأكل ..
: لا يمه يا قلبي هذاي آكل
لتتدخل صبا في كل حوار كعادتها ..
: عاد ما بقى إلا سحاب تسوي ريجيم أنتي لو صغرتي شوي بس شوي جبنا لك رضعة

ضحكت غزلان بإستنكار لحديثها .. و ابتسمت هي بهدؤ لا يشبهها لتعليقات صبا .. مرتاحة لإبعاد إنتباه جدتها عنها ..
لأنها حقاً لم تكن تأكل الكثير .. لم تكن تأكل و لا تتحدث و لا تتصرف بعفويتها كما في بيت والدها على الأقل ..
لا تشبه نفسها الحقيقية أبداً .. هنا في منزل جدها اعتادت أن تكون إنسانة مختلفة .. ساكنة .. هادئة .. حذرة مع الكل ..
فهي دوماً في هذا البيت تشعر بالثقل .. تأكل أقل ما تستطيع .. تضحك بأقل قدر .. تتحدث بإقتضاب ..
تبتعد عنهم لا إرادياً و هي بينهم .. و لا يغيب عن تفكيرها ثلاثة .. تحس بالخيانة إن نستهم بهذه اللحظات ..
والدها .. و يمنى .. و وتين ..

.
.
.

بعد إنتهاء الإفطار .. لأول مرة تختفي رتيل باكراً لتلحق بها دانية ..فلا يبقى إلا ثلاثتهن .. يقفن بطلب من جدتهن ..
يشرفن على الخادمات ..لتجهيز و إرسال تلك الحافظات المليئة بأصناف من الأطعمة .. إلى جميع الجيران الذين لم يحضروا .. حتى من حضر منهن .. كانت جدتها لا تحب أن يغادرن بدون أن يحملن معهن شيئاً من تلك الأطعمة التي كان نصفها مما احضروه معهن ..

مروا بهن الفتيات الأقل سناً .. ديمة و مُزن و أصغرهن بنان .. و هن منشغلات بهواتفهن .. و تصوير تلك المقاطع بلا نهاية .. لترمقهن غزلان بإعتراض ..
: و هالدلوعات ليه ما يساعدونا!!
لتجيبها صبا بمكر ..
: ولا يهمك اللحين أكرفهم..بس ضروري تكتيك يناسب مستوى تفكير المراهقات_لتصيح بصوت عالي_فينقر و شلتها..شخبار التغطية الرمضانية
اقتربن ثلاثتهن .. لتهتف بنان بحماس ..
: صورنا مقاااطع تجننن
لتثير حماسها بإنبهار ..
: واااو وناسة باشوفهم آخر الليل اذا اكتملوا .. و أنا جايبة لك حركات..خوذوا هالحافظات للجيران اللي ماحضروا وصوروا و أنتم رايحين في الحارة...أجواء رمضانية على كيفك

و بلحظة اشتعلن حماس للفكرة .. و صبا ترفع حاجبيها بإنتصار .. لغزلان و سحاب .. اللتان اخفتا ضحكتهما على إنتصارها السريع ..

~*~*~*~

حينما أنهت إفطارها .. و افتقدتها .. بحثت عنها في المطبخ الخارجي .. ظناً منها أنها لا بد أن تكون هناك .. لكنها لم تجدها ..
فذهبت لتبحث عنها داخل المنزل .. و وجدتها أخيراً في غرفتها .. التي كانت مقابلة لجناح جديها في الدور الأرضي .. طرقت الباب بخفة لتدخل قبل أن تأذن لها حتى .. فلطالما كانت غرفة رتيل ملجأ لها هي .. و أخواتها .. كل لحظة ..
:السلام عليكم
ردت بإبتسامتها الحانية .. المهتمة دوماً ..
: و عليكم السلام و الرحمة_لتسألها بإهتمام_خلصوا الخدامات توزيع الأكل الباقي؟
: على وشك...البنات معهم يرتبون كل شيء
أجابتها و هي تتقدم لتجلس على الكنبة الوحيدة في غرفتها .. كنبتها الحمراء التي احتلت الزاوية .. بجانبها تلك الأباجورة الطويلة .. و بالجانب الآخر .. رفوفها الزرقاء المليئة بالكتب ..
و رتيل كعادتها تتحدث معها و هي تروح و تجئ في غرفتها منشغلة .. و تسأل عن كل شيء في المنزل .. و هي تجيبها مطمئنة ..

صمتت للحظات .. و هي تتأملها بمحبة و إعجاب .. لطالما شعرت بالإنبهار حولها .. بتألقها و تميزها .. شكلاً .. و مضموناً ..
كيف لها أن تبدو بهذه القصة الصبيانية غاية في الرقة .. و الأنوثة ..؟
لطالما كانت الفتاة ذات الشعر القصير .. و لطالما لاقت عليها هذه القصة بطفولتها .. لتزيدها أناقة في أنوثتها ..
فملامحها بين تلك الخصلات السوداء الناعمة القصيرة .. تقطر عذوبة .. و حلاوة .. يشكلان مزيجاً متناقضا .. جذاباً .. مع نظرة عينيها القوية الإرادة .. و التصميم ..
كم تحب شخصيتها و تصرفاتها المليئة ثقة و لباقة .. و إعتماداً على النفس لطالما نقصها هي .. و لطالما حسدتها عليه ..
سألتها حين رأتها بدأت تستعد للخروج ..
: بتروحين لأم خالد؟
كانت تجيبها .. و هي بالفعل بدأت ترتدي عبائتها ..
: ايه..بأغير لها الضماد...و اشوف الجرح خايفة تقول تحسه ملتهب
ابتسمت لها بتقدير .. فخورة هي فيها .. فليست فقط مميزة في هيئتها .. بل روعتها الأكثر في شخصيتها .. مذهلة رتيل في إمتداد عطاءها للجميع ..
رغم عملها المنهك كممرضة في قسم الطواريء .. إلا أنها أصبحت حقاً كملاك رحمة ليس في عملها فقط .. بل في كل مكان .. ترفرف أياديها البيضاء .. ليشمل إهتمامها الجميع ..
هنا في منزلهم .. تمد جسور روحها للكل .. جسدياً .. و معنوياً .. ليتعاظم عطاءها فيشمل حتى جيرانهم .. فهي (إبنة الحي) جميعاً .. كما يسمونها ..
تهتم للكل .. و الكل يسألها عن أي عارض صحي يصيبهم .. و يطلب مشورتها .. رغم أنها ممرضة فقط .. لكنها تقدم لهم المساعدة دوماً .. حتى ما لا تعرفه تسأل الأطباء عنه .. لتخبرهم .. تتكفل بهم على كل حال .. لدرجة أنها أنشأت مجموعة لهن في تطبيق (الواتس أب) تجيب على كل أسئلتهم الكثيرة .. المتتالية .. كل يوم ..

رأت معطفها الأبيض .. و حقيبتها الكبيرة مجهزة على السرير .. لتسألها بإستغراب ..
: كأنك تتجهزين للدوام !
رتيل تجيبها .. و هي تكتب كعادتها رسالة .. ترد على إستفسار أحدٍ ما ..
: ايه كنت بأقولك..عندي شِفت ليلي
لتسألها بعدم تصديق .. و قلق ..
: عمي رياض وافق !
كانت تغلق هاتفها .. لتضعه في جيب عبائتها .. و هي تتنهد براحة ..
: ياله سمح لي...بطلعة الروح.. و هذا هو ينتظرني تحت قال بيوديني و بيرجعني بعد
تعلم هذا...لذا سألتها بإستغراب ..
: هههه أنتي احمدي ربك ماقال بأداوم معك..بس أنتي ليه أخذتي شفت ليلي و تدرين إنه ماراح يرضى ؟
أنهت إرتداء طرحتها .. و نقابها .. لتجلس على سريرها .. و هي تخبرها ..
: مشاعل عندها ظرف عائلي و مالقت أحد ياخذ مكانها..و تعرفينها عمرها ما قصرت معي بشيء..حتى انها ماطلبت مني..أنا اللي قلت لها اخذ مكانها..دانو يا قلبي لا تنسيني ارسلي سحوري مع السواق
ابتسمت لها بمحبة .. تحاول إخفاء خيبتها .. لرحيلها هي أيضاً قبل أن تتحدث معها بما يقلقها ..
: من عيوني
لكن عينيها المهتمة .. التقطتا ذاك القلق الذي يملأها ..
:تسلم لي العيون و راعيتها_لتكمل مازحة بضيق و هي تعرف أنها قد أتت لها لتحدثها عنه_يا أختي ما تزعلين من غالب على طول..والله ردت لي الروح يوم رجعتي لنا
و بلحظة تبدلت ملامحها مع ذكره .. فما في قلبها يتصدّر ملامحها بوضوح .. لتختفي إبتسامتها .. و يظلل الحزن .. و الخيبة .. نظرتها ..
: الظاهر خاطرك فيني من قلب...يوم إني عجزت أدخل قلبه
لتجيبها رتيل بصدق .. و غيظ من ذلك المغرور ..
: ما عنده نظر والله
حاولت أن تجاري مزاحها .. فلا تريد إشغالها بمشكلتها .. و هي على إستعجال للذهاب ..
: شفتي الحظ بس! اللحين عندهم عزام وش ملحه ما يزوجوني إلا هالمغرور..لو أخذت عمار أهون
ضحكت رتيل معها ..
:ههههه عزام عليه طلبات كثير عشان كذا أبوي ماراح يعطيه لوحده ويزعل الثانية..و عمار معليش حتى بالشكل ما اتخيلكم سوى! حشى الجميلة و الوحش..خليك على مجنونك أحسن_لتكمل بجدية بعيداً عن مُزاحمها..و هي تقف_و بعدين أنا متأكدة إن لو اللي خطبك واحد غير غالب كان ما وافقتي
رمقتها مطولاً بدون أن تعترض على الحقيقة التي تصرّح بها أمامها .. لأن معها كامل حق .. فهي لطالما كانت تحمل لغالب شعوراً خاصاً في قلبها ..
كان النموذج الأمثل لحب الطفولة .. لتتجسد به أحلام المراهقة أيضاً .. و حين خطبها ظنت أنها النهاية السعيدة لقصتها الرومنسية .. المخفية معه .. لكن كل شيء معه ظل كما كان .. و بقي حبها و سيبقى .. شعوراً من طرف واحد فقط ..
قطع صوت رتيل أفكارها ..
: بتشوفينه الليلة ؟
أجابتها بشرود ..
: إذا تنازل و طلب يشوفني
سألتها بقلق..
: وش بتقولين له ؟
لتجيبها بخيبة .. فهي حقاً لا تعرف كيف ستتصرف معه .. هي حتى لم تختار الإبتعاد عنه .. فقط بقيت تلبية لغضب جدها الذي لمح حزنها و خيبتها منه ..
: خليني أعرف وش بيقول هو أول
تنهدت .. لتتحدث بإعتذار ..
: تأخرت..إذا رجعت نتكلم..مع إني متأكدة إني بأرجع إن شاءالله و ألقاك رايحة لبيتك..و بكلا الحالتين طمنيني وش يصير معاك
خرجت .. لتعود بعد لحظة تنبهها ..
: دانو لا تنسين إبرة السكر لأمي قبل السحور
ابتسمت مطمئنة لها ..
: إن شاء الله
لتستدرك شيئاً آخراً ..
: ايه كنت بأنسى.. و مروان أبوي موصيه على الإضاءات اللي يبون يغيرونها في الحديقة..ذكريه لا ينسى يجيبهم قبل يجون العمال
ضحكت هذه المرة .. و هي تسأل بإستنكار ..
: حتى مروان نشب لك !!
لتجيبها بنبرة مظلومة مازحة ..
: شفتي كيف مستهلكيني! من يوم رحتي و حتى هو تبنيته مع خواته..ههه صايره حتى افطره قبل يروح جامعته
ردت عليها مبتسمة ..
: هههه و ليتك تسلمين من لسانه
لتوافقها برأيها عن ذاك المشاكس الذي لا يكبر ..
: لا والله ما سلمت

كانت تبتسم معها .. لتختفي إبتسامتها حالما خرجت عنها .. تعلم أنها تجاملها حين تخبرها أن شيئاً في هذا البيت قد تغير .. حين خرجت منه !!
و الحقيقة هي غير ذلك .. فهي أيضاً كانت تستهلك حبها .. و رعايتها .. و إهتمامها كالبقية ..
هي بالأخص .. من ترمي عليها بثقل همومها التافهة .. قبل الصعبة .. تتواكل حولها .. و تتكل عليها في كل شيء ..

عادت تبتسم بحزن للذكرى .. كانتا منذ الطفولة عدوتين لدودتين في هذا المنزل .. فهما النقيضين في كل شيء .. في شخصياتهما .. و تصرفاتها ..
و بعدما كبرتا أصبحتا ملتصقتين ببعضهما .. أو قد تكون هي من التصقت برتيل بشدة .. و أصبحت لها ملاذاً من كل شيء ..
فهي دوماً معها و مع غيرها .. الطرف الأضعف .. تأخذ و لا تقوى على العطاء ..
لأن رتيل لم تعتد يوماً إستجداء المشاعر أو الإهتمام من أحد .. دوماً كانت الطرف الأقوى .. الأكثر في عطاءه ..

حتى في عز فقدها .. كانت أقوى منها .. هي التي كان من المفترض أن تكون سندها بذاك الوقت .. لتحميها ..
كانت تذرف الدمع أكثر منها .. كانت تنهار عنها .. تصرخ بدلاً منها بجميع تلك الحسرات التي تراها تملأ قلبها بصمت مرير ..
و مازالت لليوم .. لا تعلم كيف كانت تقوى على ذاك الصمت و السكون ..

~*~*~*~

بعد عودتهم من صلاة التراويح .. اجتمعن الفتيات في المجلس مع جدتها .. و والدتها ...
للسلام على جدها و خوالها الذين سيأتون بالتأكيد برفقة أولادهم الشباب .. ليروا والدتها .. قبل أن يعودون أخيراً إلى بيتهم ..
و هي كانت بالكاد تعي ما تهذر به صبا مع جدتها .. حين بدأ ينبض قلبها بإرتباك .. ها هو يحين لقاء آخر معه ..!!

رغم مرور شهر و ثلاثة أسابيع و عدة أيام على آخر مرة رأته فيها .. مازالت تحس بذاك اللقاء و كأنه بالأمس ..
بل تستطيع إعادته بخيالها و كأنه يحدث الآن .. لأنها كانت دائماً تفكر فيه .. و تعيد أحاسيسه بخيالها ..
نعم هي دائماً على هذا الحال معه .. تحصي بدقة لاشعورياً الأيام التي تفصل بين لقاء .. و لقاء ..
تتذكره بكل وقت و كأنه جزء منها .. لا تغفل عن كلمة له .. نظرة .. إبتسامة شحيحة .. أو حتى اختلاف بسيط بنبرة صوته ..
تعلمت كيف تدرسُه .. تشُرّحه بحضوره .. تلتقط أدق تفاصيله لتنقشه بذاكرة لا تفتأ ترددها عليها كل حين ..

أسطورة إنسانية هو بالنسبة لها .. لطالما كانت مفتونة منذ صغرها بذاك السكون و السلام حوله ..
لطالما كان مثال الثقة .. و الأمان .. و الحماية .. لها منذ طفولتها معهم ..
كانت دوماً معجبةً به .. حتى بدأ يربطها به أكثر .. فضول و إهتمام شدها .. و أيضاً أغضبها .. حين سمعت عن طلاقه !!

أي قلب تحمله تلك الإنسانة لترفض شخصاً مثله ! بالأخص بعدما ضمها معه بيت واحد ؟؟
كيف استطاعت التخلي عنه .. ماذا تريد لنفسها أكثر حين تخسر شخص مثله !!
كيف تجاهلت كل تلك التفاصيل العظيمة التي تملأه .. لتقوى على تركه !!

ليعود ولعها فيه بشكل أقوى .. بإحساس أعمق و أخص هذه المرة .. و ها هي اليوم تغرق فيه بصمت تعشقه .. لا تعلم نهاية له .. و لا حل ..

أحست بضربة في معدتها ما إن سمعت صوته قادم إلى الصالة .. مع خوالها و بقية الشباب ..
و لكن كالعادة .. حواسها الشاردة لم تلتقط إلا إياه .. و رأته ..
تنهدت بهيام خفي .. و هي تتأمله خلسةً .. ملامحه التي لا تغيب عن بالها .. كما عهدتها .. و عيناه السوداوان .. تشعان بذات النظرة الدافئة .. التي أصبحت تكسوها الآن لمعة الحزن .. و الخيبة ..

كانت تجيب على أسئلة جدها و خوالها آلياً .. آملة أن لا تبين تلك الإرتجافة التي تهز صوتها .. إرتباكاً لوجوده ..
كانت حتى شاردة الذهن لا تعي حقيقة عماذا كانوا يتحدثون ..و لا تهتم بأي من الأحاديث التي يضحكون عليها ..
فقط تحاول تهدئة قلبها .. و هي ترى تلك الإبتسامة تشق طريقها لملامحه .. دون أن تصل إلى عينيه .. فلا تقوى على محو ذاك الحزن الذي عاش فيها ..
أبعدت عينيها أخيراً عنه .. ما إن جذب إهتمامها الحديث حينما مر اسمه على سمعها ..و والدتها تسأله ..

: وش أخبار الحلوات يا حاتم ما شفناهم اليوم؟
تبدلت نبرة صوته .. وهو يحاول أن يجيب بحيادية .. بعيداً عن الجرح الذي يملأ قلبه ..
: عند خوالهم..جدهم من شافهم مارضى يطلعون من عنده..و لا حبيت اكسر بخاطره
:الله يحفظهم و يخليهم لك
لتتدخل صبا ..
: والله فقدناهم اليوم...البيت هادي و مو حلو بدونهم..عاد لو يدرون إن سحاب جات و هم مو فيه بيجننونا

اتسعت عيناها بصدمة .. لم تتخيل أن إسمها سيعرض جهراً في حديث خاص يوجه إليه .. و قلبها بدأ يخفق بشدة ..
حين بدأت تلك الأحاديث التي كانت متفرقة من حولها تصمت .. و تبقى جملة صبا تصدح في أسماع الكل .. و سمعه بالأخص !

ليأتي الرد من جدها .. حين وافقها بحنانه و محبته ..
: من طيب قلبها سحاب..ما قد شفت صغير مايحبها ويتعلق فيها

كانت تشعر بوجهها و أذنيها تشتعلان حرجاً .. وهي تمدح لهذه الدرجة أمامهم .. و أمامه ..
و كم تمنت لو تملك الجرأة لترفع عينيها له .. تقرأ ملامحه .. تتوق لرؤية نظرة عينيه .. بعدما عبره إسمها .. لكنها لم تقوى على ذلك ..
كانت تخشى حتى أن تسمع تعليقه على تعلق فتياته بها ..

لذا كانت شاكرة لدخول عزام في هذا الوقت.. و الذي أوقف إنسياق الحديث عنها ..
فحضوره النادر .. و المبهر دائماً .. سيستحوذ كعادته على كل الإنتباه ..
لتركز حتى هي مع همسات الفتيات بجانبها .. نظرها على هالة الجمال كما يفعلن ..
بعيداً عن ملامحه التي تهرب منها عيناها .. بعيداً عن تلك النظرات التي توجع قلبها و لا تجرؤ على لمحها الآن ..

لتشغل إحساسها بإبن العم المنعزل عنهم دائماً ..كم يملك القدرة على لفت الإنتباه بشدة .. وجذب النظرات مطولاً إليه ..
لا تكتفي من نظرة عابرة إليه .. فتلك الهالة الخرافية لقوة حضورة .. يجب أن تجذبك لسحرها بشرود طويل ..
جسده الرياضي .. النحيل .. بدى أنيقاً جداً بهذا القميص الأزرق .. بسمرته الرائعة .. و شعره الكثيف المصفف دائماً بأناقة ..
و ذاك الذقن الخفيف المشذب ..ليتضح حدة فكه ..و وجنتيه البارزتين .. أنفه الشامخ المستقيم .. و عيناه الجريئتان و نظراتها الكسولة .. الفاتنة ..

و إن كانت وسامته المثالية .. أكثر من كافية لينشر ذبذبات التوتر حوله .. لكنها لم تكن السبب الوحيد لتميزه ..
متكامل كل شيء فيه لحد الإفراط .. أناقته .. صوته .. جاذبيته .. نظرته .. عطره .. و ملامحه المرسومة بدقة متناهية .. كل شيء فيه .. يجعله مهيباً .. بعيداً .. غريباً عن هذا المحيط حوله ..

النظر إليه فقط قادر على أن يعبث بنبضات القلب .. وهو يبدو كتحفة فنية عرضت في معرض ..
كتب تحتها تحذير بالخط العريض ..( لا تجرؤي على التفكير في الإقتراب منه )..

: السلام عليكم
تقدم إلى الداخل للسلام على خالته و جدته التي هتفت بمحبة شاسعة .. تخصه بها دائماً .. و ترحيب عميق به ..
: هلا يمه...مادريت إنك فيه محد قالي انك رجعت من السفر
ابتسم بأناقة لها .. وهو يحيط بذراعه كتفيها الذاويتين ليقبل رأسها مرة أخرى ..
: والله يمه...مادخلت البيت إلا قبل الآذان بدقايق
قطع عبارات الشوق .. و الإطمئنان التي راحت تنساب من جدته .. إعتراضات مروان ..
: الله لنا يمه..كل هالترحيب بعزام و أنا اللي ما أصبح إلا على بوسة راسك دخلت مادريتي عني!
ضحكت جدته .. لتستنجد مازحة بوالده ..
:وش يفكني هاللحين من ولدك يا أبوحاتم
ليدافع عنها والده .. تحت طلبها ..
: أنت تآخذ الحب دفعات..هو ياخذه بالجملة مرة وحدة
لكنه استمر في إعتراضاته الحمقاء ..
: ايه دلعيه لين محد يقدر يكلمه..ماتشوفينه ما دخل معنا مسوي له دخول خاص عشان ينفرد بالدلع
ليرد عليه بإستنكار ..
: كنت اكلم .. ليه مانتظرتني و دخلت معي
رمقه بنظرة شك هازلة يهوى على الدوام نغزه بها .. ليجيبه بسخرية .. و تشكيك ..
: آها تكلم! اي خذ راحتك كلم..و ادخل سوي لنا إعلان شامبو مع نفسك

أكملا حديثهما و جدالهما .. و أعين الفتيات الصغيرات جميعهن ترتكز كلها على عزام .. و همساتهن تعلق على كل كلمة له .. و نظرة ..
فقط عيناها هي .. التي حفظت درباً آخراً غيره .. لتستقر نظراتها الولهى عليه .. حين ادركت إنشغال الكل عنها ..

أيضاً .. عينان عاشقتان أخرى في الخفاء .. كانت مثلها لا تهتم لأسطورة الكمال الذي أذهل من حوله ..
فنظراتها هي أيضاً تهيم بعيداً عن تلك الوسامة الساحرة ..
لذاك الذي لا يصمت لحظة .. وهو يشاكس عزام على كل كلمة يتفوه بها .. يتدخل بكل حديث مازحاً و قالباً تلك الأحاديث الجدية بينهم لهزل.. كانت تبتسم جداً لمجرد سماع صوته الصاخب ..تسليها جداً أحاديثه المضحكة التي لم تعتدها .. و ضحكته تجعلها مجبرة أن تضحك معه .. تتأمل بطرف عينها ملامحه المليئة بحماسته .. رؤيته فقط تجلب لها السعادة .. بالأخص عيناه الضاحكتان اللتان تشعان بالفرح و الحياة .. عيناه الجميلة من الظلم أن تكون لشاب و ليست لفتاة .. بتلك الرموش السوداء .. الكثيفة ..
مروان !! شيء مختلف جداً عما تعرفه .. عما اعتادته في شقيقيها غالب و عمار ..
شيء بعيد عن الغرور .. و الغموض .. و البرود .. الذي تعيشه معهما ..
كانت عينيها لا تبتعد عنه .. تضحك على كل كلمة يلقيها .. كانت تستحق أو لا .. حتى همست لها صبا ..
: والله محد منبسط على هالمزعج غيرك!
لتبعد عنها الشكوك .. و هي توجه تركيز صبا لغيرها ..
: والله محد مبسوط و طاير من الفرحة غير هالخبلات...شوفي كيف عيونهم متعلقة بعزام...هههه فرحانين بشوفته أكثر من فرحة أمي اللولو

.
.

بعد مضي ساعة .. كانوا يجلسون في الملحق الخارجي .. الواسع ..حين غادرهم والده سريعاً ... ليلحق بمناسباته الخاصة بعمله ..
و انشغلوا أعمامه الثلاثة مع جده يتحدثون عن المنزل .. و تلك الإصلاحات التي سينفذونها فيه ..
لمح شقيقه و ابن عمه يجلسان على بعد منهم .. يتحدثون بخفوت .. وهو يجلس الآن كالأسير بين أخويها ..
بعد تهديد جده الصريح هذا المساء .. ارتاح مبدئياً حين لم يتحدث معه أحد غيره عنها .. فحين سلّم على عمه .. كانوا قد استقبلوا الناس بالفعل .. فلم توجد له فرصة لعتابه .. أو إعلان غضبه منه .. رغم أن عينيه صرحتا بكل شيء داخله .. كحال هذان الإثنان اللذان بدى حديثهما معه على غير عادتهما .. مثقلاً .. متوارياً ..
كما توارى طيفها عن اللقاء الذي كان سيجمعها به .. و اختفت عنه .. حتى تضطره هو لطلب رؤيتها .. لذا يجب عليه الآن إنهاء هذا الفيلم الدرامي الذي تلعب بطولته بجداره ..فتحدث بثقته المعتادة ..
: أبو وريف...أبي اتكلم مع دانية
أجابه حاتم بتفهم .. و قد تكون احة لطلبه أخيراً .. إنهاء خلافهما السخيف ..
: اللحين اعطيها خبر
رغم ذلك حين اتصل بها .. وهو يجلس بجانبه .. ليصله من تلك المسافة البسيطة بينهما .. صوتها الرقيق ..
: هلا حاتم..آمر
ابتسم بحنانه المعتاد .. وهو يتخيل ردة فعلها عندما يخبرها عن رغبته في لقائها .. ماذا كسر غالب في قلبها الندي .. و ماذا تبقى لإصلاحه ؟؟
:دانية...غالب يبي يشوفك .. تبين تروحين له ؟
أعطاها أمامه الحق بأن ترفض .. أو توافق .. كتنبيه له .. و أماناً لها .. لا يرغب أن تحس أنها مجبرة بالرضا عنه من أجلهم فقط ..

ليرتفع حاجب غالب بضيق و إستنكار على تلك الحدود التي يضعونها أمامه ..
وهو مازال يجاهد إبتلاع ردات فعله .. حتى لا يخسرهم ..
للذا أرهف سمعه متيقضاً .. ليتبين صوتها حين ترد عليه .. رغم تأكده أنها ستوافق .. و بالطبع لم تخيب غروره ..
: إيه..خله ينتظر في المجلس الداخلي

:
:

غادرا كلاهما فقد ذهب معه حاتم ليفسح له الطريق .. فالتفت مروان ينظر للإثنين اللذان جلسا بعيداً يتحدثان بخفوت .. ليرمقهما بنظرة إتهام .. و تشكيك .. و ينهرهما مشاكساً ..
: اتقوا الله ترى اليوم رمضان
قطعا حديثهما .. ليجيبه عزام مبتسماً .. و عمار يلتقط هاتفه ببرود لا يهتم بالرد كعادته ..
: يا خي اتقي الله أنت إن بعض الظن إثم
لكنه مروان .. و لا أحد يغلبه في الكلام حين يريد مشاكسة أحد .. حتى و إن كان هذا الواثق من نفسه .. لذا هتف بفرح مؤثر ..
: ياسلام عزام تديّـن
ليضحك هذه المرة بصوت عالي ..
: لا حول و لا قوة إلا بالله...وش تدين ذي بعد؟ أنت من قايل لك إني كافر!
ليجيبه بخبث .. و نظراته تشير إلى الجوال الذي استكان بين يديه ..
: الحريم اللي بجوالك
ليجاريه مازحاً .. وهو ينظر إليه بإغراء ..
: أهااا ...قول إنك غيران !
كشر في وجهه .. ليرد على هذا الوسيم ..
: لاتطالعني كذا..ترى مب وحده من صديقاتك أنا !
أكمل بغرور و تلاعب .. يستفزه أكثر ..
: هههههه شكلك خقيت
لكنه لم يرد عليه .. و نظره ينتقل لذاك الضخم الصامت حليق الرأس .. الذي لم يشاركهما الكلام .. و لم يعرهما أي من إهتمامه ..
: اوص بس...خلنا نشوف هالولد وش فيه تصنم من يوم طبيت عليكم؟ شكل الحريم عنده؟ عمار ليه ساكت تستغفر ذنوبك
ليجيبه ببرود و تهكم .. و عيناه ترتفع إليه للحظة بنظرة عميقة باردة .. قبل أن يعود إلى شاشة هاتفه .. ليجاري مشاكسته ..
: لا أدعي عليك
رفع يديه بإستسلام .. ممثلاً الخوف ..
: اعوذبالله منك..و من هالعيون! خلنا نرجع لخقتي عزوم أحسن
ليغمز له عزام بإستعلاء..
: هههه قايل لك مالك أحد غيري ياخذك على قد عقلك

~*~*~*~

ذهبت للقائه .. ها قد أتت المواجهة أخيراً .. !!
رغم معرفتها أنها ستقابله اليوم .. إلا أنها للآن تعجز عن ترتيب ما ستقوله له .. و حتى تلك الجمل البسيطة التي كانت قد صفتها بينها و بين نفسها .. تلاشت من ذاكرتها ..

وقفت أمام الباب .. و قبل أن تدخل .. لمحته .. بجلسته المتعالية .. المسترخية .. يعبث بهاتفه بلا مبالاة واضحة .. و كأن لا هم يشغله !!
ألا يسكنه التوتر .. و الترقب .. لمجيئها ؟؟
ألا تعنيه حياتهما التي بدأت تتهتك أرضها .. قبل حتى أن يخطيا خطواتهما الأولى فيها !!
هل يثق هذا المغرور أنها سترجع إليه .. أم أنه لا يهتم ؟؟ أم أنه لا يريد !!

حسناً .. إن كان بهذا الإسترخاء .. و تلك الثقة .. يجب أن تحاول جاهدة أن تزيح عن وجهها تلك النظرة الحزينة .. المخذولة ..
لتحاول على الأقل أن تكون نداً له .. دخلت إلى المجلس .. و انتبه إليها حين اقتربت منه .. لتبادره السلام ..
: السلام عليكم
ليجيبها و عيناه لا تغادرها ..
: و عليكم السلام
راقب مشيتها الهادئة .. تمثيلها للثقة بذاك الذقن الذي ترفعه عالياً ..ليسترخي بجلسته أكثر وهو يتأملها بتملك ..
لا يحبها .. و لم يردها يوماً .. لكنه أدرك الآن أنه حقاً يكره فكرة الإبتعاد عنها .. إذن هل بدأ على الأقل يعتاد عليها ؟
لا يجد فيها شيئاً يكرهه .. فتاته المخملية هذه .. طباعها ملائكية .. و مشاعرها معه مترفة ..
ذنبها الوحيد .. و ما يقف حاجزاً بينه و بينها .. هو أنه أجبر على الزواج منها .. إكراماً لجده ..
وهو الذي ما اعتاد أن يتخذ قراراً إلا وفق رغبته .. و هي لم تكن أبداً رغبته ..
فقط وافقت داخله أهدافاً للإبتعاد عن والده .. و صنع حياة خاصة له بعيدة عن الكل .. و هذا ما لم تحققه له ..
لطالما أراد أنثى بشخصية مغايرة تماماً لشخصيتها .. أراد أنثى قوية .. ذكية .. تملك دهاءً يفوق دهاءه لكي تملكه ..
تملك ما يمكنها من تحطيم جدران غروره العالية .. ليرضخ لها ..
لكن مدللـة أهلها هذه !! .. تعجز حتى أن تبتعد عنهم .. و لا تتقن سوى لجؤها لهم .. و الإحتماء بهم ..
هاهو عقله العنيد كما كان منذ زواجه منها .. يصف سيئاتها أمامه .. و لا يدع مجالاً لقلبه ليعطيي رأيه ..

جلست أمامه .. بعيداً جداً عنه .. و هي التي كانت في الشهرين الماضيين من زواجهما ..
تقتحم حتى ضلوع صدره .. بعذوبة جبرية .. مع كل توعداته .. و إعتراضاته عليها .. عجز أن يبعدها عنه ..
لكنه لا يريد أن يكون مايربطه بزوجته .. و شريكة حياته رغبة جسدية فقط .. و عجز أن يقتنع بهدؤها .. و رقتها .. و حالميتها ..
فهي شفافة جداً بمشاعرها .. و أفكارها .. يقرأ كل ردات فعلها التي لا تحاول حتى أن تخفيها .. أو تواريها ..

مازال ينظر لها .. و هي تراه حيناً بكل ما يغيم نظرتها العذبة من عتب .. و تهرب بنظراتها الحزينة بعيداً حيناً آخر ..
تأمل فستانها الأبيض الطويل .. و تلك النقوش و التطاريز الملونة .. التي زينت صدره ..
و ذاك الشعر البندقي الطويل .. الذي تناثرت خصلاته المترفة بنعومتها .. حول وجهها و رقبتها برقة ..

كل ما وسوست به نفسه له .. جعلته يبقى ساكناً مكانه و لا يقترب منها أكثر ..
حسناً .. لن يتكلف الإقتراب و هي قد تصده .. إكمالاً لخصامها له طوال الأسبوع الماضي ..
: وش أخبارك دانية ؟

:
:

أتى دورها لترفع نظرها بعد وقت طويل له .. أحقاً بعد صمته الطويل ..؟ هذا ما تكلف به !!

منذ إنقضاء شهر عسلها الذي كان أسبوعاً لا أكثر .. و هي تحس بجفاءه .. و تباعده ..
أعطته الكثير من الأعذار .. ظنت أنه ربما لا يعرف كيف يعبر عن مشاعره ..
قد يكون من النوع الصامت .. قد لا يكون اعتاد عليها للآن ..
لكن مع مرور الأيام كان تباعده يزداد .. صمته يطول .. و لا مبالاته بها .. يصبح عليه من الصعب التظاهر بعكسها ..
غضبت منه .. لترى كيف سيهتم؟؟ كيف سيرضيها ؟؟
و لصدمتها أنه لم يهتم .. و كأنها قدمت له هذا الإبتعاد على طبقٍ من ذهب ..
لتبتعد أكثر .. و أكثر .. رغبةً منها لتحريك إهتمامه .. و نبش مالها في قلبه ..
لكن خيبتها أخبرتها .. أنها لا تملك شيئاً في ذاك القلب بعد .. تأكدت من هذا وهو يتركها أسبوع كامل في بيت أهلها .. و لايهتم حتى بالإتصال عليها ..

و الآن تتسائل بقهر لما طلب رؤيتها ؟ جدها أجبره ؟ خجله من والدها و إخوتها أجبره ؟
لأنه لا يبدو أنه يهتم أبداً برضاها .. أو حتى وجودها ..!! وهو لم يتكلف حتى الوقوف للسلام عليها ..
جلست مبتعدة عنه .. تتسائل لو سيقترب منها .. لكنه استرخى بجلسته أكثر و لا رغبة لديه بقربها ..

تخيلت بغبائها ألف شكل للقائه ..
كيف سيرضيها ؟ و إلى أي مدى يجب عليها أن تصل بدلالها قبل أن ترضى !
لكن كل تلك الأوهام تكدست بخيبة قوية و سط ذهنها .. لتجعلها الآن مشتتة .. لا تعرف كيف تتصرف معه ؟
ليكتنف صدرها الضيق .. تفكر بأسى كيف ستكمل هذا الزواج .. الذي مات مستقبله في أوله ؟؟

لن تكمل فقط إكراماً لخجله من أهلها .. أو لإرتباطاتهم العائلية .. يجب أن تعرف حقيقة مشاعر هذا المغرور .. المتباعد ..
و إن كان يتردد في إخبارها .. ستعطيه الفرصة كما فعلت دائماً معه .. لتعرف ماذا يدور في عقله النرجسي ..
: الحمدلله...مرتاحة...وأنت شخبارك؟
كانت نظراته لا تترك وجهها ..
: تمام
قطبت جبينها بغضب .. حين رأت أن تلك النظرة مازالت تربكها .. و تعبث بنبض قلبها .. لتسأله بصراحة .. مدعية القوة ..
: غالب أنت ماكنت تبي هالزواج..صح؟
ابتسم بشرود غريب .. وهو يجيبها بسخرية ..
: مو كأنه متأخر سؤالك !
زفرت بغيض .. ها هو كما كان .. يعاملها بإستخفاف تمقته ..
: يمكن متأخر السؤال..بس الحل مو متأخر!
رفع حاجبه بإستمتاع .. وشفتيه تميل بإستفهام ..
: وش الحل اللي عندك ؟
كادت تصرخ من غيضها .. لكنها همست بحنق ..
: طلقني
لم يهتز له جفن وهو يسمع تلك الكلمة .. ليجيبها بإستخفاف ..
: تبين أطلقك! وش يفكني من أبوي حماد بيذبحني
زاد غضبها .. لتسأله بقهر ..
: يعني ناوي تغصب على روحك و تتحملني بس عشان خاطر جدي! إلى متى ؟
تنهد .. و عيناه تطوف ملامح وجهها ..
: إذا أنتي بهالرقة و عندك إستعداد تتحمليني..أكيد مو صعب علي أنا اتحملك
وقفت بغضب .. حين ادركت حقاً أنه لا يهتم .. كل ما يخاف من هو جدها .. و كل ما يفعله هو الإستهزاء بها .. لذا غادرته و هي تهذر بغضب ..
: لا تتحملني و لا اتحملك....

لكنه وقف بلحظة و أمسك بها حين مرت من أمامه .. ليجلس .. و حين أرادت الإفلات من قبضته .. تفاجأت وهو يشدها ليجلسها فوق رجليه ..
شهقت بقوة .. و هي تحاول النهوض .. و لكن يديه القويتين كانتا تحيطان خصرها .. كأغلال موصدة ..
ليغمرها دفئه .. و تتسرب إليها رائحة عطره القوية .. تملئها بالذكريات .. لتضعف أمام سلطته .. و هيمنته على مشاعرها .. لتهمس برجاء ..
: غالب فكني..إذا كنت تبينا نكمل نقاش
أتاها صوته خفيضاً .. ساحراً ..
: تكلمي..اللحين عندي إستعداد اسمعك للصبح
زفرت بضيق .. و هي تراه غير خطة الحرب التي كانت قد استعدت لها ..
: بعّد خلني اجلس...هذا مو وضع يناسب النقاش
لمحت بطرف عينها .. جانب فمه الذي مال بإبتسامة متسلية .. و نظراته تطوف وجهها القريب بخبث .. وهو يقترب منه أكثر ..
: أجل يناسب إيش؟_ليغمز لها وهو يكمل_و حنا نسويه
زفرت نفساً لخيبتها خرج من صدرها مرتجفاً .. و هي تشيح بوجهها عنه .. لا ترغب بالإلتفات له .. و هي تشعر بوجهه بهذا القرب .. تلفح خدها أنفاسه الهادئة .. في حين تجاهد هي نبضات قلبها .. و أنفاسها المتخبطة من قربه ..
صمتت حتى وصلها صوته الهامس .. العميق ..
: ممكن أعرف قبل القفزة الهائلة اللي نطيتي فيها للطلاق..أنتي من الأساس زعلانة ليه؟

هذه المرة التفتت بغضب إليه .. في رأسها مئات الكلمات التي تريد أن ترميها بوجهه ..
لكن تلك المسافة المتلاشية بين وجهيهما .. بددت كل الكلمات من ذهنها ..
نظرتها التي صوبتها عليه .. ذاب غضبها بتلك النظرات الخادرة التي يخترق قلبها فيها ..
أي قوة تريد أن تتسلح بها أمامه .. و هي بهذا القرب الخطر بين ذراعيه .. و خصلات شعرها تنام على كتفه ..

لكنها لم تحتاج لأكثر من السلاح الذي حاربها به .. لترتد عليه به .. فحين احست به يقترب منها أكثر ..
شعرت بإرتخاء يديه من حولها .. لتفك قيدها سريعاً ..
و تنهض واقفة توليه ظهرها .. لتسيطر على مشاعرها دون تأثير قربه .. لتكمل حربها معه .. التي لا يبدو أن أحداً يجاهد فيها غيرها .. لتعترف بضيقها .. و مخاوفها ..
: أنت ما تحبني و لا تبيني..و لا كلفت على نفسك تخفي هالشيء !
أتاها صوته مثقلاً بالملل ..
: دانية أنتي بنت عمي...و عمري ما كرهتك و لا فيه أي سبب يخليني أكرهك..و أنا اللي من نفسي خاطبك فوشلون ما أبيك..ممكن أفهم؟!
لتلتفت عليه .. ترد عليه بإستنكار .. من خانة إبنة العم .. التي يحشرها فيها ..
: يعني شعورك ناحيتي قبل الزواج و بعده واحد ما تغير !
تنهد .. ليجيبها بكبرياء مستفهم ..
: صرتي زوجتي..و أقرب شخص مني..وش المفروض يتغير أكثر من كذا .. وش درجة الحب اللي المفروض أوصل لها عشان ترضيك!

يالقسوته .. وهو يرمي كلماته بإهمال و لا مبالاة عليها ..
أيخبرها أن الحب من أجلها ترف يجب أن لا تطالب به .. بعد أن حصلت على شرف أن تكون زوجته فقط !!

:لا ترسمين في خيالك أحلام و تلوميني إني ما جيت على مقاسها..أنتي تعرفين شخصيتي و تصرفاتي قبل نتزوج..و وافقتي علي..مو معقول إنك كنتي متخيلة إني بأنقلب قيس ابن الملوح يوم تزوجتك

فجأة أصبحت هي المذنبة !! لم تستطع أن تتحدث ..
إن كان يستكثر عليها الحب بهذه الصراحة !! كيف ستلومه على صمته طوال الوقت معها ؟
كيف تلومه على عدم إهتمامه بما يحدث معها ؟
بعدم إتصاله بها...و إفتقادها حين يخرج طويلاً عنها ؟
بعدم إنتباهه لكل ما تغيره في نفسها...و في بيتها من أجله ؟
كيف تلومه حين لا يصل إلى قلبه كل ما تنثره حوله من مشاعرها...و إهتمامها...و حبها...

: قلتي لأحد عن السبب اللي خلاك تزعلين! تقدرين تقولين لهم السبب اللي خلاك تطلعين من بيتك بدون شوري و لا ترجعين! أكيد لا..أنتي بس سكتي و عارفة إنهم بياخذون صفك..و يتخيلون إني أكيد مخطي عليك..تشوفين هالشي أستاهل تسوينه فيني!

هل أصبح هو صاحب الحق الآن !!
هل كان الخطأ خطأها حين حلمت بحياة مختلفة معه ؟
هل يجب أن تعيش وفق ما يرغب و يناسبه .. و لا تطالب بأي تغيير فيه ..

: دانية أنا عارف إنك تعودتي تكونين محط إهتمام أهلك و كل اللي في البيت..و عارف إن اللي بقلبك يبين على وجهك..بس اتمنى تكون حياتنا شي خاص فينا..بيننا مابي تدخلين أهلك مرة ثانية..ترى مو دائما بأقدر امسك أعصابي و اتحمل أكون أنا الغلطان.....

أعلن لها بكل وضوح أنه لم يحبها .. و أنه حتى لن يحبها ..
يجبرها أن تتقبله كما هو و لا تطمع أن يتغير من أجلها ..
أخبرها بسخافة مشكلتها .. لمّح لها أنها لن تجرؤ أن تخبرها لأحد .. و هذا حقاً ما فعلته ..
و لم ينسى أن ينصّب نفسه الضحية .. أن يلفت إنتباهها لصبره عليها .. و أن يذكرها بنتائج تكرار فعلتها ..
نفث كلماته بكل خبث .. و هدؤ .. وهو يراها بتلك العينين اللتين لا تشيان إلا بما يرغب إظهاره ..

: ليه ساكتة؟ فيه شيء خطأ بكل اللي قلته؟
ردت بهدؤ محاولة بأقصى جهدها منع دمعاتها من الهطول ..
: الخطأ أنا اللي بأصلحه بعد اليوم !
ليسأل بشك هازيء ..
: و ممكن أعرف وش نوع الأفكار اللي طلعت براسك اللحين!!
أجابته بإستخفاف .. و حزن ..
: مو ضروري تعرف...المهم إنك ترتاح
لكنه أصر بعناد ..
: لا ضروري أعرف لأن بعد طلعتك من البيت بدون سبب يستاهل..و بعد الطلاق اللي كنتي تبينه..معليش مو ضامن القنبلة الثالثة اللي بتفجرينها بوجهي المرة الثالثة
حدقت فيه بغضب ..
: و المطلوب!
اقترب قليلاً منها .. ليتكلم بجدية .. و أمر ..
: المطلوب أبي نعيش بهدؤ بدون اكشن ماله داعي تدخل فيه عائلة حماد بكبرها
تساقطت الدمعات التي كانت تحبسها .. فقد تعبت و هي تدعي قوة أمامه لا تملكها ..
: هذا اللي يهمك بس!!
زفر بضيق .. وهو يتأمل تلك الدمعات التي تناثرت على رقة ملامحها .. ليشدها و يأخذها بين ذراعيه ..
: يا كثر اللي يهمني
لم تفهم من تعليقه أي شيء .. و هي تحاول الخلاص منه .. ليشد على إحتضانها أكثر .. فتتسرب الدموع من عينيها أكثر ..
كان يحتضنها بلطف .. يده تداعب شعرها بوداعة لا تشبهه .. حتى كادت تغفو بين ذراعيه .. فهمست بحيرة ..
: اتركني
همس لها مؤنباً ..
: إذا وعدتيني توقفين بكي
أجابت بغيض ..
: خلصت من زمان

احست بالغيض أكثر حين سمعته يضحك .. و كأن كل تلك الأحزان التي تملأها تسليه .. وهو يتعامل معها بهذا الترفع و البرود ..
أطرق برأسه ليدفن وجهه بخصلات شعرها الحريرية .. الغارقة برائحة الياسمين و المسك .. ليطبع قبلة مطولة على رقبتها .. و يبتعد عنها قليلاً ليرى ملامحها ..
: خلينا نرجع البيت
لتحدق بتلك العينين الآسرتين ..
: أي بيت
عقد حاجبيه وهو يجيبها ..
: بيتنا يعني أي بيت
لتجيبه مصححة ..
: ايه قول بيتنا..عشان ما يكون أي بيت! مستكثر تنطق شي يجمعنا مع بعض
تنهد بإستعجاب ..
: يا الله على الدقة اللي تحاسبيني عليها! بتلوميني اللحين على حرف طيرته!
لترد بحزن لا يفهمه ..
: مو الحرف...المعنى اللي وراه
مط شفتيه ساخراً .. وهو يداعب أنفها ..
: أووف على هالفلسفة ..يلا خلينا نروح للبيت عشان تعرفين وش كثر اشتقت و ش كثر مفترية علي بغيابك

خرجت من عنده .. و إحساسها يتوه بدوائر متناقضة ..
لا تحمل تفسيراً أو معنى لكل ما تحس به معه .. أو ما سمعته منه .. أو حقيقة شعوره إتجاهها ..
تهيم هي في عالم بعيد عنه .. و عن ما يهمه .. و لا تعلم كيف سيستمر بهما الحال ..
هل لإبتعاد أو إقتراب سيمضيان ؟؟

~*~*~*~

 
 

 

عرض البوم صور ماكينو   رد مع اقتباس
قديم 16-05-23, 05:30 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 99255
المشاركات: 11
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماكينو عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماكينو غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماكينو المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية في أروقة القلب إلى أين تسيرين للكاتبة أغاني الشتاء

 

اتمنى يكون فيه تفاعل حلو .. عشان أكمل

 
 

 

عرض البوم صور ماكينو   رد مع اقتباس
قديم 03-06-23, 09:59 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 268097
المشاركات: 2
الجنس أنثى
معدل التقييم: الريم مساعد عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 15

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الريم مساعد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماكينو المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

رواية رائعة كل شخصية وراها قصة
بانتظارك

 
 

 

عرض البوم صور الريم مساعد   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:17 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية