[..الجـــزء الرابــع..]
,, حينـمـا ننـدم ~
.
تأتي مواسم الندم .. شاحبة .. مصفّرة .. متأخرة ..
بعد أن نضجت أرواحنا من الخيبات .. و الألم ..
ذاب عظم الرجاءات .. فلا نجد أصابعاً .. لتعضّ عليها حسرتنا على ما فات!!
تُخالفنا عجلة الزمن .. نعلق في خريفٍ نتساقطه أسفاً ..
فلا يتبقى فيه للربيع .. أمـلاً ..
♥♥
كانت تجاهد طوال البارحة .. في محاولة طويلة .. متعبة .. لجلب النوم لأجفانها المرهقة .. لكنها لم تغفو للحظة .. لم يتركها القلق للحظة ..
و مع مرور الوقت تتزايد داخل روحها الهواجس .. و الخيالات ..
إنه صباح مختلفٌ جداً عن كل ما سبقه .. إنها مرحلة جديدة تخطوانها اليوم .. ليعبر صغيرتها ألم الحرمان من جديد ..
:: ::
كانتا قد ذهبتا للتسوق البارحة مع عمها ليحضر لها الكثير ما تحتاجه و مالا تحتاجه .. و حين عادت وجدت حتى سحاب و مزن أغرقتاها بكل تلك الأغراض .. اللطيفة .. الزاهية .. ليثقل الإمتنان بقلبها أكثر و أكثر .. و زوجة عمها أيضاً لم تنساها و تحضر لها كل ما تحتاجه حين خرجت مع فارس ..
كل ذاك الإهتمام كان قادراً على رسمة ابتسامتها بحنان و هي تتذكر الفرحة التي ملأت وتين ليلة البارحة .. حين جلست بحماس تقلّب أغراضها المدرسية الكثيرة .. المتناثرة بين يديها .. تحتار أيهم تأخذه في يومها الأول ..
: ماما...متى اروح المدرسة؟
: خلاص بكرة حبيبتي بتروحين ؟
حاولت أن تحسب الوقت المتبقي في ذهنها .. لكن رفرفة عينيها .. و إنعقاد حاجبيها الرقيقين .. أنبأتها بسؤالها التالي ..
: يعني كم باقي و يجي بكره ؟
ابتسمت وهي تشرح لها ببساطة كما اعتادت ..
: يعني اللحين تتعشين و ننام ونصحى..و يصير بكره
اتسعت إبتسامتها .. و هي تصفق بيديها ..
: ياااااي قريييب !
كانت تبتسم معها سعيدة بفرحتها .. لكنها للمرة الأولى لم تكن تشاركها حماستها ..
رهبة كبيرة تأسر قلبها و هي تتخيلها تُمضي كل تلك الساعات بعيدة عن هذا البيت و حمايتهم لها ..
:: ::
و هاهي الآن منذ الفجر و نبض قلبها يأبى أن يهدأ .. تروح و تجيء في الغرفة بوجوم .. و هي تجهز أغراضها بحرص شديد كي لا ينسى عقلها الشارد شيئاً..
و يداها اللتان كانتا كقطعتا ثلج .. بدأتا ترتجفان بشدة .. حين بدأت تجهز حقيبتها المدرسية .. و كل شيء يغدو حقيقياً أكثر فأكثر ..
منذ اليوم .. تعيش تجربة تخشاها بـ قدر ما تترقبها ..!
منذ اليوم .. ستخطو صغيرتها خطواتها الأولى في درب الحياة الحقيقية ..
سيتسع عالمها الصغير الذي احتوتها ست سنوات فيه .. حيث لا تغيب عن عينيها .. تحاوطها الروح كل وقت ..
لكن اليوم تغادر أسوار محبتها .. و خوفها .. لتعرف عالماً أكبر .. يذكرها بـ حرمانها أكثر ..
ستكبر .. ليكبر إدراكها .. و تكثر أسئلتها التي لن تظل تصدق تلك الإجابات الساذجة .. التي كانت تطبطب بها لطفاً على حرمانها ..
كم تخشى من ذاك الرابط الواهي بينهما .. أن يأتي يوماً و تراه حقيقة .. لا تعرف كيف ستعيشها من جديد !!
لا تتخيل لحظة قد تصادف فيها عيني صغيرتها .. حين تعرف حقيقة النكران الذي تعيشه طوال تلك السنوات ..
تتمنى فقط لو أن الحال يظل بها .. إلى هذا الحد من الوجع .. فلا طاقة لقلبها الراكد ألماً بين أضلعها .. بوجع آخر ..
لكن هواجسها المرعبة نحوه لا تنفك تعصف بها منذ الأمس ..
و ذاك الإسم يتسرب من تلك الأوراق ..
يعبر ذعر قلبها ..
و يشتت طمأنينته ..
لتتكثف بروحها تلك الذكريات المرعبة ..
فتخنق أنفاسها .. و يتلاشى نسيانها و ثباتها معها ..
زفرت بوجع حارق الخسائر الهائلة .. التي مضت بحياتها و لم تمضي يوماً من روحها ..
و هي تحدق طويلاً بإسمها الكامل .. حتى تساقطت دمعاتها الثقيلة .. و هي ترى نفسها تضطر أن تعترف به من جديد ..
(((( وتين رياض حمّاد الـ ......))))
يدك قلبها الوجع .. و هي تتحسس بأناملها ذاك الإسم .. لتأن روحها وجعاً .. و كأنها تنكأ جرحاً ملتهباً بنزفه ..
فتنساب دماء أيامها معه .. لتذكرها بالمرار الذي زرعه جذوراً راسخة في حياتها ..
~*~*~*~
كانت للتو قد وصلت إلى مكان عملها .. لتقطع ممرات الطواريء .. ترد التحية على جميع من تقابله ..
أطباء .. أو زملائها من ممرضين و ممرضات .. و العاملين أيضاً .. الكل يعرفها هنا ..
إنها صمام الأمان للجميع حتى في عملها .. تفرض لنفسها شخصية تسكن القلب .. و تحصل على تقديره ..
الجميع يحبها .. الجميع يحترمها .. الجميع يحتاجها ..
قريبة من الجميع .. لكنها رغم ذلك وضعت حدوداً للتعامل معها لا أحد يجرؤ أن يخطو عليها ..
دخلت إلى غرفة الممرضات ..و حالما ارتدت معطفها الأبيض .. رأت تلك المتدربتين التي تشرف عليهما .. تدخلان ..
: صباح الخير رتيل
أجابتهما بإمتنان ..
: صباح الورد...ماشاءالله عليكم اليوم جايين قبلي حتى
لترد إحداهما بمحبة ..
: كلش و لا زعلك يا قلبي...و مدلعينك و جايبين لك أمريكانو عشان تروقين علينا
مدت يدها لتلتقط كوب القهوة الذي قدمته لها .. شاكرة .. و هي تبتسم حين تذكرت تلك المحاضرة التي ألقتها عليهما في الأمس بسبب تأخرهما الدائم .. الحمدلله هذه المرة يبدو أن المتدربات يملكن شخصيات ألطف .. من سابقاتهن .. و اللاتي كانت تتتجادل معهم يومياً .. حين يرفضن حتى أي ملاحظة تقدمها لهن ..
رشفة واحدة دافئة هي ما حصلت عليه من تلك القهوة .. قبل أن يصل إلى مسامعهم نداء فريق الإصابات .. معلناً قدوم الكثير من الحالات الحرجة .. التي أصيبت في حادث تصادم بين سيارتين ..
ألقت بالكوب على مكتبها .. و هي تلتفت لترى أعينهم يملأها الذعر ..
: لا حول و لا قوة إلا بالله..يله بنات
و ترك الكل ما كان يشغله و هم يتوجهون جميعاً إلى ردهة الطواريء ..وصلن جميعهن ليقفن صفاً واحداً ..
زفرت نفساً قوياً و هي تستمع بتركيز و إنتباه لتعليمات الدكتور المشرف على الطواريء .. وهو يؤكد عليهم فرز الحالات و التعامل معها بحسب درجة خطورتها .. ليبدأوا بسرعة في علاجها ..
بدأت تلك الممرات .. تستنفر بالأطباء و الممرضين .. و الحالات تصلهم مع المسعفين تباعاً ..
و بعد لحظات امتلأت المقاعد .. و الممرات بالوجوه المفزوعة .. نظرات تحمل شك الفقد الموجع .. و بعضهم أجسادهم تحمل بعضاً من دماء أهلهم و أحبائهم ..
كان اسمها يتردد كثيراً على ألسنة الكل .. و هي تنتقل سريعاً للمساعدة في كل ما يحتاجونها به ..
نظراتهم تتعلق بها في كل حالة .. فهي معروفة لديهم بصلابتها .. و إحكام عقلها و إنفعالاتها في هذه الظروف الصعبة ..
لا ترعبها تلك الدماء الدافئة التي تعبر أصابعها كل يوم ..
لكنها مازالت لم تتخلص من رعب تلك الدماء الباردة التي أريقت بعيداً عنها !!
للآن تغرق بذاك الذعر .. و هي تتخيل لحظاته الأخيرة ؟؟
تكاد تشعر برفرفة قلبه حين توقفت .. و كأنها للآن تضمه في صدرها ..
يرعبها شعور تتخيله لنبضاته و هي تتوقف فجأة .. فيعتصر الوجع أضلعها التي عجزت أن تحميه ..
لتتصلب مشاعرها بقسوة .. تتضخم فلا يسعها حزن أو ألم ..
عقلها الغارق بمرار الذكرى التقط تلك الأصوات التي علت بجانبها .. لترفع عيناها الشاردتان للحظة .. تتابع بإهتمام تلك المتدربتين الفزعتين .. اللتين بدأتا تائهتين في أول حالات حرجة تصادفهما .. و لسؤ حظهما كانت الحالات كثيرة ..
اقتربت منهما حين كان أحد الدكاترة يصرخ بإحداهما .. و التي بدى أنها لا تعي ما يقول حتى ..
و بدأت ترشدهما لما يجب أن تفعلانه بصوت هاديء حازم ..نظراتها الواثقة بهما بثت الطمأنينة في فزعهما .. مجرد وجودها قريبة منهما .. جعلهما تهدآن قليلاً .. و تبدأن بإستيعاب ما يجب عليهما فعله ..
:
:
مرت على الحالتين .. التي وصلتا قبل الحادث .. لتتأكد من علاماتهما الحيوية .. و إستقرارهما .. و حين كانت ستخرج من الحالة الثانية .. اعترض طريقها هذا الرجل ..
: هيه أنتي...وين رايحة؟ بنتي ماجاها الدكتور للحين بس هالممرضات يدورون عليها
ردت عليه بهدؤ .. رغم إرتفاع صوته و حديثه معها بوقاحة ..
: تطمن حالتها مستقرة..و إن شاء الله الدكتور بيجي اللحين يشوفها بس....
كانت تحاول طمأنته .. حين انتفضت و رجعت خطوة للوراء .. وهو يقترب منها بغضب يصرخ بها ..
: و أنتي مين عشان تشخصين حالتها!! تراك قطعة ممرضة لا رحتي و لاجيتي..يله روحي نادي الدكتور أو ارفع فيك شكوى
كانت سترد عليه .. تعلم جيداً كيف توقف هذه الشخصيات المتطاولة .. الوقحة عند حدها ..
لكنها رغم ثقتها لم تحتاج يوماً أن تقف وحيدة تدافع عن نفسها ..
فمكانتها عند الجميع .. جعلتها بعيدة عن التعامل مع هذه المواقف بنفسها .. لذا قبل أن تتمكن من الرد .. و جدت اثنين من زملائها قد هبا بلحظة ليقفا بينه و بينها .. ليلتفت عليها أحدهما بذات نظراته المهتمة التي لم تخيب بها .. رغم رفضها له ..
: رتيل حنا بنتفاهم معه...روحي كملي شغلك
:
:
بعد هدؤ الأوضاع حولها نسبياً .. قررت الذهاب هذه المرة هي لإحضار قهوة لهما .. بدل تلك التي لم يتسنى لهن شربها .. و حين مرت من أمام زميليها .. توقفت لتسأل بإهتمام ..
: وش صار مع الرجل؟ عسى ما سوى لكم مشكلة؟
و رغم أنهما قضيا وقتاً طويلاً بمجادلته .. و وقتاً أطول في تلك الشكوى التي رفعها فيهما مدعياً أنهما تهجما عليه .. إلا أن اسمها لم يعبر تلك الشكوى .. كما لم يخبرها بذلك الآن .. كي لا تضيق .. و لا تقلق ..
: ماصار شي لا تهتمين...الله هداه و هجد
تنهدت براحة ..
: زين الحمدلله
تركتهما و عينا أحدهما مازالت تتبعها بشرود .. قبل أن يقاطعه صوت زميله الساخر ..
: إلى متى مسلسل هالنظرات يعني!
رد عليه بيأس ..
: وش تبي اسوي يعني؟ خطبتها و رفضت...و مع رتيل ما فيه مجال تسمح لي اقترب و أوضح أكثر من كذ!
~*~*~*~
ها هي أصبحت في سنتها الجامعية الأخيرة .. طالبة تدريب في قسم رياض الأطفال .. و بقدر ما ستشتاق لزميلاتها .. و ذكرياتهن في أروقة هذه الجامعة .. بقدر ما تشعر بالحماس و الترقب .. لأيام التدريب .. و التفاعل مع الأطفال .. و تعليمهم ..
خرجت باكراً قبل صديقتيها من محاضرتهن الأولى .. لتجلس في إنتظارهما .. قبل أن يأخذها الشرود و هي تتأمل صوره المحفوظة في هاتفها ..
أحست بإقتراب إحداهما .. لترفع رأسها لها .. تسأل عن صديقتهما الأخرى ..
: وين لوتا ؟
جلست بجانبها و هي تجيبها ..
: راحت تشوف مين من البنات في قسمنا بيكون معها في التدريب الميداني
مطت شفتيها بضيق ..
: خسارة ليتها معنا في نفس الروضة! ما اتخيل ثلاث أيام في الأسبوع ما نشوفها
ضحكت و هي تجيبها ..
: ههه اسكتي لا تذكرينها..من حالها الدموع تملأ عيونها كل ما اطريت قدامها التطبيق و تذكرت إننا بنكون سوا و هي لحالها!
ردت عليها سحاب بجدية .. مصطنعة ..
: يوم أقولها تتزوج أخوك بس هالسنة عشان تكون نفس حيّنا و تسجل بروضتنا هي معاندة
اعترضت صديقتها ..
: والله خليتوا أخوي تذكرة كل وحدة تبغى تجي عندي طقته وجات
ابتسمت لها ببلاهة ..
: هههه آخر سنة خلينا نستغله على الآخر
لكنها لم ترد على مزاحها .. و هي تركز نظرها عليها بإهتمام .. لتسألها ..
: ما قلتي وش أخبارك أنتي؟ وش إنجازاتك في الإجازة ؟
ابتسمت بسذاجة كبيرة .. لكن بفرحة صادقة .. و هي ترفع هاتفها في وجه صديقتها ..
: صارت عندي له صورتين
نظرت لذاك الرجل .. الذي يبدو أنها التقطت صورته المشوشة هذه .. من إحدى الفيديوات المرسلة لها ..
: تدرين بوحا أنا دايم كنت أظن إنك خبلة و على نياتك..بس طلعتي غبية و ما تدرين وين ربي حاطك!
نظرت لها سحاب بغيض .. و هي تغلق هاتفها .. لكنها أكملت بجدية و لم تأبه لها ..
: معليش بوحا بس ماني قادرة اشوف هالحب منطقي!!...و لا ظنيت أهلك بيقتنعون فيه و لا أحس هو بكبره بيفكر فيك
تقوست شفتاها للأسفل بحزن ..
: ياساتر على التحطيمات! حشى دخلتي قلوبنا كلنا و عرفتي وش نفكر فيه!!
أجابتها بجدية معتذرة ..
: سحاب أنا مابي السالفة تكبر بقلبك عشان ما تتحطمين
تنهدت ضائقة .. و هي تدافع عن نفسها .. رغم أنهاتناقض أفكارها .. و مشاعرها ..
: أحد قال لك إني واقفة على الباب انتظره يخطبني؟!
ارتفع صوت صديقتها بحدة قليلاً ..
: أجل أحلام اليقظة اللي أنتي فيها لك سنة؟ ليه؟ هدر مشاعر و السلام!
أجابتها بإستسلام ..
: مشاعر! هذا أنتي قلتي...يعني مو بكيفي أوجهها هي تجي كذا
أكدت لها ساخرة ..
: ايه بس أنتي يوم عن يوم صرتي تتعلقين فيه بزيادة! و معطيه قلبك العبيط جوه على الآخر!
رفعت كتفيها متسائلة ..
: وش المفروض اسوي يعني؟
تحدثت بجدية لعلها تقنعها ..
: تمسحين هالصور..و لا تفكرين فيه..و تتذكرين انه مطلق و عنده بنتين و لا راح تكونين خيار قدامه أبداً..و إن بينكم 15 سنة!! و إذا كانت شخصيته مثل اللي تتكلمين عنه صدق...أكيد ماراح يفكر فيك أبداً
وقفت لتتركها بعد أن ملأت قلبها ضيقاً .. تتحاشى التفكير به ..
: يا كرهي لك يا نينو! بأروح اجيبلك ماء أكيد نشف ريقك بعد هالمحاضرة الطويلة
تركتها ضائقة .. يؤلمها أن كل حديثها .. أقرب للحقيقة من كل تلك الخيالات البعيدة التي تجمع هي نفسها به ..
معها حق .. لا أحد سيرى هذا الحب .. كما تراه هي .. حتى هو .. بالذات هو !!
لكنها لا تهتم .. سعيدة هي فقط بمشاعرها .. و لا تريد أن تفكر بالنتائج .. لذا لا تفكر أبداً في التخلي عنه .. أو اليأس من أحلامها به ..
فهو كان و مازال ذكرى هامة جداً في حياتها .. شخص عزيز عليها .. لا يخلو عمرها من أي ذكرى جميلة لها معه ..
كان و مازال .. أسطورتها البطولية .. مواقفها معه منذ الطفولة .. تعلو به في سماء روحها .. حتى تبعده عن أي واقع أو حقيقة ..
:: ::
كانت تبكي وحدها في مدخل بيت جدها .. بعد أن تركتاها غزلان و صبا خلفهما .. و ذهبتاإلى بقالة الحي مع مروان .. الذي رفض أخذها معهما .. بحجة أنها مازالت طفلة .. كانت قد صرخت به تخبره أنها بنفس عمر غزلان و صبا .. و لها من العمر اثنتا عشر سنة مثلهما .. و لكنه بالحكم على قصرها .. و ملامحها الطفولية جداً لم يكن يصدقها .. و يعاملها كالكل .. كطفلة مازالت لم تتعدى الثامنة بعد !!
حين وقف حاتم بالقرب منها .. يحني قامته المديدة .. كي يتأمل ملامح وجهها .. و عيناها الباكية .. بعينيه العذبتين .. المهتمتين دوماً ..
: وش فيها حلوتنا سوسو تصيح ؟
غطت عينيها بيديها بإحكام .. فكم كانت تكره بكائها السريع .. الذي يثبت إتهام الطفولة الذي يدينونها دوماً به .. لتصرخ به ..
: مالك دخل روح عني
كانت غاضبة و لا تريد أن تتحدث معه هو بالذات .. لأنه يعاملها دائماً كطفلة .. ليصلها صوته الحاني متسائلاً ..
: أروح أنادي لك أختك التوأم؟
كان قادراً على جذب إنتباهها .. لتبعد يدها .. ترمقه بإستغراب .. قبل أن تكشر بملامحها ..
: كذاب ما عندي أخت توأم
رفع حاجبيه بصدمة ..
: كيف ما عندك أخت!! .. فيه وحده تشبه لك عند الباب تعالي شوفيها
كان يتكلم بجدية .. و بسذاجة الأطفال صدقته و خرجت معه ..
و هي تمحو على عجل دمعاتها المنسابة على خديها المتكورتين .. لترى تلك الأخت التي يدعي أنها تشبهها ..
لتقف في الخارج بجانبه .. تدور عيناها المتسعتين بأهدابهما المبتلة .. في المكان الفارغ .. لتعبس بغضب تلتفت إليه نظراتها تتسائل عن كذبته ..
: ووووينهاااا ؟
لتراه يشير إلى زهرة صفراء متفتحة بلون فستانها الذي ترتديه .. فترتسم الإبتسامة على شفتيها الرقيقتين .. و هي تراه ينحني ليقطف لها تلك الزهرة .. و يمدها لها بإبتسامته الدافئة ..
: خوذيها معك لا تخلينها لحالها
:: ::
كانت تقف في الحي .. بالكاد تحشر نفسها بين شحود الأطفال .. الذين يفوقونها طولاً .. و قد تجمعوا بحماس لمشاهدة .. تلك الألعاب النارية .. التي يطلقها خوالها في ليلة العيد .. لكنها وسط هذا الزحام كانت لا ترى سوى .. أنوارها البعيدة البسيطة .. التي كانت ألوانها تخفت سريعاً .. حين ترتفع عالياً بالسماء ..
كشرت بضيق .. و عيناها كعادتها تجمع الدموع لآليء تلتمع بهما .. لتبتعد عنهم .. تريد العودة إلى بيت جدها .. حين صادفها حاتم ..
اعترض طريقها .. ليقف أمامها .. ينحني كعادته ليتأمل ملامحها .. و عينيها التي ما إن رأته حتى تدحرج دمعها كالبلورات على خديها ..
: وين رايحة الحلوة سوسو...لا يكون خفتي!
صرخت به و كأنه السبب .. في قصر قامتها .. و هي تتعداه غاضبة ..
: مااااا أشوووف شي! كلهم طوال .. غفصوووني
بالكاد تعدته بخطوات بسيطة .. قبل أن تشهق .. و قدميها تطيران عن الأرض .. لترى نفسها تجلس فوق أكتافه .. و يعود بها إلى ذاك الجمع .. الذي أصبحت تفوقهم بالإرتفاع .. لتصرخ بفرح و حماس .. تهذر له بكل تلك الألوان التي تراها .. بفضله ..
:: ::
ابتسمت لتلك الذكريات البعيدة .. و لكل ذكرى عبرتها معه .. ملأ بها قلبها إحساساً دافئاً بإهتمامه .. و حديثه .. و نظراته ..
إعجابها به قديم جداً .. بدأ منذ سنوات طفولتها .. حيث كان دائماً شخصها المثالي .. بطلها في كل لحظة ضعف تمر بها ..
لطالما كان شعورها نحوه أبيضاً .. لا تلونه أي خصوصية بها .. أو بقلبها ..
كان مجرد ترجمة واقعية أمامها لكل ما قد تحبه في رجل .. تحب أن تسمع عنه .. تحب مراقبة ذاك الود الذي يفيض من صوته .. و نظراته ..
لكن بعد طلاقه .. بعد أن شهدت إنكسار شيء غالي عليها ..انحرفت كل طرقات القلب إليه .. و كأنها أخذت على عاتقها حمايته من ألم جديد ..
كانت تتمنى لو تفتح بقلبه نافذة إطمئنان صغيرة .. إمتناناً لتلك النوافذ الزرقاء التي طالما فتحها بروحها .. بعطفه .. و محبته .. و إهتمامه ..
و شيئاً فشيئاً بدأت ترتبك مشاعرها إتجاهه أكثر .. بدأ قلبها يقلص تلك السنوات الطوال بينهما .. لتراه القالب الأمثل الذي سكبت به جميع مشاعرها .. و أحلامها .. و خيالاتها ..
~*~*~*~
نزلت تتمطى بملل ..لتدخل إلى الصالة التي اكتملت حلتها الجديدة .. و التي لم يمضي على سابقتها سوى عام واحد .. لتبتسم بتثاقل تجامل إبتسامة والدتها المتسعة .. الفخورة بما حولها ..
: وش رايك في ذوق أمك؟
أجابتها ببرود ..
: أكيد حلو
جلست بسكون شاردة .. و عيناها تتابع والدتها التي تروح و تجيء أمامها .. و هي تأمر تلك الخادمة أن تنقل قطعة
ديكور لتبدلها مكان الأخرى في محاولة لإيجاد التنسيق المثالي الذي تحلم به ..
عاماً بعد عام .. يتقدم أبيها في عمله أكثر .. ليرتقي مستواهم الإجتماعي أكثر .. فتخسر أوقاتها مع والدها .. والدتها أكثر فأكثر ..
تحس بتفكك عائلتهم .. إنفراط إهتمامهم ببعض .. و كل واحد منهم يبني له عالماً لا يمت للآخر بصلة ..
كانت حبيسة أفكارها لوقت طويل .. حتى رأت والدتها تجلس أخيراً لتنظر إليها .. لتتحدث بلا شعور .. ذاك الحديث الذي كانت تكتمه لوقت طويل ..
: ممداك تغيرين ديزاين الصالة! ليه لك أسبوعين من محل لمحل مستعجلة!
أجابتها بحماس ..
: عشان بأسوي عشاء لأم سلطان
عقدت حاجبيها بإستنكار ..
: و مين أم سلطان هذي!!
أجابتها بإهتمام بالغ كعادتها في كل ما يخص والدها و عمله ..
: زوجة واحد يهم أبوك في شغله و اليوم متصل يوصيني عليها
ضحكت ساخرة ..
: ماشاء الله لنا شهر ما شفناه مسافر و متصل يوصيك تقلبين البيت عشان خاطر أم سلطان!!
حذرتها والدتها مؤنبة ..
: غزلان!! وش هالكلام عن أبوك؟
اعترفت بصدق ..
:والله أبوي قربت أنسى ملامحه من كثر سفراته! ودي أفهم وش هالشغل اللي يستدعي هالسفر كله!
أجابتها مصححة .. توجد له من الأسباب ما تستطيع .. و تسخر له مالا تستطيعه ..
: قولي الله يعطيه الصحة و العافية و يخليه لنا..احمدي ربك إنه يتعب عشانكم و طالعة عينه عشان تعيشين أنتي بهالمستوى
ردت عليها بصدق .. ساخر ..
: والله محد طالعة عينه في هالبيت و مهتم فينا غيرعمار.. لا أبوي اللي مانشوفه غير بالشهر مرة و لا غالب اللي مايشوف إلا نفسه و ناسينا
تنهدت والدتها بضيق ..
: عمار مو مطلع عينه و متعبه غير هالنادي اللي ماله داعي...آخذ وقته وجهده...لو يفك عمره منه و يهتم في شغله مع أبوك أحسن
انتفضت بقهر من رأي والدتها ..
: يمه حرام عليك النادي هو المتنفس الوحيد لعمار..وجهه وهو راجع منه أحسن مية مرة من وجهه وهو راجع من الشغل..خلوا أحد في هالبيت يسوي شي يحبه بدون ما نفكر هو بينفع أبوي و يرضيه أو لا...لا تطفشينه عشان خاطر ابوي لا يهج عنا مثل ما هج غالب
حذرتها بغضب منهية الحديث .. و هي تنهض هاربة كعادتها ..
: غزلان لسانك هذا لو يطول مرة ثانية على أبوك بجد أو مزح ترى بأقصه لك
و صمتت مجبرة .. و هي تلوم نفسها على حديث.. من المفترض أنها أيقنت منذ زمن أنه لن يصل إلى أي معنى مع والدتها ..
فوالدتها على إستعداد لتقديم أي قُربان لرضى زوجها .. و الحصول على حبه .. و إهتمامه .. حتى لو كانت تقدمهم هم أبنائها ثمناً لهذا الرضا ..
و هي لا تعرف لماذا مازالت تهتم .. و على ماذا تنوح ؟؟
الكل يحسدها على هذا القصر !
على تلك الأموال التي تصرفها بلا حساب ! على تلك الملابس و الشنط الباهضة الثمن !
الكل يراها تعيش بترف .. لا يحق معه أي شكوى !
و هي تحاول جاهدة حشر نفسها بهذا الإيطار الفاخر الذي سجنوها به .. و يجب أن تحس من خلاله.. و تتصرف حسب قواعده ..
~*~*~*~
فتح الباب ليخرج .. لكنه وقف بحرج .. و صدمة .. وهو يراها تقف قريباً جداً منه .. على آخر عتبات الدرج ..
مطرقة برأسها .. تتأفف .. و هي تعبث بيدها بشنطتها المفتوحة على إتساعها .. يبدو أنها تبحث فيها عن مفتاحها ..
أي شرود يأخذ عقلها .. حتى لا تنتبه لوقوفه قريباً منها .. حتى لم تسمع تكة الباب حين فتحه !!
ارتعش نبض غادر بقلبه .. و عيناه بلا وعي تتابع حركات يديها الحانقة ..
كم تملك سطوة قوية على إحساسه بحضورها .. لتتركه متهيباً .. مترقباً .. لأدنى ردة فعل قد تصدر منها ..
ليحفظ عقله تلك المشاهد .. القصيرة .. البسيطة .. لتتردد بفكره طويلاً .. بلا سبب .. أو معنى ..
يقف قلبه طويلاً .. على لمحات طيف لا يعرف له سوى إسم .. و نبرة جافة .. و نظرات سائمة .. عدائية ..
تجعله دوماً منفي .. غير مرحب بأي قول أو فعل منه !
لكن رغم كل هذا .. لا أحد قادر على أن يصل إلى عمق إحساسه الراكد .. كما تفعل هي ..
رفعت رأسها أخيراً .. لتقابل نظرته الدافئة .. المعتذرة .. نظرة شرسة .. عدائية ..
تجعله يتخيل كل تلك الكلمات التي تتمنى لو تطلقها رصاصاً يفرغ غضبها عليه .. و الذي لا يعلم سببه ..
بلحظة قصيرة .. بعثت بدقات قلبه إلى أقصاها .. تراجع ليبتعد .. مفسحاً لها الطريق للدخول .. وهو يشرح لها سبب وجوده الذي تكرهه .. و ينبهها ..
: فيه عمال في المدخل .. بانتظرهم يغيرون أسلاك الكهرباء......
و كعادتها غادرته بلا إهتمام قبل أن يكمل حديثه ..فهو بالطبع لا يستحق منها نظرة عرفان أو شكر .. أو حتى إيماءة تدل أن هناك شخصاً يحادثها ..
زفر بقوة ..و تذكر أنه كان ينوي الاتصال بوالدتها ليبلغها .. عن سبب مشكلة الماس الكهربائي .. الذي شكت له منه ..
و اتصل بها ..ليتحدث معها للحظة .. قبل أن يسمع صوتها العالي حين دخلت عليها ..
: يمــــــه...قلت لك أنا بأجيب أحد يصلحهم..ليه تدقين على هذا؟؟
تعذرت والدتها بسرعة منهية الإتصال .. أملاً شحيحاً أن لا يكون قد سمع ما سمعه ..
ليتنهد بمرار .. يؤلمه أن يكرهه أحد إلى هذا الحد .. أن يكون مجرد وجوده قريباً منها .. إدانة تجرّده حتى من حقه أن يكون له إسم يعبر صوتها !!
خرج ليقف أمام سيارتها بفضول .. عيناه تتأمل داخلها بشرود .. تلك الكتب و الملفات المتكدسة في الكرسي بجانبها .. و تعلق على مرآتها .. دمية عاقدةً حاجبيها .. ترتدي تيشيرتاً أسوداً .. كُتب عليه كلمة (طز) .. يالهذا المزاج العكر الذي تملكه !!
ليزفر بضيق وهو يعود إلى باحة منزلهم ينتظر إنتهاء العمال .. و هي ماتزال تغزو أفكاره كما تفعل دائماً بلا حق ..
هل هي معقدة هكذا دوماً مع الجميع ؟؟ أم معه فقط؟
هل نبرتها الحادة .. الجافة .. الخالية من أي رقة أنثوية هي صوتها الإعتيادي .. أم أنها تعلن رفضها لتطفله حتى في نبرات صوتها ؟؟
هل يصادف دوماً وجوده أزمة مزاجية تمر بها ؟ أم هي متعكرة المزاج على كل حال؟ أم هو من يستفز ذاك المزاج المشتعل ؟؟
و لما تكرهه إلى هذا الحد ؟؟
لما يغضبها مجرد وجوده قريباً منهم؟؟
لما تستثقله لهذا الحد ؟؟
و سؤال لا يزال يعلق بعقله .. ليستفز قلبه و مشاعره نحوها !
لماذا لم توافق عليه ؟ لماذا لم تعطيه حتى أسباباً يستند عليها أو قد يكون قادراً على تغييرها ؟
أحقاً ! كان على إستعداد أن يتغير من أجلها ؟
لماذا ؟؟
مالذي يعلقه بفتاة قلبها قُدّ من صخر ؟؟
لما يجد شيئاً يسحبه لعمق تلك النظرات المتكدرة ؟؟
هل يفتقد صديقه .. ويرجو أن يجد إمتداداً لعشرته في قربها ؟؟
هل هو الوفاء له .. الذي يجعله يحس بوحدتها من بعده ؟؟
أم أصبح الأمر مجرد هوس يعلقه بتلك الأنثى الغامضة .. الصعبة .. التي ترفضه !!
~*~*~*~
دخلت إلى الصالة لتجد والدتها تجلس وحدها .. تعمل كعادتها على (اللابتوب) الذي بات لا يفارقها كثيراً منذ بدء عملها كرئيسة قسم .. في الإشراف التعليمي العام الماضي .. جلست بجانبها تسأل مستفسرة بعد السلام عليها ..
: ليه البيت هادي ؟ وين أمي اللولو؟ وين البنات؟
أجابتها تهز رأسها هازئة .. فلا إهتمام بالنسبة لها .. سوى في عملها .. و دراستهم ..
: البنات فاضين طالعين مع جدك_لتكمل بإستخفاف_لأن أبوك مستورد له نعام و انجنوا يوم دروا قالوا بيروحون يتقهوون بمزرعته و يشوفونها
أتاها إتصال لتنشغل به .. و هي صمتت تراقب ملامح والدتها التي ظلت لسنوات .. غير مقتنعة .. بعمل والدها في تجارة المواشي .. غير مقتنعة منذ البدء بمؤهله العلمي .. الثانوي ..
هي من تفوقه علماً .. و مركزاً .. لكن يُتمها أجبرها على الإرتباط به .. لتعظم خيبتها به أكثر .. حين رأته بعد كل هذا .. لا يكتفي بها .. و يفضل عليها امرأة لم تكمل تعليمها مثله .. فابتعدت .. لتغرق في حياتها العملية .. و تركنهما على هامش حياتها .. عادت لتسألها حين أغلقت هاتفها ..
: شكلها حتى رتيل رايحة معهم !
أكملت سيل اعتراضاتها ..
: ايه البنت توها جايه من دوامها ماخلوها ترتاح نشبوا لها و راحت معهم...ليه ما قلتي لهم إنك بتجين كان رحتي معهم بعد
أجابتها موضحة ..
: لا أنا جايه عشان حاتم .. بأروح معه ننتقضى أغراض البنات للروضة
سألت بإستغراب ..
: ليه ما قال لي اروح أنا معه!
ابتسمت بحنان و شفقة ..
: رفيف و وريف طالبيني بالإسم
تنهدت والدتها بضيق على حاله .. و حال فتياته ..
: الله يعوضه بأحسن من اللي شافه...لو الله يهديه يرضى يتزوج مو أحسن لحال هالبنيات!
وافقتها الرأي ..
: ربي يرزقه بوحدة تستاهل قلبه الطيب
كانت قد انشغلت قليلاً بما تكتبه .. قبل أن تعود تنظر إليها بتفحص ..
: و أنتي وش أخبارك مع غالب؟
زفرت بأسى .. و ملامحها تغشاها ذات الخيبة التي توجع قلبها معه ..
: لا تسأليني يمه لأنك عارفة إني ما أقدر أكذب عليك..و لا أبي أضيق و أضيقك معي
ارتفع صوتها بعتب .. و هي ترى الملامح اليائسة .. تغيم على رقة ملامحها ..
: دانية لا تخربين حياتك بيدك...اتركي عنك كلام المسلسلات و هالروايات اللي تقرينها...يحبك أو ما يحبك...أبيه يشتاقلي...أبيه يدلعني...أنا متأكدة إن غالب مافيه أي عيب يخليك كل ما جيتيني هنا تتحلطمين كل هالحلطمة! و ينقلب وجهك إذا اطريتيه
تندتا عينيها بالدمع .. و هي تستنكر حديث والدتها الذي يشبه تصرفاته معها .. و حديثه ..
: يعني عادي اعيش معه كأني قطعة أثاث في البيت...يستخدمني حسب احتياجه بس! عشاني موجودة بس!
اتسعت عيناها بغضب ..
: لاحول و لا قوة إلا بالله! أنا مادري هالأفكار كيف تطلع من عقلك! دانية اكبري عاد و يكفي دلع..يعني وش تبينه يسوي أكثر من اللي يسويه!!
قبل أن ترد .. قاطعها دخول زوجة أبيها .. لتقترب منهما .. و ما إن رأت ملامحها الحزينة و قبل أن تسلم عليها .. عاتبت والدتها ..
: وش فيك معصبة؟عسى كل هالصوت العالي لدانية! ليه مضايقتها؟
والدتها تجيب بجدية .. و حدة .. فوضعها و مشكلتها في نظرها باتت سخيفة .. و طالت عن الحد المعقول .. الذي باتت تتوقع منه رد فعل سيء من غالب ..
: خلاص دانية صارت راعية بيت و تعرف تهتم بنفسها...و أنتم للحين إذا شفتوا بعينها طرف دمعة ركضتوا فيها بكل مكان تراضونها..و هاللحين غالب مو عاجبها عشانه بس ما يسوي مثلكم
أجابتها بإقتناع تام ..
: ايه وش حاجته ولد فاهد مايدلعها و يحطها بعيونه!
تهز رأسها بأسف ..
: مو أقولك أكلتم عقلها بهالدلع! -التفتت تؤكد لدانية-كل واحد يهتم و يحب بطريقته..مو ضروري يسوي لك فلم عشان ترضين عليه......
قاطعها إتصال من عملها .. لتتركهم و هي تنغمس سريعاً في تلك الأنظمة و اللوائح التي تشغل فكرها ..
لتلتفت إليها زوجة أبيها ما إن غابت والدتها عنهما ..
: دانية لا تمشين ورى كلام أمك أو بتخسرين حياتك..أمك طيعيها في كل شيء..إلا الرجل لأن من شاف حالها مع أبوك عرف إنها ما يوخذ منها حق و لا باطل بأمور الزواج
اتسعت عيناها بإهتمام .. و هي تسألها ..
: يعني أنتي شايفه إن معي حق..و غالب صدق ما يحبني!
رفعت حاجبها بمكر .. و حماس ..
: و الله إذا ما يحبك...بيدك تخلينه يحبك غصب
ضحكت ساخرة .. لتبتسم بعدها بضيق ..
: أنا! و كيف بأغصبه بس يا خالتي..إذا كل الحب اللي عطيته إياه و الاهتمام ما بان في عينه
: لا تعطينه زود...و تعلمي كيد النساء ترى لا طيبتك و لا صراحة أمك تنفع مع الرجال..
كانت تستمع بعجز لكل ما تسرده زوجة أبيها على مسامعها .. و تدرك جيداً أنها لن تفعل أياً منه ..
أي كيد هذا تحدثها عنه .. تريدها أن تملكه به! لن تستطيعه أبداً !!
هي تلقائية .. تتصرف كما تشعر .. و تعبر عن مشاعرها بوضوح .. و شفافية صرفة ..
لا تستطيع و لا تعرف كيف تزيف خارجها .. بخلاف ما تشعر بداخلها ..
لا تعرف أن تلبس وجوهاً .. غير وجههاَ ..
لا تعرف أن تتصرف إلا بعفويتها .. و طبيعتها ..
و كل هذا لم يجد حماساً و لا قبولاً من جهته ! كل هذا عجز أن يخلق في قلبه أهمية لها!
إن لم يحبها من تلقاء نفسه .. لن تخوض حروب النساء من أجله ..
إن أبى أن يراعيها و يحنو عليها و على وحدتها و شتاتها معه ..
يجب عليها أن تصنع لها درعاً حامياً لقلبها .. الذي رده عليها خائباً .. مليئاً بالتكسرات .. و الخذلان ..
~*~*~*~
عند منتصف الليل .. في سكون المكان من حوله .. راح ينفث أنفاسه المختنقة .. لعلها تخرج من ذاك الصدر القوي .. القاسي .. تصحب معها بعضاً من أدخنة الروح التي تشتعل في جوفه .. لعلّه يرتاح .. ليقوى على الإستمرار بإكتساء ملامح الغموض .. التي لا تشي .. بتلك الأعاصير التي تحوم بعقله في كل حين ..
لزمه عمراً طويلاً .. حتى طوّع روحه .. و أنهى صلاحية مشاعره .. و إنفعالاته ..
و عاماً بعد عام .. بدأت تتصلب هذه الروح أكثر فأكثر ..
فيثقل رداء الصمت .. و الغموض الذي يلتحف به .. حتى يصبح بمعزلٍ عن كل ما حوله ..
لم يبقى بداخله نهارُ و لا ربيع .. لا مطرُ و لا زرع ..
منذ أولى صفعات الخيبة .. تعلم صمت الإنكسار .. فقط ليحمي من خلفه ..
أخذ يستهلك جذور صبره ليقف بثبات ..ليصد تلك الإنتكاسات التي تهدد أمناً يصدقون العيش على كذبته ..
وها هو يرأب بأيادي مستميتة تلك الصدوع التي تتهالك كل يوم بين يديه ..
:
:
انتهت مع إحدى الخادمات التي بقيت معها .. لتجهزا تلك الفطائر .. التي ستأخذها بنان معها إلى المدرسة .. في النشاط الترحيبي الذي سيقيمونه في الغد ..
كانت ستغلق أنوار المطبخ الخارجي .. حين سمعت رنات هاتف تتعالى من مكان قريب في الخارج .. لتخرج من الباب الخلفي للمطبخ .. وتقف على عتبة الباب .. تراه يجلس شارداً ..
منذ ثلاث ساعات غادر جدته .. هل كان طوال هذا الوقت يجلس هنا لوحده ؟؟
و لم تكن المرة الأولى التي تراه فيها يجلس هنا وحيداً .. واجماً .. ساكناً لساعات ..
فهذه البقعة المظلمة الوحيدة في باحة منزلهم .. قلما يمرها أحد .. و يقبع خلفها باب يؤدي للشارع ..
يجعله يخرج دون أن يراه أحد .. بعد أن يقضي إعتكاف صمتٍ طويل .. لا تدري مالذي يصل به إلى هذا الحد !!
كانت ستعود أدراجها .. حتى لا تتطفل على صمته الغريب .. لكن الأوان قد فات .. حين شعر بوجودها .. و رفع رأسه فجأة .. لتتكلم معه بعفوية .. و كأنها لم تكن تسترق النظر إليه ..
:عمار
سأل ليتأكد .. فهو ما عاد ينتبه إلى الفوارق في أصوات بنات عمه .. فهو دائماً غارق في ملكوت بعيد عن الكل ..
: رتيل!
أجابته..لتسأله مستفسرة رغم يقينها بعدم إجابته ..
: ايه..للحين ما رحت! ليه ما رجعت تتعشى معنا
أجابها ببرود ..
: ما كنت مشتهي
دعته برجاء ..
:دامك هنا تبغى اسويلك شيء خفيف
أجاب بصوته العميق ممتناً ..
: لا يعطيك العافية..أنا شوي و بأطلع
سألته بمزاح .. فلم يروق لطبعها المهتم أن يجلس كل هذا الوقت بلا طعام ..
: طيب عصير على الأقل..ترى أعرف أسوي عصيرك اللي تقول غزلان إنه ما ينشرب
لا تدري إن كانت راقت له الفكرة .. أم وافق ليتخلص من إلحاحها ..
: ورينا إبداعك..مشكورة رتيل
أجابت بود لطالما عاملت جميع أبناء عمها به ..
: العفو ما في شي يسوى
حين عادت إلى المطبخ .. كادت تفز .. حين رأت مروان يقف خلفها ..
: بسم الله من وين طلعت؟
أجابها بغرور مصطنع ..
: من علبة الحلويات
لترد عليه ساخرة ..
: ههههه تكفى يا بيتي فور
سأل بجبين مقطب ..
: عمار اللي برا ؟
أجابته ..
: ايه
ليسأل بذات إستغرابها ..
: ليه للحين ماراح؟!
تنهدت بأسى على حاله ..
: مادري..أحس شكله ضايق و يبي يجلس لحاله
لكنه كالعادة مزح بلا إهتمام ..
: اطلع أنكد عليه زود
أطلقت ضحكة قصيرة .. و هي تعاتبه ..
: حرام عليك لا تستلمه
لكنه أكمل هزله ..
: لا يكون قاتل أحد و جاي يتخبى عندنا
لتشاركه هزله و هي تحذره ..
: والله شكلك أنت اللي بيوم بتموت على ايده
بدت للحظة ملامحه جدية بشكل لا يناسبه .. وهو يهمس بضيق ..
: يا خوفي!
قطبت جبينها بإستغراب .. لكنها ضحكت ساخرة ..
: هههه شكلك خفت من جد !
لم يجب .. و ملامح الضيق تتلاشى من وجهه .. الذي تغضّن بإستنكار ..
: وش المطرسة اللي تسوينها لا يكون ماسك!
أجابت مبتسمة .. و هي تضع قطع المانجو و ملعقة من جوزالهند على الحليب في الخلاط .. وسط صيحات إستهجانة ..
: لا هذا سموث بروتين عمار يشربه إذا ما تعشى
أجاب ساخراً .. و عيناه اللتين كانتا تتابعان ما تفعل .. ترتفعان للنافذة لتراقبا ذاك الجالس بوجوم ..
: و أنتي كل شيء تعرفينه عننا؟ لا يكون تعرفين وزني بعد!
التفتت إليه ترد عليه بتحدي .. و ثقة ..
: ايه وزنك سبعين و طولك مية و ثمان و سبعين و فصيلة دمك أو موجب
ضحكت حين رأت التعبير المذهول في عينيه .. قبل أن تفتر شفتيه بإبتسامة غريبة .. و تراه يتحدث بحديث لم يصل إليه أيٌ من معانيه .. حين عج المكان بينهما صوت الخلاط المرتفع .. لحظات و أغلقته .. لتسكب العصير الثقيل في كأس و تمده له ..
:يلا خذ له العصير و الله يعينه عليك و عليه
~*~*~*~
منذ عودته متأخراً .. و هي تجلس على تلك الكنبة .. مستغرقة في قرائة تلك الرواية بين يديها .. و لم تهتم لعودته .. سوى بسؤاله إن كان قد تناول عشائه ..
ليجيبها بنعم .. فلا تهتم لشيء عنه بعد ذلك ..
حين انتهى من إستحمامه .. عاد ليجلس قريباً منها .. و حين لم ترفع عيناها عما تقرأه .. علم أنها تدعي إنشغالها حتى لا تتحدث معه ..
: وش فيك؟
تنهدت بكآبة .. لتجيبه و عيناها لا تمسه ..
: وش فيني! ما فيني شي؟
أطلق ضحكة مستخفة ..
: دام ما تبين تشوفين حتى وجهي...لا واضح إن فيه شي..قولي وش تفكرين فيه؟
هزت رأسها بحيرة .. حقاً لا تفهمه .. لو كانت قد بدأت بالحديث معه .. لكان تهرب منها .. و أشغل نفسه بأي شيء بعيداً عنه .. إذن لما حين تفعل ما يرغب به .. و تبتعد من نفسها .. لا يتركها في حالها .. لذا بادرته بالإتهام ..
: و ليه مهتم تعرف؟ فاضي لهالدرجة!
عقد حاجبيه وهو يسألها ..
: وش قصدك؟
أجابت بعتاب ..
:حتى كلامي صار اللحين صعب عليك تفهمه؟
ليجيبها و عيناه ترتكزان على وجهها ..
: تبين الصراحة ايه..غريب أن تصرفاتك أوضح من كلامك
أجابت بسخرية مريرة ..
: كل شيء واضح يا غالب..بس أنت تتنقى اللي تبي تعرفه
رد عليها بثقته المعتادة ..
: لا يا حلوة أنتي اللي جالسة تتهاوشين معي في مخك! و تجين تحاسبيني عن خلافات أنا مو داري عنها
طبعاً حين يتحدث .. يجب أن تكون هي المخطأة حسب وجهة نظره .. لذا ردت بإستفزاز ..
: ليه على بالك ما عندي غيرك! ترى الكون ما يدور حولك
ليجيبها بغرور ..
: عارف إن الكون ما يدور حولي مو مغرور لهالدرجة...بس أفكارك أكيد تدور حولي...يله قولي وش المشكلة اللي المفروض أكون مسويها بمخك !
تعلم أنه لن يتركها حتى تعترف .. لذا أجابت بصراحة كعادتها ..
:أفكر بكلام أمي و خالتي
هز رأسه ساخراً ..
: يا سلام توسعت دائرة النقاش! تعدينا رتيل و صرت سوالف العمات الكبار بعد!
تأملته بحزن ..
: مو ذنبي إني شايلتك بملامح وجهي
أمال جانب فمه بحيرة ..
: ماراح أخلص من كلامك اللي ما أفهم منه شيء!
لتجيبه بغيض ..
: أنت اللي سألت!
و أكد لها ..
: و للحين اسأل...وش قالوا لك يخليك مكتمة كذا!
و كعادتها أجابت ببساطة .. كل ما حدث معها .. بدون تفكير ..
: أمي تقول إنك رجال ما فيه مثلك و كل شيء فيك كامل و إني اتدلع إذا طنشت كل هذا بس عشانك ما تحبني و لا تهتم فيني و وجودي و عدمه واحد بحياتك!
رد عليها موافقاً .. يعرض لها الحل ببساطة .. و برود ..
: أنتي لو بس تتركين عنك هالفلسفة و لا تطبقين علي الأفلام و الروايات اللي أنتي غرقانة فيها..يمكن أقدر أعجب حضرتك
ردت بدفاعية ..
: الحب يكتسب ما يطلب! و لا تطالبني اعطيك شيء أنت مو قادر تعطيني إياه...و الطريق المسدود اللي وصلنا له مشيناه كلنا مو بس أنا
هز رأسه بعدم إقتناع .. و يأس أنه تقتنع بما يخبرها به .. بتلك الحياة الباردة التي تناسبه .. و يريدها أن تقتنع أنها الحياة الأنسب لهما ..
: و دامك مو مقتنعة بكلام أمك ممكن أعرف كلام خالتك وين وصل معك ؟
نظرت له بتحدي ..
: خالتي تقول إذا ما حبك من خاطره خليه يحبك غصب
استفزتها ضحكته العالية .. و كأن إمتلاكها لقلبه .. شيء مستبعد لدرجة أن حدوثه سيكون أمراً لا يصدق ..
:هههههه ما تلعب أم مروان...و على إفتراضات عقلك الغريب إني ما أحبك..كيف قالت لك بتخليني أحبك؟!
أجابت و عيناها لا تغادر وجهه .. تبحث عن مشاعر حقيقية قد تظهر يوماً على ملامحه المتباعدة ..
: كيد النساء...أشد و أرخي...أزيف مشاعري...أمثل..أكذب..أجامل..عشان أفوز بقلبك
أجاب و عيناه تنظر لها بإمعان .. ليجيب بتساؤل ..
: وليه ما تسوين مثل ما قالت لك..مو واعدتك بالفوز
أجابت بملل .. و صدق .. كان قادراً لأول مرة على رسم الصدمة على ملامح وجهه المتكبرة..
: تبي الصراحة؟ بديت أفكر هل أنا مهتمة أفوز أو لا!!
~*~*~*~
عاد في وقت متأخر جداً من الليل كعادته .. ليكونوا أهله قد ناموا .. فيعفو أرواحم من لهب مزاجه المحترق دوماً ..
ليبتعد كما كان يفعل على الدوام عن أرواحهم الطليقة .. التي لا يستطيع أن يجاريها بقيود ماضيه الأسود ..
بدل من أن يقتله الناس .. أصبح هو قاتلاً لنفسه .. حتى يستطيع أن يحيى بينهم .. بوجه يشبه الأموات ..
دخل إلى المنزل الذي أصبح يسكن فيه وحده .. ليبتعد عن أهله بقدر مايستطيع .. ليبتعد عن الحياة .. و عن أي ذكرى قد يلمحها بأوجههم ..
فلا يقابله في ليله .. سوى وجهه العابس على الدوام .. في ظلام روحه .. في قتامة همه .. في وحدته الممتدة لأعوام ..
تجاوز الصالة الجانبية .. التي تغرق دوماً بالظلام .. كحال ذاك الممر الذي ما عاد يتذكر حتى عدد الغرف .. أو شكلها فيه .. وهو لم يعد يشغل من هذا المنزل سوى قسمه الأيسر فقط .. غرفته .. و مكتبه .. و ذاك المطبخ الذي لا يدخله إلا ليشرب الماء .. لأنه لا يكاد يبقى في هذا المنزل سوى لساعات متأخرة من الليل .. ليهرب نهاراً .. إلى عمله .. إلى الشوارع .. يغرق يومه بالنظر إلى آلاف الوجوه .. لعل روحه تيأس من خلق ملامح لها في كل لحظة ..
دخل إلى غرفته .. و رمى بثقل جسده على السرير ..ليزفر نفساً هالك .. خرج هارباً من ضلوع صدره الصلفة ..
و تلك الذكريات المريرة بقدر ما يهرب منها .. يجدها تتكثف .. و تتكاتف .. لتهاجمه كل حين ..
ست سنوات مضت!! كان يخطو أيامهاً جمراً يلهب عمره ..
ست سنوات و طفولتها المبكرة تتساقط من قلبه .. بلا ذكرى .. بلا ملامح ..
يرصف لها في أراضي روحه .. أحجار قسوته .. على كل تلك القبور التي تملأه بفقدها ..
و يواري ملامحاً لا يعرفها لها .. تحت تراب النسيان . يجثو عليها كل يوم من لومه .. و ندمه ..
لكن تلك القبور أبت أن تطمر .. لتبدو أعمق و أظلم كل مرة ..
تستنزفه كل الوجع .. و الصبر .. و القهر .. و لا تدفن و لا تنسى .. و تأبى الغفران ..
فلا تمره الأيام من بعدها بعدل .. بل تتهاوى من حياته قسراً بلا حق و لا فرح .. و لا معنى ..
لا ينام لحاجة جسده للنوم .. هو منذ زمن طويل نسي أن يشعر بحاجات جسده التي تخلى عن حقه فيها ..
لا ينام حتى يهلك لا وعيه من المشي خلف تلك الخيالات السرمدية .. المفقودة ..
لا ينام إلا بعد تلك الرجاءات بالعفو .. التي يهلوس فيها بينه و بين نفسه ..
حتى يذوب صوته في إتساع مدى مساحات السكون الفارغة من حوله .. وهو يتلو ليلة الفجيعة في كل مرقد ..
فترتجع في صدره نار حسرته اللاهبة .. ليحترق كل ليلة بلا إنتهاء ..
غادرت الحياة روحه منذ وقت طويل .. حتى بات لايعرف كيف مازال للآن يعيش ..
لم يقوى على أن يعود إلى نفسه يوماً .. ليبحث عنها .. أو عن بقاياها ؟؟
لأنه يرتعب من العودة إلى تلك الليلة التي فقدها فيها !!
يحتاج جسداً غير جسده المليء بالثقوب .. ليعرف طعماً للحياة ..
يحتاج ذاكرة غير هذه المحترقة بسقم الذكريات .. لتكون قادرة على إختلاق النسيان له ..
يحتاج نفساً لا يجر معه ذنباً مازال عالقاً بضلوع قهره .. و ندمه ..
يحتاج أن يعود إلى الوراء ..
يحتاج أن يعود إلى الوراء !!
يحتاج أن يعود إلى الوراء؟؟
~*~*~*~