"سيد دورو!" رفعت سارا رأسها فرأت برايس تايلور الذي يوجه كلامه لجاسنتو بهدوء"مهما كان بينك وبين مساعدتي ,فانا ارغب ببعض الإيضاحات "
"هذه الأشياء يصعب شرحها بالكلمات , سيد تايلور "أجابه جاسنتو بتعجرف ساخر "بإمكانك أن تسألها , ستقول لك بأنها سعيدة بـ.... تنشق الهواء برفقتي ".
لاحظت سارا تسارع أنفاس برايس "هل هذا صحيح , آنسة برايس ؟"
شد جاسنتو قبضته على ذراعها . ففهمت انه قد ينفد تهديده , فأبعدت يده عنها وأجابت متلعثمة "أفضل أن أكون معه في أي مكان!". وهربت بسرعة إلى المنزل واختبأت بسرعة في غرفتها تحاول استعادة أنفاسها . لقد انتهى أمرها ,لا بد إن جاسنتو كشف الحقيقة كلها أمام برايس . وانهمرت دموعها .الآن برايس يعرف كل شيء ولن يغفر لها أبداً .
نهضت سارا في اليوم التالي ,واستعدت كعادتها . ونزلت إلى غرفة الطعام وهي شاحبة تنتظر أن تطرد من عملها بين لحظة وأخرى . تناولت فطورها مع أنها لم تكن جائعة . ولكن يجب أن تقتل الوقت بانتظار وصول برايس .
أصبحت الساعة التاسعة ولم يصل برايس بعد . فدخلت غرفة المكتب وعلى الفور لفت نظرها ملاحظة على مكتبها . إنها بخط برايس الذي يقول لها بأنه لا يعرف متى سيصل إلى المكتب , وهو يقوم بمفاوضات مع آل ريبيارو . وقد ترك لها لائحة طويلة من المهام التي يجب أن تقوم بها أثناء غيابه .قرأت الرسالة أكثر من مرة وهي تتساءل متى كتبها .قبل الاستقبال بالأمس ,أم بعده ؟ وبعد تفكير طويل , قررت أن تنتظر وصول برايس .
على كل حال ,لديها ما تشغل نفسها به , فلماذا تبقى ساهمة . وجلست خلف مكتبها وانغمست في عملها ولم تنتهي منه سوى الساعة السابعة مساء , فتناولت عشاءها ونامت .هذه الليلة مرت بسرعة .استيقظت سارا على سؤال يرن في أذنيها : هل سيأتي برايس إلى مكتبه هذا اليوم ؟ اجتاحها خوف كبير ,وأدركت أنها غير قادرة على مواجهته .بالأمس , كانت لا تزال تحت تأثير الصدمة ومستعدة لكل شيء .أما الآن وبعد أن استعادت قواها ووضوح رؤياها ,فإنها ترى الحقيقة مرة وصعبة . ويجب عليها أن تستعد نفسياً قبل الدخول إلى المكتب .
نهضت على مهل . واستحمت وارتدت ملابسها . وبعد أن شربت فنجاناً من القهوة , خرجت من المنزل . كانت بحاجة لتنشق الهواء النقي , أحست في الخارج أيضاً بمشاعر اليأس ,وأدركت أنها تكذب على نفسها وتبحث عن عذر للتهرب .
تلألأت الدموع في عيونها ,فتوقفت أمام الدرج الحجري وحاولت تمالك نفسها . وأخذت تتأمل البحر الواسع .في المرفأ , لاحظت ولأول مرة مركباً ابيضاً كبيراً راسياً قرب بقية المراكب التي اعتادت رؤيتها يوميا ً.
كانت تنظر إليه بحزن عندما سمعت صوتاً خلفها "إنهاسيدة بيراميدون إحدى يخوت الشركة".
التفتت سارا فرأت برايس يقف قريباً منها ويتأمل البحر بهدوء.

"طلبت السيني دي ناج ,مركباً اصغر من هذا .ولكني علمت أنها أبحرت في مهمة إلى خليج المكسيك "
تأملت سارا ملامحه التي أصبحت أليفة لديها , وعيونه التي تلمع ببريق غريب .فجف حلقها من الانفعال .يبدو انه لم يعرف شيئاً .وأخيراً نظر إليها وأضاف بنفس الهدوء "أتمنى أن تكوني تحبين البحر .فغداً سنرفع المرساة نحو استوريل .أنا مستعد لاستعمال كل الطرق والوسائل كي أتغلب على آخر عقبة في طريقي . السيرفارا .أنصحك بان تحملي ملابسك الأكثر إثارة معك"
برايس يتصرف وكأن شيئاً لم يحدث, وكأنها لا تزال مساعدته .وفجأة طرح سؤال آخر نفسه عليها. لقد تكلم برايس عن السيرفارا كأنها آخر عقبة في طريقه .هذا يعني أن الريبيارو قد استسلموا .في هذه الحالة ,يجب أن تلتقي بالسيد كارفالو وتطلب مساعدته , هو وسارا وحدهما يعلمان أن المرفأ لا يمكن أن ينتمي للشركة النفطية.
"السيرفارا؟".سألته بصوت حاولت أن يكون طبيعياً ."سمعت أنهم يقيمون في استوريل".
"هذا صحيح .إنهم يقيمون حالياً في منزل لهم في ضواحي لاسو . ولقد قبلو الانضمام إلينا على متن السيدة البيراميدون. اعتقد أن جواكن سيرفارا ينوي أن يزورنا مدينته .ستدم الرحلة أربعة أيام تقريباً ."
تزاحمت الأفكار في رأس سارا .اليوم موعدها مع السيد كارفالو , اليوم يجب أن تراه أكثر من أي وقت آخر.
"سأقوم بكل ما يلزم "أجابته بهدوء مصطنع ."أتسمح لي بالذهاب إلى المدينة بعد الظهر لاشتري بعض الحاجيات قبل الانطلاق"
"بالتأكيد ,سأوصلك بنفسي ".
"أوه ,لا تزعج نفسك ,أرجوك".قالت متلعثمة "سيوصلني احد التقنيين"
"هذا لا يزعجني .أنا أيضاً يجب أن اذهب إلى المدينة ".ثم امسك ذراعها وعادا معاً نحو المنزل . ودخلت سارا إلى غرفتها لتقوم بالتحضير للسفر .
وفي وقت الغداء ,لم تجرؤ على دخول غرفة الطعام كي لا تلتقي ببرايس ,وطلبت غداءها إلى غرفتها .تمنت أن ينسى المدير أن ينتظرها . لكنها وجدته واقفاً أمام سيارته عندما نظرت من النافدة .فاستسلمت ونزلت .كانت الطريق إلى لاسو تبدو وكأنها لن تنته .
"أين تريدين النزول ؟".سألها عندما وصلا إلى المدينة .
"أوه اتركني في الوسط التجاري ".أجابته بصوت مرتجف.
توقف برايس في الشارع التجاري الذي أشارت إليه الفتاة.
"سأجدك هنا في الساعة الخامسة "قال لها قبل أن يبتعد.
تجولت سارا في الشارع وبعد عشرة دقائق ظهر سائق كارفالو . فنظرت بحذر حولها قبل أن تتبعه .ولم تشر لخيانة السائق الذي اخفض نظره وهو يفتح باب السيارة لها وكان يشعر بالعار .

نهاية الفصل

الفصل الثامن

فور وصولها إلى منزل آل كارفالو , اتجهت إلى غرفة السيد الذي استقبل نبأ استسلام الريبيارو بقلق عميق .
" من الآن وصاعداً الأمر كله متعلق بين يدي السيرفارا , المال لا يهمهم فهم أغنياء جداً . إذا رفضوا البيع فالشركة تضطر للتخلي عن مشروعها لأنها لا تستطيع أن تتخلى عن أراضيهم " .
" افرض إنهم قبلوا " سألته سارا بيأس وقلق .
" في هذه الحالة عائلتي وأنا سنبرز الصك والمرسوم الذي يخص المرفأ " .
" هذا ليس عدلاً . فبرايس قضى أشهراً طويلة بالعمل على هذا المشروع " .

" هذه المجازفة لا يمكن تجنبها . على كل حال, لم يكن أحد يعتقد بأن برايس سيقترب بهذه السرعة من تحقيق هدفه " .
" لابد من وجود حل آخر " .
" أخشى أنه لا يوجد , آنسة مارتندال " .
ومع أنه ينظر إلى هذا الحل بأسف , أضاف بقسوة في صوته " ضروري بالنسبة لإنتاجنا أن نحتفظ بالمرفأ ولا شيء يمكنه إقناعنا بالتخلي عنه "
ولاحظ يأس الفتاة فنظر إليها بمودة وأضاف مشجعاً " لم نفقد كل شيء حتى الآن , وعائلة سيرفارا قوية ترغب بإقامة علاقات مع الأجانب . لكنها تبقى متعلقة بأراضيها , وإذا ظلت معارضة لمشروع المصفاة فإن البيراميدون ستضطر للتراجع حتماً " .
هزت سارا رأسها بحزن ففي كلتا الحالتين سيعرف برايس الفشل , وستكون هي مسؤولة عن جزء كبير من فشله هذا .
ما إن نزلت من سيارة آل كارفالو حتى أسرعت نحو المتاجر واشترت بعض الحاجيات وعادت إلى الشارع حيث إلتقاها مديرها بعد نصف ساعة تقريباً .
" يبدو أن فترة بعد الظهر كانت مليئة بالنسبة لكِ " . قال وهو ينظر إلى الأكياس والعلب الكثيرة التي تحملها .
اخذ قلب سارا يدق بسرعة إن كلامه كان يحمل أكثر من معنى أيشك بالطريقة التي قضت فيها وقتها ؟ فقط لو أنها تعلم! قطعا الطريق كله بصمت . كانت سارا متوترة لدرجة لا تقوى معها , أما برايس فكان يدخن غليونه بهدوء , وكان من الصعب تبين حقيقة ملامحه .
توجهت سارا إلى اليخت الفخم برفقة برايس , وكانت تأمل في أن يطرأ شيء ما يجبرهم على إلغاء هذه الرحلة لكن الشمس كانت مشرقة في سماء الخريف والبحر هادئاً .
كانت نخبة أهالي لاسو مدعوة وآل سيرفارا المهمين جداً بالنسبة للشركة النفطية نزلا في الجناح الرئيسي في الطابق العلوي . بينما شغل الآخرون الطابق السفلي , وكانت غرفة سارا مجاورة لغرفة برايس .
رافقهم في هذه الرحلة الطباخ وزوجته ليشرفا على الطعام في مطبخ اليخت . وأحست سارا بالراحة بوجودهما , فرغم شهرتهما بقيا بسيطين وهكذا يمكنها اللجوء إليهم والهرب لبعض الوقت من رسميات العمل وشكلياته .
وكان فريق البحارة من أصل بريطاني والقبطان استقبل الجميع بالترحيب وبابتسامته الرائعة التي تعلو وجهه الذي لوحته شمس البحر .
أتجه اليخت نحو الجنوب , ووقفت سارا تتأمل الساحل . قد يتم إنشاء مصفاة للنفط في هذه المنطقة مع أن رأس عائلة سيرفارا معروف بدفاعه عن طبيعة وبيئة بلاده , فإذا نجح في جعل الميزان يميل لصالحه فإن مخاوف سارا تنتهي أخيراً , ولا يعرف برايس تايلور بوجود صك بشأن المرفأ .
أحست سارا بانقباض أليم في قلبها وهي تفكر بالرجل الذي عملت معه طوال هذه الشهور الماضية , كيف يمكنها المشاركة بتدمير أمله بمساعدتها لآل كارفالو ؟ على الأقل آل سيرفارا سيوفران عليها هذا الشعور . يبقى أن يقاوموا أمام قدرة برايس على الإقناع .

مع حلول الظلام أصبح المحيط أكثر هدوءاً واليخت يمخر المياه بكل اطمئنان. تمنت وهي في غرفتها أن تصاب بدوار البحر كي تتهرب من العشاء وللأسف ظلت قوية صامدة .
فاستعدت للسهرة وأتبعت نصيحة برايس واهتمت بأناقتها . اختارت ثوباً من الموسلين الأسود الذي تعلو صدره أزهار ملونة , وسرحت شعرها الذي أصبح طويلاً وتركته يسترسل على ظهرها العاري . وما إن أصبحت جاهزة حتى انضمت إلى الآخرين حول البار . ما إن رآها برايس حتى جاء للقائها . واخترقت آل سيرفارا .
وبعد قليل أعلن عن العشاء فأتجه الجميع إلى غرفة الطعام المنارة بذوق رفيع ومجهزة بطاولات مستديرة تتسع كل منها لثمانية أشخاص . السيرفارا والمدير ومساعدته جلسوا بالطبع حول نفس الطاولة . وكان جواكن سيرفارا عجوزاً سميناً لكنه لطيف جداً .
راقبته سارا طوال وقت العشاء . ومع أن رجال الأعمال مستغلون تأثير سحر زوجاتهم , إلا أن هذا البورتغالي كان يشذ عن القاعدة . كان واثقاً جداً من قدرته الشخصية ولا يلجأ لزوجته ريتا في القرارات المهمة .
ولم يحاول برايس تايلور أن يؤثر عليهم بالتغني بميزات هذا اليخت الملقب بسيدة البيراميدون . فامتلاك مثله من ضمن إمكانيات آل سيرفارا . لكنه أستعمل سحره الخاص ولباقته في التأثير على مدعويه .
كانت سارا تنظر بانتباه إلى جواكن سيرفارا , ولاحظت أنه يتحدث عن بلده بكل فخر واعتزاز . ومع أنهم لم يتطرقوا لموضوع المصفاة , إلا أنها أحست بأنه سيبقى معارضاً للمشروع طالما أنه مغرم بالجمال والهدوء .
نقل البورتغالي فيما بعد اهتمامه نحو سارا . يبدو أنها أعجبته وبينما كان يثرثر معها ,برهن رغم سنه عن ميله للمرح والغزليات , بالإضافة لهمه الأول في إظهار مميزات وطنه .
" ماذا رأيت في بلدنا حتى الآن آنسة مارتندال ؟ " .
" ليس الكثير " أجابته سارا مبتسمة . " كنت دائماً مشغولة جداً " .
" سنعالج هذا الأمر . لا يمكن أن تكوني في البورتغال دون أن تزوري سنترا , سأصطحبك إليها بنفسي " .
بعد العشاء صعد الجميع إلى المتن الأعلى حيث أُعدت حلبة للرقص أضيئت بأنوار متعددة الألوان وخافتة .
كان فارس سارا هو برايس طبعاً . لم يكن راقصاً بارعاً , وهي أيضاً كانت قليلة التجربة في هذا المجال , ولكنهم لم يجدوا صعوبة في تتبع الألحان الموسيقية الرائعة .
كان يضمها إليه , وكانت سارا تحس أحياناً بخده يلامس شعرها وترغب بشوق كبير أن تسند رأسها على صدره لكن ثقل ما تحمله في قلبها كان يمنعها ويسلبها كل سكينتها .