لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات أحلامي
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أحلامي روايات أحلامي


309 - نهر الذكريات _ ليز فيلدينغ _ روايات أحلامى مكتوبة

العدد 309 من روايات أحلامى نهر الذكريات الملخص لم تستطع اليسون ان تبعد عينيها عن عينيه اكتفت بالقول اجل اننى اعرف يا نيال فجأة غرقا فى عناق

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-05-20, 04:08 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2018
العضوية: 328781
المشاركات: 405
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيريناد عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيريناد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات أحلامي
Newsuae 309 - نهر الذكريات _ ليز فيلدينغ _ روايات أحلامى مكتوبة

 

الذكريات



العدد 309 من روايات أحلامى

نهر الذكريات

الملخص

لم تستطع اليسون ان تبعد عينيها عن عينيه
اكتفت بالقول اجل اننى اعرف يا نيال
فجأة غرقا فى عناق حار كان كافيا للتعبير عن المشاعر التى تملأ قلبيهما
تنهدت بعمق قائلة , ما كنت على وشك ,,,,,,
ارجوك لاتقوليها اننى بحاجة اليك اليسون
لم اشعر فى حياتى بالحاجة الى اى انسان مثلما انا بحاجة اليك الان
عجزت عت الرد الا بالعناق
اننى اريد زوجة لى وأما لأندريه
وتولى العناق الحار التعبير عن المشاعر التى عجزت الشفاه عن تحويلها الى كلمات

 
 

 

عرض البوم صور سيريناد   رد مع اقتباس

قديم 15-05-20, 04:13 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2018
العضوية: 328781
المشاركات: 405
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيريناد عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيريناد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيريناد المنتدى : روايات أحلامي
افتراضي رد: 309 - نهر الذكريات _ ليز فيلدينغ _ روايات أحلامى مكتوبة

 

شمس فى الذاكرة

لم يعرف أحد أن نيال ماكبين قادم الى بلدته شيلينغ ، الى ان وصلها فعلا في ذلك اليوم الصيفي العاصف.
كانت اليسون ماكاي جالسة في غرفة الصف عندما شرد إنتباهها عن مقعدها الذي كان ويلي ماكلويد يشرحه لستة من زملائه التلامذة ، ومن مقعدها المرتفع لمحت ظلا أزرق اللون يمر عبر الأشجار مما جعلها تسرع نحو النافذة.
قالت للطفل الذي توقف عن الشرح مستغربا:
" تابع القراءة يا ويلي ، فنحن نستمع اليك".
إنتظرت حتى عاودت السيارة الزرقاء الظهور ، لم تستطع ان تلمح شيئا داخل السيارة لأن المطر الغزير كان يهيمن على كل شيء ، ترى من الذي يقصد القرية في منتصف آخر الأسبوع من حزيران؟ فالمدرسة تقع خارج الطرق التي يقصدها السياح ، وهي معزولة تماما بإستثتاء الدكاكين المتنقلة التي تزورها مرتين في الأسبوع.
فجاة إلتمعت السماء ببريق قوي اعقبه صوت الرعد القاصف ،وعلى هذا الضوء الباهر شاهدت السيارة مرة أخرى وهي تصعد الطريق الوحيد في المنطقة ثم تقف أمام لوك شيل الذي بدا غامقا وغريبا في هذا الشتاء الغزير.
إرتجفت أليسون لأحساسها بقرب وقوع مشاكل غير محدودة ، وأحست بالبرد ، رغم ان قاعة الصف كانت دافئة تماما ، لمحت شكل رجل يخرج من السيارة ثم يقطع الشارع مسرعا قبل أن يختفي في أحد الأكواخ هناك ، إعتقدت أنه دخل منزل فيرجوس ماكبين ، لكنها لم تكن متأكدة.
خيّم صمت شامل على القاعة ، فعادت اليسون الى مكانها وهي تقول:
" أحسنت يا ويلي ، كانت قراءتك ممتازة".
نظرت اليسون الى ساعة يدها ، إنها الرابعة إلا الربع تقريبا ، لم يعد هناك مجال للمزيد من الدروس ، بالإضافة الى أن الأولاد يأتوا منزعجين من العاصفة ، بل ويبدو على إثنين منهما الخوف الشديد ، توجهت أليسون الى الطاولة وقالت:
" هيا ايها الأولاد ، إحملوا معاطفكم وسآخذكم الى بيوتكم".
إبتسمت وهي تراقب الأولاد وسرورهم ، من حسن الحظ انها جاءت بسيارتها عند الصباح ، فمع انها تعيش على بعد ميل واحد فقط من المدرسة إلا ان هذا المطر الغزير ما كان ليتركها تسير ولو لأمتار قليلة.
تأكدت أليسون من أن النار في المدفأة خامدة ، ثم أطفأت الأنوار وجمعت الأولاد في المدخل في حين فتحت هي أبواب السيارة لهم ، وواحدا بعد واحد ودّعت الأولاد الفرحين على ابواب بيوتهم الممتدة على طول الطريق الوحيد ، واحدة من التلامذة، فيونا ستيوارت ، تعيش في البيت المجاور لمنزل فيرجوس ماكبين ، لذلك قالت اليسون وهي تفتح لها الباب:
" يبدو أن السيد ماكبين يستقبل بعض الضيوف".
إستغربت اليسون نظرة غير الطبيعية في وجه الفتاة ، صحيح أن فيونا كانت في العاشرة من عمرها فقط ، إلا ان كل سكان القرية يعرفون التفاصيل الشاملة عن النزاع ، قالت فيونا:
"هذا صحيح يا آنسة أليسون".
منتديات ليلاس
كان الكوخ ماء ، تظاهرت اليسون بانها تراقب فيونا حتى تصل الى بيتها ، بينما كان نظرها في الواقع مركزا على القنديل الزيتي الذي ينير الغرفة الأمامية من منزل السيد ماكبين ، وطيلة الوقت كان التساؤل حول هوية الضيف يلح على فكرها ومشاعرها.
لكن اليسون نست كل شيء عندما وصلت الى البيت ، فهناك أمور اخرى كثيرة تشغل بالها ، سمعتها جيسي وهي توقف السيارة أمام الباب الخلفي ، فأسرعت تفتح لها الباب وهي تقول:
" هيا بسرعة يا إبنتي ....هيا".
قطعت اليسون المسافة القصيرة ركضا ، وعندما وقفت الى جانب المرأة ذات الشعر البيض الناصع ، قالت:
" يا له من يوم قاس يا جسي ، هل الشاي جاهز؟".
" الماء على النار ، لحظات ويكون قدح الشاي أمامك ، لكن قبل كل شيء أريد أن أحدثك قليلا ، هيا إجلسي".
إعترضت أليسون على جسي التي حاولت أن تجلسها وقالت:
" انا سأصنع الشاي.......".
" لن تفعلي ذلك ، هناك شخص واحد في هذا البيت يعرف كيف يصنع الشاي... وهذا الشخص هو انا".
إبتسمت أليسون من على كرسيها الهزاز وقالت:
" آسفة يا جسي ، لا أعرف ما يمكن ان نفعل من دونك".
وكانت تعني كل كلمة تقولها ، راحت تراقب يدي العجوز وهما تعملان بثقة وخفّة في إعداد الشاي ، فقد عاشت جسي مع العائلة منذ ما قبل مولد اليسون ، بل حتى قبل مولد اخيها أليك الذي يكبرها بخمس سنوات ، والان ، بعد وفاة والدها وزواج اليك في كندا وتبخّر ثروة العائلة بالكامل... فإن جسي ما تزال معهم في الضراء كما كانت في السراء.
وبقوة تحسد عليها ، إستطاعت جسي أن تقف الى جانب الأم عندما قتل الأب في حادث طائرته وهو في رحلة عمل الى يوغوسلافيا قبل ثلاث سنوات ، كان الأب على وشك أن ينقل شركته الهندسية الى مرحلة أخرى من النجاح ، مرحلة كانت ستعني الثروة والأمان ، بعد خيانة غير متوقعة من شريك محتال.
المال الذي كان بين يدي العائلة إبتلعته ترتيبات الدفن بعد الحادث المفجع ... ومع ذلك ظلت جسي معهم ، وكم تتمنى أليسون أن تظل معهم طيلة حياتها ، فهي تحب مدبرة المنزل وترتاح اليها كثيرا.
وضعت جسي أبريق الشاي من يدها وقالت:
"المسألة تتعلق بأمك ، فهي تتصرف بشكل غريب هذه اليام ، تتجول في البيت على غير هدى بدل الإهتمام بلوحاتها الفنية ، وقد لاحظت على وجهها تلك النظرة الحالمة ، النظرة نفسها التي تحملها عندما تكون قد وضعت في راسها فكرة ثابتة ، الواقع انني لا أعرف ماذا تفكر ، لكنني يمكن أن أخمن".
هزت اليسون راسها وقد احست قلبها يغرق بين أضلعها:
"البيت؟".
تمعّنت جسي في وجه أليسون بحدّة وقالت:
" اجل ، فهي تواصل الحديث منذ مدة عن أن البيت كبير ويكلّف الكثير من الأوال لصيانته ... وما شابه".
قاطعتها أليسون بأسى واضح:
" اعرف ذلك ، انها تثير الموضوع كل صيف عندما تكشف الشمس ما حلّ بالبيت من الخارج ، آه يا جسي ، ماذا يمكن أن أفعل؟".
تلفّتت جسي حولها قائلة:
" الله وحده يعلم يا إبنتي، إنها على حق ، ماذا تفعل ثلاث نساء وحيدات في هذا البيت الضخم ؟ المدخول الوحيد هو المال الذي تكسبينه وما قد تبيع امك من رسوم ... وهذا المدخول لا يكفي".
ردت أليسون بإنفعال يائس:
" لكنها لا يمكن ان تبيع البيت، فهو متوارث في العائلة منذ أجيال".
توقفت عن الكلام وكأن فكرة طارئة داهمتها ثم اضافت:
"في كل حال ، من سيشتري البيت ؟ فالمعروف أن مثل هذه البيوت الضخمة غير رائجة في السوق ، آه يا جسي...".
أغمضت عينيها براحتي يديها وهي تقول:
" أتمنى ان نكون مخطئين ".
" صحيح ، لكن يجب أن نكشف الحقيقة ، من الأفضل أن تساليها لكن بلطف يا أليسون ، فأنت تعرفين بأنها تضطرب فورا إذا ما تعرضت لأية مشاكل".
إغتصبت اليسون إبتسامة صفراء وقالت:
" سافعل ذلك طبعا ، اشكرك يا جسي لأنك أخبرتني ، لعلنا نستطيع إيجاد مخرج ، من يدري؟".
رمت اليسون هذه العبارة بخفّة ، لكن قلبها كان مثقلا بالأحزان ، فهي تحب بيتها بكبرياء مجنونة ، فقد كان منزلا ريفيا ضخما مبنيا بالحجر الصخري ، موقعه يواجه الشرق بحيث تحتضنه الشمس كل صباح ، ومع ذلك تحميه التلال المجاورة من العواصف والأمطار ، كما تحيطه الجبال والغابات في موقع يعتبر من أجمل مناطق اسكتلندا ، وبينما هي في طريقها من المطبخ الى القاعة الرئيسية ، أضاء البيت برق خاطف أعقبه رعد قوي... فإزداد إضطراب اليسون وخوفها.
كان على أليسون أن تنتظر حتى ساعة متأخرة من الليل كي تعرف الحقيقة التي أنهت كل التكهنات ، كانت جالسة في مقعدها المريح في غرفة الجلوس وهي تراجع بعض الدفاتر المدرسية ، وعندما رفعت عينيها الى أمها لمحت على وجهها تلك النظرة الحالمة التي تعني الكثير ، انها النظرة التي تكشف كل مكنونات الأم ، لذلك لم تعد تحتمل المزيد ، وضعت الدفاتر جانبا وقالت بهدوء:
" امي أرجوك ان تحدثيني".
فتحت السيدة ماكاي عينيها على إتساعهما ، وهي تشعر بالذنب أكثر من أي وقت مضى ، أحست اليسون بدفقة حب عارمة لأمها ، وكادت أن تغص بالبكاء لكنها تمالكت نفسها بسرعة ، بدت الأم متعبة ومهزومة بحيث اجبرت أليسون على إسترجاع صورتها عندما كانت مهندسة ديكور ناجحة جدا زارت معظم أقطار العالم مع شريكة لها قبل أن تتعرف الى والدها في أستراليا ... بعد ذلك عادت الى أسكتلندا وتزوجته وتركت اعمالها لتصبح ربة بيت مثالية ، ومنذ ذلك الحين لم يسمع أحد منها كلمة اسف أو ندم على الثروة الكبيرة التي كانت ستحصل عليها فيما لو إستمرت في مهنتها ، اما الآن فتكتفي بالرسم الزيتي ، وفي بعض الأحيان بيع اللوحات الى مردوخ أيمري ، وهو صديق قديم للعائلة يملك محلا فاخرا لبيع التحف القديمة واللوحات الفنية.
" اخبرك عن ماذا؟".
لكن إرتجاف يدها وهي تداعب خدها كشف كل ما تحاول اخفاءه .
توجهت اليسون لتجلس على الرض أمام امها ثم وضعت راسها في حضنها وقالت:
"آه يا أمي ، انا وجسي قلقتان عليك تماما ، هناك شيء ما يدور في تفكيرك ، ولا بد لك من الحديث عنه عاجلا ام آجلا فلماذا لا يكون الآن؟".
لم يكن للأم مهرب من المنطق الواضح في كلام إبنتها ، تنهدت بعمق بينما يدها تداعب شعر اليسون بحنان:
" حسنا ، إنه شيء كان يجب أن احدثك به قبل الان لأنني لا احب أن اخفي شيئا عنك أنت خاصة".
فجأة تهدّج صوتها وعادت تبكي ، لكنها تمالكت وتابعت تقول :
" لقد وصلت الأمور الى حد بات معه من المستحيل المضي في الوضع الحالي أكثر ، علينا أن نبيع البيت".
نظرت اليسون الى امها وهي تجاهد كي تحبس دموعا ترقرقت في عينيها عندما تأكدت مخاوفها.
" هذا ما فكرنا فيه ، لكنني احب هذا البيت كثيرا".
ردّت الأم بحنان واضح :
" وانا أحبه ايضا ، كم فكرت في المسالة قبل إتخاذ القرار؟ كان عليّ أن أخبرك منذ مدة ، لكنني كنت اتامل حدوث... انت تعرفين كيف افكر".
هزّت اليسون راسها وهي تشعر بالحزن لأمها ولنفسها أيضا.
تابعت الام:
"الواقع انني بحثت المسألة مع السيد جون ستيورات".
وجّهت اليسون نظرة حادة الى أمها ، فمع ان جون ستيورات هو محامي العائلة ومن الطبيعي ان تبحث الأم معه موضوع البيت ، إلا أن ذكر إسمه جعل عملية البيع تبد اكثر إلحاحا.
" وماذا قال لك؟".
إبتسمت الأم بضعف وقالت:
" لن تصدقي الأمر ، هناك شخص ما مهتم بشراء البيت ، لم يخبرني السيد ستيوارت عن هوية هذا الشخص ، حتى أنني لم أعرف ما إذا كان رجلا او أمرأة ، والظاهر ان هذا الشخص إتصل به قبل حوالي سنة وابلغه أنه مهتم بالبيت ، ويريد ان يعرف حالما نقرر طرحه للبيع ، ولا شك أن هذا الشخص يعرف البيت ، المهم ان المحامي إتصل بي امس وقال لي ان ذلك الشخص سيتصل بنا قريبا".
حوّلت الأم نظرها الى المدفأة ، وتابعت تقول وهي تربّت على كتف أليسون:
" هذا هو السبب الذي جعلني متوترة خلال الأيام القليلة الماضية ، فارجو ان تسامحيني ، إذ ليس أمامي إلا هذا السبيل".
هزّت اليسون راسها بعنف:
" لا ، لا بد ان هناك طرقا أخرى".
" ماذا؟ اتمنى لو أجد حلا آخر ، أنت تعرفين كيف يكون البيت في الشتاء... يصبح كثلاجة كبيرةجدا ، كان علينا ان نركّب تدفئة مركزية منذ مدة ، الأمر كان محتملا عندما كان البيت مليئا بالزوار والنار في كل غرفة...لكنه لم يعد كذلك ، نحن وحدنا في البيت ، وجسي أصبحت كبيرة في السن ، الى متى تظنين انها ستظل قادرة على العمل في ذلك المطبخ الشاسع؟ صحيح أنها لا تشكو ولا تتلكأ ... لكن التعب سيظهر جليا باسرع مما نظن".
هدأت العاصفة ، وإنعكس الهدوء على مزاج أليسون التي بدت ساكنة وكأنها تخلّت عن كل معارضتها ، تنهدت وحوّلت نظرها بإتجاه الكلب راستي الذي كان متمددا بالقرب من المدفأة ، مدّت اليسون يدها تداعبه ، وسالت أمها من دون ان تنظر اليها:
" والى اين سنذهب يا أمي؟".
" كنت اتفحص منذ يومين الكوخ الملحق بالبيت والأراضي المحيطة به ، صحيح أنه بحاجة الى عمل كثير لأنه مهجور منذ أن تخلينا عن البستاني العامل فيه ، إلا أنه يصلح لنا نحن وللكلب أيضا".
رددت اليسون كلام امها:
" .... وراستي ايضا لكن هل يمكننا بيع البيت دون الكوخ".
اجابت الأم بإستغراب:
" طبعا ، الواقع انهما منفصلان ، وسوف نحتفظ بالحديقة الصغيرة المحيطة بالكوخ ، وفي الوقت نفسه تطل على الوادي تماما كما تطل من هنا".
كل ما قالته الأم كان صحيحا ، لكن أليسون تساءلت في سرها:
( هل تحتمل العيش في الكوخ قريبا من البيت الذي يعيش فيه غرباء ؟) هذا هو السؤال الذي لا جواب له الان.
ذهبتا الى النوم دون أن تخبر أليسون أمها عن الشيء الاخر الذي يقلقها هذه الأيام ، إذ يكفيها الألم الذي تحملته فيما يتعلق بالبيت ، فالمدرسة التي تعمل فيها اليسون ستغلق بعد فصل الخريف ، ومن سبعة تلامذة تعلمهم أليسون هناك خمسة سيغادرون لأنهم اصبحوا فوق العاشرة وهذا يتطلب إنتقالهم الى مدرسة أخرى ، اما التلميذان الآخران فسينقلان الى مدرسة تقع على بعد خمسة عشر ميلا ، وبما أنه لا يوجد أطفال في عمر مناسبة لصفها ، فإن الإدارة قررت إغلاقه لمدة أربع سنوات ، وربما الى البد ، ومع ان أليسون ستتلقى قرارا بالنقل إلا ان المدرسة الجديدة ستكون بعيدة جدا ، وكل ما تتمناه الآن حدوث معجزة تتمثّل في إنتقال عائلتين فقط الى شيلينغ لكل منهما ثلاثة او اربعة أطفال ، وهذا كفيل بإنقاذ وظيفتها.
تنهّدت أليسون بعمق وهي تطفىء نور غرفتها ... وعبثا حاولت النوم.
كان اليوم التالي نهار الجمعة ، يوما مشمسا ودافئا وكأن عاصفة الأمس لم تكن قط ، وبينما كان الأولاد يلعبون بعد الظهر في باحة المدرسة ، شاهدت اليسون مرة أخرى السيارة الزرقاء التي راتها بالأمس وهي تتوقف مجددا أمام منزل فيرجوس ماكبين ، كانت قد نسيت تماما هذا الضيف الغريب لأنشغالها بقضايا البيت والمدرسة الملحة ، إقتربت من الحائط الحجري الصغير الذي يحمي الصغار من المنحدر المطل على القرية ، وراحت تتامل السيارة بفضول ، خرج رجل من سيارة الفورد القديمة ، وقبل أن يعبر الطريق القى نظرة خاطفة بإتجاه المدرسة ، كانت كفيلة بإحراج اليسون مما جعلها تبتعد عن الحائط وكانها شوهدت بالجرم المشهود ، ومع ذلك كانت راغبة في معرفة هوية الرجل ، لو انه أحد أبناء فيرجوس لكان الخبر قد عمّ القرية فورا ، لكن شيئا لم يذع بين الأهالي ، لم تستطع ان تلمح وجه الرجل الغريب ، ومرة أخرى القت نظرة الى الكوخ الذي يعيش فيه فيرجوس ماكبين وحيدا ، بعد رحيل إبنائه الأربعة أليستير وأيان ودانكان ونيال، الإبنان الأكبران يعيشان في نيوزيلندا ويقال أنهما يعملان في تجارة الماشية ، اما دانكان ونيال فقد غادرا القرية منذ سنوات للعمل في السفن التجارية... نيال الأسود كما يسمونه ، الإبن الأقسى بين أربعة يشكلون عائلة ماكبين التي عاشت في نزاع مستمر منذ أكثر من قرن مع عائلة ماكاي ، اليسون تتذكر نيال فقط لأنه كان أصغر اخوته ، من عمر أخيها أليك تقريبا وزميله في الصف نفسه أيضا ، زميله ؟ صحيح ، لكنهما كانا يتقاتلان دائما ، فكرت أليسون ان الكراهية موجودة في الدم ، بحيث كانت العائلتان على نزاع دائم ومستمر منذ العام 1869 عندما كانتا أكبر عائلتين في القرية والأرياف المحيطة بها ، ففي أحد ايام ذلك العام ، وجد هيكتور ماكبين ودومنيول ماكاي نفسيهما يقعان في غرام أمرأة واحدة عمدت الى تاجيج نار الحب والحقد بين الرجلين معا ، وفد تأكد فيما بعد ان الشابين كانا ضحية سحر إيزابيل القاسية ، ومهما كانت الحقيقة فإن الرجلين قررا ذات يوم التوجه الى التلال لتسوية المسالة بينهما... ذهبا ولم يعودا ابدا.
بعد عدة ايام ، نزل احد الرعاة من كوخه الجبلي ليروي قصة مرعبة عما شاهده ، في أحد الأيام ، ذهب يبحث عن بعض الأغنام الضالة ناحية الجبل المطل على البحر بإنحدار شديد الإرتفاع ، وهناك شاهد الرجلان يتقاتلان بضراوة ووحشية ، كانت الأرض مغطاة بصخور وحصى صغيرة تجعل الثبات عليها صعبا ... وبينما هو يراقب إنزلق الرجلان واخذا ينحدران صوب البحر وهما مستمران في القتال ، وعندما وصل الى مكان المعركة كان الأوان قد فات ، ففي الأسفل ، لم يكن يسمع إلا صوت إرتطام الموج بالصخور الحادة وزعيق طيور البحر الباحثة عن طعامها.
ولما إنتشرت قصة الراعي في القرية ، تبادلت العائلتان التهم والكلمات القاسية ، ومنذ ذلك اليوم إنقطعت العلاقات بين الطرفين وإندلع الحقد في نفوس الجميع ، وبالطبع كانت هناك قصص غير قصة مصرع الشابين تتعلق بتجارة البحر والتهريب وغيرهما ، لكن أحدا لم يخبر أليسون عن الحقيقة تماما ، لعل الخجل كان يجعل كل طرف يحجم عن المجاهرة بالواقع ، واليسون نفسها لم تتجرأ وهي طفلة على طرح الأسئلة ، ودائما كانت تتساءل عما إذا كان أليك قد عرف الحقيقة أم لا .
منتديات ليلاس
البيت الذي تعيش فيه اليسون الآن هو بيت العائلة قبل زمن طويل من النزاع ، اما فيرجوس ماكبين ، وهو آخر فرد من العائلة باق في القرية ، فيعيش في كوخ عاش فيه من قبل أبوه وجده ، وبيت ماكبين ، الذي كان يجاور بيت ماكاي ، فقد دمر نهائيا في حريق كبير إندلع في العام 1872 ، وتقول الروايات أن ثروة العائلة إحترقت في البيت ، ولم يبق من أثر البيت المحترق إلا بعض الأحجار المتفرقة ، في حين نمت اعشاب وأشجار برية في المكان برمته.
احست اليسون بقشعريرة برد تجتاح جسمها بفعل الذكريات الأليمة التي إسترجعتها ، لذلك توجهت الى الأطفال تشاركهم تمارينهم الرياضية بحماس وكأنها تريد إبعاد أشباح الماضي عن فكرها ، لكن عقلها رفض التلبية في الدروس اللاحقة ، كانت تشعر بالضيق الشديد ، ربما لعلمها بأن المدرسة ستغلق ، او ربما لأن البيت سيذهب الى الأبد مع العائلة ، أو ربما للسببين معا ، اصابها التفكير الشديد بصداع حاد إستمر بإلحاح رغم تناولها قرصين من الأسبرين ،وما أن جاءت الساعة الرابعة حتى شعرت بالإرتياح لأن العمل قد إنته وبات بإستطاعتها أن ترتاح ، ومن مقعدها خلف الطاولة راحت تراقب الأطفال وهم يغادرون القاعة بسرور كمن أطلق سراحه من سجن مظلم.
في الجهة الخرى من الوادي ، إستطاعت أليسون ان ترى من مقعدها جانبا من البيت ، السقف القرمزي وبعض غرف النوم ، فعادت اليها كل مخاوفها ، فكرت بصوت خافت ، كيف يمكن أن أتركه ؟ فطفرت دموع الحزن والألم الى عينيها ، لقد كانت أمها على حق بينما تصرفت هي بطيش وعاطفية ، إنهم لا يستطيعون مواصلة العيش في البيت بالمدخول الخفيف المتوفر لديهم ، فالحب العميق الذي تشعر إتجاه البيت لم يعمها عن رؤية إطارات النوافذ المتساقطة أو قرميد السطح الذي يحتاج الى ترميم سريع ، حتى الحديقة تحولت الى يباس بعد أن إضطروا الى الإستغناء عن البستاني ، حاولت أليسون وأمها جهدهما ، لكنهما كانتا تخوضان معركة خاسرة مع المساحات الواسعة التي غزاها اليباس.
تنهدت أليسون بعمق ثم اخرجت مرآة صغيرة وتطلعت فيها الى عينيها ، يجب أن لا يرى احد آثار الدموع عندما تعود الى البيت ، حدّقت طويلا في المرآة فلم تر سوى عينين دامعتين ، ولكنّ الذين ينظرون اليها يجدون أكثر من ذلك ... يجدون الجمال الهادىء الذي ينير ملامحها بحيث يجعلها محط أنظار المجتمع الذي تتواجد فيه ، كانت شفتاها حمراوين ممتلئتين ،وعيناها برموش سوداء كثيفة.
وضعت المرآة في حقيبة يدها وتناولت مشطا صغيرا سرّحت به شعرها المجعّد من دون إنتظام ثم جالت في الغرفة لتتأكد من ان كل شيء على ما يرام.
زال الصداع الحاد عندما بدات اليسون سيرها نزولا نحو القرية ، كان عليها أن تعرج على مكتب البريد للحصول على بعض الأوراق الرسمية والطوابع لجسي التي تراسل العديد من القارب في مختلف انحاء العالم ، وقد شعرت أليسون بالإرتياح وهي تحيي اهل القرية على طول الطريق ، ما أعاد اليها بعض السعادة المفقودة.
يقع مكتب البريد الذي يشكّل أيضا مخزنا لبيع الخضار الطازجة والبضائع المختلفة ، في الطرف الاخر من القرية على الطريق المؤدي الى بيت اليسون ، وكانت قد إستدارت قليلا لتحيي السيد ماكينتر قرب مكتب البريد ، ولما إتجهت مجددا نحو المكتب وجدت نفسها وجها لوجه مع رجل خرج لتوه من الداخل ، للحظات ، شعرت أن توازنها قد إختل ، لكن يدين قويتين امسكتاها ....فنظرت الى صاحبهما فورا ، وما أن لمحت وجهه حتى علتها الدهشة فجذبت نفسها بعيدا عنه وكنها تهرب من أفعى سامة ، فالرجل الذي إصطدمت به والذي كان يرميها بنظرة غريبة ، لم يكن إلا نيال ماكبين ، نيال ماكبين الأسود نفسه ، وعندما تمالكت نفسها ، إبتعدت أليسون مسرعة ودخلت الى مكتب البريد المعتم وقلبها يخفق بشدة لكنها ظلت تشعر ان نظراته تلاحقها من خلال النافذة.

" عشرة مغلفات بريد جوي ، يا سيدة فنليسون".
يا لها من صدفة ، من بين كل أبناء ماكبين يعود الأصغر الى بيت أبيه ،وهو البن الذي تبغضه أكثر من الباقين.
حدّقت السيدة فنليسون بعينيها الحادتين في وجه أليسون وقالت:
" هذه المغلفات يا آنسة ماكاي ، هل رأيت من كان هنا قبل لحظات؟ إنه نيال ، إبن نيال فيرجوس ماكبين".
أجابت أليسون بهدوء:
" نعم لقد رايته".
عضّت السيدة فنليسون على نواجذها وهي تقول:
" كنت قد بدات انسى ، مضى وقت طويل على رحيل الشباب الى الخارج ، بحيث بدا وكأن النزاع قد إنتهى".
إبتلعت ضحكة خفيفة ثم تابعت تقول:
" والآن عاد كل شيء".
ردّت اليسون مبتسمة وهي تجاهد كي تبدو طبيعية :
" هذه هي الحياة، أعتقد أن النزاع صار من الماضي".
وبينما كانت اليسون تدفع ثمن المغلفات قالت السيدة فنليسون:
" لا شك في لك ، في كل حال يجب أن أذهب الآن لإرسال هذه البرقية ، اعتقد ان الريو في أميركا الجنوبية ، اليس كذلك؟".
" الريو ؟ نعم ، في البرازيل".
تناولت اليسون المغلفات وشكرت موظفة البريد وأسرعت هاربة ، في الخارج ، لم يكن هناك أثر لنيال ماكبين ، فتنفست الصعداء ، كان يكفي ان تراه حتى يسود يومها ، لكن أن تصطدم به ايضا ، فهذا امر لا يحتمل ، اسرعت نحو البيت محاولة أن تعيد الى ذاكرتها تفاصيل آخر مرة شاهدته فيها قبل تسع سنوات.
عادت الأحداث الى ذهنها بوضوح تام ، كانت في السادسة عشرة وأليك في الواحدة والعشرين ، وقد سمح لها أهلها يومها بحضور حفلة راقصة في نادي القرية شرط أن ترافق شقيقها في طريق العودة ، القاعة العامة كانت مكتظة في ذلك المساء الصيفي الدافىء ، والجميع يتمتعون بالموسيقى والرقصات المتنوعة ، وكم كان سرور اليسون كبيرا عندما إكتشفت أنها محبوبة من الجميع إذ لم تجلس الى طاولتها إلا لماما في حين أمضت الوقت كله في الرقص ،ومما زاد في سرورها رؤية نيال ماكبين في مطلع السهرة وهو منعزل قرب الباب وكأنه غير واثق من نفسه وسط هذا الجمع ، كان يرتدي بزة زرقاء مهلهلة فبدا غريبا بين كل هؤلاء الناس ، لاحظت أليسون أنه يراقبها ، لذلك قررت أن تؤكد له وللجميع بأنها تتمتّع بوقتها الى ابعد الحدود.
لعلّها تصرّفت بدافع أنثوي دفين لم تكن تفهم سره آنذاك ، ففي كل مرة كانت تمر أمام نيال كانت ترى عينيه مسمّرتين عليها ، وإمعانا في التشفي كانت تطلق ضحكاتها عاليا في القاعة وتزداد حماسا في الرقص وقد بات المكان بالنسبة لها قطعة من ارض الأحلام في ليلة لا تنسى.
وكما في قصة سندريللا ، كان لا بد لليل أن ينجلي ،وعندما قررت اليسون العودة الى البيت بحثت عن شقيقها لمرافقته ، لكنها لمتعثر عليه ، وظلت لفترة بإنتظار عودته ، كانت خلالها تلوم نفسها لأنها لم تنتبه لوجوده أكثر ، وبينما هي هكذا ، سمعت صوتا من خلفها:
" هل تريدين ان أوصلك الى البيت؟".
فإلتفتت لتجد شابا تعرفه من القرية المجاورة إسمه جوني جوردون .
" لا ، شكرا لك ".
بدأت تحس بالإنزعاج ، فالتمتع بالرقص في قاعة مزدحمة شيء والسير الى البيت في هذا الظلام مع شخص سمعته غير حميدة شيء آخر ، أضافت مخاطبة جوني:
" سألاقي أليك في منتصف الطريق".
ودون ادنى تفكير ، لوّحت له بيدها وسارت بإتجاه البيت وهي تتساءل : ( اين انت يا اليك؟".
ولما إبتعدت عن القاعة خفّفت أليسون من سيرها ، لم تكن خائفة من الظلام ، بل هي متمتعة بهذا المساء الصيفي ، كان عقلها مشغولا بترتيب بعض العبارات التي ستقولها لأخيها ساعة تراه عندما احست بوقع خطوات شخص خلفها ، فبدات تسرع في السير مجددا ، وصلت الى طريق منعزل يؤدي الى الحقول الملحقة ببيتها ، فدخلته مسرعة ، كسرت أحد أظافرها عندما قفزت فوق جدار ريفي صغير يقع على حدود أراضي البيت ، ومن ثم وجدت نفسها وسط أشجار الصنوبر التي راحت اغصانها تعلق في شعرها وثيابها ، ثم سمعت فجأة صوتا جعلها تتوقف وتستدير الى حيث بدا ان عراكا عنيفا يدور بين شخصين في ظلمة الليل ، وجاءتها اصوات لكمات وصرخات وصدى إرتطام جسد بالأرض ، ثم أنين ألم من أحد المتعاركين .. وأخيرا وقع خطوات شخص يهرب الى الطريق العام ، هل هذا اليك ؟ هل يعقل أن يكون شقيقها قد شاهد شخصا ما يلاحقها فتعارك معه ؟ كانت هذه الأسئلة تلح على ذهن أليسون وهي تنتظر في مكانها ، لكن أحدا لم يأت ، ولم تعد تسمع أية أصوات.
" أليك؟".
نادت أليسون أولا بصوت خافت ثم رفعت صوتها أكثر عندما لم تسمع أي جواب ، وبسرعة هرعت الى حيث سمعت المعركة ، لكها توقفت فجأة عندما لمحت عدوها اللدود نيال ماكبين بالقرب منجدول مائي في منطقة مكشوفة وهو يفرك قبضتيه ، وعلى الفور أنقضت عليه وقد تذكرت المعارك الدائمة بينه وبين اخيها.

صرخت في وجهه بغضب شديد:
" ماذا فعلت باخي؟".
إستدار نحوها بهدوء ،وتذكرت أليسون كيف انه بدا آنذاك مختلفا ، إذ لم يعد هو نفسه الشاب الخجول الذي ظهر في القاعة بل ظهر الآن قويا ناضجا وواثقا من نفسه ، نظر اليها مليا ، ولاحظت اليسون في عينيه نظرة شماتة وتشف وهو يقول:
" لم افعل شيئا لأخيك ، الذي هرب كالأرنب الآن هوجوني جوردون وقد كان يلاحقك طوال الطريق".
" لا أصدق كلامك هذا".
لكنها لاحظت قطرات من الدم على ذقنه نازفة من جرح في شفته السفلى.
ردّ وهو يمسح الدم بمنديله :
" هل تعتقدين أنني أهتم بما إذ كنت تصدقين ام لا ؟".
" ماذا تقصد بكلامك هذا؟".
أجابها بجفاء:
" لقد أصبحت في السادسة عشرة ، وعليك أن تعرفي معنى الكلام".
حبست أليسون أنفاسها بغضب وقالت:
"كيف تجرؤ على هذا الكلام ، لو أن أليك هنا لجعلك......".
ردّ بضحكة ساخرة:
" لكنه ليس هنا ، هل تعتقدين انني أخاف منه ؟ كان عليك ن تري ماذا فعلت بجوني قبل قليل".
تظاهرت أليسون بالهدوء وقالت:
" هذا كل ما تفكر فيه ، القتال فقط ، فأنت تفتعل المعارك دائما ".
" هذا غير صحيح ، ليس دائما".
إقترب نيال من أليسون وحاول ملامسة وجهها ، لكنها إنتفضت ولطمته على يده الممدودة وهي تقول:
" إياك ان تلمسني ، إياك ان تحاول ابدا".
رد بسخرية دون أن يبدي أية علامة تاثر :
" إنك لا تمانعين في أن يلمسك الآخرون خلال الرقص ، والحقيقة أنني اعتقد انك كنت تتمتعين بذلك".
وفجأة إنقض عليها ، فاخذها على حين غرّة بين ذراعيه ... ودون أن تدري وجدت نفسها في عناق طويل معه ، ولما أطلق سراحها ، ظلت مصدومة للحظات قبل أن تستعيد وعيها وتوجه لطمة شديدة الى وجهه ، ولم تستطع أن تهرب ، إذ ان ذراعيه إمتدتا وأوقفتاها في مكانها ، إتسعت حدقتاها خوفا لما تعرفه عنه من طباع متوحشة ، لكنه أطلق ضحكة مجلجلة وكأنه يقرأ أفكارها وقال:
" أنت آمنة معي ، فأنا لا أضرب الفتيات ، لكنني ايضا لا أحب ان أضرب منهن".
" دعني أذهب".
ثم تذكرت فجأة شيئا آخر فأضافت قائلة :
" وأنت أيضا كنت تلاحقني".
وكأنها تذكرت ما يمكن أن تجره هذه العبارة ، فأخذت تحرك ذراعيها بشدة محاولة التملص من قبضته.
أطلق ذراعيها بقسوة وقال :
" صحيح ، لكني كنت أقصد هذه الناحية اساسا ، فقد كنت أرغب في إصطياد بعض سمك الترويت قبل الذهاب الى البيت وهكذا".
منتديات ليلاس
ونقل نظره بين الجدول المائي وبين وجه أليسون وكأنه يتحداها ، لم تستطع ان تواجه نظراته ، لذلك حوّلت وجهها الى ناحية أخرى ، هذه هي المرة الأولى التي يتواجهان فيها ، فالنزاع العائلي كان يقف حاجزا بينهما ، إنها تكرهه لأنه من العائلة المعادية ، وتكرهه لأنه اسدى اليها معروفا ، وتكرهه لأنه عانقها بالقوة ، هذا هو عناقها الأول ، لم تكن تتصوره على هذا الشكل وليس مع عدوها العائلي.
قالت بعد تردد محاولة ان تبدو حازمة وجادة:
"لكن إصطيادك السمك يعتبر إعتداء على أملاك الغير.
جلجلت ضحكة نيال وهو يقول:
" أملاك الغير ؟ حسنا يا آنسة ماكاي ، لن تكون هذه هي المرة الأولى التي أعتدي فيها على أملاك الغير ولن تكون الأخيرة ايضا".
حلّت الدهشة محل الخوف في نفس اليسون التي أدركت أنه لن يؤذيها ، قالت له بإستغراب:
" ماذا تعني بذلك؟".
ردّد جملتها:
" ماذا تعني بذلك ؟ هل انت صماء ؟ لقد قصدت هذه الناحية مئات المرات ، وكذلك أخوتي ، وتاكدي أن البستاني وأليك وكلابكم لم يعرفوا ابدا".
قالت :
" أنا سأخبرهم وسنطالب بإعتقالك".
"آه لقد جعلتني ارتجف من الخوف جربي ذلك ، وسوف تتحولين الى اضحوكة القرية فاين الدليل؟".
" ساخبرهم بما أخبرتني به".
هز راسه بتهكم:
" هل ستفعلين بعد اليوم، وتتركينهم يسألونني كيف حصلت على هذا الجرح ؟ ماذا تريديني ان اخبرهم ؟ هل أخبرهم أنك تعركت معي ؟ ام أخبرهم الحقيقة؟".
إتسعت البسمة على شفتيه في حين ضمّت أليسون قبضتها وهي تشعر بالحقد أكثر فاكثر ، يا له من وقح ، إنه يملك جوابا لكل شيء ، وهي تضيّع وقتها في الحديث معه ، رفعت رأسها ووقفت في وجه بصلابة وعناد:
" هيا خذ أسماكك وإرحل ، لا بد انك بحاجة الى مكافأة على إنقاذك لي ، سمك الترويت هو المكافأة".
أدركت أليسون أن كلامها صدمه ، وجاءت كلماته لتؤكد ذلك :
" من المؤسف ان احدا لم يستطع أن ينزلك من عليائك أيتها المتمردة".
اجابته وهي تستدير مواصلة السير:
" من أنت ؟ إنك تضحكني فعلا".
" ربما استطيع ذلك في يوم من الأيام".
ركضت أليسون بإتجاه البيت ، ولم تخبر أحدا بما حدث حتى ولا أليك الذي كان يوصل إحدى الفتيات الى بيتها ، ولذلك لم يقل لأبويه أنه لم يوصل اخته الى المنزل.

عبرت أليسون الان الجدول المائي ، وقد ملأت الذكريات القديمة رأسها ، لا شك أن نيال قال الكلمات القاسية الأخيرة دون أن يعنيها ن إذ أنه بعد ايام من حادثة الجدول غادر البيت ولم تعد تراه ابدا.
كان الفرق واضحا جدا بين الشاب المشاكس الذي شاهدته لآخر مرة عند الجدول وبين الرجل الذي أصطدمت به بعد ظهر هذا اليوم ، فقد تغيّر تماما ، كتفاه أصبحتا أعرض وبنيته أكثر قوة ، فالشاب ذو الطباع الحادة اصبح رجلا ناضجا ، ووجهه الساخر بات يحمل ملامح السنوات وتجارب الأيام.
واصلت اليسون سيرها نحو البيت ، وهي تدرك ان جسي ستهتم كثيرا عندما تخبرها عن هوية الرجل الذي إلتقته اليوم ، بعكس أمها التي كانت تضيق ذرعا بإصرار اليك على مقاتلة نيال ولا تفهم لماذا يستمر النزاع في التأثير على حياة العائلتين بعد هذا الزمن الطويل.
لكن عندما دخلت أليسون البيت ، طارت من ذهنها كل أحداث اليوم بمجرد رؤية التعبير الذي حمله وجه أمها ، التي أسرعت تستقبلها فور سماعها صوت فتح الباب ، كان في الجو نوع من القلق ، لذلك سالت أليسون على الفور:
" أمي ماذا في الأمر؟"
" أنهيت لتوي إتصالا مع جون ستيوارت الراغب في شراء البيت وقد ابلغني أنه آت لزيارتنا غدا".
خفق قلب اليسون بشدة لدى سماعها النبأ ، ونظرت الى أمها بأسى واضح ، كان هناك شيء آخر في نفس أمها ، قالت لها:
" حسنا فليأت".
" شيء آخر يا اليسون".
" نعم".
" آه.... لا شيء".
لكن يد الأم التي إرتفعت الى خدها عكست طبيعة الإضطراب الذي تعانيه هذه السيدة.
" امي ، ماذا في الأمر ؟ هل اعدت التفكير بقرارك؟".
" لا، لا...... انني .... انني لست على ما يرام".
ركضت الأم بإتجاه غرفتها وكأن احدا يطاردها ، وقفت أليسون ترقب المنظر وقد احست بان أمها مصابة بإضطراب في الأعصاب ، لكنها لم تستطع أن تحدد سبب ذلك.
إستيقظت أليسون صباح اليوم التالي وقلبها مثقل بالهموم والأحزان ، وطوال الوقت كانت تحس كمحكوم بالإعدام ينتظر لحظة تنفيذ الحكم ، لم تستطع ان تنام جيدا أمس وقد إنعكس القلق دوائر سوداء وحمراء حول عينيها.
الرجل الراغب بشراء البيت سيأتي الساعة العاشرة ، عند الساعة التاسعة والنصف إكتفت أليسون بإحتساء فنجان من القهوة لأن نفسها كانت رافضة للأكل ، وسرعان ما وجدت نفسها عاجزة عن الإنتظار ولذلك قررت الذهاب هي والكلب في نزهة قصيرة.
طفرت الدموع من عيني أليسون عندما توقفت في الحديقة لتتامل البيت الضخم الذي يحمل كل الذكريات ، لقد ولد ابوها واجدادها هنا ، وكذلك هي وأليك ، ولم تكن لتحتمل فكرة أنتقال البيت الى اناس غرباء ، لكن المطلوب معجزة للإبقاء عليه.
سارت اليسون ببطء مع الكلب وسط الأشجار والأعشاب البرية دون إتجاه محدد ، ولعل ذكريات الأمس قادت خطاها فوجدت نفسها تقصد الجدول المائي ، عبرت الكثير من الأشجار الكثيفة المتشابكة قبل أن تصل الى الجدول حيث وقعت تلك الأحداث المؤلمة قبل تسع سنوات ، وما أن أطلت على المكان حتى شهقت بصوت خافت عندما رات شخصا يقف عند طرف الجدول ، ألتفت الرجل نحوها ، لم يكن شبحا مرعبا بل هو رجل من لحم ودم وأكثر نضجا من المرة السابقة التي راته فيها في المكان نفسه، المكان نفسه والشخص نفسه.... لكن بعد تسع سنوات ، هناك وقف نيال ماكبين يراقبها ، وكأنه كان ينتظر مجيئها الى الجدول!

 
 

 

عرض البوم صور سيريناد   رد مع اقتباس
قديم 15-05-20, 04:15 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2018
العضوية: 328781
المشاركات: 405
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيريناد عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيريناد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيريناد المنتدى : روايات أحلامي
افتراضي رد: 309 - نهر الذكريات _ ليز فيلدينغ _ روايات أحلامى مكتوبة

 

الطريق الى القلب

سارت أليسون ببطء نحونيال وهي تجر الكلب الى جانبها ، أحست برغبة طفولية في طرده من المكان ، لكنها تذكرت انها لم تعد طفلة ، ومع ذلك لا شيء يدعوها للترحيب به ، لذلك قالت له عندما إقتربت منه ما فيه الكفاية :
" ماذا تفعل هنا؟".
" اتجول في هذه الطبيعة، وأفكر فقط".
كان جوابه هادئا ولا مباليا تماما كالتعبير الذي حملته عيناه ، كان هذا الرجل ، بهدوئه وسكونه ، نقيض الشاب ذي الطباع النارية الذي تذكره أليسون ، لقد أصبح رجلا ناضجا وهو يدرك هذه الحقيبة تماما ، على كل حال إنها الان في مواجهة معتد على اراضيها ، لذلك قالت له:
" أما زلت تتمتع بالتسلل الى اراضي الغير؟".
" انت مخطئة يا آنسة ماكاي".
تعمّد نيال ان يصمت قليلا وكأنه يريدها أن تتذكر الماضي بكل تفاصيله ، ثم تابع قائلا بصوت ناعم:
" انا مدعو الى هذا البيت".
" مدعو ؟ لا أصدق ابدا... إلا".
توقفت اليسون عندما لمحت الإبتسامة العريضة على وجهه:
" أنا مدعو من قبل امك ، ألم تخبرك عن حضوري؟".
"لا ... لم ... إنك لست".
لم تستطع ان تكمل عبارتها ، وإحتاجت الى نفس عميق كي تضبط عصابها ، فإذا كان ما يقوله صحيحا ، فهذا يعني أنه الغريب الآتي للأطلاع على البيت بقصد شرائه.
تداركت الوضع وأضافت تقول:
" أتريد ان تقول إنك الشخص الراغب في شراء البيت؟".
نظر الى ساعته وهو يقول:
" اجل ، جئت الى هنا أبكر من الموعد ، لذلك قررت أن آتي من هذا الطريق ، في كل حال هذا سيوفر عليك مشقة تعريفي الى المنطقة على أساس أنني شاهدتها بنفسي الان ، أليس كذلك؟".
أحست اليسون بنغمة ساخرة في كلماته التي عزفت على وتر حساس في ذاكرتها.
ردّت الهجوم الساخر بأقسى منه قائلة:
" أنا متأكدة أنك تعرف كل شبر فيها".
منتديات ليلاس
ومع ذلك كانت الصدمة ما زالت مسيطرة عليها ، الان فقط أدركت سبب توتر أمها الليلة الماضية ، فقد عرفت انها ستثير غضب أليسون إذا ما كشفت هوية المشتري ، فيما بعد ستتفاهم مع امها حول هذه المسالة ، أما في هذه اللحظة فعليها ان تتعامل مع الواقع الجديد ، في هذه الأثناء كان الكلب يدور حول نيال غير متأكد ما إذا كان صديقا أو غريبا ، لكن يدا مداعبة من الرجل جعلت الكلب يهدأ ويجلس عند قدميه ، فجأة صرخت اليسون:
" راستي ، تعال الى هنا".
كانت قد بدأت تشعر بالإنزعاج من وجوده هنا ، لذلك إستدارت عائدة الى البيت وهي تتمنى أن يكون الأمر كله مجرد حلم ، أو أن يغيّر نيال رايه ويرحل بعد إهماله له.
سمعت وقع اقدام خلفها ، ثم جاء صوته:
" قاربت الساعة العاشرة ، وسوف اتوجه الى البيت الان".
إنتفض شيء في صدر أليسون ، فإلتفتت لتجده خلفها تماما ، قالت:
" إتهت اللعبة ، بعد هذه المزحة السخيفة عليك أن ترحل ، إنني افضل الموت على ان يذهب البيت اليك".
تقلصت عضلات وجهه فجأة ، لكن صوته كان هادئا وناعما:
" أمك هي التي ستقرر الأمر ، وليس انت".
حدّقت اليسون مباشرة في عينيه ، وردّت بتحد:
" امي تريد بيع البيت ، ولكنها لن تقدمه لأحد مقابل ماله ، إذا كنت تفهم ما اقصده".
إتشح وجه نيال بالغضب الشديد، لكن أليسون لم تكن تهتم لشيء:
" لذلك لا تعتقد انك تستطيع إضاعة وقتنا ، فأنت تريد فقط الشماتة بوضعنا المتدهور".
" لمعلوماتك فقط ، انا أملك المال اللازم لشراء البيت لأجراء الإصلاحات الضرورية فيه ، فلقد سمعت انكم تركتم البيت في حالة يرثى لها خلال السنوات القليلة الماضية ، وكان من الأفضل أن تستعملي حبك للبيت للحفاظ عليه من التداعي".
شعرت اليسون وكأن خنجرا حادا يضرب صدرها مع كل كلمة اطلقها ، كانت عاجزة عن الرد خاصة أنها تدرك في اعماقها أنه يقول الحقيقة المجردة ، كان عليها ان تدرك ذلك منذ البداية ، فالثروة زادت من تباعد شخصية هذا الرجل عن شخصية الشاب المراهق الذي عرفته قبل سنوات ، صحيح ان طباعه ما زالت حادة ، لكنه مسيطر على نفسه بشكل اثار الخوف في نفسها ، وبسبب هذه العوامل كلها ، فإنه خصم عنيد وخطير عليها ان تواجهه بحذر ، ولن تؤذي إلا نفسها إذا ما فقدت أعصابها امامه.
تنفست بعمق وهي تجاهد للحفاظ على أعصابها:
" إنه في حالة رثة ، فلماذا أنت مهتم بشرائه؟".
" كنت مهتما به طوال حياتي ، لقد صممت على هذا قبل مغادرة القرية وقلت عندما اصبح ثريا بما يكفي ، ويصبح البيت للبيع..... سابتاعه".
رفعت اليسون وجهها متحدية:
" لنفترض أن امي رفضت البيع؟".
نظر اليها بتعجب وقال:
" ولماذا ترفض؟ إنكم لا تستطيعون تحمل الوضع أكثر من ذلك ، والمال الذي اقدمه أنا مناسب ، أنها ستقبل البيع".
" ربما لكن ليس لك".
رد بقسوة واضحة:
" ليس هناك أحد سواي يرغب في الشراء ، لا أحد... والمتسولون لا يمكن أن يختاروا ويحدّدوا".
إنتفضت اليسون بشدة :
" كيف تجرؤ على هذا الكلام؟".
" لم ابدأ بعد ، وساضطر الى إستعمال كلام أكثر قسوة ، لأواجه فظاظتك التي لا تحتمل".
من الواضح أنه غاضب جدا ، بالإضافة الى شيء آخر كانت اليسون تحسه ، يبدو عليه انه يتمتع بتقريعها ، لذلك قررت الإنصراف فورا دون أن تعطيه الفرصة لزيادة الأوضاع سويا.
إستدارت دون أن تنبس ببنت شفة وبدات السير نحو البيت ، ولما لم تسمع حركة خلفها داهمتها رغبة لا تقاوم بالإلتفات الى الخلف ، فرأته واقفا بهدوء...... يراقبها وهي تبتعد عنه.
تساءلت أليسون وهي تراقب العجوز المنهمكة في إعداد الغداء:
" ماذا يمكننا ان نفعل يا جسي؟".
أجابت جسي بإستسلام:
" وماذا نستطيع أن نفعل يا صغيرتي ، فأمك لا تملك أي خيار ، على كل ، كان يجب أن تكوني معهما في الصالة الآن".
هزّت أليسون رأسها رافضة وقالت:
" صدقيني لا استطيع ، لا اريد حتى أن كلمه ، فكيف مجالسته وإحتساء القهوة معه وكأننا صديقان قديمان؟".
قالت جسي بإبتسامة عريضة:
" كنت متأكدة أنك ورثت بعض صفات عائلة ماكاي ، لكن الحقيقة أن نيال أصبح رجلا ناضجا ووسيما وأنيق المظهر ، تماما كما كان ابوه في شبابه ".
كادت اليسون أن تسكب القهوة على ثيابها عندما سمعت هذه الكلمات ، وتساءلت بإستنكار:
" تقولين وسيم؟ إنه أشبه بقرصان قذر ، كانوا يلقبونه بنيال الأسود والواقع ان الإسم ينطبق عليه الان أكثر من أي وقت مضى".
" ربما كنت على حق في إعتقادك هذا ، لكنك لا تستطيعين إنكار أنه أصبح رجلا قوي البنية والشخصية ، ولا شك انه حطم العديد من القلوب خلال رحلاته الطويلة حول العالم".
عدّلت أليسون من جلستها وكأنها تذكرت شيئا مهما:
" جسي ، كيف تفسرين حصوله على المال الكافي لشراء البيت ؟ لقد أمضى السنوات الماضية في البحرية التجارية ، أليس كذلك؟".
" اعرف انه عمل في البحرية ، مسالة حصوله على المال تبقى سرا بالنسبة الي أيضا ، والغريب انني لم أسمع في القرية شيئا عن هذه المسالة ، في كل حال ، المعروف عن الرجل العجوز أنه لا يتحدث أبدا عن ابنائه".
قطع قرع الجرس في الزاوية حديثهما ، فإلتفتتا الى بعضهما ، قالت جسي بهدوء:
" الجرس لك ايتها الكسولة ، قالت أمك أنها ستقرعه عندما تريدك الى جانبها".
نهضت أليسون من مقعدها وقد عاد اليها خوفها وتوترها ، ومع انها كانت في بيتها الذي عاشت فيه طيلة حياتها ، إلا أنها كانت ترتجف لمجرد التفكير بانها ستدخل الى الصالة لمقابلة الرجل الذي تكرهه، وأكثر ما ضايقها ذلك الشعور بالعجز عن فعل أي شيء لمواجهته.
سارت عبر القاعة الواسعة وفتحت باب الصالة ، كانت أمها تجلس في مقعدها قرب المدفأة مرتدية تنورة بسيطة بنية اللو ن ، وسترة صوفية خفيفة من اللون نفسه ، وللحظة شعرت اليسون بالشفقة اتجاه هذه المرأة التي إضطرت لملاطفة عدوهم البغيض بسبب وضعهم المالي الرديء ، ثم نظرت بإتجاه الرجل الواقف قرب النافذة ، وفي اللحظة ذاتها ألتفت الرجل فإلتقت نظراتهما حاملة مشاعر العداء الصامت والمتبادل.
بدات الأم حديثها وقد مدت يدها الى أليسون التي أحستها باردة ومرتجفة:
" عزيزتي أليسون ، أريدك ان تأخذي السيد ماكبين في جولة لرؤية البيت والراضي الملحقة به".
حاولت أليسون التدخل فقالت:
" لكن يا أمي......".
إلا ان ضغط الأم حمل رسالة واضحة لأليسون ، قالت السيدة ماكاي مخاطبة نيال:
" هل أنت مستعد الآن؟".
هزّ نيال راسه محادثا الأم ومتجاهلا الإبنة كليا:
" إذا كان ذلك مناسبا لك يا سيدة ماكاي".
" بالطبع".
حاولت الأم ان تتكلّف إبتسامة إلا انها عجزت ، وقد أدركت أليسون ان أمها تعاني ضغطا نفسيا كبيرا ، وتساءلت عما إذا كان نيال قد أزعجها ببعض الكلمات النابية:
" سالت أمها بصوت خافت:
" هل أنت على ما يرام يا أمي؟".
" لا شيء ن يا عزيزتي ، أريد فقط بعض الوقت للتفكير".
تساءلت أليسون في سرها – بماذا تريد ان تفكر ؟ وقبل أن تفقد المبادرة مجددا ، إستدارت نحو الرجل وقالت له:
" هل يمكن ان تنتظرني في القاعة ؟ ساكون معك بعد لحظات".
خرج نيال بهدوء وثبات من دون أدنى تردد ، وما أن اغلق الباب خلفه حتى ركعت أليسون الى جانب امها وقالت بلهفة:
" هيا اخبريني ، هل كان فظا معك ؟ هل حاول ان يجبرك على خفض السعر؟".
هزت الأم رأسها وعلامات التعب والإرهاق بادية على محياها:
" كلا يا أليسون ، ليس كما تتصورين ، لم ينطق باية كلمة في غير مكانها ، فقط أريد إعادة التفكير في بعض الأمور ، وأعدك بأنني سأحدثك بالأمر لاحقا ، وأرجوك يا إبنتي ، من اجلي أنا على الأقل ، أن تحاولي عدم إظهار كرهك له بشكل واضح".
ردّت اليسون بمرارة شديدة:
" هل تتوقعين مني أن خذه في الجولة وأنا أمسك يده بيدي؟".
اجابتها الأم بإبتسامة كبيرة:
" لا اعتقد انه يتوقع ذلك ، لكن حاولي الإعتدال ، فهو ليس سيئا الى الحد الذي تتصورينه".
إبتلعت اليسون كلمات قاسية كانت ستقولها بحقه ، وإكتفت بالقول:
" حسنا ، ساحاول جاهدة ، هل تعتقدين أنه سيشتري؟".
هزّت الم رأسها بأسى:
" أعتقد انه سيشتري ، لكن هذه هي الحقيقة ، وأكون مغفلة جدا إذا رفضت عرضه ".
نهضت أليسون وتوجهت الى الباب وقدماها لا تكادان تحملانها.

ما كانت تظن أن البيت متداع الى هذا الحد ألا عندما رأته من خلال عيني رجل غريب ، فقد راقبته وهو يدقق في النوافذ والجدران والسقوف والأرضيات في غرف النوم السبع التي أخذته اليها ، أحست بالخجل العميق لحالة البيت المتردية خاصة أن الذي يراها هو عدوها اللدود.
أخرج نيال من جيب سترته دفترا صغيرا وراح يسجل عليه بعض الملاحظات وهما يواصلان جولتهما ، لم تكن أليسون في مزاج يدفعها للحديث المسهب ، بل إكتفت بتعليقات مقتضبة حول بعض الأمور الضرورية ، وكانت الأسرّة والأغطية الحريرية في الغرف غير المستعملة خير شاهد على مجد زائل تمتعت به هذه العائلة قبل سنوات.
تمهّلت أليسون عند اسفل السلم المؤدي الى العليّة وقالت:
" هل تريد رؤية الغرف الصغيرة في العليّة؟".
" إذا لم يكن عندك مانع".
كان هناك شيء غير عادي في تصرفاته ، إنتظرها حتى تفتح الطريق أمامه.... وعندها أدركت أليسون أنه ربح المعركة لا محالة.
في هذه الغرفة الصغيرة الرطبة ، تراكمت كل الأغراض القديمة التي إستغنت عنها العائلة مثل الكتب والمجلات واللوحات الباهتة وألعاب الأطفال وغيرها ، فكّرت أليسون ان كل شيء هنا يجب أن يرمى لأن الكوخ لن يستوعب كل هذه النثريات ، عبّر نيال وسط هذه الفوضى العارمة وألقى نظرة من خلال النافذة ثم قال وكانه يخاطب نفسه:
" اعتقد ان هذا يكفي".
ثم إستدار نحوها قائلا:
" كم غرفة في العلية ، غير هذه؟".
أجابت:
" اربع غرف ، كلها مثل هذه".
سجّل بعض الملاحظات في دفتره ، وقال:
" حسنا ، سأراها في وقت آخر ، يمكننا أن ننزل الى الطابق الأرضي الان".
عاد الى حيث كانت أليسون ثم سارا معا.
إستغربت اليسون عبارته الأخيرة خاصة أنها لاحظت تعابير الإرتياح على وجهه وهو يتفحص العلية وكانه عثر على شيء يريده ، لكن ما هو هذا الشيء ؟ لا أحد يحتاج العلية إلا إذا كان يملك عائلة كبيرة ، لكنه رجل غامض على أي حال ، أخذته الى كل الغرف في الطابق الأرضي بإستثناء الغرفة التي كانت تجلس فيها أمها مع الكلب ، وعندما ادخلته الى الغرفة الزجاجية الخاصة بالنباتات قال بإعجاب واضح:
" هذا شيء جميل ، من الذي يهتم بكل هذه النباتات؟".
ردّت أليسون بإقتضاب:
" انا ، والآن ساريك غرفة الرسم ، من هنا الطريق".
عبرا ممرا واسعا يجاور الغرفة الزجاجية ويصل مباشرة الى الغرفة المفضّلة عند اليسون ، والتي تستعملها والدتها للرسم ، كانت الغرفة قد اضيفت الى البيت قبل سنوات وهي مبنية من الحجر الناعم الصلب وفيها نوافذ عديدة بحيث يطغى عليها النور طيلة اليوم ، وفي كل مكان ، كانت اللوحات ترتاح على الجدران والمقاعد والكراسي والطاولة ، ومن بينها لوحة للوادي لم تجف الوانها بعد ، وقف نيال امام هذه اللوحة يتأملها ، فأحست أليسون برغبة في طرده من المكان .. لكنها وقفت في مكانها بصمت في حين كانت يدها تضغط بغيظ مكتوم على مقبض الباب ، وسرعان ما شعرت بالتعب والإرهاق الإضطراري الى كبت كل الرغبات العدائية ضده ، بعد دقائق ألتفت اليها قائلا:
" والآن ، هل يمكننا رؤية الحدائق؟".
اجابته بقسوة هادئة:
" لقد شاهدتها من قبل ، أليس كذلك؟".
قال وملامح بسمة ساخرة تعلو شفتيه:
" لم اشاهدها كما يجب لأن زياراتي لها كانت ليلا ، اريد ان أراها في ضوء النهار ، بما في ذلك الكراج والكنيسة ".
رمقته أليسون بنظرة حادة وقالت:
" لكنها لم تستعمل منذ زمن طويل".
"ومع ذلك اريد ان اراها إذا امكن".
وكانت العبارة الأخيرة دليلا على انه مصمم على تنفيذ كلامه ، إبتلعت اليسون متوترة ومتعبة بحيث تعثرت على السلم الحجري المؤدي الى باب البيت ، وبسرعة مد يده يسندها ، فأحست بلمسته تحرق ذراعها ، إستعادت توازنها على الفور وإبتعدت عنه قائلة:
" شكرا لك".
احمر خداها عندما شاهدت نظرة إلتهام في عينيه أحست بأنه يكرهها بقدر ما تكرهه هي ، وتساءلت في سرها عما إذا كان يتذكر الحادث الذي وقع بعد حفلة الرقص قبل تسع سنوات ..... وإذا بها تتذكّر عبارته الأخيرة التي اطلقها في ساعة الغضب:
" إنك بحاجة لمن ينزلك من عليائك".
هل تكون هذه طريقته في الإنتقام منها ؟ رمقته اليسون بسرعة وهي تفتح الباب الأمامي ، فإلتقت عيناه عينيها في لمحة عابرة كانت تكفي لبث الرجفة في اوصالها ، أخذت نفسا عميقا وقد احست بالخوف المفاجىء منه ، إذا كان ينوي الإنتقام فعلا ، فإنه يفعل ذلك بطريقة مرعبة للغاية ستستمر طيلة حياتها ، فهي تدرك انها لن تنسى أبدا الشخص الذي حرمها من بيت ابيها وأجدادها.
إعتقدت اليسون أن الاسوأ قد إنتهى بعد إنتهاء الجولة التفقدية ، لكن الأسوأ فعلا حدث عندما عادا معا الى حيث تنتظر الأم ، رفعت السيدة ماكاي ناظريها الى نيال متجاهلة إبنتها وسالته:
" هل قلت لها شيئا؟".
هز راسه بالنفي واجاب:
" لا من الأفضل أن تقومي انت بالمهمة يا سيدة ماكاي".
سالت اليسون وقلبها يخفق بشدة:
" ماذا في الأمر؟ هيا اخبراني".
إقترب نيال حتى أصبح وجهه بمواجهة السيدة ماكاي وقال:
" العرض قائم يا سيدة ماكاي ، قولي كلمة الموافقة وسنذهب الى المحامي صباح يوم الإثنين".
" امي ارجوك ، قبل ان تقولي أي شيء آخر أخبريني عما كان يجب ان يبلغني إياه".
كانت أليسون متقطعة الأنفاس وكانها وصلت لتوها من سباق سريع ، فهي تدرك ان اللحظات القليلة المقبلة ستحمل قرارا حاسما لا رجعة عنه في ما يتعلق بالبيت.
نظرت الأم الى إبنتها بحزن معبر وقالت:
" السيد ماكبين يريد ان يحوّل البيت الى فندق".
" يا ألهي......لا".
منتديات ليلاس
اغمضت اليسون عينيها ، وتذكرت على الفور الملاحظات العديدة التي دوّنها في مفكرته خلال الجولة.... الان عرفت لماذا ، بيتها الذي عاشت فيه طيلة حياتها سيتحول الى فندق يؤمّه الغرباء من كل حدب وصوب ، يتجولون فيه ، يتنزهون في حدائقه ويصطادون السمك في الجدول الخاص بالعائلة...
" لا يمكنك أن تفعلي ذلك... لا تتركيه يستولي على البيت".
نظرت اليسون اليه بغضب ، وتمنت للمرة الأولى في حياتها أن تكون رجلا ، لأنها ارادت أن تحطم عنفوانه وتعاقبه بالطريقة الوحيدة التي يفهمها... القوة.
اضافت وهي ترتجف:
" لا تبيعيه يا امي.... سوف نجد شاريا آخر".
إستدار نيال نحوها وعلى وجهه عبارات الإشفاق التي سرعان ما إختفت لتحل مكانها ملامح مبهمة لا معنى لها:
" ربما من الأفضل ان اخرج قليلا إذا ما كنتما تريدان مناقشة الموضوع".
قالت الأم:
" لا ضرورة لذلك ، وانت يا أليسون إلزمي الهدوء ارجوك".
جلست أليسون بالقرب من أمها وجاهدت كي تحبس دمعات تجمّعت في عينيها بغزارة ، لا يمكنها أن تفعل شيئا الان ، فالأم قد أخذت قرارها وإنتهى الأمر ، قبعت أليسون منعزلة تراقبهما ، قالت الأم:
" ارجوك ان تجلس يا سيد ماكيين ، فهناك بعض الأمور التي يجب أن نناقشها".
جلس في المقعد المقابل لمقعديهما ، وسرعان ما جاء الكلب وربض عند قدميه ، مد نيال يده لمداعبة الحيوان الساكن وقال:
" الكوخ الذي تريدون الأحتفاظ به ، هل هو ذلك الذي يقع قرب الوادي؟".
" نعم ، إنه مكان منفصل ، واعتقد أننا نستطيع إنشاء ممر يؤدي اليه من الطريق العام".
" كما تريدين ، فالأمر غير مهم بالنسبة اليّ ، كما يمكنكم إستعمال الأراضي والحدائق إذا أردتم ". تردد قليلا قبل أن يضيف:
" أما بالنسبة لغرفة الرسم فانا لا اريد أن آخذها منك ، فإذا رغبت في الإستمرار بإستعمالها .... فهي لك".
سمعت اليسون شهقة الدهشة وعدم التصديق التي اطلقتها امها قائلة:
" ماذا ؟ هذا لطف منك ، هل انت متاكد؟".
" كل التأكيد ، نستطيع ان نفتح بابا مستقلا للغرفة بعد أن تغلق الباب الذي يربطها بالبيت ، بحيث لا يصل اليها الزبائن... وبالطبع سيكون المفتاح معك".
" شكرا لك ، فالكوخ لن يتسع لكل اللوحات وأدوات الرسم...وكنت أفكر فيما يمكن ان افعل بها".
قالت أليسون لنفسها بمرارة : ( إنها تتصرف وكانه اسدى اليها معروفا كبيرا ).
" وماذا عن الجزيرة يا سيدة ماكاي ، متى استطيع ان أراها؟".
صرخت اليسون:
" امي لا أظنك ستبيعين الجزيرة ايضا".
نظرت اليها أمها بتثاقل:
" طبعا ، فالجزيرة ملحقة بالبيت كما تعرفين ، وبالإضافة الى ذلك ، لا أعتقد اننا بحاجة اليها".
" انا أذهب اليها كثيرا ، وأنت ترسمين هناك.......".
" انا متاكدة من ان السيد ماكيين لن يمانع في ذهابنا الى الجزيرة بعد بيعها".
ثم إلتفتت الى نيال وتابعت تقول:
" المناظر من هنا رائعة جدا ، وهي تشحذ خيال الرسام".
إبتسم بهدوء وقال:
" لا شك في ذلك ، ربما أقوم بإصلاح الكوخ في الجزيرة ، ثم اؤجرها كمكان لقضاء شهر العسل".
" يا لها من فكرة رومنطيقية".
ضمت السيدة ماكاي يديها الى صدرها بفرح طفولي ، في حين رمتها أليسون بنظرة خائفة باردة ، أما هو فقد نظر اليها بسخرية واضحة ، لم يعد يهمها شيء ، فلن يحدث بعد الآن اسوأ مما حدث لغاية اللحظة.
" ستأخذك أليسون الى الجزيرة بعد الظهر".
ردّت أليسون على الفور واضعة كل فظاظتها في كلماتها:
" اظنك تعرف طريقك الى هناك تماما يا سيد ماكيين ؟وأظن انك ستتدبر أمورك بشكل افضل إذا ما كنت لوحدك".
اجابها بهدوء قاتل:
" افضّل ان تاخذيني بنفسك ، فالقارب هو قاربك وأنا أخشى ان أسيء إستعماله".
نقلت الأم نظرها بين الإثنين وقد أحست الجو المشحون بينهما فإزداد تمزقها بين إتخاذ القرار والتراجع عنه.
فجاة ، نهضت اليسون واقفة:
" سآخذك بعد الظهر ، اما الان فإعتذر منكما لأن هناك اشغالا عديدة تنتظرني".
أنهت عبارتها الأخيرة ثم غادرت الغرفة فورا ، قاصدة المطبخ لإفراغ كل شحناتها وإنفعالاتها امام جسي..... التي ستفهم مشاعرها ، خاصة بالنسبة الى الجزيرة ، بعكس امها التي بدت وكأنها تميل للعدو أكثر من ميلها الى إبنتها.
في ظرف غير هذا ، كانت رحلة القارب في الجدول الساكن متعة حقيقية في ذلك النهار الدافىء.... لكنها ليست كذلك مع هذا الرجل ، ركّزت أليسون نظرها على المجدافين ، محاولة تناسي عدوها الجالس قبالتها.


كان قد عاد بعد الظهر في ثياب غير تلك التي شاهدته بها صباحا ،ولو لم تكن أليسون تحمل له كل الكراهية والإشمئزاز لوافقت جسي على قولها بأنه ذو مظهر انيق وجذاب ، فقد كان طويل القامة عريض المنكبين وقوي البنية دون إمتلاء ، فكرت بأن العمل في البحر اعطاه هذا القوام الممشوق ، لكن من اين حصل على ثروته؟
لم يكلما بعضهما منذ أن غادرا البيت ، إذ لا شيء بينهما يقال ، حدّقت أليسون في المدرسة التي بدت من البعيد وكانها لعبة أطفال ، كم كانت مرتاحة الباب قبل يومين ؟ كان يوما مشؤوما عندما جاءت السيارة الزرقاء الى القرية ، فقد حملت معها كل المتاعب والمشاكل.
اصبحا قريبين الان ، وباتت الجزيرة في متناول النظر ، لم تكن الجزيرة كبيرة ، مجرد ربع ميل مربع تقريبا ، لكنها من الكبر بحيث تضم بعض الكهوف والعديد من الشجار والزهور البرية ، وكوخا حالما وسط حدائق جميلة.
وصل القارب الى شاطىء الجزيرة وتوقف في الخليج الصغير المخصص للرسو ، قفز نيال برشاقة الى الشاطىء ثم سحب القارب وربطه في وتد خشبي متين ، وقبل ان يمد يده لمساعدة اليسون ، كانت هي قد قفزت الى البر متجاهلة يده ، تلفت نيال حوله ثم قال بإعجاب ملحوظ:
" رائعة........ ألا تعتقدين ذلك؟".
ردت بإختصار جاف:
" أجل ، اين تريد ان تبدأ ؟".
نظر اليها بعمق وقال :
" من الكوخ على ما أعتقد".
" كما تريد".
سالها بنعومة:
" هل تستطيعين التسلق ، ام انك بحاجة الى مساعدة؟".
نظرت اليه بإستغراب دون أن تحاول إخفاء إمتعاضها:
" منك أنت ؟ لا شكرا....استطيع تدبر امري من دونك".
خيّم الصمت للحظات ، ثم قطعه نيال بصوت حاد مباشر:
" دعيني اوضح لك الأمور ، إذا كنت تعتقدين أنك بتصرفاتك الطفولية السخيفة قد تجبريني على التخلي عن شراء البيت ، فأنت مخطئة ، تصرفاتك ستزيد من تصميمي على الحصول عليه".
واجهته بتحد قائلة:
" هل تريده فعلا ؟ ام أنك صممت على ذلك منذ سنوات بعيدة ؟ لقد إخترت طريقة قاسي للإنتقام مني ... لا تعتقد انني نسيت ... ابدا".
نظر اليها مدهوشا وقال:
" الإنتقام ؟ ماذا تقولين ايتها الفتاة؟".
" لا تتظاهر بالبراءة ... إن ذاكرتي قوية".
حدّق فيها بإمعان قائلا:
" يبدو أن ذاكرتك اقوى من ذاكرتي...ومن الأفضل ان تخبريني الآن".
روت أليسون كل تفاصيل الحادث الذي وقع قبل تسع سنوات بالقرب من الجدول.... وعندما إنتهت هز نيال راسه قائلا وإبتسامة خفيفة تلوح على شفتيه:
" إذن هذه هي المسألة؟ هل تعتقدين أن كلاما سخيفا قلته في لحظة غضب يمكن أن يدفعني الى تغيير حياتي ، فقط كي انتقم من فتاة ما؟ يا الهي ، إنك أكثر غباء مما تصورت".
وللحظات احست اليسون بالصدق في كلماته ، لكنها إستدارت فورا وبدأت تتسلق التلة التي يقوم عليها الكوخ في محاولة يائسة للهرب منه ومن أجوبته الجاهزة ابدا ، ما زال نيال الشخص العنيد الواثق من نفسه ، والشيء الوحيد الذي تغيّر هو مظهره الخارجي ، غذ لم يعد ذلك الفتى المهتز الشخصية بل صار رجلا يستطيع تحقيق كل ما يريد ، وها هو قد كسب حتى الان أمها... والكلب راستي.
تساءلت في سرها : ( دور من بعد ذلك ؟ بالتأكيد ليس جسي ؟ ) قلّبت اليسون اتساؤلات في ذهنها وهي تواصل سيرها نحو الكوخ ، لن يكون الأمر محتملا إذا ما كسب نيال جسي ووجدت نفسها وحيدة في مواجهته ، صحيح أن ميغ هي صديقتها الحميمة وتعيش في مكان قريب ، لكنها لن تفهم مشاعرها وظروف العداء التاريخي إتجاه عائلة ماكيين .... وحده شقيقها أليك يقدر الوضع ، لكنه بعيد جدا... جدا ، وهو عاجز عن فعل أي شيء حتى لو أخبرته ان البيت سيذهب للاعداء ... وانه سيتحول الى فندق.
وقبل ان تصل الى قمة الدرج الصخري الضيّق ، زلت قدمها قليلا مما ادى الى إنهيار بعض الصخور الصغيرة ... لم تستتطع أن تحذر نيال الذي كان يتبعها ، وعندما إلتفتت اليه كانت الصخور قد أصابت يده وأخذ الدم ينزف بغزارة.
حاولت ان تساعده على صعود المسافة القصيرة المتبقّية ، لكنه تجاهل يدها الممدودة نحوه واخرج منديلا من جيب سترته وضمّد به يده المجروحة ، فقالت له:
" انا آسفة.... إنه حادث عارض".
" هل هو حادث فعلا".
وجه اليها نظرة صارمة ، ثم سار بإتجاه الكوخ الذي اصبح مرئيا وسط الأشجار الكثيفة، اسرعت اليسون كي تلحق به وشعور عارم يجتاحها ، هو مزيج من الأسف لأن الحادث غير مقصود فعلا ، والغضب للّهجة المشككة التي واجهها بها.
لحقت به بعد لحظات قائلة:
" لقد كان حادثا ، لم اكن أتوقع ان.......".
قاطعها قائلا:
" دعك من الموضوع ، لقد جئت هذه المنطقة مرات عديدة بحيث صرت تعرفين خطورة الصخور المتساقطة ، وايضا كيفية تجنّبها ، ومع ذلك أسرعت مثل طفلة صغيرة غير عابئة بالخطر المحتمل".

م تستطع ان تضبط نفسها أكثر ، فردت عليه بقوة:
" إذا كنت ذكيا كما تدّعي ، فلماذا لم تنتظرني حتى اصل ثم تصعد خلفي؟".
" لأن طريقتك في الصعود كانت تشير الى انك ستسقطين حتما... ومن الأفضل أن أتلقاك في منتصف الطريق على ان لا اتلقاك ابدا".
إلتمعت عيناها بشرارات الغضب ، وهي تقول:
" كنت أعتقد انك ستسر إذا ما سقطت فعلا ".
ردّ عليها بصوت ناعم بارد:
" هدفي ان أشتري البيت وليس أن اقتلك".
أحست اليسون في نبرة صوته شيئا ما يحذّرها من ان صبر هذا الرجل قد بدأ ينفد ، سحبت نفسا عميقا من دون ان تبعد عينيها عن وجهه الذي يدا جذابا بالفعل بمسحة الشحوب التي لم تدر عن كانت بفعل الألم ام بفعل الغضب.
سالته بهدوء :
" هل تريد أن نعود الى البيت على ان نرى الكوخ غدا؟".
نظر الى يده المجروحة مبتسما وقال:
" لماذا ؟ لقد اصبت في حياتي بأسوأ من ذلك .... أعتقد أنني ساعيش".
منتديات ليلاس
تركها واقفة وواصل سيره بإتجاه الكوخ ، عندما لحقت به بعد لحظات ، رأته يمعن النظر في تفاصيل المكان وكأنه يتصوره بعد إدخال التعديلات عليه ، مرة اخرى تركها في الخارج ، ودخل يتفحص غرف الكوخ .
بدأت أليسون تشعر انها تخوض معركة خاسرة ضد رجل لا يابه لشيء .وفكرت عندما عبر إحدى النوافذ لماذا لا تترك الأمور على سجيّتها ؟ خاصة أن عملية البيع تبدو واقعة لا محالة ، ستكون أمها غبية إذا رفضت العرض ، فهم بحاجة ماسة الى المال....وإقامة فندق في البيت أفضل من رؤيته يتداعى تدريجيا كما هي الحال الآن ، لعلها الفرصة المناسبة هذه المرة ، وربما يغادر المكان بعد ان يحوّله الى فندق ويسلمه الى إداريين مختصين ، إنه بحار ، والبحارة قلّما يستقرون في مكان واحد.......
ايقظها صوته من افكارها المتناثرة:
" سأقوم بجولة في الجزيرة ، هل أنت قادمة؟".
هزّت رأسها بإذعان ن إنه يصر على وجودها ، ولم لا ؟ فما دامت هي هنا فلماذا لا تتأمل ايضا ما سوف يخسرونه ، عبرا سويا اشجار الصنوبر والسرو الكثيفة بإتجاه الطرف الآخر من الجزيرة ، النزول من الجهة الجنوبية اسهل ، لكنها منذ الصباح غير قادرة على التفكير المنطقي ، راقبته أليسون وهو يقود الطريق أمامها دون ان يلتفت الى الخلف او يعرض عليها المساعدة ، كان ظهره منتصبا ، بدا رجلا قويا ، ولم تملك اليسون إلا أن تقارنه بالصبي الأرعن الذي قابلته قبل سنوات ، صحيح إنها تكرهه ، لكنها لا تستطيع ان تنكر أنه خلف هذه الكراهية تكمن بعض ملامح الإعجاب بروحه الحرة المغامرة وفي خضم أفكارها ، اكدت اليسون لنفسها أن الفندق الذي سيفتتحه نيال سيكون ناجحا ، فهذا الرجل لا يقبل انصاف الحلول ابدا.
وصل الى الشاطىء الصخري وإلتفت اليها قائلا:
" من هنا".
تابع السير بالإتجاه الغربي وأليسون تتبعه دون أدنى إعتراض ، كانت المناظر من هذه الناحية أجمل على الإطلاق ، وعندما توقفت قليلا للتمتع بالمناظر الخلابة إستدار نيال ناحيتها بنفاد صبر ... فإضطرت الى الإسراع خلفه ، بدأت تحس بالتعب الممزوج بالحزن العميق ، هذا الرجل يريد الجزيرة والبيت ، احست وكانه يحاول أن ينتزع منها كل شيء.... وتصورت ان الأمان الذي أحست به طوال حياتها تبعثر ككومة من الرمال عصفت بها الأمواج والرياح ،وخلال ايام لن يبقى لهم إلا الكوخ الذي كان في الماضي مسكنا للبستاني وعائلته.... وطبعا غرفة الرسم.... ترى ما الذي دفعه الى تقديم هذا العرض الخاتمي؟
وعند الصخور الشاهقة في الجانب الغربي ، وقف نيال مسرحا نظره نحو الشواطىء القريبة ، ولم تستطع أليسون إلا أن تسال:
" لماذا قررت أن تترك غرفة الرسم لأمي؟".
إستدار ببطء شديد ، ونظر اليها بإستغراب وتهكم:
" الا تحاولين ان تكوني مهذبة في تحقيقاتك؟".
احست أليسون بحمرة الخجل تضرج خديها ، لكنها تمالكت نفسها قائلة:
" لا أظنك تحتمل التهذيب .... ذلك أنني لم الحظ وجود هذه الصفة فيك حتى الآن".
" هذا صحيح".
إكتفى بهذه العبارة ، ثم إستدار معاودا تامل الشواطىء البعيدة ، ودون ان يتلفت اليها تساءل بعد لحظات:
" وهل من الضروري ان يكون عندي سبب لذلك؟".
أجابته بنبرة عادية:
" أعتقد ان هناك سببا ن لكنني أجهل كنهه".
"حسنا ، الأمر بسيط للغاية ، كانت امك في الماضي مهندسة ديكور ، وأنا اريدها ان تساعدني في ديكورات الفندق".
أطلقت أليسون ضحكة عالية قائلة:
" بربك ، هل تعتقد بانها سوف تفعل ؟ لا شك انك مجنون حين تفكر هكذا".
أجابها بنعومة :
" لماذا تعتقدين ذلك؟".
" لأنها تشعر مثلي ، فهي لن تتعامل معك على الإطلاق بعد إتمام عملية البيع ، اتظن انك رشوتها بغرفة الرسم ؟ عندما أخبرها بالحقيقة فسوف ترميها في وجهك".
إبتسم بسخرية :
" على العكس تماما ، أنت مخطئة في توقعاتك ، لقد سألتها ووافقت حتى قبل أن أعرض عليها غرفة الرسم... امك يا آنسة ماكاي سوف تكون موظفة عندي".

 
 

 

عرض البوم صور سيريناد   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أحلامي
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:27 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية