الفصل السادس
مشاعر مجنونة
قال غريفت :
- لا اصدق إنني نجوت.
ردت إيدن ويدها على رأسها المتألم:
- وأنا لا افهم كيف نجوت او كيف نجونا جميعا بمن فينا سائق السيارة الاخرى.
- هل أعطاك فيرن التفاصيل كاملة ليلة امس؟
- قال لي إن ما من احد أصيب إصابة خطرة.. وقد حمدت الله ..لأنك وفيرن بخير.
- فيرن ؟ ولماذا لا يكون بخير؟ لم يصطدم بنا.
- ولا يعود الفضل اليك , كدت تقتلنا جميعنا , وها أنا عالقة هنا في المستشفى دون ان اخرج اليوم , كما كنت آمل, فقد قالت
الطبيبة ان عليّ البقاء بضعة ايام .
- حسنا.. قولي ما تريدين مع إنني اعرف ما ستقولين.
مدت يدها بنعومة اليه :
- أنا آسفة .. لا استطيع أن أقول إنك غير نخطئ, وما كنت لأتذمر في وجهك لولا ألمي الذي لا ينفك يضايقني رغم المسكنات , لماذا
لا
تخبرني بما حدث بالضبط أمس وأثناء حديثك احاول ان أغفو؟
أدرك فورا انه كسب عطفها , فنظر اليها مبتسماً.
- هل أخبرك فيرن عن السيارة التي كانت قادمة من جهة المنحنى؟ يقول إنه لهذا السبب أشار إلي ان أبطئ, إنما كيف كان لي ان اعرف؟.
- إنه سوء حظ...
- لست آسفاً إلا لأنك هنا , اشعر باللقلق إيدن , عرض عليّ فيرن ان يضربني على رأسي لأعرف ما هو شعورك.
- أهذا ما قاله لك؟.
شعرت بالرضى لأن فيرن متضايق من اجلها .
- لأبأس عليك غريفت, لا اظنه يصل إلى هذه الدرجة.. مهما قال.
- أنت لا تعرفينه, إن له طبعاً وحشياً حين يغضب , أتعلمين انه لم يأذن لي بقيادة سيارته , فقد رفض أن يعيرني سيارته, فاضطررت
إلى استئجار تاكسي.
- مسكين غريفت, لقد افسدت على نفسك دون شك..
أدار لها يدها ووضع خده المصاب على راحتها.
- أنا لا استحق عطفك لأنني كنت متهورا غير انني اشكر لك عطفك.
- كان كلانا متهوراً.
هز رأسه بعد هذا التعاطف منها" ليتني كنت المصاب"
- وما ينفع هذا؟
- لو كنت المصاب لرضي فيرن , إنه يعاملني الآن وكأنني مجنون خطر يجب وضعه في حجر , وهذا رأي الجميع على ما يبدو,
حتى الطبيبة منعتني من عيادتك , لأنها اعتبرتني خطراً.
- آوه .. ما هذا الهراء!.
- كيف أذن له بالدخول وحرمت أنا؟ أنا خطيبك وهو من يزورك!.
- كان يطلب رؤيتي باستمرار.
- أو لم أفعل؟.
هزت رأسها , مفضلة عدم التقاء عينيه لأنها لا تعلم كم تستطيع التظاهر بأنها لا تنظر الى فيرن اكثر من كونه شقيقاً لغريفت.
- آسفة غريفت .. لكنني صدقاً لم أتوقع ان يكون هو زائري.
- لكنك لم تبعديه!
وكيف تبعده وهي كانت اكثر من مستريحة لرؤيته سالماً:
- سرني أن أرى وجهاً أعرفه.
- اوه .. اللعنة.. لماذا لا يتهور هو فتصاب فتاته في رأسها!
لكنه سرعان ما ضحك بعدما شاهد تعابير وجهها الساخطة.
امضت إيدن أربع ليالي و أربعة أيام في المستشفى, وكانت تتوق إلى المغادرة قبل ان يقرر احدهم أن تمكث وقتاً اطول.
ما ان أذن لها بالمغادرة حتى اجرت اتصالاً هاتفياً سريعاً بمنزل آل هوفمان , فوعدتها السيدة بأن يأتي أحدهم ليقلها.
ساعدتها الممرضة التي ادخلت لها الحقيبة , على ارتداء الفستان الذي ارسلته هوفمان .. قالت الممرضة وهي تحدثها بحبور:
- هاي عزيزتي, عندك شيء مميز, فجميع الشبان يتحلقون حولك .. أشعرك الأصهب وعيناك الخضراوان السبب؟
نظرت إليها إيدن باستغراب.. فالممرضة تعرف غريفت , لأنه كان يغازلها بطريقة فاضحة كلما جاء للزيارة.
- بكل تأكيد السيد غريفت هوفمان هو من جاء يقلني .. أليس كذلك؟
- أهو من كان يأتي سابقاً ؟ إذن ليس هو حبيبتي .. فهذا الرجل اكبر سناً , لكنه رائع مثل الآخر.
فجأة , أحست إيدن بالتوتر, فقد علمت أن فيرن هو من ينتظرها.. فمسدت فستانها , ووضعت يدها على اللصوقات التي تزين جهتها
الآن عوضاً عن الضمادات , ما اغباها لأنها تشعر بهذه الطريقة, ولكن من السهل عليها تذكر دفء ذراعي فيرن عندما ضمتاها
وهي مستلقية على السرير , أو تذكر تلك اللمسة المفعمة بالرقة.
سألتها الممرضة :
- هل أنت على ما يرام ؟
هزت إيدن رأسها.. ثم أرشدتها المرأة الى حيث ينتظر فيرن وهناك غمزتها قائلة:
- أرأيت ما أعني ؟ وداعاً حلوتي ..
عينا فيرن الرماديتان امعنتا النظر فيها عن كثب تراقبان بين أشياء أخرى, اللون المشرق على خديها .
- هل لنا أن نذهب؟ سألها.
وضع يده تحت ذراعها فرحبت بحركته مسرورة.
كانت المرة الاولى التي تراه فيها منذ ليلة الاصطدام, وهذا ما أعطاها شعوراً غريباً منيراً, لم يكن الآن قد سألها عن حالها او شعورها , ولعله
ينتظر أن يغادر المستشفى, وهذا ما تأكدت منه بعد لحظات من خروجهما.
- هل أنت على ما يرام ؟
ابتسمت :
- اشعر بعدما غادرت المستشفى أنني بخير , قدماي غير ثابتتين بعد رقدة السرير الطويلة, غير أنني لفرط سعادتي بالخروج اشعر برغبة في
الرقص !
ابتسم ساخراً بحماسها:
- هل أحسنوا معاملتك؟
- نعم أحسنوها لكنني لا احب المستشفيات , وكنت اخشى ان يأتي احدهم فيقول إن عليّ المكوث مدة أطول.
- اعتقد انك لا تعرفين ما هو خير لك.. مازلت تشعر يين بالصدمة لذا عليك طلب الراحة والهدوء.
- اجل .. اعرف .. لكنني اخاف مثل هذه الأماكن ولا ادري السبب.
ابتسم :
- أنت مخلوقة صغيرة وعجيبة .
في طريقة كلامه ما أوحى انه يعاملها كطفلة.
- لم أكن انتقدك.. أنت فتاة جميلة, رغم..
حذرته بسرعة:
- إن قلت العينين السوداوين أصرخ!.
فضحك:
- كنت سأقول رغم اللصوق على جبهتك .. لكن , يبدو انه كان حول عينيك اسوداد , هل أساء هذا الكبرياء المرأة عندك؟.
ردت بثابت:
- لم يكن هناك عينان سوداوان.. إنما غريفت كان يمازحني! كان على وجنتي بضع كدمات وقد شاهدتها أنت!.
- صحيح !.. حسنا لم تعد هناك كدمات الآن , بل انت الآن , وردية اللون وجميلة كما كنت دائما..هه؟
انحنى امامها ليفتح لها باب السيارة , لكن ضغط فمه الخفيف المفاجئ غير المتوقع على خدها حبس لها انفاسها , لم يقل شيئا اثناء دخوله
الى السيارة , ولكن كان على وجهه ابتسامة غامضة جعلتها متوترة.
- فلنذهب الآن.
لو تستطيع فقط القيام بشيء حيال ردة فعلها نحوه لهانت عليها الامور .
- لم أتوقع قدومك.
- توقعت قدوم غريفت.
- اجل.
- اعتقد انه كان يريد المجيء.. ولكن ليس لديه سيارته, ولا أخالك ترغبين العودة في سيارة اجرة؟
كان يتكلم وكأنه يتحدث عن أمر واقع ..
- لا ادري ربما معك حق, لكنني اعتقدته آتياً رغم كل شيء .
وجه اهتمامه الى قيادة السيارة في زحام الشارع, ثم أدار رأسه نحوها:
- آسف لخيبة أملك.
أثناء انطلاقهما مابين حقول الأناناس المترامية الأطراف , أدار لها فجأة مرة اخرى .
- هل أخبرك غريفت ان من المحتمل ان تلومه الشرطة على قيادته المتهورة ؟
هزت رأسها بأسى :
- مسكين غريفت.
أدار رأسه ثانية وبحدة وهو يقطب :
- مسكين غريفت؟ كيف تشفقين عليه وهو يكاد يقتل أربعة أشخاص بتهوره تلك الليلة, بما فيهم نفسه. لا تأسفي عليه إيدن .. إنه يستحق
ما سيحصل له , ولعل هذه التجربة تعلمه التصرف كرجل.
نظرت اليه مؤنبة وقالت بلؤم متعمد:
- اعرف..اعرف إنما لا تقس عليه فقد يحدث ما حدث مع أي كان حتى انت.
انفجاره بالضحك اجفلها :
- حسنا.. التصقي به.. لكنك تخطئين إن فكرت أنني ارتكب غلطة كهذه, فأنا لا اخاطر ابداً مثله بحياتي , فما بالك بحياة الفتاة التي
أدعي حبها.
وردت بسرعة:
- سترتاح الآنسة كورد مانيارد لسماع هذا.
- لولا؟ وما دخلها فيما نتحدث عنه؟
- تعرف ما أعني ..أنت .. وغريفت يقول..
- آه .. اجل .. لكننا تحدثنا سابقاً عن هذا الموضوع , غريفت يعتمد أن قدري ان اكون زوج لولا الثاني , أتظنين أننا سنكون زوجين مناسبين إيدن؟
لم يكن تحدياً غير متوقع فحسب, بل مستحيل الرد عليه . فهزت رأسها , الذي بدأ يؤلمها , وقالت هامسة:
- كيف .. كيف لي أن اعرف؟
- كيف لك حقاً ؟ أنت لا تحبينها ..أليس كذلك؟
لم تزعج نفسها بالإنكار :
- وليس غريبا ذلك بعدما فعلته بي!
رنا اليها بطرف عينيه , ثم أدار السيارة عن الطريق الرئيسية باتجاه المزرعة .. في هذه اللحظة شعرت انه قرأ اكثر بكثير مما كانت تعني من
ردها, ما إن ولجا الى طريق اصغر حتى توقف جانباً ليسألها:
- أتتكلمين عن ذلك اليوم حين ..ذهبت للسباحة؟ اعرف أن مافعلته لا يغتفر, لقد كان عملاً إجرامياً, لكنها امرأة متهورة تتصرف عن غير تفكير.
مد يده تحت ذقنها و أدار وجهها اليه , ثم اكمل:
- لكن هناك ما يتعدى هذا, أليس كذلك إيدن؟ هل هناك حوداث أخرى؟
ردت على مضض:
- مرة واحدة حيثما كنا في حفلة آل كيمورازس...
تمتم شاتماً بصوت خفيض ثم رأت عينيه تشتعلان غضباً.
- وقعت في البركة .. ولكنك لم تقعي؟
هزت رأسها :
- فضلت هذا الادعاء.
- لماذا بحق الله..؟
كانت أصابعه رقيقة على خدها, وبقيت عيناه ثابتتين على وجهها المضرج, كرر بإصرار:
- لماذا؟ كان الأفضل لو أبلغت الجميع بما فعلت بك, ولتتحمل النتائج .. لماذا لم تقولي ؟
لم يكن هذا رد الفعل الذي توقعته منه.. صمتت هنيهة ثم رطبت شفتيها لتقول:
- اعتقد .. انني شعرت بأن .. لها عذراً ما..
- وما هو العذر الذي يدفعها إلى تصرف كهذا ؟
- ظننت في البداية انها تعرف .. كنت قد تركتك لتوي..
- اذكر هذا .. ظننت انها عرفت بأننا كنا معاً وبأنني عانقتك .
هزت رأسها وقالت:
- لا أظنها كانت تعرف شيئاً ولكن حقدت عليّ منذ ان رأتك. ترمقني بنظراتك وأنا في البركة الصخرية, كانت واثقة أنني او تظن أنني تعمدت ذلك, وأنني كنت اعرف انك هنا .. وهذا غير صحيح فأنا لا أتصرف ...
أسكتها بلمسة خفيفة من يده, ثم لم يلبث ان امسك وجهها بين يديه الكبيرتين ينظر إلى عينيها المطأطأتين , وإلى احمرار وجنتيها الخفيف ثم قال بنعومة:
- اعرف انك لا تتصرفين بتلك الطريقة وأنا آسف لما حصل.. لكنني لم اكن اعرف ان لولا هناك.
- وما الفرق ؟ أوه.. إنها غلطتي غير أنني لم أفكر في ان هناك من سيراني.
- ما كان ليراك احد ولولا قلقي عليك لما لحقت بك.
في صوته ما أرسل القشعريرة إليها, وفيه ما جعلها تجرؤ على النظر اليه , لكنها اضطرت الى رفع بصرها حين امسك وجهها مرة اخرى بيديه:
- لكنني لن أقول إنني آسف للحاقي بك إيدن..
احست بأنفاسه فارتجفت :
- فيرن .. ارجوك .. لا تفعل..
تنهد وكأنه لا يرى ما يدعو وجنتيها إلى الاحمرار او لارتباك العينين اللتين رفضتا النظر اليه .. وقالت له :
- ليتك تنسى ما حدث .
- لا أعدك بذلك إيدن , حينما رأيتك تحت الشلال بدوت لي حورية من الخيال والأحلام.
هزت رأسها تريد التحدث لكنها ندمت لأنها هزته , فقد ومض ألم كاد يفجر رأسها..
- رأسي يؤلمني قليلاً.. أنسى دائما عدم تحريكه.
- يا للمسكينة!
حين لامس خدها مرجعاً خصيلة من شعرها إلى الوراء حبست أنفاسها بسبب خفقان قلبها الواجف, أما هو فاستقرت يده على عنقها بسبب
خفقان قلبها الواجف . اما هو فاستقرت يده على عنقها قبل ان يرفع ذقنها اليها فكان لابد ان تنظر اليه بولَه.
- لدي غريفت ما يجيب عنه , كاد يقتلك .
- ويقتل نفسه .. تهور حينما قاد بتلك الطريقة, لكنه اعترف بغلطته وأسف عليها وأنا صدقته.
- تسامحين ثم تنسين ..هه؟ أوه إيدن.. ليتك تتركينه قبل ان يؤذيك فعلاً.
جاءت مرة اخرى النصيحة مفاجئة من جراء تصرفها المتهور , وعلى الرغم من ألمها انتزعت وجهها من بين يديه وارتدت الى الوراء قائلة:
- اما زلت مصمماً على هذه الفكرة.. ألا تستسلم ابداً فيرن؟ انت تريده في شركتك اللعينة, وتظن بأن دفعي الى تركه يسهل عليك
الأمور.. لماذا تزعج نفسك بالتظاهر بالقلق عليّ؟ ولماذا تهتم لو تأذيت؟
- طبعاً أهتم.. ايتها الحمقاء الصغيرة!
امسك ذراعها بين من جديد وأدارها لتواجهه.
- أتظنين أنني أحاول إبعادك عن غريفت بسبب الشركة فقط؟ اتعلمين انني لا استطيع ان اقف متفرجاً على شخص يستغله احدهم كما يستغلك غريفت . لماذا تصرين على إغماض عينيك عن الحقيقة ؟
- هذا غير صحيح!.
قربها فيرن منه بقوة ذراعيه , ثم ضغطها على ظهر المقعد الجلدي الطري بثقل جسده, واقترب وجهه من وجهها, تمتمت باحتجاج
غير مفهوم سرعان ما اختفى عندما ضمها اليه بقوة , والذي حدث أنها تعلقت به كما فعلت من قبل خاصة وانه التصرف الوحيد القادرة عليه.
كان فمه مدفوناً في عنقها الناعم , على النبض الخافق مابين العنق والكتف, أدارت وجهها فلامست شفتيها الدافئتين عنقه الأسمر حيث شعرت بنبضه يتسارع في أسفله, مرت دقائق قبل ان يرفع رأسه وينظر اليها بعينين تشتعلان شوقاً:
- اتركيه! بحق الله اتركيه! انت لا تحبينه , اتركيه قبل ان يفوت الأوان!
أحست بلطمة قاسية تلطم قلبها , فقد اعتقدت أن عناقه ما هو إلا وسيلة إقناع .. وضعت يديها على صدره تدفعه وفي عينيها غضب..
- انا .. لا اأتعلم .. أليس كذلك؟ انت تبذل جهدك لأتركه, وأنا لا أفهم هذا ابداً إلا متأخرة , لماذا تخدعني؟
- إيدن.. بحق الله...
- وبحق آل هوفمان بكل تأكيد.. فهذا اكثر مايهمك؟ غريفت هو من آل هوفمان .. ويجب ان يذعن , بغض النظر عن رغبته او عدمها , وتظن السبيل الوحيد إلى انضمامه الى صفك هو التخلص مني! لكنك مخطئ .. انت مستعد للقيام بأي شيء , حتى تنقذ مأربك, كيف تتجرأ ان تقول إن غريفت يستغلني ..!
كان صمته اشد شراً من انفجار غضبه , لذا عندما استدار ليدير المحرك بسرعة كادت ترتمي في مقعدها.. اثناء اقترابهما من المنزل التفت
إليها, ثم غير رأيه , فلم تتمالك من النظر جانبياً اليه.
قال لها غريفت بعد العشاء تلك الليلة:
- كنت أرغب ان أقلك بنفسي, لكن جدتي ارتأت ان يذهب فيرن .. وتعرفين ما هي عليه!
- افهم , لكن ليتك ذهبت انت.
- وهل كان الأمر سيئاً الى هذا الحد؟ كان متجهماً حين انطلق, لكننا قلقين عليك.. اما زلت متوترة منه..؟
- اعتقد هذا خاصة وأنني لا اعرف أين يصنفني, هل أنا برأيه خطيبة اخيه ام مجرد فتاة تسعى وراء المال , مال هوفمان ؟
لم يحمل كلامها كالعادة على محمل الجد.
- لو عرف ما تكبدت من مشقات لأقنعك بالمجيء لما قال ذلك.
- لكنه يراني مخادعة, هل واظبت على تمارين العزف اثناء غيابي؟
- في الواقع لم أتمرن لحظة.
- وهل فقدت الحماسة والإلهام؟
- يمكنك قول ذلك, اجدني كما قال فيرن , رأيت ضوء الواقع .
- رأيت الضوء؟
- لقد التقيته في منتصف الطريق.. رافقته الى المكتب بضع مرات في الأسبوع المنصرم لأرى كيف تجري الأمور بنفسي.
- فهمت.
أحست بالبرد فجأة, فقد أكد لها ما اتهمت فيرن به, لم تغب إلا أربعة أيام, وهاهو قد أقنع غريفت بفعل ما يريده منه...
قال لها محاولاً شرح وجهة نظر فيرن, بعد إذعانه له:
- لم يعد الأمر مهماً ..حقاً , اعلم انك تفضلين صديقاً موسيقياً , لكن .. حسناً .. أنا آسف .
انفجر نفاذ صبرها فصاحت به:
- أووه.. بالله عليك غريفت ! لا يهمني أبدا ما تفعل , ولكن كيف تذعن بهذه السهولة ؟
رد بقلق:
- لكنه لم يلو ذراعي , هذه هي الحقيقة حبيبتي ! لقد اتخذت قراري بنفسي , وسأهتم بالعمل حتى ارى كيف أتعاطف معه.
رفضت التصديق انه غير رأيه بإرادته .
- حسناً, بما انك اتخذت قرارك, وماعدت تحتاجني فسأرحل, وهذا ما سيسعد فيرن.
- حبيبتي ..! ماذا تقولين؟.
امسك كلتا يديها بإرتباك, بحثاً عما يدل انها تمزح, لكنها كانت تحس بالضياع.
- لا يمكنك الذهاب .. حبيبتي.. مكانك هنا.. معي.
- إلى متى ؟ وهل أبقى هنا حتى بعد زواجنا ؟
صمت طويلاً , فشدت على قبضتيها لأنها باتت تعرف جيداً شأن زواجهما , وقال اخيراً:
- طبعاً حتى بعد زواجنا . . ولم لا ؟
لم لا فعلاً؟ ولكن كيف لها المكوث تحت سقف واحد مع فيرن القادر على إقلاقها وعلى ادخلها في حال تنسى فيه وجود غريفت بسهولة ,
كيف لها قضاء ما تبقى من عمرها مع إغوائه الدائم , لا الفكرة لا تطاق , رفعت رأسها وقالت له بهدوء:
- لن استطيع ذلك غريفت.
عبس بسرعة:
- لماذا ؟ ألا يعجبك المكان؟
- بلى .. بلى.. يعجبني , ولكننا لن نستطيع العيش جميعنا في بيت واحد .. وأظن فيرن يوافقني الرأي.
- لكنه يريدني هنا, وإن بقيت أنا .. تبقين معي, أوه .. كلامك جنون حبيبتي .. أتظنين انه لا يريدك هنا؟ بالطبع يريدك.
- غريفت ...
قبلها بشدة ليمنع اي جدال آخر وقال:
" لا هراء بعد الآن, أنت تظلمين فيرن العجوز إن اعتقدت انه يريد منا ان نخرج من هذا المنزل.. اظن انه حان وقت توطيد تعارفكما , وربما بعد هذا التعارف الوطيد قد يعجب كل منكما بالآخر.
ضحك .. وكأن الفكرة مزحة .. لكنها ردت:
- قد يحدث هذا ..
وليته لا ينتبه للمرارة في صوتها.