الفصل الرابع
غريبة وسط غرباء
بدا لها ما بينها وبين فيرن أن شيئا لن يعود أبدا إلى سابق عهده , فبذلت جهدها لتتجنبه ولم يكن الأمر صعبا لأنه لم يُرَ إلا أثناء وجبات الطعام ... وكانت كلما لاحظت العينين الرماديتين تنظران إليها , تتذكر تهورها عندما سبحت في البركة الصخرية وحدها
أحست أن غريفت لن يعلم بالأمر إطلاقا ,لا منها ولا من فيرن , ولكنها تشك ألا تخبره لولا إذا أتيحت لها فرصة الإيذاء .
ولهذا السبب وجدت أيدن نفسها مشوشة المشاعر عندما عرض عليها غريفت الذهاب إلى الحفلة التي ستضم الجميع وبين الجميع لولا كورد مانيارد.
-إنها حفلة حقيقية حبيبتي ...اعلم انك لا تحبين الحفلات ولكنك ستتمتعين بها لأنها ستكون مختلفة عما حضرته يوما . إنها ليست حفلة معدة للسواح بل تعدها عائلة "كيمورانس"للكاماتيا.
-حسنا ...قل لي ماذا تعني هذه الكلمة ؟
-كامانيا تعني أنا وفيرن وجميع من ولد هنا ,أي أهل الجزيرة .
-وماذا عن السيدة هوفمان ؟
-حسنا ...اعتقد إنها من "الكامانيا" بعد ثمانين سنة. أما أنت فماليهيني وواهيني , وماليهيني تعني وافدة غريبة .
-وما معنى "واهيني"؟
-امرأة ...أنت امراءتي ...
-فهمت ... وهل اصبح بعد الزواج "كامانيا "أم ابقي ما قلته لتوك؟
أحست بتراجعه ,كان ذكرها زواجهما وتره .
-اعتقد انك ستبقين ماليهيني .
-حسنا. اعتقد أن هذا إنصاف ...لكن اخبرني المزيد عن الحفلة ... أين ستقام ؟.
-منزل أل "كيمورازس"قرب الشاطئ.
-اعتقد أنني لا اعرف احد هناك..
-أنت تعرفين فيرن ..وستكون الفرصة سانحة لرؤية الآنسة "فومانشو".
خفق قلب أيدن بعنف .
-أتعني لولا كورد- مانيارد؟
-ومن سواها ؟
لم يكن يعرف شيئا عن لقائها الدرامي بصديقة فيرن ,صاحب الوجه الناعم الشرير المنطبع بعنف في ذهن أيدن ...ارتجفت ,فقال غريفت ضاحكا :
-لا تكوني هكذا حبيبتي ...فحتى لولا تراعي أصول اللياقة في حفلة كهذه , لكن لا تنظري إلى فيرن ,ووفري لها ميدانا خاليا ,عندها تجدينها وديعة كقطة .
-سأبتعد عنها لا تقلق .لكن لا أتوق للذهاب .
قال لها :
-انسي أمر لولا ...سأكون معك .واعدك ,إن رأيناها تكمن لك وراء شجرة أن أدافع عنك بحياتي ...
-حسنا .ماذا ارتدي لهذه المناسبة ؟ما رأيك بتنوره من الحشائش ؟
-فكرة رائعة ..لكن فستانا جميلا سيفي بالغرض .إنها حفلة غير رسمية ,مع أنني أريد أن تصرعي الجميع حبيبتي ...ارتدي فستانا مميزا .
ابتسمت تهز رأسها :
-سأفعل ما بوسعي .
وكان أن ارتدت أجمل فساتينها , فإذا النتيجة أفضل مما توقعت ...كان الفستان بلون الجاد الأخضر ,أردافه قصيرة, وياقته منخفضة .
دخلت إلى الصالون تخشى الانتقاد. ولما لاحظت العجوز تورد وجنتيها هزت رأسها دليل الموافقة ,ثم حثتها على الجلوس قربها تشجعها بابتسامة ,هي مزيج عجيب من الدفء والانزعاج....
-قالت العجوز بصراحتها المعهودة :
تحسنين اختيار الملابس.إن هذا اللون رائع عليك .
ابتسمت إيدن لهذه العجوز الارستقراطية المحببة التي تجلس على مقعد مرتفع الظهر كملكة متوجة .. حين نظرت إيدن إلى ساعتها ,لاحظت العجوز هذا فقالت:
-لا تقلقي يا طفلتي...لن يتركك غريفت منتظرة إلا إذا كان أحمق مما عهدته .
تجاهلت إيدن حدة كلامها وابتسمت:
-لست قلقة سيدة هوفمان .. فغريفت دقيق في مواعيده .
-مستعدة دائما للدفاع عنه! على ذاك الوالد أن يلازمك هذه الليلة لئلا تخطفك منه إحدى العيون الجوالة .
-أوه ...لن يحدث هذا ..لقد وعدني أن يمسك يدي طوال السهرة .
ضاقت عينا العجوز:
-لماذا اشعر انك خائفة من شخص ما ,ولماذا تريدين من يمسك بيدك ؟مم أنت متوترة يا فتاتي ؟
ظلت مطأطئة الوجه.
-لاشيء سيدتي ,لست خائفة ,كل ما في الأمر إنني لا اعرف احد هنا غير غريفت وفيرن.
ازدادت عينا العجوز ضيقا:
-هل أخبرك غريفت أشياء عن لولا ؟آه....أرى انه فعل ...!حسنا ...لا داعي للخوف منها يا طفلتي ...إلا إذا حاولت التودد إلى فيرن .أنت تعرفين ما هي الأوضاع بعدما سمعت أخبارا كثيرة عنها.
كان غريفت قد أشار إلى أن الجدة تعارض زواج فيرن بلولا بشدة.
-قالت إيدن :
-اعرف أن الآنسة كورد مانيارد تفكر في الزواج به ولكنني لا أظنه يفكر بالطريقة نفسها.
برقت عينا العجوز تحت رموشها ثم قالت :
-آووه ...هكذا إذن ...تظنين أن فيرن يتعرض للضغط والفكرة لا تعجبك؟
-لم اقل هذا سيدتي
-تفكيرك واضح.ما يثير اهتمامي هو مدى تأكدك من تفكير فيرن .
-أنا ..أنا...لا اعرف .
-الديك أسباب وجيهة للاعتقاد بان له أفكارا أخرى ؟
-أبدا ...انه لا ينفي ولا يؤكد شيئا .
كانت إيدن مشوشة الفكر تعض شفتها بقلق متوردة الوجه , تحس بالارتباك من نظرة العجوز الخبيثة التي قالت :
-إذن ...لقد تكلم عن الأمر .تدهشينني يا فتاة ...أتصور انك وفيرن مقربان إلى درجة الإفضاء بالإسرار .اعتقد انك بئر عميقة , حمراوات الشعر أبار عميقة دائما.
لم تقل إيدن شيئا بل تنفست الصعداء بصمت حالما اطل غريفت الذي سألته مقطوعة النفس :
-كيف أبدو؟
امسك بيدها وجدبها إليه .
-طفلتي... ستصرعين العيون كلها !.
انحنى يعانقها غير مبال بالجدة:
-إذا ذهبا نسبق فيرن العجوز ..
هزت العجوز رأسها :
-لكنه غادر ...قبل أن تنزل إيدن من غرفتها ,اعتقد انه ذهب لاصطحاب لولا .
قال مقطبا :
-هذا واضح ! يستحسن أن ننطلق حالا وإلا اضطررت إلى الإسراع بالقيادة وهذا ما لن يعجب إيدن .جدتي لا تنتظريني .
حين استوى وراء المقود نظرت إليه مستغربة وسالت :
-هل المكان بعيد؟
-قرب المدينة . عم كنت تتكلمين وجدتي حين وصلت ؟
-عن لا شيء . سألتني إن كنت اعرف لولا فذكرت لها ما أخبرتني عنها .
قاد السيارة إلى الشارع العام المزدحم ببراعته المعهودة .. لكن تفكيره كان في مكان أخر ,فتساءلت إيدن لماذا يهتم بما تتباحثه مع الجدة .
-لم تسال عن موعد الزواج ؟
حدقت إليه بدهشة :
-لا... ولكن ليس غريبا أن تسال . إنها تهتم ...وتبدو مستعدة للقبول بي .
-لقد أحبتك.
-أليس هذا لصالحنا ؟
صمت قليلا ثم ابتسم بثقة :
-بالطبع .. كنت أتوقع معارضتها ,عوضا عن هذا أدخلتك إلى قلبها , وكأنها هي التي اختارتك بنفسها .
-وهذا ما يريحنا .
انتصبت منازل فخمة , وراء جنبات خضراء تضم مختلف أنواع الشجيرات والأشجار التي في " غرين هاوس"
كانت الأنوار المبهرة معلقة فوق الأشجار وكان يتناهى إلى حيث أوقف غريفت السيارة الغناء والعزف .. ابتسم لها غريفت وساعدها فى الخروج فردت الابتسامة بدفء مماثل .. إنها الحفلة المحلية الأولى التي تشترك فيهل , لذا لن تسمح للولا أو لأي إنسان أخر بتعكير صفائها .
لم يكن الجلوس إلى الموائد المنخفضة مزعجا كما توقعت علما أنها كانت محشورة بين جاريها على كلا الجانبين , غريفت إلى جانب وشاب بولوني وسيم إلى الجانب الأخر ,والملاحظ أن هذا الشاب كان يرمقها بنظرات الإعجاب ,فتذكرت ما قالته السيدة هوفمان عن العيون الجوالة .
كانت الطريقة التقليدية لتناول اللحم المشوي تتم عبر الأصابع ولكنها سرعان ما اعتادت على هذه الطريقة وان شعرت بالإحراج قليلا بسبب التصاق اللحم بأصابعها وفمها.
تجنبت إيدن التفتيش عن فيرن ,لكن كان من المحتم عليها أن تراه , فقد كان جالسا على المائدة ذاتها إنما على الجانب الأخر , وكان قربه لولا التي بدت رشيقة كقطة في فستانها الأصفر الحريري الذي التصق بشكل مغري بجسمها .أما عينا تلك المرأة فبدتا على أهبة الاستعداد لرؤية أيه حركة تبدر عن فيرن.
فيما كانت إيدن تنتزع قطعة لحم ,التقت صدفة عيني فيرن ,فلاحظت بريقا ضاحكا فيهما ,دفع الدماء حارة إلى وجنتيها . الطريقة التي حاولت لعق ما علق من مرق اللحم على شفتيها ,جعلها تبدو وكأنها تمد لسانها له ,فانفجر ضاحكا واحد يهز لها رأسه . في هذه اللحظة رفعت لولا رأسها إليه وقد اشتدت شفتاها وضاقت عيناها السوداوان .. لماذا نظر إليها فيرن في هذه اللحظة التي قامت بها بهذه الحركة الطفولية ؟ كانت تحس بغضب المرأة الأخرى يتعاظم فمالت إلى غريفت خائفة ,فابتسم فورا لها وسال :
-أنت على ما يرام عزيزتي ,أتعرفين ؟لقد وعدوني بالعزف مع الفرقة فيما بعد..اعتقد ان هذا سيدفع فيرن العجوز الى التفكير ثانية .
-هذا من حسن حظك ... هل ستعزف بضع معزوفات ؟
-إن كنت محظوظا اعزف ما تبقى من الأمسية .
-ولماذا لم تخبرني من قبل ؟
-خلتك ترفضين المجيء إن عرفت .
-هذا محتمل ..حسنا ...ساجد لنفسي شريكا أخر , ولا احسبني , كما قالت جدتك أجد صعوبة .
-أوه ...إيدن!.
ضحكت : " حسنا ..لكن عليك إنهاء طعامك أولا "
وبعد ذهابه للمشاركة في العزف رغب الكثير من المدعوين في رفقتها ,لكنها شعرت بالغربة بين هذه الوجوه الباسمة , فقررت السعي إلى مكان أهدا وابرد في الحديقة ...لتخلو إلى نفسها قليلا . سارت في الممر متعرج بين شجيرات منخفضة حتى تلاشت أنغام الموسيقى .
كان في نهاية الممر المتفرع إلى ممر أخر صفٌُ من الأشجار الاستوائية الواقفة كأشباح رمادية تحت ضوء القمر والرافعة أوراقها السرخس نحو السماء المظلمة .
عوضا عن سلوك الدرب الأخر تابعت المسير إلى ما وراء أشجار السرخس ,هناك وجدت الشجيرات أكثف والدرب مقطوع ,فامتنعت عن إكمال المسير لئلا يتمزق ثوبها في الطريق الوعر.
ولكنها وجدت نوعا من السكينة غريبا ,لم تستدر مبتعدة عنها إلا على مضض .فجأة حبست أنفاسها فقد سمعت صوتا بين الشجيرات , وكأنما أشخاص آخرون يشقون طريقهم,وبما أنها اعتقدت أن احدهم تبعها خافت وارتعبت ووقفت تجول بعينيها فيما حولها بحثا عن من يكون.
-إيدن ..هل أخفتك ؟
حين برز فيرن من لا مكان ,أغمضت عينيها بمزيج من الراحة والاضطراب ...ففي المرة الأخيرة التي رأته فيها كانت لولا ملتصقة به ,وهي ألان لا تصدق أنها بعيدة عنه.
-لم أتوقع رؤية احد.
أزعجتها هشاشة صوتها وعدم ثباته , ولكن عندما تقدم إليها قفز قلبها مجددا وتزايد توترها خشية أن تلحق به لولا.
-غريفت أحمق! اعتقد انه يحاول إثبات شيء ما بعزفه مع الفرقة الموسيقية ,لكن أن يتركك وحيدة فعمل غبي خال من الأدب .
-لكنني لا أمانع !.
-لا تتفوهي بكلمات سخيفة إيدن..أنت تمانعين بكل تأكيد.
كان ذلك الصوت العميق المؤثر بمثابة يد تداعبها فارتجفت. ولأنها بحاجة إلى ما يلهيها , ويبعد تفكيرها عن فيرن , مدت يدها تقطف زهرة من شجرة كانت قربها ,ثم قربتها إلى خدها لحظات فعبقت في انفها رائحة رائعة ,لكنها لم تخفف من ضربات قلبها الصاخبة .
-لم يستطع رفض فرصة العزف علنا مع فرقة محترفة ...لا تلمه فيرنّ.
اقترب أكثر منها .
-إنما ألومه على تركك وحيدة .
كانت تمسك بالزهرة بشدة فانكسر غصنها ووقعت الزهرة أرضا أمام قدميها ,وسرعان ما انحنى فيرن ليلتقطها ثم بعد ذلك أبقاها برهة في يده قبل أن يضعها في شعرها خلف أذنها اليسرى .ابتسم محدقا إلى أعماق عينيها :
-إنها تليق بك؟
لكنه لم يسحب يده, بل تركها خفيفة على عنقها وهذا ما ضاعف خفقات قلبها .
-قال غريفت إن وضع الزهرة خلف الإذن اليسرى يعني إنني مخطوبة.
تقوس حاجباه بسرعة:
-من المؤسف انه لا يتذكر ذلك!.
-لها عطر جميل ..
-وأنت فتاة جميلة .
مرر أصابعه بخفة على عنقها فارتجفت , ثم غضت طرفها لئلا ترى عينيه ,أو ترى تلك النظرة العميقة المشبوبة بالرغبة ,النظرة التي تحرق مشاعرها ,وتثير فيها استجابة لم تستطع فعل شيء حيالها . أردف بصوته العميق المثير لأحاسيسها المجنونة :
-كيف لا يكون غبيا من يتركك ليعزف مع فرقة موسيقية ؟الم يدرك ما تشعرين به وأنت منبوذة ؟ألهذا تختبئين هنا إيدن ؟شاهدتك آتية في هذا الاتجاه...
-ولحقت بي !.
رفع خصلة شعر نحاسية بين أصابعه :لحقت بك لأنني اعرف ما تشعرين به.
نظرت إليه بعينين نجلاوين قاتمتين تحت ضوء القمر ,ثم قالت هامسة:
-ما ألطفك ! ..لكنك ...لم تكن وحيدا.
التوى فمه سخرية وقال بهدوء:
- -لقد علقت لولا بحديث مع مضيفنا ,ثم إنني غير مرتبط إيدن ...لا تفكري بهذا إطلاقا !.
-أنا لا أفكر!.
وقف ساكنا وأصابعه لا تزال في شعرها تعبث به . بعد ذلك ارجع رأسها إلى الوراء ثم جدبها بنعومة إليه , فأحست بنظرته تحرقها وشعرت برأسها يرتفع إليه باستسلام . عانقها تقريبا بالقوة والعنف السابقين فتحركت رغباتها استجابة يرافقها استسلام لم تعهد مثله قط ... تلاشى ما حولها ولم تعد تشعر إلا بما هي فيه , وإلا بمشاعرها التي أطلقت لها العنان .وطوقت عنقه تنشد مزيدا من العناق .
-فيرن...
كان قد مضى بضع دقائق لم تستطع فيها أن تتكلم , ولم تتعرف إلى صوتها المضطرب :
-إيدن ...بالله عليك . تخلي عنه قبل أن يؤذيك !
أذهلتها كلماته هذه لأنها توقعت بعد هذا العناق كلمات تدليل أو أي كلمة أخرى عدا أمر قاس يتعلق بأخيه ... ابتلعت ريقها بصعوبة ,ثم ابتعدت عنه هامسة :
-أخطأت حين سمحت لما جرى بيننا قبل قليل ,إنما لا يعني أنني لا ...
-إن كنت ستقولين انك تحبين غريفت فامتنعي ّ.
مد يده ثانية ليلامس خدها ,وعلى الرغم من استياءها لقسوته تجاه غريفت . فقد أثارتها اللمسة مجددا .
-ما زلت صغيرة على الحب من اجل الحب...اعترفي بهذا إيدن ...لماذا لا تعترفين؟
-لن اعترف...لان هذا غير صحيح! اعترف فقط إنني أخطأت عندما تصرفت على هذا النحو منذ قليل , ولكن لن يؤثر في ما اشعر به نحو غريفت .
ما زال في عينيه توق ما أشعرها بالذعر ...
-بم تشعرين نحوه بالتحديد إيدن؟
أدركت في لحظة ذعر , أنها لا تعرف بالضبط ما شعورها , لكنها قالت بإصرار :
-سأتزوجه ...أنا خطيبته ولهذا قدمت إليكم!.
-وهو إضافة إلى وسامته صيد ثمين .
كان ردها سريعا وغريزيا , فقد تعاملت معه يدها التي وقعت على نعومة وجهه الأسمر بغضب وحقد كبيرين .وسرعان ما استولت عليها مشاعر مخيفة ,فارتدت على عقبيها تركض لا تلوي شيئا إلى المنزل ,لم تكن في الواقع تعرف أين تتجه ,ولكن صوت فيرن لحق بها .
-إيدن !.
لم تتوقف ولم تبطئ الخطى حتى وصلت إلى صف أشجار السرخس ,عندها فقط, ولإحساسها بضعف ساقيها خففت من سرعتها ..أصبحت الأصوات اقرب إليها ألان , ووقع الموسيقى ذكرها بان غريفت لن يستقبلها بذراع مطمئنة ...
ووجدت نفسها أمام المنزل حيث تقف السيارات بهدوء ..
وحيث تتلاعب نافورة ماء بسكون فوق حجارة البركة ...حتى هنا كانت الأشجار ,والشجيرات الشائكة تنمو بالطريقة ذاتها .كان النور يتدفق من المنزل لكنه ظل محافظا على هدوئه وعزلته وهذا ما تحتاج اليه .
ولان الهدوء كان شديدا , التفتت بسرعة ما إن سمعت وقع أقدام ظنتها للوهلة الأولى لفيرن ,لكنها شاهدت لولا كورد- مانيارد ترنحت بعض الشيء .
لم يكس الوجه الجميل أي تعبير فاستولى الذعر على إيدن ما إن التقت عيناها العينين السوداويين, وشاهدت فيهما بريق انتصار .بدت في الفستان الحريري الأصفر الذي التقط نور القمر وكأنها آلهة شرقية ..
تحركت لولا نحوها بخفة قطة, وابتسامة شاحبة على فمها:
-اعتقد انك أنت إيدن كاريستر .
-اعرف انك السيدة كورد- مانيارد.
-طبعا تعرفين .لابد أن غريفت روى لك أخبارا كثيرة عني ويستحسن أن تصدقيه آنسة كاريستر! ماذا قال لك ,عدا كوني قادرة على العناية بنفسي ؟
-لم يقل سوى انك صديقة فيرن.
اتسعت ابتسامتها :
-صديقة ؟بل أكثر من صديقة آنسة كاريستر ...ولهذا لا يعجبني دورانك حوله .
مع أنها غير معتادة على الجبن ,فكرت في الهرب بسرعة بحثا عن غريفت ...لكنها تذكرت أن غريفت وجدته كانا واثقين أن لولا تظهر مخالبها علنا في مناسبة كهذه .مررت لسانها على شفتيها الجافتين وهزت رأسها :
-أنا لا أدور حول فيرن سيدة كورد مانيارد لأنني خطيبة غريفت .
-هذا ما سمعته ! لكنني أراهن أن غريفت لا يعرف انك تتسلين لتسبحي مقدمة عرضا مثيرا أمام فيرن .
-لم أكن اعرف انه على مقربة مني !
-واراهن على هذا أيضا !.
-هذه الحقيقة! أتظنين أنني كنت أسبح بثيابي الداخلية لو عرفت أن هناك من يراني؟ خاصة فيرن؟
-كررت كلماتها بنعومة :
-خاصة فيرن ...إذن أنت تعتبرينه شخصا خاصا ؟
-أنا عنيت فقط...
-افهم ما عنيته آنسة كاريستر ...حسنا ...أنت تحبين الماء ...فتمتعي به .
لم تكد الكلمات تنطبع في رأسها حتى ضربت يد نحيلة كتفها وأرسلتها إلى الوراء إلى الماء البارد ... صرخت غريزيا حين وقعت على ظهرها في الماء الضحل وتخبطت بعض لحظات قبل أن تدرك أن لا خطر يحدق بها . ثم تمسكت بحافة البركة تبكي يائسة فلم تلاحظ عودة لولا إلى الحفلة ...في هذه اللحظات كرهت فيرن بمقدار ما تكره صديقته .