وشعرت موراغ , بعد الذي حدث لها في البهو , أنها تريد البكاء أشفاقا على نفسها , ثم نظرت عبر آندي ألى حيث وقفت فرجينيا , وذراعها بذراع ديفيد , وعلى وجهها أبتسامة الرضى , وكان يديفيد لا يظهر أي أهتمام بما يجري.
وتطلع آندي ألى موراغ وحثها على أجابة طلبه , فقالت له :
" نعم , كما تريد يا آندي ".
فصاح آندي طربا :
" هل نعلن هذا الخبر على الجميع الآن ؟".
فأجابت موراغ:
"كلا دعنا ننتظر , يجب أن أخبر أمي أولا , ووالديك أيضا , وسنخبر الآخرين غدا في هوايت كراكز بعد التزلج على الثلج ...... هل سألت أباك أذا كان يعيرك سيارته؟".
فقال آندي :
" نعم , سألته فوافق , سآتي لأصطحابك نحو الساعة العاشرة من صباح غد....... ومن الصعب , بعد هذه الساعة المتأخرة من الليل , أن نبكر في الذهاب أكثر من ذلك ".
فقالت موراغ :
" فليكن , أما الآن , فتعال نرقص يا آندي !".
وأنتهت الحفلة في الخامسة صباحا , وبلغ التعب بموراغ ألى حد الأعياء , فما أن أستلقت على فراشها حتى غرقت في نوم عميق .
وفي الساعة التاسعة أيقظها المنبه ,فنهضت وحاولت أن تتجنب التفكير في ما جرى لها خلال الليلة الفائتة , وبعد أن عجلت بأرتداء ثياب التزلج , وهيأت كل ما يلزمها من الحوائج , نزلت ألى المطبخ ,وكانت جين هناك , وآثار التعب على وجهها , ولكنها أحتفظت بأبتسامة الرضى وهي تهييء طعام افطور , فلما دخلت موراغ بادرتها بالقول :
" ما أجمل هذا الصباح ......بداية رائعة لعام جديد , ويبدو لي أنك ستقضين نهارا ممتعا..........".
وكان أيان , صاحب أكواخ التزلج على الثلج , قد أخبر آن بأن الثلج كثيف وصالح جدا للتزلج في ذلك النهار .
وقالت جين :
" النزلاء كلهم نيام ,ولا أنتظر أن يستفيقوا حتى الظهر , وخصوصا فرجينيا وديفيد اللذين بقيا ساهرين حتى الخامسةوالنصف صباحا ,وكنت أسمع صوتهما يخرج من غرفة الأستقبال ...آه , كم كانت راعة في الحفلة تلك الليلة ! ألا تعتقدين ذلك ؟".
فوافقت موراغ على كلام أمها , ثم رأت أن الوقت ملائم لأذاعة الخبر , فقالت :
" أماه , قررنا , أنا وآندي , أن نعقد خطوبتنا رسميا , على أن نتزوج في الصيف , حين يعود من سفرته المقبلة ,طلب مني ذلك خلال الليلة الفائتة !".
ودهشت حين لم تجبها أمها في الحال , بل أخذت تلم الصحون عن الطاولة وتحملها ألى المجلى , ثم عادت ألى الطاولة وجلست ونظرت موراغ نظرات فاحصة , وقالت:
" هل أنت متأكدة ؟ لا يبدو عليك أنك مسرورة ".
فأجابتها موراغ :
" طبعا متأكدة , أنت قلت أن كل شيء يكون على على ما يرام حين يعود آندي , والآن صح قولك ,ولكن لا تخبري أحدا , بل أنتظري حتى يعود آندي من سفرته المقبلة , وعندئذ نقيم حفلة ندعو أليها والديه وجميع أصدقائنا ".
وكم شعرت بالأرتياح حين زال القلق عن وجه أمها وظهرت عليه بشاشته المعهودة وهي تقول لها :
" ماذا لو أعلنا الخبر في حفلة زواجنا أنا وبيتر ؟ آندي وأهله يكونان هناك...... لا شك أن بيتر سيفرح حين يسمع أنك توصلت ألى قرار , وهكذا الجميع , فكلهم يسألونني دائما متى تتزوجين آندي ....... أنتما صديقان منذ الطفولة ,والناس في هذه المدينة يحبون علاقات الغرام ....... والآن , هل أنت ذاهبة ألى التزلج؟".
فقالت لها موراغ:
"نعم , آندي سيزور مكتب شركته ,فلا يهم أذا غبت مدة يومين ....... وداعا , وسأراك يوم الأثنين".
وأقبلت موراغ ومن يرافقها على التزلج بحماسة شديدة , كان الثلج كثيفا وصلبا , مما جعل التزلج ممتعا جدا , ووجدت موراغ أن الرياضة أفضل وسيلة لصرف ذهنها عن التفكير في ديفيد , ولذلك لم تنظر بعين الرضى ألى الشمس وهي تميل ألى الغروب , وألى الغيوم وهي تؤذن بسقوط الثلج.
وبعد أن قامت بدورة تزلج أخيرة , أتجهت نحو الأكواخ فتلقاها أيان قائلا:
" هل على السفح أحد؟".
فأجابت موراغ :
" كلا , أنا كنت الأخيرة , ألا تعرف ذلك من دفتر الغياب؟".
فتناول أيان الدفتر وقرأ أسماء الذين عادوا من التزلج وكتبوا أسماءهم في الدفتر , ثم نظر ألى موراغ وقال لها:
" صاحب الشعر الذهبي لم يعد بعد!".
فصاحت موراغ:
" تعني ديفيد هاكيت؟".
فأجابها أيان:
" نعم , هذا هو , عرفته لأنه جاء بصحبتك من قبل , وصل في الساعة اثالثة , وقال أنه ذاهب ليفتش عنك , فأقترحت عليه أن ينتظرك لأن الوقت متأخر ولأنك صعدت عاليا على السفح ,ولكنه لم يوافق , فهل تلاقيت به؟".
فقالت موراغ:
" كلا , كان من الصعب أن أتبين الأشخاص , لأنني نزلت سريعا وكانت العتمة أخذت تخيم".
فقال أيان :
" ربما ,ولكن أظن أنه عاد ونسي أن يكتب أسمه في الدتر , فهنا شخصان آخران وصلا منذ ربع ساعة وسألا عنه وعنك ".
وبعد أن غرز أصابعه في شعره الكثيف الشائب , تابع كلامه قائلا :
" تلك المرأة الشقراء التي كانت ترافقه سلمتني رسالة من والدتك توصيني بهما خيرا لأنهما من أصدقائكم , وحيث أنهما لم يحضرا للتزلج , رأيت أن آخذهما ألى المزرعة وهما يبيتان الليلة هنا ".
فصاحت موراغ بدهشة :
" هذه فرجينيا ..... والرجل ما هي أوصافه؟".
فأجابها أيان:
" طويل ونحيل , وكلامه هادىء ورصين".
فقالت موراغ :
" هذا طوني بلاند , ولكن لماذا جاء ألى هنا ؟".
فهز أيان كتفيه وقال لها:
" لا أعلم , جين قلقة عليك , فلماذا ؟ هل في سلوكك ما يثير القلق؟".
فأجابت موراغ :
"لا , لا".
فقال لها أيان:
" الآن عليك أن تذهبي أليهما وأذا كان ديفيد هاكيت معهما , فأخبريه أنني أكون شاكرا أذا جاء وكتب أسمه في دفتر الغياب".
ولم يكن ديفيد مع فرجينيا وطوني في الكوخ القائم في المزرعة.
كانا جالسين وحدهما أمام موقدة تضطرم بالنار.
فلما دخلت موراغ , صاحت فرجينيا قائلة:
" هل هي موراغ ......شكرا لله".
ووقفت تحييها , فيما نهض طوني وصافحها مصافحة رسمية وهو يقول:
" ها نحن ألتقينا ثانية يا آنسة هندرسون , وألتقينا بأسرع ما توقعت , وفي ظروف غريبة , وأرى من واجبي أن أقول أنني سررت جدا بهذه الضيافة التي صادفناها في هذا المكان المقفر......".
وقالت فرجينيا :
" أين ديفيد يا عزيزتي موراغ؟".
فأجابت موراغ:
" لا أدري , لم أشاهده , قد يكون في كوخ من تلك الأكواخ ......سأذهب وأفتش عنه ......لماذا جئت ألى هنا؟".
قال طوني بهدوء , قبل أن تفتح فرجينيا فمها :
" أنا جئت لأمنع فرجينيا من أرتكاب ما يسيء أليها , وأرجو هذه المرة أن أنجح في مهمتي أكثر من المرات السابقة".
صاحت به فرجينيا قائلة:
" كفاك يا طوني ........ أنا لم أطلب منك أن ترافقني .........ديفيد موجود هنا ..... رأيت سيارته الحمراء ......".
فقال لها طوني :
" كان عليك أن لا تأتي ألى هنا........".
وألتفت ألى موراغ قائلا:
" هل تظنين يا آنسة هندرسون أن ديفيد هناك على سفح الجبل".
فأجابت موراغ:
" قال لي أيان أنه لحق بي , ولكنه لا بد أن يعود قريبا ....سأذهب لأرى أذا كان في أحد الأكواخ , أو أذا كان أحد رآه".
فقالت فرجينيا :
" شكرا لك يا عزيزتي , قولي له أننا هنا , ونريد أن نراه".
ولم يكن ديفيد في أي مكان في الأكواخ , ولا رآه أحد , فذهبت وأنزلت أدوات التزلج من مكانها المعين , ثم خرجت ألى الهواء الطلق.
وكان لا يزال في الفضاء قليل من الضوء , وكانت الغيوم تتجمع وتهبط ألى رؤوس التلال , والدلائل تشير إلى أن الثلج على وشك السقوط .