كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: أَحلَامٌ تَأبَى أنْ ’ تَنْطفِئ ،، / بقلمي
.
.
مضى الاسبوع خفيفًا على الجميع إلا واحد،
وأتى الأربعاء الذي كان مصيريًا بالنسبة لحاكم بعد أن قضى الأيام قبله بتفكير وشيل وحط،
خرج للصالة بوجهٍ متورم بعد القيلولة التي أخذها ما إن عاد من عمله أبكر من المعتاد بكثير عندما اشتد عليه الألم المنتشر في جميع رأسه، ورغم أنها كانت غفوة لم تمتد لساعة ونصف حتى، إلا أنها كفته وزيادة وكانت كفيلة بتبديد الألم،
بدأ يسحب أقدامه سحبًا بخدر وخطى مسموعة على البلاط، عينه على صاحبة الجديلة الفرنسية المشدودة، تجلس على الكنبة وتعطيه ظهرها ولا يُرى إلا لمعان شعرها بشكلٍ جعله أكثر سوادًا.
عندما فتح حاكم العائد من عمله الباب ورفسه مغلقًا اياه بقدمه، توقعت الجادل أنها مفاجأة منه وأنه سيقول البسي عباتك سنخرج للغداء، لكنها ما إن رأت شحوب وجهه وترنحه المنهك حتى وعرفت أن السبب مختلف لم يقارب توقعاتها حتى.
مضت فترة العصر طويلة ثقيلة بسكون مرعب في المنزل، بملل جعلها تخترع أشغالاً من العدم فقط كي تضيع الوقت حتى يستيقظ. تعطي مهمة بسيطة جل اهتمامها وتركيزها، برد أظافرها مثلا،.. تعطي كل اظفر وقته وتجلس في الواحد أكثر من ربع ساعة بدون أي مبالغة.
لكن ما إن وصل لمسمعها صوت الخطوات حتى وأدارت رأسها لمصدرها، ترمي المبرد جانبًا وتتبسم رغمًا عنها وهي ترى تقدمه بثقلٍ في خطاه، يبادلها الابتسامة بأخرى غبية وناعسة ويده تحك بطنه كردة فعل خرجت بسبب نظراتها التي تتبعه.
اتسعت الابتسامة حتى تحولت لضحكة ما إن ارتمى على نفس كنبتها يضع رأسه على فخذيها، يغمض عينيه ويتمتم بصوتٍ محتقن: دعباان..
تلاشت كل معالم البهجة التي كانت تضيء وجهها وسألت بقلق: ماراح الصداع؟
حاكم : إلا، وش البودرة اللي اعطيتيني اياها؟
وضعت كفها على رأسه وبدأت تعبث بأصابعها في شعره: مسكن مدحته لي دكتورة مصرية شاطرة الله يذكرها بالخير، بس وش رايك خطير مو؟
حاكم بتأييد رغم أنه نام وهو يتحلطم على طعمه السيء: وحدة بوحدة وأحسن من البنادول اقلها خفيف على المعدة و لايغث!
يفتح عينًا قبل أن تفتح فمها، يطلب بنبرة منهكة: بالله خلّك ضاغطة بيدك على راسي شوي.
زمت شفتيها والقلق اشتد: ماتلاحظ إنك صاير تصدع كثير؟
تأوه بخفه وهو يشعر بيدها تسحق جمجمته كما طلب: وجهي كله مصدع مو راسي بس. الجيوب الأنفية شابّه علي ذبحتني.
الجادل : طيب روح المستشفى أقلها يصرف لك علاج يهديها شوي.
ضحك بخفة: ماتعرفينها أنتِ مايهديها شي ذي ولا ينفع معها لا دواء ولا غيره، لا التهبت خلاص تحمّل لين يفرجها الله عليك.
مررت أصابعها على ملامحه، تتحسسها بنعومة: كيف كذا كل داء وله دواء وين عايش أنت!!..
ثم تردف بهمسٍ حنون وكفها يلامس خده بكل حب: شف كيف حتى وجهك وارم.
فتح عينه ولانت نظرته تحت لمستها وهو يتأمل ملامح وجهها بنظرة، متأثرًا بدفء أصابعها فهمس بصوت أثقله الحنين: كلها كم يوم وتخف متعود عليها ماهي أول مره.
يسود الصمت عندما بدأت الجادل بتدليك ما بين حاجبيه بسبابتها إلى أن لف يديه حول معصميها، يضغط براحة كفيها على عينيه بقوة جعلتها تشعر بتبلل أهدابه بدموعه التي تنافرت، تهتف والخوف أكل قلبها فعلاً: حاكم روح المستشفى مابتخسر شي.
أبعد كفيها عن عينيه وأخذ يضغط بهما على أماكن متفرقه من وجهه يختارها بنفسه هذه المره، يسأل بتنهيدة: أقولك الفهد شكلهم مو بالبيت.
ضحكت بخفة من لقافته: شكلهم.
حاكم و هو يشير على الحائط أمامه بسبابته: شفتي هالجدار اللي بين شقتنا وشقتهم؟
هزت رأسها وهي تنظر لحائط الصالة الذي يقصده بفضول وترقب لما سيقوله، ليفاجئها صوته مناديًا باسم فهد، بصوت مرتفع جعلها تجفل، يكرر النداء مجددًا "يافهد" بنبرة أعلى، وكان سيصرخ ثالثة لكنها وضعت يدها على فمه ليعضّها بقوة جعلتها تصرخ باستهجان رغمًا عنها: يالمسعور!
كشر يكشف لها عن أسنانه، يرفع حاجبًا ويسأل بجدية مصطنعة: أنا مسعور؟
توترت وخافت من زعله، فقالت تتغدا به قبل أن يتعشى بها وهي تمسح مكان عضته بألم: ايه عورتني.
شد يدها بعناد وقبل أن تنطبق أسنانه على ذراعها سحبتها بتذمر، تهدد: بكسر ضروسك ترى.
ضغط برأسه على أقدامها بقوة متعمدة حتى تحلطمت بألم وهي تحاول دفعه بعيدًا عنها، ثم يعاود الإشارة على الحائط ولا كأنه تأثر: المهم شفتيه؟ تراه ماهو جدار صدقي.
عقدت حاجبيها بعدم فهم: شلون يعني ماهو صدقي؟
حاكم بنبرة خبث: يعني لاجيتي تقولين لي كلام هه ولا هه وطي صوتك عشان مايسمع فهد.
كشرت ترمقه باستهجان، تحرك شفتيها بمسَبةٍ صامتة فهمها فورًا ليقهقه باستمتاع ضحكة مرتفعة تجعد معها وجهه كله: ناوليني جوالي بس خل أشوف وين راح يسربت.
تناولته من الطاولة بجانبها تمده له، تنطق بمودة: شحنته لك.
ابتسم ابتسامة واسعة: هذا هو الحب ياجاهلينه..
ثم تابع وهو يبرز شفتيه للخارج بعد أن بللها بلسانه: هاتي بوسة!
قبّلت راحة يدها قبل أن تصفق بها جبينه بقوة، ليرفع يده بسرعة يتلمس صفعتها، ينطق بعبوس: كلها بوسة ترى وش طالب أنا عشان تعنفيني بالشكل ذا؟
ضحكت وقالت تشاكسة: مالك إلّا القبلات الإسلامية مش أمورك فيها هاليومين.
حاكم بنبرة تهكم خالطتها حسرة زائفة: لي ثلاثين سنة أدور حنان....
تتابع بنبرة شامتة ما إن سكت وهي تراه يرمقها بإزدراء: وبالأخير ماحصلت إلا الجادل.
ارتفع طرف فمه بابتسامة ممازحة وهو يسمع التشفّي في صوتها، يبحث عن اسم فهد في هاتفه: اللهم لا اعتراض.
يقرب طرفه من فمه ما إن وصله صوت الآخر من مكبر الصوت، بنبرة خفيفة محببة: هلا.
حاكم بدون مقدمات: أنت في البيت؟
فهد: لأ.
هز رأسه بتفهم: بعذر أجل أنادي محد جاوبني، وينك طيب عند أمي؟
فهد بروقان: رايحين مشوار.
همهم مضوقًا عينيه بخبث: رايحين؟؟.. يعني أنتم الاثنين مع بعض!! ممم..
ضحك بخفة، يوضح: رايحين بيت عمي عبدالله.
ينطق حاكم بذات الهمهمة وهو يبرم طرف شاربه: بيت عمك عبدالله..ممم.
فهد وقد تعالت ضحكته: اقلب وجهك.
عقد حاكم حاجبيه باستنكار ما إن أغلق الخط في وجهه، يهتف بعبوس وحنق يسرق ضحكةً بصوت الجادل: ذا الولد من أعرس وهو مايشوف أحد شيء.
يرفع هاتفه الذي علت نغمته بعد نصف ساعة من بدء الحلقة الأولى من مسلسل جديد قررا متابعته، يقول بعبوسٍ وضجر: اوهووه وش يبي ذا بعد؟
يفتح مكبر الصوت وهو يرفع يده يغطي وجه الجادل بعشوائية يسكتها بعد تعليقها: ترى فيه شي اسمه سماعة.
حاكم وقد خرج صوته من بين شفتيه بترحيب وحماس ينافي الامتعاض قبل ثانية: أرحب ثم أرحب يابو علي حي ذا الصوت.
تبادلا الأخبار والسلامات لدقيقة بتفاعل من حاكم الذي أمسك بجديلة الجادل يضع طرفها فوق فمه كالشارب، يخبره عبدالله بأنه أخذ موعدًا عصر الغد في أحد المستشفيات لإجراء فحص ماقبل الزواج ليعلق بنبرة ساخرة وهو يسند رأسه على يد الأريكة بعد أن قامت الجادل بحنق وقرف تسحب جديلتها معها وتصفع يده ما إن بدأ يدغدغ فتحة أنفه بطرفها: ماشاءالله يا ابن خيخي ماعرفتك وأنت رايح مستشفى خاص!
عبدالله بروقان: وش أسوي مو أنتم ياكثركم وياقل بركتكم مشغولين الصبح.
حاكم بنبرة تهكم: ترى ماهي عسكرية يالحبيب نقدر نستأذن لو طلبت بس قل هياط يمشي بدمك.
ضحك: وش مزعلك أنت الحين خلني ياخي دافع من جيبك شي؟ والله لولا المنقود كان مريتها أنا وأخذتها بطريقي دام رايحين نفس المكان ولا تقعد تحت مذلتك أنت وأخوانك.
حاكم بإزدراء : زين إنك حاط اعتبار للمنقود يالسِفله.
عبدالله بنبرة مرتفعة: اااه ياربي احميني من نفسي أنا مش قادر أنا جوايا طاقة عاطفية جبارة.
ضحك: أقول تلايط.
عبدالله بتأكيد : أشوفك بكرة تكفى لا تسحب.
حاكم بمودة قبل أن ينهي الإتصال: خلاص يابثر.
.
الحب يقين طريقه واحد بدون أي منعطفات، ومتى ماكنت مترددًا فيه فاعلم أنك أضعته، تهت عنه، ويجب عليك مراجعة نفسك وترتيب حساباتك وتثبيت أقدامك كي لا تضيع مجددًا.
حاكم متأكد من أن طريقة معها واضح، بمسارٍ واحد باتجاهٍ واحد لا عودة فيه.
مع ذلك كان يشعر بضيقٍ رجّح أن يكون سببه وجهه الذي سيتمزق في أي لحظة وألم الجيوب يتصاعد دون رحمة. يؤكد لنفسه هذا السبب فهو للتو عاد من المسجد مصلي العشاء ومسمّي وعليه اسم الله، متأكد بعدم حاجته لمراجعة نفسه وترتيب حساباته وتثبيت أقدامه فلا مجال للتردد في حبه للجادل من أصله إلا أنه يتوهم ذلك من الارتباك الطفيف الذي يسري في أوردته. الكل يستحق الحب مهما كان نوعه طالما كان مشروعًا. وقلب كقلب الجادل يستحق أن يُحمل على كفوف من الحب.
يجلس بشكلٍ متراخي يتمدد بساقيه ويضعها على الطاولة أمامه، يدٌ على بطنه والأخرى يتكئ بكوعها ساندًا رأسه بقبضتها. عينه بذهنٍ شارد على تتر نهاية الحلقة الثانية التي لا يدري متى بدأت كي تنتهي، يلتصق بالجادل التي استنكرت هذا التلاحم فالعادة كانت أن كل واحدٍ منهما يتمدد على أريكة، إلا أنها آثرت السكوت خصوصًا وهي ترى التضجر باديًا على ملامحه.
طوال الفترة الماضية ومنذ أن عرفت شعاع بالموضوع وحتى هذه اللحظة وهي ترسل لها دون توقف، تسألها إن كان الوضع اعتدل بينهما وما إن تجيب الجادل بأن الوضع "على حطت يدك" حتى وتأمرها بأن تتحرك، تكلمه، تعاود الاعتذار مجددًا فهي المخطئة فلا داعي بأن تأخذها العزة بالإثم، والكثير من "كلميه. تفاهمي معه. فهميه. وكلميه كلميه كلميه" فما بعد الجفاء إلا الصد والتعود عليه.. إلى أن شعرت الجادل بالإعياء من الضغط الهائل وأصبحت تقرأ دون أن تجيب أو تتفاعل بنقطة حتى.
تنهدت وهي تشعر بشرود حاكم حتى بعد أن بدأت الحلقة الثالثة دون أن يعلق بحرف واحد، مسكت جديلتها وقربتها من أذنه تدغدغه بطرفها الناعم مما جعله يبعد يدها دون أن ينطق بحرف، كررت الحركة أكثر من مره، مرةً تمررها على خده مره على عينه ومره على أنفه وفي كل مره كان حاكم يبعد يدها بصمت إلى أن طفح كيله وقبض على معصمها يشده ناحيته بسكوت.
أخفضت بصرها ليدها التي أصبحت على بطنه، ثم رفعته تنظر له باستغراب من انقلاب حاله بعد أن كان رائقًا يضحك قبل ساعة: حاكم فيك شي؟
شبك أصابعه بأصابعها دون أن ينظر لها: لأ!
عادت تسأل باستنكار: فيه شي؟
حاكم بهدوء واختصار: ايه.
هتفت بقلق: وش فيه؟
سكوت لدقائق طالت فتوقعت الجادل أنه ربما سمع شيئًا من الخارج وأزعجه، أو هذا ما أقنعت نفسها به وهي تعاود النظر للتلفاز دون أن تضيف بعد كلامه حرف، تشعر بأصابعه بين أصابعها حتى زفر بعد فترة يتمتم شيئًا لم تسمعه، فسألت بشك: هلا؟
عاد يقول بنبرة مسموعة هذه المره: أقول إني جحش.
عقلها فارغ تمامًا، فراغًا من فراغه لم تجد فيه كلمة تعلق*بها...
صمَت لبرهة قبل أن يردف بنبرة خالطها أسى، بدون مقدمات فكل مايحاول قوله تبخر وكأنه لم يتدرب عليه طوال الاسبوع الماضي: أنا والله تعبت.. طاقتي نفذت قلبي قام علي.. مغبون لأني ضيعت من قربك سنة وست شهور، الأولى كانت غصب عني بس الثانية برضاي... وبالنهاية ذا كله على وش؟!
رمشت أكثر من مره، متفاجئة: ماعليه..
تحط نظرته على وجهها، ينطق ويقاطعها بضيق: بس يشهد الله إنها كانت صدة مضطر.. ماعمرها كانت صدة عايف يالجادل..
ابتلعت ريقها وتسارع نبض قلبها، شعرت بالدوار، انتابتها أحاسيس غريبة، تنطق بصدق وهي ترى الضيق يغزو عينه: ماعليه أنا غلطت، وأنت كنت محتاج وقت عشان يطيب خاطرك.
اعتدل جالسًا، تخرج الكلمات بسرعة واندفاع: طاب خاطري.. والله طاب خاطري..
يمد يده فورًا وهو يمسح بأصابعه خدها، متبسمًا ابتسامة صغيرة على ضحكتها المستقرفه: حتى سعبولتي طارت من الحماس.. معليش.
تتسع ابتسامته دون أن يبعد إصبعًا حتى، يطول الصمت لثوانٍ قبل أن يبتعد حاكم يبحث عن الريموت المدعوس بين المراتب بحنق ما إن قطع لحظات التأمل الصوت الصادر من التلفاز: اقفلي القرف ذا الله ياخذه..
ضحكت من قلبها وهي تشعر بالعبرة تتسلق حلقها، تغطي سطح عينيها، تعاود النظر له بعد أن أغلق التلفاز ورمى الريموت خلف ظهره بدون اهتمام، يقابلها في جلوسه بعد أن ثنى قدمًا تحته واضعًا كوعه على حد الأريكة قبل أن يسند رأسه بقبضته، يقول بهمس مشاكس وضحكة غير قادر على أخذ الموضوع بجدية.. هل هذا مرض أم شيء طبيعي في تكوينه؟ لا يدري: تدرين وش يقول مساعد الرشيدي الله يرحمه؟
هزت رأسها تنفي بدلال وهي تلعب بطرف جديلتها: تؤ!
حاكم بخفوت وهو يغزو وجهها بنظراته: وإن كان ودك تجي صوبي ومتردد، تعال والله يسّود وجه من ردّك.
انهاها يضرب على صدره بقوة يدعوها لترمي نفسها عليه كما الأفلام بالضبط، لكنها كرمشت ملامحها تمتعض: إيييو يالقشعريرة.
ضحك: افا ماعجبتك؟..طيب وإن قلت ذوبيني لين ماعاد يبقالي عظام, شوقيني لين ماعاد لي قلبٍ سلا.. وش تقولين؟
قالها يغمز بتملق، يثقل نبرته حتى بدا صوتًا لا ينتمي إليه.
ضحكت بخجل وقالت بنبرة لا تتناسب مع حمرة وجنتيها: ياعمي خل الشعر لأهله مالك فيه.
طيّر حاجبيه بصرامة زائفة: اعقبي يابنت أنتِ ماسمعتي اللي يقول أنا شاعر عاقل وهي مهرة لعوب؟
تندفع القهقات مرتعشةً مع أنفاسها وهي تشعر بنبض قلبها يتوقف ما إن اقترب منها وهو يرمقها بعينيه في افتتان، يهم بتقبيلها إلا أنها وضعت يدها على صدره تمنع اقترابه، تقول بدلال رغم ارتباكها الواضح: اترك كلامهم الفاضي وعلمني حاكم بن ساجر وش يقول؟
همس بشغب متجاهلاً يدها التي تحول بينه وبينها: حاكم بن ساجر مايقول، حاكم يفعل يابنت.
ورغم أنها صرفته تتعذر بإعداد وجبة عشاء خفيفة له ولها علها باختلائها في المطبخ تجمع شتات نفسها وتسيطر على خفقان قلبها ورجفة أطرافها وتبتلع سعادة الصلح بهدوء على راحتها بينها وبين نفسها، إلا أن حاكم الذي كان يفوقها سعادة لم يتركها لوحدها أكثر، يدخل المطبخ يتسحب كاللص، تغص الجادل وتكح بهلع ما إن تفاجات بالذراع التي امتدت من خلفها تغلق صنبور المياه: قلت لك مانبي عشا.
شعرت به يبتعد قليلاً تاركًا لها مساحه لتستدير وتقابله.
ابتلعت ريقها ولأول مره في حياتها تشعر بأنها امرأة ضعيفة أمامه تتخلى عن طبائعها المندفعة معه أو حتى مع غيره: قربت أخلص أصلاً.
حاكم بهدوء: بقول الكلمتين اللي بقت بخاطري عشان نقفل على هالموضوع للأبد ونتجاوز فقرة إن كل واحد مستحي من الثاني ذي.
ضحكت بارتباك تهتف باستخفاف: شدعوة استحي منك!!
رفع حاجبًا وابتسامة تحدي جانبيه علت فمه، ينطق بنبرة وهو يرمقها ببطء وازدراء هازئ من الأعلى للأسفل: أوكي.
زفرت بتوتر، تفرك وجهها بكفيها وهي تشعر بأنها تنهار: قول الكلمتين وخلنا نخلص يرحم أمك جاني خفقان.
ملأت ضحكته المكان قبل أن يضمها إليه ويقبل رأسها بمودة، لتهتف الجادل بتنهيدة راحة خرجت من أعماق قلبها وهي تدس رأسها أكثر: برضه حنان؟
أبعدها عنه قليلاً، فرفعت وجهها تطالعه، ليقول والبسمة تعلو شفتيه: عندي الجادل وأدور حنان! مجنونة أنتِ؟
ثم ينظر صامتاً بعد ذلك لا يعرف ماذا يقول والحقيقة أنه لا توجد كلمتين ولا غيرها -قالها وتوهق- : امم...
لتضطر الجادل أن تقول عوضًا عنه بتردد أهم شيء تخلق جلَبَه في المكان: سامحتني صح؟
ابتسم: ماعمري كنت زعلان منك عشان أسامحك، أنا بس كنت مقهور حبتين..
ثم أردف بنبرة حب: ترى اللي بيني وبينك صافي والاعتذار كان سهل وأنا نسيت كل شي من قلتي لي أخاف يصير الوضع غريب ونتعود عليه. زائد إن قلبي طيب ههه.
قوست شفتيها بزعل طفولي وهي تلف ذراعيها حول خصره: أسفه.
ضحك ببلادة: يا أمي أنا خروف من ثاني يوم قلت لك اعتذارك مقبول.
الجادل: يعني خلاص صافي يا لبن؟
ضرب جبينه بجبينها مستغلاً قربها مما جعلها تدفعه بألم: حليب ياؤشطة.
الجادل بابتسامة عريضة: أجل اسمع، من اليوم ورايح مافيه فكّه مني بعوض الأيام اللي راحت وأنت بعيد عني. بخنقك سامع؟
ضحك رافعًا حاجبيه: ثلاثين سنة وحداني حر طليق واتشقلب على راحتي تبين على آخر عمري أتقيد بكرعانك؟
رمقته بغرور: وش آخر عمرك بسم الله عليك.
ثم تردف وهي تضرب صدره براحة يدها بقوة أكثر من مره: حبيبي أنت عمرك توه يبتدي الحين.
دلّك مكان ضربتها متصنعًا الألم: طيب بشويش سببتي كدمه... وياليت لو نخفف من الثقة شوي!
رفعت حاجبها بتهديد ونبرة وعيد: ليه ماهي بمكانها؟
ليلقي برأسه للخلف ضاحكًا بقوة، يهتف بعد ذلك وعينه اتسعت بذهول: افف شف المجنونة تسأل.
تبدّل وجهها الباسم إلى آخر عابس وقالت بتردد: حاكم أنت يوم قلت إنك عايفني،، كنت قاصدها؟
نطق بهدوء: ايه.
يردف هامسًا بعد ذلك يمد شفتيه ما إن مدت شفتيها بزعل: آسف بس ذا الصدق.
الجادل بضيق: اعتذارك مو مقبول.
ضحك: يالنذلة.
الجادل: قهرتني،، وللحين أحس أني مقهورة منك.
ثم حاولت التحرر منه لكنه ثبتها بقوة: الجادل افهمي كان لازم يصير كذا ولا الحياة بتمشي كم سنة بيني وبينك وبعدها بتوقف، لا تظنين أنه هين علي أشوفك معي وأتجاهلك وأنا اللي لسنة كاملة كنت أبي لو دقيقة وحدة تجمعني فيك، ترى أنا قوي قدام الكل حتى نفسي، لكني ضعيف قدامك..
تمتمت بحرج: طيب خلَص.
اتسعت ابتسامته حتى غطت وجهه: هاه سامحتيني يعني؟
بعناد: لأ!
عقد حاجبيه ضاحكًا باستنكار: بعد؟
كشرت وهي تهز رأسها بقوة: بقعد شايلة عليك إلى إن يطيب اللي بخاطري كله.
هز رأسه : طيب خذي وقتك بس لا تمصخينها.
قالت: أحاول وأنت وشطارتك.
ضحك رغمًا عنه ما إن نظرت له تسبل عينيها كقطة صغيرة: أنا واثق من نفسي وقدراتي واللي أقدر عليه بس بعطيك على جوّك يابنت خالد.
: لا ياشيخ!!
حاكم بثقة: ايه،، واسمعيني.
رمشت بعينها عدة مرات وهي تقضم شفتيها بخجل، ثم قالت بنبرة: أسمعك.
ربت على خدها بخفه، قائلا بابتسامة: لا حبيبتي شيلي النظرة الدايخة ذي واسمعيني بقول كلام جدي.
عقدت حاجبيها بصرامة زائفة وفخّمت صوتها: أسمعك.
تبخرت الجدية التي كان ينوي تصنعها وحل محلها لين فضيع شع به وجهه: تدرين إن عيونك أحلى عيون شفتها بحياتي؟
هزت رأسها بدلال : يس أدري.
رفع حاجبه بنظرة إعجاب واضحة وكأنه توقع إجابة مغايرة عن تلك التي سمعها منها، تنطقها بثقة تنافي ابتسامتها الصغيرة الممزوجة بخجلٍ صريح. بقى صامتًا وهو يشعر بتبعثر أفكاره كلها وهي تنظر لعينيه، فحدّق بعينيها وأشرقت في قلبه الشمس، يهمس بنبرة تغرق بالعاطفة : أحبك أكثر من عمري.
تتحرك شفتيه بعد ذلك دون أن يجد كلمة إضافية ليقولها ما إن رأى الدموع تغطي عينيها، لتقاطعه بقبله أسكتت كل المحاولات، وأيقنت كل الحيرة، وجعلت نبض قلبه يتسارع حتى خرج من بين ضلوعه، يقول بذهول ودهشة ما إن ابتعدت: اَسلم!!!
لتضحك، كالمغيبة عن الوعي تماماً.
.
.
كان الصمت ثالثهما بعد أن سلم الثاني ورد الأول السلام عليه.
عاد جوار أخيراً لعمله بعد أشهر قضاها غائبًا وما إن عرف عزام بذلك حتى واقتحم مكتبه دون أن يقرع الباب حتى ودون أن يعارض جوار على ذلك.
يستمر الصمت لدقائق أخرى قبل أن يزفر جوار وعينه على القلم الذي يحركه بين يديه، يهتف بنبرة هادئة: اخليهم يجيبون لك شي تشربه؟
عزام بعقدة حاجبين بسيطة ونبرة مستنكرة: وش فيك متوتر؟
ارتفع طرف فمه بابتسامة صغيرة، لازال على وضعه: من يقول متوتر؟
سكت عزام قليلاً : الحمدلله على السلامة أول شي.
جوار بهدوء: صار لي أسبوع واصل.
تبسم ليرفع الآخر رأسه على قوله: داري.
رفع جوار حاجبًا وقال بنبرة ممازحة: النفوذ اعنبوه!
عزام: ماهو نفوذ بس عيال حلال ربي حطهم بطريقي مثل ماحطني بطريقك، ولا أنت ناسي إني معفي؟
ضحك ناطقًا بسخرية: ايه صح معفي، وكأني ما أفهم ولا قد مريت بالحركات ذي.
قهقه عزام وهو يرى تأثير شمس السودان على وجهه: ما علينا.. المدام ورجعت معك، نفذت وعدي وصار دورك تنفذ وعدك الحين.
أسند جوار كامل وجهه بيده مع برود شديد بالملامح: وأنا عند وعدي ويحرم طريق يجمعني باللي اسمه عبدالله ذا.
رفع عزام حاجبيه بصرامة: تسوق العبط علي أنت؟
ضحك جوار بخفه: شوي..
لازال الملل في نظرته، يشتغل عقله ويعود لأول الاسبوع عندما عاد لأرضه يسحب عذوب المطيعة بشكلٍ مريبٍ خلفه إذ أنها لم تفتح فمها بكلمة ولم تعترض لدرجة أنه ولوهله شعر بأنهما زوجين سعيدين عائدين من رحلة شهر العسل، يدخل منزل والدته ليتفاجأ بها تجلس في جلسة الحوش تنتظر وصوله بلهفه وشوق وسعادة تلاشت تمامًا ما إن رأت التي يسحبها خلفه كالشاه، تسكت عن كلمات الترحيب التي كانت تنوي قولها.
أغلق جوار الباب الحديدي خلفه، يزفر بضيق دافعًا عذوب أمامه لتتقدم كم خطوة بثبات تحرك معصمها حيث أصابعه كانت كالقيد طوال الرحلة.
تخلع لثامها بابتسامة ثقة شقت طريقها على وجهها وهي ترى الصدمة تعتلي وجه العجوز، وأخرى اعتلت وجه الشابه الثلاثينة المتأنقة والتي وقفت بعد أن كانت تجلس.
يلتفت لهن أخيراً وهو يكيل اللعنات لعذوب في نفسه فهو لم يتوقع أن تكون المواجهة مبكرة هكذا : السلام عليكم.
والدته بفتور وبصرها يتنقل بينهما: وعليكم السلام،
ثم تسأل بقلق: وش العلم مين ذي ياجوار؟
يتقدم ليسلم عليها، يهتف بنبرة خفيضة بعد أن قبّل رأسها: ماضيي الوصخ يمه .
تعقد حاجبيها بعدم فهم لتمتمته، تعاود النظر لعذوب بشك وتفحص ليستغل الفرصة ويسأل من كانت جالسة معها لازالت تقف: وش أخبارك يامها؟
مها بنبرة مغتاضة ما إن انتبهت لحاجب عذوب الذي ارتفع بدهشة بعد أن سمعت اسمها: بدخل أنادي لك العيال يسلمون عليك.
وما إن اختفت حتى وعاد السؤال: هذي مين ياجوار؟
زفر بإرهاق : زوجتي.
رمشت بصدمة: زوجتك؟ متى أخذتها وكيف وليه ما قلت لنا؟
جوار: يمه توي راجع من رحلة طويلة بروح أرتاح ولاصحيت أبشري بعلمك كل شي.
هزت رأسها بصرامة وهي ترى التعب واضحا عليه، ترمق عذوب الثابتة مكانها بنظرة قوية: زين..مايخالف!
يفتح باب غرفة منفصلة مبنيه خلف المنزل بدورة مياه مدمجة كانت في السابق للعاملة إذ أن والده في حياته كان يرفض نومها داخل المنزل، تغيرت القوانين بعد وفاته لتتحول الغرفة الآن لمستودع طلب من مها تنظيفه وترتيبه.
لم تستطع عذوب إلا أن تسأل وعينها تتنقل على المكان الذي تفوح منه رائحة البخور: أنت تزوجت؟
ضحك بدون نفس ورغم أنه زواج صوري لم يوثّق بالمحكمة حتى إلا أنه قال: أجل بقعد حي على ذكراك؟
أدارت رأسها تنظر له بقوة، تكره الوخز الذي شعرت به في قلبها ومعاذ الله أن تكون غيره، لا يمكن أن يفوتها الاسم حتى وإن كانت هذه المره الأولى التي تلتقي بصاحبته: أنت تزوجت مها؟؟.. أخذت أرملة أخوك؟!!
تنطق بعد ذلك بشمئزاز وقرف وقهر رغماً عنها: وع.
يعود جوار للواقع على صوت نقرات أصابع عزام على سطح مكتبه: وين رحت صار لي ساعة أكلمك! عرفت شي عن ساطي؟
رمش جوار أكثر من مره بتردد، يجد أن الحدة التي كانت تجمعه بعزام فيما مضى خفّت قليلاً، عمومًا هما لم يكونا عدوين فيما مضى لكن المعرفة بينهما كانت متحفّظة لحدٍ كبير..
شيء جيد أنهما أصبحا كالزميلين أكثر الآن: أنت تعرف شلون تزوجتها أنا؟
عقد عزام حاجبيه ليتابع جوار بحقد: راكان حطها بطريقي وكانت لحالها مامعها أحد.. أنت من وين تعرف أبوها؟ وش اللي بينك وبينه!
عزام بهدوء: مايخفاك أبوها وش كان يشتغل قبل.
أسند جوار ظهره على كرسيه، يعقد ذراعيه. لا فكرة لديه أبداً: طيب...
عزام بذات الهدوء: مختصر الكلام واللي يهمك تعرفه هو إنه غدر بمجموعته وورطهم مع جماعة يهود صهاينة!
ارتفع حاجبيه، تفر من بين شفتيه ضحكة مدهوشه: طيب!!
استنكر عزام ذلك إلا أنه تابع: وأبوي وراكان كانوا من ضمن مجموعته، ماجا على كيفهم وأقصد بكلامي أبوي.. فانتقموا منه وأخفوه بمساعدة الكلب ساطي أبو زوجتك جعله يطيح بيدي.
قهقه جوار ضاحكًا وهو يندفع بجسده للأمام، يسند مرفقيه على مكتبه ويشد خصل شعره، ينطق بذهول: يلع* أمها على أمك ياراكان.
يهتف عزام بعد صمت ثانية وهو يحاول التحكم بنبرته: أنا أدري إنك منت شخص بالسوء اللي تبلّوك فيه وأدري إن فيك خير حتى لو بيّنت العكس. بس يا جوار صار لك فوق الشهرين وأنت تسحّب بي ماهو كلام ذا!
جوار بنبرة يكتمها الغيظ: جابك الله بطريقي ياعزام وأبشر باللي تبي والله مايجيب لك العلم إلا أنا بس اصبر علي شو..
قاطعه عزام بانفعال: اصبر كم؟ سنة؟ سنتين؟ كم؟؟.. تراي ماني بقليل شر ياجوار ولو بغيت الشي طلته وجبته من راسي ولا علي بأحد. لا تظن إن سكوتي عنك طول هالوقت ضعف مني أو خوف منك، أنا ما أخاف من أحد ولا أهاب أحد إلا خالقي وخالقك وإن كثر كلامي بس تأكد إني ما أهدد ولا أتكلم عبث.
سكت جوار قليلاً قبل أن يقول ببرود زائف: لا تقعد تصفصف لي الحكي قلت لك أنا عند وعدي وقد عطيتك كلمة وأنا ما أثني كلمتي لو جات على قص رقبتي... بس الحين تغيرّت أشياء واجد، عطني أسبوع بس.... حسابي مع بنت الكلب والردّي الثاني توه ماصفى.
.
.
ترجل حاكم من سيارته بعد أن أوقفها في المواقف التابعة للمستشفى، يمشي ناحية المبنى بجانبه ريم الصامتة طوال الطريق بارتباك واضح حتى لو حاولت إظهار عكسه.
يمسح على شعره بتعب فعبدالله لم يدع له مجالاً لدخول منزله وتبديل ثيابه حتى، يقصفه بالاتصالات من الساعة الثانية ظهرًا لدرجة أنه مسح به البلاط في الاتصال الخامس، تمتد الشتائم لجدهم السابع المشترك.
: هذا ما كأنه عبدالله!!
رفع رأسه على صوت ريم المستنكر بعد أن كان يطأطأه هربًا من الشمس الباردة،، يعقد حاجبيه ما إن وقع بصره على الذي تقصده، بثوب وشماغ ونظارة سوداء تحجب عينيه. ليتقدم ريم بخطوتين ويلتقي بعبدالله الذي كان يقف قريبًا من بوابة الدخول ينتظرهم، يتقدم بدوره ما إن لمحهم من بعيد، يصفر معلقًا على حاكم الذي لازال يرتدي بدلة عمله: يا أرض احفظي ما عليكي.
ضحك وهو يسلم عليه: وش عندك مارحت؟
عبدالله بمرح: قلت أجسركم،،
ثم يسأل بابتسامة مبتذله وهو يخلع نظارته: ريم وش أخبارك؟
يصله صوت حاكم عوضًا عن المختبئة خلفه: ورع.
عبدالله بتملق وهو يثبتها في جيبه العلوي: لبيه.
ضحك وهو يدفعه: عيونك قدام.
ثم يسأل بعبوس: اف وش ذا الكلونيا اللي أنت حاطها!
عبدالله باستهجان جردّه من تملقه وابتذاله: كلونيا بعينك، عطر غالي ذا!
ضغط على أنفه بقوة ناطقًا بتهكم: باقي عطر مابخيت منه خنقتني قامت علي الجيوب حسبي الله عليك. وبعدين وش هالنسفة الخايسة ناوي تلدغني أنت؟
عبدالله ببشاشة ونبرة مرحة: ليه وش فيها الكوبرا حقتي ماعجبتك؟
حاكم : لا ما عجبتني شكلك طالع قديم.
عبدالله وهو يفرد شماغه: هذا وأنا مجتهد ومخلص علبة نشا عليها،
حاكم وهو يراه يرمي كل طرف من شماغه على الكتف المعاكس: وش تسوي؟
عبدالله بابتسامة واسعة: تشخيصة الكلب البردان.
ضحك بيأس: أقول امش قدامي.
تنتهي ريم من التحاليل المطلوبة، ترفع عينها قليلاً لحاكم وعبدالله، غير قادرة على كتم ضحكتها منذ أن رأت عبدالله وكوبرته وحتى هذه اللحظة عندما قال أثناء خروجهم من المستشفى: ماودك أعزمكم على عصير قهوة شاهي ماهي شي ماشيات؟
حاكم بضيق فعبدالله لم يسكت لثانية واحدة منذ أن رآه: مشّاك بطنك توكل والله يكتب اللي فيه الخير لا نشوفك إلا يوم العقد.
ضحك: اللهم آمين الله يتمم.
حاكم بمودة ونبرة مازحة: ولا عاد تحط من ذا الخياس مره ثانية.
كشّر في وجهه ينطق بنبرة متهكمة: ديور ياللحجّي.
حاكم : شقلب أقول.
تنهدت ريم بعمق ومشاعر ود جديدة تُولد في قلبها ما إن ابتعد عنهم قائلاً وداعه بصوتٍ مرتفع جذب بعض الأعين.
تقول بنبرة في طريقهم للسيارة: حرام عليك ريحة عطرة حلوة.
رمقها حاكم بطرف عينه: كان المفروض أقول لناصر يجيبك عشان يفرك خشمك بالقاع.
.
.
في اليوم التالي خرج فهد مع حاكم معللاً سبب خروجه بأنها سهرة شباب في استراحة بعض الأصدقاء، ومعنى سهرة -كما وضح لها- أي أنه لن يعود قبل منتصف الليل،
لتبقى غادة لوحدها في المنزل تستغل خلوه بإنهاء أعمالها المؤجلة بعد محاضرة طويلة بينها وبين نفسها فالتسويف سيدمر حياتها العملية.
تقابل شاشة حاسوبها بتركيز واندماج قبل أن يصلها صوت من العدم ينادي باسمها.
تلفتت بفزع وظنت أنها تتوهم فلا أحد في المنزل غيرها،
تسمّي بالله وقلبها يكاد يقفز من مكانه ما إن عاد الصوت ينادي مجددًا بضحكة هذه المره، تردد ماتستطيع تذكره من الأذكار التي نست أن تقولها في وقتها وهي ترفع هاتفها تنوي الاتصال بفهد لينقذها بأي طريقة كانت حتى وإن كان بعيدًا "هو الرجال ويتصرف"، لكن اسم ريم الذي أنار الشاشة تغرق بضحكة حادة ما إن فتحت الخط : هاه سويتيها على نفسك من الخوف ولا للحين؟
جعلها تغلق الخط في وجهها وتأخذ جهازها معها خارجةً من الشقة بدون تفكير.
الجادل بعبوس: عجزت أفهم الهدف من حركة الجدار اللي مو جدار ذي.
تمددت ريم على الكنبة بعد أن أغلقت من غادة بدون أي تأنيب ضمير، تنطق بنبرة ساخرة: عشان فهد وحرمته يسمعون سوالفكم البيض أنتِ وحاكم.
ولم تتردد الجادل ثانية بأن تشد شعرها لتقف بعض الخصل بغضب، تسارع بخطاها للمطبخ على سِباب ريم الغاضبة فشعرها خط أحمر إن غضبت خصلة تغضب معها باقي الخصل.
تحاول تهجيد شعرها وتهتف بصوتٍ عالي ما إن قُرع الباب ومزاجها رائق منذ البارحة لازالت تسترجع ظرافة عبدالله وتضحك حتى تدمع عينها: خش ياللي بتخبط.
دخلت غادة بوجهٍ لازالت تتضح على معالمه الرَعبة، تسأل بحيرة وقلبٍ يرتجف: بسم الله كيف أنتِ هنا وأنا أسمع صوتك هناك؟
غادة بخبث: نفس ماحاكم وحرمته هنا ويسمعون سوالفكم البيض أنتِ وفهد هناك.
ضحكت وهي ترتمي على الكنبة المفردة، بزفرة: اقسم بالله خفت على بالي بسم الله وكنت بدق على فهد.
اسندت ريم جانب جسدها بكوعها، تنطق باستمتاع وهي ترفع حاجبها بتهكم: وفهد بيلبس فروته السحرية ويجيك طاير يحميك من الجني يعني؟
بررت تدافع عن نفسها بتبرم وهي تضم حاسوبها: مو كذا بس خفت.
أطلقت ريم ضحكة هازئة، ولم تسمح لها الجادل التي خرجت من المطبخ بصينية قهوة تسبقها ترحيباتها أن تعلق، تضعها على الطاولة قبل أن تسلم على غادة بذرابة على عكس ريم التي لازالت تتمدد تنظر لهن ببلادة وبلا إحساس يتبادلن السؤال عن الحال والأحوال بتملق 'سلايف' كما تحب أن تسميه.
الجادل: ماعليك منها ياغادة وبعطيك نصيحة حاولي قد ماتقدرين تتجاهلينها ولا كأنها موجودة بالحياة... الله يعين عبدالله.
ضحكت غادة بتساؤل: عبدالله مين ؟
اتسعت ابتسامة ريم حتى أخذت نصف وجهها: ختشيبي.
رمشت باستغراب: خطيبك؟!! أنتِ مخطوبة؟
ريم ولازالت الابتسامة على أكبر مقاس: توه الموضوع ماصار له أسبوع وأمس رحت أحلل.
غادة بنبرة يتضح عليها الاندهاش: صدق؟ مبروك!! توني أدري والله أخوك ماقال لي.
ناولتها الجادل فنجان قهوة: يابنتي فهد عنده مواضيع أهم من أنه ينفخ راسك بسيرة ريم.
ارتشفت القليل من فنجانها تجامل قبل أن تضعه جانبًا فهي ليست من حزب القهوة العربية، تضحك بإحراج: أنا أوريك فيه هذا موضوع مهم.. مبروك الف مبروك ياقلبي الله يتمم لك على خير.
اعتدلت ريم جالسة تتناول فنجانها من الجادل، تهتف بخجل حقيقي: اللهم آمين.
الجادل بذهول ونبرة غير مصدقة: لا حول ولا قوة إلا بالله أنا بنهبل ياعالم مو مصدقة، أخيرًا جا اليوم اللي شفت فيه ريم خجلانه ووجهها أحمر .
ضحكت ريم بحرج: والله ولا أنا، تخبريني أنتِ مالي بالسكة ذي بس حسيت بخجل بشكل مفاجئ،
ثم أردفت تنظر لغادة نظرة درامية: ماحلفتيني ياغادة بس أنا بنت عايشة وسط ثلاث عيال دمروا أنوثتي أعدموني أصلاً أنتِ ماشفتي كيف قالوا لي عبدالله خطبك!! أنا اللي أعرفه أم البنت تناديها وتحكي لها على انفراد لأن الأب مايبي يحرجها وأخوانها من يدخلون البيت وهم يقولون بها هه مو مصدقين أن آخر العنقود أختهم الوحيدة بتتزوج, بس أنا لااا اشي طقطقة اشي تريقة -تشير بيدها كأنهم أمامها- أبوي وحاكم وفهد وناصر كلهم موجودين مو باقي إلا عبدالله، بس مع ذلك والله ما استحيت منهم مثل ماني مستحية منك في اللحظة ذي.
ضحكت: شدعوة ريمي.
لطمت صدرها بيد، تهف على وجهها بالأخرى بمرح: أنا بمووت يافخري.. والله ما أنلام استحي، تجبرني اتئينث تحدني أطلّع أسوأ مافيني.
ثم نظرت للجادل تعض شفتيها بطريقة ساخرة: اسمعي كيف تقول ريمي...
أخذت غادة على جو ريم والجادل بسرعة، يمضي الوقت باستمتاع تام، تسري عدوى الضحك فيهن جميعًا لشيءٍ سخيف علقت به إحداهن، يتحول لهستيري يتخلله صراخ وتصفيق وأصوات غير طبيعية كلما زادت سخافته،، حتى مع محاولات غادة على التركيز قدر الإمكان بشاشة جهازها والاستماع في نفس الوقت.
تنحنحت الجادل تستعيد صوتها: وش ودكم نتعشى؟
ريم: مشتهية نواشف وشاهي حليب.
الجادل: قومي والفول عليك.
وضعت غادة اصبعها تحت شفتها، تسأل ببراءة زائفة: تبوني أساعدكم؟
كرمشت ريم ملامحها بإزدراء ترمقها بطرف عينها، وقالت الجادل بضحكة: لا أنتِ ضيفتي ارتاحي المرة ذي.
ريم باستهجان: لا والله!! ضيفة مين يا ماما تراها جايتك بالبجامة.
الجادل بنظرة تقييمه عليها: على أساس أنتِ اللي جايتني ببدلة رسمية وكرفته..
وما إن امتدت السفرة على الأرض بينهن حتى وأغلقت غادة جهازها تمامًا. راضية نوعًا ما عما انجزته حتى وإن لم يكن كثيراً،
تتسمر عينها على الهاتف الذي مدته لها الجادل بصورة لعبدالله ومعه رجال كثر لا تعلم كيف كفتهم عدسة الكاميرا، تضوق عينيها بنظرة متفحصة تتنقل مره على ريم ومره على الشاشة ولا يُسمع إلا صوت الخيار الذي تقضمه،
ريم بارتباك رغمًا عنها: شوية احترام للموضوع طيب، صوت الخيار وتّرني.
ضحكت : مناسبين بعض والله.
انكمشت ملامحها بتبرم: وش هالتفكير الضحل؟
غادة باستنكار: وش دخل؟
الجادل: والله ويمين بالله ماقالت هالجملة إلا عشان تقول ضحل... اسفهيها ما كأنه انقال شي.
ريم بتنهيدة: ليت بيت عزام قدامنا كان قلنا لشعاع تجي ماينقصنا إلا هي.
غادة بفضول: عزام يقرب لكم؟
نطقت الجادل بابتسامة هادئة: عزام يصير ولد خالتي صيتة و ولد عمي ذيب الله يرحمه.
تفاجأت غادة ونطقت بأسى: ياعمري صيتة أرملة!
ريم : ايه توفى خالي بعد أسبوع من عرسه،
ثم أردفت بنبرة ناقمة: لا واضح فهد من يدخل بيته يسحب على أمًا جابته ويتبرى من العايلة كلها.
ابتسمت غادة تجاملها، تردف بعد ذلك بعطف لازال عقلها وقلبها مع صيتة: عمري عليها والله.
ريم بنبرة تفيض بالحب: بعد قلبي هي مافيه مثلها أبد أموت عليها أكثر شي.
غادة بتأثر تشعر بالدموع تهدد عينيها بعد طاري الموت هذا: كم عمره يوم مات؟
الجادل بحسرة: صغير والله شباب أبو ثمان وعشرين سنة.
وضعت غادة يدها على قلبها بوجع حقيقي وكأنها تعرفه: الله يرحمه والله أوجعت قلبي صيتة، أصلاً من تشوفينها تحنين عليها على طول تحسين فيها حزن.
ارتسمت ابتسامة متكلفة على شفتي الجادل لكن سرعان ماتلاشت وعادت تنطق بضيق وفؤادها يذوب بين ضلوعها رقه وشوق وحنين ورحمة: صادقة والله على إن السالفة قديمة أكثر من ثلاثين سنة بس تحسين للحين ماتخطتها.
ريم بحنية: ماتنلام غير أنها انفجعت فيه أمي تقول خالي ذيب كان يحبها بشكل مو بطبيعي لدرجة إن الدنيا كلها تدري ولا عليه بأطلق شنب لا جدي عزام ولا حتى جدي عبدالله الله يرحمه. يعني حركات القرود اللي كان يسويها حاكم يوم خطبك وكنا ميتين عليها ولا شي عنده.
ضحكت ببؤس عظيم: والله مالقرد إلا أنتِ.
.
دخل فهد بيته بعد منتصف الليل بربع ساعة، لازالت الابتسامة تلوح على وجهه من حديثه مع حاكم وهم في طريق العودة للمنزل، يقول ممازحًا وعينه مثبته على الطريق أمامه: أنا قررت نكرم بنت عبدالله في الأعياد وجميع المناسبات والمحافل الوطنية، وأسبوع الشجرة والمرور ويوم العمال.
قهقه فهد ببشاشة: عشان؟
هتف حاكم بنبرة حانية وهو ينظر له بنظرة سريعة قبل أن يعاود النظر للطريق: أول مرة أشوفك مستانس كذا وتضحك من قلب مع الكل بعد اللي صار.. أحس أخوي القديم رجع لي.
تبسم فهد ابتسامة مقتضبة، ثم قال بتهكّم: أخوك القديم أجل!! قاعد تبيع الحكي علي أنت؟
تعثرت الكلمات في حلق حاكم بارتباك قبل أن يتمتم بنبرة حاول أن يجعلها اعتيادية: اختلفت المسميات بس المقصد واحد ياخي. بس كانك تبيها على بلاطة أنت بتبقى أنت سواء الجوهرة أو فهد ولا فرقت علي واجد بس كنت محتاج أحد يصحيك.
ثم يردف غامزًا له: ولو إني أحب شخصية الجوهرة القشرا والمشكلجية أكثر.
ارتفعت أطراف فمه بابتسامة لم تصل لعينيه، يقول بعد زفيرٍ أطلقه وهو يصرف بصره لنافذته: والله إني حاولت أرجّع اللي فات ياحاكم بس عجزت عنه، وكأن فيه حاجز بيني وبين نفسي قبل.
ثم يتابع بعد ثانية صمت بهدوء وهو يعاود النظر له: ترى سالفة إني طول عمري الطم على اللي صار والعزلة ذي وإن اللي أعرفهم ينعدون على الأصابع ماهي عاجبتني أنا بعد.
سكت حاكم ينتقي كلماته بعناية فهذه المره الأولى التي يتحدث فيها مع فهد بموضوعه فالموضوع ومنذ حدوثه كان كالارض المليئة بالالغام ممنوع الاقتراب جملةً وتفصيلا، يقول بتأني: ماهي عزلة أنت للحين تتأقلم.
فهد بمرح زائف: أي تأقلم يرحم أمك!.. عمري تسع وعشرين سنة يارجّال وأنا حتى أصدقا ماعندي، قاط معك بأخوياك.
ضحك حاكم رغمًا عنه: أخوياي لا شافوني داخل عليهم بدونك تقل داخل عليهم إبليس لو عليهم رجموني بالمراكي والنعل.
يتابع بعد ذلك بمودة ما إن ملأت ضحكة فهد المليئة بالحياة السيارة: صالح دق عليك أكثر من مره يعزمك بس أنت ماتطيع.
فهد بهدوء وابتسامة ضائقة صغيرة: مو ذي المشكلة يوم أقولك عزله..
ينتهي الحوار عند تلك النقطة بعد أن أوقف حاكم سيارته أمام منزلهم، وتفرقا كلاً لداخل بيته،
يجلس فهد على الأريكة، وتتعلق عينه بالتي خرجت من الغرفة بعد أن سمعت صوت الباب، مبتسمًا وكأنه ينتظرها،
اقتربت منه، تسأل رغم أن الإجابة واضحة : جيت؟
شدها من يدها لتستقر جالسةً على قدمه: لا للحين برى.
توترت لا إراديًا،، لكنها ضحكت وهي تقرص خده بخفّه بينما يدها الأخرى أخذت مكانها حول كتفه : ياشَقي.
رفع فهد حاجبيه إلى الأعلى وغالباً ماتصدر ردة الفعل هذه تلقائيًا لأسباب كثيرة. يبتسم ابتسامة واسعة لتغرق غادة متأملةً ثنايا وقسمات وجهه،، من الأنف إلى عينيه.. تتوقف عند عينيه، للأبد تتوقف عند عينيه.. تطيل التمعن فيها، تسأل وابتسامة هادئة تعلو شفتيها: الله الله وش أفهم من النظرة اللي تدوخ ذي!
فهد: ماهو واضح يعني؟
عقدت غادة حاجبيها بعدم فهم، ابهامها يتحرك على خده بنعومة بدون شعور أو إدراك منها: ماهو واضح وش؟
فهد بابتسامة هادئة: إني أحبك؟
نظرت إليه بدهشة وكأنه فاجأها.. والحقيقة أنه فعلاً فاجأها فهذه المرة الأولى التي ينطقها صريحةً بالحرف الواحد هكذا: يالطيف بالسرعة ذي!
فهد بهمسٍ ماكر يقصد كل حرفٍ فيه: من النظرة الأولى وقلبي مو معي.
ابتلعت ريقها بصوتٍ مسموع ولم تتجاوب معه، فهّز قدميه لمرةٍ واحدة يحثها على الإجابة، يسأل بابتسامة صغيرة متوترًا رغمًا عنه: أنتِ ماتحبيني؟
"والله لو تدري إنك جايب راسي من أول أسبوع وش بتقول؟" ربتت على خده بغرور مازح: بدري عليك بس تقدر تقول ارتحت لك.
تحولت ابتسامته لضحكة رنانة، ضحك بقوة لدرجة أن عينيه اختفت، يقول بعد ذلك بنبرة وهو يرى ابتسامتها البلهاء وعينها المسلطة عليه بهيام: طيّب طيّب...مو مشكلة.. وش سويتي وأنا مو موجود؟
غادة بهدوء وخدر لازالت تحت تأثير ضحكته: رحت عند الجيران ريم كانت هناك. وأنت وش سويت؟
فهد بمودة: أنا طول ماكنت قاعد معهم أفكر فيك وبس. كنت أبي أرجع البيت بأسرع وقت وحاس إني مشتاق لك أبي أشوف عيونك.
أرخت بصرها ليد فهد التي أمسكت معصمها، تشعر بقبله صغيرة على رؤوس أصابعها رغم الهدوء فيها إلا أنها عصفت بها وسرقت قلبها من بين أضلعها بشكلٍ مدمر.
عجزت عن قول شيء مما تشعر به، واكتشفت أنها تسبق فهد بخطوات كبيرة فإن كان هو الآن للتو أحبها، فهي الآن صارت متيمة به!
.
.
بعد مضي أيام،
اتصل حاكم على ريم وطلب منها أن تأتيه لبيته. بنبرة صوت لم تعجبها بتاتًا وأثارت في نفسها الريبة.
تتبدد الريبة ويشتعل مكانها الخوف والقلق ما إن دخل فهد بيت والده، لتتوقف أثناء نزولها من السلالم وأمامها مايزيد عن الستة درجات، تتابعه وهو يمشي جهتها بسرعة يسأل بنبرة مكتومة: وين أمي؟
لم تفت ريم ملامح وجهه المسودّة، ولا تسارع أنفاسه أو حتى ارتعاش أجفانه واحمرار عينيه، تجيب بقلق فهذه المرة الأولى التي ترى فيها فهد بهذه الحالة: بغرفتها تجهز محاضرات بكرة .
ثم تسأل بوجل أول سؤال طرأ عليها: أبوي فيه شي؟
تعداها يصعد بقوة، بخطى مسموعة وكأنه سيفتت الأرض تحته دون أن يرد.
أدارت رأسها حتى اختفى في الأعلى، وقلبها تسارع نابضًا وكأنه لم يصدق أن يشتّم رائحة الخوف هذه.
غيرت وجهتها وصعدت خلفه بسرعة، لم تستطع أن تصبر ولن تتحمل أي فكرة سوداء تتلصص على عقلها المرتاح تمامًا منذ أن دخلت العشرين عامًا.
توترت وشعرت برجفة تسري في جسدها ما إن اقتربت من باب أمها بهدوء، تضع يدها التي تجمدت على مقبضه بهلع وهي تسمع صوت بكاء فهد المرتفع دون أن يحاول كتمه.
.
.
شهقت بهلع وعدم تصديق ما إن ارتمى جسده أمامها، بعد أيام من البحث لم تتوقع أبدًا بأن ماستجده هو جسد مدمي تفوح منه رائحة الموت، ركضت ناحيته، نزلت على ركبتيها أمامه، تضرب خدّه بخفه خشيةً من أن تؤذيه مما بلل كفها باللون الأحمر الذي لازال يسيل من رأسه. غير قادرة على تحديد المكان بالضبط, هل هو أنفه؟ أم المليون شق في خده؟ فمه؟ أو ربما عينيه المتورمتين!
تتسارع أنفاسها وتتصاعد بحدة حتى بدأت تبكي، لا حروف تخرج، تعاود ضرب خده بقوة هذه المره وليتأذى المهم أن يستيقظ.... لكنه لم يتحرك.
تنطق بصعوبة وفزع: ذيب.
تتحسس صدره بكفين مرتعشين وكأن ماسًا كهربائيًا يعبرها.
تحاول أن تبحث عن أي إشارة، دقة قلب حتى وإن كانت ضعيفة، نفَس حتى وإن كان مقطوعًا قصيرًا،
أي شيء يخبرها بأن ذيب لازال حي.
*
تبسم ساطي وهو ينظر له: أنت ذيب.. اسمك ذيب.. لا تنسى مهما اعطوك اسم غيره.
نظر له ذيب.. ينطق ببطء متعمداً إغاظته: لماذا؟
صمت ساطي لثانية، ينطق بقهر: لا تتغابى وأنت تفهمني.
ثم يتابع بنبرة مغتاظة: ولا تتكلم عبري،، تكلم معي مثل ما أكلمك.
تجاهله ذيب وتصدد عنه بغضب واضح كي لا يُخرج عيناه من محاجرها, فهو بحاجته حتى لو كان ولازال يصر على أن يخفي عنه كل شيء... اسمه، هويته، حقيقته... ماضيه وكيف سيكون حاضره!
يصله صوت ساطي بحسرة عميقة بعد صمت طويل: أنت ذيب وبس... والذيب ذيب مايحتاج اسم يلحقه.
.
.
.
# نهاية الفصل الثاني والعشرون
نلتقي الاسبوع القادم إن شاءالله ❤
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ♡.
|